عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 05-15-2023
Oman     Female
SMS ~ [ + ]
أحبك وأنت النبض ودقات قلبي كله:066
لوني المفضل White
 عضويتي » 28589
 جيت فيذا » Oct 2015
 آخر حضور » منذ 19 دقيقة (07:23 PM)
آبدآعاتي » 1,061,839
الاعجابات المتلقاة » 14055
الاعجابات المُرسلة » 8234
 حاليآ في » سلطنة عمان
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Oman
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الفنى
آلعمر  » 22سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » عزباء
 التقييم » ضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  اطبخ
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي أسير البيت العتيق



منذ ثمانية أعوام امتطيتُ جوادَ التقرب إلى الله بأداء فريضة الحج وأنا في منتصف العقد الرابع من عمري، كان الجسد قويًّا والعزم شديدًا، وكانت الدنيا على الرغم من شدة إقبالها عليَّ، لا تعدو إلا منزلًا نزلت فيه ولم ينزل فيه قلبي، عزمتُ على الحج ملبيًا ومكبرًا ومهللًا، في القدوم أطوف وأرمل وأضطبع، وفي السعي أسعى وأهرول، وفي منى أبيت وفي عرفة أبتهل، وفي مزدلفة أبيت، وبعدها أفيض من حيث أفاض الناس، لأرمي وأحلق وأطوف وأسعى، لأعود إلى منى أرمي بعد الزوال ثلاثة أيام، ثم أطوف مودعًا البيت الحرام.



سعيتُ في حجي الأول، أو هكذا بدا لي أن أتَّبع السُّنة في كل أفعالي ومناسكي، فلله الحمدُ والمنة، لأتلقى بعدها دروسًا لم تخطر لي على بال دوَّنتها في خاطرتي الأولى "مدرسة الحج".



غير أن رحلة الحج هذا العام لم تكن كسابقتها منذ ثمانية أعوام، فها أنا ذا في مطلع العقد الخامس من عمري؛ حيث غزا المشيب مِفرق الرأس، وشعر الجسد بدبيب الوهن يدق العظام، وكذلك لم يكن حال القلب كحاله الأول؛ حيث أقبلت الدنيا عليه بزُخرفها وزينتها تلهيه حينًا وتأسِره حينًا، ويفر من براثنها أحيانًا أخرى.



كبرت الرعية، فزادت المسؤولية، وازداد الهم والحزن والخوف، شعرت أنَّ قلبي يشيب أكثر مما يبدو على رأسي، فآثرت أن انطلق إلى مولاي ألبِّي دعوة إبراهيم، عزمت على الحج منذ عامين، لكن تفشَّى الوباء وانتظرت عامين متحرقًا حتى منَّ الله عليَّ هذا العام من غير حولٍ منِّي ولا قوة.



كانت رحلةً صعبةً بكل المقاييس، على مستوى التنظيم والإجراءات، وليس هذا مقام الحديث عن هذه الأمور، غير أنَّ سوء التنظيم الشديد من قبل الجهة المنظمة قد أثَّر تأثيرًا شديدًا في التركيز في العبادة واتباع السنة بتمامها، فلله الحمد على كل حال، لكن بدت لي دروسٌ لم أفطن لها في رحلتي الأولى، دروسٌ لم يصل لها جسدي القوي الأول، بل وصل إليها قلبي الواهن هذه المرة.



كانت الكعبة البيت الحرام هي همِّي الأول وشغلي الشاغل، كنت أنظر إليها فتزداد في قلبي هيبةً فوق هيبتها، وعظمةً فوق عظمتها، لأقع أسيرًا لها سعيدًا بأسري لا أبغي منه فكاكًا.



كنت أراها وحولها الآلاف يطوفون مُحْرِمين لأتذكر الماضي برُمته، نظرتُ إلى البيت العتيق وكأنه ما زال قواعد في وادٍ غير ذي زرع، رأيت الخليل إبراهيم يترك هاجر وإسماعيل يدعو لهما بالرزق والجوار الحسن.



التفت خلفي ليبدو لي الصفا والمروة تسعى بينهما هاجر مجهدةً، وأسمع بكاء إسماعيل جائعًا وأشعر بالأرض تتزلزل تحت قدمي من نبع زمزم، نظرت إلى المقام، فرأيت إسماعيل وهو يشب غلامًا حليمًا يرفع مع أبيه الخليل القواعد من البيت، يجتهدان في البناء أثرًا يبقى فوق الصخر معجزةً ومصلًّى إلى يوم الدين.



سمعت بأذني أصوات الفيلة تدك الأرض تقترب من الكعبة، تقترب إليها فتُلْقَى أسيرةً للبيت العتيق لا تخطو قيد أنملة، ورأيت الطير الأبابيل تدك جيش أبرهة.



رأيت الكعبة وقبائل قريش تكاد أن تتقاتل على شرف الحجر الأسود، ورأيت الصادق الأمين يرضونه حكمًا عدلًا يضع بيديه الشريفتين الحجر في مكانه بعدما حكم بين القبائل بفطنته وحكمته.



رأيت الكعبة وحولها الأصنام تخنقها من كل حدبٍ وصوب، رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة يطوف حول البيت متألِّمًا من مشهد الأصنام، ليلقى عليه الوحي بعدها هناك بعيدًا في غار حراء. رأيته يجري في طرقات مكة يسأل خديجة أن تزمِّله فترعاه بلطفٍ، وتُهدِّئ من روعه، وتلقي على أذنه خير ما قالت امرأةٌ في حق زوجها، رأيتهما ينطلقان إلى بيت ورقة بن نوفل يبشِّره بالناموس الأكبر. نظرت مرةً أخرى للبيت العتيق، فرأيت الرسول صلى الله عليه وسلم حول الكعبة وفي طرقات مكة يدعو سرًّا ثلاث أعوام، لأسمع بعدها صوته فوق الصفا منذرًا قومه من بين يدي عذابٍ شديد، سمعت أبا لهب يسفِّه ابن أخيه على الملأ ليصرف الناس عن الحق.



رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يطوف حول البيت داعيًا جهرًا وسرًّا الناس إلى عبادة الله، ورأيت غلمان قريش يوزعون الكرسف على زوار البيت؛ حتى لا يستمعوا لقول الرسول، ورأيت النضر بن الحارث يجلس بجوار الكعبة يحكي للعرب حكايات ملوك الفرس وأحاديث رستم وإسفنديار يصدهم عن دين الحق وهم يشاهدون رقص القانيات، ورأيت أبا لهب يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم في طرقات مكة وحول البيت يحذِّر الناس من كذب الصادق الأمين.



رأيت الطفيل بن عمرو الدوسي وهو ينزع الكرسف من أذنيه ليلقى الإيمان في قلبه، ورأيت أبا ذر الغفاري حول الكعبة يتلمس الهدى ليميل عليه أهل قريش بكل مَدَرَةٍ وعظم حتى يخر مغشيًّا عليه، يغتسل من ماء زمزم ويشرب من مائها ثلاثين يومًا، رأيته يطوف البيت ويسفه أصنام قريش ليلقى محمدًا صلى الله عليه وسلم مؤمنًا بالله وحده.



رأيت طرقات مكة ورأيت ياسر وصفية يقتلان، ورأيت خباب يُكوى وبلال يعذَّب، رأيت من بعيد دار الأرقم بن أبي الأرقم يؤمها المسلمون سرًّا، ثم رأيت الأسد حمزة والفاروق عمر وهما على رأس فيلق الإيمان.



رأيت الكعبة والصادق الأمين يجلس مع أبي بكر، وتأتي أم جميل تريد أذاه فما تراه، ورأيت أبا جهل يحتمل الحجر ليؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم، فيعود منتقع اللون من الفزع لَما رأى فحل الإبل يحول بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم.



رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ويأتي أشقى القوم عقبة بن أبي معيط ليضع على ظهره الشريف سلا الجذور، رأيت أبا جهل وصناديد الكفر يتمايلون ضحكًا، ورأيت عبد الله بن مسعود فوق شجرة يخشى من بطش قريش وهو ليس له منعة، ورأيت الطاهرة الزكية فاطمة بنت محمد ترفع عن ظهره الأذى ليقف داعيًا على صناديد الكفر لأراهم بعدها صرعى في قليب بدر.



نظرت بشدة داخل الكعبة لأرى الأرَضة تأكل صحيفة مقاطعة بني هاشم، ولا تترك فيها إلا موضع بسمك اللهم، نظرت خلفي على أبواب مكة لأرى الرسول صلى الله عليه وسلم وزيدًا يقفان ينزفان من أثر سفهاء الطائف، يدخلان مكة في حِمَى المشرك المطعم بن عدي، يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم ليطوف بالبيت العتيق معلنًا للعالم بأسره أنَّه على الحق، ولن يستسلم حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، تذكرت موسم الحج والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو القبائل، ليستجيب له نفرٌ من يثرب يبايعونه بيعة النساء عند العقبة يذهب معهم مصعب بن عمير، يأتونه بعدها بعام فوق السبعين مؤمنًا يباعونه بيعة العقبة الثانية.



نظرت في أروقة مكة، فإذا هي تنقلب رأسًا على عقب، تبحث عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق، رأيت دار الندوة، ورأيت أبا جهل يعد من يأتي بخبرها أحياءً أو أمواتًا بالخير الكثير، رأيت عمر مهاجرًا متوعدًا قريش، ورأيت صهيبًا فارًّا بدينه بعدما باع دنياه راجيًا رحمة ربه، فربِح البيع أبا يحيى.



رأيت مكة تظلم ثماني سنوات حتى تشرق بالفتح، لأرى بلالًا على رأس البيت العتيق مؤذنًا بفتح مكة، ورأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يهدم الأصنام حولها لتعود كما كانت على عهد الخليل إبراهيم. مكثتُ أنظُر إلى البيت العتيق وكأن ساعة الزمن تحركت عامين، لأشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم يطوف حول البيت العتيق طواف الوداع، بعدما أتم الله على الناس هذا الدين، وارتضاه لهم في عرفة يوم حجة الوداع، طاف حول البيت ليبقى أثره خالدًا مخلدًا، سنةً نتبعها وشريعةً ندين بها لله عز وجل، وقرآنًا يتلى إلى يوم الدين.



 توقيع : ضامية الشوق