بعد هذا الكلام الجارح الذي القته مناير على خالد ظهر صوت اخر: صفعه من يد فاتن على وجه مناير .. لم تكن قوية بل مهينة
فاتن وهي تكشر باسنانها في وجه اختها حنق وغضبا: قليــــــــلة ادب .. ذلفي دارج لا بارك الله بعدوينج.. ذلفي
مناير وهي تمسك خدها الما وحرجا من اختها.. ولكنها لم تنبس ببنت شفة وغادرت مسرعة الى غرفتها..
اما فاتن فكانت تنفذ النار من انفها من الغضب العارم الذي اجتاحها.. ام جراح وخالد بقيااا مندهشين من ردة فعل فاتن الغير متوقعة.. صحيح ان ما قالته مناير كان حقيرا وكريها.. لكن ردة فعل فاتن تجاهه كانت مخيفة.. مابالها كي تمد يدها وهي المعروفة بدلالها لمناير.. حتى فاتن نفسها لم تعرف ما جرى بها كيف تصفع اختها بهذه الطريقة.. التفت ناحية امها وهي تستنجدها بنظراتها.. لكنها وجدت امها مندهشة لا بل مصعوقة وهي لا تعرف ما تقول
فاتن: يمـــه
ام جراح لم ترد عليها بكل مالت نظراتها للأسف.. كيف بدر منك يا بنيتي هذا التصرف؟
خرجت فاتن مسرعة من المنزل وهي غير مصدقة ما جرى لها في لحظه.. لم صفعت مناير لا تدري؟ لكن نظرات امها لها هي ما جلبت العبرة الى عينها .. ياالهي .. ما أقساني.. لكن.. مناير لم يكن من حقها ان تقول ما قالته لخالد وهو الوحيد من ياتي لنا.. اردت ان ارد اعتباره امام امي وامامي.. لكن.. لا حق لي بصفعها هكذا.. لقد اهنتها.. يا الهي . سامحني..
جلست فاتن عند حافة الحوض الزراعي الصغير وهي تبكي بهدوء.. لم تستطع أن تتوقع أن يبدر منها مثل هذا الموقف الكريه.. سامحيني يا أختي.. سامحيني
مشعل الذي ظل واقفا في الشارع ينتظر خروج فاتن له.. فبعد دخولها العاصف لمنزلها من غير أن تلتفت له كان من اشد الأمور ألما على قلبه أن لا تلتفت له حبيبة قلبه.. وتتجاهله هكذا.. لماذا يا فاتن.. لما؟
ابتعد عن منزلهم وهو يقترب لمنزل حبيبته واللهفة سارية في حناياه متمنيا رؤيتها.. يا ليت لو أراها الآن لأكحل عيناي بها.. وقف عند السور الحديدي الصدئ وهو ينظر لمن جالس على الحوض.. كانت هي .. ويا قلبه.. كانت تبكي..
فر عقل مشعل عن رأسه عندما تاكد ان الجالس هي فاتن.. فما كان له الا ان يتجاسر ويناديها
مشعل بصوت حنون شاجب: فاتن؟؟
التفتت لفاتن للصوت الذي ينادي اسمها بهذه العذوبة.. توجهت نظراتها مباشرة للمخلوق الواقف خلف سور منزلهم .. كان هو.. العزاء لعيونها الحزينة..
فاتن والدمعة الناعمة تسير على خدها المشمشي: ... مشعل؟
مشعل وهو يمسك أعمدة السور: علامج؟ ليش تبجين؟ منو بجاج؟
تغضنت ملامح فاتن: انت ليش واقف هني؟
مشعل: ماقدر ماشوفج.. وانتي من دخلتي البيت حتى ما التفتي لي وانا اللي واقف انتظرج.. علامج فاتن.. ليش تبجين يا بعد هالناس..
فاتن وهي تحترق عيناها بدموع الاسى: انا قاسية.. صفعت اختي ... ظالمة ظالمة..
مشعل يبتسم لها مخفف عن وطأة الغم الذي يعتريها: لااا ماعاش اللي يقول عنج ظالمة.. انتي لو ظالمة جان الدنيا ما اصبحت ولا اشرقت الشمس بنور.. لا تقولين عن نفسج جذي.. ما ارضى عليج تراني..
فاتن: لكني ظالمة.. صفعتها واهنتها جدام الكل
مشعل: انتي لا اول وحدة ولا اخر وحده تفقد اعصابها ليمن تشوف الغلط.. واختج اكيد سوت الجايد عشان تنمد يدج عليها..
فاتن: ما كان لي حق
مشعل: صح.. لكن بعد.. الله عالم بظروفج.. وسبب صفعج لها..
لم تعي فاتن ما كانت تفعله انذاك.. لقد كانت واقفة .. ولكنها تطير.. يالله.. تمنيت من ياتيني ويخفف كربي.. ولكن ان ترسل لي مشعل.. فهي دلالة على وسع رحمتك يا ربي..
مشعل: طلبتج
فاتن: فداك
يشير مشعل الى خده: امسحي هالدمعة اللي بمرورها عليج تذبحني ذبح الشياة..
لا اراديا مدت فاتن يدها الى خدها وهي تسمح الدمعه التي سرعان ما غادرت حتى اتت اخرى خلفها..
مشعل: لا تبجين.. لا تبجين يافرحة هالوجود.. دموعج غالية.. اغلى من الماس كله..
ابتسمت فاتن لاطرائه الجميل.. كم هو لجميل؟؟ كم هو رائع ومهدئ للاعصاب.. احبه يا ربي ولا اجد في حياتي سبيلا كي لا احبه
مشعل الذي ابتسم لابتسامتها العذبة بحبور: يالله الحين دخلي البيت.. الناس ظهر .. حرام توقفين في الشمس.. أخاف يصيبج شي ..
فاتن أومات برأسها كالطفلة المطيعة.. وغادرت عن عيون مشعل الذي كانت ترقباان خطواتها الأثيرية بكل شغف.. ولكنها عاودت الالتفاف له
فاتن: ربي لا يحرمني منك..
مشعل لم يستطع ان يجيب.. لكن شل تمام من هذا الدعاء البسيط الذي قالته ولكن ما اشد أثره على قلبه.. ربي لا يحرمني منك.. ربي لا يحرمني منك... ربي لا يحرمني منك.. تردد صوتها كالرنات في اذنه.. لا يحرمها مني.. لا يحرمها مني.. لم لكن متأكدا من حبها لي.. ولكن.. ما قصدها بهذه الكلمات..
فاتن التي كانت تسترق النظر إليه بخطواتها لداخل المنزل له.. لتراه قد بدء يهم بالمغادرة ولكن بالتفافها ناحيته توقف وعاد للوقوف.. ابتسمت بخجل وقد تلاشى الكرب من قلبها تماما.. وعادت لداخل المنزل..
اما مشعل فقد استدار لمنزله وهو لا يعرف هل ان كان يمشي ام انه يطير؟ النشوة عارمة.. والفرح كبير لدرجة انه يكاد يختنق به.. دخل منزلهم وهو يمشي ولا ينظر الى أمامه.. وكأن فاتن لا تزال امام عينيه .. ظهرت سماء اخته امامه وهي تنظر اليه ..
سماء: مشعل؟؟ مشعل؟؟؟ اخووووووي مشعل؟
مشعل التفت لها: هااااااا
سماء وهي تضحك: ههههههه شفييييك مبهت جذي و جنك ما تشوف.. حاسب لا تدعم في الطاولة..
مشعل يبتسم لاخته وهو يعقد ذراعيه خلف ظهره بمنظر اضحك اخته الصغيرة:ههههههههههههههه علامك.. صج مينون
مشعل يمسك اخته من كتفيها: وشنو فايدة العقل.. والفتنة في كل صوب وكل طرف..
سماء وهي تفتح عينيها الخضراوان الواسعتان: بييييييييي مشعل.. لا يكون ينيت من صج؟
مشعل يهز راسه بعنف وهو يبتسم ابتسامة مضحكة
سماء: ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههه
دخلت فاتن الى المطبخ مرة اخرى.. وهي طارحة بصرها بالارض.. كم هي لخجلى من امها ومن تصرفها الذي بدى امامها..
كانت امها تواجه الفرن وهي تحرك شيئا ما في القدر..
ذهبت فاتن ناحيتها ووضعت مقدمة راسها عند ظهر امها .. انتبهت ام جراح لابنتها.. لقد غضبت منها ازاء تصرفها المستهجن.. ولكنها تعرف طبيعة فاتن الحساسة.. تعرف ان خالد لا احد له في هذه الدنيا سوانا .. ولهذ فهي لا تحب ان يجرحه احد.. وان كانت اختها العزيزة مناير.. فكظمت غيضها و امسكت بيد ابنتها بحنان التي امتدت الى كتفها.. وكانت هذه نهاية الخصام..
خالد الذي كان اكثرهم فرحا.. جالسا في الصالة الصغيرة وهو يفكر بردة فعل فاتن.. وما قالته.. ماذا يعني تصرفها هذا.. والا فاتن تضرب مناير؟؟؟؟؟؟ لم اصدق عيناني عندما امتدت يدها الى خد مناير المشاكسة.. مناير قد احرقت قلب خالتي ولكن فاتن كانت تمسك بمناير لتخفف فزعها من صراخ خالتي.. لكن عندما وجه كلام مناير الجارح لي اسكتتها فاتن بصفعة تصم اذنيها اسبوع كامل.. ههههههههههه يا الهي لااريد ان اجن ولكن.. ايقن هذا التصرف في قلبي؟؟ هل تحبني فاتن كما احبها؟؟ وانت يا خالد.. كيف لك ان تعرف هذا الشي وانت على مضاربة دائمة معها.. لابد لك وان تلين معها قليلا.. لكي تتغلغل في قلبها شيئا فشيئا يا ربي .. مااشد فرحتي.. كيف لي ان اقابلها مرة اخرى من غير ان اكلها بعيني وبحبي الذي يعمر خافقي وقلبي.. يا الهي الهمني الصبر..
خرجت فاتن من المطبخ الى الصالة بعد ان سالت عن خالد.. بحياااء كبير واجهته .. وكان هو مبيض الوجه ولكنه بدى مرتاحا كثيرا..
فاتن بعلثمة: لاتصدق روحك.. بس انا ماحب احد يجرح احد.. ومناير غلطت..
خالد كان ينظر اليها والابتسامة تكاد تنفجر بوجهها
فاتن بحنق: لا تضحك لا الكف الثاني على ويهك..
خالد انفجر ضاحكا في وجهها المستغرب .. لا بل المندهش.. وقف خالد وهو يضحك وتقدم لفاتن وهو محنيا راسه
خالد بهمس: اقول فتووون؟
فاتن وهي تعقد ذراعيها ومن طرف انفها تكلمه: شتبي؟
خالد: شوي شوي.. خفي الله يهديج.. ترى الناس ضعيفة ما اتحمل هالعصبية كلها
فاتن وهي تلوووح مستسلمة في وجهه: اوووووووووه انت مو ويه احد يدافع عنك.. تحرج الواحد يعللكككك..
خالد لم يتمالك نفسه وهو يضحك ورمى بنفسه الخفيفة على الكرسي وهو لا يزال يضحك..
ها قد اتى الصيف
وازدانت شوارع المنطقة بأطفالها وأصحابها.. كل العائلات تتجمع أحيانا في رصيف واحد.. أو في الباحة الخلفية لاحد المنازل.. كانت مستويات العائلات متفاوت في تلك المنطقة فبعضها كان غنيا والاخر معدما والاخر يحمد ربه على نعمه البسيطة.. كبيت ابو جراح.. كان ابو جراح يمتلك حوض سباحه بسيط جدا هو من اوجده في تلك الباحة الصغيرة.. كان يملؤه مائا كل صيف في احد الايام كي ينعشو انفسهم عن حرارة الشمس القاتلة.. وكان قبل ايام قد غطاها بعوامد من صفائح الالومنيوم وبدت باردة.. حتى ان الماء الذي جاب بطنها كان باردا ويجلب الراحة في النفس..
طبعا النسوة لم يسبحن بذاك اليوم.. ولن يسبحن فيها ابدا.. لانها مكشوفه تقريبا ولكنهن كانن يستمتعن بخارجها بسباحة الرجال بها...
خالد الذي كان أكثرهم فرحا بهذه البركة لم يهنأ بها إلى تلك الدرجة..فبهذه الخفقات التي تكسر صمت جسده عندما تترائى له فاتن وتظهر كل لحظه امامه.. كان يتضايق اذ ان معاملته لها بدت حميمة اكثر عن السابق.. وبدى حنونا اكثر .. والكل فسر هذا الشي على موقفها الذي اتخذته مع اختها بذاك اليوم.. لكن احد لم يكن يعرف ان خالد كان يظن ان فاتن قامت بما قامت به حبا له.. كم هو لجميل ان يحس الإنسان انه يحب.. ومحبوب..
في يوم اخر قررت العائلة الصغيرة ان تخرج الى البركة.. والكل طبعا كان فرحا بهذا الشي.. وفاتن دعت رفيقتها مريم واختها نورة التي اعتذرت عن المجيء لكن مريم وافقت فقط بعد الحاحا وحلفا من فاتن عليها
كانت تتجنب اللقاء بجراح الذي اصبح قاسيا ولا يعيرها أدنى اهتمام.. كم هو لحقير.. معتوه.. سأريه من هي مريم ..
وبالفعل حضرت ومعها سلة مليئة بمختلف الوجبات الخفيفة.. وفاتن هي من فتحت لها الباب.. وكانت فرحة جدا برؤية مريم فهي كانت تكتفي بسماع صوتها في الهاتف وهذه أول مرة تراها من بعد يوم الامتحان
فاتن وهي تفتح ذراعيها لرفيقتها: مريوووووووووم حمارة وحده وحشتييييني
مريم: حمارة؟؟ معليه ,, ( ترد على عقبها مغادرة)
تسحبها فاتن: ههههههههههههههههههه تعالي صج انج حمارة
مريم: لا حمارة انا خليني بروح بيتنا..
فاتن التي كانت ترتدي قميصا ملابسا مريحة وتبدو كالاجنبية بهذا المظهر..: لا فديتج محشووومة نا الحمارة اللي ماعرف استقبلج
مريم بغرور وهي ترجع: أي خلج مؤدبة لا ارد بيتنا تراا السيارة للحين بره..
فاتن: هههههههههههههههه شلونج حبيبتي شخبارج؟
مريم واهي تقبل رفيقتها: ابخير حبيبتي انتي شخبارج؟
فاتن وهي تشير بيدها يمينا وشمالا: شوي جذي وشوي جذاك
مريم: لا زين عيل احسن منا.. انا على طوللل هنااااك.. ( تشير الى اليسار أي انه جهة الحزن)
فاتن وهي تضمها: ماعليج عمري انا حاسة ان اليوم بتروح يدج لليمين اكثر..
مريم: تهبين والله تخسين.. مابي اشوفه
فاتن: وانتي ماتستحين شعبالج انا شنو باخذج لاخوي يعني.. يهبى والله جراحوو ما يلقى خيرج يام الخير..
مريم: ياويلي من هالتقردن كله..
فاتن وهي تضحك بقوة: ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه يعلللج والله وحشتني..
بخطوات من دخولها للمنزل نادى بوق السيارة التي كانت واقفة مريم.. التفتت مريم لها وهي تمد يدها بالسلة لفاتن: خذي هالسلة بشوف شيبي مساعد..
ازدادت دقات قلب فاتن عندما سمعت بالاسم.. مساعد.. هو من اوصلها.. يا الهي من هذا الانسان الذي يبعثر مشاعري يمنة ويسرة بمجرد سماع اسمه.. لم اذكره ابدا من بعد يوم الامتحان الا عندما ذهبت لاتصل في مريم.. وها هو واقف امام منزلنا..
أخذت فاتن السلة من مريم التي هرعت لترى اخيها.. كان مساعد قد خرج من السيارة كي يحصل على فرصة ليرى فاتن فيها.. لم يستطع ذلك وهو في السيارة لذا خرج منها..
كان يرتدي قميصا بلون البحر و بنطلون بلون الحليب كان مظهره يوحي بالصيف وشعره الخفيف لا تهبه النسمة بل لا تحركه.. والنظارات هي نفسها التي تغطي عينااه.. لم ترى عينيه الا مرة واحده.. ولا تتمنى ان تراها مرة اخرى..
|