عرض مشاركة واحدة
قديم 10-25-2020   #2


الصورة الرمزية جنــــون

 عضويتي » 752
 جيت فيذا » Feb 2010
 آخر حضور » منذ 2 ساعات (01:35 AM)
آبدآعاتي » 3,247,695
الاعجابات المتلقاة » 7401
الاعجابات المُرسلة » 3678
 حاليآ في » » 6ـلىآ رَصيـﭮ الـجنـﯛטּ εïз ••
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » جنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   star-box
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: استخدم كاميرا الجوال

мч ѕмѕ ~
لا أخشى عليك

..................من نسآء الكون

بــل أخشى عليك

من #

طفلة
تشبهني

مشآكسَة ، ثرثآرة ، مجنونة ، وتحبكَ كثيراً كثيراً
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



الربع الثالث من سورة الكهف



الآية 60، والآية 61، والآية 62: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ ﴾ أي اذكر أيها الرسول حينَ قال موسى لخادمه "يُوشَع بن نون": ﴿ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ﴾: أي لا أزال أتابع السير حتى أصل إلى مكان التقاء البحرين ﴿ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾: يعني أو أسير زمنًا طويلاً حتى أصل إلى العبد الصالح - الذي أخبرني اللهُ تعالى به - لأتعلم منه ما ليس عندي من العلم.

♦ واعلم أنَّ سبب هذه القصة - كما ثَبَتَ في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنَّ موسى عليه السلام قام خطيباً في بني إسرائيل، فسُئِلَ: (أيّ الناس أعلم؟)، فقال: (أنا)، فعاتبه اللهُ على ذلك (لأنه أجابهم دونَ وَحْيٍ منه سبحانه)، فأوحى اللهُ إليه: (إنّ لي عبداً بمَجمع البحرين هو أعلم منك)، فقال موسى: (يا رب وكيف لي به)؟ - يعني كيف أصل إليه؟ - فقيل له: (احمل حوتا في مكتل - يعني احمل سمكة كبيرة في وعاء، (وفي رواية: أنه يُمَلِّحها، لتكون غذاءً له) - فإذا فَقَدته - (يعني في المكان الذي ستفقد فيه هذا الحوت) - فستجد هذا العبد هناك)، فانطلَقَ هو وفتاه "يُوشَع بن نون" حتى وجدا هذا العبد الصالح واسمه "الخَضِر"، (وسوف يَتِمّ شرح باقي الحديث في مَوْضعه مع التفسير).

♦ قال تعالى:﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ﴾: أي فلما اجتهدا في السَّيْر، ووصلا إلى مُلتَقى البحرين، جلسا عند صخرةٍ وناما عندها، و ﴿ نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾ عند هذه الصخرة ﴿ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴾: يعني فإذا بالحوت يُصبِحُ حيًّا - بعد أن كانَ مَيّتاً - ويَنزل في البحر، ويَتخذ له فيه طريقًا (كالنفق في الجبل).

♦ واعلم أنّ موسى عليه السلام عندما نام، كانَ يُوشَع (شِبه نائم)، فرأى الحوت وهو يَخرج مِن وعاءه ويَشُق طريقه إلى البحر، ولكنّ يوشع غلبه النوم، فنام ونسي خروج الحوت من المِكتل ودخوله في البحر.

﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا ﴾ : يعني فلمّا تَجاوزا المكان الذي نسيا فيه الحوت، وشعر موسى بالجوع: ﴿ قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا ﴾ يعني أحضِر إلينا غداءنا، فـ ﴿ لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴾ أي تعبًا وإرهاقاً.


الآية 63: ﴿ قَالَ ﴾ له خادمه: ﴿ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ ﴾: يعني أتذكر حين لجأنا إلى الصخرة التي استرحنا عندها؟ ﴿ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ﴾ : يعني فإني نسيت أن أخبرك ما كانَ مِن أمْر الحوت، ﴿ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ : يعني وما أنساني أن أذكُر لك ذلك إلا الشيطان، فإنّ الحوت الميت قد دَبَّتْ فيه الحياة ﴿ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴾ : أي وقفز في البحر، واتخذ له فيه طريقًا، وكان أمْرُه عجيباً.


من الآية 64 إلى الآية 70: ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ﴾ يعني: ما حصل هو ما كنا نطلبه، فإنه علامة لي على مكان العبد الصالح، ﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾: أي فرجعا يَتتبعان آثار مَشْيهما حتى انتهيا إلى الصخرة، ﴿ فَوَجَدَا ﴾ هناك ﴿ عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ وهو "الخَضِر" عليه السلام (وهو نبي من أنبياء الله تعالى، وذلك على الراجح من أقوال العلماء)، والدليل على ذلك أنّ اللهَ علَّمه أشياءً مِن عِلم الغيب - كما سيأتي في القصة - وقد قال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ ، والدليل على أنه ليس مَلَكاً أنه - كما سيأتي أيضاً في القصة - أراد أن يُضِّيفه أهل القرية بالطعام، ومعلومٌ أن الملائكة لا تأكل.

♦ وقد﴿ آَتَيْنَاهُ ﴾ يعني أعطينا الخَضِر ﴿ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴾ - وهي النُبُوَّة -﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا ﴾ أي مِن عندنا ﴿ عِلْمًا ﴾ عظيمًا (وهو بعض الأشياء مِن علم الغيب عن طريق الوحي)، فـ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى ﴾: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ : يعني هل تأذن لي أن أتَّبعك لتُعَلِّمني شيئاً - أسترشد به وأنتفع - من العلم الذي علَّمك اللهُ إياه؟، فـ﴿ قَالَ ﴾ له الخَضِر: ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ أي لن تطيق أن تصبر على اتِّباعي ومُلازمتي، (وقد أراد بذلك أنه سيَرى منه أموراً لا يُقِرّها موسى في شَريعته، والخَضِر لابد أن يَفعلها، فيَتضايق موسى بسببها ولا يطيق الصبر).

♦ وقال الخَضِر لموسى:﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴾ : يعني وكيف لك الصبر على ما سأفعله من أمورٍ يَخفى عليك عِلمها والحِكمة منها؟، فـ﴿ قَالَ ﴾ له موسى - وقد أصَرَّ على طلب العلم -: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ﴾ على ما أراه منك ﴿ وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾، فوافق الخَضِر، و ﴿ قَالَ ﴾ له: ﴿ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي ﴾ : يعني فإنْ صاحَبْتَني ﴿ فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ ﴾ تُنكِرُه مِنِّي ﴿ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ أي حتى أكون أنا الذي يُبَيِّن لك حقيقته، دونَ سؤالٍ منك.


الآية 71: ﴿ فَانْطَلَقَا ﴾ يَمشيان على الساحل، فمَرَّتْ بهما سفينة، فطلبا من أهلها أن يَركبا معهم، فعرفوا الخَضِر، فحملوهما بغير أجر ﴿ حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ﴾: يعني فلمّا ركبا: قَلَعَ الخَضِر لوحًا من السفينة فخرقها، فـ ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: ﴿ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ﴾ وقد حملونا بغير أجر؟! ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ﴾ : يعني لقد فعلتَ أمرًا مُنكَرًا.


الآية 72: ﴿ قَالَ ﴾ له الخَضِر: ﴿ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ على صُحبتي.


الآية 73: ﴿ قَالَ ﴾ موسى مُعتذِرًا: ﴿ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ﴾: أي لا تؤاخذني بنسياني لشرطك عليَّ (فإنّ الناسي لا حرج عليه)، ﴿ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴾: أي ولا تشُقّ عليّ في تعلُّمي منك، وعامِلني برفقٍ ويُسر (فقبل الخَضِر عُذره).


الآية 74: ﴿ فَانْطَلَقَا ﴾ يمشيان بعد أن نزلا من السفينة ﴿ حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ ﴾ : يعني فبينما هما يمشيان على الساحل: لقيا غلامًا يلعب مع الغلمان، فقتله الخَضِر، فأنكر موسى ذلك عليه، و ﴿ قَالَ ﴾ له: ﴿ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ﴾: يعني كيف قتلتَ نفسًا طاهرة لم تبلغ حدَّ التكليف ولم تتلوث بالذنوب، ﴿ بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾: يعني وكيف قتلته وهو لم يَقتل نفسًا يَستحق بسببها هذا القتل (قِصاصاً)؟ ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴾: أي لقد فَعَلْتَ أمرًا تُنكِره الشرائع والعقول، (ولم تكن هذه نِسياناً من موسى كالتي قبلها، بل كان هذه المرة متعمداً، لأنه لم يُطِق فِعلاً مُنكَراً كهذا).


الآية 75: ﴿ قَالَ ﴾ الخَضِر لموسى مُعاتِبًا ومُذكِّرًا: ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ على ما ترى من أفعالي؟

الآية 76: ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: ﴿ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا ﴾ أي بعد هذه المرة ﴿ فَلَا تُصَاحِبْنِي ﴾ فـ ﴿ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ﴾: أي قد بلغتَ العُذر في شأني ولم تقصِّر؛ حيثُ أخبرتَني أنني لن أستطيع معك صبرًا.

♦ واعلم أنّ العلماء قد اختلفوا في الفرق بين (شيئاً إمراً و شيئاً نُكراً)، ورجّح بعضهم أنّ الاثنان بمعنى واحد، وهو: (الأمر الفظيع المُنكَر)، ولكنّ النُكر أعظم من الإمر، لأنّ قتل النفس البريئة بغير ذنب هو أكبر مِن خَلْع لوح من السفينة (فاللوح يُمكِن أن يَتِمّ إصلاحه أو يُؤتَى بغيره، لكنّ المقتول لا يُمكِن إعادته).

الآية 77: ﴿ فَانْطَلَقَا ﴾ يَمشيان ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ﴾ أي طلبا من بعض أهلها طعامًا على سبيل الضيافة، ﴿ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ﴾: أي فامتنع أهل القرية عن ضيافتهما، ﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا ﴾ مائلاً ﴿ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾ أي يُوشِك أن يَسقط ﴿ فَأَقَامَهُ ﴾: أي فعدَّله الخَضِر وأصلحه حتى لا يَسقط، فـ ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: ﴿ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾: يعني لو شئتَ لأخذتَ أجرًا على هذا العمل - مِن صاحب الجدار - لتُحضِر لنا به طعامنا (إذ كيف تَبنيه لهم (مجاناً)، وقد كانوا بخلاء معنا ولم يُضيِّفونا؟).


الآية 78، والآية 79: ﴿ قَالَ ﴾ الخَضِر لموسى: ﴿ هَذَا فِرَاقُ ﴾ : أي هذا هو وقت الفراق ﴿ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾، و﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ : أي سأخبرك الآن بتفسير الأفعال التي أنكرتَها عليَّ ولم تستطع صبرًا على ترْك السؤال عنها، فـ ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ ﴾ التي خرقتُها ﴿ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ ﴾ عليها ﴿ فِي الْبَحْرِ ﴾ أي يؤجِّرونها للركاب طلباً للرزق، ﴿ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ بذلك الخرق، والسبب في ذلك: ﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾: يعني لأنه كان أمامهم مَلِكٌ يأخذ كل سفينة من أصحابها قهراً (فأردتُ أن أجعل بها عيباً حتى لا يَرغب فيها).
♦ واعلم أنّ لفظ "وراء" يُطلق على ما كان خلفاً وما كان أماماً، لأنّ كل ما وُورِيَ - أي: استُتِر - فهو وراء، كما قال تعالى: ﴿ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ ﴾ أي مِن بعد موته.


الآية 80، والآية 81: ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ ﴾ الذي قتلتُه ﴿ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ﴾: يعني كان أبوه وأمه مؤمِنَيْن، وقد عَلِمَ اللهُ تعالى أنّ ذلك الولد إذا بَلَغَ وكَبَر سوف يَعُقُّهما ﴿ فَخَشِينَا ﴾ أي فخِفتُ إن بَقِيَ حَيّاً وكَبُرَ ﴿ أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ يعني أن يُوصل والديه إلى الكفر والطغيان؛ وذلك بسبب مَحبتهما له أو شدة حاجتهما إليه، فيُطيعا أمره، ويَميلا إلى ما هو عليه، ويُقِرَّاه على ما يَفعله (حتى ولو كان طغياناً وكفراً)، فيكونا بذلك مِثله، ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾: أي فأردتُ أن يكون قتلي له سبباً أرجو به من اللهِ تعالى أن يُبْدِلَ أبويه غلاماً خيراً منه صلاحًا وبِرًا بهما.

♦ واعلم أنّ الخضر عليه السلام قد قال اللفظين: ﴿فَخَشِينَا﴾، و ﴿ فَأَرَدْنَا﴾ بضمير الْمُتكَلِّم الْجَمْعِي (تواضعاً لا تعاظماً)، لأنه هنا قد أخبر أنّ اللهَ تعالى هو الذي علَّمه ذلك، فناسَبَ ذلك التواضع، فقال اللفظين: ﴿ فَخَشِينَا ﴾، و ﴿ فَأَرَدْنَا ﴾ بإظهار أنه قد عاوَنَهُ أحد في هذا الفعل، وذلك مِثل قوله تعالى - حكايةً عن يوسف عليه السلام -: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ﴾ ، وهذا أيضاً مِثل قول القائل: (لقد وفقنا اللهُ تعالى إلى فِعل كذا).


الآية 82: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ ﴾ الذي عدَّلتُ مَيْلَه حتى اعتدل: ﴿ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ (أي في القرية التي فيها الجدار) ﴿ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا ﴾ ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا ﴾ رجلاً ﴿ صَالِحًا ﴾ ﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا ﴾ أي يَكبَرا ويَبلغا قوتهما، ﴿ وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا ﴾ بأيديهما، وقد كانَ ذلك ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ بهما، ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾: يعني وما كانت أفعالي هذه ناتجة عن إرادتي واختياري، وإنما فعلتها بأمْر اللهِ تعالى وتعليمه، ﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي وَضَّحتُهُ لك هو ﴿ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾: أي هو تفسير الأمور التي لم تستطع صبرًا على ترك السؤال عنها والإنكار عليَّ فيها.

♦ واعلم أنّ الفعل (تَسْطِعْ) هو بمعنى (تَسْتَطِعْ)، ولكنْ حُذِفَتْ التاء هنا تخفيفاً لقربها مِن مَخرج الطاء، وذلك تجنُّباً لإعادة نفس اللفظ المذكور في قوله: ﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ حتى لا يَحدث ثِقَلٌ للسامع مِن تكراره، وهو ما يسمى في اللغة بـ (أسلوب التفنُّن)، كما سيأتي في قوله تعالى - حكايةً عن ذي القرنين -: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ .

♦واعلم أيضاً أنه يُستفاد من هذه القصة أنّ الإنسان ينبغي ألاَّ يَحكم على الأمور بالظاهر، لأنّ هناك أشياء لا يَعلمها ولا يَعلم الحكمة منها، ولذلك ينبغي أن يقول دائماً: (قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعل)، ويُفَوِّض الأمر لربه العليم الحكيم، ويَتذكر هذه القصة.



تفسير الربع الأخير من سورة الكهف



الآية 83: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ﴾: يعني يَسألك مُشرِكو قومك - أيها الرسول - عن خبر المَلِك الصالح "ذي القرنين"،﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾: أي سأقرأ عليكم مِن حاله خبرًا يَحمل موعظةً وعِلمًا تتذكرونه وتعتبرونَ به.


الآية 84، والآية 85، والآية 86: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ يعني أعطيناه من المُلك والسلطان والعلم ما يُمَكِّنُه من التحكم في مَمالك الأرض ﴿ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴾: يعني أعطيناه من كل الأسباب والوسائل و"الإمكانيات" التي يتوصل بها إلى ما يريد(مِن فَتْح البلاد ليَنشر فيها العدل والخير، وغير ذلك)﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾: أي فأخَذَ بتلك الأسباب والطرق بجد واجتهاد، وأتْبَعَ السبَبَ سببًا آخر حتى انتهى إلى ما يريد، (وهذا مِن سُنن اللهِ الكونية في تكامل الأشياء، فمَن صَنَعَ "العَرَبة" وتابَعَ الأسباب التي تَوَصَّلَ بها إلى صُنع "العربة"، فإنه يَصنع الطائرة، وهكذا).

♦ واعلم أنّ كلمة "السبب" معناها الحقيقي: (الحَبل)، ولكنها أُطلِقَتْ على كل ما يُتوَصَّل به إلى شيءٍ ما.
♦ فتابَعَ ذو القرنين بين أسباب الغزو والفتح، وسارَ بجنوده ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ﴾: يعني حتى إذا وصل إلى المكان الذي تَغرب فيه الشمس (وهو على ساحل المحيط الأطلنطي): ﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾: أي وَجَدَها - في نظر العين - كأنها تغرب في ماءٍ ساخن أو أسود، (وكَوْنها تَغرب في هذا الماء: هو بحسب رؤية العين، وإلاّ فالشمس في السماء، والمحيط في الأرض).

﴿ وَوَجَدَ عِنْدَهَا ﴾ أي عند تلك العين الحَمِئة - في ذلك الإقليم الغربي - ﴿ قَوْمًا ﴾ (كافرين أو فُسّاق)، لأنّ اللهَ تعالى رَخَّصَ له في تعذيبهم - كما سيأتي - فلو أنهم كانوا مؤمنين، ما رَخَّصَ له في تعذيبهم، فـ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾، والمعنى أنّ اللهَ أَذِنَ له في التصرف فيهم (بعد أن يَسَّرَ له أسباب التغلب عليهم)، فخَيَّره سبحانه بين أن يُعَذِّبهم بالقتل أو غيره، وبين أن يُعاملهم بالإحسان، فيُطلِقَ سَراحهم بدون فداء، أو يأخذ منهم الفداء.


الآية 87، والآية 88: ﴿ قَالَ ﴾ ذو القرنين لهؤلاء القوم: ﴿ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ﴾: يعني أمَّا مَن استمَرَّ على شِركه وكُفره: ﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ في الدنيا، ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ﴾: أي ثم يَرجع إلى ربه بعد الموت، فيُعذبه عذابًا فظيعًا في نار جهنم ﴿ وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ ﴾ بربه، فصدَّقَ به ووَحَّدَه ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾، ﴿فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ﴾: أي فله الحُسنى - وهي الجنة - ثوابًا من اللهِ تعالى،﴿ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾: يعني وسنُحسن إليه، ونُلَيِّن له القول ونُيَسِّر له المعاملة، فلا نُكَلِّفه ما يُرهقه.


الآية 89، والآية 90: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ أي: ثم سار ذو القرنين بجنوده ليَفتح المَشرق، مُتَّبِعًا الأسباب التي أعطاه اللهُ إياها في فتح المغرب﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ﴾: يعني حتى إذا وصل إلى المكان الذي تطلع منه الشمس - في نظر العين -: ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ أي ليس لهم مساكن تسترهم من الشمس، ولا ثياب يَلبسونها (إذ كانوا قومًا (بِدائيين) لم تساعدهم الأرض التي يعيشون عليها على التحضّر، فلذلك كانوا يَسكنونَ الكهوف والمَغارات والسراديب، ويَسترون عوراتهم بأوراق الشجر وجلود الحيوانات وغير ذلك).


الآية 91: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ - أي كذلك كانَ أمْرُهُم كما قصصنا عليك أيها الرسول - ﴿ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ﴾: أي وقد أحاط عِلْمُنا بما عند "ذي القرنين" من الأسباب المادية والإيمانية، حيثما توجَّه وسار.


الآية 92، والآية 93، والآية 94: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ أي: ثم واصَلَ طريقه في الغزو والفتح - آخِذًا بالأسباب التي أعطاه اللهُ إياها -﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ﴾ وهما جبليْن عظيميْن يَحجزان ما وراءهما، فـ ﴿ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا ﴾ يعني وجد أمام هذين الجبلين ﴿ قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ﴾ أي لا يَفهمون كلام مَن يخاطبهم إلاّ بشدة وبطء (لأنهم لا يَعرفون لهجةً أخرى غير لَهْجتهم)، فـ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ﴾ وهُما قبيلتيْن عظيمتيْن من بني آدم ﴿ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ بإهلاك الزرع وقتْل البشر والأكل والتدمير والتخريب، ﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ﴾: يعني فهل نجعل لك أجرًا ﴿ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾:يعني مُقابل أن تجعل بيننا وبينهم حاجزًا يَمنعهم من الوصول إلينا؟


الآية 95، والآية 96: ﴿ قَالَ ﴾ لهم ذو القرنين: ﴿ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ﴾ يعني ما أعطانيه ربي من المُلك والتمكين هو خيرٌ لي مِن مالكم، ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾ من أجسادكم: ﴿ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ أي حاجزًا قويًّا - في المسافة التي بين الجبلين - ليَكون حائلًا بينكم وبينهم.

♦ وقال لهم ذو القرنين: ﴿ آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ﴾: يعني أعطوني قطع الحديد (كل قطعة على قدر الحجر الذي يُستَخدَم في البناء)، فجاؤوا به إليه، فأخذ يضع الحديد ويَبني السد﴿ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ﴾، يعني حتى إذا ارتفع البناء وأصبح مُساويًا لارتفاع الجبلين: ﴿ قَالَ ﴾ ذو القرنين للعُمّال: ﴿ انْفُخُوا ﴾ أي أشعِلوا النار، وانفخوها على الحديد حتى يَنصهر (ليُصبح أكثر صلابةً وثباتًا)، ﴿ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا ﴾: يعني حتى إذا اشتعلت النار في جميع قطع الحديد، وصار الحديد كله مُنصهرًا: ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾: يعني أعطوني نحاسًا مُذابًا أُفرِغه عليه،فجاؤوا إليهبالنحاس المُذاب، فأفرغه على السد، (ولعل الحكمة من اتحاد الحديد المنصهر مع النحاس المُذاب أنْ تَنتج مادة ثالثة أكثر صلابة تجمع بين قوة الحديد وقوة النحاس).


الآية 97، والآية 98: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ﴾: أي فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يصعدوا فوق السد (لارتفاعه ومَلاسته)، ﴿ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾: يعني وما استطاعوا أن يَخرقوه مِن أسفله لقوَّته.

♦ فلمّا نظر ذو القرنين إلى السد - بعد أن أصبَحَ جبلًا شامخًا وحِصنًا حصينًا -:﴿ قَالَ ﴾: ﴿ هَذَا ﴾ السد هو ﴿ رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ﴾ بالناس، ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي ﴾ بخروج يأجوج ومأجوج عند قُرْب الساعة: ﴿ جَعَلَهُ دَكَّاءَ ﴾: أي جعله اللهُ ترابًا مُساويًا للأرض، ﴿ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾.


الآية 99:﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ﴾: أي وتركنا يأجوج ومأجوج - يوم يأتيهم وَعْدُنا - يَذهبون ويَجيئون في اضطرابٍ كمَوج البحر لِكَثرتهم، (ويُحتمَل أن يكون المقصود بمَن يَموج بعضهم في بعض: الإنس والجن، وذلك يوم القيامة، والله أعلم)، ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ﴾: أي ونُفِخَ في "القرن" نفخة البعث﴿فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴾: أي فجمعنا الخلق جميعًا للحساب والجزاء.


الآية 100، والآية 101:﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا ﴾ أي عَرْضًا حقيقيًّا يُشاهدونها فيه عن قُرب، لنُرِيَهم سُوء عاقبتهم، إذ هم﴿ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي ﴾ أي كانت أعينهم لا تستطيع أن ترى آياتي الكونية، وكانت بصائر قلوبهم لا تستطيع أن ترى أدلتي القرآنية، ليَستدلوا بها على أنني وحدي المستحق للعبادة،﴿ وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴾: أي وكانوا لا يَطيقون سماع حُجَجي المُوصلة إلى الإيمان بي وبرسولي، والداعية إلى الهدى والخير.


الآية 102:﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ ﴾: يعني هل ظنوا أن يتخذوا عبادي آلهةً -يَعبدونهم بأنواع من العبادات - ليكونوا أولياءَ لهم يُنقذونهم من عذابي؟ (والاستفهام للإنكار والتوبيخ)، يعني: كلا، إنهم سوف يَتبرؤون منهم يوم القيامة، وسوف نُعاقب المشركين على شِركهم وكُفرهم، فـ ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ﴾: أي أعددنا نار جهنم للكافرين مَنزلًا، (وفي هذا تهديدٌ ووعيد لكل مَن يتخذ الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء آلهة، يَعبدونهم تحت شعار: التقرب إلى اللهِ تعالى، وطلب الشفاعة عنده بهم، والتوسل إليه تعالى بحُبّهم والتقرب إليهم).


من الآية 103 إلى الآية 106: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول - مُحَذرًا للناس -: ﴿ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴾: يعني هل نُخبركم بأخسر الناس أعمالًا؟ إنهم هم ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾: أي بَطل عملهم وفَسَد، فلم يَنتفعوا به - لأنه لم يكن على هدىً ولا صواب - فبذلك ضيَّعوه بعد أن تعبوا فيه﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾: أي وهُم يظنون أنهم مُحسنون في أعمالهم،(ويدخل في ذلك: المُراؤون بأعمالهم للناس، والعاملون بالبِدَع المُكَفرّة، والمشركون واليهود والنصارى).

﴿ أُولَئِكَ ﴾ هم ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ ﴾ أي كفروا بالقرآن وبما فيه من دلائل التوحيد، والأحكام الشرعية التي شَرَعها اللهُ لعباده، وكفروا كذلك بالبعث والجزاء﴿ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾، أي بَطلت أعمالهم بسبب كُفرهم وريائهم وعملهم بغير ما شَرَعَ اللهُ تعالى،
﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾، أي لا نجعل لهم قدْرًا ولا قيمة، ولا نُوزِنُ لهم أعمالهم الباطلة، بل نَحتقرهم ونُذِلّهم (عِلمًا بأنّ الكفار سيُحاسَبون وإنْ لم تُوزَن أعمالهم، لقوله تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ)، فمُحاسبَتهم لإظهار العدالة الإلهية، لا لأنّ لهم أعمالًا صالحة يُجزَون بها، واللهُ أعلم).

♦ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (إنه لَيُؤتَى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يَزن عند اللهِ جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾).

﴿ ذَلِكَ ﴾ أي أولئك المُحتَقَرون الذليلون ﴿ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا ﴾ أي بسبب أنهم كفروا بوحدانية اللهِ تعالى ﴿ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾، يعني وبسبب أنهم سخروا واستهزؤوا بآيات الله وحُجَجه ورُسُله، فلذلك كان الحُكم عادلًا، والجزاء مُوافِقًا.

♦ ويُلاحَظ أنه تعالى أطلَقَ عليهم لفظ: (ذلك) بدلًا من: (أولئك)، لأنهم بكُفرهم وحبوط أعمالهم أصبحوا لا خيرَ فيهم، ولا وزنَ لهم، فحينئذٍ يُستحسَن أن يُشار إليهم بـ "ذلك"، (أي ذلك المذكور مِن سَفَلة الخَلق)، واللهُ أعلم.


الآية 107، والآية 108: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ باللهِ ورسوله، وبكل ما أخبر به رسوله من الغيب ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾على النحو الذي شَرَعَه اللهُ تعالى، فأدَّوا الفرائض والواجبات، وسارَعوا في النوافل والخيرات، أولئك﴿ كَانَتْ لَهُمْ ﴾ - في عِلم اللهِ وحُكمه -: ﴿ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾ أي لهم أعلى درجات الجنة وأفضلها منزلًا (وهي الفردوس الأعلى)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (فإذا سألتم اللهَ فسَلُوهُ الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عَرش الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهار الجنة).

♦ وحتى نَفهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة): فإننا سوف نتخيل أن الجنة عبارة عن صندوق ضخم، فبالتالي تكون الفردوس في منتصف هذا الصندوق ولكنْ في أعلى نقطة فيه، فبذلك تكون أعلى الجنة وأوسط الجنة)، (واعلم أنّ النُزُل هو ما يُعَدّ للضيف مِن إكرامٍ وإنعام).

﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ - أي في هذه الجنة - ﴿ لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾، أي لا يريدون تحوُّلًا عنها؛ لأنّ نعيمها لا يُمَلّ منه، وصَفْوها لا يُكَدَّر، وسعادتها لا تنقص ولا تُنَغَّض بموتٍ ولا مرض ولا هَم ولا حزن ولا تعب (جعلنا اللهُ مِن أهلها ومَن قال آمين).


الآية 109: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول -: ﴿ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي ﴾: يعني لو كان البحر حِبرًا يُكتَب به الكلمات الإلهية التي تحمل العلوم والمعارف: ﴿ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ﴾، ﴿ وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾: يعني ولو جئنا بمِثل البحر بحارًا أخرى مَدَدًا له، (وفي الآية إثبات صفة الكلام للهِ تعالى حقيقةً كما يَليق بجلاله وكماله).

♦ وقد تضمنت هذه الآية ردًّا على اليهود الذين قالوا: (أوتينا التوراة، وفيها عِلم كل شيء)، فأنزل اللهُ تعالى هذه الآية ردًّا عليهم وإبطالًا لمَزاعمهم، وأخبَرهم أنّ عِلمه سبحانه لا يَنتهي، وأنهم لم يُعطَوا من العلم إلا قليلًا.


الآية 110: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين الذين يَطلبون منك المعجزات بحسب أهوائهم واقتراحاتهم: ﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ لا أقدر على تحقيق مَطالبكم مِن عند نفسي، والفرق بيني وبينكم هو أنني ﴿ يُوحَى إِلَيَّ ﴾ - مِن ربي - ﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ ﴾، أي معبودكم الحق هو ﴿ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾، وهو اللهُ الواحد الأحد، المستحق وحده للعبادة.

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾: يعني فمَن كانَ يرجو ثواب ربه، ويخاف عذابه يوم لقائه: ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ - وهو كل ما كانَ خالصًا للهِ تعالى، مُوافقًا لشرعه - ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾، فبهذا يكون رجاؤه صادقًا، فإن حُسن الظن بدون العمل لا ينفع، وقد ضَرَبَ ابن القيّم رحمه اللهُ مَثَلًا لمن يَزعمونَ أنهم يُحسنون الظن بربهم ولا يَعملون، كمَثَل رجلٍ له أرض زراعية، لا يضع فيها البذور، ولا يسقيها، ثم يقول: (أنا أحسن الظن بها أنها ستُنبت)!


♦ وفي ختام سورة الكهف نُحب أن نَذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم -: "مَن حَفِظَ عشر آيات من أول سورة الكهف: عُصِمَ من الدَجَّال".


رامى حنفى محمود

شبكة الالوكة


 توقيع : جنــــون


مواضيع : جنــــون



رد مع اقتباس