عرض مشاركة واحدة
قديم 02-12-2020   #5


الصورة الرمزية طهر الغيم

 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ 2 يوم (10:33 AM)
آبدآعاتي » 1,385,714
الاعجابات المتلقاة » 11668
الاعجابات المُرسلة » 6471
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » طهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : لا استخدمه My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي





شَدَّت رَبْطة رداء النَّوم جَيِّدًا حوْل خِصْرها.. تَحَرَّرَت من ثِقْل الفُستان وها هي تُعَلِّقه بترتيب وعناية في زاوية خاصة في إحْدى الخزانات.. نَظَرَت لانْعكاس وَجْهها في المرآة.. مَسَحَت كُل المَساحيق عنه.. لِوَهلة شَعَرت وكأنَّ عُلْبة من أَلوان صَبَغت وَجْهها.. لَطالما أَحَبَّت أَن تَتَزيَّن بطريقة ناعِمة تُبْرِز الملامح لا تَطمسها ولا تُكَدِّس فَوقها عشرات الطَّبقات التي تَخنقها وتَضَرّها.. لكن شَقيقتَيها أَصَرَّتا أَن يكون المَاكياج أَثْقَل من المُعتاد.... فهي "عَروس"! جَفَّفَت شَعرها بالمنشفة بخفّة ثُمَّ تَركتهُ يَسْتريح على ظَهرها بما تَبَقَّى فيه من بَلل؛ فَلَقَد شُدَّت خصلاته للأَعلى لساعتٍ طَويلة.. أَلْقت آخر نَظرة على نفسها، ثُمَّ غادرَت عُرفة المَلابس إلى غُرفة النّوم.. في الوَقت الذي فُتِحَ فيهِ الباب كاشِفًا عن دُخوله.. تَبَاطَأت خطواتها حتى تَوَقَّفَت.. ابْتَسَمَ لها وهُو يُغْلِق الباب.. مَشَى إليها والعَيْنان غارِقَتان في حوارٍ صامِت.. اسْتَقَرَّ أَمامها تارِكًا خطوة.. يُمناه سَكَنت جَيْب سرواله مُسْهِبًا في التَّأمّل.. هي الأخرى تَأمَّلته.. كان شَعرهُ مُبَلَّل أَيضًا.. يبدو أَنَّه اسْتَحم في إحدى دورات المياه الخارجية.. مَلابس نوم قطنية.. عِطر رِجالي خَفيف.. مَلامح وَسيمة نَظيفة.. عَيْنان تُغازِلانها بالنَّظَر.. وابْتسامة مُلْفِتة. شَطَبَ الخطوة.. هُنا ارْتَبَكت أَهْدابها.. فَقَد انْعَدَمَ الأَمان وأَصْبَح الخَطَر أَمْرٌ حَتمي.. ارْتَجَفَ جَسَدُها عندما شَعَرت بمَلمس ذراعه حَوْل خِصْرها وبحركة سَريعة تَراجعت خطوة للخَلف.. ارْتَفَعَ حاجبه وابْتسامته اتَّسَعت.. عادَ ومَحى الخطوة، ولكنّها عادت وحَشَرتها بينهما.. ضَحَكَ مُسْتَنكِرًا: لا والله! قاعدين نلعب؟
رَفَعت يَدها قَليلاً وبَسَطتها أَمامه وهي تَطلب بخفوت: خل بيننا مسافة
ضَيَّقَ عَيْناه هامِسًا وابْتسامته تَتكئ على مُنْحَدَرِ الخَبَث: ما أعتقد المسافة بتساعد هذا الليل على تَحقيق المُراد منه
تَخَصَّرت وهي تُقَلِّده قائلة: لا والله؟
تَقَدَّمَ ببطء شَديد وهو يَستعين بحَديثٍ طَويل يُشْغلها به: اي والله.. يعني تبين تكسرين بخاطر هالليل وتخلين المسافة حاجز فيما بيننا؟ كفاية الشهرين اللي طافوا واحنا واحد شرق والثاني غرب.. مو معقولة نَخيِّب القَمر وهو سهران ومتْعَنّي واقف عند دريشتنا! اعطي الليل والقَمر مُبتغاهم وحنّي عليهم شوي.
أَنهى جُملته وبالتَّوالي أَحاطَ خصرها شادًّا عليه بكلتا ذراعيه.. تَجَمَّدَت ملامحها وفي ثواني غالتها حُمْرة جَلِيَّة أَضحكته.. هَمَسَت بِحَنق: لا تضحك "بَرَّرَت لنفسها" ترى أنا أُنثى واستحي
عَقَّبَ بهمس وهو يُطارد زُمُرّدتيها بتَوق: أدري إنّش أنثى.. وأدري إنّش تسحتين.. بل حاليًا بتذوبين بين ايدي من الحَيا.. بس تكابريـــن
رَكَّزَت عَيْنيها في عَيْنيه مُحاولةً إثبات عَكس ما قاله... ارْتَدَت قناعٌ من الضِّيق... وبنبرة تَدَّعي فيها المَلَل تَساءَلت: اللحين إنت شتبــي؟
حَرَّكَ رَأسه يُمنة وشِمالا وهو يُخفي ضحكته.. لا فائدة منها.. يُستحال أن تُبيِّن هَشاشتها.. تَأبى أن تَخلع عَباءة الكِبرياء والغُرور مهما حَصَل.. لكن سَنرى. تَحَرَّكت يُمناه قاصِدةً وَجْهها.. وبِظاهِر سَبّابته مَسَّ شَفتيها بلَهْوٍ ومُشاكَسة.. تَكَهَرَبت بوضوح مما تَسَبَّبَ في امْتعاضها.. رَفَع بَصره إليها واسْتخفافٌ يُحاوط جِفْنَيه.. كَزَّت على أَسنانها بغيظ من خَجلها المُتزاحم داخلها وعلى وَجْهها وَبين أَوصالها.. وكذلك من نَظراته وَأفعاله المُسْتَفِزّة.. حَسنًا عبد الله.. تُريد أن نَلعب؟ تُريد أن تُنافسني لِتُسقطني أَرْضًا مُضَرَّجة بِخَجلي؟ أَتُريد ذلك فعلاً؟ حسنًا.. سَنتنافس وسَنرى من الفائز. طَرَدَت فُتات الغضَب وتوابعه عنها.. وبشبه جُرأة أَحاطت عُنقه بذراعيها وجَسدها يَلتصق به.. هَمَسَت وهي تُكَحِّل عَيْنيها بسِحْرٍ جَذَّاب: تَمــام.. خلنا نسْعد الليل والقَمر
تَقَوَّسَت شَفتاه بتقييم لردَّة فلعها قَبْلَ أن يهمس بسؤال ويده تُبعد خصلاتها عن جانب وَجهها: لأي مَدى نسعدهم؟
اسْتَنشقَت نَفَسًا عَميقًا.. داعَبت بأناملها خصلات شَعره الغافية فَوْق عُنقه من الخَلف.. أَجابت بخفوت وهي تَشعر برُوحها تُنار من أَلَق عَيْنيه وهُما تَتَأمَّلانهِا: للمَدى اللي يخلينا نوصل لهم.. للسما اللي تحتضنهم.



مُسْتَلْقٍ على جانبه باتِّكاءٍ على مرْفقه.. وهي قبالته مُتّخذة الوَضعية نَفسها.. وَوَسَطهما تَقْبَع ثَمَرة الحُب الذي غَرَسَ بذورها بَسّام واعْتَنى بها لأعوامٍ وأعوام حَتى ظَفَر بها. هَمَسَت بضحكة: ترانا مَجانين.. صار لنا أكثر من ساعة نطالعه
وهو يهمس مثلها حتى لا يُزعجان نَوْم الصَّغير: آية من آيات الله.. خل نتأملها ونتفكَّر فيها
قالت وهي تُنْقِل بَصرها بَيْنه وبَيْن الصَّغير: اللحين بعد ما توضَّحت ملامحه بَيَّن إنّه يشبهك أكثر
أَصْدَرَ صوت مُعارِض من بين شَفتيه ثُمَّ قالَ وهو يُشير لذقن ابْنه: يشبهنا اثنينا بنفس المستوى.. شوفي ذقنه.. بالضبط نفس رسمة ذقنش "انتقلَ إصْبعه إلى ما بَين حاجِبَيه" واهني بعد مثلش بالضّبط.. حتى إذا يصيح ويكشّر يشبهش أكثر "وأضافَ أخيرًا" ورسمة وجهه نسخة من رسمة وجهش
ابْتَسَمت مُعَلِّقةً والحُب يَسْبح وَسط مُقلتيها: تمـووت على التَّدقيق.. يعني هالأشياء يمكن محّد ينتبه لها
بثقة: بس أَنا انتبه لها
أَكَّدَت: اي.. من يوم احنا صغار
تساءَل بعد تَردّد دامَ لثواني: تذكرين طفولتنا؟
عَقَّبَت بصراحة: أذكر إنّك كنت لَزْقـــة
اتَّسَعت عَيْناه مُتفاجِئًا من كلمتها التي لَم يتَوَّقَعها، كَرَّرَ باسْتنكار: لَزقة!
وَضَعت يدها على فمها تُخفي ضحكة ثُمَّ قالت بتوضيح: كنت أكبر مننا.. بس غصب تبي تلعب معانا.. وما ترضى ألعب مع باقي الصبيان.. يعني مسوي روحك مثل أخوي
هو الذي لَم يَتجاوز وَقع الكلمة الذي ضايقته بطريقةٍ ما: لزقة عاد! يعني كنت شخص مُزعج وكريه بالنسبة لحَنين الصَّغيرة؟
عَضَّت على شَفتها السفلية قَبْلَ أن تُجيب بِحَرج: آسفة.. بس اي.. ما كنت أتقبّلك
هَمْهَم وهو يُبْعِد بَصره عنها.. شيءٌ انْكَسَر داخله.. يعلم أَنَّهُ يُبالغ.. فهي كانت طِفلة وقَد مَرَّت سَنوات طَويــلة على تلك المواقف والمَشاعر أَيضًا.. لكن على الرغم من ذلك كلمتها آلمته وَوَخزته.. هو لَطالما تَرَدَّدَ في الإفصاح عن هَوِيّته وعن سِر حُبّه.. ولطالما لامَ ذاته على جُبْنها.. لكن الآن شَكَرَ رَبّه سِرًّا.. فهو في تلك الفترة لو صارحها بما يختلج في قلبه من مشاعر عَميقة واندفاعية.. لَرُبَّما أَصْبحَ الوَخز حينها طَعنة لا عِلاج لها. انْتبه لصوتها.. رَفَع عَينيه إليها بصمت وهي تَساءَلت بأَسَف: بَسّام ضايقتك؟
ابْتَسَم بخفّة: لا.. بس ما توقعت.. أنا كنت أدري ما تتقبليني.. بس ما كنت أدري إن هذا السبب.. آسف إذا كنت أضايقش باهتمامي
مَدَّت يدها ولامست خَدّه برقّة ومَلَق وهي تهمس: حَبيبي ما يحتاج تتأسف.. كنا صغار وبعدها مراهقين.. مشاعرنا ما كانت مستقرة.. يكفي اللحين إنّي ما أقوى على فراقك
اتَّسَعت ابْتسامته.. قَرَّبَ يَدها من فَمه.. طَبَع قُبْلة في باطنها.. ولَم يُضِف كَلمة واحِدة.. لا زال مُتَرَدّدًا.. ولا زال حُبّه غير مَرئي.



أُغْلِقَ المَخْبَز في وَقت مُتأخِّر.. فالليلة إجازة نهاية الأسبوع والرّواد كانوا كَثيرون.. وهُم مِنَ الأَساس قَد ازداد عَدَدهم في الفَترة الأَخيرة.. وكأنَّ أَحَدهم قَد أَعْلَنَ للمَخبز! هي كعادتها في الإجازات تُمَدِّد ساعات العَمَل إلى منتصف الليْل.. لذلك تَصِل إلى الشِّقة والساعة في بعض الأحيان تكون قَد اقْتَرَبَت من الواحدة. تَوَقَّفَت أَمام الباب.. أَخرجت مفتاحها.. حَشرته في القفل.. أَدارته ولكنّه لَم يَسْتَجِب لها.. وكأنَّها عالِق! أَخرجته ثُمَّ أَعادت الكَرَّة ولا نتيجة.. هَمَسَت باسْتغراب وهي تُقَلِّب المفتاح وَسط كَفِّها: شفيـه!
تَناولت هاتفها من الحقيبة.. اختارت رَقْم حارس العِمارة.. انْقَطَعَ الرَّنين ولا مُجيب.. هَمَسَت لنفسها: أكيد نايم هالحزّة "زَفَرت ويَدها تَسْتَقِر على جَبينها بحيرة" اللحين شسوي؟!
أَدَخَلت المفتاح من جَديد.. حاولت وحاولت ولكن بلا فائدة.. سَحبته مُتأفِّفة بعصَبية: شهالحالة بعد!
أَصْدَرَت صوت ضائق من بَيْن شَفَتيها ثُمَّ اسْتَدارت.. تَحَرَّكت خطوة.. وقَبْلَ أن تُلْحقها بالثانية اسْتدارت سَريعًا والصَّدمة تُصَلِّب أَطْرافها.. أَحدهم يفتح الباب من الدّاخل! اقْتَرَبَت ببطءٍ شَديد يُغَلِّفه الخَوْف.. تَحَفَّزَت نَبَضاتها وعَيْناها مُعَلّقتان بالمقبض الذي انْخَفَض.. ازْدَرَدت ريقها بترَقّب وطبولٌ تَزْعق داخلها.. ثانيَتان ونعيق غِرْبان عَطَّلَ جَميع حواسها.. فَوَجْهه الشُّؤم قَد جَثَمَ على بَصَرها المُسْتَنكِر. قالَ بملل وهو يُراقب جُحوظ عَيْنيها الفَزِعَتَيْن: صار لي ثلاث ساعات انتظرش.. ما صارت مخبز!
هَمَسَت بصوْتٍ ضائع: إنـ ـت.. شلون.. دَخلت!
حَرَّك كَتفه وببساطة أَجاب: عطيت الحارس جم فلس وغيّر لي القفل "رَمى عليها مفتاح وهو يُرْدِف" هذي نسختش
الْتقطته بَيَدَين مُرْتَجِفَتَين ثُمَّ نَظَرت إليه من غير تَركيز.. فعقلها إلى الآن لَم يَسْتوعب صَدْمة وجوده في شِقّتها.. ولثلاث ساعــات! رَفَعت عَيْنيها إليه عندما تَساءَل: بتظلين واقفة برا؟
اسْتَفْسَرت وهي تُجاهِد لِترشيح ملامحها من أي علامة تُثير شُكوكه: ليش جاي؟ شنو تبي؟
أَشارَ للدّاخل بِصَمْت.. تَرَدَّدت ولكنّها في النهاية اسْتجابت وتَحَرَّكَت وهي مُذَيَّلة بِخِرْقَة شَجاعتها.. قابَلتهُ عندما أَغْلَقَ الباب وأَقفله.. تَقَدَّم منها وهي تَتَفَحَّصه بنظراتها التي كما لو أَنَّها في سباق ماراثوني.. ثَوْبه به بعض الطّيات دَلالة على اسْترخائه في الجلوس ولفترة ليست بالقَصيرة.. الأزرار عند الرَقبة كانت مَفتوحة.. شعره المَطموس سَواده بالشَّيْب كان مُبْعَثرًا قَليلاً.. فهي قَد الْتَقَطَت بِعَيْنيها عند دخولها غترته مُلقاة على إحْدى الأرائك.. يبدو أَنَّهُ قَضَى الثلاث ساعات وكأنّه في منزله! وَقَفَ أَمامها ونظراته تَسْلخانها بجموح.. كان وكأنَهُ يَلْمَسها بِعَيْنيه القَذِرَتَيْن.. رَفَع يَده على غَفْلة منها ومَسَّ وَجْنتها.. حاولت أن تَبْتعد عنه وبصعوبة اسْتطاعت دُون أَن تُبَيِّن حَقيقة نفورها.. وَضَّح وهو يراها تُخْفِض حَقيبتها على الأريكة: قلت أجي أشوفش وأتطمن عليش.. صار لش شهرين حاقرتني.. حتى اتصالاتي ما تردين عليها
قالت وهي تجلس: كنت مشغولة
وهو يَجلس أَمامها مُعَقِّبًا بنبرة مُسْتَنكِرة: مشغولة لدرجة إنّش ما تكتبين لي هالكلمة اللي ما تاخذ خمس ثواني! لو كتبتينها لي كنت بفهم وبتركش على راحتش
بجديّة: كنت تقدر تفهم هالشي من عَدَم ردّي وغيابي
حَرَّكَ رأسه ينفي: لا للأسف ما فهمتها جذي.. فهمت إنّش تهربين مني
ارْتَفَعَ حاجِباها: أهرب منّك! وليــش إن شاء الله!
بابْتسامة غُرور وثقة تُثير الغَثيان: يمكن اكتشفتين إنّش ما تقدرين تجابهيني فقررتين تنسحبين وتفضّين الشراكة قبل بدايتها
مالت شَفتاها بسخرية عَظيـمة وهي تُعَقِّب ضاربةً على وَتَره الحَسّاس: للحين ما عرفتني يا سلطان.. أنا أقدر أجابه اللي أكبر منّك
ارْتَجَفَ عِرْق كبرياؤه وامْتعاضٌ بَسيط شاكَسَ ملامحه.. رَفَعَ صدَره بحركة طَبيعية اعْتاد عليها: وهل في أكبر منّي!
أَرجعت ظَهرها للخَلف باسْتناد.. أَرْخَت ساق على الأخرى.. بَطَّنَت نَظراتها بكَيْدٍ خَطير وهي تُجيب بكلمة واحدة.. أو باسْمٍ واحد: فِرْناندو
ذهول ساحِق أَوْسَعَ عَيْنَيه وشَدَّ مَلامحه: نَعــم!
كَرَّرَت وهي تنطق الأحرف ببرود: فِـــرْنــــانــــدو.. مانويل فِرْناندو
قالَ بِتَأتأة والاسْم قَد صَعِقَه: بــس... بس.. فرناندو مــات!
وشَفتاها تَتَعَلَّقان بِمَشْذب المَكْر: ومن تعتقد بعد موته فاز بنصف ثروته؟
وَقَفَ والصَّدمة حاديه.. فاغِرٌ فاهه وشارِعٌ باب عَيْنيه.. وملامح الكِبرياء والعَظمة قَد انْخَسَفت على وَجْهه.. هَمَسَ بلا تَصديق: مُسْتحيل... مُسْتحيـــل!
بَصَقَت عليه سؤال أَشَلَّ لسانه بنبرة حَوَت معانٍ كَثيرة: للحين تعتقد إنّي وبمخبزي المتواضع ما أقدر أجابهك؟



صَباحٌ مُتَسَرْبِل بالبَياض وزَهْرَ الخَجل المُقَبِّل خَدَّيها القُطْنِيَّين.. لحظة.. إنَّهُ مَساء.. فالسَّاعة قَد تَجاوزت الثانية عَشر والنصف ظُهرًا.. هي اسْتَيقظت على صَوْت المآذن.. كانت وَحيدة على السَّرير، بَحثت عنهُ في الغُرفة ولَم تَجِده.. لذلك أَسْرَعت إلى دَورة المياه قَبْلَ أن يَظهر لها من العَدَم.. اسْتَحَمَّت وصَلَّت ثُمَّ أَرْخَت على جَسَدها ثَوبًا أَبيض تَفيض منهُ الرِّقة.. تَزَيَّنت بزينة ناعــمة.. رَتَّبَت شَعْرها بتموجاته الطَّبيعية على كَتفها.. وأخيرًا تَطَيَّبت بعطرٍ من الوَرد. نَظَرت للباب والتَّرَدّد أَتخَمَ عَيْنيها.. شَدَّت على كَفَّيها حتى احْمَرَّتا وبالتوالي اصْطَبَغ وَجْهها باحْمرارٍ باهِت وذاكرتها تعود لساعاتٍ كانت كحُلمٍ سَماوي.. حَلَّقَت فيه رُوحها بكل خِفّة وراحة وحُب. ارْتَجَفت بمُفاجأة من صَوت طَرق الباب.. ازْدَرَدت ريقها بصعوبة عندما وَصَلها صَوته: مروة ليش الباب مقفول؟
حاولت أن تُجيبه لكن صَوتها لَم يُعِنها.. ازْدَرَدت ريقها من جَديد.. يا إلهي منذ متى وأنتِ تَخجلين هكذا مروة! نَظرت لوجهها في المرآة.. الأحمر الباهت أصْبَح قانٍ.. لا يُليق بكِ مروة أَبدًا.. لا يُليق بكِ الانهزام! شَدَّت جذعها مُحاولةً رَكلَ انْحناءة الخَجَل عن كَتِفَيها.. مَرَّرَت لِسانها على شَفتيها المَطلِيَّتَين بلون صَباحي مُريح للنَّظر.. ثُمَّ نَطَقت بنبرة بالكاد يَسمعها من هُو معها في الغرفة: كنت.. أبدّل
لَم يَصلهُ صَوْتها لذلك أعاد الطَّرق مُناديًا: مروة! إنتِ تسمعيني؟
تَأففت بضيق وهي تَتَحَرَّك للباب.. تَكره هذه المواقف.. تَكره هذا الإحساس الأَشْبه بالرَّفرفة الناعِمة في صَدرها.. تكره صوته.. كلماته الهامسة.. وقُبلاته.. أَغمَضَت وهي تَتَحَرَّر من تَنهيدة طَويــلة.. ثَبَّتَت خصلاتها خَلْف أذنها قَبْلَ أن تُمْسِك المِقبض بِيَد.. والمفتاح باليَد الأخرى.. فَتحَت القفل.. ثُمَّ شَرَعت الباب فَتقابَلا.. ابْتَسَمَ بخفّة وهو يَبدأ بِمُمارسة هِوايته الجَديدة.. التَّأمل.. تأملها.. تأمل زَوجته وَحليلته.. زاهِية هي بالأَبيض وناعِمة كَغيمة. اقْتَرَبَ منها.. حَبَسَت أَنفاسها وأَرْخَت جِفْنَيها أَكثر حتى تَتَفادى أَي اصْطدام مع عَيْنيه.. حَياة جَديدة بُثَّت داخلها من قُبْلته التي لاطَفت جَبينها.. سَألت ذاتها بِصَمت.. هل أَنتِ فعلاً تكرهين قُبلاته؟ ابْتَعَدَ قَليلاً لِيَهمس وهو يُراقب ارْتباك أَهدابها: صَباح الخير ومَساء الخير
تَنَحنَحت قَبْلَ أَن تهمس: أرد على أي وحدة؟
اتَّسَعت ابْتسامته: اللي تبين
رَدَّت وبَصرها مُتَشَبِّث بقميصه: صَباح النور
قالَ وهو يُشْبِك يَده بيدها: سويت لنا ريّوق متأخر "خَطى وهي تَبعته" أبيش تاكلين عدل.. البارحة مو متعشية وأتوقع بعد ما كنتِ متغدية
لَم تُعَقِّب على كلامه.. هي فعلاً جائعة.. تتمنى أنَّ الطعام قابل للأَكل! بلباقة جَرَّ المَقعد لِتَجلس.. شَكرته بهمس وهي تَتَفَحَّص الطاولة.. اسْتَنَكرت: من بياكل كل هذا!
وَضَّحَ: ما أدري شنو تحبين بالضبط.. وكنتِ نايمة.. ما بغيت أزعجش "أشارَ للأطباق" اكلي اكلي.. واللي يبقى بنتصرف فيه
سَمَّت بالله ثُمَّ بَدأت تَأكل تَحت نَظراته.. كان يُدَقِّق في وجهها وهي تَمضغ اللقمة.. يُريد أن يَستنبط من ملامحها رَأيها في المذاق.. لكن مَلامحها كانت ثابتة.. لَم يَلتقط رَدَّة فعل واحدة.. لذلك تَساءَل: هـا شنو رايش في طبخي؟ "انتقلت عَيناها للأطباق ونظرة اسْتصغار تَكسوهما.. تَعَجَّب" ليش جذي تطالعين!
أَجابَت: عـادي يعني.. إلا ريـووق!
ابتسم: أَدري.. بس تعبان عليه "أشارَ لأحد الأطباق" هذا الأومليت سويته بطريقتي الخاصة والسّريّة
هَمَسَت: حلو.. تسلم ايدك
رَدَّ بمُشاكسة: مع أن الجواب ما أرضاني.. بس بسامحش اليوم "واصَلت أكلها ولم تُعَقِّب بكلمة.. هي حتى لَم تنظر إليه.. مال قَليلاً لِيُطِل في وجهها" مروة "لوَّحَ أَمام عَينيها وبحركة عفوية أَشاحت وجهها عنه وهي تَضع يَدها حاجِزًا بينه وبين وَجْهه القَريب.. اعْتَلَت ضحكته مُعَلِّقًا" أوف أوف.. كل هذا حيا! " لَم تجبه وَشعب الاحمرار عاد لِيَسكن وَجْنتيها.. اسْتَفسرَ بمُزاح" زين متى مقررة ترفعين عيونش وتطالعيني؟
أَجابت مُباشرة وبجديّة: عقب أربع شهور
انْفَجَرَ ضاحِكًا بعلو اسْتَفَزَّها.. يَسخر منها.. يَسخر منها بعد الذي فعله.. هُو سَبَب هذا الخَجل البَغيض المُقَيِّد شَخصيتها الحَقيقية.. ومع هذا هُو يَضحك! قالَ وهو يُحاول أَن يُسَيطر على قَهقهته: واااجد أربع شهور.. خفضيهم لشهر على الأقل
احْتَدَّ صوتها: تتطنز؟
أَجابَ: ايـــه.. مثل ما إنتِ تتطنزين
أَكَّدَت: ترى ما أتطنز.. من صدق قاعدة أتكلم
والضحكة تعود لتُشاغبه: أرجوش مروة.. ما أقدر أضحك أكثر "تَجاهلته واسْتَأنفت تناول طَعامها.. هُو الذي لَم يَأكل حَرَّكَ يَده وبرقّة مَرَّرَ ظاهر أصابعه على خَدّها.. وبهمس ذا مَعنى" اهني يبيَن شكثر فترة الخطوبة مُهمة.. عشان الخجل يكون معتدل.. وعشان العيون ما تحرمنا من زمردها "تلقائيًا اسْتجابَت لكلماته ورَفعَت عَيْنيها إليه.. ابْتَسمَ بسِعةٍ ورِضا وهو يَهمس بوَله" حَــيّ الله.. الأربع شهور مرّوا في ثواني.. اللحين صار لنهارنا لـون
داعَبَ طَرف رِمشها بخفّة.. ثُمَّ أبعد يده وبدأ بالأَكل.. مَرَّت دقائق صَمت بَينهما.. هي سارحة في طَبقها.. تَسْبَحَ في بَحْرٍ من أَفكار شَديد المُلوحة اتَّخَذَت عَهدًا على نَفسها أن تُسْقيه منه.. وأن تَفتح في ذاته جُروحًا تَنثر عليها أملاح ذلك البحر.. فَقط لِتَطعن بَلقيس. التَفَتَت إليه.. انتبه لها.. ابْتَسَم.. ابْتسامته السَّمْحة.. حاولت أن تَبْتلع ريقها لكنّها لَم تَسْتَطِع.. فَلَقد عارضتها غَصَّة تَحَجَّرَت في حَلْقها.. كُن قَاسيًا عبد الله ولا تَكُن رَحيمًا.. ابْصق عَليّ الشَّتائِم فَشَفَتاي لَم تَعتادان عَلى أَن تُصْمتهما قُبْلة.. اجْلدني بنظرات عَيْنيك.. تَجاهلني واصْنع مني كائنًا لا يُرى بالعَين العَطوفة.. اكرهني فلا تَقوى رُوحي على غَيث حُبِّك.. يَكفيها ما أَبَلَّها من دُموع الفَقد والنَّوح على أُمٍّ مَظلومة.. لا أُريد أَن اسْتسلم عبد الله.. لا أُريد أن ارْفع مِنديلاً أَبيض ولا أَن أُصافح سَلام عَيْنَيك.. ساعدني لأكرهك.. ساعدني لأنتقم.
أَشارَ للطعام وبأمرٍ حَنون: اكلي.. أبي أشوف كل الصحون فاضية
رَمَشَت.. ارْتَعَشَت شَفَتاها من شَبَحِ ابْتسامة.. ثُمَّ هَمَست: إن شاء الله



السُرعة تجاوزت المئة والأَرْبعون، يَنتقل من الجانب الأيسر إلى الأوسط ومن ثُمَّ إلى الأيَمن.. وأَخيرًا يَعود إلى الأيسَر وبذلك يَكون قَد تَجاوزَ جَميع المَرْكبَات التي تُعارض سُرعته. عندما اقْتَرَبَ من الدّخول إلى الحَي المَقْصود تَناولَ هاتفه.. اخْتارَ الأَرْقام بأصابعه المُرْتَجِفة، عَيْنٌ على الشّاشة والأخرى على الطَّريق.. تَجاهلَ الإشارة التي احْمَرَّت وزاد من سُرعته حتى تجاوزها قَبْلَ أن تَنطلق السَّيارات على الجانب الآخر.. وَضَع الهاتف على أُذنه والرَّنين بالكاد يُنافس نَبَضاته.. جاءَهُ الرَّدُ بَعْدَ ثوانٍ لِتنالَ منهُ رَعْشة أَشْعَلت الحَطَب الذي قَذَفهُ الخَبَر داخله.
: هلا فيصل
قالَ بلا مُقَدِّمات ونَبْرته المُرْهِبة تَشي بأمورٍ وأمور: خَمس دقايق وأنا عند بيتكم.. اطلعي برا
ارْتَفَعَ حاجِبَاها على الطّرف الآخر بِتَعَجُّب: ليــش! مو المفروض اليوم جَنى تنام معاك؟
وَضَّحَ لها: جَنى مو مَعاي.. أنا جاي بروحي
تَساءَلت وخَوْفٌ بَدأ يَتَسَلَّلَ إليها من صَوْته: فيصل شصاير؟ بنتي فيها شي؟
أَجابَ بحدّة: لا.. بس الموضوع يخصها
كَرَّرَت والتَّوجس أرْفَع صَوتها: شصايــر!
هَمَسَ من بَيْن أسنانه بنفاذ صَبْر: جِنان أنا قريب من البيت.. اطلعي وبتعرفين كل شي "حَذَّرَ" ويُفَضَّل مَحّد يَدري إنّي جاي
أَنهى الاتّصال بَعد أن اسْتجَابت لأمره بهمسٍ مفزوع.. أَلقى الهاتف على مقعد الرّاكب وهو يَشَد يَده على المقود.. لا يَدري ما هي ردة فعله إذ هُو رأى وَجْهها.. لا يَدري كَيف سَيَتَصَرَّف.. لا يدري بأي الكلمات سَوف يَسْتَعين.. الخَبَر صَفَعَهُ بِصَدْمة.. بَعْثَرَ دواخله.. قَلَبهُ رأسًا على عَقب.. كَشَّرَ أَنيابه في وَجْه سَهوْه.. كَيف غَفَلَ عن موضوعها مع ذلك الأستاذ.. كَيف نَسِي نَظراته.. ابْتسامته وحَماسه الصارخ من ملامحه.. كَيْـــف؟!
أَوْقَفَ مَرْكبته أَمام مَنزل عَمَّته.. يَعلم اَنَّهمُ اليَوم يَجْتمعون على العَشاء.. جُود بَعد المَغرب غادرت منزلهم لتأتي إلى هُنا من أجل العَشاء.. جَميعهم إذن في الدَّاخل.. غادرَ المَرْكبة وأَنفاسه تَسْعر وصَدْره بارْتفاعه وانْخفاضه تَكاد عَضلاته أَن تَنفصل عنه بانْهيار.. كان الباب الخارجي مَفتوح.. دَخلَ فاصْطَدَمَ بَصره بِوَجْهها.. اشْتَدَّت قَبْضته وزلزالٌ من غَضَب نَزَل عليه في تلك اللحظة ومَلامحها التي أَفنت رُجولته أَعادتهُ بقسوة لساعاتٍ مَضَت.

،

مُتَحَلِّقون حَوْلَ طاولة طَعام الغَداء.. أَصواتهم وهُم يَتجاذَبون أَطْراف الحَديث تَعْلو على أصوات المَلاعق وهي تَصْطَدِم بالأَطباق.. الحَديث كان مُنَصَّب على الحَدَث الأهم لليلة الماضِية.. زَواج عَبد الله.. جُود كانت مُنْدَمِجة بِشَرح تَفصيلي عن القاعة وديكورها الفَخم.. المَسْرَح وخَلفيته.. الطاولات والمقاعد.. الزّهور ورائحة البَخور.. التنظيم والترتيب.. البوفيه والكَعكة والتذكارات.. وأخيرًا.. أَهم عُنصر في ذلك الحَفل المَلكي.. مَرْوة.
: حـــلوة ما شاء الله.. تجنن.. أختها الكَبيرة أجمل.. بس هي مُلفِتة "ضَيَّقَت عَيْنَيها وهي تُرْدِف بابْتسامة مائلة" وواضح إنها مغرورة
ضَحَكَت بَعد أن ارْتَشَفت من الحَساء: وشلون إن شاء الله عرفتين؟
شَرَحت: مَشيتها في الزّفة.. نَظراتها وابْتسامتها.. حتى يوم رحنا نبارك لها
نَهرتها والدتها: جُود عيـب.. هذي ثاني مرة تشوفين البنية.. مداش تحكمين عليها! السالفة مو سالفة غرور.. أكيد إنها مستحية
أَكَّدَت بثقة: بلى مغرورة.. صدقيني يُمّه "وبضحكة" نسخة ثانية من حَنينو
أَفْصَحت نُور: سارة بعد كانت تقول إنها مَغرورة.. أنا ما تعاملت معاها
بنبرة شَيْطانية: أتوقع بتكسر راس بلقيـس
هذه المَرّة فيصل هُو الذي قَرَّعها: إنتِ ما تستحين! حتى لو ما تحبينها تبقى مرأة عودة في عمر أمش.. ما يصير تتكلمين عنها بهالطريقة
تَوَسَّعت عَيناها بخوف مُصْطَنَع وهي تَشْهق: اسم الله على أمي.. شلون تشبّه أمي بهالأشكال!
زَجَرها والدها: جُــــود.. ابْلعي لسانش واكلي وإنتِ ساكتة
أَصْدَرت صوت ضائق من فَمها وهي تُتَمْتِم بهمس: الواحد ما يقدر يعبّر عن رايه براحة في هالبيت!
اسْتَمَرَّت تَتناول طَعامها بِصَمْت وهي تَسْتَمع لِحَديثهم المُمل بالنسبة لها.. فما المُثير في هذه الأَحاديث؟ مَكتب والدها.. مَصرف فيصل.. طَبيبة نُور الخاصة بالحمل والولادة.. تغيّرات الحَمل التي بَدأت تظهر عليها.. السؤال عن أحوال طَلال وتكيّفه مع العَمَل.. الاطْمئنان على ياسمين وحـ.. ارْتَفَع رأسها فَجأة وكأَنَّها تَذَكَّرت للتّو.. يا لكِ من بَلهــاء يا جُود.. كَيف تَنسيْن مثل هذا الخَبر العَظيـــم جدًا جدًا؟ هذا الخَبر لا يُنسى أَبدًا! ابْتَلعَت ما في فَمها سَريعًا ثُمَّ مَرَّرت لِسانها عَلى شَفتيها لِتَنطق بعدَ أن تَأكَّدت من غِياب جَنى التي ذَهبت لِتَلعب: أَتوقع قَريب بعد بيصير عندنا عرس ثاني
دارت عَيناها عَليهم جَميعًا.. علامات السؤال وعَدم الفَهم كَسَت مَلامحهم.. ما عدا مَلامح شَخص واحد، والدها.. والذي اسْتَنبط من نَبْرتها الماكِرة ونَظرتها المُتَرَكِّزة على فَيْصل ما سَتُفَجِّره.. شَزرها بِعَيْنيه ولكنّها ادَّعت أَنَّها لَم تَره وعادت وعَلَّقَت نَظَراتها بوجه فيصل الذي طَرَقَ التَّوجس بابَ قَلبه.
تَساءَلت نُور: عرس من؟ ما سمعنا أحد خَطَب أو وحدة انخطبت.. أصلاً ما في أحد! اللي بقوا كلهم يا في المدارس أو الجامعة
هَزَّت رَأسها وهي تنظر لها: امبلى في.. شنو نسيتين بنت عمتش! "وهي تَعود لِفَيْصَل حتى تَشْهَد على صَدْمته" شلون تنسين جِنــان؟
الأَنظار كُلّها تَعَلَّقت بفيصل الذي كان يُعاين الغَوغاء التي زَعقت داخله من الجُملة التي فَجَّرتها.. ارْتَبَكت يَده المُمسكة بالملعقة.. حاولَ أن يُخْفي هذه الرَّجفة التي باغتَته لكن والدته الْتَقَطتها بِعَين أُمومتها المُتَفَحِّصة.. عَقَّبَت نُور من بَينهم: إنتِ أَكيد غلطانة.. جِنان وعرس؟ مُستحيــل!
أَشارت برأسها لوالدها: أسألي أبوي.. المفروض يدري "وَجَّهت لهُ سؤال" بابا عمّتي كلمتك، صح؟
أَجابَ بِنَبرة مُقتضبة وهو يَدْفن غَضبه عَليها لِيَنتزعه في وَقت آخر: قالت لي إن اتصلوا يخطبونها.. بس للحين جِنان ما وافقت.. طَلبت إنها تفكّر
اسْتَفسرت نُور: من اللي خَطبها بابا.. نعرفه؟
تَحَرَّكت عَيناه لابْنه.. كان مُنَكِّسًا رأسه بِجذعٍ مُتَقَدِّم.. عُقْدة خَفيفة بَيْن حاجِبَيه ويَده الوَاهنة لا زالت مُتَشَبِّثة بالملعقة.. أَجابَ وهُو يُوزِّع نَظره عليهم: أستاذ في مدرسة جَنى.. اسمه ناد
دَوى صَوْت ارْتطام الملعقة بالطَّبق مُقاطِعًا حَديث ناصِر.. ثُمَّ أَتبعهُ صَوْت احْتكاك أَقدام الكُرسي بالأرضيّة الرّخامية.. نَظَرَ الجَميع إليه.. واقفٌ والرَّعشة قَد صُبَّت عَليه صَبًّا.. تَحَرَّكَ مُبْتَعِدًا دُون أن يَرْفع عَينيه لأحد.. تَساءَلت والدته وهي تقف والقَلق يُسَوِّر أَطرافها: يُمّه فيصل وين رايح؟
أَجابَ بِنَبْرة خاوِية من كُل شيء وهو يُوليهم ظَهْره: بروح مع جَنى البقّالة
أَنهى جُملته ثُمَّ تابَعَ مَشيه لابنته المُندَمِجة في لَعِبها في غُرفة الجُلوس.. أَمسكَ بيدها فَتساءَلت: شنو بابا؟
وهو يُحاول أن يرسم ابْتسامة: بنروح البقّالة.. بنشتري الحلاوة اللي تبينها
تَبَسَّمت بِرضا: أوكـي
رافقها للخارج وهو في نَيّته أن يُثَبِّط عَزَمَ جُنونه بالهَرولة.. وكأنّه يُريد أن يَخلع مع كُل خطوة خِرقة بالية إن ظَلَّت رُوحه تَرتديها سَتُبليه معها.. لكنّه فَشَلَ.. فَشَلَ فَشَلاً ذَريعًا.. لا الهَرولة.. ولا الساعتان التي قَضاها في النادي الرياضي.. ولا حَتى جَلسة الصّفاء والبراءة مع ابْنته سَدَّت فَوَّهة بُركانه.. وكأَنَّما حُمَمه التي خَمَدت لسنوات آن أوانها لِتَتَجَدَّد وتَنشط وَتَصهر تلك الجِنان الخائنة.

,



يتبع



 توقيع : طهر الغيم



رد مع اقتباس