الموضوع
:
ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 52 الفصل الثاني
عرض مشاركة واحدة
02-02-2020
#
2
♛
عضويتي
»
27920
♛
جيت فيذا
»
Oct 2014
♛
آخر حضور
»
منذ 3 ساعات (11:48 PM)
♛
آبدآعاتي
»
1,385,074
♛
الاعجابات المتلقاة
»
11653
♛
الاعجابات المُرسلة
»
6453
♛
حاليآ في
»
♛
دولتي الحبيبه
»
♛
جنسي
»
♛
آلقسم آلمفضل
»
الاسلامي
♛
آلعمر
»
17سنه
♛
الحآلة آلآجتمآعية
»
مرتبطه
♛
التقييم
»
♛
نظآم آلتشغيل
»
Windows 2000
♛
♛
♛
♛
مَزآجِي
»
♛
♛
♛
мч ѕмѕ
~
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
♛
мч ммѕ
~
وَقَفَ جانِبًا يَنْتظر أن تنتهي ياسمين من القِياس.. يَد في جَيْب بنطاله الخَلفي ويَد مُمْسِكة ببعض الأَكْياس الخاصة به.. عَدستاه تجولان على المَتْجر المُكْتَظ نوعًا ما.. اليوم السبت.. إجازة عند الأغلب.. البعض يأتي ليتسوَّق.. والبعض للترويح عن النفس بعد أيامٍ من العَمل والتي قَد تكون مُرْهِقة.. والبعض من أجل الترفيه له ولأبنائه.. وهو هُنا اليوم لا لأي سبب من هذه الأسباب.. حتى التسوّق لَم يكن في نيّته.. لكنه فيْصل، حتى ولو لم يكن مُخَطِّطًا للشراء فإنّه يشتري.. بل ويدفع مبالغ طائلة في بعض الأحيان.. لطالما انتقدتهُ جِنان من هذه الناحية.. فهو يشتري دون أن ينظر للسعر حتى.. وبعض الأشياء يعلم أَنَّ سعرها مُبالغ فيه.. ولكنه يشتري.. اعتاد على هذا الطَّبع. اسْتَنَدَ للعمود الذي خلفه وهو يتأفف بملل.. يعتقد أنَّ ياسمين ستتأخر.. فغرفة القياس تبدو مُزْدَحمة جدًّا وهي كانت تحمل معها أكثر من خمس قطع.. أَخْرَج هاتفه من جيبه لينشغل به أثناء انتظاره.. تَحرَّكت عَدستاه عن المكان لتنتقل لشاشة الهاتف.. ولكن تحرّكهما الخاطف جعلهما تصطدمان بوجه.. لَم يكن وجْهًا كاملاً.. أحد جانبيه فقط.. جانبه الأيسر بالتَّحديد.. اسْتَقامَ في وقوفه ثُمَّ خَطَى بهدوء إليها دُون أَن يردعهُ شيء.. لا ياسمين التي قد تُبْصرهُ معها.. ولا مشاعره التي باتت تَحن إليها بجُنونٍ يَخْشى عَواقبه.. لكن لا يهم.. لا شيء يهم. توَقَّف عندها.. لَم تنتبه إليه.. كانت مشغولة في الاختيار.. كانت تحمل قميصان.. أحدهما أسود والآخر أبيض.. لو كان من حقّه الاختيار لاختار الأسود بلا تردد وأنهى حيرتها.. ظَلَّت تُقلّبهما وتَتفحصهما بدقّة.. ثوانٍ وشَدَّت شَفتيه ابْتسامة واسِــعة.. فهي أعادت الأبيض لتُبْقي على الأسود.. هَمَسَ ببحّته: مَســاء الخير
التفتت إليه بانْتباه.. ابْتَسمت عندما اسْتوعبت أَنَّهُ هُو.. رَدَّت: هـلا مساء النور
ويده تعود لتستقر في جيْبه: شخبارش؟
: الحمد لله.. إنت شخبارك؟
هَزَّ رأسه: أنا بخير "تساءَلَ وعيْناه تبحثان" إلا وين جَنى؟ مو معاش؟
أَجابت: امبلى معاي بس راحت ويا ندى "أشارت لخلفه" هذي هي رجعت "اسْتدار ليرى جَنى مُقْبلة مع ندى وابْنتها.. وجِنان أرْدَفَت بتوضيح" قالوا يبون آيسكريم فراحت معاهم يشترون
جَنى مُذ رأته تَسارعت خطواتها بحماس والفَرْحة حَلَّقت من عينيها.. تَعَلَّقت بساقه وهي تنطق بابْتسامة واســعة: حبيــبي بــابــا
قَبَّل كفَّها: بعد قلبي.. وحشتيني جَنى.. ما شفتش من يوم الخميس
أَفْصَحت ببراءة: بابا أنا أمس رحت بين بابا ناصر بس إنت ما كنت هناك
وَضَّحَ: اي بابا كنت طالع.. عندي شغل
ابْتعدت عنه قليلاً لتُشير إلى ابْنة نَدى: بابا شـووف.. هذي صديقتي إلا أقول لك عنها بنت خالو ندى
داعبَ خَدَّها فيصل بلُطف: شلونش يا حلوة؟
أَجابت الصَّغيرة بهمس خَجول: زيــنة
رَفع رأسه لندى: سلام ندى.. اعذريني ما سلمت
ابْتسمت لهُ: وعليكم السلام.. عادي بو جَنى
تَساءلت جَنى وهي تأكل من المثُلجات: بابا باجر بتجي لي المدرسة؟
: قصدش أوصلش الصبح؟
هَزَّت رأسها: لااا بابا.. حق البيرنتس ميـتنق
نَظَرَ لجِنان باسْتفهام وهي وَضَّحَت بِحَرج: كنت بقولك والله.. بس راح عن بالي
اسْتَفسر: شنو؟ لقاء أولياء الأمور؟
: اي.. كنت بقولك إذا تبي تروح
ابْتَسَم وهو يعود بنظره لابْنته: اي أكيد بروح.. بجي حبيبتي
بحماس وسعادة: أووكــي بابا
صوت رسالة.. رفع هاتفه.. كانت ياسمين تخبره بأنَّها انتهت.. التفت جانِبًا فرآها واقفة على بُعْد خطوات منهم وعَيْناها عليه.. أَوْمأ لها برأسه ثُمَّ قال لطفلته: جِناني أنا اللحين بمشي.. باجر نلتقي تمام؟
بموافقة مُضَّطرة: أوكــي
انْحَنى مُقَبِّلاً جَبينها قَبْلَ أن يلوّح لها: مع السلامة
بادلته التلويح وابْتسامتها تتقَلَّص وهي تراه يُغادر برفقة ياسمين: مع السلامة
جِنان نَطَقت بسرعة لتُلْهي حُزْن صَغيرتها وبنبرة زَعَل مُصطنعة: جَنى ليش ما شيرتي لي آيسكريم؟
نَظَرَت لها بتورّط: هــا!
أَشارت لكوب المُثلجات الذي في يدها: ما جبتي لي آيسكريم مثلش
بَرَّرت: ما أدري إن تبيـن "تداركت الأَمر سريعًا" أروح اشتري حقش؟
بابْتسامة: أوكـي بس بدفع وبعدين نروح مع بعض نشتري
بادلتها الابتسامة برضا: أووكي
التفَتت لندى التي هَمَست بحُنو: بعد قلبي.. وضعش صعب
أَفْرَجت عن تنهيدة مُرْهَقة: صعب وموجع بعد.. كل ما أقول بيتعدل الوضع وبتتعود.. يصادف موقف يرجعنا لنقطة الصفر
رَبَّتت على كتفها: في النهاية بتتعود
وملامحها تتغضن بكآبة خانِقة: في النهاية.. يعني عقب ما يشقى ويتعب قلبها الصغير "زَفَرت مُحاولة ترشيح حواسها من مُخَلَّفات الموقف، وبِبَوح بائِس" شوفته كثر ما هي تطبطب على القلب، كثر ما هي تجرحه وتصوبه
,،
عادَ إلى الشِّقة مُبَكِّرًا.. نُور لَم ترجع بَعْد.. نَظَرَ لساعة معْصمه وهُو يمشي لغرفة نومهما.. المفروض أن تَصِل قرَيبًا.. فعملها انتهى منذ ربع ساعة.. الساعة الآن السابعة والربع مَساءً.. بَعْد أَن خَرَج من بيت بلقيس ذهب لرائد في مكتبه.. كان الضِّيق يغمره، فاض منهُ قلبه حتى اسْتفرغ ليغرق حواسه بأكملها.. هُو نَكَرَ هذا الضّيق الجَلي جِدًا عليه حينما سأله رائد.. وحاول أن يُضيّع الموضوع ولكنّه وقَعَ في حفرة أكثر عُمْقًا.. عَمله. اقْترح عليه رائد العَمل في شركة والده.. وهذه هي ليست المرة الأولى التي يعرض عليه العمل.. فهو منذ سنوات يرجو منه موافقة فقط تجعله موظفًا في الشركة براتب مُمتاز جدًّا.. راتب أَكْثَر بكثيــر مما يحلم به.. وأعلى من مستواه للحد الذي يُوقِظ فيه شُعور غير مُريح.. شعور الحاجة وأن يكون في موضع شَفَقة.. لذلك كان يرفض دائمًا.. يعلم أنَّ رائد يُريد مُساعدته بأي طريقة ومن المُستحيل أن يَسْتَنقص منهُ بنظرة أو كلمة.. هُو لولا كرمه ومنّه عليه الله وحده يعلم بحاله.. ناصر لَم يُقَصّر معه أيضًا.. لكن من الناحية المادية كان لرائد الحُضور الأَكْبر.. يكفي أَنَّهُ وبعد أن هجَرَ منزل بلقيس لَمْلَم تَشَرُّده وآواه في هذه الشقة التي هي مُلكٌ له بعد وفاة والده.. والده الذي كان رَفيق درب والده.. كلاهما كان تاجِرًا وحُوتًا في السُّوق.. كلاهما كان كَريمًا ولهُ يَدٌ بَيْضاء لا تَكل من العَطاء.. لكن ذاك مات ليرث رائد أملاكًا وأملاك.. ووالده مات لِيَرثَ هو أَلف قَهَرٍ وَقَهَر. خَلَعَ سترته ثُمَّ ألْقاها في سلة المَلابس المُتَّسِخة قَبْل أن يدخل لدورة المياه.. قابلهُ وَجْهه في المرآة.. عابِس بشكلٍ يبعث الكآبة.. لَيتهُ لَم يذهب.. ليتهُ لَم يذهب.. الأسابيع الماضِية مَرَّت كما نَسْمة طَبْطَبَت على فقده لها.. احْتوتهُ نُور بكيانها وزَرَعتهُ إنسانًا آخر ينمو من جذور رُوحها.. أغدقت عليه بفيض أُنوثتها العَذب، واحْتَضَنت شَتات ذاته بحنانها الذي افْتَقَرَ إليه لسنوات.. حياتهما جَميلة وهادئة ومُطَعَّمة بالحُب.. لكن عودة بلقيس يُهدِّد مَجْرى هذه الحياة.. فهي قَد تُعَكِّر صَفْو عَيْشهما بكلماتهما النَتِنة.. آآه لو يَجِد الدّليل الذي يجزم على تورّطها تلك الليلة.. هُو متأكِّد أنَّ لها يَدًا في حالة نُور.. كانت غير طبيعية تمامًا.. لا يحتاج المَرْء لأن تكون بينه وبينها صلة قوية ليعرف أَنَّها لَم تكن في حالتها الطَّبيعية.. كيف إذا كان هو! تَخَلَّصَ من الباقي من ملابسه مُتَهَيِّئًا للاسْتحمام.. ثوانٍ وَتهاطَلَ عليه الماء لِيُعيده إلى بَلَلِ تلك الليْلة.
،
القُبْلة تَطَوَّرت وَبدأت رُجولته بتدنيس مواضع أخرى.. لَم يَكن يَمتزج بها كما أراد.. بل كان يُحَطِّم طُهْرها ويرسم بين مفاتنها عُقَد سَتَظل تُضْنيه وتُضنيها.. لوهلة تَناسى كُلَّ شيء.. رَبّه ودينه.. ابْن أُخْته الذي سافرَ بَعدَ أن ائتمنهُ على زوجته، عَرْضه.. وتناسى هذه التي بَيْن يَديه.. لَم يُحاول أن يُقَيِّد حواسه بِصَدْمة قُدومها إليه، كلامها وأفعالها الغريبة.. تجاهل كُل ما هُو من شأنه أن يَرْدعه وأَنْصَت لشيطانه الأرْعن.. ولكنَّ السَّماء كان لها اعْتراضها العاصِف.. فهي زَمْجَرت بِحَزْمٍ كاشِفة رَعْدة كانت السَّيف الذي اقْتَطَعَ حَبْلَ الوِصال المَسْموم.. تَنَافرا بحركة سَريعة والبَرْقُ من حولهما يُضيء لِيَكْشِف عن مَلامح وعُيون ابْتلعها الهَلَع.. ارْتعاد آخر شَقَّ السَّماء لِيَخْتَرِق جَسَد نُور وينفضه.. انْفَلَتَت من بين شَفتيها شَهْقة حادَّة تَذَيَّلَ منها بعضٌ من وَعْيها.. تَصَدَّعت مَلامحها وهي تَميل في وقوفها مُستَجِيبة للدُّوار الذي أَحاطَ بها.. حاولت أن تَتَّزِن في وقوفها، لكن قَدَماها سُلِبَ منهما الإحساس بملمس الأرْض.. شَعرتَ وكأنَّها تَهْوي من جَبَلٍ عَظيم والجاذِبيَّة من تحتها تَشّدها بعُنْف.. قَلْبها بَدَأ في الخَفقان حتى بات يَتَضخَّم ويصطدم بصدرها.. تَبَعْثَرت الأنفاس في رئتيها فاسْتَصعب عليها تمييز الشَّهيق من الزَّفير.. ضَغْطٌ حامٍ يكاد يُهَشِّم جُمْجمتها.. الخَفَقان يَزيد.. الجاذبية تُواصل عُنْفها.. اضطَّرَبَت الأنفاس.. نار حارِقة أَلْهَبَت صَدْرها وواصلت إلى حَلْقها، حيثُ هُناك فَقَدَت كامل سَيْطرتها لتهوي باسْتسلامٍ للأرض الهُلامية وهي تَسْتفرغ كُل ما في معدتها بِضعف. جَلَسَ بارْتجاف أمامها وهُو يراها تذوي والقوَّة تُسْحَب منها ببطء مُوْجِع.. أَمْسَك بِذراعيها العاريتَيْن وَشَعَر كأنَّهُ يُمْسِك بجمرة مُشْتَعِلة.. كانت ساخِــنة جدًّا وَجَسَدها قَد اسْتَحَمَّ بالعَرق بالكامل.. هَمَسَ بلُهاث وبصره يَرْجو عَمىً يُنقذه من هذا الانهيار: نُـ ـ.. نـ ـوو ..ر.. نـ ـور... نُـــور
تَوَقَّفَ اسْتفراغها للحظة أَنَّت فيها أَنينًا مَزَّقَ قَلْبه المُرْعوب.. ثُمَّ عادَ إليها بشراسة أَكْبَر.. كانت تَرْتَعِش فيرتعش هُو بجُنون.. تبكي وتستفرغ في الآن نفسه.. وجهها كان رَهْن دُموعٍ وعَرَق وحُمْرة قاتِمة.. كانت عُروقها تَشْتَد بطريقة مُخيفة وهي تَسْتفرغ وكأنَّها تَسْتفرغ رُوحها. توقفت قَليلاً فاحْتضن وجهها الغارق بكفيّه المُرْتَعشتين.. أَبْصَرت عَيْناه المُتَوَسِّعتان بجحوظ ذبول ملامحها الخَريفي.. خُطوط تَعب وعلامات تَيه تكسوه بلا رحمة.. والبُكاء يَشْخب من مُقْلَتيها صافِعًا وَجْنتيها الرَّقيقتيْن.. هَمَسَت وهي تُنَبِّش عن منفذ للنّجاة من كابوسٍ أَسْود: طَـ ــ .. ـ ..ـطـ ـ..ــلال
شَدَّ على وجهها وَعيْناه تذرفان دَمْعًا للتو هَرَب من الغَفْلة: نُــــ ــور
تَأوَّهَت وجَسَدها يَتضعضع بتعب وعَلى عَيْناها قَد جَثَمَ ضَبابٌ مُوْحِش: أنـ ـا.. ويــــن!
هَمَسَ وهُو يُجاهِد أَنفاسه الثَّقيلة ليَذبح شَيطانه: ما صار شي.. مـ ـا صار شي.. نُـ ـور.. ما صــ ـار.. ما صار شـي
مالت عَدستاها بِغياب وَسَط البَحْر الآسن اللاسع مُقْلَتيها.. اصْطَدَمت أَهْدابها بِوَهْن وأَنْفاسها أَضاعت طَريق الشَّهيق.. خَرَجَ صَوْتها مَكْتومًا، مَذْبوحًا وتائِهًا: عبــ ـد.... الله....
ثُمَّ تهاوت بَيْن ذراعيه وَوعيها قَد غابَ تَمامًا والرَّعْشة فَرَّت من جَسَدها لتنفذ إليه وتَجلدهُ عَذابًا.. شَدَّها إلى صَدْره ومن قلبه اعْتَلَت صَرْخة لا تَزال ذاته ترتجف منها.. صَرْخة صَحَى منها كُل الذي أَغْفَله عَمْدًا وكُل الذي أَجْبرهُ شَيْطانه على تَناسيه.
,
انْتَفَضَ لِيُعيده طَرْق الباب للواقع.. أتاهُ صَوْتها الرَّقيق: طَلال بتتأخّر؟
أَجابَ وهُو يلتقط علبة صابون الشَّعر: لاا شوي وطالع
غَسَلَ شَعره مُكْمِلاً اسْتحمامه سَريعًا.. لا يدري كم دقيقة مَضَت وهُو مُسْهِب في تَذَكُّره.. زَفَرَ وحاله هذا يؤكّد لهُ خَطأه في الذهاب لمنزل بلقيس.. لكن من المُستحيل أن يَسْتمر هذا البُعْد.. كان لا بُدَّ وأن يلتقي معها سوى الآن أو بعد عشرة أعوام.. ولا بُدَّ لهذه الذكريات بأن تعود وتحاصره.. فهو ما دام لَم يعتذر بعد لا لنور ولا لعبد الله على فعلته.. فإذن سَيَظَلَ مُقيَّد بها.. لن تموت هذه الذكرى ولن ينقشع لَيْلها الأسود.. إما أن يعترف ويعتذر ويرى إلى أين ستؤول إليه الأمور.. وإما أن يَبْقى يُصارع خَطر ابْتلاعها لكيانه.
خَرَجَ من دورة المياه.. جَفَّف شعره بالمنشفة ثُمَّ ارْتَدى لهُ سروال قصير وسترة قطنية خفيفة بلا أكمام.. واصَلَ طريقه لغرفة النّوم حيث كانت هي هُناك مُسْتَلقية على السّرير.. اقْتَرب منها حتى جَلَس بجانبها.. انْحَنى مُقَبّلاً جَبينها قَبْل أن يهمس: يعطيش العافية
اسْتدار إليه جَسدها بانْجذابٍ فطري وهي تُجيبه بعد أن أَحاطت خصره بذراعها وأَسندت رأسها لصدره: الله يعافيك "زَفَرت تُعَبّر عن تعبها" اليوم كان شغل واااجد.. وطول الوقت واقفة.. والله ما قعدت إلا يوم دخلت سيارتي
قال بنبرة تأنيب وأصابعه تَتخلل خصلاتها: وطبْعًا مو ماكلة شي "رَفَعت رأسها إليه وهي تعض على شفتها تُخْفي ابْتسامة، هو أَكْمَل يُعاتبها على إهمالها" نُور ما يصير.. من جذي تتعبين هالكثر.. اخذي لش بس خمس دقايق واكلي فيهم أي شي
مَرَّرت لسانها على شفتيها قَبْل أن تقول بنبرة اصطنعت الثقة: أكلت موزة الحمد لله
نَظَر لها بسخرية: والله؟ موزة هـا
هَزَّت رأسها وهي تكتم ضحكتها: ايــه.. عطتني طاقة "اسْتَطْردت لتهرب من تَوبيخه" قولي انزين.. شصار في بيت بلقيس؟
حَرَّك كتفه وبنبرة عادية: ما صار شي.. تجاهلتها مثل ما قلتين
تساءلت: ما قالت لك شي؟
نَفى: لا.. ما كلمتني.. ما عطتني وجه أَصلاً
: أحســن
بابْتسامة مُحِبّة: شفت عبّود وبيان.. ما شاء الله كبروا.. ما كأنها سنتين.. بس خسارة بيان ما تذكرني
: طلال كانت صغيــرة.. أكيد ما بتذكرك "اسْتفسرت" عمي كان هناك؟
: اي هناك.. المسكين ما كان داري شنو يسوي وشنو يقول عشان بس يحسسني براحة.. وكل حين ما يقول لي هذا بيتك وهذا مكانك
بعاطفة: حبيبي عمي.. والله قلبه ما في منه
عَلَّقَ بضحكة: ما يستاهل إختي صح؟
ضحَكت وبحرج أَجابت: يعني أدري إن هي في النهاية إختك.. بس هو بعد عمي.. وو وصدق.. يستاهل وحدة أفضل
قالَ لِيُنهي الحَديث حتى يُرَشِّح فكره من بلقيس: ما لنا دخل.. هو راضي فيها وهي راضية فيه
وهي تشد نفسها إليه وتدفن جانب وجهها في صدره: ايـــه صَدقت.. ما لنا دخل
تَساءل وهُو يرى أَجْفانها تَسْتريح بإغماض: بتنامين؟
هَمْهمت ثُمَّ أَجابت بصوت مَحْشو بالنّعاس: النوم في راسي والله.. بس أبي أتسبح.. وأبي آكل لي شي قبل لا ترتكب فيني جريمة
قَرَصَ خدّها بقوّة: اي صيري مُطيعة
تَقَطَّبت ملامحها بألم: آآي طـلااال
مَسَحَ بإبهامه على مكان فعلته الذي احْمَر: زين قومي عشان تتسبحين وتتعشين
هَمَسَت بصوت مكتوم بعد أن غابَ وجهها كُلّه في صدره: شوي بس
ابْتَسَم بخفّة حَنونة شادًّا على جسدها بمَلق.. ظَلَّ يَمسح على ظهرها وَأفكاره تعود لتغزو رأسه.. لو يسألها عن تلك الليْلة.. لا يدري كيف ستكون ردَّة فعلتها.. رُبَّما تستفرغ مثل السَّابق.. لكن يُريد أن يسمع عن الليلة منها.. يَحتاج أن يَرى أحداثها من خلال عَيْنيها.. رُبما كان لديها تحليل آخر فتكون أخته بريئة... رُبما! تَنَهَّد.. نَظَر لرأسها.. فَكَّرَ.. ومن ثُمَّ: نُور "هَمْهَمت كإجابة فَتابَعَ" اليوم كلمني رائد... عرض علي شغل في شركة أبوه الله يرحمه
أَبعدت رأسها عن صدره لتنظر إليه بعينين ضاقا من تراكم النّوم، وبتساؤل: شنو قلت له؟
: ما قلت شي "وَضَّحَ" هو سبق وعرض علي الشغل أكثر من مرة.. يصر علي بس أرفض
باسْتنكار: وليش ترفض! يعني شغلة في مكان زين ومحترم وبراتب زين أكيد.. وصديقك هو.. يعني المميزات واجد
أَفْصَح وملامحه أَصدعها الضّيق: نُور ما أعرف.. ما أدري.. بس أحس بشعور مو حلو "أضاف" وبعدين إنتِ تعرفيني.. ما أتوالم مع أي أحد.. ياما اشتغلت في أشغال عدلة بس تفنشت بسبب مشاكلي ويا الموظفين.. وما أبي أسوي مشاكل لرائد
قالت بجديّة: بس طلال إنت اللحين كبرت.. مو معقولة بتتصرف نفس تصرفاتك قبل.. يعني اللحين شطولك وشعرضك إذا صارت مشكلة بينك وبين زميل بتقوم تضربه مثل يوم كنت مراهق! أكيد لا
كَشَّرَ ملامحه وهُو يقول بإحْراج: أووف تذكرين الضرب؟
قالت بتنهيدة وابْتسامة جانبية: ايــه يا حبيبي أذكر.. أذكر لأن كنت أحاتيك.. أخاف يجي يوم ينتقم منك واحد من اللي بهذلتهم
ضَحَكَ: شنـــو ينتقم مني.. وين قاعدين! طيش شباب كان.. بس كبرنا عقلنا
ارْتَفعت أصابعها لذقنه تَتَحسَّس جرحه: ها.. هذي فعايل طيش الشباب
ضَحَكَ من جديد ولكن بعلو: لا عـاد هالجرح بريء من هالاتّهامات
تساءلت: شلوون يعني بريء؟
وَضَّحَ: ما له دخل في الشغل.. هذا من أحمدوو ولد إختي جان تذكرينه.. سب أمي ورمى جم كلمة غبية نفس كلمات أمه وخالاته.. فضربته وهو ما قَصَّر
: صــح أذكر يوم تقول لي السالفة "اسْتفسرت باهْتمام" بشنو ضربك؟
: غرشة بيبسي الزجاج مالت أول.. كسرها وضربني فيها "ومَكْر طَغى على صوته ونظرته" لكنش يا دكتورة ما قصرتين.. عالجتيني.. كنت مريضش الأول
بعدم فهم: كل مرة تقول لي جذي.. بس أنا ما أذكر!
: لكن أنا أذكر
: شلون عالجتك؟ كنت صغيــرة!
أَكَّد: اي كان عمرش أربع شنوات تقريبًا "وهو يُداعب أنفها" كنتِ نتفة حدّش
تساءلت بحماس: زيــن شلوون عالجتك؟ قوول
تَنحنح ثُمَّ بلَّل شفتيه قَبْل أن يُجيب بهمس وبابْتسامة تستعد أن تتطور لضحكة: جيتين لي وحضنتيني وقلتين لي "وهُو يُصَغِّر صوته مُقَلِّدًا صوت طفولتها" ماما تقول إن لازم نبوس جرح اللي نحبهم عشان يصير زين وما يألمهم "أشارَ بإصبعه للجرح المُتوسّط ذقنه وبصوتٍ أَجش" وبستيني اهني.. على الجرح بالضبط
ابْتَعَدَت عنهُ مع وصول قافلة الحَرَج إلى وجهها.. ضحك باسْتمتاع وهو يَرى كيف انتشر الاحْمرار صابِغًا وجهها وعُنُقها.. باعْتراض قالت وهي تجلس لتقابله: جــذَّاااب.. تجذب علي
وهو يضحك: والله.. اسألي فيصل.. المسكين كان شوي ويطلع من خشمه دخان من العصبية.. يمكن لو أبوش ما كان قاعد جان صفعش كف على شفايفش
أَنهى جملته وضحكته تتعالى أكثر.. ضربت ذراعه بحَنق والإحْراج يتفاقم: سخيــف ما يضحّك "وبتبرير لا داعي له" تـرى مو قصدي شي.. يوم كنت صغيرة إذا أنجرح أنا أو أخواني ماما كانت تمسح على الجرح وتبوسه.. يعني سويت الشي ببراءة
ارْتفَع حاجِباه بتعجّب والضحكة لم تفارق ملامحه الوسيمة: عمرش أربــع سنوات.. يعنــي أكيــد ما كان قصدش شي! "رنا لها بطرف عينه بخبث وبنبرة لعوبة" يعني شنو بيكون قصدش مثلاً حبيبتي؟
قرصت ساعده: سخيـــف.. قليل أدب.. والله " وهي تتحرك للتترك السرير" أقوم عنّك أحسن
اسْتلقى على السرير وضحكته ترتفع بلا سيطرة من خجلها المُتأخّر.. ناداها وهو ينقلب على بطنه ويُحاول إيقاف ضحكته: حبيبي تعالي.. بس بسكت خلاص
واصلت طريقها لدورة المياه وهي تقول بصوت اخْتلَط فيه الحَرج بالغيظ دون أن تلتفت إليه: مــاابي أقعد معاك "دَخلت وقَبْل أن تغلق الباب وصلتها ضحكته الشقية لتهمس بابْتسامة حَرَجِها" نحيــس طلالو
,،
الساعة الحادية عَشر والنّصف مَساءً.. مضت أكثر من اثني عَشر ساعة مُذ دَخَلَ إلى غُرْفته.. ظَنَّت أَنَّهُ نَزَلَ للمرأب، لكنَّها رَأت مفاتيحه وهاتفه كذلك الذي أُرْهِق من الاتّصالات المُهْمَلة حتى انتهت بطَّاريته.. عندما طَرَقت باب غُرفته للغداء قال أَنَّهُ لا يشتهي.. وكذلك غابَ عن موعد طَعام العَشاء.. ما به! فَكَّرت وهي تَتَذَكَّر عُطاسه، ربَّما اشْتَدَّ مرضه وهي لا تعلم.. ازْداد الزُّكام أو ارْتَفعَت حرارته مثلاً... زَفَرت بحيرة وهي تمشي لباب غُرفتها للمرة العشرون لتُلْقي نظرة على باب غرفته المُوْصَد.. هي حتى حاولت أن ترهف السّمع لعلَّ صَوْتًا ينفذ لأذنها فتطمئن عليه.. لكن وكأنَّ الصَّمت قَد ابْتَلَع الغُرفة بأكملها! تَحَرَّكت من مكانها إلى غرفة الجُلوس.. نظرت لمفاتيحه المُسْتَقِرة بجانب هاتفه على الأريكة.. رُبَّما خَرَجَ دون المفاتيح.. توَجَّهت لباب الشّقة، حاولت أن تفتحه، كان مُقْفَلاً.. من المُحتمل أن لديه مفتاح آخر! لكن لو غادرَ المكان لَسَمِعت صوت فتح الباب وإغلاقه.. عادت لغرفتها والقلق بَدأ رحلته. لَم تُغْلِق بابها.. ظَلَّت واقفة عنده تُطالع غرفته وهي ساكِنة.. حَكَّت خَدَّها بِتفكير.. هل تطرق الباب لتطمئن عليه؟ تَقَدَّمت خُطوة ثُمَّا تراجعت مُباشرة وهي تُحَرِّك رَأسها.. لا.. تخجل.. هُو قد تجرأ ودخل غُرفتها اليوم.. لكن هي.. ماذا سيقول عنها؟... ولكن هو قبل ساعات اتَّفَقَ معها، هُم أخوان الآن.. يعني لا داعي للخَجَل من خُطْوة كهذه.. وهي قَد لا تحتاج للدُّخول.. رُبَّما يخرج لها هُو إذ هي طرقت الباب.. ستخبره أَنَّها أرادت أن تطمئن عليه وستسأله إن كان يحتاج إلى شيء.. شَجَّعت نفسها وخَطَت بهدوء إلى غُرفته.. طَرَقَت الباب بخفّة.. انتظرت جواب ولكن لا شيء سوى الصَّمت.. عادت وطرقت بوضوحٍ أكثر.. كذلك لا شيء.. أعادت الطرق من جَديد وهذه المرة صوتها يُعينها: محمد
القَلق تجاوز المُنتصف.. بدأت توسوس.. الساعة اقتربت من الثانية عَشر.. ولا تعتقد أنَّه خارج المنزل.. فهو لَم يتركها لوحدها لوقت متأخر.. دائمًا ما كان يَعود عند التاسعة أو العاشرة.. وإن خَرَج فهو ينزل للمرأب ليعمل.. لكن هاتفه ومفاتيحه هُنا.. لحظة.. قلنا إن احتمالية وجود مفتاح آخر واردة.. لكن لَم يكشف صوت الباب عن خروجه.. إذن هو هُنا.. تسعون بالمئة هو هُنا.. لكن العشرة الباقية.. أَغْمضَت ورأسها يميل بتعب من هذه الأفكار التي تدور وتدور في عقلها بلا نهاية.. دخولها للغرفة سَيُنهي المعمعة التي في عقلها.. أَبْصَرت والفكرة تومض في عَيْنيها.. هل تدخل؟ تحرَّكت يدها ببطءٍ مُتَرَدّد، لَمَسَت بأطراف أناملها المقبض ثُمَّ تراجعت للحظات قَبْل أن تعود وتمسك بهِ مُسْتَعِدّة لفتح الباب.. بهدوء وبحذر أخفضته لَتُبْصِر عَيناها داره للمرَّة الأولى.. تَحَرَّكَت عَدَسَتاها على المَكان سريعًا، لَم تُدَقِّق فيه لأنَّها كانت تبحث عنه.. وفعلاً وجدته.. تَنَفَسَّت بارْتياح وهي تراه مُسْتَلْقٍ على السَّرير.. أو لتكون أكثر دقِّة.. كان مُسْتَلْقِيًا على بطنه ورأسه مَخفي أَسْفَلَ الوسادة.. ذراعاه مَمدودتان على الجانبين ونصف جسده كان حُرًّا من مَلابس.. كان يرتدي بنطال من الجينز فقط والذي كان مُرْتَخٍ قَليلاً عند خِصره.. ظَلَّت عَيْناها مُعَلَّقة به.. لا شك بأنَّ مرضه تطوَّر.. الغُرفة قَد خُنِقَت من الحَر، فالمُكَيَّف لَم يكن يَعْمَل.. الأضواء الصَفراء الخافتة أَوْحَت لها بالكآبة.. والصَّمْت المُتَّخِمة منهُ الجُدْران يَحْكي عن وِحْدة لَم يُخالطها أنيسٌ قَط. تَرَكت المقبض مُتَقَدَّمةً للدَّاخل وبصرها هذه المرَّة يَتَفَحَّص المَكان بدقّة.. الغُرفة قَد صُبِغَت بأكملها بالأبيض، لا وَرق حائط ولا حتى لونٌ آخر يمتزج معه.. بياض لا غير.. الأثاث كانَ ما بين الرَّمادي.. الأسود.. الأبيض والأزرق الدَّاكن.. غُرْفة المَلابس على اليَسار تُفْضي لدورة المياه.. ومن خلفها قُرْبَ الباب كانت المنضدة بمرآتها.. كانت شبه خالية إلا من عطر وحيد.. ساعة معصم.. فرشاة للشعر وفقط.. لكن لَفَتتها صورة مُثَبَّتة عند أحد جانبي المرآة.. اقْتَرَبت أكثر لِيَتِّضح لها الشَّخصان اللذان احْتَفَظت بذكراهما اللقطة.. كان هُو مُحَمَّد، بِغبش عَيْنيه وصَفْحة ملامحه المُتَكَتِّمة على أسرارٍ عِدَّة.. وجهه مثلما هو.. جامِد إلا من ابْتسامة كانت كالخيط الواهِن.. تَكادُ لا تبان.. عاقِدًا ذارعيه عند صدره وحول عُنُقِه التَفَّت ذراع الشاب الواقف بجانبه.. كان مُناقِضًا لمُحَمّد في الشكل وفي صَفْحة الملامح المُحتفظة بخطوطٍ بألوانٍ مُتَعَدِّدة.. كان يبتسم بسعة مَرِحة وفي عَيْنيه الْتماعٌ جَريء نافَسَ الْتماع القرط السَّاكِن أّذنه اليُسرى.. شعره الأحمر وبشرته شَديدة البياض أَكَّدت لها أَنَّهُ أَجْنبي.. تعتقد أَنَّهُ ألماني، ورُبَّما هُو صَديقًا لمحمد في غربته. اسْتَدارت لتُواصل التَّعرف على زوجها.. أو أخيها... هذه المرة توقفت عند السرير.. نظرت للمنضدة عند رأسه.. مصباح نوم بقاعدة سوداء.. كتاب بعنوانٍ للغة لا تعرفها.. هاتف.. حسنًا إذن، يوجد هاتف ثانٍ لا مفتاح.. وبجانب الهاتف ساعة أخرى.. قلم وبعض القصاصات الورقية، وكأس ماء مشروب نصفه وبجانبه علبة دواء.. الغرفة لَم تَكُن مُزْدَحِمة بالأشياء.. حاولت أن تعثر على شيء خاص.. شيء يُمَيّزه ويُعَرّفها على شخصيته المُنغلقة.. لكنها لَم تجد شيء مُلْفت.. لذلك أنهت رحلة البَحث ليتوقف بصرها عليه.. وجهه مَدْفون أسفل الوسادة لذلك لَم يَتَسَنَّ لها رؤيته لتتعرف على وضعه الحالي.. لكن تنفّسه المُنْتَظِم دَلَّ على استغراقه في النّوم.. مَضَت عينيها لمنطقة أخرى.. قَطَرات من العَرَق قَد رَسَمَت خَطًّا من أسفل عُنُقِه حتى نهاية ظهره.. أَرادت أن تُبْعِد عَيْنيها من وَطْأة الخَجَل الذي غَمَرَ وجْنتيها.. لكنَّ شيءٌ غَريب أَجْبرها على مُواصلة النَّظر... ضاقت عَيْناها بتركيز.... ما هذا؟ ..... لحــظة.. اقْتَرَبَت أكثر.. دَقَّقَت النَّظَر في نهاية ظهره المكشوفة قَليلاً بسبب ارْتخاء البنطال.. شيء مَرسوم هناك! انْحَنت وعقلها مُنْشَده بالذي اكتشفته وَقد نَسَت وَضعها ومكانها.. اتَّضَح لها المرسوم قَليلاً.. كأنّهُ رَقْم.. نعم رَقم قَرأته بحذر "7087".. تَهَدَّلَت ملامحها بصدمة عندما اسْتوعبت.. وَشْم.. يا إلهي إنّه وَشْم... هذا وَشْم لرقم! هي من شدّة تركيزها بالذي اكتشفته ومن صدمتها وتقززها أيضًا الذي بدأ يَتِّضح على وجهها، لَم تنتبه لحركة رأس محمد.. محمد الذي أَحسَّ بدخول أحدهم مُذ شاركته الغرفة.. إحساسه كان ما بين الوَعي واللاوعي.. حرارته التي ارْتفعت فجأة قبل ساعات طَغَت على استيعابه.. حاول أن يتحرّك ليتأكَّد من وجود شخص آخر معه ولكن عضلاته الواهِنة لَم تُساعده... هو شعرَ باقتراب هذا الشخص.. تَحَفَّزَت مَسْامعه لصوت الأنفاس القَريبة مُرْسِلةً إشارات تحذير لجسده الذي عانَدَ الوَجع من أجل النّجاة.. وبحركة سَريعة وخاطِفة قَبَضَ على رداء الشخص الغَريب عند صدره لِيُلْقيهِ بقوَّة على سَريره قَبْلَ أن تُقَيِّد يَداه الحَديديتان ذراعيه بإحْكامٍ وشِدّة.. وصوته يرتفع بصراخ مبْحوح بالألمانية: مــــن أنـــــت!
,،
قالت بَعد أن أَلْقت نظرة على القائمة المُحتفظة بها في هاتفها: خلصت من المشتريات الجديدة.. باقي بس أنقل الأشياء اللي أحتاجها من غرفتي في بيتنا.. إنت انتهيت من نقل أغراضك صح؟
كانا عائِدان من شقتهما التي ستحتضن بدايتهما صَعْبة التَّنبؤ.. لا تدري كيف ستكون حَياتهما إذا جَمعهما سَقْفٌ واحِد.. هل سَيصير السَقفُ سَماء تَحُفَّهما بالحُب والود والمشاعر الحميمة؟ أَمَّ أنَّ السقف سَيُهْدَم فوق رأسيهما ليجبرهما على عض الأَرْض نَدمًا؟ لا.. تتمنى أنَّه الاحتمال الأوَّل.. لا تُريد أن تَلْعَق النَّدم، لا تُريد أن تجلد ذاتها التي حاربت كُل شيء.. كُل شيء فعلاً لتفوز به.. لا تُريد أن تُسْجَن في زاوية كَئيبة، تَقْتات فيها على اللوْم والحَسْرة. تأَمَّلت وجهه المُشير للاحْتمال الثاني.. كان مُلْتَفِتًا بكُل حواسه لعالم آخر.. تجزم أَنَّه لا زال عالِقًا في البُقعة التي جَمعتهُ بِجنان وَجنى.. عَيْناه انْعَكَسَت فيهما صُورة جَمَعت وَجْهي الاثنتيْن.. قَبَضَت يَديها وكأنَّما تُغْلِق الباب في وَجْه غيرتها وقَهرها اللذان يأكُلان صَبْرها كما تأكل النَّار الهَشيم.. اقْتَلَعت نَفَسًا يُثَبِّط انْفجارها لتُناديه بهدوء بالكاد ساعدها: فيـصل.. فيصل أكلمك
التَفتَ لها بانْتباه قبل أن يعود بصره للشارع: نعـم.. ما سمعتش
شَدَّت على يديها وشَفتيها تَتشبَّثان بابْتسامة بالية: كنت أسألك.. انتهيت من نقل أغراضك؟
أَجابَ: اي.. كل أغراضي في الشقة اللحين
هَزَّت رأسها: تَمـام "تَجَرَّأت وشَبَكَت أصابع يُسْراها بيمينه المُرْتاحة جانِبًا.. هي التي قَيَّدت خَجَلها غَصْبًا في الأسابيع الماضية لتتجه بهذه العلاقة لضِفَّة الأمان.. هَمست بنبرة مُترقِّبة بحُب" ما باقي شي.. أيام بسيطة بس ويجمعنا بيت واحد
أَخْفَضَ بصره بخفَّة لينظر ليَدها وهي تَغْزو عالمهُ المُوارِب.. شَدَّ على المقوَد بيده الأخرى وأَعْصابه كُلَّها انْشَدَّت مُحاولةً إرسال إشارات لكفّه عَلَّها تُبادل كَفَّها العِناق.. حاول.. وحاولَ، وفي النهاية ظَفَرَ بقَبْضٍ يَسير وخَفيف، بالأحرى مَسٌّ بسيط بأطراف أصابعه.. قَبْلَ أن يُحَرِّر يده من شباكها ليرفعها لشاشة السيارة بطريقة حاولَ أن تكون عفوية وهو يقول: اي ما باقي شي "ابْتسم وهو يرنو لها بطرف عينه" الله يتمم على خير
هَمَسَت والانْفجار دَوى داخلها ليغرقها ببحرٍ لَم تستطع أن تُترجمه إلى دموع.. لذلك ابْتلعت موجه المالح الذي بَدأَ يذوي منهُ يَنع رُوحها المُتَفَتِّحة على حُبّه: إن شاء الله
,،
ابْتَسَمَ لِوَجْه الليْلَ الذي صافَحَ عَيْنيه.. ضَحَكِ بِخفَّة من الرُّطوبة التي غَزَت جلده.. سيكون كاذِبًا إذا قال أَنَّهُ لَم يَشْتاق لهذا الجَو الخانق.. الجَو الذي تشعر وكأنَّه يكبس على صدرك حتى أنَّك بالكاد تَتَنفَّس.. تَحَرَّكَت يده لحقيبته المُتَدِلِّية على خصره، تَأَكَّد من وُجود دوائه.. قَد يحتاج إليه أَثْناء الطَّريق.. فالهواء يَكاد يَسْتحيل ماءً عَكِرًا من شِدَّة الرُّطوبة. مَشَى مُبْتَعِدًا عن بَوَّابة المَطار وهُو يَجُر العَربة التي تَحْمل حَقيبَتيه.. ذهب بواحدة وعاد باثْنتيْن.. فهو احْتاج لشراء الكثير من الملابس عندما طال مُكوثه هُناك.. وكذلك بعض الهدايا التي اشْتراها لأسْرته.. حتى والدته.. لَم يَنْسها وابْتاعَ لأجلها ساعة أَنيقة تُليق بها.. اشْتاق إليها، اشْتاق لحضنها المُفَصَّل عَلى مَقاس بَوْحه وأَشْجانه.. إلا أَنَّ هذه المرَّة البواحِ تَاهَ في الفلاة، باحِثًا عن كَهْفٍ يَعتزلُ فيه عن تَراشقِ سِهامٍ كان ذلك الحُضْن هُو القَوس الذي وَجَّهها. رَفَعَ يده لأحد سائقي الأجرة والذي فتح لهُ صندوق السَّيارة سَريعًا ليضع حَقيبتَيْه.. لَم يُخْبِر أَحَدًا بعودته.. لَم يُرِد أن يَنشر في نفوسهم قَلق أو اضطراب.. وَلم يُرِد هُو أيضًا أن يُشَوِّش هدوءه.. جَلَسَ في مقعده بعد أن أخبر السَّائق بوجهته، ثوانٍ وتحرَّكت السيارة وعَيْناه مُلْتَصِقَتان بالنَّافِذة.. هُو هادئ.. هادئ جدًّا، وراضٍ جدًّا أيضًا.. يحمد الله على هذا القَدَر وإن لَم يعرف الخَيْر منه.. أَمْرهُ بِيَد الله فلماذا التَّشَبُّث بماضٍ انتهى؟ أَخذَ كفايته من التفكير والبُعْد.. رَتَّبَ أَهْدافه وخططه.. يعرف الآن ماذا يُريد، ويعرف ماهي خُطْوته الأولى ومُتشوّق لها للحَد الذي يجعلهُ يَضْحك على نفسه.. لاطَفَت شَفتيه ابْتسامة خَفيفة وخُطوته هذه تُذَكِّره بواحدة من الهَدايا المُسْتَقِرَّة في حَقيبة سَفره.. هدية هي الأهم بالنسبة له.... هدية هي الوِلادة الجَديدة لذاته.
فترة الأقامة :
3844 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
18989
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
360.32 يوميا
طهر الغيم
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى طهر الغيم
البحث عن كل مشاركات طهر الغيم