الموضوع
:
ذات مقيدة حول عنق إمرأة /51 الفصل الاول
عرض مشاركة واحدة
01-25-2020
#
2
♛
عضويتي
»
27920
♛
جيت فيذا
»
Oct 2014
♛
آخر حضور
»
منذ 10 ساعات (06:18 AM)
♛
آبدآعاتي
»
1,385,075
♛
الاعجابات المتلقاة
»
11658
♛
الاعجابات المُرسلة
»
6454
♛
حاليآ في
»
♛
دولتي الحبيبه
»
♛
جنسي
»
♛
آلقسم آلمفضل
»
الاسلامي
♛
آلعمر
»
17سنه
♛
الحآلة آلآجتمآعية
»
مرتبطه
♛
التقييم
»
♛
نظآم آلتشغيل
»
Windows 2000
♛
♛
♛
♛
مَزآجِي
»
♛
♛
♛
мч ѕмѕ
~
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
♛
мч ммѕ
~
جَلَسَت عَلى المَقْعَد لأحد المَقاهي المُغْلِقة في مثل هذا الوقت من النّهار في شهر رَمضان، أَخْفَضَت الأَكْياس على الأرْض وَهي تَتنفس بِتَعب قائلة: خـلاص جُود.. بس خل نرجع، تعــبت
وهي تَتَفَقَّد المُلاحظات في هاتفها: بعد باقي محلّين لليوم ونخلص
هَزَّت رَأسها رافضة: بس ما أقدر.. تعبت وريقي نشف "نظرت لساعة معصمها وهي تُكْمِل" شوفي الساعة صارت أربع ونص.. واحنا من الصّبح اهني! خلينا نرجع
جَلست على المقعد أَمامها وهي تهز رأسها بالموافقة: أوكي بنرجع "مالت شَفتاها بابْتسامة تَلَوَّنت بالمَكْر" بس بشرط.. باجر تجين معاي لبروفة النفنوف
اتَّسَعَت عَيْناها وبنبرة لا نقاش فيها: مُسْتَحيــــل.. جُود ما بلبس نفنوف.. حتى الحفلة بقول لأبوي مابي.. ما يحتاج.. ماني صغيرة ولا هذي أول مرة لي أتزوج
بِاعْتراض قالت: مــوو عذر! في ناس في زواجهم الثاني أو حتى الثالث يسوون لهم حفلات وكبيــرة بعد.. يعيشون ليلتهم ويستانسون
بِحِدَّة عَقَّبَت: النّاس مو أنا
نَبَّهتها: انزين نُور القرار مو بس قرارش "نَظَرت لها نور باسْتفهام وهي واصلت بتوضيح" طَلال من حقه بعد يقرر.. يمكن هو خاطره يشوفش بالفستان الأبيض
تَحَرَّكَت عَدَسَتاها على وَجْه جُود وَعْقلَها حَلَّقَ بها إلى حُلْمٍ نَبَذَتهُ غَصْبًا.. طَلال وهي بفستان أبيض.. لَم تَتَأَمَّل هذا الحُلْم مُنذُ سَنوات.. أَمَرَت أُمْنياتها وَخيالها بالتَّخلي عنه مُذ أَدْلَت بموافقتها على عبد الله لوالدها.. لَم تَعْتَقِد يَومًا أَنَّ العصا التي سَتُحَوِّلهُ إلى حَقيقة ستكون في يَدها.. لكن.. مُسْتَحيـــل وصعب جدًا.. لا تتخيَّل نفسها وهي مُطَلَّقة وفي التَّاسعة والعُشْرون تَرْتدي فُسْتانًا أبيضًا لزوجها الذي هو خال طَليقها! أَغْمَضَت بِتَعبٍ وخَيْبة من هذا التَّعْقيد، مال رَأسها بخفَّة وَيُدها ارْتَفَعت لِتُمَسّد صدغها وقلبها يُصْغي لجُود التي كانت تتحدّث بجديَّة ومشاعر عَميقة نــادرًا ما تزورها: نُور أنا أكثر وحدة أدري شكثر حبيتين طَلال، وشكثر كنتِ تنتظرين اليوم اللي تكونين حَلاله ولابسة له الأبيض.. مو عيب ولا غلط ولا حرام إنّش تكونين عروس للمرة الثانية.. لا تعقدينها أرجوش وبلا هالأفكار.. إنتِ دكتور وفاهمة ومثقفة.. ما يصير تفكرين هالتفكير!
رَفَعت جِفْنيها لتنظر لها بِعَيْنَين تَبْحثان عن الهُدى.. تَبَسَّمَت لها شَقيقتها بِحُب اتَّضَح في صوتها وهي تقول: كان من المُستحيلات إنّش تكوين حَلاله.. بس بقدرة الله صار.. فمو مُسْتحيل إنّش تلبسين له الأبيض "أَوْضَحت" وبعدين النّفنوف كلـــش بسيــط.. ناعـم وبيعجبش.. مو منفوش.. فستان عادي.. سِمْــبل مثل ما تحبين
بِحيرة هَمَست: مــادري
اقْتَرَحت عليها: شوفي احنا باجر بنروح المحل.. لبسيه وشوفيه عليش.. صدقيني إذا ما عجبش بنكنسله وبنكنسل الحفلة بعد
تَساءلت: أكيــد؟
أكَّدَت: والله "أضافت وهي تحمل الأكياس مُسْتَعِدة للوقوف" حَنين وجنان بعد بيجون معانا
أَفْصَحَ قَلْبها سؤاله عن التي لَم يُفارق اسْمها فِكْرها القَلِق: وغيداء؟
نَظَرت لها جُود بصمتٍ يَخْلو من رَدَّة فعل للحظات، قَبْلَ أن تَرْفع كَتِفها بِرأسٍ مائل وَشَفتين مَزْمومَتَيْن دَلالة على افْتقارها للإجابة: ما كلمتني ولا أنا كلمتها
اسْتَفْسَرت بلهفة: تدري صح؟
: كل من يدري " أَوْضَحت" وبعد هي طَلال كَلّمها عقب ما كلّم أمي
باسْتنكار قالت: ما ظل أحد ما كلمه طلال! شنو قال لهم؟!
ببساطة: أسأليـــه
وَضَّحت: من ذيك الليلة ما كلمته ولا كلمني "انْعَقَد حاجِبَاها عندما تَخَيَّلت وضعهما والحوار الذي قد دارَ بينهما.. تساءلت" انزين إنتِ ما تدرين شصار بينه وبين غيداء؟
:لا والله.. حتى عبد الله وطَلال.. محد يدري شصار بينهم.. بس عرفنا إنّه كلّمه وبعدين صدمنا عبد الله بسفره المُفاجئ
زَفَرت بَعْثَرتها وقلقها الذي تآكلت منهُ رُوحها وهي تُلَمْلِم ذُبول مَلامحها بِكَفَّيها: يا ربـــي
طَمْأنتها وهي تقف: ترى ما صارت مشاكل.. الواضح إنهم تفاهموا بهداوة وما حبّوا إنّ تكثر الأطراف والتدخلات فيما بينهم.. إنتِ بس اتركي هالمحاتاة ووكلي الأمور لله
وَقَفت وَداخلها رَجـاءٌ حام: إن شـاء الله يا رب.. إن شاء الله
,،
تَقِفُ أَمام المرآة الطَّويلة التي تَعْكِس صُورتها كاملة.. حينًا تَلْتَفِت لليَمين، وَحينًا لليَسار وَيَداها تَتَلَمَّسان بَطْنها كَما لَو أَنَّهما تَكْتَشفانه.. وَعَيْناها تُدَقِّقان فيه من جَميع جهاته.. هي حَتَّى قاستهُ عِدَّة مَرَّات لِتُقارن القياسات الحالية بالقياسات السّابقة.. لكن لم يتغير شيء. أَخْفَضَت القَميص بملامح عابِسة يَتَخَلَّلها عَدم رِضا مع دُخوله للغرفة.. هَزَّ رَأسه بقلّة حيلة عندما رأى مَكان وقوفها.. عَلَّق بابْتسامة جانبية وهو يقترب منها: صدقيني عيونش بتحول من كثر ما توقفين قدام هالمنظرة
قالت لهُ بِضيق وهي تُشير لبطنها: بسّــااام ما تغيّر شي
وَقَفَ أَمامها ليقول بخفوت وعَيْناه تُلاحِقان الزَّعل المُؤطّر عَيْنيها: أكيد ما بيتغير شي.. توّش قبل ساعة قاعدة تتأملين.. شلون اللحين بيتغير؟
كَرّرَت سؤالها للمرة الألف مُنذُ ظهور النتيجة: زين متى بيتغير؟ أبيــه يكبر.. أبي أحس فيه "وبقهر" حتى نَساة مثل الأوادم ما تنسّيت.. مافي إلا هاللوعة اللي تجيني الصبح.. وبعدين طول اليوم تختفي.. ما كأنّي حــاامل
اتَّسَعت ابْتسامته هامِسًا بنبرة مُشاكِسة: اللي يجوف حماسش واهتمامش اللحين، ما يصدق إنش ما كنتِ تبين البيبي
رَفَعَت حاِجبها وبثقة لاطفتها ابْتسامة إحراج: كانت عندي أسبابي
هَزَّ رأسه وبجدية مُصْطنعة: أووكي اقتنعت "تَجاوزها مُتَّجهًا للباب" أقول ماما حَنين اتركي عنش المنظرة والبسي لا نتأخر على الناس
هَمَسَت وهي تُلقي آخر نظرة على بطنها المُسَطَّح: أوكي
هُو ظَلَّ مُبْتَسِمًا حتى بعد أن خَرج من الشّقة.. شَتَّان ما بَيْن حالها الآن وحالها قبل شَهران.. كانت كَمن صُدِمَ بالجَحيــم.. عندما أَخبرتهم الممرضة بالنتيجة كُل ما فيها تَجَمَّد.. وَكَأنَّ كَيانها انْقَلَب عَلى عَقِبَيه.. ظَلَّت لِأسْبوع تَعْتَكِف لساعات في غرفتها الخاصَّة، غُرْفة الباليه.. جاِلسة بِساقَيْن مَرْفُوعَتَيْن بانْطواء حَتَّى يَسْتَقِر ذِقْنها فَوْقَ رُكْبَتيها.. جالِسة أمام ذكريات طُفولتها المُعَلَّقة على الحائِط على شَكْلِ صُوَر تنظر لها بِصَمْتٍ وَغِياب.. رَفَضت وبشدّة أن يُبَشِّر عائلته أو عائلتها بِخَبَر حَمْلها.. هي كانت ترفض الطعام أيضًا.. وفي كثيرٍ من الأحيان تَصوم عن مُحادثته.. الكثير من الأسئلة كانت تَعْبر قلبه ثُمَّ تَعود إليه بِخَيْبة عاريةً من جَواب.. هُو وبسبب حالها هذا اضطَّرَ أَن يطلب إجازة من العَمَلَ حتى يُداريها ويُراقبها أيضًا.. لوهلة خَشِيَ أن تَضُر نفسها لتتخلص من الجَنين.. صَحيح أَنَّها لَم تنطق بشيء.. لكنَّه لَم يصعب عليه أن يفهم أَساس الصَّدمة التي تَعيشها.. هي بالطبع لا تُريد الحَمل.. لكن لماذا... لمـــاذا؟! هل لأنهُّ هُو الأب؟ فهي لا تُريد أن تَتَشارك معهُ هذه النّعمة.. لا تُريد أن يَكون لزواجهما ثَمَرة.. لا تُريد أن يَقوى الرّباط بَينهما.. أو لأَنَّها لا تُحب الأطفال؟ أو ربّما لديها مُخَطّط آخر.. طفل بعد عام أو عامان من الزواج.. لا يدري لا يدري.. الحيِرة أَقْلَقت صَحْوته ونَومه.. وجُمودها هذا اتَّكأَ غُرابًا على رَأسه ناشِرًا جِنْحَي كَوابيسه. بَعْد تفكير عَميــق.. وتردد واقْترابٍ وهُروب.. تَشَجَّع وجَلَسَ عندها.. أو جَلَسَ خلفها.. أزاح الأسئلة جانِبًا، وَأَصْمَتَ نَبْرة الاسْتنكار في حلقه.. اسْتَقَرَّ خَلْفَها بهدوء.. أَحاط خِصْرها بِذراعيه لِيُقَرِّبها منه.. لَم تُعَسِّر الأَمر عليه، كانت مُسْتَسْلِمة لهُ بكافَّة حواسها.. الْتَصَقَ ظَهْرها بصدره مما أَجْبَرها على إسْبال ساقيها قَليلاً.. أَبْعَدَ خُصْلاتها عن وَجْهها لِيُقَبِّل جانِبه بِحَنْوٍ خاص بها.. هَمَسَ لها برقّة: ترى أنا موجود.. وقلبي موجود عشان يسمعش ويفهمش.. وراح يكون معاش في كل الأحوال.. من غير اسْتثناءات
شَدَّها لُهُ أَكْثَر وَكُل ما فيه كانَ مُلْتَفِتًا إليها بانتْباه.. شَعَر بجسدها يَرْتَخي شَيئًا فَشيء.. أَنْفاسها بَدَأت تَصْطَدم بوجهه بِتَعَثُّرٍ وَثِقْل.. وَكَأنَّها كانت تُجاهِد سَيْلاً عارِمًا من الدُّموع.. رَكَّزَ بَصره عَلى عَيْنَيها، قَطْرَتا العَسَل اخْتَلَطتا بماءٍ مالِح عَكَّرَ صَفْوَهما.. ثانيتان فقط وَهَتَفَت شَهْقة كانت هي البداية لرحلة البُكاء التي اسْتَمَرَّت لفترة ليست بالقصيرة.. ساعة أو رُبَّما أكثر قَضتها تَسكب أجاجًا على قَلْبه وَرُوحه الفاتِحان باعيهما لهذا المَوْج الصّادِم.. لَم يُقاطِع مَسيرها.. تَركها تُفْرِغ ما تَكَدَّسَ داخلها لأيّام.
لا يَدري كَم مَرَّ من الوقت.. ولا يدري كَيف انْتَهت المَعْزوفة الحَزينة لِيَحل مَكانها صَمْتٌ مُوْحِش، قَبْلَ أن تَقْتَطِعهُ كَلِمة واحِدة.. : خـــا يفـ ــة
احْتضانهُ تَضاعف، وَكأنَّ ذراعاه المُحيطان بها تُشَجِّعانها على مُواصَلة الكَلام.. وهي اسْتجابت لسياسته: خــ ـايفة .. على البيبي.. .
عَقْدة تَجَمَّعت فيها كل مَعاني الاسْتنكار وَعَدم الفَهْم بانت بَيْن حاجبيه... تَراكمت الأسْئلة على طرف لسانه لكنّه تَجاهلها مُواصِلاً صَمْته واسْتماعه.. وهي أَكْملت ببحَّة مؤلمة: أخـ ـاف يموت.. في بطنـ ـي.. مثل أخواني.. أخواني اللي أمي ما شافتهــ ـم.. حسّت فيهم وانتظرتهم.. لكن ماتــوا.
ارْتَخَت ملامحه قَليلاً عندما اتَّضَحَ لَهُ السّبب.. لكن هي واصلت مُضيفة أَسْبابًا أُخْرى عَدّدتهم على أَصابعها المُرْتَجِفة: ما أعــ ــرف للأطفال.. ما أعرف أكون أم... بسّـام.. ما أقدر أتصوّر نفسي مسؤولة عن طفـ ـل! أخـاف أضــ ـرّه.. وو.. ويمكن يصير مثلي وحيــ ـد.. ما عنده أخوان ولا أخوات "ابْتَعَدَت عنهُ قَليلاً وعَيْناها المُحْمَرَّتان تَتسعان بخوف اسْتِجابة لخيالاتٍ تَطوف بينهما" يمكن.. . يمكن يصيدني مثل أمي.. أسقط جم مرة.. وبعدين يشــ... يشيلون رَحمـ ـي! "احْتَضَنت جانِبَي وَجْهها بِكَفّيها والفَزَع قَد تَمَكَّن منها.. نظرت إليه لتُكْمِل بنبرة عَرْقلتها دُموع جَديدة" بسّـ ـام يخوّف.. يخــ ـوّف الشـــي
هُو الذي تَنَفَّسَ الصُّعداء مَسَحَ بظاهر سَبّابته على خَدّها بهمسٍ مُطَمْئن: أُششش.. حَبيبي اهْدي
أَرادت أن تشْرح لهُ أَكثر لكنّهُ قاطعها بابْتسامة تَمَثَّل فيها الحَنان بأجمل صوره: أدري إنّش خايفة.. وأدري إنش متشتتة اللحين وتفكرين في الأيام اللي جاية.. والماضي مأثر عليش ومضاعف قلقش.. فاهم كل شي.. وتراه طَبيعي كلـــش "نَظَرت لهُ باهْتمام وهُو واصَل بحنكته" أي بنت تعيش هالتجربة راح يجيها خُوف منها.. ونسبة الخُوف تختلف من وحدة للثانية.. وفي بنات عادي يكون الأمر بالنسبة لهم بل منتظرين الحَمْل.. وهذا الخوف يكون ناتج عن تجارب سابِقة أو بسبب تكوين شخصية البنت "قرص خَدّها بنعومة وابْتسامته اتَّسَعت حتى بَدأت تَطال قَلْبها المُتَضخِّم فَزَعًا" وإنتِ يا حبيبتي دلوعة ماما وبابا.. طُول عمرش ما كنتِ مسؤولة عن شي.. يمكن أشياء بسيطة مثل الدراسة والشغل.. أو حتى الزواج.. والحَمل أول مسؤولية حقيقية.. فعادي يسكنش هذا الخوف
كَرَّرت: لكن أنا ما أعرف شي.. صدقني بسّام ما أعــ ــرف
نَطَقَ بصدق: وأنا بعد ما أعرف.. ما أعرف شلون يعني أكون أب.. بس أدري إن أول ما بتطيح عيوني على ولدي وبحمله بين ايديني بعرف.. هو بيعلّمني وبيعلّمش معنى الأمومة.. يمكن كل واحد فينا عنده مشاعر بسيطة اتّجاه أي طفل.. لكن المشاعر الحقيقية والعميقة بتنولد مع ولادة طفلنا.. والمسؤولية بتحملينها على عاتقش بكل حُب من أول صيحة بيصيحها ولدش يعبّر فيها عن جوعه وحاجته
أَراحَت رَأسها على كَتِفه وكلامه بَدأ يَنغرس في عَقْلها، قلبها ورُوحها بِمَلَقٍ وَحُب.. لكن رياح الخَوف لا زالت تُزَعْزع اطْمئنانها.. هَمست وهي تنظر لعينيه المُبْتَسِمَتين: وإذا صار لي مثل أمي؟
اسْتنكر: ليش تقدمين الشر؟ مو شرط اللي مقدّر لأمش يكون مقدّر لش.. عيشي اللحظة ولا تحرمين نفسش من هالنّعمة العظيمة "وضع كَفّه على بَطْنها مُنَبِّهًا" وترى الجَنين يتأثّر بالحالة النفسية للأم
أَراحت كَفّها فَوْقَ كَفّه هامِسًة: أدري.. بس "صَمتت للحظة" واجد أشياء ما أعرفها ولا أدري عنها
ببساطة عَقَّب: عــادي.. كلش عادي.. بتتعلمين خطوة بخطوة مع كل مرحلة.. اللحين الحياة تطورت.. أي سؤال عندش بسهولة بتلقين له إجابة في كل مكان "شَبَكَ كَفّه بكفّها مُرْدِفًا بنبرة أَشْعَرتها وكأنَّما الدفء احْتضنها" وقبل كل هذا أمش وأبوش وأنا وياش.. كلنا بنشاركش هالتجربة "وبمُزاحٍ لَطيف" تَراه ولدنا بعد مو بس ولدش
ابْتسمت بِخفّة وهي تَسْترخي في حضنه وبهمس: يمكن بنتنا.. . مو ولدنا
شَدَّها إليه أكثر وهُو يُهْمِس قَبْلَ أن يُهدي وَجْنتها قُبْلَة عَذْبة: ولد بنت كلّه واحد.. أهم شي يكون بصحة وعافية
تَمْتَمَت وهي تُغْمِض مُسْتَشْعِرةً الرّاحة التي بَثّها إليها: إن شاء الله
,،
: هــلا هـلا بالعروس.. هلا بالغالية
قَبّلت رأس جَدّته التي تَلتقيها للمرّة الأولى بِخَجَلٍ كَبيـر تَجَلَّى بَجمال على وَجْنتيها المُتَوَرّدَتَيْن: هلا فيش عمتي
وهي تمسح على رأسها بود: شلونش يُمّه وشلون ولدنا وياش؟
ابْتَسَمت: الحمد لله أنا بخير.. ومحمد مو مقصّر
قَبَّلت خَدّها: الله يهنيكم ويسعدكم "بأسف اسْتطردت" والله كان خاطري أزفكم.. بس الله ما كتب "تساءلت باهْتمام" صحة أخوش زينة؟
هَزَّت رأسها: الحمد لله بخير
: الحمد لله الله يقومه بالسلامة.. سلمي عليه وسلمي على أمش.. قولي لها نبي نشوفها.. خلها تزورنا، البيت اللحين صار بيت بنتها يعني بيتها
تَبَسَّمت لها بمحبة: إن شاء الله عمتي يوصل
والدة مُحَمَّد أَشارت للجَد الذي كان يجلس بجانب زوجته: مَلاك هذا أبوي
نَظَرت لهُ بذات الخَجَل.. مَدَّت كَفَّها إليه مُسَلّمة تَحْت نظرات مُحَمّد القَلِقة.. يخشى أن يُحْرجها جدّه بردة فعله.. رُبما قَد يتجاهل سلامها مثلما يتجاهل سَلامه دائمًا.. علاقة جدّه به وبكل شيء يخصّه مُتوترة، والسبب بالطَّبع اختفاءه الغَريب. لكن وبمُفاجَأة صادِمة له ابْتَسَم لها بوِقار وصافحها بل وَسَمح لها بتقبيل رأسه! غَريـــب.. لكن الغرابة لَم تَدُم.. فوالدته اقْتربت منه هامِسةً بضحكة: أبوي معارض.. يقول هالوجه السَمح ما يستاهله محمدو الألماني
ارْتَفَع حاجِباه بِتَعَجُّب.. إذن راقت لهُ مَلاك! تَحَرَّكت عيناه تبحثان عنها.. وجدها مع جِنان والبنات تسلّم عليهن والخَجل تَوأمًا لا ينفصل عنها.. ابْتِسامة بالكاد تبان شَدّت شَفَتيه وعَيْناه تَتأملان ملامحها السَّمحة.. يبدو أَنَّها تملك وَجْهًا لهُ القُدْرة على تغيير الأَحوال.. وحاله أكبر مثال... .
,،
ها هي اللَّمسات الأخيرة تَسْتَعِد لإبراز المَحل أو المَتْجَر أو لنكون أكثر دِقَّة المَخْبَز.. مَخْبَز يُقَدِّم أَشْهى أنواع الكعك والفطائر والبسكويت.. مُتَنَوّع في خياراته، يَبْدأ من الحلويات الشعبية الشهيرة في البَلد.. وَيمتد إلى حلويات الوطن العَربي المُنتشرة هُنا، وينتهي بالوصفات الفاخِرة من الحلويات الفرنسية والإيطالية.. فهي قَد اسْتفادت من سِنين هُروبها بين هذه الدّول بأن جعلت بعضًا من أَطباق الحَلوى الشهيرة ضمن قائمة مَخبزها.. قبل شَهر تم التعاقد مع رئيس طُهاة ذو خِبْرة ممتازة.. واثنين من الطهاة المُساعدين قد وَصلوا قبل أُسْبوعَيْن.. وَبالتَّأكيد لَم تنسَ أن تتعاقد مع ثلاث نادلات نساء.. واثنَين من الرجال.. شعار المَخْبز قَد تَم تثبيته أعلى الباب من الخارج، وتَم تزيين الأطباق والكؤوس وحتى المناديل به.. اخْتارت أن يَكون المَكان في منطقة حَيَوية وراقية في الوقت ذاته.. فالمَخْبَز يَسْتَقِر على يَسار إحْدى الشركات المَرْموقة.. يفصل بينهما أربع مبانِ فَقط.
كانت تَتناقش مع رَئيس الطُهاة أثناء ما هُو يَتَفَقَّد المَكان بِعَينين مُتَفَحصَتين.. يَداه في جَيبي بنطاله الرّسمي وَهُو يَدُور حَوْل المَكان لِيُقَيّمه.. المخبز واسع جدًا، قسم للخَبْز والطهي حيث الأفران والأدوات والمكونات بشتَّى أنواعها.. ثُمَّ قسم المُحاسبة حيث أَمين الصّندوق والذي تستقر أمامه واجهة لعرض بعض الحلويات والمَخْبوزات المُميَّزة.. ثُمَّ بعد ذلك يَأتي الرُّكن الذي يجلس فيه الزَّبون.. طاولات ومقاعد أنيـقة وَمُريحة.. فهي قَد تَكَلَّفت وجدًا في الأثاث والدّيكور لتجعل العُيون تَتَلَذَّذ بالنَّظر قَبْلَ أن تَتَلَذَّذ البُطون بالمَذاق.. عَملها هذا حتى الآن تُكافأ عليه بالعلامة الكامِلة.. مُمتاز وجدًا.. لكن العَمل الأهم والأخطر.. الخطة لَم تبدأ بعْد، وَهُو غير مُقْتَنِع بها حتَّى الآن. اقْتَرَبت منه بعد أن انتهت من حَديثها، بِحَماس تَساءلت: هــاا قولي، شرايك بعد ما تم كل شي؟
الْتَفَت لها وفي عَيْنيه الرّضا والإعجاب: مُمتاز.. كل شي مُمتاز.. بس للحين مو قادر أتخيل شلون بتوصلين له من خلال محل حلويات!
ابْتسامة مائلة ظَهَرت على وجهها وبضحكة: مو تقولون إن الطريق إلى قلب الرجل معدته؟
اقْتَرَبَ منها مُعَقِّبًا بِحاجِبَيْن أرفعتهما السُّخْرية: وإن شاء الله إنتِ تبين توصلين إلى قلبه؟
أَجابت: هُو أَساسًا ما عنده قلب، لو كان عنده قلب جان حَوى امرأة.. لكن داخله شي أقسى من الحَجر.. فبحيلة بسيــطة وتافهة جدًا، والأهم ما تخطر على باله.. بقدر أوصل له وأكسر هالحجر اللي داخله سَم.. سَم منه وفيه، بيفنيه من أولّه لآخره
تَقَلْقَلت عَيناه بين مَلامحها ليهمس: يكفي هالحقد اللي في عيونش.. هو بس قادر على إنّ يفنيه
هَزَّت رأسها بالنّفي لِتُعَقّب بذات الهمس: ما يكفي إنّ ينحبس هذا الحقد في عيوني.. آن الأوان إنّه يتفجّر.. كفاية صمت وكفاية تأجيل.. نهاية سلطان قرّبت "وبكره حـاد وحارق" غُروره وتكبّره.. فلوسه وشركاته وتجاراته المشبوهة.. كل هذا بينهار قدام عيونه، وبيطيح طيحة بتحمل معاها صورة كل إنسان ظلمه وقهره.. بتمر الصور في عقله، مثل لمح البصر، ما بيقدر يمسها لعلَّى وعسى يغيرها.. راح يغص بالنّدم قبل لا يعض أصابعه منه.. بينهدم العرش اللي نصَّب روحه عليه وبداله راح يتوسّد تراب السّجن اللي بيحمله إلى حبل المشْنقة.
انْتَهت من سَرْد تفاصيل النّهاية التي تُخَطّط لها رُوحها المَعْطوبة.. كان صَدْرها يَرْتفع ويَنْخَفض بثقل، فتسارع نَبْضاتها الحاقِدة أَجْهَدَ أَنْفاسها.. نَطَقَ بَنَبْرة شاغبها الشَك وَهُو يُصْغي لِنَفَسَها الذي خَرَج مُرْتَجِفًا: أتمنى إنّ الأمور تمشي مثل ما إنتِ مخطّطة لها "كرَّر" أتمنى
لَم تَسْتَسِغ جُمْلته ومعانيها المُبَطَّنة، لذلك قالت بتحذير وحاجِبان مَعْقودان: رائد أرجوك إذا ما عندك ثقة فيني تراجع.. تونا في البداية، إذا خايف لا تشاركني.. لأنّي أبدًا ما أبي كلام سلبي.. وما راح أحتاجك إذا كنت بتحبّطني
ارْتَفَعَ حاجبه: والله مو على كيفش.. غصبًا عنش بكون معاش.. سواء كنت واثق أو لا.. أنا من بداية الطريق ماشي معاش، وافقتش بل سهّلت لش كل خططش المجنونة.. اللي آخرها كانت انتحارش الوهمي
ابْتَسَمت باسْتمتاع وهي تتذكر كيف انتشر الخبر في وسائل التَّواصل الاجتماعي والصُّحف.. الكبير والصغير شغله هذا الحدث.. أستاذة جامعة تنتحر! صور الجُثَّة، الدّماء والمبنى المهجور.. اسْتَمَرَّ الحَديث وتواصلت البلبلة.. والأقاويل كانت كثيرة وكذلك القصص التي اخْتلقها البعض ونَشَرها جَذبًا للنّاس.. كُل ذلك انْتهى بعد أن أعلنت لجنة التّحقيق أَنَّ الأستاذة تُعاني من مرض نفسي بسبب ظُروف طفولتها القاسية.. اسْتَمَرَّ المرض وتمَكَّن منها مما دفعها للجوء إلى الانتحار.. آخر باب تقصده لترتاح.. فكانت ردود الفعل..
"الله يسامحها ويغفر لها" "مريضة ما عليها شره.. ادعوا لها بالرحمة" "وهل على المريض حرج!" "إن شاء الله ما كانت في وعيها عشان لا تروح النار"
ابْتَلَعَ البَحْر المَوْجة العملاقة.. فَسَكَنَ ماؤه.. فَصَمَتَ الجَميع.. ولَم تُغَسَّل ولم تُكَفَّن ولَم يُصَلَّ عليها.. وَدُفِنَت فاتن في قبرٍ لا أَرْضَ له.. وَصَمَتت الألسن عن نطق اسْمها.. فقد نُسَيَت بسرعة انتشار الخَبَر.. هذا ما ظَنَّته قَبْلَ أن يُفْصِح رائد
: تدرين إنّ خالتي هناء قاعدة تشتغل على بناء مسجد باسْمش
نَظَرت لهُ بصدمة اتَّضَحت في عينيها.. تبني مَسْجِد.. بإسمي!.. تساءلت بارْتباك لَعْثَمَ لِسانها: لــ ــ لــ ــيــش!
أَجاب بسخرية: صدقة عن روحش، وعشان كل من يدخل هالمسجد يدعي لش بالرحمة والمغفرة
تَكَتَّفَت بارْتعاش.. مَرَّرَت باطن كَفَّها على ذراعها وهي تقول بابْتسامة شَاحِبة أَنْحَر الخَبَر الغَريــب لَوْنها: علاقتنا سطحية جدًا.. زميلات لا أكثر.. ليش زاعجة نفسها فيني وبانتحاري وبآخرتي!
هَزَّ رأسه: صحيح إن علاقتكم سطحية.. "مال رأسه وعلى شَفَتيه تَربَّعت ابْتسامة معناها رَفْرَف حَوْلَ قَلْب فاتن المُولي ظهره للحَياة" بس للحين في الدنيا ناس داخلها قُلوب.. فلا تعتقدين إن كل الناس داخلها حَجَر سلطان
,،
تَبدين لَطيفة.. عَلى جِفْنَيكِ اسْتراح مَوْجٌ أَسْود لَم يَفُز بِعناقٍ مع جَيش أَهدابكِ المُلتوي.. أَرى مَلامحًا جَديدة على وجهكِ.. وَكأنّي أرى وَجهًا آخر.. تَبدين مُرتاحة وَسعيدة.. هذا جيّد، فالأيام.. لحظة.. فالسنوات التي مَضَت كانت قاسية عليكِ.. كما كانت حَربٌ خاسِرة لي.. نعم تبدين سعيدة.. ما سِر هذه السعادة يا تُرى؟
: مامـــا قصّي للبابا من كيكتي
رفعت رَأسها بعد أن نَبّهها صَوت صَغيرتها.. كانت تُجهّز الأطباق لتقديم الكعكة التي عاونتها صغيرتها في تَحضيرها.. انتقلت عَيناها من جَنى إلى وجه ذاك الذي يقف أمامها.. ابتسم لها.. فعلاً ابتسم لها.. إلهي مُنذ متى لَم يُبْصر قَلبها هذه الابتسامة؟ اسْتقامت مُسْهِبة في التَّذكر، تُفتش بين ضَباب الذكريات المُلَونة عن آخر ابْتسامة أودعها في قلبها.. لَمحات مُشوشة تَزاحمت بِحَماس أَمام عَيْني رُوحها.. فهي لَم تطرق باب الذكريات المُلونة مُنذ زَمنٍ بَعيد.. فَصَداقتها عَقَدتها مع رَمادية خَبيثة لَم تفتأ أن تَطمس ضَوء الفَرح عَن حَياتها.. ارْتَجَف النَّبض وَارْتَبَكت أَنفاس مُشْتاقة حينما نَطق والابتسامة تُراقص كلماته: أَصَّرت أجي اهني آكل من الكيكة قبل أي أحد
ازدردت ريقها وهي تُبعد عَينيها عن وجهه الجَديد.. حادثت جَنى بلُطف: ماما جَنى اللحين بوديها برا وكل من بياكل منها
بإصرار قالت وهي تقترب من الطاولة المتوسطة المطبخ حيث تقف جِنان: لا ماما.. أبي بابا يذوقها أوّل
ضَحك بخفة لحماس هذه البريئة: تقول تعبانة عليها
هذه المرّة هي ابْتسمت.. بَعد أن مَرّت بعينيها عليه للحظة.. داعبهُ شيء ناعم في صدره.. وَكأنهُ ضَوء رَقيق يَنفذ من بين فراغات أَشجارٍ يانعة لِيُداعب الوَرد.. فَقلبهُ قَد أزهر لِيُصافح وَليد ابْتسامتها..الضَّوْء.. نطقت وهو يُصغي حَتى للنَفس الذي يِصل بين كلامتها: إذا على التعب.. فهي فعلاً تعبانة.. من الصبح قاعدة بس عشان تسوي الكيكة
أَشارَ برأسه للكعكة: زين ذوقينا.. خل نكافئ تعبها
هَمَست والابتسامة لَم تُفارق شَفَتيها.. وَلم تُفارق عَيْنيه: ثواني
أَعْطتهُ الطَّبق بَعد أن تَوَسَّطته قطعة من الكعكة التي أَعَدَّتها بمُساعدة جَنى.. غَرَسَ الشَّوكة فيها لِيَقْتَطَع منها الشيء القَليل.. كانت كَعْكة شوكولاتة ذابت في فمه بلذّة مُضاعفة.. فهي من صُنْع يَدي الجِنان.. مَرَّر لسانه على شفتيه بعد أن ابْتلع ما في فمه، ثُمَّ عَلَّق بإعجاب كَبير تَراقصت لهُ عَدَستا جَنى زَهْوًا: أحلى كيكة أكلتها في حياتي "اتَّسعت ابْتسامته مُضيفًا بِصدق" والله
تَقَدَّم حيثُ تَقِف صَغيرته لِيْنَحني لها، احْتَضَنَ كَفَّيها القطنيّين، قَبَّل الأيْمَن ثُمَّ الأَيْسَر قَبْلَ أن يَقُول بِحُب أَبوي تَهواه تلكَ الجِنان: تسلم الأيادي بعد قلبي جناني
رَفَعت رَأسها تَنْظر لوالدتها والفَرَح يَغْمر حواسها البَريئة بوضوح، قابلتها جِنان بِغَمزة وابْتسامة لَطِيفة قَبْل أن تَلْتَفِت لوالدها مُعَقِّبة: شُكرًا بـابـا حَبيــبي
: العفو يا عيون بابا "اسْتَدْرَك وَهُو يُحيط خصرها النحيف بذراعه القويّة" زين بابا جَنى خل نطلع برى ونذوقهم الكيكة اللذيذة
أحاطت عُنقه بذراعيها وبحماس: أووكــي
استقامَ واقِفًا وهو يحملها بذراع والأخرى مُدَّت يدها لتحمل الطَّبق الذي يحوي قطعته، أشار للخارج برأسه مُحادِثًا جِنان التي لا زالت مُسْتَسْلِمة لِهَدْهدة هذا المَشْهَد الرَّقيق.. لِوَهْلة شَعرت أَنَّهم عائلة تعيش بين السَّحاب..: نطلع؟
هَزَّت رَأسها بِخفَّة والابْتسامة التي كانت تُلاطف شَفَتيها شاغبَها فُتور لَم يَلْحظه لأنّه كان قَد اسْتدارَ مُتَقَدِّمًا للخارج.. تَنْهيدة مُخَفَّفة من أَثْقال غادرت رئتيها.. وَهَمْسٌ داخلي طَبْطَب عَلى رُوحها قائلاً "اسْتمتعي بهذه الفرص النّادِرة.. امْتزجي مع كُل شُعور يُولَد من وُجوده.. احْتفظي بالذكريات الجَديدة.. فهي جَميلة وإن كانت مَبْتورة"
تَبِعَتَهما للخارج حيث الجَميع.. النساء في زاوية قَد تَجَمَّعن.. والرِّجال في الزاوية المُقابلة.. وفي الوسط كان يسْتَقِرَّان الجَدَّان.. وَكَأنَّهما الشمس التي تنشر الدفء على الضَّفَتَيْن.
المشاعر الرَّقيقة التي كانت تَحْتَضِن هؤلاء الثلاثة جَلِيَّة جِدًا للجَميع.. فالحُب الصَّامت في قَلْبي فَيْصَل وجِنان مُتَمَرِّد.. تَراهُ على هَيْئة نُجوم تَلْتَمِع في عَيْنيهما.. وتُلاحظه بَيْن ارْتِعاش أناملهما المُرْتَبِكة.. والابتسامة التي على الشَّفَتين تُشْعرك كَأنهما يَرْتشفان من كَأس النَّشوة ذاته.... جُود التي كانت تجلس بِجانب حَنين هَمَسَت بنَبْرة يَتَّضِح فيها القَهَر: يا ربّـــي.. شوفيهم شلووون
حَنين التي فَهمت بوضوح ماذا تعني جُود أَيَّدت: فعلاً الوضع يقهر.. يجنّنون وهم عايلة وقلوبهم على بعض
نُور التي كانت تُنْصِت لهما أَكْمَلت: كل واحد ميّت على الثاني ويكابر
جُود باعتراف يُقَيّده الحَرَج: صراحة أنا استانست يوم عرفت إنّ ياسمين ما بتجي اليوم
حَنين اسْتَفْسَرت وكأنها تَذكَّرت: أي صح كنت بسأل عنها يوم ما شفتها.. ليش ما جت؟
أَجابت جُود: يقول فيصل معزومة على غبقة مع صديقاتها.. زين صارت عزيمتها في نفس هاليوم.. عشان لا يتلاقون هي وجِنان.. يصير الوضع كلـــش متوتر وكريــه
نَبَّهتها حَنين لِقدوم جِنان بِضَرْبة خَفيفة على كَتِفها لِتَصْمت.. أَعيْن النِساء الثلاث كانت تُتابع وَجْه جِنان بِدقَّة.. يَتَفَحَّصْن مَلامحها، يُنَبِّشْن عَن أَحاديث كَثيــرة لا تَبُوح بها.. رُبما هي تَبُثَّها لِنَدى.. لكن لهن هن.. لَم تَنطق بشيء مُنذُ زَمَن. جَلَست بِجانب نُور وَعَيْناها مُسْتَقِرَّتان عَليه، هُو وَجَنى التي تَعْتلي وَجْهها ابْتسامة خَجِلة تَفاعُلاً مَع مَديح وُثَناء أَفْراد العائلة على كَعكتها.. اقْتَرَبَت شَفَتاه من أُذنها هامِسًا بِكلِمات لَم تُطْرَب أُذْناها بِسماعها، وَلم يَتَسَنَّ لِعَيْنيها قِراءتها وَهي تعبر فَمه.. ثوانٍ وَضَحَكَت الطّفلة، وتَعَلَّقت يَداها الضَّئيلتان بِكَتِفَي والدها.. وجَسَدها النَّحيل الْتَصَق أَكْثَر فَأكثر بِصَدره، لِتُسَلِّم عَلى دفءٍ رافقها طوال سنوات عُمْرها القَليلة.. تَنْهيدة اجْتَرَّها القَلْب من أَعْمــاق الرُّوح لِتخْرج زَفيرًا ثَقيلاً.. وَكَأنَّ القَلْب كان يُريد أن يَتَخَلَّصَ منها.. فهي كانت تَجْتذبهُ بوَخَزَاتِها للأَسْفل.. حَيثُ الهاوية والاسْتسلام.. الْتَفَتَت لِجُود التي يبدو أنَّها تُناديها من فَتْرة.. نَظَرَت لها دُون أن تَنْطق بشيء.. وَعلى شُرْفة عَيْنيها لاحَ تَيْهٌ جَلي.. تَساءَلت جُود بجرأة: ليش تركتينه لياسمين وإنتِ تموتين فيه هالكثر؟
ارْتَفَع حاجبها باسْتفزاز وَهي غير مُبالية لِنُور التي نَهَرتها بِنَبْرة حادَّة: جُــود.. اكبري شوي.. شهالحجي!
أَدارت جِنان وجهها عنهن ولكن ليس إليه هذه المرَّة.. ظَلَّ بَصَرها مُتَعَلّقًا بنقطة لا مرئية تَصطدم فيها الأَفْكار بِضَياع وعَشْوائية. حَنين أَيَّدت نُور: كلش ماله داعي كلامش جُود
رَدَّت وهي تُرخي ساقَ على الأخرى وباسْتنكار مُصْطنَع: وَأنا شقلت! هذي الحقيقة اللي هي تعرفها وكلنا نعرفها ونقولها لبعض.. ليش اللحين مسويين روحكم مصدومات؟ "عادت وَوَجَّهت نَظرات كانت سِهام تَوْجيه وَصَحْوة.. تُريد بها أن تُزَعْزِع مَشاعر جِنان المُتَوارية.. وبِنَبْرة حَوَت خَبَثًا مَرِحًا يُناسبها" الاثنيــــن ميْتين على بعض
ابْتَسَمَت بانْتصار حينما الْتَفَتت جِنان بِلهفة طَغَت عليها صَدْمة اتَّضَحَت في عينيها المُتَوَسّعتَيْن، حيثُ كانت عَدَسَتاها تَتَحركان باضطراب.. ازْدَرَدت ريقها بصعوبة.. وَكَأنَّها تُحاول أَن تُمَرِّر صَخْرة من خلال حَلْقها الذي تَوَرَّم من الوَجع.. شَعَرَت بِنَفْسها مَكْشوفة أَمام الجَميع.. مَفْضوحة بلا سِتْر ولا "غُرور" كغروره الذي يُبْقي هامته مَرْفوعة.. أَيْنَ هامتها هي؟ لا هامة.. لا ارْتفاع.. وإنَّما سُقوط وَتَمَرّغ في وَحْل الخيانة الذي صَنعهُ فَيْصل باتّهاماته.. لكن.. . لكن جُود قالت الاثنين.. الاثنيــن.. هـل هذا يعنـ ـي.. يعنــ ـ.. يعنــي أنّه هُو أَيْضًا؟ أَيُعْقَل! .. ولكن ياسمين؟ مُستحيل، مُسْتَحيـــل.. هُوَ كَرَهها.. ولا زالَ يَكْرهها.. رُبَّما لَو نَمت طَبَقة جَديدة من الجِلْد فَوق الجرح الذي أَحْياه وسط فَحذها.. لَرُبَّما صدَّقت أَنَّهُ لا زال" مَيّت عليها" كما قالت جُود.. لكن هذا مُستحيل.. بل ما وراء المُستحيل.. هي جِنان ابْنة عَمَّته والتي احْتَضَنَت طِفلته لتسعة أَشهر فقط.. فقط.. هي حتى لا تعتقد أَنَّها في نظره واعْتباره أُم.. فثَوْب الأُمومة لا يُعْقَل أن يَكون في مَقاس جَسَدٍ خائن.. رَكَّزَت بَصَرَها على جُود التي بَدا على ملامحها التَّرَقُّب.. هي لا تدري ما الذي ترمي إليه بحديثه هذا.. لكنَّها تدري، وتعلم يَقينًا أن الحُب لَم يَمُت في قلبها هي فقط.. أما قلب فَيْصل فقد ماتَ فيه الحُب مُذ وَقَعَت عَيْناه عَليها وهي تجلس أَمام أحمد في ذلك المطعم المَشْؤوم.. قلبهُ الآن خاويًا من كُل المشاعر اتّجاهها.. ما خلا الحقد الذي يَرفض أن يستمع لتبريرها الرَّكيك.. لَرُبَّما مات هُو أيضًا.. لِيُمْسي قَلْبهُ فعلاً خاويًا من أي مشاعر اتّجاهها.. لِتَكون بذلك امْرأة.. فقط امْرأة عادية تُضاف لمجموع النّساء في العالم عند إحصاء عددهن.. هي لا شيء بالنسبة لفيصل.. لا شيء.
: ماما عادي أطلب طلب؟
هذا الهَمْس الرَّقيق.. زَقْزَق عِنْدَ أُذْنيها.. يُناديها لِتَلْتفت عن الزَّوبعة التي تَدور فيها.. يُذَكّرها بأن هُنالك كائن لَطيف.. بريء.. هُو أَهْلٌ لِكَيانها وَوجودها.. كُلَّها يَجِب أن يصغي ويَنتبه لهذه الحَمامة الصَّغيرة. الْتَفَتت لها وهي تُزَيِّن شَفَتيها بابتسامة ناعِمة لِتُجيبها بهمسٍ حَنون: حبيبتي إنتِ اطلبي اللي تبينه
تَبَسَّمت بِخَجِلٍ بانَ في صوتها وَجِفْناها اللذان هَبَطا بِخفَّة وَأدب: يصير الليلة أنام ويّا بابا؟
إلهــي.. كيفَ لِسؤالٍ أن تَكون لهُ أَشْواكٌ تَتَّخذ القلب والرُّوح فَريسة! حَبَست أَلمها لِيتعاضد مع الأشواك في نَهْشِ دواخلها.. هَمَسَت لطفلتها المُتَرَقِّبة وهي تَمس ذقنها النّاعم بإبهامها: أكيد ماما.. يصير تنامين ويّاه أي يوم تبين
أَشْرَقَت عَيناها والفَرْحة تُومض وَسَطهما.. عانَقَت والدتها بِحَماس وِشَفَتاها بِقوَّة قَبَّلتا خَدَّها قَبْل أَن ينطق لِسانها السُّكَّر: ثانكيووو ماما حَبيبتي
ضَحَكت بخفَّة لردَّة فعلها التي غَمرتها بمشاعر لَذيذة، ابْتعدت عنها قائلة بذات الحَماس: بروح أقول لبابا
لاَحقتها عَيناها إلى حيثُ يَسْتقر ذلك المَغْرور.. كم تعشق هذه الطفلة.. وكم.. تعشقه! سَجَنَت آه البُكاء في صَدْرها، وَبَقِيَت تُجاهد الدُّموع المُحاصِرة مُقْلَتيها، تُهَدّدها بهطولٍ غَزيـر قد يُضَعِّف فَضيحتها.. حاولت وبصعوبة اسْتطاعت أن تُغادر عيناها المَشْهد الذي بَتَرها الزَّمن منه.. هُو وطفلتهما مُنْسَجِمان في حَديثٍ سَعادته مَرْسومة على وَجْهيهما المُبْتسِمان.
,،
كان خُروجهما مُبَكِّر.. ارْتاحت لذلك، فهي مُذ أَخْبرها بِأنَّهما سَيَفطران في منزل جدّه الْتَبسها الارتباك وَبَدأ يَسير بَيْن أَوْصالِها القَلق.. هي لَم تكن هكذا من قبل.. أَبَدًا أَبَدًأ.. والقريبون منها يعرفون ذلك.. لكن بعد تلك الحادِثة تَغَيَّرَ فيها الكَثير.. وَكَأنَّها قَد اسْتُفْرِغت من شَرْنقة وَلّدتها من جَديد.. تلك الحادِثة انْتَجَت خَلَلاً في تَكْوينها الرُّوحي والجَسَدي.. كُل ما فيها تَبَدَّل.. حَتَّى شُعْلة الحَماس التي كانت تَعيش فيها وَتُحَفّزَها للعَمَل على قَضِيَّة والدها المَهْجورة قَد انْطَفَأت.. داخلها ظَلامٌ يرفض الاتّكاء على هَفيف ضَوْء.. وذلك الذي يجلس على يسارها لا تعتقد أَنّهُ يَألف الشَّمس.. لذا لن يُحاول أن يشرق على أَرضها لإعادة إحياءها.. ويقينها بهذه الحَقيقة دَفعها لِقُبول الزَّواج منه.. فهي غير مُضطَّرة أن تُحارب ذاتها الجَديدة من أَجْل إرْضائه أو من أَجْل الاندماج معه بطبيعية.. والنتيجة الكُبْرى من هذا السَّواد الذي يحاوطه كانت عدم خوفها منه!.. فهي لا تخافه ولا تنفر منه كباقي الرِجال.. أَرْجَعَت هذا الاطْمئنان للظَّلام الذي يتشاركانه.. فما الذي يستطيع أن يفعله رَجُلٌ يَسْبَح في الظَّلام؟ فهو مُقَيَّد بالكامل، وإن جَهلت مَصْدر وسَبَب القَيْد.. إلا أَنَّها مُمْتَنَّة له.. فمن غيره لكانَ المَضي في الحَياة معه أَكْثَر صعوبة.. بل قد لا تَقْبل الزواج منه من الأَساس. اسْتَيْقَظَت من غَفْوة أَفْكارها عندما تَوَقَّفَت السَّيَّارة.. تَحَرَّكَت عَيْناها على المَنْزل من خلف النَّافِذة.. ثوانٍ قَبْل أن تسْتوعب وتلتفت إليه بِنَظرات مُتسائلة.. أَجابها بهدوئه المُمَيَّز: آخر مرة شفتينهم يوم تزورون يوسف في المستشفى
لَم تَمْنع ابْتسامة الامْتنان من أَن تَشد شَفَتيها.. فَتَحت الباب وَقبل أن تُغادر سألته: بتنزل؟
أَجاب وهو ينظر لساعته: لا بروح الكراج.. تأخرت على الشباب هناك.. إذا جيت آخذش بنزل أَسلّم على عمتي
هَزَّت رأسها: أوكي.. مع السَّلامة
هَمَسَ: مع السَّلامة
زَفْرة طَويــلة فَرَّت من صَدْره.. أَغمض بِتَعَب وَيَده تَمْسح جَبينه بحيرة.... .. وَحَرَج.. نَعَم حَرَج.. هُو مُحْرَج من نَفْسه.. لا يدري ما به.. لا يعرف أن يترجم ما يشعر به.. هُو لا يدري ما هُو هذا الشيء الذي يُخالجه! هل تُسَمَّى مَشاعر.. أو .. أو يُمكن أن نطلق عليها لِقاء مَع الشَّمْس؟ أو العثور على نَهر من بعد مَسيرٍ في الصَّحراء وهو ظمآن؟ أو ما هو؟ ما هو ذلك الشيء الذي يُبعثر دواخله مُذ أَصْبَحَت زوجته؟ حتى البُرود الذي هو حَليفه ورفيق دربه لسنوات.. بات يشعر بذوبانه، وبالتالي هو يُبَلّله.. يُبَلّله ليرتعش ويَصْحو من السّبات الذي كان مَسْجونًا فيه.. مَرَّت أسابيع قَليلة مُذ جَمعهما سَقْفٌ واحِد.. لَم يعتقد أَنَّ في هذه المُدَّة البَسيطة سَتُهاجمه مَلاك بأنوثتها الصَّارِخة.. لا زال همس جِنان المُعْجَب يَرن في أُذْنيه
"محمد زوجتك نــااااعمة.. أول مرة أشوف بنت بهالنعومة.. ما شاء الله!"
وكأنَّ كلماتها كانت جَرس إنذار يُحَذّره من تَبِعات ومُخَلَّفات هذه النعومة الأنثوية.. لا يدري هل لِعُزْلته دَخَلاً في الذي يحصل الآن؟ فهو في شخصية ديميتري قابَل عشرات الإناث.. بعضهن كُنَّ حَبيباته لفترة تَبَعًا لخطة آستور.. رُبَّما للقبض عليهن.. أو حتى على فرد من أفراد عائلتهن.. لكنّه بشخصيته.. بذاته المُهَشَّمة.. هُو مُحَمَّد لَم يَقْتَرِب من أُنثى قَط.. أَنثى يَحِل لِعَينيه أن تعبران مَلامحها دُون خَوْفٍ من عقابٍ أَو إثْم.. اُنثى يَكْتشفها من خلف سِتار بروده الذي بَدأَ يَنْفك عنه.. كَيف سيتصرف عندما يَصبح أَعْزَل من سلاحه الأَعْظَم؟ ابْتَسَم بِخِفَّة للجُنون الذي يَعْترم داخله.. الذي يراه من الخارج بسُكونه واسْتقامته.. لا يُفَكّر ولو للحظة أَنَّ عاصفة في الدَّاخل تعمل على إحياء الذي مات والذي انْتَحَر.
حَرَّك السَّيَّارة مُبْتَعدًا عن المنزل الذي كانت تجلس داخله مَلاك بالقُرب من والدتها، وَقد بَدأت وَسَط رُوحها بَذْرة الاطْمئنان لمحمد بالنّمو.. دُون أن تعلم أنَّ من بين أَزِقَّة الظُّلْمة التي تَسْكنها نَجا شُعاعٌ باهِت.. اسْتجابتْ لَهُ ذات مُحَمَّد المَحْرومة.
،
يتبع
فترة الأقامة :
3846 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
18990
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
360.18 يوميا
طهر الغيم
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى طهر الغيم
البحث عن كل مشاركات طهر الغيم