عرض مشاركة واحدة
قديم 01-22-2020   #2


الصورة الرمزية طهر الغيم

 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ 9 ساعات (03:14 AM)
آبدآعاتي » 1,385,587
الاعجابات المتلقاة » 11667
الاعجابات المُرسلة » 6465
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » طهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : لا استخدمه My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي






أَيْقَنْتُ أَنَّ الحَياة ماهِرَةً في إخاطة أَكْفان سَعادَتِنا..مُذْ لَبَّى والِدي نِداء الفِراق الأَبَدي..وَهَا هي الحَياة تُؤكّد عَلى فَوْزِها وَإبْداعها الجَلي وَجِدَّاً على وَجْهَي والدَتي وَحُور..لَو كانت اللحْظة مُفْعَمَةٌ بالفَرح لَتَجَرَّأت وَأخرجت هاتفي لالتَقِط صُورة تُؤطِّر ما رُسِم على هذه المَلامح..لَكن أَنا لا تَجْرؤ عَيني عَلى تَحريك أَهْدابها..كُل ما هُو حَيٌّ داخلي قَد مات..مات وَأنا أَسْتَمِع لِحَديث الطَّبيب وَقراره..أَما أُمّي،وَتِلك الزَّوْجة المِسكينة..أَعْتَقِد أَنَّهما سَبِقتاني وَحَفَرتا قَبْران..كُل واحِدة منهما خَلَعت الوُجود وَأَلْقَته..لِتَبيتان عارِيَتان من مَشاعر تَنْعى بِكْراً وَتَنْدِبُ بَعْلا..،
بِمَلامح تُرَفْرِف حَوْلها الرَّتابة،:أَنا مُطّلع ومن سنين على حالة يُوسف "أَشار للوالدة مُواصِلاً" حَتَّى بَعد ما رفضت أُم يُوسف علاجه عندي..ظليت على دراية تامَّة ودقيقة بحالته ووضعه النَّفسي..لين قبل أَسابيع..وأشوف إن صار الوقت اللي يدخل فيه المستشفى...بات يشكل خَطر على نفسه وعلى الجميع..بقاءه في البيت من غير علاج جريمة
هَتَفت بإنكار حاد تراشَق من قَوْس أُمومتها المُحامي،:بس ولدي مافيه شي..ولدي عقله سَليم..أصحى من الكل..أكيد في شي غلط..على الأقل خل يقعد..يمكن عنده شي يقوله..
تَبَسَّم بِخِفَّة،:يا أم يُوسف ولدش صاحي مثل ما تقولين..بس في بعض المشاكل مأثرة على وضعه العام..يُوسف مو متزن مثل أي شخص طبيعي..فترة بسيطة يتعالج فيها وبيكون بألف خير "مالَ رَأسه رافِعاً يُمناه وَسَبَّابته نافِرة بِها هُو يُنَبّه فؤادها" ترى سَبَق واعترف لوالد زوجته بأفعاله..سَبَّب لها أضرار في جسدها لأكثر من مرة "زَمَّ شَفَتيه بِعَدم رِضا لِثواني قَبْلَ أن يُكْمِل وَهُو يَرْنو لِحُور بِطَرف عَيْنه" وَعلى ما يبدو أن زوجته تسكت وتخفي الأمر..وهذا أكبر غلط
ارْتَعَشَت حُور في مَكانها رَعْشَة بارِدة جَمَّدَت العَرَق المَسْفوك على جِلْدِها..أَنظار مَلاك وأُم يُوسف مُسَلَّطة عَليها بِصَدمة...وَهي قَد تَصَنَّمَت أَنْظارها على وَجْه يُوسف الغائب الحاضر..لَم تَكن تَعلم أَنَّه يَكْشف لوالدها عن أَفعاله الغَريبة..لِماذا! لماذا كان يعترف..والأَقسى من تَصريحه..لِمَ والدها كان الطَّرف الصَّامت!..الطَّرف المُتَخَفّي..وَ لا لِنصف مَرَّة تَساءَل عن عِلاقتها مع يُوسف..أَو حاوَل أن يَتَقَصَّى أَخبارهما..هُو حَتَّى إذا جاءَت تَتَداوى في حُضن والدتها بَعْد إزهاق رُوحها على يَد زَوْجها..لا تَسْمع منهُ اسْتفسار عن جِرح..وَلا اسْتنكار من وَجْهٍ كانت خارِطته الجُروح وَقارَّاته تَكَتُّلات دَمع..،
رَمَشَت بانتباه للصَّوت البارد القادم من ذاك الرَّجُل المُحيطة بهِ هالة من غُموض،:و التَّحاليل يا دكتور..ما خَبَّرتنا عنهم!
التَفَت الطَّبيب للنَّبْرة المُتَوَشِّحة بِمعانٍ مُشَفَّرة..كانت قادِمة من ذاك الرَّجُل الواقف على يَمينه..بَعيداً بِأربع خُطوات عن سَرير يُوسف..يَقِفُ بِثَبات وَجِذعٌ مُسْتَقيم..ذراعاه مَعْقودَتان فَوْق صَدْره بِقوَّة اتَّضَحت منها عَضَلات ساعِده..ضاقَت عَيْنا الطَّبيب بِتَفَحُّص..للمَرَّة الأولى يَراه..لا يَذكر أَنَّه قابَله مع يُوسف أو سلطان! ارْتفاع حاجِب مُحَمَّد وَشَبَح الابْتسامة المُبَطَّنة أَرْبكا ثِقَته وَاتّزانه..تَحَرَّك جَسَده قَليلاً وَهُو يَتَنحْنح..مَسَّ أَنفه بظاهر سَبَّابته لِيَقُول بِبَصَر يهرب للأسفل،:التحاليل سَليمة الحمدلله..مافيها أي مشاكل
تِلْك العَيْنان الغَبَشيتان..تَعَلَّقت بهما حَدَقَتي مَلاك التَّائِهتان..رَمَشَ مَرَّة..اثنَتان وَثَلاث..قَبْلَ أن يُحَرّك رَأسه بالنَّهي..حَرَكة بالكَادِ تُلاحَظ..يَنْهاها عَن تصديق حَديث الطَّبيب..يا إلهي..تُصَدِّقُ مَن وَتُكَذِّب مَن؟! ضَياع..ضَيـــاعٌ مَرير..يَقِفُ كَما الغَصَّة وَسَط حَلْقِها..زَفَرَت بارْتِجاف وَيَداها البارِدتان تَمْسَحان وَجْهها المَبْهوت..،
،:دكتور الإسعاف وَصل
أَخْفَضَت يَديها سَريعاً لِتَلْتَفِت جِهة الصَّوت..كان أَحد مُلازمي جَناح الطَّورائ..لا تدري أَطبيبٌ هُو أم ممُرض..ليس مهماً هذا الآن..السُّؤال هُنا..لِم الإسعاف!..جاءَها الجَوابُ من الطَّبيب،:لازم يُنقل من الطوارئ إلى المستشفى النفسي عن طريق الإسعاف..بكون أنا دكتوره مرافق له..انتوا تقدرون تمشون للبيت اللحين..وباجر بتصل بعطيكم خَبَر عن المبنى والجناح اللي استقر فيه
حُور التي ابْتَلَعها صَمْتٌ طَويــل..تَساءَلت بِتَرَدُّد وَرَجْفة،:دكتـ ـور...مــا..مايصير نروح معاه؟
هَزَّ رَأسه بالإيجاب،:بلى يصير..بس ما بتستفيدون شي..حالياً هُو مو واعي..و الزيارة أَساساً انتهى موعدها هناك..فالأفضل تروحون تريحون وباجر تجون له..العصر تبدأ الزيارة..
أُم يُوسف..أَم تُكَنَّى بِأم المَذْبوح؟...مَذْبوح الطُّفولةِ وَالشَّباب..وَيتيمُ الأب والابْتسامة..تَقَدَّمت حتى الْتَصَقَت بالسَّرير..انْحَنَت عَليه بِظَهْرها المُثْقَل..وانْحَنى مَعها دَمْعُها المُغْرِق مآقيها..امْتَصَّت تَعَبَهُ المَكْبوت بخُطوطِ كَفِّها المُلامِسة جَبينه..مَسَحَت عَليه وَكَأنها تُزيح اللاشيء لَعَلَّها تُكْشِفُ عن الشَّيء الذي طَمَسَتهُ قَسْوة ذاته..عن تَعِبه..وَحَكايا قَلْبه الأَبْكَم..وَدَّعتهُ بِشَفَتيها..أَهْدت الرَّأس قُبْلة..وَالخَدُ الأيْمن نِصْفُ قُبْلة..تَهاوى نِصْفها الآخر من عَلى مُنْحَدِر النَّشيج المَبْحوح..فَرَّت منها آه انْتَصَفَت قلْبَ مَلاك وَزَلْزَلته..تَحَرَّكت مُسْرِعةً تُريد أن تَلْتَقِط فُتات قُوَّتها قَبْل أن تَنهار كُليَّاً..ضَغَطَت عَلى كتِفَيها وَهي تَهْمِسُ والدَّمعُ يُشاغب بَصرها وَصَوْتها المَخْنوق،:يُمَّه لاتسوين في روحش جذي..اصبري..اصبري وادعي له..إن شاء الله بيكون بخير
نَطَقَت بِحَرْقة أَلْهَبت وِجْدان تاريخ الأُمومة،:مقهــوورة..مقهورة على ولدي..مقهورة على طفولته وَشبابه..مقهورة من هالدنيا اللي ماهي راضية تريحه..
هَدَّأتها وَهي التي لو لَم يَكُن لها كَرامة لاسْتَجدت الهُدوء و الصَّبر من البَشَر،:ابْتلاء يُمَّه..ما لنا إلا الصَّبر..رب العالمين معانا..أقوى من هالدنيا القاسية
ساعَدتها حَتَّى رَفَعتها عن جَسَد يُوسف السَّاكِن بِغرابة وَوِحْشة..لَوْلا حَرَكة صَدْره وَهفيف أنفاسه السَّاخنة لَظَنَّت الرُّوح أن المَوت قَد سَرَقه..تَرَاجَعتا قَليلاً مُفْسِحَتان المَجال للمُمرّض الذي أتى لِجَرِّ السَّرير..تَمَسَّك بِمُقَدِّمته..هُناك عند رَأس يُوسف..نَظَر للطَّبيب الذي كان يكتب بعض الكَلمات في الملف الخاص بِيُوسف مُنْتَظِراً إشارته..ثوانٍ وَرَفع رَأسه وُهو يُدخل القَلم في جَيْب معطفه الأبيض..أَشار للمَخْرج،:مَشينا
تَحَرَّكَ السَّرير..ذلك الجَماد الأشبْه بالقَبْرِ المُتَنَقِّل..تَحَرَّك مُتَقَمِّصاً بِعَجَلاته قَدَمَي يُوسف اللتان بُتِرَتا من أَلْغامٍ خَفِيَّة دُفِنِت في بَطْن النِّفاق وَالخداع..لِتَبْقى ذاته تائِهة..تُسَيِّرها أَباطيل وَأوهام خَبيثة..،مُحَمَّد أَحَلَّ عُقْدَة ذراعيه..وَفي المُقابل تَكَوَّنَت أَمامه عُقَدٌ عَديدة..لا يَدْري من أَين يَبْدأ لِفَكِّها..جالَ بَصَرهُ على لَوْحةِ الفَقْد المُفْتَخِرة بِبَطَلاتها الثَّلاث..أُم تَنُوح على كَتِف ابْنة تَم عَقْد قَرانها على اليُتْمِ والحُزْن..وَزَوْجة مُسْتَسْلِمة لِجَذْبِ مُحيط غارِق في السَّواد وَالصَّمت،وَ الضَّياعُ أَمواجه...حَشَرَ كَفَّيه في جَيْبي بِنْطاله..مالَ رَأسه بِتَفْكير..هَتَفَ داخله صَوْتٌ مُسْتَدرك...الشهرُ فَترة بَعيـدة..بعيدة وجدّاً حَتَّى تكون فَرْداً من هذه العائلة الحائِرة..هُن بلا رَجُل الآن..وَأنت الرَّجُل الذي اختارَ القَدَر أن يَطْبع بَصماته على صَفحات هذه الحكاية الكَئيبة..فَهل تَمْضي إليهن دون الإلتفات إلى الشهر؟...إذن..هَل آن الآوان؟! وَهذه الرَّزايا ماهي إلا تَباشير لِقُرب النَّجاة..نَجاة الذَّات من فَقْدِها المَنسي بَيْن سُجون بَرْلين؟ تَوَقَّفَ بَصَرهُ على وَجْهِ مَلاك..وَكَأَنَّ حَواسها أَنْصَتت لِلغوغاء المُحْتَدِمة في جَوْفه..رَفَعت جِفْنَيها لِتَنْقَض عَليها نَظْرَته العَميقة المُتَّخِمة بالأسرار..حَبَسَت نَفَسها في صَدْرها قِسْراً..رَجْفة مَرَّت وَأرْبَكت عَضَلات قَلْبها..ازْدَرَدت ريق الخَوْف المُتَخَثِّر وَسَط حَلْقِها..هي تَرى في عَيْنه خَبايا وَلكن لا تفهمها..كُل الذي اسْتطاعت رُوحها تَرْجمته هُو الخَوْف..رُبَّما للماضي العَتيق الذي كان يَجمعهما..حاَولت أن تَقرأ جَواباً مَكْتوباً على سَواد عَدَسَتيه..أَو أن تَلْتَقِط إشارة هي تَسْبح وَسَط مُقْلَتَيه..لَكن لاشيء..فعلاً لاشيء..وَلَم تَكُن تَعلم أن الغُموض هذا يَعيشه مُحَمَّد نفسه..كُل الذي يَعلمه أنَّ مَوعد اصْطدام فَقْديهما قَد اقْترب...وَجِدَّاً..،



حَبيبي..! تَقُول حَبيبي..أَلَهُ الكَلِمة؟ أَم أَنَّ فُؤادها تَمَلَّكَهُ حَبيبٌ جَديد؟ أَهُو أَحْمَد؟ أَم هي إلى رَجُلٍ آخر هَرَبت أَيْضاً من جَديد؟...حَبيبي..اضطَّرَبَت أَهْدابهُ وَ حارَ البَصَرُ إلى أَين يَمْضي..وَعلى أَيِّ بقعة يَسْتَقِر...شاغَبَتهُ صُورُ الماضي..وراحت تَسْكِب عَلى مَسْمَعَيه عَذْبَ حُبٍّ جَفَّ نَهْرُهُ وَانْدَفَن...حَبيبي..إلهي كَم اشْتاق لها..رَقيقة،تَرْتَدي نَبْرَة هامِسة مُثيرة..وَ كأَنَّ نَبَضاتها من تَنطِقُها لا لِسانها..... ..،
،:عَلي وينك؟
عَلي..عَلي..لحْظة...ماذا قالت...عَلي!
ضِحْكة قَصيرة ونَبْرة مُسْتَغرِبة،:عَلاوي وين اختفيت..أخاف جودو ما عجبتها الدول وَقَضت عليك!
خَبَى النَّفَسُ المُتَحَفِّز في صَدْره..وَ عادت نَبَضاته لانْطوائها الخامِل بَيْن حُجْراتٍ أَصْبَحَت أَكْثَر قَساوة من أَفعالها..مَرَّرَ لسانه على شَفَتيه قَبْل أن يَنْطق ببرود كان باطِنهُ غَضَب،:جِنان..أنا فيصل
حَرَّك السَّيارة في الوَقت الذي وَصَلتهُ شَهْقَتها الخافِتة..مالت شَفَتاه بِسُخْرِية..كَيْفَ سَمَح لِنفْسه أن يَعْتَقِد لِلحظة أَنَّ "حَبيبي" حَلَّقَت من قَلْبِها إليه؟ إلى مَتى فيصل؟ إلى مَتى وَأَنتَ مُنْصَرِفٌ عن عالم العُقلاء لِتَغْرَق في عالم الجِنان؟!مَتى سَيَسْتَوْعِبُ قَلْبك أَنَّهُ قادِرٌ على الحُب من دُونها..وَقادِرٌ على وِلادةِ نَبَضاتٍ تَرِثُ نَبَضاتِ أُنْثى غَيْرِها؟ مَتى؟ تَنْهيدة خافِتة..بِها شَيءٌ من تَعَبٌ وَحيرة غادَرَت رُوحه..قالَ بِهُدوء وَصَوْت طَبيعي،:متصل أعطيش خَبَر إن جَنى بتنام معاي اليوم
هي التي تَبَلَّلَت حَرَجاً من فِعْلَتها نَطَقَت بِرَفْضٍ مُتَرَدّد،:لا فيصل..أبيها تنام عندي
وَضَّحَ بِهُدوء،:جِنان البنت نامت عندش أكثر من المُدَّة إلا متفقين عليها..وَأنا ما قلت شي..بس اللحين اشتقت لها..ما أقدر بعد تغيب عنّي زيادة
هَمَسَت لهُ وَلَحْن المَرارة يُقَوِّس كَلماتها لِيَعْلو عُبوسها،:وَأنا فيصل..وَأنا شَقول اللي شوقي لها كانت تذبحه جِذبة الموت؟ كنت اشتاق لهـ ـا وأَدري ما بتنطفي حرقة قلبي فاحترق أَكثر وَأكثـ ــر..واللحين مستكثر عَلي جَم يوم معاها؟
اسْتَغْفَرَ بِهَمس ثُمَّ قال بِصَوْت يَتَّضِح فيهِ الضيق،:اللحين ليش هالحجي! ماله داعي هالدراما "زادت سُرْعته وَوَسَطُ عَيْنيه اشْتَعَلَ شَيءٌ مُخيف" أنا في الطريق جاي..خليها عندش لين حضرة جنابش تأمرين إنها تجي عندي
أَغْلَق الهاتف ثُمَّ أَلْقاه بِقَهر على المَقْعَد جانبه..جَنى كانت مُنْصِتة جَيّداً للمُكالمة التي دارت بَيْن والدَيها..حَواسَها البَريئة اسْتَشْعَرت الشَّرارات المُتَقافِزة منها وآلَمها ذلك..أَلْقَت نَظْرة على الهاتف المَسْكين وَهُو يُوْمِض دُون صَوْت..نَطَقَت تُنَبّه والده،:بابا التيلفون يرن
أَجابَ بِنَبْرة بِصُعوبة رَشِّحها من غَضَبِها عَلى الرَّغْمِ مِن أَنَّها خَرَجَت واجِمة،:ماعليه..خَلّيه
هي بانَت لَها القِمم المُسَنَّنة للجِبال الجَليديَّة التي بَدَأت بِتَسْوير والدِها..لِذَلك تَخَلَّصَت من وُقوفِها لِتَتَراجع جاِلِسَةً بِصَمْتٍ اضطراري..فَفي قَلْبِها الصَّغير رَغْبة لِلحَديث والإفْصاح عَن أسْئِلة حائِرة..إلا أَنَّها كَبحتها خَوْفاً من شَظايا والدَها..،
هُو...أَبِسْتِطاعة الكَلِمات أن تُتَرْجِمَه؟ هُو..هُو نَفْسه غير قادر عَلى فَهْمِ ذاته..دائماً ما كان يَسْقط في بِئر الحيرة كُلَّما تَعَلَّقَ الأمرُ بِها..يَظَلُّ غارِقاً في سُقوطه..يُفَتِّشُ عن أَجْوِبة تُمْلي الفَراغ البَغيض المُسْتَفْهِم داخله..أَصابعه تَتَشَبَّث بِتَصَدُّعات ذلك البئر العَميق..تُسْبِر أُغْوارها عَلَّها تَظْفَر بِمَفاتيح خَلاص..لَكِنَّه لا يَجِد سِوى السُّقوط..السُّقوط في بئر الجِنان المُر..ماتت العُذوبة مَع خِيانتها..وَلم يَبْقَ لَهُ سُوى مُخَلَّفات من مَرَّ وَاسْتَقى من بئرها..لا عَجَبَ في أَنَّهُ الآن يَحْتَرِق من الدَّاخل..هُو الذي واجَه خَبَر ارْتباطها بأحمد بِرَدَّة فِعْل غير طَبيعية..نَتَجَت عَنها تَصَرُّفات غير عاقِلة...لِنَكون واضحين..تَصرفات مَجْنونة..بَدَأها بِتِلْك الياسَمين..أَسْدَل جِفْنيه بِأَسى للحظات..قَبْلَ أَن يَعود وَيُبْصَر الواقع أَمامه..شارع سَريع يَمْضي بالمَرْكبات..كُلّ إلى وِجْهته..الإشارات هُنا وهُناك تُعينك للوُصول..فرصة الضَّياع نادِرة..وَإن حَدَثَت فالعَوْدة لا صِعاب فيها..على النَّقيض..فَلا هِداية في الحُب..والضَّياع عَباءة رَمادية تَتَّكئ عَلى كَتِف الحُب..حيناً تَخالَها سَوادٌ قاتِل..وَحيناً تُبْصِرُ منها بَصيص بَياض..فَفي الحُب أَنت لاتدري..هَل سَتَنْجو أَم أَنَّك سَتَظَل مُسْتَسْلِماً لِسُقوطٍ يَتيم من هُبوط؟! لا يَفهم ماذا أَصابه حينما عَبَرت أُذنيه تِلْكَ الكَلِمة..ذَكَّرته بـ"حَبيبي" تِلك..وَ"ياعُمري" التي نَطَقَتها لأحمد وَهي تُحادثه في الهاتف الذي حطَّمه بِتَحريض من غيرته..كَلمات هَكذا تَفْعل بك..تَجْعَلَك تَتَخَبَّط بَين نَبَاضتك..لاتَدري تُصَبِّرُ مَن أو تُضَمِّد جرح مَن! كَم أَنت ضَعيف فَيْصل..كَم أَنتَ ضيعف..،أَفْصَح عَن إحْدى الزَّفرات المُتَكَدّسة بَين حُجراته..بَدَأت أَصابعه تَطْرق عَلى المِقْود وَكَأنَّهُ يُحاول أن يَسْتَفرغ تَوتره من خِلالها..حَبيبي..حَبيبي هامِسة منها عَصَفَت بِذاته!

،

تَنظر لها وَهي تَجمع خصلاتها عند قمّة رَأسها بِأنامل مُسْرِعة،مَلامحها بَدا عَليها التَّوتر،خاصَّةً هُناك..حَوْل شُرْفة أَهْدابها..تَساءَلت باهْتمام عندما ابْتعدت عنها ناحِية عَباءَتها،:شصار؟
أَجابَت مَع إغلاقها للأزرار،:بيودي جَنى بيتنا..لازم أروح لها
حاجِباها شَاركا نَبْرتها الاسْتنكار ذاته،:زين إنتِ ليش متوترة هالكثر! "أشارت لِيَديها المُمسكتين بالحِجاب" حتى ايدش ترتجف!
رَفعتهما أمام عَينيها لِثوانٍ قَبْلَ أن تَعود لاستكمال ارْتداء الحِجاب هامِسةً،:عَصَّب "زَفَرت بارْتعاش ثُمَّ أَكْمَلت بِلَحْنٍ يَسْتَعِد لِرُكوب بَحْرٍ من دُموع" تعبت من هالوضع..مُتعب أكثر مما تخيلت
نَدى التي اسْتَنْشَقَت رائِحة البُكاء قالت بِمَلامح غَضَّنها الاشْمئزاز،:أقول روحي روحي..جبتين لي الهَم من هالكآبة و الدموع
نَظْرة أَمالها الحُزْن وَأبْكَمت من زَعَلِها الكَلِمات عَقَّبت عليها نَدى بِحِدّة خَفيفة،:ترى ما بتكسرين خاطري..قبل شوي خليتش تفرغين..بس هذا ما يعني إن كل شي يتعلق بفيصل مسموح إنّه ينزّل دمعش ويضايقش "أَمْسَكَت كَتِفها لِتَدفعها بِخِفَّة وهي تُواصِل مازِحة" أصلاً لأنّي عاطيتش وجه قمتين تتدلعين..روحي روحي..مع السلامة
قالت بنصف ابْتسامة أَغرقها الشّحوب بعد أن ابْتَلَعت دُموعها غَصْباً،:زين وصليني للباب عالأقل!



أُخْفِضَت النَّافِذة المُظَلَّلة كاشِفة عَن وَجْهٍ رُجولي..نَطَقَ بِمَللٍ أَغْرَقَ صَوْته وَ مَلامحه،:نَعم أَخ عَزيز..شبغيت؟
ابْتَسَم لِضيقه الواضح والذي حاوَل جاهِداً أن يُخفيه بِصَبغة المَلل..مال في وُقوفه وَهُو يَتَّكَئ بِباطن كَفَّه على سَقف السَّيارة،ثُمَّ أَجاب،:موضوع مهم شوي "أرْدَف وَعيناه تُشيران للمَنزل" نتكلم داخل أفضل "أَضافَ مُتَقَصِّداً" إذا مُرَحَّب فيني طَبعاً
رَدَّ بِحِدَّة تَراشَقَت من طَرف عينه،:مو من أخلاقنا نطرد ضيوفنا "أشار بيده لموقف سَيَّارته الداخلي" بس أبركن سيارتي وبفتح لك الباب
وَهُو يتراجع خُطوتان قَبْل أَن يستقيم في وقوفه وَيداه تَزوران جَيبي بنطاله،:تمام..انتظرك
تابَعَ المَرْكبة حَتَّى اسْتَقَرَّت في مَوْضعها الخاص..ثوانٍ وَخَرَج منها عَبدالله في الوقت الذي كانت تهمس لهُ شَقيقته،:عَزيـــز..شنو الموضوع المُهم اللي تبيه فيه؟ وليش جايبني معاك؟
أَجاب بهدوء بذات الهَمس وعيناه مُتعلقتان بعبد الله المُقترب منهما،:عشان تقعدين مع أخته
ارْتَفع حاجباها بذهول،:ليـــش! لايكون غيّرت رايك وعجبتك فكرة أمي!
أَلْقى عليها نَظْرة استخفاف دُون أن يُجيب على سُؤالها..هي كانت تُريد أن تستفسر أكثر لكن وُقوف عبدالله أمامهما أَجْبرها على الصَّمت..استمعت إليه وهي تنزوي خَلْف أخيها بخجل نصفه حَرج،:تفضلوا..حَيَّاكم
عَزيز بابْتسامة مُسالِمة،:يحيّيك "تَساءَل وَهُو الذي يَعْرِفُ الجَواب" أم عَبدالله الصَّغير موجودة؟
أَجاب عَبدالله،:ايه أكيد مَوجودة
وَضَّحَ،:تَمام..لأن أختي جاية لها "وَهُو يَرْتَدي قِناع حَرَج لا يُليق بِه" عاد سامحونا جينا بدون موعد
فَتَح الباب الدَّاخلي للمَنزل في الوَقت الذي التَفَت فيه لِعَزيز وابْتسامة سَمْحة تَشد شَفَتيه،:أفا عليك..ما دامك من ريحة عَمَّار الله يرحمه..فإنت مُرحَّب فيك في أي وقت ومن غير مواعيد
بادَله بابْتسامة صادقة،:تسلم
فَتَح لهُ باب المَجلس الواقع على اليَسار قائِلاً بَعد أن أضاء المَصابيح وَشَّغل المُكَيّف،:تفضّل..وأختك خل تتفضل داخل..ثواني على ما أنادي أم عبدالله تجيها
أَشار لِشَقيقته بِرَأسه حَتَّى تَتْبَع عَبْدالله للداخل..أمَّا هُو فَتَقَدَّم داخل المَجْلس ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلى إحْدى الأرائِك الجانبية..جالَ بَصَرُه عَلى المَكان..فَخْم جِدّاً وَفي الوَقت ذاته بِلا تَكَلُّف..الأثاث عَصْري وَأنيق..يَتَناسق مع تَصْميم المَنزل الخارجي..عائِلتهم مَليئة مادّياً كَما أَخْبَرهُ عَمَّار حينما قَرَّر أن يَتَقَدَّم لِخطبة ابنتهم،والذي كان مُتَردّداً في البداية نَظَراً لِوضعه المادي المُتَوسّط..إلا أَنَّ والدها لَم يَلْتَفِت لِهذه السَّطحية أَبَداً..وَكَيْف لِرَجُلٍ واعٍ أَن يَرْفض عَمَّار زَوْجاً لابْنته؟ طَيْفُ ابْتسامة اتْخَمَها الحَنين داعَبَ شَفَتيه..هَمَسَ بِتَنْهيدة حَرَّرها الشَّوْق،:الله يرحمك ياخوي

،

في الأعلى

نَطَقَت بِتَعَجُّب واضح،:إخت عَزيز!
هَزَّ رأسه إيجاباً،:أيــه إخته..هُو قال يبيني في موضوع..بس مادري بوضع إخته..يمكن هي بعد تبيش في موضوع
عُقْدة خَفيفة تَكَوَّنت بَين حاجِبَيها،: ما مداها تتكون بينا علاقة عشان تصير بينا مواضيع "ارْتَخَت مَلامحها للحظات قَبْل أَن يَتَلَقَّفها القَلق"تعتقد موضوع يخص عَمَّار الله يرحمه؟
هَزَّ رأسه بِخِفَّة دَلالة الحيرة،:مادري والله..يمكن " نادى عَبْدالله الصَّغير الذي كان مُنْهَمِكاً في اللعب مع المُكَعَّبات"عَبّود تعال معاي
رَفَع رَأسه لِيَتَّضح وَجْهه المُرْتَوي بَراءةً..وَبتساؤل،:وين؟
ابتسم له مع امْتداد يَده ناحيته،:صديق بابا عَمَّار جاي بيتنا..بوديك تسلم عليه
تَهَلَّل وَجْهه فَرَحاً حينما ناغَى مَسْمعَيْه اسم والده الذي يُحَلّق في السَّماء..والده البَطَل القاضي على الأشرار..الذي اخْتاره الله ليسكنه جَنّته الجَميلة مثل ما أخبرته والدته..وَقَفَ بِحَماسة تَبَسَّم لها خاله بِسِعة..تَقَدَّم حَتَّى أَمْسَك بِيَده ثُمَّ اسْتَدار يُحادِث شَقيقته المُنْشَغِلة بالتَّلوين كَعادتها،:بَيّوون تَعالي..بنروح نشوف صَديق بابا عَمَّار
نَظَرت لَوالدتها وَتساءلَت،:إنتِ بَعد بتروحين؟
ضَحَك عَبْدالله مُعَلّقاً،:أيـــه حلاتها مرتَزَّة بينا "أَرْدَف مُجيباً الصَّغيرة" لا حبيبتي بَيان..ماما بتقعد مع صديقتها
تَرَكت قَلَم التَّلوين ثُمَّ وَقَفَت لِتَخْطو لِوالدتها وَهي تَقول مُصْدِرة قَرارها،:بروح ويا ماما
هَزَّ رَأسه،:طَبعاً طَبعاً ويا ماما "قَرَصَ خَدَّها المُتَكَوّر عابِثاً معها" بيبي إنتِ كله لازقة في أمش
عُقْدة رَفْض تَوَسَّطت حاجِبَيها،:أنا مو بيبي..أنا كَبيرة
بِمُشاكَسة أَخْرَجَ لها لِسانه،:بَلى بيبي بيبي
رَفَعت رَأسها لِوالدتها تَسْتَنجدها،:ماما شــووفي خالي عَبّودي
نَظَرت لهُ وَبِتَأنيب،:عبدالله صير عاقل..لا تجننها وتقعد تصيح وتفشلني مع البنت "اسْتَطرَدت" امش خل ننزل،عيب تأخرنا
قال بِضحكة،:انزيـــن...المشكلة تدلعني وهي معصبة علي
وهي تَبْدأ بنزول العَتبات،:عشر دقايق وتعال لي عند الصَّالة بعطيك جاي وقهوة وشي تضيّف الرَّجال فيه
،:إن شاء الله "اسْتَطْرَد وَعَيْناه تُتابِعان قَدَمَيه وَهُما تَنْزلان العَتبات" إذا طَلعوا بكلمش في موضوع
تَوَقَّفت في مَكانها سَريعاً ثُمَّ اسْتَدارت إليه قائِلة بِنَبْرة حَذِرة،:هــاا شنو عبدالله.. موضوع شنو بعد؟! لاتخوفني أرجووك!
هُو الذي تَوَقَّف مُسْتَجيباً لها عَلَّق بِضحكة خَفيفة،:ليش جذي خايفة! الموضوع ما يخوّف "مَرَّر لِسانه على شَفَتيه ثُمَّ تابع بابْتسامة جانِبية مع اسْتئنافه النُّزول" شي بيفرحش إن شاءالله
تابَعت نُزولها مُتَمْتِمة وَعَيْناها مُلْتَصِقَتان بِقَفا شَقيقها،:زيــن.. ننتظر

انفصلا عندما اسْتَقَرَّا في الطَّابق الأَرْضي.. هي تَوَجَّهت لِغُرْفة الجُلوس الرَّئيسية، وَهُو عاد إلى عَزيز..دَلَفَ وَيَده في يَد مَن يَحْمِل اسْمه..دُخولهما نَبَّهه..رَفَع رَأسه عَن هاتفه لِتَلْتَقي عَيناه مَع وَريث شَقيق رُوحه،وَقف على أَهُب الاستعداد لاسْتقباله..لَم يَنتظر وصولهما إليه، فَهو تَقَدَّم بِخُطوات واسِعة إلى طَيْر أَخيه.. نَعم أخيه الذي أَنْجَبتهُ لَهُ رَحْمة السَّماء...وَبِترحيب حــار،:هَلا هَلا بَعَبّود.. هَلا بالبَطل
انْحَنى لهُ مُحْتَضِناً وَجْهه الطَّاهر.. عَيْناه قَمَرانِ لَم يَغَيّبهما المَوْت..لَم يَنْتَصِر المَوْت عَلى عَيْنيك عَمَّار.. كان الفَوْز حَليف هاتين النَّازِحَتَيْن من قَبْر المَوْت إلى مَلامح الطُّفولة البَريئة.. قَبَّل جبينه بِحَنان عَميق لامسَ فؤاد عَبْدالله الشَّاهِد على اللّقاء..ابْتَسَم بِخِفَّة لِابْن أُخته الذي نَطَقَ بتردد،:عَمّي عَزيز!
ضِحكة سَعيدة حَلَّقَت من حَنْجَرة عَزيز وَهُو يَقُول بِفَرْحة واضِحة،:ماشاء الله عليك تذكرني عبّود؟
هَزَّ رَأسه بحماس،:أيـــــه
اسْتَفْسَر عَبدالله،:شايفك من قبل يعني؟
اسْتَقام واقِفاً و الابْتسامة بَدَأت بِنَثْرِ بُذور جَديدة بَيْن طَيَّات مَلامحه،لِتَنْمو زُهور أَلَق بَديلة للتي انْتَحَرت حُزْناً عَلى مَوْت رَفيق الدَّرب وَأنيس الرُّوح..أَجابَ وُهو يُداعب خُصلات الصَّغير بِأصابعه،:أيــه..يمكن كان عمره أربع أو خمس سنين..ما توقعت يتذكرني..ماشاء الله عليه "وَضَّح مع انْحشار يَدَه في جَيْبه والأُخرى ارْتَفَعت ماسَّاً بِظاهر سَبَّابته أَنفه" التقيت ويَّاه ثَلاث مَرَّات بس..أوَّل مرة يوم كان عمره أَيَّام..والثانية كان بو سنتين..والأخيرة اللي يتذكرني منها
اتّجه عبدالله لإحدى الأرائك لِيَجْلس وَ الصَّغير بجانبه،مُعَلِّقاً،:شكلك كنت غايص في ألمانيا
هَزَّ رَأسه وُهو يَعُود لمكانه،:فعلاً كنت غايص..وانعزلت هناك أكثر بعد وفاة عَمَّار..ما كنت طايق أطب الديرة وهُو مو فيها
،:واللحين اللي عرفته من رائد إنّك بتستقر اهني
أَجاب بابْتسامة جانبية،:إن شاء الله "نادى عَبدالله وَبِيَده رَبَّت على المَقْعَد الفارغ" تَعال عَبّود اقعد عندي
اسْتجاب لِيَسْتَقِر بَعد ثوانٍ على يَساره والابْتسامة تُجَمِّل ملامحه الطُّفولية..عَبْدالله تَساءَل،:الموضوع اللي جاي عشانه يخص عَمَّار؟
بابْتسامة خَفيفة،:يخصَّه ويخص عياله..احنا تونا نعرف بعض عبدالله..وما التقينا قبل..أو يمكن التقينا بس محَّد يعرف الثاني..عَمَّار أكثر من أخو..ما بقول لك أكثر من صديق..لأن تجاوز عندي مكانة الصَّديق من سنيـــن..ما اتوقعت أفقده وهُو بهالعمر "التفت جانِباً وَضِحْكة خَفيفة انْتَصَفت حَديثه" على العُموم مو وقت هالحجي اللحين أبداً..الشي اللي جاي عشانه هُو عبدالله وبيان..أَنا مقصّر في حقهم بدرجة كبيرة..مو معقولة من بعد اللي صار توني اللحين جاي أشوفهم! قلت أجي استأذنكم إذا مافيها مشكلة أزورهم عالأقل مرة بالأسبوع..أو حتى آخذهم بيتنا أو أطلعهم مع عيالي بين فترة وفترة "دَعَكَ صِدْغه بِطَرف سَبَّابته وَهُو يُوَضّح" أدري إنَّ الأفضل أكلّم والدك..بس استحيت والله
أنْهَى حَديثه بِتَنْهيدة عَميقة..وَكَأنَّهُ أَزاح صَخْرة جامِحة عن كَهْف ضَميره البائِتة فيه كَلِمات مُتَرَدّدة..كانت عَيْناه تَتَقَلْقَلان على الأَرْضِيَّة الرُّخامية ويَديه وَطَرف بِنطال عَبدالله طَوال الفَترة التي كان يتَكَلَّم فيها..حَرَجَهُ العارم من نفسه..وَتَأنيب ضَميره منعا بَصره من الإلتقاء بِعَيْني عَبّدالله..إلا أَنَّه وَبعد أن فَرَغ من كَشْف ما اعْتَلَج فُؤاده لِزَمن..سَمَح لِعَيْنيه بِمُطالعة وَجْهه مُفَتِّشاً عن رَدَّة فِعْل للذي قاله..إلا أَنَّه اصْطَدمَ بابْتسامة أَمالتها بَوادر ضِحْكة..وفعلاً لحظات وَوَصلته قَهْقَته..تَساءَل بِخفوت والاستنكار يُأطِّر مَلامحه،:شنو!
سَيْطَر على ضِحْكته التي بَدت مُسْتَفِزَّة دون قَصْدٍ منه..تَقَدَّم للأمام مُتَّكِئاً بِمْرَفقَيه على فَخْذيه قائِلاً بابْتسامته المُميَّزة،:آسف..مو قصدي أضحك على كلامك..بس صدمتني،ما توقعت هذا موضوعك..توقعت شي مُقارب لموضوعك أوَّل مرة "رَنا لهُ بِمُشاكَسة بَريئة مُرْدِفاً" وبعد أوَّل مرة أشوفك جذي متفشّل وإنت تتكلم
أَكَّدَ،:لأنّي فعلاً متفشّل
هَزَّ رَأسه بِتَفَهُّم،:هذا من طيب أصلك بو محمد..كبرت بعيوني..وعن نفسي موافق على طلبك..وأكيد أبوي مثل رايي..هُم مثل عيالك..بس الكلمة الأولى والأخيرة لأمهم..ولهم بعد أكيد
التفت لِعَبّود الصَّغير مُتَسائِلاً،:عَبّود حَبيبي عادي تجي بيتنا مثلاً في الإجازة..أو آخذك إنت وبيان تلعبون مع عيالي؟
هَزَّ رَأسه بحماس وبسرعة أجاب،:عــادي عمّي
أَحاط كَتفه وُهو يُخْفض رأسه لرأسه ويُدْنيه منه،:بعد قلبي والله "نَظَر لعبدالله" وَبيان؟ أصلاً وينها ماشفتها!
وَقَفَ،:هذيك ظل أمها..ما تفارقها أبداً..بروح أشوفها إذا ترضى تجيك



رْكَنَت مَرْكَبتها خارج المَنْزِل أَمام مَرْكَبته التي ضَعَّف سَوادها وَأضواء مَصابيحها مِن تَوترها..غادرت السَّيارة عَلى عَجَل..أَقفلتها وَهي تَقْتَرب مِن شَبَحِهِ الأَسْوَد..أَطَلَّت تَبْحَث بِعَيْنيها عَنه وَعَن جَنى،لَكِنَّها كانت خاوِية من الإثنيْن..إذن قَد دَخَل المَنْــ ـ

،:إنتِ وينش!

اسْتَدارت سَريعاً مُسْتَجيبةً لِصَوته المُفاجئ..ارْتَفَع صَدْرها مِن نَفَسٍ ثَقيل بالكاد اسْتَطاعت أَن تَجعل تَنهيدته بَكْماء..رَمَشَت بِهُدوء كان يَراه بُروداً يَجُول بَين مَدائن مَلامحها باسْتفزاز..أَمَّا هي فَقَد تَصَخَّر ريقها وَسَطَ حَلْقِها مِن شَوائِب الضِّيق وَالغَضَب التي تَراها تَسْبَح مَعَ عَدَسَتَيه..أَصابعها المُقَيَّدة بالارتعاش شَدَّت عَلى حَقيبتها المُوازِية في انْخفاضِها نِصْف فَخْذَها..تَفَحَّصَتهُ جَيِّداً بِمنظار رُوحها..وَالتَقَطَت بِأطراف نَبَضاتها الوالِهة مابَيْن الضِّيق وَالغَضَب شَوْكَة غَريبة..تُسَمِّم اتّزانه..شَوْكَةٌ لَها رَأسٌ تَنْتَشِر منهُ رائحة ضَيااا...

،:تدرين إنّي بجيب البنت اهني،شلون ماتكونين مَوجودة!

لِمَ تُقاطعني؟ لِماذا تَقْتَطِع مَسير أَفكاري المُتَرَكِّزة حَوْلَ بُؤرة تَيْهك الفاضِحَتهُ عَيناك؟ ..لاحَقَت هُروب العَينيْن بِعَدَسَتيها المُهْتَمَتّين حَتى حَدَث الاصطدام..نَطَقَ بِحِدَّة مَبْتورة وبارْتباك لايَدري كَيف أَطْبَق عَلى أَنفاسه حَتَّى تَعَثَّرت عِند مُنتصف الطَّريق بَيْنَ قَلْبه وَأضلاعه..،:أَعتقد قاعد أكلمش!
كَلِمة..كَلِمة هامِسة حَلَّقت مِن جَواها مُباغِةً ذاته،:شفيك؟
كان وُقوفه مُسْتَقيماً قَبْلَ أَن تُفْصِح عَن سُؤالها..فَهو من بِعده قَد اسْتَسلم إلى الثِّقل المُتَّكئ عَلى مَنْكَبَيه..لِيُصْبِح الوُقوف هَزيلاً..وَنَسائِم الحَنان المُحَلِّقة من نَبْرتها الْتَقَطَت بَعْثَرته،لِتُجْبِره أَن يُوليها قَلْبه،عَلَّهُ يُجيبها لِتَرتاح هي،وَلِتَنجو ذاته مِن نَفَقِ الضَّياع. ..تَقَدَّمَ خُطْوة مُقَرِّباً مِن مَجال رُؤيتها مَلامحه المُرْهَقة..تَقَلَّصَت الخُطوات أَكثر عندما تَقَدَّمَت هي أَيضاً، وَعَلى بُعد خَمس خُطوات منهما كانت تِلك الحَمامة تَقِف خَلْف الباب..تُراقِب وَالخَوْف يَقْتات عَلى صَفاء رُوحها..خَوْف بات يَنقسم بِلا تَوَقُّف وَلا سَيطرة..خَوْفٌ يَكاد أن يَبْتر جَناحَيها مِن حِدَّته..الجَناحان اللذان يَحْمِلانها للمَضي في هَذه الحَياة،فَكَيف لها أَن تَطير وَهُما مُتَفَرِّقان عَن جَسَدها الضَّئيل؟
جَناحها الأَوَّل الغائِر فيه جِرْحٌ قَديم انْدَمَل أَخيراً، وَلَكِنَّهُ تَمَسَّكَ بِأَثَرٍ يُسْتَحال أن يُمْحَى،فَلَقَد انْتَحَرَت عَمْداً الخَلايا التي تُجَدّده..نَطَق ذلك الجَناح بِذات الهَمس،:فيك شي فيصل؟
صَمَتَت لِثَوانٍ اسْتَغَلَّها لِلبَحث سَريعاً عَن نَفَسٍ يُعينه عَلى البَقاء،إلا أَنَّها واصلت ناسِفة جَميع الأَنفاس،:شكلك تَعبان!
انْتَفَضَ قَلْبه وَثارت نَبضاته لِتَحْمي السُّور الهَش الذي لَم يَنْتَهِ مِن تَرْميمه بَعْد..سَبَّابته انْتَصَفَت مُقْلَتَيَها كَسَهْمٍ اقْتَطَعَ صَفْحة البِداية لِحُلْمٍ مُسْتَحيل..نَظْرة لَحْظِيَّة بَطيئة أَلْقَتها عَلى إصْبَعه المُرْتَدِية قُلْنسوة تَحْذير..قَبْلَ أَن تَعُود للاشْتباك مَعَ عَيْنَيه..وَحَواسها تُصْغي لِهَمْسه ذُو البَحَّة الحارِقة،:بَلا تَمثيل..وَبلا لِعْب..لا تسوين نفسش فاهمتني
كَرَّرَت واحِدة مِن كَلِماته وَعَلامات الاستنكار تُجَعِّد مَلامحها،:بلا لِعْب! شنو تقصد بهالكلمة؟!
أَخْفضَ يَده وَبالتَّوالي ارْتَفَع حاجِبه مَعَ نَفْثه لِأسلحته،:أعتقد واضح قصدي
رَفَعَت ذراعها اليُسْرى لِتَقْبِض بِكَفِّها على باطن مِرْفقها الأيمن،وَبِرَأس مائل،:لا مُو واضح..مُمكن توضح لي
اقْتَرَب أَكْثَر فَأكثر....
رائِحَتان أَفْصَحَ عَن سِرَّهما صُندوق الماضي المُتَّخِم بالأَسْرار..رائِحَتَان أَسْرَعت كُل واحِدة مِنهما بِبَهْجة للامْتزاج مَعَ فَقيدتها..تَغَيَّرت النَّظْرة في عَيْني جِنان..وَتَبِعها تَغَيُّر مَلامح فَيْصَل الذي داعَبته رائِحة عِطْرها..هُو رَدَّد من بَيْن تَيه رُوحه:لا زالت تَتَطَيَّب جِنانها بهِ؟ وَهي رَدَّدت بِقَلْبها المُنْصَرِف إليه:تَنازَل عَن الجِنان وَلَم يَتَنازل عَن عِطْرٍ أَهْدَتهُ إليه!
كِلاهما تَرَاجَعَ للخَلف بِحَرَكة دِفاعِيَّة..لِتَنْتَشر كُل رائِحة بِشَعْواء دُون أَن يَحْصل الامْتزاج.. هُو ابْتَلَع ما أَراد أَن يُوَضِّحَه..وَهي تَناسَت ما كان يرمي إليه بِكَلماته المُبَطَّنة حَتَّى تَغرق اللحْظة الغَريبة وتَمضي..تابَعته عِندما اسْتَدار لِيَعُود لابنته..قَرْفَصَ أَمامها عَلَّهُ يُقارب طُولها..احْتَضَنَ وَجْنَتيها بِكَفَّيه العَريضَتين..تَبَسَّمَت بِحَنانٍ مُعْدَم الأَمل للقُبْلة التي أَرْكَنها عَلى أَنْفَها الصَّغير..مالَ رَأسه قَليلاً مُقَرِّباً فَمه من أُذنها..لاتَدري أَيُّ سِر أَوْدَعهُ هُناك..ثَوانٍ وَضَحَكت جَنى وَهي تَهز رَأسها بالإيجاب،وَمِن ثُمَّ التَفَت ناحِيَتها لِيَرْنو لَها بِطَرف عَيْنه..تَجاهَلت نَظْرته المُسْتَفِزَّة واكْتَفَت بابْتسامتها..لَم تُرِد التَّخَلي عَنها..تَعَمَّدَت أَن يَرَاها لَعَلَّهُ يَسْتَوْعِب من انْكسارها أَنَّهُ شَّوَّهَ أَجْمَل حُلْمَين يَعيشان وَسَط رُوحها..أَن تَكُون أُمَّاً..وَأن تَهيم بِهِ وَهُو أَباً..،
تَحَرَّكَت سَيَّارته مُغادِرةً المَكان بَعْد أَن غَفَت قُبْلة أَخيرة مِنهُ عَلى جَبين طِفلتها..أَطْلَقَت سَراح تَنْهيدة عَميــقة تَمَنَّت لَو أَنَّ نَسيم الليْل يَحْملها إليه..لِيْسَتَشْعِر إرهاقها وَيُصْغي قَلْبه المَغْرور لآهاتها...مَرَّرت لِسانها على شَفَتيها..نَقَّحَت الابْتسامة من شَظايا الانكسار..شَدَّتها حَتَّى مَلأت أركان وَجْهها ثُمَّ تَقَدَّمت لابنتها..عانَقَّت كَفَّها النَّاعِمة بِكَفِّ أُمومتها..قالت وَهي تنظر لها من عُلو،:وحشتيني اليوم جَنى
شَدَّت الصَّغيرة على يَد والدتها..وذراعها الأخرى ارتفعت لِتُحيط خصرها وهي تَمشي معها للداخل،:إنتِ بعد ماما وحشتيني سووو ماﭺ
ضَحَكَت لِتعبيرها وَهي تَحْني ظَهرها قَليلاً لِتُبادلها الاحْتضان،:عُمـــري السوو ماﭺ "تَساءَلت" تعشيتين ماما؟
أَجابت وهُما تدلفان للداخل،:لا ماما للحين"هذه المَرَّة هي تَساءَلت وَعيْنَيها تَفيضان اهْتمام" ماما إنتِ زعلانة لأن رحت مع بابا وخالو ياسمين؟
ثَغْرة تَعَجُّب تَوَسَّطت شَفَتيها من السُّؤال المُفاجئ..صَمَتت لِثوانٍ تُكَرّره في عَقْلها قَبْل أن تَتدارك الوَضع،:لااا حَبيبتي مو زعلانة..ليش أزعل..عــاادي "داعبت خصلاتها مُرَدّدة بابتسامة مَحْشوة بالاطْمئنان" عادي حبيبتي والله
ابْتسامة رِضا لاطفت مَلامحها وَبِهَمْس،:أُوكي
نَطَقَت جِنان وَهي تُلْقي نَظْرة على المَنْزل الصَّامِت،:شكلنا بس أنا وإنتِ في البيت
"كَشَفَت عن خُصْلاتها بيد وَبالأخرى بَدأت بِفَك أزْرار عَباءتها وَهي تَقْتَرح بابْتسامة مائِلة" شرايش ندخل المطبخ ونسوي لنا عشا حقنا أنا وإنتِ؟
شَهَقَت بِفَرْحة تَلألأت منها عَينَيها الواسِعَتين،وَباسْتفسار،:يصيــر أنا أطبخ؟
انْحَنَت لها مُداعِبَةً أَنْفها بِقُبْلة قَبْلَ أن تُجيب بنفس حَماستها،:أيــه يصيــر
اسْتَدارت جَنى سَريعاً وَبَدأت تَخْطو قاصِدَةً المَطْبخ قائِلة،:أنا أحب الكوكينق ليسنز في المدرسة..تحبين الكوينق ماما؟
لَم يَصلها جواب من والدتها..تَوَقَفَّت في منتصف الطَّريق عندما انتبهت للهدوء المُفاجئ..اسْتَدارت تَبْحث عنها بِعَيْنيها..ضَحَكت عندما رأتها عَلى حالها قَبْلَ ثوانٍ..مُنْحَنية وَبَصرها شاخِص بِغياب..نادَتها،:ماما..ماما..ماما جِنان ليش جذي واقفة؟
رَمَشَت بانْتباه مَرَّات عَديدة..أَبْعَدَت خُصلاتها عن عَينْيها وَهي تَشْعر بِأن وَجْهها يَلْفظ حُمَماً حارِقة..لَم تَنْتَبِه لِجَريمتها إلا بَعْد انتهائِها..نَعم جَريمة..فَهي كانت تَسْترق النَّظَر إليه..احْتَفَظَ عَقْلها الباطِن بالمَكان الذي أوْدَعَ فيه قُبْلته الرَّقيقة..ثُمَّ أَتَت حَواسها وَسَيَّرت شَفَتيها للمَكان ذاته..وَكَأنَّها قَد سَرَقت قُبْلته بِقُبْلتها!
اسْتَقام جِذْعها مَع تَوقُّف جَنى أَمامها..عادت وَتساءلت،:شنو في ماما؟
مالَ رَأسها وَضِحْكة خَفيفة صَدرَت منها..مَرَّرت سَبَّابتها عَلى عُنِقِها المُحْمَر بِخَجَل خَفي..وَأجابتها،:ولاشي ماما "تَحَرَّكت لِتَحِثَّها على المُواصلة للمطبخ ولسانها أطلق سؤالها لِيُنشئ حَديثاً يُنْسيها فِعْلتها وَلو لِساعة" قولي لي حبيبتي شنو كانوا يعطونكم في دروس الطبخ؟




يتبع



 توقيع : طهر الغيم



رد مع اقتباس