عرض مشاركة واحدة
قديم 01-16-2020   #2


الصورة الرمزية طهر الغيم

 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ 2 ساعات (08:59 AM)
آبدآعاتي » 1,384,988
الاعجابات المتلقاة » 11634
الاعجابات المُرسلة » 6433
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » طهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond reputeطهر الغيم has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : لا استخدمه My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي





تَقْبَع فَوْقَ سَرير الوِحْدة..طِفْلةٌ هِي.. تُصافِح يَدَ الماضي الغائب الحاضِر..كان في حِجْرها دُمْية لم تَعْرِف أَصابعها كَيف تُجَدِّل خُصلاتها المُهْتَرِئة..بَحَثَت عن أُمٍّ تُعَلِّمها..و لَم تَجِد سوى بُكاءً و عِتاب لِفَقيد الغُرْبَة..ذاكَ الذي عَصَف بعائِلته دُون أَن يَعي..،و هاهي الآن تُطَبْطِب على حِجْرها بِطِفْلة..طِفْلَتها..أو...طِفْلَتهما..الشَيء الوَحيد الذي يَتَشارَكانه..و إن لَم تَتعانَق أَذْرعهم حَوْل جَسَدها الصَّغير..و لم تَلْتَقِ آثار قُبَلُهما فَوْق صَفْحة جَبينها البَيْضاء من دَنَسِ البالغين..وَ لَم تُخاط رائِجة جَسَدَيهما بِأَنْفاسها..إلا أَنَّها تَبْقى الكائن الأَوْحَد المُثير في قَلْبَيْهما المَشاعر نَفْسَها..بَعْد أن طُمِسَت مَشاعر حُبٍّ مُهْتَرئ..لَم يَكُن سِوى خَيالاً..و حُلْماً تَحْتَضِنه أَوْراقَ رِواية مُتَيَقِّن كاتبها من كَذِبَها..،كانت تَنْظُر لِشاشة التِّلْفاز ظاهِراً..أَمَّا باطِناً..فَكانت تَمُر أَمام بَصَرِها المُبَلَّلَ صُوَراً عارِية من إِطار..حَمَلَت بين زَواياها الأَرْبَع ذِكْرَيات اقْتِرانهما المَشْؤوم لَيْلَتها من ناحِيَتها..فَمُوافَقَتها جاءَت بَعْد شَدٍّ و جَذْبٍ و عِتاب من خالها و زَوْجته..و لِكَي لا تُصْبِح ناكِرة..و من والدتها أَيْضاً..أَمَّا والدها فاكْتَفى بـ"على راحتش.اللي تبينه أنا حاضر له..سواء وافقتين أو كان ردش الرفض"
كانت المُوافَقة الجَواب الذي قَطَع سَيْل نَصائِحهم و مُحاضراتهم العاطِفِيَّة..و كانت المَعْبَر الذي نَقَلَها لِضِفَّة تَتَعَرَّف عَلَيْها ذاتها للمرَّة الأُولى..ضِفَّة تُطِل على كَيانٍ ذو كِبْرياء جَذَّاب..كِبْرياء عَجَباً أنَّهُ يُصيبها بالخَدَر..بالسَّكَر..و بالاسْتسلام..كانَ مُهيباً..ذُو أَنَفة تُسْلِب النَّبْض..واثِقاً و على كَتِفَيه زُرِعَ أَماناً صَنَعَت من أَوْراقِه الخَضْراء وِسادة..تَغْفو فَوْقَها رُوحها الفاقِدة..و في عَيْنَيه لَمَعَت مَشاهدٌ لِمُسْتَقْبَلٍ هي بَطَلَته المُتَوَّجة بإكْليلٍ من زَهْرِ نَجاح..هي صاحِبة الابْتسامة و سَيِّدَة الفَرَح..رَأت في ذاته وُجودها..و اسْتَنْشَقَت من أَنْفاسه عِطْر خَلاصها من سِجْن الحاجة..تِلْك الحاجة السَّاذِجة التي جَرَّتها لِأحْمَد..و لَم تَعْلَم حينها أَنَّها ستُلْقي بَها في الدَّرك الأَسْفَل للخُسْران..،

،:مـاما

ذاك الصَّوْت..حَنينُ الحَمام و طَرَقات وَدَقٍ حائِر..أَخْفَضَت لِوَجْهِها بَصَرَها المُشَوَّش من بُكاء قَلْبَها..رَشَّحَت حنجرتها من غَصَّات الغيِرة المُتَّخِذة رُوحها وَطَناً تُدَمِّره..و ما أَيْسَر تَدْمير الأَوْطان !..،:نعـ ـم ماما
نَطَقَت الصَّغيرة و مَلامحها يَعْتَليها ضيقٌ اسْتَعْصى على أَبْجَدِيَّتها البَسيطة تَرْجَمته،:ما شفت البابا اليوم،و ولا كلمني..يعني خَلاص هو بس بيعيش ويا خالوو ياسمين ؟
اسْتَنْشَقَت نَفَس عَميق اسْتَقَرَّ في رِئتَيها رُفاتاً..ازْدَرَدَت ريقها و أَهْدابها تَهيج..كما لو أَصابها وابَلٌ من تُرابٍ حارِق..إلا أَنَّ التُّراب كان سائِلاً شَفَّاف نُقِع فيه الحُزْن حَتَّى امْتَزَج معه..و ها هُو بِقَلَوِيَّته الحادَّة يُحيلها عَمْياء..لا تُبْصِر الفَرَح...أَزاحت خصلات طِفْلتها عن وَجْهها و هي تَهْمس بارْتعاش فَشَلت في إخْماده،:لا مامـ ـا..بيعيش وياكم كلكم..إنتِ و بابا ناصر و ماما ليلى..و عمو جود و نور..بيعيش ويا الكل..مثل ما هو بيعيــ ـش ويا خالوو ياسمين
أَسْدَلَت جَناحَي عَيْنَيها المُتَزاحِمة فيهما أَسْئِلة بَريئة،مُتَعَطِّشة لِجواب يُسْكِن تَوَجُّس طَيْر قَلْبها اليَتيم من غُصْنٍ يَحْضِن عُشَّه..صَمَتت لِثوانٍ..و أَصابعها القَصيرة تَعْبَث بِطَرَف فُسْتَانها القُطْني..ثُمَّ قالَت بنَبْرة أَخْفَضَتها رِياح خَوْف غَريب تَشْعُر ببرودتها تَسري وَسَط صَدْرها،:تدرين ليش ما رضيت أروح العرس ويا عموو ؟
جِنان بانْتباه تام تَقْتَطِع اتّزانه تِلْك الارْتعاشات المُقَوِّضة أَنْفاسها،:ليش حَبيبي ؟
كَشَفَت عن واحَتَيها المُتَجَسِّدَتان من يَمِّ الجِنان الكُبْرى..و بإجابة مُطَعَّمَة بالبَراءة،:عشان لا تقعدين بروحش..كلهم بيروحون..بس أنا قلت بقعد وياش
ابْتَسَمَت لِهذا الفَيْض العَذْب ذو المَذاق الطُّفولي الشَّهي..يالله كَم أنْتِ بَريئة صَغيرتي..و كَم أَنْتِ جَنَّة..جَنَّة زاهِية تُعيد إحْياء جِناني المُتَرَمِّدة من أوار نيران والدكِ المَغْرور..مالَ رَأسها بِخِفَّة هامِسةً بِضِحْكة عَثَّرها التَّهَدُّج،:يا عُمْـ ـري جَنى "تَنَشَّقَت و هي تَطْوي سَبَّابتها مُتَشَرِّبَةً بِظاهرها ما فَرَّ من نَبْعها المالح مُرْدِفَةً" شُكْراً حَبيبتي..شُكْراً لأنش ما خليتيني بروحي
انْحَنت لها لِتَهْدي وَجْنَتَيها قُبْلَتان مُعَطَّرَتان بدفء الأًمومة..اسْتَمَعت لِسؤالها و هي تَطْبع القُبْلة الثَّانِية،:إنتِ زَعلانة من بابا فيصل ؟
رَفَعَت جَسَدها بهُدوء..مَرَّرَت لِسانها على شَفَتيها مُتَذَوِّقَة مَرارة الحَقيقة المَحْبوسة قِسْراً في الجَوى..زَعْلانة ؟ هل هي "زَعْلانة" ؟ و هل يَشْرَح الزَّعل البؤس المُتَشَعِّب في رُوحها ؟ القَهَر..الحَرْقة و التَّيْه الدَّميم..هل هذه الكَلِمات الشُّؤم مُرادِفة للزَّعَل ؟ لَيْت..لَيْتها كانت زَعَلاً..لَكان رِضاه قُبْلة..أو وَرْدة جُوري حَمْراء..تَقْتَلِعَها يَده من رَبيع رُوحه الذي أَسْقى شِتاء رُوحها إكْسير الحَياة..،لَمْلَمت خصلات شَعْرها الذَّابِلة أَمْواجها..و كَأنَّها افْتَقَدت أَصابع كانت تُناغيها و تُهَدْهِدها..جَمَعت شَعْرها و أَرْخته على كَتِفها الأَيْسَر و هي تُجيبها بسؤال و العَيْنان تَهْرُبان للاشيء،:ليش أزعل؟
بِشَفافِيَّة أَجابت،:لأن ما عزمش على العرس..عزمهم كلهم بس إنتِ
بِلا إرادة منها انْفَجَرت ضاحِكة بعُلو كان حَقيقةً نَحيبٌ مُتَخَفّي..مالَ جَسَدها من شِدَّة ضَحِكها و قَهْقَهَتها المُصْطَدِمة بالهواء كانت أشْبه بتَكَسُّر أَوْتار كَمان مَهْجور..لِيُوْلَد لَحْنٌ جــافٌ و مُعَرَّى مِن َجَمال..ما هُو إلا لَحْنُ النِّهاية المُوْحِشَة..نَظَرَت لِطْفلتها من خَلْف غِشاء الدُّموع التي فَقَدت ذاكرتها..فَلْم تَدْرِ هل هي دَمْعُ فَرَح..أم نَعْيُ كَمَدٍ مَرير..تَساءَلت الطِّفْلة بِحَرَج بَعْد أن شَعَرت من ضِحْكة والدتها أنَّها أَخْطَأت بِقَوْلِها،:ماما شنو يضحك ! ليش تضحكين ؟ "عُقْدة عَدَم فَهم قَرَّبَت حاجبيها الخَفيفين عندما انْتَبهَ وَعْيها الحاذق للدُّموع المُتطَافِرة بخِلْسة..تَساءَلت بتَعَجُّب بانَ في نَبْرة صَوْتها" ماما إنتِ تصيحين !
ضَغَطَت على بُؤسَها قاطِعَة جُنون ذاتها..خَبَت الضِّحْكة الشَّائِبة من الوَجَع..اعْتَدَلت في جُلوسها لِتُجيب ابْنَتها و هي تَمْسَح فضائِح مُقْلَتيها،:لا ماما ما اصيح..ذلين الدموع من الضحك
أَعادت سؤالها،:ليش تضحكين ؟
ابْتَسَمت لَها بِسِعة مع مَضْي يَدَيها لِأسْفل ذراع جَنى..و بِخِفَّة أَعادتها لِحضنها..بِقُرْبٍ أَشد من سابقه..أَحْنَت رَأسها و اسْتَقَرَّت بِجَبينها على جَبين الطِّفْلة و هي تَهْمس بحُب رَقيق..،:آسفة حبيبتي..ما قصدت اضحك على كلامش..بس..."رَفَعَته قَليلاً لِتُعانق نَجْمات حَدَقَتيها الوامِضَتين مُكْمِلة" بس ماما ما يصير أروح العرس..ما يصير يعزمني
بفُضول الأطفال،:ليــش ما يصير ؟
ضَيَّقَت عَيْنها اليُمْنى مُهَمْهِمةً دَلالة على التَّفْكير قَبْل أن تَقول و هي تَقْرص خَدَّ جَنَى،:إذا كَبرتين بتعرفين ليش
مالت شَفَتاها لِلأسْفَل و كَأنَّها غير راضية عن هذا الجواب الذي لَم تَكُن تَنْتَظِره..،:و متى بكبر ؟
أَجابت ببساطة،:إذا خلصتين مدرسة
ارْتَخى حاجباها بِخَيْبة أَمل مُعَلِّقَةً،:يعني باقي وااااجـد
هِي اسْتَشَفَّت من أَسْئِلة صَغيرتها حَجْمَ القَلَق الشاذ عن براءتها و العاصِف بِقَلْبَها الصَّغير..ضَاقها ما زَرعاه بَين جَنَبات هذه الطّفلة..كم نحنُ مُذْنبون فَيْصل..و كَم نَحْنُ فُقَراء من تَعْويضٍ يُضَمِّد ما فَتَحْناه من جُروح شَوَّهَت طُفولتها..لا يَنْدَمِل الجرح و لا يُرْتَشَف دَمَه فَيَنْضَب..لَيْتَ الليالي تُصَيّرني ضِماداً يَتَشَرَّب حُزْنِك الفائِض صَغيرتي..أو تُعيرَني الشَّمْس أَشِعَّة إشْراقها..فأُكَوّن منها خُيوطاً تُرَقّع ما شَجَّته أَنانِيَّتنا من سِنينك..،ابْتَلَعت شَظايا حَسَراتها..كَوَّمَتها داخلها و أَغْلَقَت عليها..لِتَعود لها في الفَجْر..بَعْدَ أن تُسافِر الصَّحْوة و تَلْتَحِفُ الأَرض برداءٍ غَبَشي يَجْتَرِعُ أَسْرار النَّفْس المُشَوَّهَة..قَرَّبَتها منها أَكْثَر و هي تُلْبِس مَلامحها حَماساً وَهِن..وَسَّعَت عَيْنيها باهْتمام لِتَتَساءَل بلَحْنٍ طُفولي،:جِنـــااني ما سولفتين لي عن صديقاتش في لُنْدن و المدرسة و المسز اللي درسوش..سولفي لي حبيبتي..سولفي لي عن كــــل شي



ماضٍ

أَيْقَنْتُ أَنَّ الحَياة كَشَفَت عَن وَجْهها الآخر..ذاك الوَجْهُ القَبيح،المُتَخَثِّرَة بَيْن طَيَّاته المُتَجَعِّدة دِماءٌ نَتِنة..تُسَمِّم بِها نَقاء عُروقنا..أَيْقَنت..مُذ غَصَّ مَسْمَعاي بِكَلِمات آسْتور المُميتة..كَلِماتٌ لَها أَصْلٌ سَوْداوي..يُشْبِهُ رَصاصةٌ غَدَّارة تَنْطَلِق من فُوَّهَة سِلاحٍ ماكِر..وَ تُشْبِه حُساماً شَرِس..اتَّخذَ الدُّنْيا العَجوز غمداً له..قَبْل أن تَلِدَهُ كَما اللَّيْث لِيَنْحَر أَحْلامي...رُجولتي..وَ ذاتي..،أَخْفَضَ ببطء اليَتامى و المُحْتَاجين كُوبَ الحَليب السَّاخِن،الذي قَدَّمتهُ لَه زَوْجة آسْتور بِسَخاءٍ لَم يَقْدِر لِسانه المُتَخَشِّب أن يَشْكرها عَلَيه..تَرَكَهُ على المِنْضَدَة القَريبة و من ثُمَّ أَعاد يَدَه لِمَخْدَعها..تَحْت اللحاف الصوفي المُرْسَل مِن قِبَل تِلْك الزَّوْجَة أَيْضاً..فَكَما قالت "أَنْت بِمَثابة ابْني..أَخ لِصَغيري هاينز"..،أَحْنى رَأسه أَكْثر و ضاعَفَ من انْطوائه على نَفْسه..فَهْو من فَرْط انْزوائه المائِل في طَرف الأريكة،شَعَرَ بِخَدَرٍ يَلْتَبِس جانب جَسَدَه الأَيْسَر بالكامل..آستور واصَلَ سَرْد الحقائِق المُثيرة غَثَياناً في صَدْره..،:هُم خَطيرون جِدَّاً مُوهاميــد..خَطيرون للحَد الذي لا يَستطيع خيالك أن يَتَصوَّره...كُل فعل أو صِفة..أو حَتَّى حديث تَنْفر منه النَّفس البَشرية يملكونه..هُم مَجانين..مَرضى نفسيين..يَقْتاتون على الدَّماء و الأشْلاء..الأموال كالمياه يتم تبادلها بينهم..تراهم في رُوسيا..برلين..أميركا اللاتينية و آسيا..تراهم في كل مكان..و في كل طبقة من المجتمع..فيهم الفَقير و الغني..بل فيهم الوزير و الحاكم..لا تعرف أَوَّلهم و لا تستطيع تَتَبّع آخرهم..حَتَّى رِجال القانون فيهم من هُو جُزء من هذه القذارة
ظَلَّ مُتَمَسِّكاً بِصَمته..مُتَجاهِلاً هذه المَعْلومات التي تَبْدو أَنَّها مُقَدِّمة لِواقِعة سَتُواصِل تَقْويض ذاته المَعْلولة..آسْتور أَكْمَل و الجِدِّيَّة تَطُوف عَيْنيه و تَشِد وَجْنَتيه..،:هُناك غَسيل أموال..اتجارٌ بالبشر و الأعضاء البشرية..أَدْوية مَغْشوشة..متفجرات..قَتْلٌ و نَصْبٌ و احتيال..كل مُصيبة تَجِدها عندهم
اسْتَنْكَر هايْنز الذي ضاقَ من هذا الحَديث القابِض على راحَتهم بوَحْشِيَّته،:و ما شَأن مُوهاميــد في هذا كلّه أبــي !
أَجاب دُون أَن يرف لهُ جَفَن..و من عَدَسَتَيه فَرَّ شِهابٌ قَوي..شَوَّشَ رُؤية هاينز الواقِع رَهْن تَوَجّسٍ وَليداً للحْظَة،:لهُ شَأن..لهُ شَأن كَبيــر في هذا كلّه
مُحَمَّد لَم يُزِح جِفْنيه أَيْضاً..لَكِنَّ بُرودة فَحيحيَّة تَعَلَّقَت بِأَطْرافه..و بَدَأت تَتَفَرَّع لِجَميع حنايا جَسَدهِ بِسَلاسة..كَما أَفْعى تَبْحثُ عَن فَريستها..تَساءَل هاينز و القَلَقُ قَد اجْتَرَع صَوْته ثُمَّ بَصَقَهُ مَبْحوحاً مُرْتَعِشا..،:مـ ـ...ماذ...مـ ـاذا تقصد..أبــ ـي !
وَجَّهَ سَهْماً مُسَنَّناً لِمُحَمَّد و هُو يُجيب كاشِفاً عن الفاجِعة،:سَيكون عَميلاً سرّياً لدي..بمُساعدته سوف نُنهي وَباء هذه العصابة
ذَوَبان مُفاجئ حاصَر الجَليد المُتَكَتّل على حَواس مُحَمَّد..فاسِحاً المَجال لِحَرارة لاسِعة أَن تَنْسَكِب عَليه من رَأسه حَتَّى أَخْمَص قَدَميه..أَهو كابُوس أَم حَقيقة ؟ أَم أَنَّ الدُّنيا كانت مُخادِعة..تَسَرْبَلت بالبَياض و الزَّهْو..حَتَّى خالتها النَّفْسُ الهَشَّة أُنْثى جَذَّابة..أُنْثى لَها جَمالٌ مُخَلَّد لا يَزول..و ها هي الآن تُفْتَضَح..تُفْتَضَح على يَدي بَرْلين التي أَعادت رَسْم خارِطة الواقِع..بَعْد أن عَرَّتهُ من اصْطناعات الخَيال المُخَدِّرة تِلْك النَّفْس الضَّعيفة..،هايْنز تَصَلَّب في مَكانه..تَحَنَّطَ كَمَيّت..حَتَّى أَنْفاسه انْتَحَرت و صَيَّرت من الأضْلاع لَحْداً لها..فالفَناء أَرْحم من الذَّبْح الذي سَيؤول إليه أمر والده...،آسْتور أَطْلق العِنان لِلسانه كاشِفاً عَمَّا أَخْفاهُ بَدهاء الذّئاب..،:المتفجرات مُوهاميــد..أَنا من وَرَّطَك بها



وَاقِفٌ وَ مِن فَوْقِه السَّماءُ تُمْعِن النَّظَر فيه..يَشْعُر بأنَّ نُجومها أَعْيُنٌ لها أَشْواك تَغْرس نَفْسَها في صَدْره..قاصِدةً البُؤرة الأَمَّارة بالسُّوء..تُريد أن تَتَأكَّد..هَل لا زالت للشَّيْطان رَفيقة ؟ أَم أَنَّ جَلْدَ تِلْك الليْلة السَّوْداء قَد طَهَّرَها من رَذيلتها ؟ تَشَبَّثَت يَده بِمقْبض باب السَّيارة ناوِياً الرُّجوع للدَّاخِل..أو بالأَحْرى..الإخْتباء في جُحْرٍ لَن يُطِل في اخْفائه..أَتاه صَوْتٌ بارِد..
،:مقَفَّلة
اسْتَدارَ إليه مُلْقِياً عَليه نَظْرة مُؤنِّبة و هُو يَقُول،:افتحها..ابي ارجع شقتي مابي ادخل
تَأفأفَ بِمَلل و هُو يَقْتَرِب منه لِيَقْبِض على ساعده..جَرَّه و ذاك كَما طِفْل يَسوقونه للعِقاب سَمَّرَ قَدَميه بالأَرْض..و بَدأ يُحاول بيده أَن يفك قَبْضته عن ساعده قائِلاً و الرُّعب قَد دَبَّ فيه بلا سَيْطرة،:خلني مابي...مابــــي...رااائـــد قلت مابي ادخــل
رَنا له بِطَرف عَيْنه و السُّخْرِية تَسْتَحْوِذ على صَوْته و ملامحه،:طِفل إنت..طِفل ! امش تحرك لا كف اللحين
رَفَع يَدهُ و هُو يُوَسّع عَيْنيه كَأنَّما يُريد أن يُخيف هذا الذي يَتَصَرَّف كَما الأَطْفال...ذاك نَطَقَ مُعَبِّراً عن الفَوْضى المُحْتَدِمة داخله..و مَلامحه قَد كَساها تَهَدُّلٌ يَحْكي مَدى خَوْفه و ضَياعه..،:رائد والله والله ما اقدر ادخل..ما اقدر اشوف عبدالله..شلون تبيني احط عيوني في عيونه و أنا خنتـ ـه..ِشلووون !
اقْتَرَب منهُ مع احْتداد عَيْناه لِيَهْمِس بتَوْبيخ،:لااا بعد ارفع صوتك زيادة خل الفريج كله يسمع....انجب و امش خل ندخل "أشار لِثَوْبه و هَو يَبْتَعِد مُرْدِفاً بِنَبْرة مَسْموعة" مشتريين لك ثوب و مكشخينك عشان ترجع شقتك و ما تدخل !
تَمَسَّك بزِنْده و هُو يَضْغَط بِقُوَّة كَمُتَألِّم يَرْجو شِفاء..تَساءَل و كَلِماته تَتَعَثَّر باللَّعْثَمة،:انزيـ ـن..شــشــ...شنـو اقول ؟
أَرْفَع الاسْتنكار حاجِبَيه مُعَقِّباً بِنَفاذ صَبْر،:طَلال بذبحــك..شنو شتقول ! أحد قال لك بتلقي محاضرة داخل ! "اجْتَذَبَت قَبْضَته كُل قُوَّةَ جَسَده لِيَجُرَّه بِحَرَكة واحِدة جابِراً قَدَمَيه على التَّحَرُّك" أنا إذا ظلّيت واقف اسمع حجيك الفاضي برتكب فيك جريمة
واصَل مَشْيه للمَجْلس مُتَجاهِلاً هَمَسات طَلال الرَّاجِية منه أن يَتَوَقَّفَ..مُذَكّراً إياه بين الثَّانِية و الأُخْرى بِخَطيئته و عُظْمها..فَكَيْف يَلْقى المُذْنِب ضَحِيَّته بَعْد أن تَوَحَّلت ذاته بتُراب النَّدَم ؟ دَلَفا للدَّاخِل..رائِد يَتَقَدَّم ذاك المُنَكِّس رَأسَهُ لِأرْضٍ رآها تَبْتَسِم لَهُ بازْدراءٍ و تَقَزُّز..و كَأَنَّها تَشْمَت فيه و في خَوْفه..كان المَجْلس يَضُم عَدداً قَليلاً من الرِّجال..مُنْدَمِجون في بِضْع حَديث و هُم يَتناولون من أَطْباقهِم..عَلَّقَ رائِد ساخِراً مِن نَفْسه و مِن رَفيقه،:الرجال تعشوا و خلصوا واحنا تونا نشرّف
وَصَلَه هَمْسَاً مُرْتَبِك بالكاد اقْتَلَعهُ طَلال من حنجرته،:تشــ ـ..تشوفــ ـه...تشوف عَبـ ـدالله !
تَلَّفَت على المَجال بنَظرة سَريعة قَبْلَ أن يَسْتدير إليه بعد أن تَرَك ساعِده..حَشَرَ كَفّيه في جَيْب ثَوْبه و هُو يُجيب،:لا ما اشوفه،يمكن راح "وَ عَيْناه تَنْحَرِف للذي تَجَلَّى خَلْفَ طَلال"... ... يتعشــ ـى
رَفَع طَلال رَأسه مَشْدوهاً لِنَبْرة رائِد التي تَبَدَّلَت بِوُضوح..فَتَح فَمَه يُريد أن يَسْتَفْسِر و هُو يُلاحِظ تَعَلُّق بَصَره بشَيءٍ ما..أو شَخصٍ ما....لَكِنَّ نِداءٌ قاتِل أَتاهُ من الخَلْف..أَشَلَّ لِسانه و نَثَر كَهْرباء بَيْن أَوْصاله ثُمَّ جَمَّده..كَسَهْمٍ انْتَصَب وَسَط قَلْبه قاطِعاً مَسير الدّماء إلى رُوحه..،
،:طَــلال !



وَلَجَ إلى ساحَةِ الوَغى جَسَداً جامِداً..مُثَقَّب من الرَّأس إلى القَدَمَيْن..ثُقوبٌ أُفْرِغَت مِنها بَقايا رُوحه التي انْتَحَرت..زَفُّوه إليها وَ هُو مُثْقَلاً بالضَّياع..التَّيْه ريحٌ ساخِنة..مُوَجَّهة مِن قِبَل امْرَأة مُقَيَّدة ذاته بها..ريحٌ تُشاغِب أَهْدابه..و تَحْمِل بَيْن جَنَباتها رَماداً ضاراً..يَفْتك بِبَصَره..فَيَرى بَحْراً من دُموع يُغرِقه و لا تَنْهَمِر قَطَرَاته..،وَقَف بِجانِبها راسِماً ابْتسامة تَبْدو جَميلة و بها بِضْع جاذِبِيَّة..إلا أَنَّ تَجَاعيدها أَفْصَحَت عن عُبوساً يَعْكِس حَقيقة مَشاعره..يَقِف تارِكاً مَسافة تَكَاد لا تُرى بَيْنَهما..دُون أن يَرْفَع طَرفه لها..عَيْناه تَجُولان على الوُجوه السَّعيدة و المُتَغَنِّية بالفَرَح،تُنَبِّشان باحْتِياج عن وَجْهٍ يُعيد بَثَّ الدّفء لِمَدينته المَسْجونة خَلْفَ قُضْبان شِتاء..يُهَدّد بِأن يَكُون حُكْمه سَرْمَدِيَّا..فَقَد مَضت سِتَّتُ أَعْوامٍ مُذ احْتَلَّه..و باتَ يَخافُ أَن يُخَلَّد فيه حَقيقةً...،أخيراً وَ بَعْد جُهْدٍ و صِعابٍ زادت من وَهَنِ رُوحه ظَفَر بالدِّفء..الْتَقى مَعَهُ كَما تَلْتَقي وَرَقة أَيْتَمَها الخَريف من غُصْنها بِأَحْضان الرَّبيع..غَفَى حَنانٌ مَحْني الفَرَح فَوْقَ جِفْنَيه عِنْدما ارْتَشَفَ شِرْخ قَلْبه دَمْعَتها التي فَرَّت من مُقْلَتَها فِرار الهَديل من قَلْب حَمامة مُثْقَلة بالهُموم..من القَلْب إلى القَلْب كان حَديثَهما الصَّامِت..اقْتَرَبَت منهُ و هي تُجَمِّل شَفَتيها بابْتسامة بها شَيءٌ من شُحُوب..تَوَقَّفَت على يَمينه..أَخْفَضَ رَأسه لها سامِحاً لِشَفَتيها من أن تَهْمِسان في أُذنه..،:حَبيبي اكشف وجهها و حب راسها
ضاقَ بُؤبؤاه رُعْباً من الأَمْر الذي أَمْلَتهُ عَليه..ما الذي تَقوله والدته ؟ ما هذا الانْتحار أُمّي ؟ أَتَرْضى أُمومَتِكِ بِنَحْر ذاتي ؟ أَلا يَخْشع قَلْبُكِ الحاني لِحُزْني ؟ و كَلِماتكِ هذه..التي تَدلني إلى مَقْصلة إعْدامي،أَلا تَعْطَف على ضَعْفي ؟ تُلَمْلِمهُ و تَغْزلهُ بِشَتاتي..فَتَحْتَويه لِتُصَيّره جَبَلاً لا تَكْسره امْرأة..،أُقَبِّلها..أَنا أُقَبّلها ! سارت بَيْن أَوْصاله قَشْعَريرة مُوْجِعة،أَعْلَمَتهُ بِمَدى عُرِيه و انْكشاف فَضائحه..بُرْكانٌ عَنيف اسْتَفْرَغ حُمَمه في جَوْفه مُذيباً أَشْلاء ذاته..هُو يَحْتَرق..يَحْترق و كُلُّ السُّحب تَنْهَر سُؤلَه..تُشيح وَجْهها عن حاجَته..تُعيد غَرْس المَطَرَ في رَحْمها لألا يَنْجو من مَوْته وَسَط يَبابٍ يَتيمٌ من جِنان..أَيُقَبّل غَيْرَ الجِنان ! أَتَقْدر رُوحه على ذلك ! شَفَتاه..أَقادِرَتان على لَثْمِ خَمْرٍ غَيْرَ خَمْرِها..و هَل كُلَّ حَوَّاءٍ جَسَدها من خَمْر الجَنَّة قَد خُلِقَ ؟ أَم أَنَّ جِنان العُمْرِ كانت للخَمْرِ حُوراً،لا تُشاركها فيه إناث الحَياةِ الدُّنيا أَجْمعُ ؟ إلهي الرَّحْمة..رُحْماك رَبَّ القَلْبِ و الرُّوح..رُحْماكَ يا من بِقُدْرَتِهِ قُيِّدَت ذاتي بِعُنِقِ امْرأة،عَمْياءٌ هي رُوحها عن عشقي..رُحْماكَ و لا شيء آخر..،اجْتَذَب من قَبْضَة الهواء نَفَساً حادَّاً..تَكَتَّلَ صَخْراً فَوْقَ صَدْره...رَمَشَ لِأَرْبَعِ مَرَّاتٍ مُتَتَالية..ببطءٍ مَهْزوم رَمَش..قَبْلَ أَن يُدير إليها جَسدَه الباكي أَنْهاراً آسِنة..رَفَع الخِمار المُذَهَّب كاشِفاً عن آيَةٍ من جَمال تَحْكي عن قُدْرَة رَب الأَبْصار..إلا أَنَّ بَصَرُهُ اليَوْمَ كان سَقيم..لَم يَرْتَدِ جِنْحَي السَّكَر،لِيُحَلِّق مُنْتَشِياً من مَلامح بَهِيَّة..يُبْصِر لِأَجْلِها الأَعْمى..أَخْفَضَ الخِمار و تَناولتهُ منه شَقيقتها الكُبْرى لِتُزيحه بالكامل عن جَسَدها المُتَسَرْبِل بِفُسْتان حَوَّرها لِنَجْمة تُوْمِض شُعاعاً فَيْروزياً تَتَغَنَّى بهِ السَّماء و يَرْتَشِف منهُ القَمَر بَعْدَ أًن يهْدي الليْلَ كَأساً من سَحَر..،انْتَبَه من غِيابه لإشارة..تَحَرَّكَت عَدَستاه للحظات قَبْل أن تَلْتقِطان وَجْه نُور التي أشارت لِجَبينها و هي تُحَرِّك شَفَتيها بلا صَوْت..أَبْعَد عَيْنيه عَنْها للتي انْطَوت خَجَلاً بِجانبه..طَرَد من صَدْره تَنْهيدة مُذَيَّلة ببَعْضٍ من هَلْوَساته،قَبْل أن يَحْني رَأسه لِوَجْهها الذي يُقابِله..و بِخِفَّة و سُرْعة لَم تُتِح للِكَلِمات أن تَتَغَزَّل بها...قَبَّلَ جَبينها..ابْتَعَد بهُدوء ظاهِري و في داخله اسْتَعَرت نيران التَّأنيب التي اتَّهَمَتهُ بالخيانة..خِيانة تلك الجاهِلة..،صَوْت والدته عاد لِيَهْمس إليه و هذه المَرَّة تَعاضَدَت مَع كَلِماتها كَفُّها الثَّمينة التي احْتَضَنت يَده المُسْبَلة بِخَسارة..،:عُمري فيصل انسى..و حاول تندمج شوي شوي مع حياتك الجديدة..حبيبي إنت..عشان خاطري لا تكسر خاطر البنية
كُنْتُ أعْلَم أُمّي..كُنْتُ أَعْلَم أَنَّكِ لِضياعي مُلْتَفِتة..جَمَع جَوابه و طَبَعَهُ قُبْلة تناثَرت بِمَلَق على رَأس والدته..،غادَرَت و غادَرَ الجَميع..و بَقِي هُو و هي..و التي اخْتيرَت لالْتقاط ذِكْريات هذه الليْلة المُرْهِقَة..كائنٌ ثالث قَد يُخَفِّف من غَرابة هذه الليْلة..،عاد و اسْتَدار للجَميلة..تَأَمَّلها لثوانٍ قَبْل أن يُقَلِّص المَسافة بَيْنهما..نَظَر لِيَديها المُتَعانِقة أَصابعهما بارْتباكٍ جَلي..تَبَسَّم لاحْمرار الخَجَل المُتَدَثِّرة به بِنانها..تَحَرَّكَت يَده من بين غَوْغاء مَصائبه و برقَّة عانَقَت يُمْناه سَبَّابتها..بإبْهامه مَسَحَ عَليها بِحَنْو و عاطِفة أَسَفاً أَنَّها لَم تَتَجاوز الخَطَّ الأَحْمر..اقْتَلَع بَحَّته من زِقاق حُزْنه،:طالعة غير
رَفَعَت رَأسها إليه..و ارْتَفَعَ معها زَعيقُ نَبْضه..نَبَضاته كانت كَطَرقاتٍ على باب الحَياة..لِتَسْأله عن واحَتي الجِنان إلى أَين ؟ وَعَى من هذيانه لسؤالها المُتَرَدّد..،:و الغير هذي تمام لو مو تمام ؟
ابْتَسَم لها بِلُطْف و هُو يُجيب..،:أكيد تَمام..طالعة جميلة
تَأَمَّل كَيْف تَصاعَدَت بِتِلَّات الخَجَل إلى وَجْنَتيها..و في داخله ارْتَفَع تَصْفيقٌ ساخِر....كَم أنت بارعٌ في قَتْل أَحاديث ذاتك فَيْصَل !



كَمَا اعْتادَت..في الماضي الغَني بأغادير والدتها العَذْبة..و في الحاضِر القَحِط من وُجودها..ففي الماضي اعْتادَت أن تَبُث حُزْنها بَيْن صَدْرٍ و قَلْب..بِلا كَلِمات تَشْكو..و الجَوَى يَسْمع..بأَنْفَاسَها تَشْكي على من أَراقوا دَمْعها و أَشْعَلوا فَتيل قَهَرِها..مِثال..شِجارٌ بَريء مع زَميلة لها في المَدْرسة..حينما كانت ابْنة السَّبع أو التّسع..أَو زَعَلٌ مُفْتَعَل بينها و بين إحْدى شَقيقاتها..لِتَظْفَر بِقُبْلة و احْتضان من والدتها،و لِتَتَأكَّد ذاتها من أَنَّها المُدَلَّلة عندها...أَمَّا الآن..فإذا حاصَرَها الأَسى..و أَحْكَم القَهَر قَبْضته على رُوحها..تَلْجَأ للذي احْتَفَظ بَيْن جِلْدٍ و وَرَق بجُزْءٍ من حَياة والدتها..جُزْءٌ قَد يُشْفي جُرْح الفِراق..و الإشْتياق..اشْتَقْتُكِ أُمّي..و لِمِعْطَف عِناقِكِ حَنَّ جِلْدي..وَ شَعْرُ رَأسي آراه في المِرْآة وَهِناً..غابَت شَمْسهُ و لَم تَعْد تَشْرق فَتُسْقيه حَياة..فكَفُّكِ الوارِث الرَّبيع دِفْئها بَتَرَها المَوْت..وضاعَت بَيْن قَبْرٍ و تُراب..و تَرَكَت جَديلَتي مُعَلَّقة..لَم تَعْقِدها..و لَم تَفُكَّها فَتنقذها من انتظار..،أَيْنَ أَنْتِ أُمّي ؟ أَيْنَ أنتِ من جُرْح قَلْبي ؟ فَذاكَ الذي قَرَأت أُمومتكِ حُبـ ـي له تَجَرَّأَ و كَسَرَني..كَسَر ثِقَتي التي أَحاَكَتها مَغْزَلة تَرْبِيَتُكِ..احْتاجك أُمَّاه...،شَدَّت أَنامِلها الرَّاجِفة على الوَرَق المُتَشَرِّب مَشاعر والدتها..شَدَّت و عَيْناها تَلْتَهِمان الأُحْرف للمَرَّة العشرون بعد المئة..رُبَّما ! تَقْرَأ و بقراءَتها تُكَدّس الجَمْر..تُجَمّع صَفائح الحَطَب..لِيَقْتات انْتقامها و لا يَشْبع..و يَعْلو لَهَب الحِقْد مُرَمِّداً ذاك الحُب الأَبْله..الحُب المُراهِق الذي أَجْبَرها بِسَذاجة أن تُلْصِق بَصَمات أَصابعها،و تُذيب أَنْفاسها فَوْق زُجاج نافِذَتها المُصَيّرها الزَّمن مُسْتَوْدَع أَسْرار حُبٍ أَعْمى..،

" ،:قلت روووحـــي عن وجـــهي "

انْتِفاضَة غَيْظ أَرْعَشَت أَطْرافها..وَ ضَعَّفَت من تَصافق أَهْدابها..زُمرد عَيْناها فَرّت منه الْتماعة تُنْذِر بالشَّر..جَدَّدَت نُمو بواعث الإنْتقام في قَلْبها..و جُمْلَته تِلْك كانت كالبنزين المُتراشق على نيرانها فَيَزيدها اهْتياجا..هَمَسَت بِنَبْرة رَكَلت الحُب و سِنينه..،:حقيـ ـر و منافق...المغرور
أغْلَقَت دَفْتَرَ مُذَكَّرات والدتها و أَعادته إلى مَخْدعه..خَطَت ناحِية تِلْك النَّافِذة..أَلْقَت نَظْرة على الطَّريق أَمام مَنْزلهم..و الواضح منه جُزء يَسير كان يُتيح لها اسْتراق النَّظَر عليه في سَيَّارته و هُو يَنْتظر خُروج والدته..ها هي الذّكريات تَعُود و تَسْتَقِر فَوْق غُصْن ذاكرتها..غِرْباناً تَنْعَق مُحَرِّضَةً على الإنتقام..هَمَسَت بسُخْرِية مُشْمَئزة و هي تَعْقِد ذراعيها فَوْق صَدْرها..،:مو غريبة عليك النّفاق يا عبدالله....أمك بلقيس !




يَتْبَع



 توقيع : طهر الغيم




رد مع اقتباس