في مجلس منزل راشد ..
كان مساعد لا زال موجودا , إذ أصرّ عليه عايض أن يبقى حتى يتناول العشاء لديهم .
دخل إليهما عاطف المستيقظ من النوم لتوه , ليجدهما يلعبان البلايستيشن بكل حماس .
جلس بجانبهم بعد أن سلم , ليقول لعايض / عايض وين البنات لسه ما رجعوا ؟ أمي قاعدة تطبخ لوحدها .
عايض ينظر إلى ساعته / مو معقولة , الحين تسعة متى بيجون ؟ كلم نجد وشوف وينهم .
اتصل عاطف بنجد , ليقفل بعد لحظات وهو يقول / تقول قربوا خلاص , وين كانوا أصلا ؟
ضحك عايض وهو ينظر إلى مساعد / هذا الولد خطب وما صدق إنه لقى بنت حلوة , تقول نجد بشرى كل شوي ترسل لها تبيها تسأل البنت صدق موافقة ولا لا .
ضحك عاطف / طيب وش دخل خرجتهم بالموضوع .
عايض / شكلها البنت طفشت من كثر ما تسألها نجد , صار لها يوم ما ترد لا على الرسايل ولا على الإتصالات , راحت لبيتها مرة وحدة .
اعتدل مساعد بجلسته متفاجئا , ووضع ما بيده على الأرض / مو من جدك عايض .
عايض / إلا من جدي .
تأفف مساعد / والله لو كنت ادري ما خليتهم , أقصد ما خليت بشرى تسأل .
سأل عايض بإهتمام / بس صدق يا مساعد إنت إيش فيك موسوس كذا ؟
مساعد بضيق / كأنك ما تدري ؟ اللي حواليني كلهم مارين بتجارب زواج فاشلة , صرت كل ما فكرت بالزواج أخاف ما أتوفق وأظلم بنت الناس , أو تطلع هي غير عن اللي أبيها وتصدمني .
ابتسم عايض/ ما ألومك يا مساعد إنت زي الغيمة وتستاهل بنت طاهرة وشريفة , إن شاء الله ما راح يصير إلا كل خير .
ضحك مساعد من إطرائه المبالغ فيه / إن شاء الله .
نهض عايض واتجه إلى المطبخ , ليساعد والدته في إعداد الطعام .
على الأقل حتى عودة الفتيات .
ذلك اليوم ..
وبعد أن ذهب إلى المنزل , ثم عاد مع والده .
حين توقف المطر وبدّل هو ملابسه .
تفاجأ بسلمان في مجلس عمه .
نظر إليه بحدة قبل أن يصافحه رغما عنه .
فهو حتى الآن لا يعرف سبب إتيانه إلى منزل عمه كثيرا .
وحين جلس بالقرب منه , همس له الآخر بخبث / عايض دامك مو ناوي تتزوج يُمنى , ليش معلق البنت فيك على الفاضي ؟
التفت إليه بقوة , ونظراته تكاد تحرق سلمان / نعم ؟ وش قصدك ؟
سلمان يدّعي البراءة / ما أقصد شيء , بس يعني زي ما انت شايف عمي مريض وعلى فراش الموت , وأكيد إنه شايل هم بنته ووده يأمنها على أحد يثق فيه .
عايض بهمس غاضب / ولأنه وثق فيني زوجني إياها , إنت وش دخلك بالموضوع ؟
حرك سلمان كتفيه / أبد يا عايض , بس أنا حاس إنك قاعد تحاول تتهرب من الموضوع , يعني .. أذكر يُمنى قالت لي إنك متزوجها غصبا عنك , غير إنك بعد ما ملكت عليها استقريت في المدينة , يعني واضح إنك من جد ما تبيها .
اتسعت عينا عايض واحمرت , وهو يمسك بذراع سلمان بقوة / ويُمني ليش تقول لك هالكلام ؟ اسمعني يا سلمان , إياك تقرب من زوجتي ولا تطيح قدامها حتى بالصدفة مفهوم ؟ وموضوع زواجنا ما يخصك , لذلك مرة ثانية لا تتدخل .
سحب سلمان ذراعه وهو يضحك بسخرية / يُمنى ليش تقول لي هالكلام ؟ نسيت إني أنقذتها هذاك اليوم ؟ يعني إنها تثق فيني أكثر منك إنت ياللي عصبت عليها من دون سبب وقلت اللي قلت , وصارت تكرهك .
شعر عايض بدمه يفور من شدة الغيظ والقهر / اسكت يا سلمان .
سلمان بنبرة مستفزة أكثر عن سابقتها / ياخي عايض إيش فيك ؟ ليش معصب عليّ لهالدرجة ؟ ما قلت شيء غلط , غير إني والله حاس فيك , عشان كذا عندي اقتراح , إيش رايك تفك نفسك منها وترتاح , وتخليها لي .
لم يستوعب سلمان بعد ذلك شيئا , حين انقضّ عليه عايض فجأة .
وصار يضربه على وجهه بقبضته ويلكمه .
حتى اقترب منه أعمامه متفاجئين ومصدومين منه .
بالكاد تمكنوا من إبعاده عن سلمان .
ضربه والده على خده بقوة / إيش فيك إيش هذا اللي قاعد تسويه في ولد عمك ؟
صرخ عايض بغضب / خلوه يبعد عن زوجتي , ولا الله إني ما راح أرتاح إلا بعد ما أشرب من دمه .
ابتعد عنهم حتى خرج من المجلس وهو يرتجف من شدة القهر .
ليصطدم بمساعد الآت من الداخل حين سمع الأصوات .
أمسكه عايض من يده / وين يُمنى .
استغرب مساعد غضبه / في غرفتها , ليش تسأل ؟
عايض / أبي أشوفها الحين .
مساعد / البنت سخنت من المطر ورجلها , إيش تبي منها ؟
عايض بقلة صبر / أبي أشوفها وبس ولا مو من حقي ؟ شوف لي طريق لو سمحت .
هز مساعد رأسه مستغربا , ثم ذهب وعاد ليقود عايض إلى حجرة يُمنى .
وقف بالقرب من الباب بتردد / يعني ضروري يا عايض ؟ والله انها تعبانة ونايمة خلها , كلمها بعدين .
هدأ عايض قليلا / بس شوي يا مساعد ما بطول .
تركه مساعد , ليدخل عايض إلى غرفة يُمنى .
هاله الهدوء والسكون في الغرفة .
وتسارعت دقات قلبه وهو يرى هيئتها الضعيفة من خلال نور المصباح الصغير بجانبها .
اقترب ليرى وجهها الملائكي النائم بهدوء .
والتعب باديا عليه بشدة .
آلمه قلبه عليها , وهو يتذكر سقوطها بسبب مفاجأتها من صوته .
جلس على طرف السرير , ومدّ يده إلى رأسها بتردد .
ليلمس شعرها الناعم .
ودون أن يشعر صار يمررها عليه مستمتعا برؤية ملامحها التي اشتاق إليها كثيرا , وملمس شعرها الساحر .
تفاجأ حين فتحت يُمنى عيناها , ونظرت إليه بعينين متسعتين .
كأنها تحاول إستيعاب ما ترى .
ثم حاولت أن تجلس بسرعة , ليمنعها عايض / خليك لا تقومين .
استلقت مرة أخرى , وهي تنظر إليه بخجل وخوف .
ارتجفت أطرافها وهي تشد على طرف البطانية .
وتبعد عيناها عنه .
ليقول هو بهدوء / أنا آسف إني خوفتك , وكنت السبب في طيحتك يُمنى .
لم تجيب يُمنى , وهي تشعر بقلبها يرتجف .
أكمل عايض بابتسامة / بس صدق اشتقت لك , كبرتي واحلويتي كثير يا يُمنى .
نظرت إليه نظرة خاطفة , ثم أبعدت عيناها مرة أخرى .
عايض / ليش غبتي عن عيوني كل هالسنين يا يُمنى ؟
تكلمت أخيرا بنبرة هادئة جدا / انت ما تبي تشوفني , عشان كذا استقريت في المدينة , يعني كفاية تزوجتني غصب , قلت أريحك من شوفتي على الأقل , بما إنه أهلي إلى الآن ما نسوا سالفة التحرش , يعني الظاهر بتطول السالفة .
أدهشته يُمنى بحق , ليقول بتعجب / إنتي من وين جايبة كل هالحساسية يُمنى ؟ وهالكلام ؟
يُمنى / يعني كنت متوقع إني ما بنجرح من كلامك مثلا ؟ أو ما أحس ؟
ارتبك عايض , ليقول بعد ان ازدرد ريقه / هذا كان قبل , أنا كنت متأكد إنه في شيء راح يتغير أكيد , وغيابك عني كان له أثر كبير فيني تعرفين ؟
نظرت إليه يُمنى / كيف يعني ؟
ابتسم لها عايض / ما أدري كيف , بس إني من استقريت في المدينة وانتي دايم في بالي , صدقيني لو ما شفتك هالمرة كنت بموت .
ابتسمت هي الأخرى بألم / بس مستحيل تحبني بيوم من الأيام , أو تتقبلني كزوجة , هذا اللي قلته لي قبل لا تروح .
ألجمته الصدمة , وهو يتذكر ما نسيَه .
هل جرح هذه النسمة إلى هذا الحد ؟
إلى حد أنها حفظت ما قاله قبل 3 سنوات ؟
دون أن تنسى شيء !
سأل دون أن يشعر / تروحين قدام سلمان ؟
أجابته بعفوية / إيه .
اتسعت عيناه بغير تصديق / ليش ؟
يُمنى / ليش يعني ؟ إيش فيها ؟
عايض بحدة / ما يصير يا يُمنى , سلمان ما يحرم لك .
يُمنى / ما أروح قدامه بدون غطا .
عايض / حتى بغطا ما تروحين يا يُمنى .
خافت يُمنى ما تكراره لإسمها بذات النبرة الحادة , لتقول بارتباك / بس يعني , هو مثل اخواني بالضبط .
عايض بسخرية / يعني تقولين لأخوانك عن اللي قلته ؟ مو أنا قايل لك الكلام اللي بيننا ما يسمعه أحد ؟ ليش تقولين لسلمان ؟
ازدردت ريقها بتوتر من نبرته / انت ليش معصب كذا ؟ قلت لك إنه مثل اخواني .
عايض / بس هو ما يشوفك مثل أخته .
يُمنى بحيرة / إيش قصدك مو فاهمة عليك ؟
عض عايض شفته بقوة , ثم قال / مو مهم يا يُمنى , بس اسمعي اللي بقوله , لا تروحين قدامه مرة ثانية , من اليوم ورايح ما تطلعين له حتى بحجابك الكامل , مفهوم ؟
يُمنى بعناد / لا مو بكيفك , انت قلت لي إني ما أتصرف معاك كزوجة , معناته مو من حقك تمنعني أكلم أو أروح قدام أحد , وسلمان أنا أحبه زي أخواني وأثق فيه ومتعودة عليه , عشان كذا بروح قدامه متى ما أبي .
نظر إليها بذهول وصمت لعدة دقائق .
وسيطر على غضبه بأعجوبة , وهو يبتسم لها بهدوء / يُمنى أنا كنت غلطان قبل وأعتذر منك , عادي خليك زعلانة مني ولا تكلميني أبد , بس سلمان بعد , لا تثقين فيه ولا تروحين قدامه لو إيش ما صار يا يُمنى .
تجاهلته يُمنى وهي تبعد أنظارها عنه بعناد .
ليتنهد عايض بقلة حيلة وهو يقف .
ويهز رأسه بأسى وغير تصديق .
أخطأ خطأ لم يحسب حسابه .
كان عليه أن يتصرف في وقت أبكر .
قبل أن تتعلق يُمنى بسلمان إلى هذا الحد .
بما أنه علم عن إتيانه الدائم إلى منزل عمه .
والآن قد فات الفوت فعلا , ويُمنى .. لم تعد يُمنى .
غادر غرفتها نادما وخائفا .
لم يعد إلى مجلس عمه .
خشية أن يبطش بسلمان دون أن يشعر .
يبدوا أن يُمنى غاضبة منه بحق .
ولن تستمتع إليه .
لذا عليه أن يراقبها على الأقل .
ولكن كيف وهو ينوي أن يتوظف ويستقر في المدينة مرة أخرى !
_____
انتهى البارت