عضّت شفتها بقوة وقهر , وهي تنظر إلى شريط إختبار الحمل .
وتأوهت بيأس وحزن وهي تجد خطا واحدا فقط .
قبل أن ترميه بقسوة داخل حاوية النفايات .
أمسكت حافتي المغسلة الصغيرة بداخل الحمام , وقبضت عليهما بقوة .
مغمضة عينيها , رأسها إلى الأسفل .
حتى شعرت بملوحة دموعها بداخل فمها .
غطت فمها بكفها بقوة , حتى تكتم شهقاتها , ولا يسمعها زوجها إن أتى من الخارج فجأة .
رفعت شعرها بيديها بعدة عدة دقائق , وغسلت وجهها بقوة .
حتى لا تتضح آثار البكاء .
لتخرج من دورة المياه , وتتجه إلى سريرها .
تستلقِ وتتدثر بغطاءها بحزن .
في صدرها ضيق لا يعلمه إلا الله .
هي ليست معترضة أبدا على قضاءه , بل راضية تماما .
ولكن أحيانا , تمر بها حالات يأس وضيق .
لا تتمكن حينها من السيطرة على نفسها .
فمدة زواجها بسعود قد طالت فعلا , ويبدوا أنه لا توجد أي فرصة للإنجاب بالفعل !
ولكن لا , لن تيأس أبدا .
تعرضت للكثير من الإنتقادات , وكثير من الطعن بشرفها حين تزوجت ابن خالتها سعود , الذي يكبرها بكثير .
حين تزوجته كانت في السابعة والعشرون تقريبا , وهو في الخامسة والأربعون .
أرمل , لديه من الأبناء ثلاثة .. من زوجته الأولى .
حسناء البالغة 22 سنة , مساعد 20 سنة , أما هديل فكانت تبلغ 9 سنوات .
تشبث يُمنى الشديد بها بعد حادثة التحرش , جعلها تقضي أكثر أوقاتها في منزل خالتها .
مما جعل الناس تتحدث عنها بالسوء .
تحسنت يُمنى قليلا , وصارت حالتها النفسية أفضل .
إلا أن صدمتها من عايض , جعلها تتنكس مرة أخرى .
حزنت على الصغيرة كثيرا .
تجاهلت أحاديث الناس , وصارت تتردد إلى بيت خالتها على الدوام .
فعادت الناس تتحدث مرة أخرى , لأن سعود الأرمل وأبناءه يسكنون في منزل والده .
يعني ..
ما الذي يجعل فتاة عزباء , متأخرة في الزواج , ( عانس ) في نظر الجاهلين , تتردد إلى منزل به رجل أرمل !
بالطبع , ليست لديهم أي معرفة بالظروف داخل المنزل .
لذا لم يتوقفوا يوما عن الخوض في عرضها , حتى وصلت تلك الأحاديث والأقاويل إلى أسماع أهلها .
فغضبوا بشدة , وحاولوا منعها من الذهاب .
يُمنى كانت أنانية , أو ربما لا تفهم تلك الأشياء .
يهمها فقط أن يكون لديها أحدا بجانبها يساندها ويساعدها , ويبعد أعين والدتها القوية عنها .
لذا كانت تغضب كثيرا إن غابت بشرى يوما أو تأخرت عليها .
فلم يكن من سعود إلا أن يرشح لنفسه هذه الفتاة , الطيبة والجميلة والمثقفة بذات الآن .
لم يكن متأكدا من رأيها تجاهه , إلا أنه حاول .
لتوافق بشرى منذ المرة الأولى .
ويتم الزواج .
لم تندم أبدا .
رغم معارضة الكثيرون , ورغم الأقاويل والإشاعات التي تعمقت أكثر وأكثر , حتى وصلت إلى الطعن في شرفها , قائلين أنها ربما كانت على علاقة مع حمود !
وإلا لماذا قد تتزوج شابة عزباء برجل أرمل لديه ابنة لا تصغرها إلا بعدة سنوات !
يا للعجب , كانت عزباء عانس , والآن أصبحت شابة عزباء فقط ؟
صبرت على ذلك الأذى , حتى نسيَ الناس ما حصل .
كانت العائلة بأكملها سعيدة بهذا الزواج .
إلا حسناء التي لم ترغب أبدا أن يتزوج والدها بأخرى غير أمها .
كيف إن كانت شابة وجميلة وملفتة للنظر مثل بشرى !
أرغمت نفسها على تقبلها , وسرعان ما انتقلت من الديرة إلى المدينة , واستقرت في سكن الطالبات .
حتى لا يحزن والدها على معارضتها للأمر .
ولا تجبر نفسها على تقبل بشرى .
مرت الأيام والسنين , أصبحت فيها أم وأكثر .. ليُمنى وهديل الصغيرة .
وأخت كبرى لمساعد ..
زوجة صالحة لسعود .
وكنة مطيعة لخالتها وزوجها , حتى توفيا .
بيدَ أنها لم تتمكن يوما من كسب ودّ حسناء .
وهذا ما يجعلها تحزن كثيرا , ويشعرها بشيء من الذنب .
سعود حملها على كفوف الراحة , جعل منها إنسانة سعيدة .
رغم فارق العمر بينهما .
إلا أنها لم تشعر بذلك أبدا .
ولكن مع مرور السنوات بعدم حملها طوال تلك الفترة , أصبحت تتضايق شيئا فشيئا .
خاصة حين تسمع نغزات من حولها بين الحين والآخر .
حتى سعود يحاول معها , ولكن دون جدوى .
تحزن كثيرا نعم , ولكن الأمر كله بيد الله .
إن كتب لها الحمل ستحمل بالتأكيد , والقلب يحزن .. الأمر ليس بيد البشر !
تنتظر قدوم مولود هديل بفارغ الصبر , لن يكون ابن هديل فقط .
سيكون إبنها هي أيضا .
متشوقة جدا لرؤيته .
تنهدت وهي تجلس , بعد أن اكتفت من الإستلقاء .
لتجمع شعرها فوق رأسها .
ثم تخرج .
صادف خروجها دخول مساعد , وهو يحمل بيده أكياسا بها عصيرات وبعض الشوكولاتات , ضحكت بشرى / باين مبسوط بزيادة يا مساعد , أمس واليوم جايب لنا شوكولاتات .
ضحك مساعد وهو يضع الأكياس على الطاولة / إيه والله يا بشرى , أحس إني حبيتها من أول نظرة .
بشرى / الله يسعدك ويوفقك يارب .
مساعد / بالله كلمي نجد مرة ثانية , شوفي البنت صدق موافقة ولا لا .
استغربت بشرى / هذي المرة الرابعة اللي تخليني أتصل فيها عشان أسأل , فيك شيء ؟
تنهد مساعد / ما فيني شيء , بس مدري ليش خايف تكون مغصوبة مثلا ؟
بشرى بضحكة / مين هالمجنونة اللي تلقى مساعد وما توافق ؟ مغصوبة ؟
هههههههههه .
ابتسم / يمكن الناس ما تشوفني مثل ما تشوفوني إنتوا .
بشرى / صدقني البنت محظوظة كثير , لو دارت الدنيا ما لقت واحد زيك , وين أبوك ؟
مساعد / برة الحين يدخل , يتكلم مع واحد من الجيران , بس تكفين بشرى خليها تسأل , أبي أتطمن .
أومأت له بشرة بإيجاب / أبشر بسألها إن شاء الله بعد ما أحط لكم العشا .
دخلت إلى المطبخ وهي تدعوا الله من قلبها أن يوفق ويسعد ابن زوجها المحبوب .
الذي يبر بها كما لو أنه ليس قريبا من عمرها أبدا .
يحترمها ويقدرها كثيرا .
بالرغم من عيشه خارج منزل والده حتى لا يضايق بشرى , إلا أنه يمر عليها دائما ويسألها إن كانت بحاجة إلى شيء , هي أو والده .
حقا , الفتاة ( طيف ) ستكون محظوظة جدا إن تمّ هذا الزواج .
مساعد شخص نادر بالفعل .
______
استيقظت من نومها على صوت المطرقة على الخشب مثل الأمس .
الساعة تشير إلى الحادية عشر إلا ربع مساء , وهي تحب أن تنام مبكرا .
خاصة وأن الغد أحد .
تجاهلت الأمر لعدة دقائق , إلا أنها لم تتمكن من التحمل أكثر من 5 دقائق .
لتقوم من سريرها بغضب , تضرب الأرض برجلها بغيظ , وهي تتجه ناحية الباب .
لتفتحه بشعرها الأشعث , وتصرخ بغيظ / حسون وبعدين معك , أنا توني ………
تطايرت باقي الكلمات من لسانها , وهي تراه واقفا أمامها .
بعد أن كان منحنيا يعمل على الطاولة الخاصة بحسناء .
وقف بعينين متسعتين مذهولتين .
شعرها الطويل من الجانبين , يغطي معظم جسدها .
ووجهها المحمر من الغضب , وعيناها المصدومتين منه .
استطاع أن يلمح كل تلك الأشياء خلال الدقيقة التي وقفت فيها تنظر إليه متفاجئة .
قبل أن تختفي وراء الباب وتغلقه بقوة .
أغمضت عيناها تستند بظهرها على الباب , تضع يدها فوق قلبها الذي يخفق بقوة .
ثم تعض شفتها بحرج .
فتحت الأنوار لتركض ناحية المرآة , تنظر إلى نفسها .
تعلم أنها إن نامت تتحرك كثيرا , ويصبح مظهرها في فوضى تامة .
تأوهت بإحراج , وهي ترفع كفيها وتلطم خديها بقوة , تقفز في مكانها ووجهها يحمر أكثر في أكثر / يارب ليش شافني ليش ؟ لا وكمان وأنا توني قايمة من النوم , مالت عليك يا حسناء مالت عليك وعليه .
أطفأت الأنوار لتتجه إلى السرير وتسقط جسدها عليه , ثم تغطي وجهها بالمخدة وتصرخ من الإحراج .
في الخارج ..
كان عايض لا زال واقفا في مكانه مذهولا , عيناه على الباب حيث اختفت يُمنى قبل قليل .
هذه الفتاة , يبدوا أنها لا تكبر إطلاقا .
بقيت كما تركها قبل خمس سنوات !
لم يتغير بها أي شيء ’ سوى شعرها الذي طال أكثر بالطبع .
وبدت أكثر جمالا وفتنة .
ابتسم وهو يتذكر ملامحها مجددا , قبل أن تفاجئه نجد من الخلف / عايض .
التفت إليها / هااه .
نجد / وش هااه ؟ إيش فيك تناظر هناك ؟ لحظة .. أنا كأني سمعت صوت صراخ من شوي , لا تقول يُمنى خرجت وشفتها .
ابتسم عايض وهو يضع يده على قلبه / إيه شفتها .
اتسعت عيناها بصدمة , قبل أن تضربه على كتفه / لا ومبسوط كمان يا قليل الحيا ؟
عايض بضحكة / اللي يسمعك يقول أنا دخلت عندها مو هي اللي طلعت لي .
نجد / يا فشلتي , اسكت يا عايض اسكت .
ابتسم عايض أكثر , وهو يرفع صوته مغنيا بأبيات فصيحة :
وَبَديعِ الحُسنِ قَد فاقَ الرَشا حُسناً وَلينا
تَحسَبُ الوَردَ بِخَدَّيهِ يُناغي الياسَمينا
كُلَّما اِزدَدتُ إِلَيهِ نَظَراً زِدتُ جُنونا
عضّت نجد شفتها تمنع نفسها من الضحك وهي تهز رأسها بأسى , ثم مدت له كأس العصير الذي أتت به / خذ أشغلتني حتى نسيت أعطيك إياه , والله يعين قلبك .
ضحك وهو يشرب من العصير , ثم يكمل عمله ومزاجه عالِ جدا .
يغني بين اللحظة والأخرى .
ويُمنى تستمتع إليه من الداخل , تضحك حينا .. وتعبس حينا آخر .
وقلبها يؤلمها .
لم لا يقولها ؟ لم لا يطلب منها العودة ؟
حقا هذا ما يشغل بالها , وتريد أن تعرف الإجابة حتى ترتاح .
نعم قالت له تلك المرة حين أتاها وهي في سيارة حسناء أن ينساها لأنه يستحق من هي أفضل منها .
كانت تقصد ذلك بالفعل , إلا أنها تتمنى وبشدة .. أن تعود إليه .
ياااه .. ما هذا التناقض يُمنى .
في غرفة حسناء ..
حين كانت تتحدث حسناء إلى نجد في وقت مبكر من مساء اليوم , وأخبرتها بأمر الطاولة .
اقترحت نجد أن تأتي إليها برفقة عايض لكي يساعدها .
بما أن لديهما الكثير من الأحاديث .
جلست نجد أمام حسناء بعد أن عادت من عند عايض وهي تضحك , لتسأل / ما سألتيها يا حسنا ؟
تنهدت حسناء وهي تعتدل بجلستها / مو أنا من حاولت أفتح الموضوع تركتني ودخلت الغرفة , خرجت سوت لها أكل ودخلت مرة ثانية .
نجد / إيش قلتي لها بالضبط ؟
حسناء / قلت لها ما عندك نية ترجعين لعايض أبد لو طلب يدك .
اتسعت عينا نجد / يا حمارة وش هالسؤال الغبي ؟ يعني بتقول إلا خليه يجي ؟ أنا قلت لك تسأليها إذا في شيء ثاني صار ذاك الوقت ولا إيش اللي مخليها تتغير لهالدرجة ؟
هزت كتفيها / كنت أعتقد إني أقدر أستدرجها بالكلام لين نوصل للنقطة اللي ذكرتيها .
تأففت نجد / آآآخ منك يا غبية , المفروض يكون هو آخر سؤال .
حسناء / والله ما الغبي غيرك , يعني لو في شيء مخبيته من خمس سنين بتجي تقوله لي باردة مبردة وبسهولة ماشاء الله .
نجد بيأس / شكله أصلا ما في أمل , حاولت أفهم هالشيء لعايض وعصب عليّ , الولد مصر يرجعها والله .
حسناء بلا مبالاة / الكلام لوحده مو كافي , وأنا بالنسبة لي بعد ما شفت ردود أفعال يُمنى على الموضوع , أحس تبي ترجع له .
تفاجئت نجد / صدق ! والله يا ليت , محزنني هالعايض حيل وكاسر خاطري , يارب أسألك في هالوقت الفضيل إنك ترجعهم لبعض وتوفقهم وتسعدهم يارب .
حسناء / آمين .
أخذت نجد هاتفها حين وصلتها رسالة بشرى , لتتذمر / أخوك إنسان غريب صراحة , الحين هذي المرة الرابعة اللي يخليني فيها أسأل طيف إذا صدق موافقة ولا لا .
ضحكت حسناء / لا تلوميه , الولد سامع قصص غريبة من أصحابه عن الزواج , وشاف نماذج حقيقية قدام عيونه , صار يخاف على نفسه من الصدمة .
زمت نجد شفتيها , وهي تكتب لطيف / طيف يا بنت إنتي موفقة على مساعد ؟ يعني مرتاحة تماما ولا ؟
أرسلتها لتقول /بتحظرني البنت بعد شوي بتشوفين .
____
انتهى الفصل