فِــي دفتر جلدي كُحلي اللون ذو خيطاً في منتصف أوراقه
خُط باليــد بلونِ أزرق ..
"
كَان يَوماً عاديـاً....كان يـَوم جمعة عادياً
كُنت أشعر براحـة فِي قَلبي...كُنتُ أشَعر بِخفة فِي رُوحي بَعد كُل تِلك الأيام الثِقال التَي مَرت عَلينـــا
كُنتُ أيَقن إن الـغَـد أفـضَـل... وكُنت أيقَن إن الأمُور ستَسير عَلى ما يُرام
مَرت سَنتـان وخَمسـة أشهر ... مُنذ أن صَابتـنا تِلك اللـعـنة
سَنتـان وخَمسة أشهر مِن الثقل والتيـه... أنـا أشَعر وكأنَي فِي تِلك الدَوامـة
تائـــه... مُتعـب..مُشتت ..
سنتـان وخَمسة أشهر كَانت كَفيلة بتغيير حَياتنا الطَبيعية ..إلى حَياة تتَشرد فِيها أرواحَنا دُون أجسَادنـا
كَانت تلِك السَنة هِي سَنة تَخـرجي مِن الجَامعة ..
كُنتُ أحَاول الصُمود ... كُنت أحَاول أن أكُون ذلك الطالب المُجتهد رغم الظروف التي حَلت بنا ودَمرتنا
كُنت أحَاول أن أسُعده بشتَى الطُرق
كُنت أحَاول رَسم الإبتسامة عَلى وجَهي..فِي كُل وَقت ماعَادا ساعَات وُحدتي
كُنت أحاول أن أتمسك بتركيزي طوال مُحاضراتي.. كَان ذلك صُعباً جداً
ولكنه ليس أصعَب من محاولة الصُمود المستمرة
أن أصًمد أمام أسئلة أمُي وحُزنها
أن أصًمد أمام فُقدان أخَي الأكبر لبَهجته كُلياً و عَصبيته المُستمرة
أن أصًمد أمام التوأمان .. كَيف كان هُو يَهرب مِن حٌزنه نَحو طَيشه
وكَيف هِي كَانت مُتعلقة فِيه ..كتَعلق الرُوح بالجَسد
أن أصًمد أمام صِغر سنها .. وعَدم فِهمها لِما نَمر به بشكل كامل
كَان كُل يَوم كالجَحيـم .. لَكن هذا اليُوم هو الجَحيم بعَينـه.
كان الجَميـع خَارجـاً بعيداً لزيـارة جدتي بَعد عَمليتها
ماعداي... وهِي ... وأبـي.
لَم يتبقَـى عَلى حَفل تَخرجـي سُوى بضعة أسابيـع... كُنا في تلك الأيام التَي تَسبق الإختبارات النهائيِة
فِي مُنتصف اللَيل..كَان نائماً ... أخبرتها إني سَوف أخَرج لإستعارة آلة تصوير لحفلة تَخرجـي
حفلة تخرجي التي كُنت أظَن إني سَوف أحَضرهـا.
لَا أفـهَم ... كَيف تستيقظ فِي يوم عادي جداَ... متفائِلاً بالتَحسن الذي أنتَم عليه
مُعتقداً إن هَمكم .. المُشترك ... الذي دام سنتان وخمسة أشَهر... سَوف يزَول قَريباً
ليُفاجئك القَدر... بأن الهَم الأكبر... بأن الحزن الذي سوف يدوم للأبَد
سَوف يبدأ مِن هذا اليَوم .
أجَبت عَلى هاتفي... كَانت تَصرخ بكلمة واحَدة ...
كَلمــة واحــدة شَتت كُل كَيانـــي
جَعلتني ...مَشـلول للحظة .
كُنت أشعَر وكأن قَلبي وَقع ... لَم أتوقع ذلك
كَانت كُل أطَرافي ترتَجف ..لا أتذكَر كَيف قُدت سيارتي ليلَتها
كَيف لم أفارق الحَياة أنـا أيضاً لَيلتها ..
فقد كان جَسدي موجود... لكَن روحي كَانت مُحطمة .
مدمرة... وكأنَ حَرباً قَد حَلت بها .. كانت فِي فَراغ ... كُنت أنا فِي فَراغ
إتَصلت للإسَعاف... لا أتَذكر أيضاً مالذي قُلته
لا اتذكر سُوى إنني كُنت أبذل جُهدي بنطق الحروف خَارج فَمي دُون أن تصتك أسَناني ببعضها ... فَكيَ يرتجفان .. كُلي...أرتَجف.
صًعدتُ للغٌرفـة ...التَـي أُغلقتهَـا أُمي .. وقَد حَرمت عَلى أقدامنـا أن تطأهــا ..أبــدا.
لَم أتًصور بشَاعـــة المــنــظَر...لَم أتخيلــه... لَم تقع عَلى خيالي صُورته
وضَعت يدَاي في ذّلك الماء الفاتَــر... لامسَت يداي جَسـده البارد
سَقطت دُموعــي .. ما إنَ سَرت بُرودة جَسده في عُروقي...والدَي قَتل أمَلي.
والدَي إنتحَـر.
بَعد سَنتان وخمسة أشهر مع صِراع الإكتـئاب.
كان الماء قَد خلل نقاءه دِمــاء أبي ... قَد أفسد طُهره إحمرار ماكَان يَسري في شرايينه.
حَملتـه بَين أحضــاني... بَين ذِراعَي
كُنت أول مَن يَحمل جُثته ... وهُو الذَي حَملني مُولوداً رضيعاَ.
صًرخت في أذنيه داعياً رَبي أن يُنجيه ... وهو الذي هَمس بالأذان في أذني داعياً رَبي أن يحَفظني.
قَدمولِي تعاسة السنَتان والخَمسة أشَهر مُجدداً ..
لا أريد أن تُسفك دماء أبَي عَلى جسدي
لا أريد فُقدانه .. كُليــاً ."
يُتـــبع في الجُـزء القــادم...
|