03-18-2019
|
|
ما هي السنة التي حفرت عميقا في ذاكرة البشر؟
لو سألتك: ما هي أسوء سنة بالنسبة لك؟
قد تجيبُ بأنها سنة فقدانك لشخص حبيب على قلبك؛
موتا أو انفصالا، قد يكون تاريخ إصابتك بمرض عضال
أو إعاقة مزمنة، قد تكون السنة التي تكبدت
فيها خسائر لا تعوض أو فشلا دراسيا مؤلما، وقد تكون
حتى تلك السنة التي تنتهي
فيها سلسلة لعبة العروش.. للأبد!
لكن ماذا لو سألتك؛ ما هي أسوء سنة في تاريخ البشرية جمعاء؟
ما هي السنة التي حفرت عميقا في ذاكرة البشر؟
لكن ماذا نعني بأسوء سنة في التاريخ البشري وكيف يمكننا تصنيفها؟ وماهي
المقومات التي يمكن أن ننطلق منها لتحديد اختياراتنا؟ هل يجب علينا اختيارها
بمحاولة تقدير لمعاناة الناس؟ بحساب عدد الضحايا؟ حسب مدى الانتشار الجغرافي
للمأساة؟
سنحاول الجمع بين كل ما سبق لاختيار بعض أقتم سنوات الذاكرة البشرية..
رحلة سعيدة بين صفحات التاريخ المظلمة.
النّيزكُ والبركان
في لحظة ما، قبل 65.5 مليون سنة، ارتطم النيزك الذي يُعتقد بأنه أنهى حقبة
الدينصورات. اصطدم بما يُعرف بخليج المكسيك وسبّب أعظم تسونامي في التاريخ
بارتفاع ميل كامل، الذي قام بمسح ساحل أمريكا الشمالية مسحا، ليُسدل السّتار
عن أكبر كارثة أصابت الكوكب الأرضي وكانت قادرة على القضاء على كل أنواع
الحياة فوقها.
لكن الطريف في الأمر أن هذه الكارثة كانت سببا لبزوغ عصر البشر، ربما لو لم
يحدث وأن ارتطم النيزك بكوكبنا لكان عصر الدينصورات استمر أجيالا أخرى، ولما
وجدت الثدييات الصغيرة فرصة للظهور والازدهار.
كارثة أخرى.. لم تأتي من أعماق الفضاء البارد، وإنما انبثقت من بطن الأرض
الحار، كادت تقضي على الجنس البشري نهائيا..
جزيرة سومطرة —اندونيسيا حاليا، في عام ما قبل 74.000 سنة، انفجارٌ بركاني
رهيب تعادل قوته 1.5 مليون قنبلة نووية كالتي ألقيت على هوروشيما، الانفجار
قوي لدرجة أنه كان هناك جبلٌ قبل الانفجار؛ اختفى، وحلّت مكانه بحيرة كبيرة!
غطاء كثيف من الدخان، انطلق يجوب العالم، غطى مناطق شاسعة من آسيا وهدّد
وجود أسلافنا المتمركزين حينها في شرق أفريقيا.
لقد أظلمت السموات واكفهرّت، وانخفضت درجات حرارة الكوكب وحلّ ليلٌ
طويل، شبيه بالليل النووي واستمر لسنوات عديدة لاحقة. انخفضت موارد الغذاء
وانخفضت معها أعداد الناجين، ويوضّح تحليل الدي آن آي للبشر أن عدد الناجين
حينها كان يتراوح بين 3000 و10.000 شخص فقط يمثّلون كلّ أجدادنا، أي
ما يقلّ عن سكّان قرية واحدة في زمننا هذا.
مما يجعل السبع بلايين بشري، الذي يعيشون الآن، من أكبر الفصائل تعدادا وفي
نفس الوقت من أكثرها ترابطا جينيا بسبب هذه الكارثة التي بدأت بالنّار و انتهت
بالجليد.
حاكمُ أوروبا الأسود… 1348
هذه السنوات الأخيرة عُرفت بسنوات انتشار الأمراض والاوبئة: الإيبولا، نقص
المناعة المكتسبة، السرطان.. لكن هذا لا يقارن بالعام 1348، حين ألقى الموت
الأسود ضلاله على أوروبا.
المرض انتشر سريعا عبر طريق الحرير وطرق التجارة عبر البحر المتوسط، وخلال 18
شهرا فقط قتل الطّاعون ما يقارب ثلث سكان أوروبا حينها.
”أمانينا المستقبلية دُفنت جنبا لجنب مع أصدقائنا“ هذا ما كتبه الشاعر الإيطالي
بتراركا.
بدا وكأن نهاية العالم قد حانت، رائحة الموت تعمّ المكان، المقابر لم تعد تكفي لتأوي
كل الجثث، بدا وكأن الموت خرج عن السيطرة تماما، عندها استفحلت مظاهر
الورع الديني وجلد الذات في محاولة لرفع البلاء.
صرّح البعض بأنه يجبُ تفادي كل اتصال شهواني مع النساء واعتزالهن تماما، في
حين أقدم آخرون على السير حفاة مع جلد ظهورهم في محاولة لانقاذ ما يمكن
انقاذه، ولكم أن تتخيّلوا الفوضى العارمة التي أصابت أوربا؛ لعنة من السماء قلبت
موازين الحياة والموت.
ونذكرُ ما كتبه أحد المؤرخين الدمشقيين حينها: ”الطاعون جلس على عرش
الحكم؛ كملك، تسلط على رقاب البشر بالقوة والبطش.“
إن كانت هناك تعزية ما فالموت الأسود كان سابقا لظهور إحدى أكثر العصور
ذهبية في تاريخ البشرية، تميزت بطفرة في الإنفاق وازدهار الفنون وقفزة غير مسبوقة
في الاهتمام بالجمال.
العاصفة بشكل ما تسبق دائما شروق الشمس… 1492
سنة 1492 كانت بداية لسلسلة من الأحداث العالمية التي غيرت التاريخ برمته، في
هذه السنة استطاع الملكان الكاثوليكيان إيزابيلا وفيرديناند بسط نفوذيهما على
الأندلس. خلال بضع سنوات فقط، حوالي نصف مليون مسلم من السكان تم
تقتيلهم واستعبادهم وتهجيرهم وإجبارهم على اعتناق المسيحية غصبا. قامت المملكة
أيضا بطرد السكان اليهود الذي يسكنون البلاد منذ الحقبة الرومانية، ليعانوا كما
عانى المسلمون خلال السنوات القادمة.
المخطط الإسباني ساعد على خلق ما يعرف بفكرة ”أوروبا المسيحية“ التي
استبدلت حقبة من التسامح العقائدي سادت جوانب البحر المتوسط. الحدث
الأهم خلال هذه السنة كان وصول كريستوفر كولومبس للأمريكيتين، كولمبس لم
يكن أول أوروبي يصل هناك كما يعتقد الكثيرون لكن رحلته كانت الأكثر شهرة.
وكنتيجة، قامت اسبانيا ومن ينافسها من الممالك الأخرى بتسريع وتيرة احتلال
القارة الجديدة من أجل الأراضي وتنشيط التجارة واستغلال الموارد، خلال القرن
السادس عشر، أمراض العالم القديم وجدت طريقها نحو العالم الجديد، وبدأت
سلسلة من أمراض الطاعون التي تسببت في فناء حوالي 90 بالمائة من سكان
الأمركيتين بانتصاف القرن التاسع عشر، وكانت سببا في كارثة بشرية ليس لها مثيل
انتهت بطمس هوية هذا الشعب للأبد.
الأسوء جاء لاحقا، بعد تلاشي اليد العاملة الأمريكية، اتجهت أوروبا نحو افريقيا
من أجل جلب قوة عاملة جديدة، ملايين العبيد جُلبوا من افريقيا، قُتلوا أثناء رحلة
نقلهم الغير آدمية.
هذه الأحداث المتلاحقة كانت سببا مباشرا في الحركة الاستعمارية التي قسمت
افريقيا وجعلتها تقبع تحت الجهل والفقر إلى الآن..
نهاية أوروبا القديمة كما نعرفها… 1914
قبل 1914، كانت أوروبا تعيش جوا من الأمان النسبي والازدهار الاقتصادي،
لكن أحدا لم يكن يرى الخراب الآتي الذي غيّر وجه أوروبا والعالم للأبد، أربع
سنوات فقط كانت كفيلة بتدمير العالم القديم وجعله تحت الأنقاض. كما أن
هنالك علاقات مباشرة وغير مباشرة بين الحرب الأولى والحرب الثانية وحرب
الفييتنام وتقسيم الكوريتين وكوارث مازلنا نشهد آثارها حتى الآن.
الموت بلون آخر… 1918
انتهت الحربُ الأولى، وما كادت البشرية تلفظ أنفاسها حتى جثم على صدرها
وحشٌ جديد، قتل بين 2 و5 بالمائة من كل البشر حينها، إنها الإنفلونزا الإسبانية
التي قتلت خلال سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر من نفس السنة أكثر مما قتل مرض الإيدز
منذ أن أصاب الجنس البشري.
أفضع سنة خلال الحرب العالمية الثانية… 1943
وسط عالم يتقاتل بضراوة، تميزت 1943 كسنة شديدة الفظاعة.
اشتدت وطأة الهولوكوست لدرجة مخيفة وقتل*النازيون أكثر من 1.3 مليون يهودي
بحلول ربيع 1943. أخبار هذه الجريمة الفظيعة انتشرت عبر العالم لكن الحلفاء
كانوا يفتقرون للقوة العسكرية والسلطة السياسية اللازمة ليحولوا دون حصول هذه
الكارثة التي كادت تبيدُ اليهود كما حصل مع الهنود سابقا.
أقدم*السياسي البولندي Szmul Zygielbojm من أصول يهودية على
الانتحار بعد أن تم قتلُ زوجته وابنته من قبل النازيين، وترك رسالة انتحار كتب
فيها: ”عبر إنهاء حياتي، أتمنى أن أقوم باحتجاج أخير ضد السلبية التي ينظر بها
العالم لعملية إبادة الشعب اليهودي.“
من جهة أخرى، رفعت الحرب العالمية الثانية من احتياجات بريطانيا للغذاء ومن
صادراتها من مستعمرتها الهند لإطعام الجنود وأفراد الشعب البريطاني، مما سبب
مجاعة عظيمة في مقاطعة البنغال قتلت حوالي 3 مليون شخص.
الآن و قد طفت ببعض من أكثر صفحات التاريخ ظلاما..
هل نقول حمداً لله أننا لم نعاصر ذاك التاريخ !؟
:::::::
|