08-10-2018
|
#3
|
http://www.tra-sh.com/up/uploads/1648853127783.gif
مقتناه أتحفه بها أحد املسافرين، فسأله الغريب: أوليس عندكم نارجيلات من نحاس كالبيضة أو من جوزة الهند؟
ُّ فأجاب الحاني: لم نعد نستعملها من عشرين سنة. ٍّ
– عشرين سنة؟! قال الرجل ذلك متنهد َّ ا، ثم أردف: وما حل بالنوفرة وبصورة نابليون التي كانت معلَّقة على الجدار؟
فنظر إليه الدكاني باندهاش، ثم قال: أنت عارف كل شيء كأنك قضيت عمرك في َّ هذه الضيعة! فاعلم أن ِّ صاحب املحل َّغري َّ من سنتني أشياء كثرية وبد ٍ لها بأثاث جديد، ُه هدم الفسقيَّ َّ ة والنوفرة، وحو َّ ل املاء إلى الجنائن، وملا كلَّس الحيطان ومن جملة ما صنع أنَّ رفع الصورة؛ لأنها صارت قديمة وعلى ظني أصبحت الدكان أحسن من قبل، قال هذه ٍ العبارة بلهجة افتخار ونظرة رجل ُمعجب بنفسه. ُ
لكنه َّ رأى الغريب هز ً رأسه مستنكرا؛ إشارةً ُّ فأردف الحاني َّ كلامه بقوله: أما الصورة فلم تزل باقية عندنا مطروحة في الزوايا، ٍ فشرقت عندئذ ُ أسارير وجه الغريب ودخل معه إلى حيث أشار، ثم عاد يحمل الصورة ِّ ويتأملها بلهفة، وقد دار به ابنا الدكاني يحد ُ قان إليه بدهشة، ويحولان عنه إلى أبيهما ُ نظر مستفهم، ولا ريب أنه ُ أخذ منه الفرح مأخذه؛ إذ كانت تتلى على وجهه أساطري الحب، َّ والفوز ويومض من عينيه املغرورقتني بالدموع برق السرور، حتى إن الصبين مالا إليه َّ أي ٍ ميل.
فأخذ يديهما الناعمتني وقال: تستغربان ما بدا مني ولا يتضح لكما سر ما يخامرني ً ى هذه الصورة، فاعلما أني أنا أيض ُ ا ربيت هنا صغريًا، وطاملا رافقت أبي َ من التأثر ملرأ َّ ع العني بمنظر املاء تتكسر عليه إلى هذا املكان، فكم قضيت ساعات ألعب بالنوفرة، وأمتِّ ً أشعة الشمس فيتناثر دررا في الفسقية، وأنا أرقص طربً َّ ا لهذا املشهد البديع! أما الصورة ُّ فكنت أحب التأمل فيها وتقر عيني بمنظر هذا البطل العظيم، واليوم أمسى الصبي ً رجلا ِ ا في السن، وعلا البياض رأسه وزالت نضارة وجهه ُ ، ذاك الصبي أبعدته صروف طاعنً ِ الدهر عن أوطانه ُ ، وطرحته مطارح الأسفار إلى مجاهل إفريقية الجنوبية، فقضى فيها ِ أكثر من عشرين سنة، ولكنه لا يزال يذكر النوفرة والصورة، كأنه لم يمض َّإلا ٌ يوم من حني جاء به أبوه آخر مرة إلى هذا املكان.
فسأل أحد الصبيني: إذن أنت من بلدنا؟ ً فأجاب الرجل طافح ِ ا بالسرور: نعم من ضيعتكم، لكن هذا التصريح لم يأت بالنتيجة ْ املرغوبة، فإن الصبيني ٍ قابلاه بابتسامة َّ لطيفة ليس إلا، ولم يبديا أدنى اندهاش أو علامة
|
|
|
|
|