08-10-2018
|
#2
|
http://www.tra-sh.com/up/uploads/1648853127783.gif
الطريق وجاء بماء صبَُّه ُ على مشافرها ودفقه بني قوائمها كل ذلك في لحظة، ثم استوى ِ على كرسيه وفرقع بسوطه إيذانً ً ا بالرحيل، والتفت إلى املسافر قائلا: «أنا راجع سيدي إلى ُ بريوت، مر خدمةً»، فكان الجواب: «مع السلامة»، فضغط بالعنان على الخيل يُمنةً فمالت وزجرها، فرسمت نصف دائرة تستقبل بوجهها بريوت، وألهبها ضربًا بالسوط فطارت ْ تنهب الأرض منحدرة في الوهاد إلى أن َ توارت وراء أكمة، فلم يبق منها أثر إلا زوبعة َّ سمع منها إلا ُّ فرقعة السوط ودوي َّ العربة رددهما صدى غبار ثارت، ثم ركدت ولم يعد يُ الروابي حينًا وخمد.
َّ أما املسافر فمشى نحو دكان ُ هناك تلاصق الخان، وكان الدكاني بصر بالعربة ورآه ُ إلى أنه ُ يصف الأواني ويهيئُ ما يلزم، وبادر ً نازلا منها، فأبدى حركات مختلفة إشارةً ِ ف إليه َّ ، وحمل عنه الخريطة وقدم له كرسيٍّا قرب احتفاء بالقادم إلى لقائه، وأكثر من التزلُّ ْ طاولة قد أكل الدهر عليها وشرب، وسأله أن َّ يأمر بما يرغب وعد ُله قبل رجع النفس من املأكول والمشروب ألوانًا وأصنافًا، فطلب الرجل شرابً ً ا مبردا وجلس يتأمل ما حواليه.
وكان طويل القامة — كما سبق القول — يُ ً ناهز الخمسني عام َّ ا، وربما ظن الراني ُ أنه َّ جاوز الستني لو لم يدل نشاطه وبرق عينيه، وابتسام ثغره أن ُ قلبه أنضر شبابًا من ِ وجهه ُ ، على أنه َّ لعب البياض بلم َّ ته وشاربه الكثيف، وتجع ُ د جبينه ُ ووجنتاه، وبدت على ُمحيَّاه أمارات عياء لا يمكن وصفها، وهي آثار ما قاساه من الأكدار واملشاق في صباه ُ بحلول الشيخوخة قبل أوانها، بيد أنه ُّ قوي ُ البنية، راسخ ِ القدم، وقد كان على رأسه ُمنبئةً َّ قبعة بيضاء يلبسها الأوروبيون في البلاد الحار َّ ة، أما ثيابُه فكانت صدرية وسترة من ِني «طماقات» من الجلد الرمادي؛ حتى الجوخ الأسمر، وبنطلون من الكتَّان الأبيض، ورانَ َّ لا يشك من رأى زيَُّه ُ أنه َّجو ٌ ال إنكليزي.
فجاءه ُ الشراب بعد أن أكثر الدكاني وولدان له من الحركة ذهابًا وإيابًا، وهو يراقب الجميع بانعطاف ولسان حاله يقول: أليس فيكم من يعرفني؟ أليس من يخبرني عنها؟ َّومل ْ ا لم يجد من يدرك معناه سعى في مبادلة الحديث فطلب نارجيلة، فما لبث أن أقبل ُّ الدكاني ً حاملا نارجيلةً من الزجاج امللون، لها قلب طويل من الخشب المرصع بعرق ُّ اللؤلؤ، فوقه رأس من النحاس الأصفر اللامع يلتف عليها متلويٍّا، كالأفعى ماربيش أحمر في طرفه حلَ َّ مة من الكهرباء، فوضعها على الأرض، وحل َّ املاربيش وثنى طرفه وقد ُمه بكل ً احترام للضيف قائلا: «هاك سيدي أركيلة لا يوجد مثلها في البلاد»، وكانت تلك أفخر
|
|
|
|
|