قُلْ للنَّقِيبِ لقد زُرْنَا فَضِيلَتَهُ
قُلْ للنَّقِيبِ لقد زُرْنَا فَضِيلَتَهُ
فذَادَنا عنه حُرّاسٌ وحُجّابُ
قَدْ كان بَابُكَ مَفْتُوحاً لقاصِدِه
واليومَ أُوصدَ دُونَ القاصِدِ البابُ
هلاّ ذَكَرتَ بدارِ الكُتبِ صُحبَتَنا
إذْ نَحنُ رغمَ صُرُوف الدَّهرِ أحبابُ
لو أنّني جِئتُ للبابا لأكرَمَني
وكان يُكرِمُني لو جِئتْهُ الباب
لا تَخشَ جائِزَة ً قد جِئتُ أطلُبُها
إنِّي شَريفٌ وللأشرافِ أحسابُ
فاهْنَأ بما نِلْتَ مِنْ فَضْلٍ وإِنْ قُطِعَتْ
بَيْني وبَيْنَكَ بَعْدَ اليَومِ أسْبابُ
قَضَّيْتُ عَهْدَ حداثتِي
قَضَّيْتُ عَهْدَ حداثتِي
ما بينَ ذُلٍ واغترابْ
لَم يُغنِ عَنّي بَينَ مَشْـ
ـرِقِهَا ومغْرِبِهَا اضطرابْ
صَفِرَتْ يَدِي فحَوَى لها
رأسِي وجَوفِي والوِطابْ
وأنا ابنُ عَشْرٍ ليس في
طَوقِي مُكافحة ُ الصِّعابْ
لمْ يبقَ منْ أهلِي سِوَى
ذِكْرٍ تَناساهُ الصِّحابْ
أَمْشي يُرَنِّحُني الأَسَى
والبؤسُ ترنيحَ الشَّرابْ
فلَكَمْ ظَلِلْتُ على طَوَى
يومِي وبِتُّ علّى تبابْ
والجُوعُ فَرَّاسٌ له
ظُفْرٌ يَصُولُ به ونَابْ
فكأنّه في مُهجتَي
نَصْلٌ تغلغلَ للنِّصابْ
كم مَرَّ بِي فيِكِ عَيْشٌ لَسْتُ أَذْكُرُه
كم مَرَّ بِي فيِكِ عَيْشٌ لَسْتُ أَذْكُرُه
ومَرَّ بِي فيكِ عَيْشٌ لَسْتُ أَنْساهُ
وَدَّعْتُ فيكِ بَقايا ما عَلِقْتُ به
مِنَ الشّباب وما وَدَّعْتُ ذِكْراهُ
أَهْفُو إليه على ما أَقْرَحَتْ كَبِدِي
مِنَ التَّبارِيحِ أولاَهُ وأُخْراهُ
لَبِسْتُهِ ودُمُوعُ العَيْنِ طَيِّعَة ٌ
والنفسُ جَيَّاشَة ٌ والقَلْبُ أَوّاهُ
فكان عَوْني على وَجْدٍ أُكابِدُه
ومُرِّ عَيْشٍ على العِلاّتِ أَلْقاهُ
قد أَرْخَصَ الدَّمْعَ يَنْبُوعُ الغَناءِ به
وا لَهْفَتِي ونُضُوبُ الشَّيْبِ أَغْلاهُ
كم رَوَّحَ الدمعُ عَنْ قَلْبي وكم غَسَلَتْ
منه السَّوابِقُ حُزْناً في حناياهُ
لَم أَدْرِ ما يَدُه حتى تَرَشَّفَه
فَمُ المَشِيبِ على رَغْمِى فأَفْناهُ
قالوا تَحرَّرْتَ مِنْ قَيْدِ المِلاحِ فعِشْ
حُراً فَفِي الأَسْرِ ذُلٌ كُنتَ تَأباهُ
فقُلْتُ يا لَيْتَه دامَتْ صَرامَتُه
ما كان أَرْفَقه عندي وأَحْتاهُ
بُدِّلْتُ منه بقَيْدٍ لَسْتُ أفْلَتُه
وكيف أفْلَتُ قَيْداً صاغَهُ اللهُ
أَسْرَى الصَّبابَة ِ أَحْياءٌ وإنْ جَهِدُوا
أَمّا المَشِيبُ ففِي الأَمْواتِ أَسْراهُ
لمِصرَ أم لرُبُوعِ الشَّأمِ تَنْتَسِبُ
لمِصرَ أم لرُبُوعِ الشَّأمِ تَنْتَسِبُ
هُنا العُلا وهُناكَ المجدُ والحَسَبُ
رُكْنانِ للشَّرْقِ لا زالَتْ رُبُوعُهُما
قَلْبُ الهِلالِ عليها خافِقٌ يَجِبُ
خِدْرانِ للضّادِ لَم تُهْتَكْ سُتُورُهُما
ولا تَحَوَّلَ عن مَغْناهُما الأدَبُ
أمُّ اللُّغاتِ غَداة َ الفَخْرِ أَمُّهُما
وإنْ سَأَلْتَ عن الآباءِ فالعَرَبُ
أَيَرْغَبانِ عن الحُسْنَى وبَيْنَهُما
في رائِعاتِ المَعالي ذلك النَّسَبُ
ولا يَمُتّانِ بالقُربى وبينَهُما
تلكَ القَرابة ُ لَمْ يُقْطَعْ لها سَبَبُ؟
إذا ألَمَّتْ بوادي النِّيلِ نازِلَة ٌ
باتَتْ لها راسِياتُ الشّأمِ تَضطَرِبُ
وإنْ دَعَا في ثَرَي الأَهْرامِ ذُو
أَلَمٍ أَجابَهُ في ذُرَا لُبْنانَ مُنْتَحِبُ
لو أَخْلَصَ الِّنيلُ والأرْدُنُّ وُدَّهما
تَصافَحَتْ منهما الأمْواهُ والعُشُبُ
بالوادِيَيْنِ تَمَشَّى الفَخرُ مِشيَتَه
يَحُفُّ ناحيَتَيْه الجُودُ والدَّأَبُ
فسالَ هذا سَخاءً دونَه دِيَمٌ
وسالَ هذا مَضاءً دونَه القُضُبُ
نسيمَ لُبنانَ كم جادَتْكَ عاطِرَة ٌ
من الرِّياضِ وكم حَيّاكَ مُنْسَكِبُ
في الشَّرقِ والغَربِ أنفاسٌ مُسَعَّرَة ٌ
تَهْفُو إليكَ وأكبادٌ بها لَهَبُ
لولا طِلابُ العُلا لم يَبتَغُوا بَدَلاً
من طِيبِ رَيّاكَ لكنّ العُلا تَعَبُ
كم غادَة ٍ برُبُوعِ الشّأمِ باكيَة ٍ
على أَليِفٍ لها يَرْمِي به الطَّلَبُ
يَمْضِي ولا حِيلَة ٌ إلاّ عَزِيمَتُه
ويَنثَني وحُلاهُ المَجدُ والذَّهَبُ
يَكُرُّ صَرفُ اللَّيالي عنه مُنقَلِباً
وعَزْمُه ليسَ يَدْرِي كيفَ يَنْقَلِبُ
بِأَرْضِكُولُمْبَأَبْطالٌ غَطارِفَة ٌ
أسْدٌ جِياعٌ إذا ما وُوثِبُوا وَثَبُوا
لَم يَحْمِهمْ عَلَمٌ فيها ولا عُدَدٌ
سوى مَضاءٍ تَحامَى وِرْدَهُ النُّوَب
أسطُولُهُمْ أمَلٌ في البَحرِ مُرتَحِلٌ
وجَيْشُهُمْ عَمَلٌ في البَرِّ مُغْتَرِبُ
لهم بكُلِّ خِضَمٍّ مَسرَبٌ نَهَجٌ
وفي ذُرَا كُلِّ طَوْدٍ مَسْلَكٌ عَجَبُ
لَمْ ثَبْدُ بارِقَة ٌ في أفْقِ مُنْتَجَعٍ
إلاّ وكان لها بالشامِ مُرتَقِبُ
ما عابَهُم انّهُم في الأرضِ قد نُثِرُوا
فالشُّهبُ مَنثُورَة ٌ مُذ كانت الشُّهُبُ
ولَمْ يَضِرْهُمْ سُرَاءَ في مَناكِبِها
فكلّ حَيِّ له في الكَوْنِ مُضْطَرَبُ
رَادُوا المَناهِلَ في الدُّنْيا ولو وَجَدُوا
إلى المَجَرَّة ِ رَكباً صاعِداً رَكِبُوا
أو قيلَ في الشمسِ للرّاجِينَ مُنْتَجَعَ
مَدُّوا لها سَبَباً في الجَوِّ وانتَدَبُوا
سَعَوا إلى الكَسْبِ مَحْمُوداً وما فَتِئَتْ
أمُّ اللُّغاتِ بذاكَ السَّعْي تَكْتَسِبُ
فأينَ كان الشَّآمِيُّونَ كان لها
عَيْشٌ جَدِيدٌ وفَضْلٌ ليسَ يَحْتَجِبُ
هذي يَدي عن بني مِصرٍ تُصافِحُكُم
فصافِحُوها تُصافِحْ نَفسَها العَرَبُ
فما الكِنانَة ُ إلاّ الشامُ عاجَ على
رُبُوعِها مِنْ بَنِيها سادَة ٌ نُجُبُ
لولا رِجالٌ تَغالَوا في سِياسَتِهِم
مِنّا ومِنْهُمْ لَمَا لمُنْا ولا عَتَبُوا
إِنْ يَكْتُبوا لِيَ ذَنْباً في مَوَدَّتِهمْ
فإنّما الفَخْرُ في الذَّنْبِ الذي كَتَبُوا
لا تلم كفى إذا السيف نبا
لا تلم كفى إذا السيف نبا
صح منى العزم و الدهر أبى
رب ساع مبصر فى سعيه
أخطأ التوفيق فيما طلبا
مرحبا بالخطب يبلونى إذا
كانت العلياء فيه السببا
عقنى الدهر و لولا أننى
أوثر الحسنى عققت الأدبا
إيه يا دنيا اعبسى أو فابسمى
ما أرى برقك إلا خلبا
أنا لولا أن لى من أمتى
خاذلاً ما بت أشكو النوبا
أمة قد فت فى ساعدها
بغضها الأهل و حب الغربا
تعشق الألقاب فى غير العلا
و تُفدى بالنفوس الرتبا
و هى و الأحداث تستهدفها
تعشق اللهو و تهوى الطربا
لا تبالى لعب القوم بها
أم بها صرف الليالى لعبا
ليتها تسمع منى قصةً
ذات شجو و حديثا عجبا
كنت أهوى فى زمانى غادة
وهب الله لها ما وهبا
ذات وجه مزج الله به
صفرة تنسى اليهود الذهبا
حملت لى ذات يوم نبأً
لا رعاك الله يا ذاك النبا
و أتت تخطر و الليل فتى
و هلال الأفق فى الأفق حبا
ثم قالت لى بثغر باسم
نظم الدرّ به و الحببا
نبئونى برحيل عاجل
لا أرى لى بعده منقلبا
و دعانى موطنى أن أغتدى
علنى أقضى له ما وجبا
نذبح الدب و نفرى جلده
أيظن الدب ألا يغلبا
قلت و الالام تفرى مهجتى
ويك ما تفعل فى الحرب الظبا
ما عهدناها لظبى مسرحا
يبتغى ملهى به أو ملعبا
ليست الحرب نفوسا تشتهى
بالتمنى أو عقولا تستبى
أحسبت القد من عدتها
أم حسبت اللحظ فيها كالشبا
فسلينى إننى مارستها
و ركبت الهول فيها مركبا
و تقحمت الردى فى غارة
أسدل النقع عليها هيدبا
قطبت ما بين عينيها لنا
فرأينا الموت فيها قطبا
جال عزرائيل فى أنحائها
تحت ذاك النقع يمشى الهيذبى
فدعيها للذى يعرفها
و الزمى يا ظبية البان الخبا
فأجابتنى بصوت راعنى
و أرتنى الظبى ليثا أغلبا
إن قومى استعذبوا ورد الردى
كيف تدعونىَ ألا أشربا
أنا يابانية لا أنثنى
عن مرادى أو أذوق العطبا
أنا إن لم أحسن الرمى و لم
تستطع كفاى تقليب الظبا
أخدم الجرحى و أقضى حقهم
و أواسى فى الوغى من نُكبا
هكذا الميكاد قد علمنا
أن نرى الأوطان أماً و أبا
ملك يكفيك منه أنه
أنهض الشرق فهز المغربا
و إذا مارسته ألفيته
حُوّلا فى كل أمر قلبا
كان و التاج صغيرين معاً
و جلال الملك فى مهد الصبا
فغدا هذا سماء للعلا
و غدا ذلك فيها كوكبا
بعث الأمة من مرقدها
و دعاها للعلا أن تدأبا
فسمت للمجد تبغى شأوه
و قضت من كل شئ مأربا
|