12-27-2015
|
#3
|


احترس من هذا الاثم العظيم .....

عن أبي جهيم رضي الله عنه قال: قال رسول الله 
"لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم، لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن
يمر بين يديه قال أبو النضر لا أدري أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة".

*المعنى العام *
حرص الشارع الحكيم على تقديس الصلاة، وحمايتها من مظاهر اللهو والعبث،
وحماية ساحتها من الاعتراض، وتوفير وسائل الخشوع والمناجاة فأمر المصلي بأن يحجز مكان صلاته
من مرور الناس، بجدار أو بعصا أو بساتر ما، وحذر المار من أن يمر بين يدي المصلي، وخوفه بالوعيد
الشديد الذي يستصغر أمام هوله أن يقف أربعين سنة انتظارا لانتهاء المصلي من صلاته، لو قدر له
أن يبقى في صلاة هذه المدة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة، فلم يكن يصلي
إلا إلى ساتر، وكان أحيانا يتخذ بعيره ساترا، وأحيانا يتخذ الجدار، وأحيانا يتخذ الإسطوانة في المسجد،
وحرض المصلي، إن اعتدى على قداسة موضع صلاته أحد بالمرور بين يديه، أن يدفعه بيده دفعا خفيفا،
فإن لم يمتنع دفعه بما هو أشد إلى أن يصل إلى المنع إلا بالمقاتلة كان له أن يقاتله،
وهكذا يوفر الإسلام للمصلي وسائل وظروف الخشوع، ويهيئ له ظروف الانصراف إلى الله بقلبه
وجوارحه في صلاته إنها مناجاة الله.

*فقه الحديث *
هذا الحديث يوجه المار بين يدي المصلي وينذره ويحذره، وهناك في الصحيح أحاديث أخرى توجه المصلي أن يقي نفسه ومكانه من أن يمر أحد بين يديه، فعن ابن عمر "أن النبي كان يصلي إلى راحلته"
وفي رواية "صلى إلى بعيره" وفي حديث "كان يغرز العنزة -أي الحربة -ويصلي إليها" وفي حديث كان يعرض راحلته وهو صلى إليها وفي حديث إذا وضع أحدكم بين يده مثل مؤخرة الرحل وهو العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك وفي حديث أبي سعيد الخدري "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع، فإن أبي فليقاتله، فإنما هو شيطان" فالموضوع ككشف العورة والنظر إليها، كل من الناظر والمنظور عليه واجب، وتقصير أحدهما في واجبه لا يبرر تقصير الآخر، وإذا كان على المصلي أن يتخذ سترة كان على المار أن لا يمر بين المصلي وسترته، ولا بين يديه إن لم يتخذ سترة.
قال النووي: ولا خلاف أن السترة مشروعة إذا كان في موضع لا يأمن المرور بين يديه، واختلفوا إذا كان في موضع يأمن المرور بين يديه، ومذهبنا أنها مشروعة مطلقا.اهـ. وهل الخط في الأرض أو على الرمل يقوم مقام السترة عند عدمها؟ المختار استحبابه إذا لم يجد غيره، إذ به ثبت حريم للمصلي، وفي كيفيته قيل:
يجعله مقوسا كالهلال، وقيل: أفقيا معترضا بينه وبين القبلة، وقيل: يخطه يمينا وشمالا، ويستحب أن يدنو المصلي من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود، وكذلك بين الصفوف وسترة الإمام سترة لمن خلفه.
وإطلاق الأربعين في إثم المار بين يدي المصلي للمبالغة في تعظيم الأمر على المار وليس العدد مرادا، فقد ورد عند ابن ماجه "لكان أن يقف مائة عام خيرا من الخطوة التي خطاها" ولا شك أن الإثم يختص بمن يعلم النهي وارتكبه، إذ قوله "لو يعلم المار" دليل على توقف هذا الجزاء على العلم.
وقد قسم بعض المالكية أحوال المار والمصلي في الإثم إلى أربعة أقسام:
1- يأثم المار دون المصلي، كأن يصلي إلى سترة في شارع غير مطروق.
2- يأثم المصلي دون المار، كأن يصلي في طريق مشروع مسلوك بغير سترة ولا يجد المار
مندوحة [هذا غير مسلم، بل على المار أن يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته].
3- يأثم المصلي والمار جميعا، كأن يصلي في طريق مسلوك بغير سترة ويجد المار مندوحة، فيأثمان.
4- لا يأثمان، كأن يصلي إلى سترة في غير طريق مشروع، ولم يجد المار مندوحة
[وهذا أيضا غير مسلم، بل على المار أن يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته].
أما كيف يفعل إذا رأى مارا بينه وبين سترته؟ فإن الأحاديث تأمر بمنعه من المرور،
ففي مسلم عن أبي صالح السمان قال: بينما أنا مع أبي سعيد يصلي يوم الجمعة إلى شيء يستره،
إذ جاءه رجل شاب من بني أبي معيط، أراد أن يجتاز بين يديه، فدفع في نحره، فنظر
فلم يجد مساغا إلا بين يدي أبي سعيد، فعاد، فدفع في نحره أشد من الدفعة الأولى، فمثل قائما،
فنال من أبي سعيد، ثم زاحم الناس فخرج، فدخل على مروان، فشكا إليه ما لقي .
قال: ودخل أبو سعيد على مروان، فقال له مروان: مالك ولابن أخيك؟ جاء يشكوك.
فقال أبو سعيد: سمعت رسول الله يقول "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس،
فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان".
والذي عليه جمهور الفقهاء أنه يستحب للمصلي إلى سترة أن يشير للمار أو يسبح إذا كان بعيدا عنه،
وليس له أن يمشي إليه ليرده، فإن كان قريبا منه استحب له أن يرده برفق بيده، فإن أبى فله أن يدفعه بشدة،
ثم له أن يقاتله بغير سلاح، فإن هلك فلا قود عليه باتفاق، وفي وجوب ديته مذهبان.
والجمهور على أن الصلاة لا يقطعها مرور من مر، وفي رواية عن أحمد يقطعها مرور الكلب الأسود،
وفي النفس من قطعها بمرور الحمار والمرأة شيء واستند إلى أحاديث قال عنها الجمهور: إنها منسوخة
أو مؤولة، وهذه الأحاديث وتأويلها مذكورة في كتابنا فتح المنعم فليرجع إليها من شاء.
 |
|
|
|
|