12-27-2015
|
#9
|


ما أمرنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الوضوء ...
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
"إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ
أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين
باتت يده".

*المعنى العام *
أعلى درجات النظافة، وأسمى مراتب الطهارة، أن نطلب من النظيف أن يزداد
نظافة، وأن نكلف احتياطا برفع ما يتوهم من وسخ، وأن نطلب المبالغة في غسل
ما لا يهتم بغسله، كجيوب الأنف، والمبالغة في استبراء النجاسة ولو مع تحقق
إزالتها. هذا ما يرمي إليه الحديث الشريف فهو يأمر أن يدخل المتوضئ الماء
في أنفه وخياشيمه، ثم يدفعه من الأنف إلى الخارج ليخرج مع الماء ما يحتمل
وجوده في منحنيات الأنف. ويأمر المستجمر بالأحجار المنقى بها بقايا البول
أو الغائط أن يجعل الحجارة وترا، فإن نقى المكان بحجرين زاد ثالثا، وإن نقى
بأربعة زاد خامسا وإن نقى بستة زاد سابعا وهكذا.
ويأمر المسلم إذا استيقظ من نومه أن لا يدخل يده في ماء في إناء، أو في
إناء فيه سائل حتى يغسلها ثلاث مرات، قل نومه أو كثر، فخر فراشه أو حقر،
غسل يده قبل أن ينام أو لم يغسلها، فإنه لا يدري إلى أين تحركت يده أثناء
نومه، وإلى أي المستقذرات تعرضت، قد تكون احتكت بمناعم الجسم بين الفخذين،
أو تحت الإبط، فعلق بها عرق خبيث أو ريح كريه وقد تكون قد دلكت مداخل الأنف
وإفرازاته، أو إفرازات العين فأصابها ما لو وضع في سائل آذاه، ومبدأ
الإسلام النظافة والحرص على نقاء اليد وطهارة السائل وصلاحيته للشرب دون
تقزز أو اشمئزاز.
فعلى من قام من نومه أن يغسل يديه، بأن يصب عليهما ماء في الخارج قبل أن
يغمسهما في الإناء حتى من لا يعتقد تلوثهما، فإن شك في تلوثهما كان أولى به
وأحرى وألزم، وكلما طال النوم، وكلما كان احتمال التعرض للتلوث أكثر كان
الطلب آكد. والله أعلم.

*فقه الحديث *
يتناول الحديث ثلاث مسائل فقهية:
الأولى: الاستنشاق والاستنثار في الوضوء، وكمال الاستنثار بإيصال الماء إلى
داخل الأنف، وجذبه بالنفس إلى أقصاه، ثم الاستنثار وطرد الماء مع ما في
الأنف إلى الخارج، وتستحب المبالغة في الاستنشاق إلا أن يكون صائما، وأقل
الاستنشاق إدخال قليل من الماء في مقدم الأنف وفتحتيه.
ومذهب مالك والشافعي وأصحابهما أن الاستنشاق سنة في الوضوء والغسل، وحملوا
الأمر في الحديث على الندب، والمشهور عن أحمد أنه واجب في الوضوء والغسل،
لا يصحان بدونه، وهو مذهب داود الظاهري وحملوا الأمر على الوجوب، وقالوا:
لم يحك أحد ممن وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاستقصاء أنه
ترك الاستنشاق، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه أنه واجب في الغسل دون الوضوء.
أما الاستنثار فهو مستحب، وليس بواجب باتفاق. وكمال كيفيته أن يطرح الماء
من أنفه برفق، لئلا يصيب ما حوله، وأن يستعين في ذلك بأصابع يده اليسرى،
يضغط برفق على فتحتي الأنف.
المسألة الثانية: الوتر في الاستجمار، ويرى الشافعية والحنابلة أنه لا بد
في الاستنجاء والاكتفاء بالأحجار من إزالة عين النجاسة، واستيفاء ثلاث
مسحات، ولو استنجى بحجر واحد له ثلاثة أطراف، فمسح بكل طرف مسحة أجزأه، وإن
كانت الأحجار الثلاثة أفضل من حجر له ثلاثة أحرف، للقبل ثلاثة أحجار،
وللدبر ثلاثة أحجار، إذا حصل الإنقاء بها، فإن لم يحصل الإنقاء بها وجب
رابع، فإن حصل الإنقاء به استحب خامس للإيتار به, وهكذا يجب الإنقاء مهما
زاد، ويستحب الإيتار.
وذهب المالكية والحنفية إلى أن الشرط الإنقاء فقط ولو حصل بحجر واحد ومسحة
واحدة، وقالوا: إن أحاديث الثلاثة محمولة على الندب مبالغة في الإنقاء.
وهل تقوم الخرق والورق المتشرب مقام الأحجار؟ التحقيق نعم، لأن المعنى فيه
أن يكون مزيلا مانعا من الانتشار، ولهذا قال الشافعية: والذي يقوم مقام
الحجر كل جامد [فلا يصلح الرطب] طاهر، مزيل للعين، [فلا يصلح الزجاج] ليس
له حرمة كحيطان المساجد، وأوراق كتب العلم، ولا هو جزء من حيوان، وزاد
بعضهم أن لا يكون نفيسا، فلا يصلح بالذهب والفضة واللآلي. **
هذا وقد قال النووي: الذي عليه الجماهير من السلف والخلف وأجمع عليه أهل
الفتوى من أئمة الأمصار أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر فيستعمل الحجر
أولا، لتخف النجاسة، وتقل مباشرتها باليد، ثم يستعمل الماء، فإن أراد
الاقتصار على أحدهما مع وجود الآخر جاز، والماء حينئذ أفضل من الحجر، لأن
الماء يطهر المحل طهارة حقيقية، وأما الحجر فلا يطهره، وإنما يخفف النجاسة،
ويبيح الصلاة مع النجاسة المعفو عنها.
المسألة الثالثة: غسل اليدين قبل إدخالهما إناء السائل، إن قام من النوم.
ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحققين أن غسل اليدين قبل غمسهما لمن قام من
النوم، أو شك في نجاستهما مندوب، ويكره تركه، وذهب الإمام أحمد إلى وجوب
الغسل عند القيام من نوم الليل دون نوم النهار، والجمهور على أن الماء لا
ينجس إذا غمس يده فيه قبل غسلهما، لأن الأصل في اليد والماء الطهارة، فلا
ينجس بالشك. والله أعلم.
 |
|
|
|
|