الموضوع: مواكب الحزن
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 04-22-2015
    Female
لوني المفضل Blanchedalmond
 عضويتي » 25451
 جيت فيذا » Sep 2013
 آخر حضور » 07-29-2021 (09:26 PM)
آبدآعاتي » 479,673
الاعجابات المتلقاة » 22
الاعجابات المُرسلة » 0
 حاليآ في » في وريده
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » هدوء has a reputation beyond reputeهدوء has a reputation beyond reputeهدوء has a reputation beyond reputeهدوء has a reputation beyond reputeهدوء has a reputation beyond reputeهدوء has a reputation beyond reputeهدوء has a reputation beyond reputeهدوء has a reputation beyond reputeهدوء has a reputation beyond reputeهدوء has a reputation beyond reputeهدوء has a reputation beyond repute
مشروبك
قناتك
اشجع
مَزآجِي  »
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي مواكب الحزن





استيقظتْ فاطمةُ مِن نومها تتحسَّس جرحها المضمد بالشاش والقُطن، وباليد الأخرى تتحسَّس فراغ السرير بِجوارها، تَشْهَق في حزن: إنَّه فارغٌ مِثْل قلبها إلاَّ مِن الحزن ومواكبِه التي تحطُّ عندَ عتبته، في كلِّ مرة تحمَل وتنقضي شهورُ الحمل بطيئة، تتعلَّق سلاحِف الوقت بأهدابِ شُهورها، تنتظر أن تَضعَ حملها في سلام، ثلاث مرَّات تحمل وتلد مولودًا لا حياةَ فيه، في الشهر السابع بطنها يلفظ حملَها وكأنَّه كائنٌ غريب أو فيروس دَخيل، كل خلايا جِسمها المضادَّة تنشط وتتكالَب عليه لإسقاطِه مِن رحمها!

تَبارَى الأطباء في إعطائها كلَّ أدوية التثبيت، وهي أيضًا لم تألُ جهدًا بالبَقاء مقيَّدةً بالسَّرير لا تبْرحه إلاَّ قليلاً يساعدها زوْجُها الذي يُشفِق على جسدِها الواهن مِن مشاق الحمْل والمخاض القَسري، يرْجوها أن تنسَى موضوعَ الإنجاب وتعيش حياتَها كامرأة محبَّة لزوجها، ويَكفيه طلَّتها التي تَذوي يومًا بعدَ يوم.

ما زالتْ تتحسَّس بقية السَّرير الفارغ، وفاضتْ دموعُها تغرق وجهَها الأصفر المتَّشح بالمرض والحزن، حتى اصطدمتْ يدُها بشيءٍ ما، خمنت أن يكون هذا الشيء جزءًا مٍن الغطاء، أغمضتْ عينيها وهى تتحسَّسه جيدًا، إنَّه لفافة وتحتَها مخلوقٌ صغير، بيد مرتعِشة وكأنها تقرأ حروف برايل في رِقَّة متناهية صعدتِ الأصابع لمقدِّمة اللفة حتى عثرتْ على ملامح صغيرة تظنُّ أنَّها تشبهها كثيرًا، فرَّتْ طيور الحزن إلى شجرةٍ أخرى لا تُشبه قلبها، وأمعنتْ في إغماض عينيها لتتحقَّق مِن أنَّ الحُلم لم يعدْ حُلمًا وأنَّ وليدَها بجوارها نائمٌ في سلام.

ترسم لوحةً مشتهاة مِن أحلامه هو، ألوان الحياة تغمُر المشهد بذهنها - هي - سينادِي عليها وهو يلهو/ يلعب/ يبكي/ يعربد/ يتطوَّح عند قدميها مِن شدة إعياء اللعب، ستعاين كلَّ هذا برُوحها ولن تسمحَ له بالغياب أو الاختباء في مكانٍ ما بالبيت، سيظلُّ أمامَ عينيها تبتهل لربَّ العالمين وتُصلِّي له أن يحفظَه ويرعاه ويجعلَه قرَّة عين لها ولأبيه.

ما زالت يدها مطبقةً على اللفة حتى جاءَ زوجها أيقظَها مِن أحلام يقظتها مبتسمًا كعادته، الشفقة تراود ابتسامتَه، إنَّها لا تحب ابتسامته في ذلك الوقت، يُخبرها عن طريق تلك الابتسامةِ أنها فقدت للتوِّ وليدَها الذي لم يكتملْ عمره سوى بِضع ساعات، تشجُب تلك الابتسامة، تتوسَّل إليه بعينين باكيتين أن يتركَ ابتسامته تلك لدَى الباب، وأن يسمحَ لها بالاحتفاظ بوليدها.

يحاول حملَه بعيدًا عنها وهو يَربتُ على يدِها برفق، لغة العيون كانتْ بليغةً لدرجة جعلتْها غير قادرةٍ على الصراخ، وهو يرجوها أن تتركَ اللفة؛ فهي لا تخصُّها الآن، أوْمأ لها بإجابة التساؤل الذي لا تُريد إجابتَه في تلك اللحظات؛ بهزِّ رأسه بالإيجاب، الصرخة مكتومةٌٌ بصدرِها تَروي شجرةَ الحزن التي نمَت بقلبِها ومواكب أُخرى مِن طيوره تسكُن بقلبها، غير أنَّها رغمَ كل هذا شعرتْ بماء باردٍ يندلق بجوفها، وشربة ماء لم تعرفْ له مِن قبل سميًّا يروي ظمأَها عندَما نطقت قائلة:

يا ربِّ!

طيورُ الحزن تبدل لونها الأسود بطيورٍ بيضاء، وهي تُهدي لها ألوانًا مبهجة تُنير رُوحَها ومواكب مِن أطفال وقد ارتدوا ملابسَ ملوَّنة زاهية يراودون أحلامَها ويؤنسون وحدتَها، وقد أراحتها ابتهالاتُهم وتسبيحاتُهم لله، أخذتْ تسبح معهم ودموعها تتساقَط كمطرٍ خفيفٍ على وجه وليدها، وهي تعطيه عن طِيب خاطر لزَوجِها وقدْ غمرها الرِّضا بما قسَمه الله لها، تودِّعه مفتوحةَ العينين، وتحفَظ ملامحَه؛ كي تستعيدَه مرةً أخرى بأحلامِها مع إخوتِه الآخرين.



 توقيع : هدوء


رد مع اقتباس