![]() |
سُورَةُ الْمَسَدِ
سُورَةُ الْمَسَدِ
سُورَةُ (تَبَّتْ): سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ[1]، وَآيُهَا خَمْسُ آياتٍ. أَسْمَاءُ السُّورَةِ: وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمَائِهَا: سُورَةُ (تَبَّتْ)، وَسُورَةُ (الْمَسَدِ)، وَسُورَةُ (أَبِي لَهَبٍ)، وَسُورَةُ (اللَّهَبِ)، وَسُورَةُ (مَا كَانَ مِنْ أَبِي لَهَبٍ)[2]. الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ: اِحْتَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى مَقَاصِدَ عَظِيمَةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا[3]: • الْبَتُّ وَالْقَطْعُ بِخُسْرَانِ الْكَافِرِ، وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ الْخَلْقِ إِلَى أَعْظَمِ الْفَائِزِينَ. • زَجْرُ أَبِي لَهَبٍ وَوَعِيدُهُ وَوَعِيدُ امْرَأَتِهِ. سَبَبُ النُّزُولِ: جَاءَ فِي ذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ: مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين ﴾ [الشعراء:214]،وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهْ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي فُلاَنٍ يَا بَنِي فُلاَنٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْه، فَقَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهذَا؟ ثُمَّ قَامَ؛ فَنَزَلَتْ هذِهِ السُّورَةُ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ»[4]. شَرْحُ الْآيَاتِ: قَولُهُ: ﴿ تَبَّتْ ﴾، أي: هَلَكَتْ أَوْ خَسِرَتْ[5]، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَاب ﴾ [غافر:37]، أَيْ: في هَلاكٍ[6]، ﴿ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ نَفْسُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة:195][7]، ﴿ وَتَب ﴾، إخْبارٌ بَعْدَ دُعَاءٍ، كَقَوْلِهِمْ: أَهْلَكَهُ اللَّهُ، وقَدْ هَلَكَ[8]. قَولُهُ: ﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب ﴾، أَيْ: لَا يُغْنِي مَا جَمَعَ مِنَ الْمَالِ، وَلَا مَا كَسَبَ مِنَ الْوَلَدِ وَالْجَاهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي دَفْعِ شَيْءٍ مِن عَذَابِ اللهِ إِذَا نَزَلَ بِهِ[9]. قَولُهُ: ﴿ سَيَصْلَى ﴾، أي: سَيَدْخُلُ، ﴿ نَارًا ﴾، وَنُكِّرَتْ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّهْوِيلِ، ﴿ ذَاتَ لَهَب ﴾ تَتَوَقَّدُ، وَاللَّهَبُ هُوَ: الشَّرَرُ الْمُتَطَايرُ مِن عِظَمِ وَهَجِ النَّارِ[10]. قَولُهُ: ﴿ وَامْرَأَتُهُ ﴾، وَهِيَ أُمُّ جَمِيلٍ، وَاسْمُهَا أَرْوَى بِنْتُ حَرْبٍ، أُخْتُ أَبِي سُفْيانَ رضي الله عنه [11]، ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب ﴾ وَوُصِفَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ، وَتُلْقِيهِ في طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ الْحَطَبَ فِي جَهَنَّمَ[12]. قَولُهُ: ﴿ فِي جِيدِهَا ﴾، أَيْ: عُنُقِهَا[13]، ﴿ حَبْلٌ مِّن مَّسَد ﴾، أي: حَبْلٌ مُحْكَمٌ مِنْ لِيفٍ شَدِيدٌ خَشِنٌ، وَهَذا لِشِدَّةِ عَدَاوَتِهَا لِلنَّبِيِّصلى الله عليه وسلم جَعَلَ اللهُ في عُنُقِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَبْلًا مِنْ لِيفٍ كَالْقِلَادَةِ حَوْلَ الْعُنُقِ[14]. بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب ﴾ [المسد:1]: الْكَثِيرُ مِنَ الاِسْتِنْبَاطَاتِ وَالْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ: أولًا: أَبُو لَهَبٍ وَمَا قِيلَ في كُنْيَتِهِ: أَبُو لَهَبٍ: هُوَ أَحَدُ أَعْمَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو لَهَبٍ، وَقَدِ اشْتُهِرَ بِكُنْيَتِهِ، وَعُرِفَ بِها لِوَلَدٍ لَهُ يُقالُ لَهُ: لَهَبٌ، أَوْ لِشِدَّةِ جَمَالِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَقِيلَ: إِنَّ كُنْيَتَهُ أَبُو عُتْبَةَ، وَأَمَّا أَبُو لَهَبٍ فَلَقَبٌ لُقِّبَ بِهِ لِجَمَالِهِ، وَلَيْسَ بِكُنْيَةٍ[15]. ثانيًا: هَلَاكُ أَبِي لَهَبٍ وَكُلِّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ: في الْآيَةِ: دُعَاءٌ عَلَى أَبِي لَهَبٍ بِالْهَلاكِ وَالْخُسْرَانِ فِي الدُّنْيَاَ وَالْآخِرَةِ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَتَب ﴾: دَلِيلٌ عَلَى حُصُولِ الْخَسَارَةِ وَالْهَلَاكِ لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ وَتَب ﴾ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ، أَيْ: وَقَدْ حَصَلَ لَهُ التَّبَابُ، وَذَلِكَ جَزَاءُ كُلِّ مَنْ تَكَبَّرَ عَنِ اْلحَقِّ وَاسْتَكْبَرَ عَنْهُ، فَمَآلُهُ الْخُسْرَانُ وَالْهَلَاكُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب ﴾ [المسد:1]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَاب ﴾ [غافر:37]. ثالثًا: الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ: فِي الْآيَةِ: أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ سَببَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ هُوَ قَوْلُ أَبي لَهَبٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «تَبًّا لَكَ، أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهذَا؟»[16]. رابعًا: الْعِبْرَةُ بِالتَّقْوَى وَالإِيمَانِ لَا بِالنَّسَبِ: فِي الْآيَةِ: أَنَّ النَّسَبَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا إِذَا كَانَ بِدُونِ إِيمَانٍ وَبِدُونِ عَمَلٍ صَالِحٍ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»[17]. فـَأَبُو لَهَبٍ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَاحِيَةِ النَّسَبِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لِكُفْرِهِ وَعَدَمِ إِيمَانِهِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ هَذِهِ السُّورَةَ تُتْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَالْعِبْرَةُ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَا بِالْأَنْسَابِ وَالأَحْسَابِ. وَقدْ رَتَّبَ اللهُ تَعَالَى الْجَزَاءَ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا عَلَى الْأَنْسَابِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ﴾ [فصلت:46]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات:13]. وَأَشَارَتْ إِلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَالْأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»[18]. وَمَا جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين ﴾ [الشعراء:214]: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا»[19]. مُنَاسَبَةُ كُنْيَةِ أَبِي لَهَبٍ لِجَزَائِهِ يَوْمَ الْقيَامَةِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَب ﴾ [المسد:3]: نَاسَبَ ذِكْرُ أَبِي لَهَبٍ بِكُنْيَتِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ حَالَهُ في الْآخِرَةِ، فَهُوَ خَالِدٌ في نَارٍ عَظِيمَةٍ تلْهِبُ جَسَدَهُ كُلَّهُ، وَيَأْتِيهِ لَهَبُهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَتُحيطُ بِه مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَنَارُ الْآخِرةِ لَيْسَتْ كَنَارِ الدُّنْيَا في شِدَّةِ إِحْرَاقِهَا، بَلْ كَنِسْبَةِ جُزْءٍ إِلَى سَبْعِينَ جُزءًا مِنْ حَرَارةِ نَارِ جَهَنَّمَ، كَمَا جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا»[20]. التنبيهُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب ﴾ [المسد:2]: أَنَّ الْمَالَ وَالْوَلَد قَدْ يَكُونا نِقْمَةً عَلَى الْعَبْدِ إِذَا اسْتَكْبَرَ عَنِ الْحَقِّ وَرَدَّهُ وَاغْتَرَّ بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب ﴾ [المسد:2]؛ وَلِهَذا أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ فِتْنَةٌ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم ﴾ [الأنفال:28]، وَحَذَّرَنَا مِنَ الاِشْتِغَالِ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ عَنْ ذِكْرِهِ تَعَالَى؛ فَقَالَ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون ﴾ [المنافقون:9]. الْوَلَدُ مِنْ كَسْبِ الْإِنْسَانِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَسَب ﴾: أَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ مِنْ كَسْبِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ~: أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ»[21]. وَغَالِبًا مَا يُذْكَرُ الْمَالُ مَقْرُونًا بِالْأَوْلَادِ في الْقُرْآنِ الْكَريمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون ﴾ [آل عمران:116]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون ﴾ [المجادلة:17]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم ﴾[الشعراء: 88-89]. خَطَرُ مُعَادَاةِ دِينِ اللهِ وَالْعُونِ عَلَى ذَلِكَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَد ﴾[المسد:4-5]: أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ زَوْجَةُ أَبِي لَهَبٍ عَوْنًا لِزَوْجِهَا عَلَى مُعَادَاةِ الدَّعْوَةِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَوْنًا عَلَيْهِ فِي عَذَابِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ، وَتَحْمِلُ الْحَطَبَ فِي جَهَنَّمَ لِيُوقَدَ بِهِ عَلَى زَوْجِهَا، فَجَعَلَ شِدَّةَ عَذَابِهِ عَلَى يَدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ يَدْعُو الْأَتْبَاعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَسْيَادِهِمْ قَائِلِينَ: ﴿ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب:68]. عَدَاوَةُ ذَوِي الْقُرْبَى أَشَّدُ مَضَاضَةً عَلَى الْإِنْسَانِ: ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ عُقُوبَةَ أَبِي لَهَبٍ وَامْرَأَتِهِ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمَا النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم وَإِيذَائِهِمَا الشَّدِيدِ لَهُ، وَهَذَا وَاللهُ مِنْ أَشَّدِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَلَمِ وَالْحَسْرَةِ، عِنْدَمَا يَكُونُ خَصْمُكَ هُوَ قَرِيبُكَ الَّذِي تَنْتَظِرُ مِنْهُ النُّصْرَةَ وَالتَّأْيِيدَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولِ الشَّاعِرُ: وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً عَلَى الْمَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ الْمُهَنَّدِ وَمِمَّا وَرَدَ في عَدَاوَةِ أَبِي لَهَبٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ رَبِيعَةَ بْنِ عِبَادٍ الدِّيلِيِّ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا أَسْلَمَ، فَقَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَ عَيْنِي بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، تُفْلِحُوا، وَيَدْخُلُ فِي فِجَاجِهَا وَالنَّاسُ مُتَقَصِّفُونَ عَلَيْهِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَقُولُ شَيْئًا، وَهُوَ لَا يَسْكُتُ، يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، تُفْلِحُوا، إِلَّا أَنَّ وَرَاءَهُ رَجُلًا أَحْوَلَ وَضِيءَ الْوَجْهِ، ذَا غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ يَذْكُرُ النُّبُوَّةَ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُكَذِّبُهُ؟ قَالُوا: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ»[22]. التَّحْذِيرُ مِنْ أَذِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: في هَذِهِ الْآيَاتِ: التَّحْذِيرُ الشَّدِيدُ مِنْ أَذِيَّةِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم، وَقَدْ حَذَّرَنَا اللهُ تَعَالَى تَحْذِيرًا شَدِيدًا مِنْ إِيذَاءِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْإِيذَاءِ، فَقَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا الْمُؤْمِنَينِ: ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب:53]، وَقَالَ مُخَاطِبًا الْمُنَافِقِينَ: ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ﴾ [التوبة:61]، وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى إِيذَاءَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم إِيذَاءً لَهُ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴾ [الأحزاب:57]. وَأَحْدَاثُ التَّارِيخِ مُنْذُ بِعْثِةِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا هَذَا فِيهَا الْكَثِيرُ مِنَ الْمَوَاقِفِ وَالْأَحْدَاثِ الَّتِي تُؤَكِّدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى تَكَفَّلَ بِالِانْتِقَامِ لِنَبِيِّهِصلى الله عليه وسلم، وَكِفَايَتِهِ مِمَّنِ اسْتَهَزَأَ بِهِ، وَهَذَا مَاضٍ إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ دَائِمَا وَأَبَدًا؛ مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين ﴾ [الحجر:95]. |
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع لاحرمك الله رضاه لك كل تقديري واحترامي ابو ابتهال مجنون قصآيد |
|
لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ وُدِيِّ https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...b66adb0a14.gif |
يعطيك العافيه على الاختيار
ويعطيك العافيه على مجهودك . . احترامي.. |
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع حضوري شكر وتقدير لك ولاهتمامك في مواضيعك اخوك نجم الجدي |
مجهود يُذكر فيُشكر
طرح مميز في الانتقاء |
قيمه عاليه من خلال هذا الجلب
المميز هكذا طرح يغذي الثقافة لدى المتلقي اجتهاد يحسب لمصلحتك ولك مني جزيل الشكر والامتنان عودالليل |
الساعة الآن 04:53 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية