![]() |
تفسير قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ... }
تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا... ﴾
قوله تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 118]. الْبِطَانَةُ مَصْدَرٌ يُسَمَّى بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ، وَبِطَانَةُ الرَّجُلِ: خَاصَّتُهُ، تَشْبِيهًا بِبِطَانَةِ الثَّوْبِ الَّتِي تَلِي بَطْنَهُ، لِأَنَّهُمْ يَسْتَبْطِنُونَ أَمْرَهُ وَيَطَّلِعُونَ مِنْهُ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ. ﴿ مِنْ دُونِكُمْ ﴾؛ أَيْ: مِنْ غيرِكُمْ، يعني: مِنْ دُونِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُنَافِقِينَ، وَأَهْلَ الْكِتَابِ. ﴿ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ﴾: لَا يُقَصِّرُونَ فِيمَا فِيهِ فَسَادُ أمركم، مِنْ أَلَا يَأْلُو فِي الْأَمْرِ إِذَا قَصَّرَ فِيهِ؛ ومنه قوله تَعَالَى: ﴿ وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ﴾ [النُّورِ: 22]؛ أَيْ: لَا يُقَصِّرُ أَصْحَابُ الْفَضْلِ، وَالسِّعَةِ. الْخَبَالُ: الْفَسَادُ وَالِاضْطِرَابُ. نهى اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَنِ موالاة الكفارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَاتِّخَاذِهِم بِطَانَةً، يُطْلعونهم عَلَى سَرَائِرِهِمْ، ويَكشِفون لهم أسرارهم، ويقرِّبونهم ويَعهَدون إليهم بالمهام الكبرى ثقةً بهم وحسن ظن بهم؛ عَنِ ابْنِ أَبِي الدِّهْقانة قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ هَا هُنَا غُلامًا مِنْ أَهْلِ الحِيرة، حَافِظٌ كَاتِبٌ، فَلَوِ اتَّخَذْتَهُ كَاتِبًا؟ فَقَالَ: قَدِ اتَّخَذْتُ إِذًا بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ[1]. وإذا كان لَا يَجُوزُ الاستعانةُ بأَهْلِ الكتابِ فِي الْكِتَابَةِ والمراسلاتِ، فلَا يَجُوزُ الاستعانةُ بهم فيما هو أعظمُ خطرًا من ذلك، كخبراءَ ومستشارين، ثم بيَّن الله تعالى العلة من النهي عن الاستعانة بهم، فقال: ﴿ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ﴾؛ أي: لَا يُقَصِّرُونَ فِي إفْسَادُ أموركم، وَعُدِّيَ الفعلُ يَأْلُو إِلَى مَفْعُولَيْنِ: لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْمَنْعِ؛ أي: لا يمنعونكم خَبَالًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ ﴾: الودُّ: شِدَّةُ المحبةِ، وَالْعَنَتُ: الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة، وشِدَّةُ الضَّرَرِ، والهلاكُ؛ قَالَ الزجَّاجُ: العَنَتُ فِي اللُّغَةِ: الْمَشَقَّة ُالشَّدِيدَةُ، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ﴾ [البقرة: 220]. ومَا: مَصْدَرِيَّةٌ؛ أَيْ: وَدُّوا عَنَتَكُمْ؛ أَيْ: مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ، ومَا فِيهِ ضَرَرُكُم. ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾: الْبَغْضَاءُ: شِدَّةُ الكَرَاهَيةِ، أي: ظَهَرَتْ الكَرَاهَيةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ فَلَتَاتِ أَلْسِنَتِهِم؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْل ﴾ [مُحَمَّدٍ: 30]، فَعَبَّرَ بِالْبَغْضَاءِ عَنْ دَلَائِلِهَا. وَذَكَرَ الْأَفْوَاهَ دُونَ الْأَلْسِنَةِ لِبِيَانِ أَنَّهم يتَلَفَّظُون بالكلامِ الشَّنِيعِ الذي يَمْلَأُ أَفْوَاهَهُمْ؛ كَمَا يُقَالُ عن الكَلِمَةِ القبيحةِ: كَلِمَةٌ تَمْلَأُ الفَم، فلَا يَكْتَفُونَ بِبُغْضِ الْمُسْلِمِينَ بِقُلُوبِهِمْ حَتَّى يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ بِأَفْوَاهِهِمْ، ﴿ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾، وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ بغضًا، وأَشدُّ عداوةً مِمَّا ظَهَرَ مِنْ كلامهم. ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُعَادَاةِ الْكُفَّارِ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ. الأَسَالِيبُ البَلَاغِيةُ: مِنَ الأَسَالِيبِ البَلَاغِيةِ: التَّشْبِيهُ التمثيلي فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿ بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ﴾، شبَّه تعالى خواصَّ الرجلِ بالبطانة، وهي الثَّيابُ الَّتِي تَلِي بَطْنَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَبْطِنُونَ أَمْرَهُ وَيَطَّلِعُونَ مِنْهُ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ. والتضمينُ في قولهِ: ﴿ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ﴾، فقد عُدِّيَ الفعلُ يَأْلُو إِلَى مَفْعُولَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْمَنْعِ، أي: لا يمنعونكم خَبَالًا. ذِكْرُ الشيءِ ببَعْضِ دَلَائِلِهِ في قوله: ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾، فَعَبَّرَ بِالْبَغْضَاءِ عَنْ دَلَائِلِهَا. [1] تفسير ابن أبي حاتم (3/ 743). |
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع لاحرمك الله رضاه لك كل تقديري واحترامي مجنون قصآيد |
|
يعطيك العافيه على الاختيار
ويعطيك العافيه على مجهودك . . احترامي.. |
جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك الهادف وإختيارك القيّم رزقك المــــــــولى الجنـــــــــــــة ونعيمـــــها وجعلــــــ ما كُتِبَ في مــــــوازين حســــــــــناتك ورفع الله قدرك في الدنيــا والآخــــرة وأجـــــــــزل لك العطـــاء |
اقتباس:
|
اقتباس:
|
اقتباس:
|
اقتباس:
|
كالعادة إبداع رائع..
وطرح يستحق المتابعة.. شكراً لك، بانتظار الجديد القادم دمت بكل خير. |
الساعة الآن 04:18 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية