![]() |
قالوا عن الرضا بالله تعالى
قالوا عن الرضا بالله تعالى
إن الحمد لله تقدس ذاتًا وصفاتٍ وجمالًا، وعزَّ عظمةً وعلوًّا وجلالًا، وتعالى مجدًا ورفعةً وكمالًا، أحمده سبحانه برى الخلائق فلا نقصَ يعروها ولا اعتلالًا. لك الحمد حمدًا طيبًا ومباركًا لك الحمد مولانا عليك المعول لك الحمد أعلى الحمد والشكر والثنا أعز وأزكى ما يكون وأفضل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تعنو لها القلوب خضوعًا وامتثالًا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدالله ورسوله، خير من عظَّم الله أقوالًا وفعالًا، صلى الله عليه وعلى آله الألى دام فيهم الفضل هطالًا، وصحبه الذائدين عن الإسلام كماةً أبطالًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النيران وتوالى، وسلم تسليمًا مباركًا سلسالًا؛ أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن التقوى نور القلوب إلى خشية الله ومشكاتها، وسبيل محبته ومرقاتها، وبرهان رهبته ودلالاتها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]. أيها المسلمون: إن المؤمن يصبح ويمسي وهو يقول بقلبه وقالبه: "رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا"، ولا غرو أن يكون الرضا للمؤمن ملء السمع والبصر، فأمرٌ بهذه العظمة والجمال غير مستغرب أن يشارك في ذكره ووصفه والترغيب فيه أولو الحِجى، وأرباب الهمم، وسادة السلوك، وآثار سيرهم على هذه الجادة الرسولية شهيرة، وأقوالهم في هذا الباب كثيرة، وإشاراتهم لمن خلفهم غزيرة، ولكن نكتفي ببعض الإلماحات، ونحتسي شيئًا من تلك الإشارات، علَّ الله تعالى أن يقدح بها في قلوبنا أزْنِدَةَ الاعتبار والادِّكار، ويشيد بها في نفوسنا أبنية الموعظة والافتكار، فالسعيد من اهْتَبَلَ فرص النصح، وقبض براحته على ما اسطاع من مفاتح المأثور، المستقى من ينبوع الوحي وضيائه السَّنِيِّ، واسْتَبَقَ به أبواب العمل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، سبحانه وبحمده، فجميل أن يكون لحياتك معنًى وهدف تسعى لتحقيقه، والأجمل أن يكون الهدف مرضاة الله تعالى، فلْتَحْيَ بالله ولله. قال لقمان لابنه: "أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت"[1]، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما: "أما بعد: فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر"[2]، وقال أيضًا رضي الله عنه: "ما أبالي على أي حال أصبحت وأمسيت من شدة أو رخاء"، وقال ميمون بن مهران رحمه الله: "من لم يرضَ بالقضاء، فليس لحمقه دواء"[3]. إن كان لا يغنيك ما يكفيكا فكل ما في الأرض لا يغنيكا وقال الربيع بن أنس رحمه الله: "علامة حب الله كثرة ذكره، فإنك لا تحب شيئًا إلا أكثرت من ذكره، وعلامة الدين الإخلاص لله في السر والعلانية، وعلامة الشكر الرضا بقدر الله والتسليم لقضائه"[4]. وقال عبدالله بن المبارك: قال داود لابنه سليمان عليهما السلام: "يا بني، إنما تستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: لحسن توكله على الله فيما نابه، ولحسن رضاه فيما آتاه، ولحسن زهده فيما فاته"[5]، وقال الفيروزآبادي: "رضا العبد عن الله على ألَّا يكره ما يجري به قضاؤه، والرضوان الرضا الكبير، ولما كان أعظم الرضا رضا الله؛ خُصَّ لفظ الرضوان في القرآن بما كان من الله تعالى"[6]. والراضي بربه سعيد مسرور بعطائه، ساكن رخي البال في ابتلائه، يرى المنع عطاء؛ لأنه في الحقيقة كذلك، لكن لا تبصرها نون العين بل نون البصيرة. وقال عمر بن عبدالعزيز: "ما بقيَ لي سرور إلا في مواقع القدر، وقيل له: ما تشتهي؟ فقال: ما يقضي الله"، وقال الفضيل رحمه الله تعالى: "إن لم تصبر على تقدير الله، لم تصبر على تقدير نفسك"، وقال عبدالعزيز بن أبي رواد رحمه الله تعالى: "ليس الشأن في أكل خبز الشعير والخل، ولا في لبس الصوف والشعر، ولكن الشأن في الرضا عن الله عز وجل"، وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "لأن ألحس جمرة أحرقت ما أحرقت، وأبقت ما أبقت - أحب إليَّ من أن أقول لشيء كان: ليته لم يكن، أو لشيء لم يكن: ليته كان". ونظر رجل إلى قرحة في رِجْلِ محمد بن واسع رحمه الله تعالى، فقال: "إني لأرحمك من هذه القرحة، فقال: إني لأشكر الله منذ خرجت، إذ لم تخرج في عيني". وعن بعض السلف: "إن الله تعالى إذا قضى في السماء قضاء أحبَّ من أهل الأرض أن يرضوا بقضائه"، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر"، وقال سهل بن عبدالله رحمه الله تعالى: "حظ العبيد من اليقين على قدر حظهم من الرضا، وحظهم من الرضا على قدر عيشهم مع الله عز وجل"[7]؛ أي: بأحوال قلوبهم مع ربهم تبارك وتعالى. وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "ما أبالي إذا رجعت إلى أهلي على أي حال أراهم بخير أو بشرٍّ، وما أصبحت على حالة فتمنيت أني على سواها"[8]، وقيل للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن أبا ذر رضي الله عنه يقول: الفقر أحب إليَّ من الغنى، والسقم أحب إليَّ من الصحة، فقال: "رحِمَ الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له، لم يتمنَّ أن يكون في غير الحالة التي اختار الله له، وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء"[9]. وقال عبدالواحد بن زيد رحمه الله: "الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين"، وربما رضِيَ المبتلى حتى لم يعد يشعر بالألم، كما أنشدوا: عذابه فيك عَذْبٌ وبعده فيك قربُ أي: بعده عن أحبابه من الناس بسبب قيامه في دين الله تعالى هو في حقيقته قرب من الله تعالى، وزلفى لديه، ومدرج رضًا بين يديه له، ومن كان في الله تَلَفُه كان على الله خَلَفُه، تبارك وتعالى؛ ونُقل عن عبدالله بن المبارك رحمه الله قوله: "يا بني، إنما تستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: حسن توكله على الله فيما نابه، وحسن رضاه فيما آتاه، وحسن زهده فيما فاته"[10]، وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه عمر: "يا بني، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعة فليس يغنيك مال"[11]. قال أبو ذؤيب الهذلي وقد أجاد وأحسن أيما إحسان في بيان طبع النفس: والنفس راغبةٌ إذا رغَّبْتَها وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إن من رأس التواضع أن ترضى بالدون من شرف المجلس، وأن تبدأ بالسلام من لقيت، وأن تكره من المدحة والسمعة والرياء بالبِرِّ". بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن التقوى خير الزاد. يا عبدالله: اعلم – رحمني الله وإياك – أن لجثمانك حدًّا ينتهي منه للموت، ولا يعود صالحًا في هذه الدنيا لحمل الروح، وهذا هو عمرك؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أعمار أمَّتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك"[12]، فعمرك الافتراضي هو ما بين الستين إلى السبعين، وثلثه قرابة الاثنين وعشرين عامًا، والثاني إلى أربع وأربعين، وما بعده فهو الثلث الأخير، وقد تزيد سنيًّا فوقها، وقد يَخْتَرِمُكَ المنون قبلها، فالسعيد من هيأ داره بالصالحات قبل النقلة إليها، وألان فراشه بالقربات قبل طول الرَّقدة في القبر، وأثقل ميزانه بالباقيات قبل تطاير الصحائف واشتداد المخاوف، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به. وأبشر - يا عبدالله - بأمان الله لك في قبرك إن أطعته، فلا فزع ولا خوف ولا وحشة حين يُدْبِرُ عنك أحب الناس إليك، فعملك أنيسك، وشوقك للجنة ضجيعك، ومنشور نجاتك بين يديك، فضلًا من الله وإحسانًا؛ فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الميت يصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزِعٍ ولا مشعوفٍ، ثم يقال له: فيمَ كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام، فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه، فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قِبَلَ النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله، ثم يفرج له قِبَلَ الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: هذا مقعدك، ويقال له: على اليقين كنتَ، وعليه متَّ، وعليه تُبْعَثُ إن شاء الله...))[13]. وما أبلغ ما قال الرافعي رحمه الله تعالى: "ما أشبه النكبة بالبيضة، تحسب سجنًا لما فيها، وهي تحوطه وتربيه وتعينه على تمامه، وليس عليه إلا الصبر إلى مدة، والرضا إلى غاية، ثم تفقس البيضة، فيخرج خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، وما المؤمن في دنياه إلا كالفرخ في بيضته"[14]. اللهم يا واسع الفضل، يا عظيم المنِّ، يا كبير المعروف، يا قديم الإحسان، يا ربنا يا ألله، نحن عبيدك الفقراء إليك، المنكسرون بين يدي عظمتك، المنطرحون لسطوة جلالك، المشتاقون لرؤية جمالك، المكتفون بكمالك، الراكعون الساجدون الحامدون لك، إلهنا عبيدك سوانا كثير، وليس لنا رب سواك ندعوه، ولا إله نصمد إليه، ولا ملجأ نعتصم به، فررنا منك إليك، وما عبدناك حق عبادتك، هذه نواصينا الخاطئة خاضعة بين يديك، عزَّ جارك، وجلَّ ثناؤك، ولا إله غيرك، اللهم نسألك بوجهك الأكرم، واسمك الأعظم، وأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا العفوَ والمغفرة، والرحمة والرضوان، والفردوس الأعلى من الجنة، بلا حساب ولا عذاب، ووالدينا وأهلينا، وذرارينا وأقاربنا، وجيراننا ومشايخنا وأحبابنا، إله الحق آمين، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين. [1] مدارج السالكين، لابن القيم (2/ 229). [2] مدارج السالكين (2/ 275). [3] الإحياء، للغزالي (3/ 346). [4] مدارج السالكين (2/ 227). [5] الدر المنثور، للسيوطي (1/ 62). [6] بصائر ذوي التمييز، للفيروزآبادي (3/ 77). [7] إحياء علوم الدين (3/ 438، 439) باختصار. [8] صفة الصفوة (١/ ١٨٦). [9] البداية والنهاية (٨/ ٢٠٤، ٢٠٥)، وابن عساكر (١٣/ ٢٥٣). [10] الدر المنثور (١/٦٢). [11] عيون الأخبار (٣/ ١٨٧). [12] الترمذي (2447)، وابن ماجه (4236) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني. [13] ابن ماجه (٤٢٦٨)، وصححه الألباني. [14] وحي القلم، للرافعي (2/ 97). |
اختيار جميل جدا
يدل على ثقافه عاليه شكرا من القب على هكذا طرح احترامي محمد الحريري |
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع لاحرمك الله رضاه لك كل تقديري واحترامي مجنون قصآيد |
https://i0.wp.com/1.bp.blogspot.com/...resCTV_12a.gif اسلمي وبااارك الله فيك وفي طرحك الطيب الله يعطيك العافية اشكرك وسلمت الايااادي انتقااء وجلب مميز تقديري ودمتي بانتظااار جديدك كوني بخير https://i0.wp.com/1.bp.blogspot.com/...resCTV_12a.gif |
قلائد أمتنان لهذة
الذائقة العذبة في الانتقاء لروحك الجوري |
جزاك الله خير
|
جزاك الله خير على الطرح القيم
ونفع بك يارب .‘ |
جزاك الله خيرا
|
سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك |
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع حضوري شكر وتقدير لك ولاهتمامك في مواضيعك اخوك نجم الجدي |
الساعة الآن 12:35 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية