منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=91)
-   -   تفسير قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ ) (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=199736)

لا أشبه احد ّ! 10-20-2021 02:04 AM

تفسير قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ )
 
ونعود إلى قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

ليذكر لنا التاريخ رجلاً منهم هو الصحابي أنس بن النضر رضي الله عنه؛ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ- سُمِّيَتْ بِهِ - وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَبُرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِبْتُ عَنْهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ مَشْهَدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَعْدُ، لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ، قَالَ: فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا، فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَيْنَ؟ قَالَ: وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ! أَجِدُهَا دُونَ أُحُدٍ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مَا بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ، فَقَالَتْ عَمَّتِي الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ: فَمَا عَرَفْتُ أَخِي إِلَّا بِبَنَانِهِ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]؛ ا. هـ[1].

(قد كانوا ناسًا من البشر، لا يملكون أن يتخلصوا من مشاعر البشر، وضعف البشر، وليس مطلوبًا منهم أن يتجاوزوا حدود جنسهم البشري، ولا أن يخرجوا من إطار هذا الجنس، ويفقدوا خصائصه ومميزاته، فلهذا خلقهم الله، خلقهم ليبقوا بشرًا، ولا يتحولوا جنسًا آخر؛ لا ملائكة ولا شياطين، ولا بهيمة ولا حجرًا، كانوا ناسًا من البشر يفزعون، ويضيقون بالشدة، ويزلزلون للخطر الذي يتجاوز الطاقة، ولكنهم كانوا - مع هذا - مرتبطين بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله وتمنعهم من السقوط، وتجدد فيهم الأمل، وتحرسهم من القنوط، وكانوا بهذا وذاك نموذجًا فريدًا في تاريخ البشرية، لم يُعرف له نظير، وعلينا أن ندرك هذا؛ لندرك ذلك النموذج الفريد في تاريخ العصور، علينا أن ندرك أنهم كانوا بشرًا، لم يتخلوا عن طبيعة البشر بما فيها من قوة وضَعف، وأن منشأ امتيازهم أنهم بلغوا في بشريتهم هذه أعلى قمة مهيَّئة لبني الإنسان، في الاحتفاظ بخصائص البشر في الأرض مع الاستمساك بعروة السماء، وحين نرانا ضعفنا مرة، أو زلزلنا مرة، أو فزعنا مرة، أو ضقنا مرة بالهول والخطر والشدة والضيق.

فعلينا ألا نيئَس من أنفسنا، وألا نهلع ونحسب أننا هلكنا، أو أننا لم نعد نصلح لشيء عظيم أبدًا! ولكن علينا في الوقت ذاته ألا نقف إلى جوار ضَعفنا؛ لأنه من فطرتنا البشرية! ونصر عليه؛ لأنه يقع لمن هم خير منا! هنالك العروة الوثقى، عروة السماء، وعلينا أن نستمسك بها؛ لننهض من الكبوة، ونسترد الثقة والطمأنينة، ونتخذ من الزلزال بشيرًا بالنصر، فنثبت ونستقر، ونقوى ونطمئن، ونسير في الطريق، وهذا هو التوازن الذي صاغ ذلك النموذج الفريد في صدر الإسلام، النموذج الذي يذكر عنه القرآن الكريم مواقفه الماضية وحسن بلائه وجهاده، وثباته على عهده مع الله، فمنهم من لقيه، ومنهم من ينتظر أن يلقاه: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

هذا في مقابل ذلك النموذج الكريه، نموذج الذين عاهدوا الله من قبل لا يُولون الأدبار، ثم لم يوفوا بعهد الله: ﴿ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا ﴾ [الأحزاب: 15]، وهذه الصورة الوضيئة لهذا النموذج من المؤمنين، تذكر هنا تكملة لصورة الإيمان، في مقابل صورة النفاق والضعف، ونقض العهد من ذلك الفريق، لتتم المقابلة في معرض التربية بالأحداث وبالقرآن.

ويعقب عليها ببيان حكمة الابتلاء، وعاقبة النقض والوفاء، وتفويض الأمر في هذا كله لمشيئة الله: ﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 24].

ومثل هذا التعقيب يتخلل تصوير الحوادث والمشاهد؛ ليرد الأمر كله إلى الله، ويكشف عن حكمة الأحداث والوقائع، فليس شيء منها عبثًا ولا مصادفة، إنما تقع وَفق حكمة مقدرة، وتدبير قاصد، وتنتهي إلى ما شاء الله من العواقب، وفيها تتجلى رحمة الله بعباده، ورحمته ومغفرته أقرب وأكبر: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 23][2].

وهكذا ينتهي درس غزوة الأحزاب؛ ليعلمنا درسًا في صناعة الرجولة الإسلامية يتلخص في كلمتين اليقين والصدق، وأختم هذا الدرس بكلمات للدكتور الخطيب يلخص فيها ما أصَّلناه هنا، وهو قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]؛ أي: من المؤمنين الذين سلِموا من النفاق رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ إذ ليس كل المؤمنين على درجة واحدة في إيمانهم، بل هم درجات في الإيمان والعمل بلوازمه ومقتضياته، كما أنهم درجات عند الله، وحرف الجر (من) هنا للتبعيض؛ أي: إن بعض المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

وفي قوله تعالى: «رجال» إشارة إلى أنهم أناس قد كملت رجولتهم، وسلِمت لهم إنسانيتهم، فكانوا رجالاً حقًّا، لم ينتقص من إنسانيتهم شيء، فالكفر والشرك والنفاق، وضعف الإيمان، كلها أمراض خبيثة، تغتال إنسانية الإنسان، وتفقده معنى الرجولة فيه.

فالرجل كل الرجل هو مَن تحرَّر عقله من الضلال، وصفت رُوحه من الكدر، وسلِم قلبه من الزيغ، ثم ليس عليه بعد هذا ألا يمسك بيده شيء من جمال الصورة، أو وفرة المال، أو قوة السلطان، وفي تنكير «رجال» معنى التفخيم، والتعظيم؛ كما يقول الله تعالى ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور:36 - 37]، وكما يقول سبحانه: ﴿ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].

وقوله تعالى: ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ﴾ [الأحزاب: 23]؛ أي: من هؤلاء الرجال من مات وهو على إيمانه الوثيق بالله، وفي موقف الجهاد في سبيل الله، قد وفَّى بما نذَره الله، وعاهَد الله عليه.

وقوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ﴾ [الأحزاب: 23]؛ أي: من ينتظر قضاء الله فيه؛ موتًا أو استشهادًا في ميدان القتال، فهو على ترقُّب وانتظار لليوم الذي تتاح له فيه الفرصة للوفاء بنذره وعهده.

وفي قوله تعالى: ﴿ يَنْتَظِرُ ﴾ [الأحزاب: 23] إشارة إلى أن المؤمن الصادق الإيمان، ينتظر لقاء ربِّه، وهو في شوق إلى هذا اللقاء، يعدُّ له اللحظات، ويستطيل أيام الحياة الدنيا في طريقه إلى ربه، شأنه في ذلك شأن مَن ينتظر أمرًا محبوبًا هو على موعد معه.

وقوله تعالى: ﴿ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]: إشارة إلى أن إيمانهم بالله، ويقينهم بلقائه، لم يُفارق مكانه من قلوبهم لحظة، ولم ينحرف عن موضعه أي انحراف، فهم على حال واحدة من أمر ربِّهم، ومن الثقة بما وعدهم الله على يد رسوله، على حين أن كثيرًا ممن كان معهم ممن أسلموا ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، قد بدَّلوا مواقفهم، وكثُرت تحرُّكاتهم بين الإيمان والكفر...)؛ ا. هـ[3].

[1] لفْظُ التِّرْمِذِي؛ نقلاً عن تفسير القرطبي 14/ 159.

[2] في ظلال القرآن؛ لسيد قطب،5/ 2845، ط: الشروق.

[3] من التفسير القرآني للقرآن، 11/ 681 دار الفكر العربي القاهرة.

دلع 10-20-2021 02:12 AM

كـــ العادة إبـداع رائـع
وطرح يـسـتـحـق المتـابـعـة
بـــــ انتظار الجديد القادم


:
مع التحية والتقدير ..

مجنون قصايد 10-20-2021 02:24 AM

بيض الله وجهك على اختيارك
للطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه

لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

http://i18.servimg.com/u/f18/12/38/24/05/4afakk10.jpg

نجم الجدي 10-20-2021 03:18 AM

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

ترانيم عشق 10-20-2021 06:31 AM

موضوع رااائع

وجهود أروع

ننتظر مزيدكم

بشوووق

ضامية الشوق 10-20-2021 07:17 AM

جزاك الله خيرا

عـــودالليل 10-20-2021 01:49 PM

امتناني وشكري لك على هذا الطرح
محتواه جميل
ونال الاستحسان

وهذا دليل ذائقه راقيه جدا أدت
لظهوره بهذا الشكل

لك كل احترامي وتقديري



اخوك
محمد الحريري

ملكة الجوري 10-20-2021 03:14 PM

جزاك الله خيـــر
وزادك رفعه ورزقك الجنان

زمرد 10-20-2021 03:42 PM

جلب رائع وجميل
متصفح ثري بالروعة
سلمت الايادي ع الطرح
لروحك جنائن الورد

نظرة الحب 10-21-2021 04:33 AM

سلمت أناملك على الجلب المميز
اعذب التحايا لك


الساعة الآن 04:13 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية