منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=91)
-   -   مشاهد من سورة القارعة (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=191120)

ضامية الشوق 04-27-2021 12:43 AM

مشاهد من سورة القارعة
 
مَشاهد من سورةِ القارعةِ

الحمد لله القائل: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه خيرُ من قرأ القرانَ وتأَّثرَ به، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه وسلم تسليمًا كثيرًا..

وبعد:
فاتقوا الله عباد الله.. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18]..

أيها الأحبة: ونحن مع المدنية المعاصرة وفي خِضمِّها والركضِ خلف سراب الدنيا، نسينا أنها أقصرُ مما نتصور، إذ في يوم من الأيام سننتقلُ إلى دارٍ لا عمل فيها، بل هي دارُ حسابٍ وجزاءٍ وقرارٍ، إمّا إلى جنَّةٍ وإما إلى نار.. وفي سورة من سور القرآن يُخبرنا اللهُ جل جلاله عن جزءٍ يسير ٍمن مشاهد تلك الدار، فيقول جل شأنه: ﴿ الْقَارِعَةُ ﴾ [القارعة: 1].. القارعة تَقرَعُ القلوب بالفزع...وهذا فقط اسمٌ واحدٌ مهول.. لا ينقصُ هولًا عن غيرِه من أسماءِ القيامة؛ كالحاقة والطامة والصاخة والغاشية.

ثم قال سبحانه وتعالى مرةً أخرى معظمًا أمرَها ومُهّوِلًا لشأنها: ﴿ مَا الْقَارِعَةُ ﴾ [القارعة: 2] ثم مرةً أخرى مذّكرًا بشدةِ قَرعِها الذي يصيبُ النفوس بالهولِ الشديد فيقول: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ﴾ [القارعة: 3]؟! كلمةُ استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها المخيفِ المرعب.. حقًا إنَّ القلبَ الحيّ ليحتقرُ الركضَ للدنيا حينما تقرَعُ أذنه أمثالَ هذه الآيات..

ثم تخيَّل هذا المشهدَ المخيفَ بهذِه الصورةِ البليغةِ.. وتأمل؛ ﴿ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث ﴾ [القارعة: 4]؛ أي في انتشارِهم وتفرَّقهم وذهابِهم ومجيئِهم من حيرتِهم مما هم فيه كأنهم فراشٌ مبثوث.. كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ﴾ [القمر: 7]. لاحول ولا قوة إلا بالله..

ولماذا عبّر اللهُ تعالى بالفراش؟ الجواب والله أعلم: لأنها حيواناتٌ لا تكون إلا في الليل، يموجُ بعضُها ببعض لا تدري أين تتوجه؟، فإذا أُوقِدَ لها نارٌ تهافتت إليها لضعفِ إدراكها، فهذه حالُ الناسِ أهلِ العقول ... في "صحيح مسلم" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي»[1] وإنا لله وإنا إليه راجعون..

وأمَّا الجبالُ الصمُّ الصِّلابُ، فتكون ﴿ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾ [القارعة: 5]؛ أي: كالصوفِ المنفوش، الذي بقي ضعيفًا جدًا، تطيرُ به أدنى ريح، قال تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ [النمل: 88] ثم بعد ذلك، تكون هباءً منثورًا، فتضمحل ولا يبقى منها شيءٌ يُشاهد، فحينئذ تُنصبُ الموازين، وينقسم الناسُ قسمين: سعداءُ وأشقياءُ، ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ [القارعة: 6]، أي: رجحت حسناتُه على سيئاته. ﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾ [القارعة: 7]، مرضيّةٍ في الجنة... ذاتُ رضا يرضاها صاحبُها.

فالعيشةُ كلمةٌ تجمعُ النعمَ التي في الجنة، فهي فاعلةٌ للرضا؛ كالفرشِ المرفوعة، وارتفاعُها مقدارُ مائةِ عام، فإذا دنا منها وليُّ الله اتضعت حتى يستوي عليها، ثم ترتفعُ كهيئتِها، ومثلُ الشجرةِ فرعُها،، فإذا اشتهى وليُّ الله ثمرتَها تدَّلت إليه، حتى يتناولُها وليُّ الله قاعدًا وقائمًا، وذلك قولُه تعالى: ﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 23]. وحيثما مشى أو ينتقل من مكانٍ إلى مكان، جرى معه نهر حيث شاء، علوًا وسُفلا، وذلك قولُه تعالى: ﴿ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ﴾ [الإنسان: 6].

فيُروى في الخبر: (إنه يشير بقضيبِه فَيَجْرِي مِنْ غَيْرِ أُخْدُودٍ حَيْثُ شَاءَ مِنْ قُصُورِهِ وَفِي مَجَالِسِهِ)[2].

فهذه الأشياءُ كلُّها عيشةٌ قد أعطت الرِّضا من نفسِها، فهي فاعلةُ للرضا، وهي انذلت وانقادت بذلًا وسماحة.

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ [القارعة: 8]؛ أي: رجحت سيئاتُه على حسناتِه ﴿ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ [القارعة: 9]؛ أي: مسكنه النار، سُمَّي المسكنُ أمًا، لأنَّ الأصلَ في السكون إلى الأمهات، والهاوية اسم من أسماء جهنم، وهو المِّهواةُ لا يُدرك قَعرُها، وقيل: ﴿ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ أرادَ أمَّ رأسِه.. منحدرةً منكوسةً.. يعني أنهم يهوون في النارِ على رءوسِهم..

﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ ﴾ [القارعة: 10] وهذا تعظيم لأمرها والعياذ بالله.

﴿ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ [القارعة: 11]؛ أي: شديدةُ الحرارة، قويةُ اللهيب والسعير، قد زادت حرارتُها على حرارةِ نارِ الدنيا سبعينَ ضعفًا.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا» [3] أجارنا الله وإياكم والمسلمين منها[4].

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه ‏إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه وسلم تسليمًا كثيرًا..

وبعدُ: فاتقوا الله عباد الله.. ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]..

وبعدَ هذه المشاهد التي صورَتها لنا سورةُ القارعة، وهي جزءٌ يسيرٌ مما صورَّه لنا القرآنُ الكريم عن مشاهدِ ذلك اليومِ العظيمِ، أيبقى لمتأملٍ ركضٌ خلفَ سرابِ الدنيا..؟ أم يُتَصور من مسلمٍ أن يترك فريضةً أوَ بعد هذا يقطع مسلمٌ رحِمَه؟ أو يلهث شابٌ خلف شهواته؟ فكيف لمؤمنٍ أن يعصي ربَّه وهو يسمعُ ويقرأُ مثلَ هذه المواعظ.. لكنه الرَّانُ الذي يغشى القلوبَ؟.. والذي سبَبُه الذنوب.. ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]..

عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
[1] صحيح مسلم (2285).

[2] ذكره القرطبي في تفسيره: (20/166).

[3] متفق عليه، أخرجه البخاري (3265)، ومسلم "واللفظ له"(2843)

[4] مراجع الخطبة سورة القارعة في كتب التفسير الآتية:
تفسير ابن كثير.
تفسير القرطبي.
تفسير البغوي.
تفسير السعدي.


غزلان 04-27-2021 12:55 AM

الله يعطيك العافية

فزولهآ 04-27-2021 01:12 AM

طرح جميل

نظرة الحب 04-27-2021 06:48 AM

سلمت أناملك على الجلب المميز
اعذب التحايا لك

طهر الغيم 04-27-2021 08:02 AM

قلائد أمتنان لهذة
الذائقة العذبة في الانتقاء
لروحك الجوري

نجم الجدي 04-27-2021 08:05 AM

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

ضامية الشوق 04-27-2021 01:41 PM

يسلمو على المرور

دلع 04-27-2021 02:03 PM

كـــ العادة إبـداع رائـع
وطرح يـسـتـحـق المتـابـعـة
بـــــ انتظار الجديد القادم


:
مع التحية والتقدير ..

ضامية الشوق 04-27-2021 05:13 PM

يسلمو على المرور

عبدالله العمري 04-28-2021 03:36 PM

طرح جميـــــل ..||
دام التألق ... ودام عطاء نبضك

كل الشكر لهذا الإبداع,والتميز
...!!
وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق...!


الساعة الآن 11:18 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية