جامع أوصاف الإسلام

عن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنه أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلام خيرٌ؟ قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرَفت ومن لم تعرف)).

أولًا: ترجمة راوي الحديث:
هو عبدالله بن عمرو بن العاص بن وائل القُرَشي السَّهمي، هاجر هو وأبوه قبل الفتح، وأسلم قبل أبيه، ولم يكن بين مولدهما إلا اثنتي عشرة سنة، كان كثيرَ العبادة، وسيأتي في كتاب الصيام ما يدل على كثرة صيامه وقيامه، وكان حافظًا لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لم تكثر الرواية عنه كما كثرت عن أبي هريرة، مع أن أبا هريرة قال: ما أجد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثًا مني، إلا ما كان من عبدالله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب، وقيل في سبب قلة الرواية عنه: إنه كان مشتغلاً بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم، وقيل: لأن أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف، ولم تكن الرحلة إليهما في طلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وقيل غير ذلك.

واختلف المؤرخون في موته: أين كان؟ ومتى؟ فذكر الحافظ ابن حجر عدة أقوال في ذلك، ونقل عن الإمام أحمد أن وفاته ليالي الحرة آخر ذي الحجة، سنة ثلاث وستين - رضي الله عنه وأرضاه؛ [انظر: تذكرة الحفاظ (1/ 41)، وأسد الغابة (3/ 349)، والإصابة (6/ 176)].

ثانيًا: تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم، حديث (39)، وأخرجه البخاري في "كتاب الإيمان" "باب إطعام الطعام" حديث (16)، وأخرجه أبو داود في "كتاب الأدب" "باب إفشاء السلام" حديث (5193)، وأخرجه النسائي في "كتاب الإيمان" "باب أي الإسلام خير" حديث (5015)، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب الأطعمة" "باب إطعام الطعام" حديث (3253).

ثالثًا: شرح ألفاظ الحديث:
(أي الإسلام خيرٌ؟): يعني: أي خصال الإسلام أفضل؟

رابعًا: من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
الحديث دليل على حرص الصحابة وعلوِّ همتهم؛ حيث كانوا يسألون عن خير الأعمال وأفضلها، ونحو ذلك من الألفاظ التي تنوعت في سؤالهم للنبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: تنوَّعت إجابات النبي صلى الله عليه وسلم على السائلين، ففي حديث الباب أرشد إلى إطعام الطعام وتعميم السلام، وفي حديث آخر قال: ((إيمان بالله))، وفي آخرَ أوصى بعدم الغضب، وفي آخر قال: ((إيمان بالله، وجهاد في سبيله))، وفي آخرَ قال: ((الصلاة على وقتها))، وفي الحديث القادم أرشد إلى سلامة اللسان واليد.

وفي أحاديث أخرى أرشد إلى غير ذلك، فما الجواب على تنوع إجابات النبي صلى الله عليه وسلم حين يسأل عن خير الأعمال والخصال؟

قيل في سبب ذلك عدة أقوال، أشهرها وأفضلها: أن تنوع إجابات النبي صلى الله عليه وسلم حسب تنوع أحوال السائلين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب كل سائل بما يناسب حاله.

الفائدة الثانية: الحديث دليل على فضيلة إطعام الطعام على وجه العموم، وبذله للمحتاجين على وجه الخصوص أفضل؛ لِما في ذلك من دفع لحاجته، وسد لفاقته، وإطعام الطعام عامة سبب في التآلف والتوادِّ والتعاطف.

الفائدة الثالثة: الحديث دليل على فضل تعميم السلام على من عرَفه ومن لم يعرفه، فلا يكون سلامه على المعرفة فقط؛ لأن في تعميم السلام على من عرَفت ومن لم تعرف إفشاءً للسلام، وتعظيمًا لشِعار الإسلام، ومراعاة لأخوة المسلم، وإذهابًا للوحشة التي يجدها في صدره من الرجل الغريب، وتأليفًا وترابطًا بين القلوب، واعلم أن تخصيص السلام على المعرفة فقط علامة من علامات الساعة الصغرى؛ ففي مسند الإمام أحمد، وصححه الألباني، من حديث ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة))، وفي رواية: ((بين يدي الساعة تسليمُ الخاصة)).

الفائدة الرابعة: استدل بحديث الباب من قال بمشروعية السلام على الكفار، مستدلاًّ بعموم حديث الباب، وهو قول ضعيف مخالفٌ للأدلة الصحيحة الدالة على النهي عن ذلك؛ فحديثُ الباب عام يستثنى منه ما ورد في النهي عن ابتدائه بالسلام، وفي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام)).

مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)


‏