منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=12)
-   -   نهاية الفجر الكاذب ! (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=75626)

فزولهآ 04-08-2015 08:34 PM

نهاية الفجر الكاذب !
 

نهاية الفجر الكاذب

على عادته كان يُجرِّد نفسه من كلِّ مُتَع الحياة الدنيا؛ إذ إنه منذ صِغره لَم يكن مهتمًّا بسفاسف الأمور، لقد كان جديًّا مذ أن كان في سنِّ المرح والطفولة، هكذا كان إلى أن اختارَ الله تعالى له مُنحنًى آخرَ في حياته.

قبل أن يسكنَ في مدينة مأهولة بأحزمة البؤس المتراكمة هنا وهناك، كان حتى التاسعة من عُمره يعيش في أحضان نعيم مُترف مَلِيء بالمُغريات، إلاَّ أنه لَم يكن يتخيَّل أنَّ واقِعَه هذا سيتغيَّر في يوم من الأيام، ولكنَّه قضاء الله وقَدره على مخلوقاته، التي لا يُفترض عليها إلاَّ الإذعان في ذلك.

لقد وُلِد وتَرَعرع في أحضان النعيم المُترف، فكان محيطه مليئًا بالانتعاش، ولكن في داخله وجدان لَم يتأثَّر بمحيطه، ولَم يَرتبط بمعيشته؛ إنه كان غير متناغم مع ما يحيط به في ذلك العالم، الذي لَم يرَ فيه إلاَّ الضياع الذي يستحقُّ الهروب إلى ذلك العالم الآخر.

في تلك المدينة المأهولة بالفقر والفقراء، والعوز والمعوزين، كانت تتشكَّل في وجدانه حياة تتناغم إلى حدٍّ ما مع ما يجول في خاطره ووِجدانه، لقد أيْقَنَ أنَّ هناك عالَمًا آخرَ يستحق أن يكونَ مختلفًا عن عالَمه الذي كان، إنه عالَم يحتاج إلى معادلة مع ذلك العالم الآخر؛ حتى تتوازنَ مسيرة تفاعُل حياة الناس.

لَم يكن ذلك الفتى المُدلل - الذي عاش في وجدانه ما ابتعَد فيه عن واقعه - يتوقَّع أنه سيكون في يوم من الأيام رهينة في يد جماعة لا تَرْقُب في إنسانيَّة الإنسان وكرامته إلاًّ ولا ذِمَّة، إنها جماعة تَختطف الأطفال، وتَبتُر أعضاءهم؛ حتى تتكسَّب من ورائهم الآلاف المؤلَّفة، فماذا ينتظر هذا الطفل المُدلل الذي لَم يتجاوز عَقده الأوَّل؟

أيْقَنَت العصابة أنَّ في قبضتها طفلاً مُدَللاً، يُمكن أن تَجني من ورائه آلاف الدنانير، فقد كان يَلبس من الثياب ما أبرَز رفاهية منمَّقة، قلَّ أن تجدَ لها مثيلاً، ولكن ما السبيل إلى تحقيق ذلك مع هذا الطفل الذي لَم يجاوز عَقده الأوَّل؟

ذات ليلة من الليالي، وفي غفلة من تلك الفئة الخاطفة للأطفال، استطاعَ ذلك الطفل المُدلل أن ينفذ بجلده، ليتسلَّل من حفرة ضيِّقة كان يُشِعُّ منها ضوء قوي، يرسم مستقبله القادم.

ما إن استقامَت خُطاه، حتى أدْلَج مسرعًا يَلهث خلف الأمل، لقد رأى في وجوه الأطفال الذين بُتِرت أعضاؤهم بريقًا ليس كالبريق الذي يَستنشقه داخل وجدانه، وما هي إلاَّ سويعات، حتى وجَد نفسه في محراب من نور، وبجانبه رجلٌ قد أنار الله وجْهَه بملامح أخَّاذة، سَلَبت منه الخوف والتعَب.

إنَّ نقطة تحوُّلٍ في حياة هذا الطفل قد حانَت، فهو لَم يَعُد ذلك الطفل المُدَلل المُرفَّه في قصره، ولَم يَعُد ذلك الطفل الذي أسرتْه عصابة مُجرمة، إنه مع إنسان يقدِّر الإنسان.

حاوَل الرجل أن يستفهمَ من هذا الطفل حركته ورِحلته، وأخَذ الطفل يُتَمتم بعبارات عمَّا كان فيه وما آلَ إليه، إنه لا يعرف عن ماضيه إلاَّ أنَّ اسْمَه أحمد، ويَقطن في قصرٍ كبير لا يعرف عنوانه، ولكنَّه يعرف أنه فوق تلٍّ من تلك التلال التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى في جَنبات المدينة، وكان في رحلة بريَّة اختَطَفته خلالها زُمرة من المجرمين، وقد فرَّ هاربًا منهم، حتى أصبح في هذا المكان الذي لَم يَعرفه في قاموس حياته.

ما زال يُجدِّد الحاج أمجد دعواته؛ من أجْل مزيد من المعرفة عن الماضي الذي كان يعيش فيه هذا الطفل، وأين كان؟ ومَن كان؟ وكيف كان؟

إنه يعرف أنه قد اسْتُؤمِنَ أمانة، عليه أن يَحفظها حتى يُعيدها إلى ذَوِيها، ولكنَّه لا يعلم أن الله تعالى قد كتَبَ ذلك ليرسم لأحمد مستقبلاً آخرَ، غير ذلك المستقبل الذي كان يَرسمه له أهله وذَووه، لقد حانَت تلكم اللحظة في حياة ذلك الطفل الذي أكمَل العَقْد من عُمره، وأنْجَز مع الحاج أمجد حِفْظ نصف القرآن الكريم بفَضْل نباهته وفِطنته.

وذات ليلة، وبينما كان أحمد نائمًا في أحضان العمَّة سلوى زوجة الحاج أمجد، التي ما إن عَلِمت بأمر أحمد، حتى عامَلته كابنٍ لها، فكان يُسلِّي قلبها بعدما حرَمها الله من الذُّرية، لقد كانت متعلِّقة به كلَّ التعلُّق، فما تستطيع أن يُفارق بصرَها ولو للحظة.

على مَقربة من التلِّ الشمالي للقرية، كان الحاج أمجد منهمكًا في عمله، بينما أحمد لا يزال ينعم بدِفء الأمومة في أحضان أمِّه الجديدة، وما هي إلاَّ سويعات وينام الطفل في ذلك البيت الصغير الذي أكَلَت التصدُّعات جُدرانه.

ومع اقْتِراب الساعات الأولى من الفجر، ها هو الحاج أمجد يُقبل ونور العطاء يُشِعُّ في داخله، يدخل وهي ما زالت في ركوع، وما هي إلاَّ لحظات وتَنقطع صِلتها بالله، لتَلْتفت إلى زوجها بوجْهها البلوري الذي زانَه نور الإيمان، لقد كانا متوافقين بشكلٍ واضحٍ على طاعة الله في كلِّ لحظة من لحظات يومهما الذي يَقضيانه في قُرْب الله تعالى.

وبينما هما يتبادلان أطراف الحديث الذي لا تَكسوه إلا المحبَّة الراقية، والمودَّة الحانية، إذ بأذان الفجر يَنتشر بصداه في ربوع القرية التي أكَل الفقر أحشاءَها، وما هي إلاَّ دقائق ويَستيقظ أحمد؛ ليتوجَّه مع الحاج أمجد لأداء الصلاة في جماعة.

قبل تجاوزه للسنة الخامسة عشرة من عُمره كانت حياته جدّ عادية مع عائلته الجديدة، فقد كان يلعب مع الأطفال لا كالأطفال، ولكن في داخله يقينٌ بأنَّ هناك خطًّا آخرَ يُرسَم في حياته، لقد أتَمَّ حِفظه للقرآن بفَضْل البيت الطاهر الذي كتَب الله عليه النشأة والترعرُع في أحضان صاحِبَيه.

ما إن بلَغ الخامسة عشرة من عمره، حتى استفاق على واقع آخرَ، أخَذ شيئًا فشيئًا يعيش في وجدانه، وينعكس على تصرُّفاته، لقد أنْسَته السنون السنوات التي قضاها مُتنعِّمًا في ذلك القصر الذي يَقبع على التلَّة الخضراء التي لا يعرف لها مكانًا.

إنه يتهيَّأ لأحداث أخرى غير تلك الأحداث التي ارْتَسَمت في مُقتبل حياته، فقد انْبَتَرت علاقته تمامًا مع أيِّ ارتباطٍ بتلك الحياة، وبات متعايشًا ومُعايشًا مع تلكم الأجواء الجديدة المُشبعة بالبساطة والعَفويَّة.

لقد وعَت عيناه على الحاج أمجد والعمَّة سلوى، وهما على أحسن ما يكون المرء في قُربه لربِّه، وها هو يرتبط بتفاعلات هذه الحياة التي يُعايشها فيما يراه من أحداث تَجري في حياته معهما.

وما هي إلاَّ شهور قلائل، حتى لَم يَعُد أحمد ذلك الطفل البريء الذي كانتْ تَحتضنه عمَّته سلوى؛ حتى ينام على أنغام البؤس والفقر، لقد آن الأوان كي يستقلَّ بنفسه في معيشته، ورغم ذلك، فإنه ما زالَت تحطُّ خُطاه على عَتبات بيت الحاج أمجد والعمَّة سلوى، لَم يَنْسَ الأب الذي احتَضَنه والأم التي ربَّته؛ حتى شبَّ فتًى يافعًا.

على مقربة من ذلك البيت الصغير الذي يَقطن فيه الحاج أمجد والعمَّة سلوى، كان أحمد يعمل في بقالة الحاج رأْفَت صديق الحاج أمجد، الذي ما إن فاتَحه في الموضوع، حتى رحَّب بأن يكونَ أحمد بائعًا في بقالته الصغيرة، وكم كان سعيدًا عندما وافَق الحاج رأفت على أن يَبيت أحمد ليلته في هذا الدُّكان الصغير، فقد كان بلوغه مانعًا من أن يُقيم في بيته الذي كان.

ومع انتشار ظُلمة الليل الحالك، لَم يَنس أحمد تلك الليالي التي كان يرى فيها العمَّة سلوى تتفطَّر قَدماها من قيام الليل، ولَم يَنْس الحاج أمجد الذي كان يخرج من منزله منذ منتصف الليل، ولا يعود إلاَّ مع اقتراب ساعات الفجر الأولى؛ ليتبادلا أطراف الحديث الذي جمَعهم على كل خيرٍ مع زوجه؛ حتى يَصْدَع صوتُ الحق بأذان الفجر.

ومع مُضِي الأعوام التي عَمِل فيها أحمد لدى الحاج رأفت، تشكَّلت لَدَيه علاقات ممتدة مع أهل الحارة، وذات ليلة انتصَفت كان يَرقُب عمَّه الحاج أمجد وهو يُدلِج في خطاه، متوجِّهًا نحو جنوب المدينة، لقد عَلِم ما كان يقوم به الحاج أمجد كل ليلة، فوجَد في ذلك كلَّ خيرٍ ومِنَّة، ولكنه عزَم على أكثر من ذلك بعد ذلك.

اعتاد أحمد في يوم من الأيام وهو يساعد الحاج رأفت في العمل في البقالة الصغيرة، أن يُكثِر من قراءة الكتب التي أكْسَبته مهارة في التعامل مع مشكلات الحياة، لقد أكْسَبَته هذه القراءة بصيرةً وقَّادة، استَنارَت بنور الله نحو رِحلة التغيير في حياة مُجتمعه الذي تَرَعرع فيه، فقد كانتْ أوضاع الناس مُتردِّية حتى النُّخاع، وما عادَت الأوضاع تحتمل التأخير.

وذات صباح، وبينما أخَذت الطيور في الشقشقة، مُعْلنة انبلاجَ يوم جديد، ارْتَسَمت في معالمه بواكيرُ الحزن، لقد كان يومًا صعبًا، وجَد الحاج أمجد فيه نفسه وحيدًا بعد أن عاد مع اقتراب ساعات الفجر الأولى، ليجد زوجته سلوى وقد فاضَت رُوحها إلى بارئها، ساجدة بين يدي ربِّها، مُعلنة حياة أخرى في حياة الحاج أمجد الذي ارْتَسَمت تضاريس الحياة بعُجرها وبُجرها على تقاسيم وجْهه النَّدِي الذي أشرَق بنور العبادة والإيمان.

ومع توالي الأيام والليالي الحالكة، ما زال الحزن يَفيض به قلبه لفِراق زوجه وحبيبته، لَم يكن الحاج أمجد إلاَّ ذلك الزوج الذي ربَطَته بزوجه حبالٌ متينة من التعلُّق والمحبَّة، ولكنَّ قَدرَ الله الذي يؤمن به قد أعانَه على تلك الظروف القاسية المريرة.

بعد يوم مُضْنٍ ومُتعب قضاه أحمد في ترتيب البضاعة الجديدة مع الحاج رأفت، ها هو يجرُّ رِجله نحو البيت الصغير الذي تَرَعرَعت في جَنباته طفولته البريئة، ولكنه لَم يَعُد فيه ذلك الطفل المُدَلل الذي كان ينام في حضن عمَّته الحاجة سلوى - رَحِمها الله تعالى.

أدْرَك الحاج أمجد - الذي بدأَت الشيخوخة تنال من قوَّته، وتُزعزع طاقته - أنه قد حان الوقت ليُخبر أحمد الذي قارَب إكمال عَقده الثاني بسرِّه المكنون، إنه يعلم أنَّ عليه أن يُورث أحدًا مسيرته، وليس أجْدَر ولا أقْدر من أحمد قيامًا بذلك.

ما إن أخبَر الحاج أمجد أحمد بسرِّه، حتى بادَر إليه أحمد بالاعتراف بما حصَل في تلك الليلة، عندما سار خلفه وعرَف سرَّه، وتفهَّم الحاج أمجد حاجة في قلب أحمد، وعزَم أن يُدْلِجا الخُطى في كلِّ ليلة نحو ذلك الحلم المفقود الذي عجَزت رحلة حياة الحاج أمجد عن تحقيقه.

ومع توالي الليالي والأيام، عرَف أحمد أزِقَّة القرية على نحو لَم يَعْهده قبلُ في حياته في تلك القرية النائية التي كانا يعيشان فيها، ومع دخول الشتاء ببرده القارص، كان المرض قد أكَل جسَدَ الحاج أمجد الذي قارَب عقده الثامن؛ ليظلَّ أسيرًا للعجز والهَرَم شهورًا ليستْ بالقلائل.

لَم تَنقطع هذه المسيرة التي رسَمها الحاج أمجد، فقد استلَم أحمد الراية من بعده، وها هو يُحاول أن يُحقِّق في هذه المسيرة ما لَم يُحَقِّقه عمُّه الحاج أمجد، لقد عزَم أن يرسُمَ لهذه المسيرة خطًّا آخرَ يقضي فيه على البؤس والفقر والبطالة، التي تعاني منها قريته والقرى المجاورة، وذلك بعد أن رأى ما انتشَر في محيطه من جريمة أضْحَت تتفاقَم يومًا بعد يوم، حتى ما عاد أهل القرية آمنين في سِربهم.

وها هي ساعة الصفر تحين، ويَنثر الحاج أمجد وصيته الخالدة؛ ليُشنِّف بها مسامع أحمد، إنه يعلم أنَّ هذه المسيرة لا بد أن تستمرَّ، وأحمد يعلم بعد أن واراه الثرى أنَّ الحلم أكبر، وأن الواقع لا بدَّ أن يتغيَّر، وأنَّ يدَ الله مع الجماعة.

مع انقِضاء الأيام الأولى من وفاة الحاج أمجد، كان أحمد يعلم أنَّ هذه المسيرة التي استحثَّ فيها الخُطى خلف عمِّه الحاج أمجد - رحمه الله تعالى - لَم تَعُد مُجْدية أمام تلكم الأوضاع التي يُعاني منها مجتمعه في قريته وفي القرى المجاورة، فعلى الرغم من أنَّ هناك مَن يرعى أوضاع تلك الطبقة المتهالكة في المجتمع، إلاَّ أن المآسي الاجتماعية في تلك القرى المترامية ما زالَت تتفاقَم؛ حتى إنه ما عادَت تحت السيطرة.

لقد كان على قناعة بأنَّ هذه المسيرة الطيِّبة التي جعلَه فيها الحاج أمجد خليفة له، لَم تَعُد مُجدية منذ زمنٍ، وذلك في ظلِّ الأوضاع المُتَردِّية التي يواجِهها أهل قريته والقرى المجاورة، فقد استشرى الإجرام والسطو المسلَّح، عندها أعْلَن كفره بنظرية: "الفجر الكاذب"، وبدأ انبلاج نظرية جديدة في مسيرة حياته، وعندها كانت نقطة التحوُّل المُرتقبة.

بعد إكماله العقد الثاني من عُمره، ومرور عدة شهور على وفاة الحاج أمجد، كان يَجتمع إليه عند العشاء رِفاقه المقرَّبون الذين كان يُخفي عليهم قصته مع الفجر الكاذب، ولكنَّه يعلم أن ما يَترقَّبه يتطلَّب فريقَ عملٍ، وقد توافَق معه رُفقاؤه المقرَّبون أن يكونوا كذلك.

كانت علاقاته الممتدة التي أنشأها عندما كان يعمل في بقالة الحاج رأفت، جديرة بأن تُعينه على نقطة الانطلاق لبَدء مشروعه الطموح الذي سيُغيِّر به معالِم مجتمعه، وقد كان ما عُرِف به من طيب أخلاق وخدمة للناس، مؤهِّلاً له لأن يكون ذائِعَ الصِّيت، حتى خارج قريته التي يَقطن فيها.

ومع استمراره في المسيرة التي رسَمها له الحاج أمجد - رحمه الله تعالى - وأوْصَاه بالعضِّ بالنواجذ عليها، وجَد نفسه قائدًا لفريق يرسم طريقه نحو خدمة المجتمع، ولكن خدمة من نوعٍ آخر، وهذا ما جعَله يبدأ الانطلاق من جديد؛ لتحقيق مجد أُمَّته القادم.

لقد رأى هو ومَن معه أنَّ هناك ما يَستدعي المصارحة والمكاشفة، وتحجيم المشكلة ضمن حَجمها الذي يلائمها، فقد أصبَحت الوضعيَّة في القرية مُخيفة بعد أن غَشِيتْها الجريمة، حتى ما عاد المرء آمنًا على نفسه في سِربه، أمَّا الذين سكَنوا القصور فوق تلك التلال العالية، فإنهم لَم تَنفعهم كلاب الحراسة والأسلاك الشائكة التي لَم يَقهرها الفقر الذي غضَّمَضجعَ أهل القرى المجاورة لها.

ومع الساعات الأولى لانبلاج نور الشمس في فجر جديدٍ، كان أحمد وفريقه على موعد مع أحد سُكَّان التلال العالية، إنه الحاج الوجيه محمد الذي عُرِف عنه مبادراته الإنسانيَّة التي غرَسَت في قلوب الناس حبَّه ومودَّته، لقد كانوا على موعد للتوافُق مع بداية رحلة التغيير في مجتمعهم الذي يعيشون فيه تعاونًا على البر والتقوى.

كان هناك ترحيب بالفكرة، وتفهُّم لها، وإيمان بأهميتها، إنها فكرة ستحقِّق الاستقرار والطمأنينة في البلدة بقُراها وسهولها، وها هم يَستعدون للتنفيذ على أرض الواقع.

في اجتماع أحمد وفريقه مع الحاج الوجيه محمد ومجموعة من التجار، كان هناك أيضًا تفهمٌ وقَبولٌ لفكرته، وأنَّ الناس بحاجة إلى مبرَّاتٍ لسَدِّ جوعهم، فالكثير من الشيوخ والثَّكالى والأرامل من أهل القرى، لا يجدون قُوتَ يومهم، وثَمَّة شاب في تلك القرى في مُقتبل العمر، ولكنه يَنتظر مَن يَحتضنه؛ حتى يبدأ حياة كريمة يستغني بها عن غيره.

ومن هنا كان التكليف لأحمد وفريقه بإنشاء مبرَّة خيرية في كلِّ قرية من القرى، فكانت هذه المَبرَّات مقصدًا للفقراء والمحتاجين والمعوزين، ممن أضْنَى الجوع أجسادهم، وأتْعَب الضَّنك تفاصيلَ حياتهم.

لقد أصبَحت هذه المبرَّات يُطْعَم فيها الجائع، ويُكسى فيها العاري، وتتحقَّق فيها الإعانة للملهوف، وشيئًا فشيئًا لَم تَعُد لتلكم النظرية المتهالكة أيُّ بريق في حياة أحمد، فقد كان سَدُّ حاجة مَن تكفَّل برعايتهم امتدادًا لمسيرة الحاج أمجد - رحمه الله تعالى - من خلال هذه المبرَّات الخيريَّة.

وبجانب تلك المبرَّات، وحتى تستقرَّ الأوضاع في المجتمعات القروية؛ حيث كانت العصابات الخطيرة منتشرة، يَنضم إليه شباب أهل القرية والقرى المجاورة، كان هناك تبنٍّ لتدريب شباب القرية على صناعات وحِرَف معينة، والتي أسْهَمَت بشكلٍ كبير في صناعة توجُّهاتهم؛ لتمتدَّ بعد ذلك بإسهامٍ إلى القرى المجاورة، وذلك حتى انْبَلَجت ثقافة أخرى في فكر ووِجْدان شباب أهل البلدة.

ومع توالي الأيام والشهور، وانصرام السنين والدهور، لَم تَعُد ظاهرة العصابات المسلحة تَبرز ذلك البروز المسيطر على المجتمع، وكان الاستقرار قد تنعَّم به أهل التلال العالية قبل أهل الوِديان السحيقة، لقد انتهَت صناعة الإجرام في تلكم المجتمعات، وبدأ عهد الأمان والاستقرار بفَضْل انصهار الجدار الثلجي الذي كان يحول بين أبناء المجتمع: غنيِّهم، وفقيرهم.

لقد بدَأَت أفكار أحمد وفريقه تتشكَّل في وِجدان المجتمع، وتَبَلْوَرَت هذه الأفكار وتشكَّلت؛ حتى أضْحَت ثقافة في تفاعلات المجتمع الذي كان ينشده؛ حيث شكَّلت جانبًا كبيرًا من واقعهم، وبريقًا ناصعًا لمستقبلهم المنشود.

وشيئًا فشيئًا لَم يَعُد للفقر والعوز صُورته الواضحة البادية التي كان يَلحظها كلُّ مَن يعرف تلك القرى التي تُحيطها التلال العالية، ولَم تَعُد مآسي المجتمع لا تَستوعبها الطاقات، وتحول دونها القُدرات، لقد أيْقَنَ أحمد وفريقه وجميع أهل بَلْدته، أنه لَم يَعُد ذلك الواقع المرير مفروضًا في أزِقَّة وحارات البلدة التي انْبَلَج في حياتها فجرٌ جديد توارَثوه جيلاً بعد جيل.


نظرة الحب 04-08-2015 08:44 PM

طرح رائع قلبي

وربي مايحرمنا من تواجدك وجديدك الراقي

قمر 04-08-2015 09:05 PM

سلٍم لنآ هذآ الإبدآع
لك أرق التحآيآ وأعذبهآ
تحياتي تسبق مودتي http://forums.fll2.com/images/smilies/maahdi/105.gif

هدوء 04-08-2015 09:16 PM

وجدت هنا موضوع وطرح شيق
ورائع اعجبني ورآق لي
شكراً جزيلاً لك .
وبالتوفيق الدائم

جنــــون 04-08-2015 10:10 PM

جلب جميل
وأسعدني محتوى الموضوع
لأن فيه فائدة

أحب اشكرك على هذا الجهد



فائق :
احترامي وتقديري


http://www.imageslove.net/ar/photos/...707609_927.gif


اختك
جنون ( نبض قصايدليل )


http://www.rjeem.com/uploadcenter/up...1349660565.gif

عسولة القصبيه 04-09-2015 12:32 AM

طرح رـآئع
لآعدمنـآ جمـآل ورؤعه جلبكِ وـآنتقآئكِ ـآلمميز
سلمت يمنــآك من كل مكروهـ
طبت

مْلكَة زمْانــْے 04-09-2015 03:00 AM

http://img718.imageshack.us/img718/4...abeermahmo.gif
http://img291.imageshack.us/img291/6992/fk1g5u.gif
يسلمواااااا ع الطرح الراقى و الفائدة و الجلب الراااائع
شكـــ و بارك الله فيكم ــــراً جزيلاً ... دام لنا هذا التميز
الله يعطيكم العاااافية ع المجهود ... لا خلا و لا عدم
و أنتظر جديدكم من إبداااااعات ... بكل لهفة و شوق
و لكم شكرى ... قبل ردى ... تح ـياااااااتى و تقديرى
http://img291.imageshack.us/img291/6992/fk1g5u.gif
http://img72.imageshack.us/img72/244...m13c276162.gif

إرتواء نبض 04-10-2015 02:16 AM

أَشكُرُ لكٍ مجهودٍك البَآذخ في أرض روَآئعنَآ
رَآق لي مَآ وُجٍدَت هنَآ جدًآ
ونَآلَ إِستحْسَآنَ ذَآقتي
قَوَآفل نَرجسِيَةَ لِ روحِكْ وَإمتِنَآنٌ كَثِيفْ لِ يَمينك

http://www.design-warez.ru/uploads/p...n62xldrmj1.gif

أوتآر هآدئه 04-10-2015 04:03 PM

،*
لَوحات راَئعة تُشبه اشْراقَة الشَمسْ
بعَد يَوم غَائم..~
تقديري واحترامي لك
لك جُوريه مَغْمُوسه بِطُهر الفَجْر

ودِي

/*

عازفة القيثار 04-12-2015 05:06 AM

طرح جـميل وراقـي .. !!
دام التألق... ودام عطاء نبضك
كل الشكر لهذا الإبداع,والتميز
لك مني كل التقدير ...!


الساعة الآن 12:02 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية