منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   المفهوم الصحيح لكلمة لا إله إلا الله (2) (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=232210)

جنــــون 01-16-2024 05:05 AM

المفهوم الصحيح لكلمة لا إله إلا الله (2)
 
المفهوم الصحيح لكلمة لا إله إلا الله (2)


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما بعد:



فاعلم أن من أعظم الوسائل المُعِينة على تصحيح مفهوم كلمة التوحيد وتحقيقها ما يلي:

أولاً: تحقيق شروطها:

1- وأول شروط كلمة التوحيد العلم والفهم لكلمة التوحيد "لا إله إلا الله"؛ كما قال -تعالى-: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19]، فمن لم يفهم لا إله إلا الله، ووقع في الشرك وهو لا يدري، فما فائدةُ استغفاره وعباداته؟!

قال البخاري -رحمه الله- بعد سَوْق هذه الآية في ترجمته: "باب: العلم قبل القول والعمل".



فقد صدق؛ إذ ما أتى مَن ضل مِن هذه الأمَّة بالشركيات أو بالبدعيات إلا لأنهم لم يَعلموا قبل أن يقولوا أو يعملوا.



فهذه قاعدة جليلة كلية من هذا الإمام الجليل -رحمه الله- تنطبق على الأعمال والاعتقادات معًا.



وأيضًا قال -تعالى-: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86].



ويُستفاد من هذه الآية والتي قبلها، ومن قاعدة البخاري: أنه ينبغي أن يُترجم للداخلين في الإسلام قبل أن ينطقوا بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، ما معناها على أقل تقدير، ثم ما شروطها، وما مقتضياتها، وكذلك ما تأمر به وما تنهى عنه ليعرفوا ما يأخذون وما يذَرون.



فلا إله إلا الله؛ معناها: لا معبود بحقٍّ إلا الله، فليس معناها لا مُطاعَ إلا اللهُ، أو لا موجودَ إلا الله.



فالأصل في العبادة: الخضوعُ مع المحبة لكل ما أوحى اللهُ؛ فمن خضع للوحي بلا محبَّة فلم يعبُدِ اللهَ حقَّ عبادته، كما أنَّ من ادعى المحبة ولم يتبع الوحيَ ولم يخضعْ له، قد كذَب ولم يعبده حقَّ عبادته.



فـ"لا" جاءت بعدها "إلا" وهي من أساليب الحصر المعروفة؛ فحصرت "لا إله إلا اللهُ" العبادةَ بحقٍّ لله وحده، ونفتْها عن كلِّ ما سواه.



كما جاء في قوله -تعالى-: ﴿ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ﴾ [الأعراف: 169].



قوله -تعالى-: ﴿ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [الأعراف: 169]، تستلزم دلالة تضمن أن لا يعمل إلا بما يرضي الله من العبادات العملية كذلك؛ كما أمر الله في الآية بدراسة ما فيه؛ إذ من لم يدرُسِ الحقَّ، فكيف يعرفه ويعمل بما فيه؟!



فكذلك قوله -تعالى-: ﴿ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ﴾ [القلم: 37]، فيه إشارة إلى أن الكتبَ لا بد أن يُدرسَ ما فيها؛ ليعلم ما فيها، كما أن الذين يُعرِضون عن دراسة كتاب الحقِّ يَكفرون كذلك؛ كما قال -تعالى-: ﴿ حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأحقاف: 1 - 3].



وقال -تعالى-: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 146].



فسببُ انصرافهم عن آياته -سبحانه- هو التكبُّرُ، وبطَرُ الحق؛ حتى أورثهم ذلك تكذيبَ آياتِ الله، والغفلة عنها كما ترى.



وقال -تعالى-: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79].



هذا توجيه من الله -سبحانه- بأن يقول النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأمَّته جميعًا بدون استثناء: كونوا ربانين، تعلِّمون الكتاب والسنة وتدرسون.



وفي الآية أيضًا ردٌّ على النصرانية التي افترت على عيسى ابن مريم -عليه السلام- حيث لم يقلْ لهم: ﴿ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 79]، بل هذا ما يأباه العقل السليم.



وقال -تعالى-: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]، وقال -تعالى-: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3].



فكيف تتم النجاة من الخُسران؟ وكيف نكون من جملة متَّبعي رسول الله الذين يراد منهم أن يكونوا على بصيرة من أمرهم لا كالضالين النصارى؟ وكيف نكون متواصِين بالحق؟ وكيف نكون من الصابرين عليه؟ وكيف نكون ممتثلين أمرَ الله بأن نكون ربَّانين نعلِّم الكتاب وندرُس ما فيه إلا بالسعي إلى تعلُّم العلم، وعدم الإعراض عنه؟ إذ فاقدُ الشيء لا يعطيه، وكل إناء بما فيه ينضح.



وقال -تعالى-: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ * وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 16، 17].



وهذه الآية دليلٌ على أن غالب الناسِ الذين يُعرضون عن تلقي العلوم يَطبع اللهُ على قلوبهم، ثم يتَّبعون أهواءهم ويضلون، ثم يكون مصيرُهم إلى النارِ، وبئس المصير -والعياذ بالله- إلا من عصمه الله بإيمانه وإخلاصه، ووفَّقه ولو قلَّ علمُه، والآية نزلت في صفات المنافقين.



أما الذين اهتدوا بالعلم، فيَزيدهم الله هدايةً على هدايتهم، ويؤتيهم تقواهم، كما صرَّحت به الآيات.



وقد جاء في الحديث: ((مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يفقِّهْهُ في الدِّين)).



فمفهوم مخالفة الحديث: من لا يرد اللهُ به خيرًا لا يفقِّهْهُ في الدين؛ نبَّه على ذلك الإمامُ ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: "مفتاح دار السعادة".



فمن ذا الذي يرضى ألا يريدَ اللهُ به خيرًا، وأن يصيبه شرٌّ في الدنيا، أو في الآخرةِ إلا من خذله الله، والمرحوم والموفَّقُ هو مَن رحِمه الله، وحفِظه بسبب إخلاصه وإيمانه ولو قلَّ علمُه، أو بسبب إيمانه وعلمِه الذي عمِل به.



فاعلم أن العلماء قسَّموا التوحيد ثلاثة أقسام، وذلك ما كان إلا بعد استقرائهم للنصوص كلِّها، فعلموا أنه ينقسم إلى توحيد الربوبيةِ، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وقد يُجمَع توحيدُ الربوبية مع توحيد الأسماء، فتكون القسمة اثنتين، والله أعلم.



إلا أن بعض الجهال العوام -هداهم الله- ظنوا أن ذلك تقسيمٌ للتوحيد نفسه، وإنما أُتُوا من سوء فهمِهم.



أما توحيد الربوبية، فهو الإقرارُ بالقلب، والاعتقاد باليقين الجازم أن ما في السموات والأرض كله بيد الله.



• فيُلزمك هذا الذي وصفتُه لك الاستسلامَ لله وحده، وعبادتَه وحده، والتوكلَ عليه وحده، والثقة فيه وحده، واتخاذه وليًّا وحده؛ إذ هو الذي يُطعِمُ وحده ولا يُطعَمُ، والذي يضر وحده وينفع، ولننجو برحمة الله وفضله في يوم القيامة عندما يقول الله -تعالى- لغير المستسلمين في الدنيا: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾ [الصافات: 24 - 26].



فلا يجوز -مثلاً- أن تصيح أمَّةُ التوحيد للاستغاثة بأمم متحدة أو صليب أحمر -والعياذ بالله- أو هلال أحمر؛ ناسيةً ربَّها، وخالِقها ورازقها، الذي يُطعِم وحده ولا يُطعَمُ، والذي هو يُغني ويُفقر، وخيرُه أوسع وأعظم، والذي ينزِّل البركاتِ والأمن لمن آمن.



وقد قال -تعالى-: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 66].



فإذا كانت أمة بني إسرائيل التي ليست لها أمة سابقة بالخيرات ينعِّمُهم الله بهذه النِّعم العظيمة، فما ظنك بأمَّةِ خير خلق الله التي منها السابق بالخيرات، والمقتصد، والظالم لنفسه، الذين وعدهم الله الجنة؛ كما جاء ذلك في آية فاطر؟ وبالإضافة إلى ذلك كله تلاحظ أن الله -سبحانه- قد ذكر في سياق الامتنان على بني إسرائيل أنَّ كثيرًا منهم فاسقون.



وقال -تعالى-: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].



وقال -تعالى-: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16].



وقد قال -تعالى-: ﴿ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 12] إلى قوله -تعالى-: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ﴾ [الأنعام: 14].



وقد جاء في الحديث القدسي: ((يا عبادي، كلكم جائعٌ إلا من أطعمتُه؛ فاستطعموني أُطعِمْكم)).



واقرأ كذلك أول سورة الأنعام كيف أن الله سبحانه خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم إن الذين كفروا بربهم يعدلون؛ أي: يسوون اللهَ بغيره من الأنداد، بدل أن يشكروا لله وحده ويعبدوه، ثم ذكر الله -سبحانه- بعد ذلك خلْق الإنسان ومادته الأولى التي خلقه منها، وأنه قضى أجلاً، وأجلٌ مسمًّى عنده، ثم بعد ذلك كله يشك الإنسان في خالقه ورازقه وخالق الأكوان والملكوت، ومدبِّره ومنظِّمه، وضابطه بحيث لا يضطرب، ولا الشموس تتصادم، ولا السموات تقع على الأرض، ولا الأرض تَميد وتهتز على ساكنيها؛ ليتمكنوا من العيش فيها، ولا البحار تطغى على اليابس، ولا اليابس يأبى الحرثَ فيه، ولا دفْنَ الأموات فيه، ولا البناء عليه، ولا حفر الآبار، واستخراج الماء، وسائر الكنوز منه، وقد قال -تعالى-: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾ [المرسلات: 25، 26].



وقال -تعالى-: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [لقمان: 11].



أما توحيد العبادة، فهو أن تقصد بأعمالك وجه الله وحده؛ مبتعدًا عن الشرك، قال -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 21] إلى قوله -تعالى-: ﴿ ... فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].



فهذا أول أمر جاء في سورة البقرة يأمر بعبادة الله وحده؛ إذ ما خلقَنا الله والذين مِن قبلنا -بل والجن والإنس- إلا لعبادة الله وحده، ولنتَّقيَ الله وحده، ولنعترفَ له بنعمِه ونشكرَه.



ثم ذكر الله -سبحانه- في الآية التي بعدها آياتٍ من آياته الكونية التي تدل على عظمةِ الله، وأنه هو الخالق وحده، وأنه هو الربُّ وحده الذي يستحق العبادة وحده، ثم ختم ذلك بقوله -تعالى-: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].



إذ توحيد الربوبية لا بد أن يستلزمَ عبادة الله وحده، وهذا ما يدل عليه قولُه -تعالى- في سورة الأنعام، قال -تعالى-: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ﴾ [الأنعام: 102].



وقد جاءت هذه الآية بعد الحديث عن الآيات الكونية العظيمةِ التي خلقها الله؛ كما نبهت إلى بديع صُنْع الله -سبحانه- في ملكوته.



وهكذا جاء في سورة غافر آية تشبه آية سورة الأنعام بعد ذكر الآيات الكونية؛ لتحملنا معرفة ذلك على إفراد الله بالعبادة وحده، قال -تعالى-: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [غافر: 62].



بل كان كفار قريش يعتقدون توحيد الربوبية، وأن الله -سبحانه- خالقُهم ورازقهم ومدبِّرُ أمورهم، كما كانوا يتعبدون بصِلَة الرحم، والإحسان إلى الضعفاء والمساكين، وترْك الظلم، وعمارة المسجد الحرام، والرِّفادة، والسقاية، والنَّذر، والعتق، وغير ذلك، لكنَّ كلَّ ذلك لم ينفعْهم شيئًا؛ إذ أشركوا في العبادة -التي يستحقُّها الخالقُ - المخلوقَ الضعيف.



قال -تعالى-: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31]، وقال -تعالى-: ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ [المؤمنون: 84 - 89].



إذًا لا بد من الحذر العظيم من الشرك، مهما كان، وكيفما كان، وأينما كان؛ فإن عاقبته وخيمة، وعقابه عظيم، فقد قال -تعالى-: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].



وقد بيَّن الله -سبحانه- كيف تُخْلَصُ له العبادةُ وحده -بفضله ورحمته الواسعة- في سورة الفاتحة التي نكرِّرها في اليوم والليلة سبْعَ عشْرةَ مرة في الفرض فقط، فقال -تعالى-: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].



كما ذكر الله -سبحانه- فيها أعظمَ دعاء في هذه الدنيا على الإطلاق، وهو أن يرزقك اللهُ الاستقامةَ على الصراط المستقيم صراطِ المُنعَمِ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، ولا يُنال ذلك بعد توفيق الله إلا بإخلاص العبادةِ لله وحده، والعمل بالسنَّة والشرعِ المطهَّر؛ إذ هذا هو المقصود من الاستقامةِ على الصراط المستقيم.



وقد جاء في الحديث: ((إذا سألتَ فاسأل اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله))، وقال -تعالى-: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].



وانظر وتأمل معي في سورة الذاريات، وقد تحدَّث الله -سبحانه- في بدايتها عن عباده المحسنين وعباداتهم، ثم قال: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22]، حتى حلف الله بنفسه -سبحانه- على تلك الحقيقة، وأن ذلك حقٌّ لا مريةَ فيه مثل ما ننطق تمامًا؛ مما يدل على أن الله -سبحانه- يُطمئننا على همِّ الرزق؛ لنتفرغ لعبادتِه وحده، ولنثقَ به وحده، ونتوكل عليه وحده، ولنكونَ بذلك موحدين حقَّ التوحيد.



وهكذا بعدما تحدث اللهُ في آخر السورة عن الغاية مِن خَلْق الإنسان، وأنها لعبادة الله وحده، أمرهم ألا يجعلوا همَّهم الأعظم في جمع الأرزاق أو الجري وراءها، بل عليهم أن يعلموا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وقال -تعالى- في قصة مريم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37].



وقال -تعالى- بعدما انصرف أناسٌ من الخُطبة إلى التِّجارة: ﴿ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 11]، فقرن اللهُ هنا -كما ترى- بين اللهو والتجارة؛ إذ شغلت عن الخير والعبادة.



أما توحيد الأسماء والصفات، فمعناه أن تُثبتَ لله أسماءَه وصفاته التي ثبتت بالكتاب والسنَّة، وتعبدَ بها ربَّك، من غير تحريف، ولا تأويل، ولا تشبيه، ولا تكييف، ولا تعطيل، ولا تفويض لمعانيها التي هي معلومةٌ حقيقةً، بل الواجب علينا ألا نكيِّفَها، بل نثبتها لله حقيقة كما يليق بجلاله -جلَّ جلاله-.



نسأل اللهَ -سبحانه- الإعانة على تحقيقِ توحيده، وفِقْه دينه؛ إنه هو المولى والقادر على ذلك، كما نسأله التوفيقَ والسَّداد.



• هنا أحب أن أُنبِّه على أن الاسمَ الصحيح الذي يجب أن يُطلق على اليهود هو "بنو إسرائيل"، وليس "إسرائيل"، كما سمَّوا أنفسهم كذلك، واشتهر بين الناس في هذا العصر، فإسرائيلُ هو النبي الكريم يعقوب -عليه السلام- كما هو معلوم، وبالله التوفيق

مديونه 01-16-2024 12:19 PM

لجهودك باقات من الشكر والتقدير

على روعة الطرح


https://a3zz.net/upload/uploads/imag...7891e79eef.gif

ضامية الشوق 01-16-2024 01:00 PM

جزاك الله خيرا

إرتواء نبض 01-16-2024 06:54 PM

ع ــناقيد من الجمال
تحيط بروعة الحروف
سلم حسك وبيانكـ
دمت بتميز

مجنون قصايد 01-17-2024 12:43 AM

بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

روح الندى 01-17-2024 02:03 AM

جزاك الله خير

المهرة 01-18-2024 02:46 AM


https://img-fotki.yandex.ru/get/5640...b6e077c1_L.png


بااارك الله فيك وفي جلبك
وطرحك الطيب
وجزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
عرضهاا السموات والارض اشكرك
وسلمت الايااادي ويعطيك ربي الف عافية
تحيتي وتقديري وبانتظااار جديدك دمتي
وكوني بخير


https://img-fotki.yandex.ru/get/5640...b6e077c1_L.png
























































































ملكة الجوري 02-15-2024 03:12 PM

جزاك الله خيـــر
وزادك رفعه ورزقك الجنان


الساعة الآن 07:51 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية