منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=12)
-   -   قلب صائم .. قصة قصيرة (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=174175)

ضامية الشوق 04-30-2020 12:22 AM

قلب صائم .. قصة قصيرة
 
كان ( أبو عثمان الكنفاني ) عصر يوم حار من أيا م شهر رمضان ، منهمكا" في عمله أمام فرن الكنافة ، تحت شجرة الكافور الوارفة الظلال ، أمام دكانه في رحبة القرية الواسعة ، وقد رصت على نضد خشبي بجوار الفرن غرابيل الكنافة ، التي تفوح منها رائحة يسيل لها لعاب الصائمين المتجمعين قريبين من شجرة الكافور، كعادتهم ساعة ( العصاري ) يسلون صيامهم بعدما صلوا العصر في جامع العمدة وخرجوا بعدها بمسابحهم ليجلسوا في ظل الكافوره ، ويستمتعوا بمشهد عم ( أبو عثمان الكنفاني ) ، وهو مشمر كمه عن ساعديه حتى أعلى كوعيه ، ويروح بمهارة ، فائقة بين حلة العجين ، والصاج النحاس أعلى الفرن والمدهون بالزيت ، ثم تدور يده بالسطل في حركات دائرية متقاطعة ماهرة ، حتى يكتمل الغربال ، ثم يضع السطل جانبا" ، وينتظر حتى يستوي الغربال ، و( ينس ) وتفوح رائحته ، فيلمه بنفس السرعة والمهارة التي رشه بها قبل أن يحترق ، ثم يطبقه كالمثلث ، ويضعه على النضد الخشبي بجوار الميزان ، ويغطيهم بورقة جورنال ويضع فوقها قطعة حديد كحد ودة الفرس ليثقل الجورنال فلا يطير ويحفظ للغرابيل اتزانها ، ورصتها ، منتظرا" زبونا ، فيرفع قطعة الحديد ، والجورنال ويسحب غربالا" وراء غربال ويزنه حتى يزن الميزان المطلوب نص كيلو أو كيلو أو يزيد ، ثم يعيد الجورنال وقطعة الحديد ، ويعود للسطل ، ولحلة العجين ، ليرش الكنافة من جديد ، بعدما ينظف الصاج بليفة نظيفة مدهونة زيت ، فإذا سخن الصاج ، وتصاعد منه دخان رش من الكنافة غربالا" ثم يلمه ، وهكذا حتى ينتهي من حلة العجين كلها ، فيطفئ وابورها ، وينظف صاجها ، ويجلس على كرسيه ينتظر زبائنه من العصر حتى قبيل المغرب ، ويدخل بيته بعدما يحمل الميزان والنضد الخشبي والوابور وصاج الفرن ليوم غد ، وهكذا طوال شهر رمضان الكريم ، هو( أبو عثمان الكنفاني ) رجل لا يعرف الابتسامة ، جد فوق العادة ، صارم ،متجهم ، متقشف شديد التقشف حتى البخل ، غضوب ، ويصب غضبه دائما" ، ويبعثر صياحه ، ولعناته على ابنته ( فاطمة ) ، التي تجلس جنب الفرن تساعده في كل ما يطلبه منها وعينيها عليه دائما ، تنتبه لكل إشارة ، وكل لمحة منه ، وهى تمسك المذبة لتذب بها الذباب والهوام عن غرابيل الكنافة ، وحلة العجين حتى ينتهي والدها من رش الكنافة كلها ، وهى لا تألو جهدا" ، ولا تقصر معه ، ولا تغفل عن نظرته ، ولا تسهو حتى عن همسته ، رغم حرارة الجو ، ولهيب نار الفرن ،التي تلفح وجهها الطفولي ويكاد ييبس براءته ، ونداوته ، صابرة ، متصبرة ، حتى على حدة أبيها ، وتجهمه ، وصرامته ، وغضبه ، وسخطه ، متحملة رغم صغرها كل ما حملها به ، ويحملها من حمول ، لا تتناسب مع سنها الغضة ، هاتي ، روحي ، يا مقصوفة الرقبة ، حكيم ، سكين ، لكمة ،ساطور.... ، وما يجد من كلمات في قاموس اللعنات ، وإذا زلت يجرها في التراب الحامي من شعرها المنكوش ، بعدما يطرح عنها إ****ها المشجر ، لا يرحم استعطافها ، ولا يلين لبكائها ، وصراخها ، ولا يرق لها قلبه الصائم عن كل معاني الحنو ، فكان يقول لمن يحاول إفلاتها منه وهو يعجنها تحتها بقسوة :
- اكسر لها ضلع يطلع لها عشرة .
والحقيقة على ما نراه منه معها كسر لها كل ضلوعها ، ولم يطلع لها ضلع واحد ، وكانت
( فاطمة ) تغبط من في عمرها على ما هن فيه من حرية ، وحب ، ومرح ، وعطف من أبائهن وأمهاتهن ، وكانت تتمنى أن تنطلق من قبضة أبيها ، وأن تحل ضفائرها المجدولة ، والمطروحة على عارضيها بشريطها الأحمر ،وتجرى ، وتجرى ، وتنط ، وتقفز ، وتتزحلق على المراجيح ، وتتدحرج ، وتضحك ، وتكرر ، ويكون عندها عروسة تضمها ، وتلعب بها ، وتناجيها آخر الليل وتأخذها في حضنها قبل أن تنام ، ولكن كل أمنياتها هرست في فظاظة أبيها ، وغلظته ، وشاخت أحلامها فوق جبينه المتجهم ، كأنها عار لصق به ، وكأن صورتها أمامه تبعث فيه الغضب لأنها تذكره بشيء ولى ومضى مع أمها ، لكنه لا يزال راكدا" في قاع الذاكرة ، تحركه فاطمة بطلة وجهها وهى صورة مصغرة من وجه أمها ، أمها التي لم يقصر معها في شيء لكنها كانت لا تحبه ، رغم حبه لها ، ولا تطيق العيش معه ، وتكيل له اللعنات كيلا" ، وتعايره بفقره ، وعوزته ، وتندب حظها التعس الذي ساقها إليه ، ودفن شبابها ، وجمالها في حضنه ، وبيته ، وفقره ، وكانت دائما" ترى أن بنتها ( فاطمة ) غلطتها منه ، وتندب حظها ، وتلعن ساعة حملها ، ويوم ولادتها ، وكانت حياته أتون من الجحيم معها لا ينطفئ تماما" مثل آتون فرن الكنافة ، رغم أن هذا الأتون ينطفئ قبل الغروب ، ثم يشتعل عصرا ، لينطفئ أحد عشر شهرا" كاملة حتى رمضان القادم ، أما آتون زوجته فدائما كان في بيته مشتعلا" لا تنطفئي ناره ، هي جحيم دنياه ، وترحل الأم فجأة ، يشتعل فيها وابور الجاز ، فتأتي عليها النار ، بداية من نار ، وحياة من نار ، ونهاية من نار ، وتترك له فاطمة بعدها صورة منها تذكره بها وبجحيمها ، وتشرب فاطمة من المر كؤوس ، وتدفع عن أمها فاتورة الجحيم دون أدني ذنب ، كان لا يناديها إلا :
- يا مقصوفة الرقبة .
ودعواته لها :
- جاءتك مصيبة تريحني منك كما أراحتني من أمك .
وفاطمة ، تسمع وتسكت ، تشرب متصبرة ، قليلة الحيلة هي ، كثيرة الصمت هي ، وكأنها خرست ، شاحبة كالليمونة ، ذابلة ، عطشة ، تتمنى الموت لنفسها حتى تستريح من غلظة أبيها ، وقلبه الصائم عن الحب ، وكراهيته لأمها فيها ، وفي هذا العصر القاسي ، الذي يلفح الوجوه بناره ، ويلسعه بلظاه ، كانت نيران شتى تشتعل في ( فاطمة ) ، نار الفرن ، ونار الجو القائظ ، ونار أبيها الذي يكيل لها السباب بداعي وبدون ، لم يقترب منه أحد هذا العصر ليشتري منه غربال كنافة واحد ، فتكومت الغرابيل على النضد ، غطاها بالجورنال كالعادة من الهوام والغبار ، طار الجرنال فجأة بعيدا" لما لفحته هبة ريح ، زجر فاطمة ، وأمرها أن تأتي بالجورنال ، فذهبت البنت جريا" وراء الجرنال الذ ي يعبث به الريح أمامها حتى صادته منه ، وعادت به ، على
حين جلس ( أبو عثمان الكنفاني ) بجوار الفرن يغسل حلة العجين ، والسطل ، ويديه وساعديه ، وغافلتهما عنزة أبو دردير التي كانت تحوم من لحظات حول النضد تتحين الفرصة ، وفاطمة تزجرها ، فتبتعد العنزة لتعود، فلما ذهبت فاطمة جريا" وراء الجورنال وجلس أبو عثمان يغسل الحلة ويديه وساعديه ، عادت العنزة وشدت أطراف الغرابيل المتدلية من النضد ، فتناثرت على الأرض وتبعثرت ، فغضب أبو عثمان غضبا" شديدا" ،وصاح صارخا" في بنته فاطمة :
- العنزة يا ملكومة .
فجرت البنت وراء العنزة تقذفها بالطوب ، ثم عادت لتلم الطرابيل وتعيدها للنضد كما كانت وهى خائفة ، فاقترب منها أبو عثمان غاضبا"، ولم يمهلها نفسا" لتعتذر وهى لا ذنب لها عندما غافلتهما العنزة ، ولكن أنى ينفع رجاءها ، واستعطافها ، وخوفها مع رجل بطبعه غضوب ، فرفع سنجة الميزان فجأة ، وبدون كلمة ، هوى بها على رأس فاطمة وهو يصيح :
- لكمة .
غاضت السنجة في رأس فاطمة ، وغاصت فاطمة في لجة من دمائها الحارة ، وراحت في غيبوبة أبدية ، ليهوى والدها بجوارها بعدما فاق ، وحل عنه الغضب ، كان وهو يجلس بجوارها كأنه عاد من سفر بعيد ،أو كأنه يصحو من سبات عميق ، أو كأن حجابا" أسود كان يغطيه وانزاح عنه فجأة في تلك اللحظة المصيرية ، واحتضنها ولأول مرة ، وبكى ولأول مرة ، وصاح منتحبا":
- فاطمة بنتي ..
وأخذ يقلبها ،يمينا" ويسارا" والناس حوله باكين وينادي :
- اصحي يا فاطمة .. اصحي يابنتي ... اصحي..
وفاطمة لا تصحو أبدا" وكيف تصحو وهي في رقادها الأبدي ، كانت تعلوها ابتسامة غريبة لها معاني كثيرة ، وعلا آذان المغرب من جامع العمدة ، وأفطر الناس إلا أبو عثمان ظل صائما مثلما كان صائما|، يعصره الندم خلف القضبان مقيداً، يدهمه منظر فاطمة في دمائها فيصرخ بعلو حسه محاولاً تحطيم قيوده مناديا" بندم لا طائل منه إلا الحسرة :
- فاطمة سامحيني يا بنتي ..
محمد عبدالنعيم

نبضها حربي 04-30-2020 12:26 AM

طرح رائع

البرنسيسه فاتنة 04-30-2020 12:30 AM

راقني انتقائك الماسي
تسلم يمينك
ودام عطائك العذب
پآقة ورد
http://www.hamsatq.com/vb/images/fac/14.gifhttp://www.hamsatq.com/vb/images/fac/14.gif

عـــودالليل 04-30-2020 07:08 PM

جمال الاختيار
خلفه ذآئقة جميله جدا

تعرف ماذا تقدم

محتوى الطرح اكثر من راقي

من الاعماق
اقدم لك شكري واحترامي




ليل المواجع
محمد الحريري

مجنون قصايد 05-01-2020 01:43 AM

ماشاء الله تبارك الرحمن
ذوق في اختيارك
وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه
‏لك كل
تقديري واحترامي
مجنون قصآيد

نجم الجدي 05-01-2020 01:58 AM

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع


حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك


اخوك
نجم الجدي

نظرة الحب 05-01-2020 06:26 PM

بارك الله فيك على الموضوع
القيم والمميز
وفي انتظار جديدك
وكل التوفيق لك يا رب

ضامية الشوق 05-01-2020 08:02 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نبضها حربي (المشاركة 3693637)
طرح رائع

تـوآجدك الرائــع ونــظره منك لموآضيعي هو الأبداع بــنفسه يــســعدني ويــشرفني مروورك الحاار وردك وكلمااتك الأرووع لاعــدمت الطلــّـه الـعطرهـ

ضامية الشوق 05-01-2020 08:04 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة البرنسيسه فاتنة (المشاركة 3693650)
راقني انتقائك الماسي
تسلم يمينك
ودام عطائك العذب
پآقة ورد
http://www.hamsatq.com/vb/images/fac/14.gifhttp://www.hamsatq.com/vb/images/fac/14.gif

تـوآجدك الرائــع ونــظره منك لموآضيعي هو الأبداع بــنفسه يــســعدني ويــشرفني مروورك الحاار وردك وكلمااتك الأرووع لاعــدمت الطلــّـه الـعطرهـ

ضامية الشوق 05-01-2020 08:06 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عـــودالليل (المشاركة 3694003)
جمال الاختيار
خلفه ذآئقة جميله جدا

تعرف ماذا تقدم

محتوى الطرح اكثر من راقي

من الاعماق
اقدم لك شكري واحترامي




ليل المواجع
محمد الحريري

تـوآجدك الرائــع ونــظره منك لموآضيعي هو الأبداع بــنفسه يــســعدني ويــشرفني مروورك الحاار وردك وكلمااتك الأرووع لاعــدمت الطلــّـه الـعطرهـ


الساعة الآن 06:43 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية