منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=12)
-   -   ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 28 (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=164224)

إرتواء نبض 09-22-2019 10:42 PM

ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 28
 
بسم الله الرحمن الرحيم

تَوكلتُ على الله


،



الجزء الثامن و العشرون

مَرَّت الدقائق سُيُوفٌ تقتطع عُروقَها،تَنحَر ما ذوى من أنفاس على قارعة رئتاها المُتصَدّعتان من الصَدمة،خلف أسوار عينيها المشدوهتين غارت أَدمُعٍ لها مُلوحة تَضاعفَ أثَرُها خَمسُ سَنواتٍ من الفَقد..و لَيتهُ فَقداً يُجبَر..فَهو عُنوان للمَوت و هو دَفنٌ بروحٍ مَريضة اعتَلَّت من فَرط إهمالٍ قَصفَ مدائنها مَرّاتٍ و مَرّات تَسوء عند تكرارها..،و كان آخر الإهمال أشَدَّهم،تَهميشاً و ضَربٌ في عَرض الحائط،طَعن قُلب و خِيانة فِطرة نَمَت في جَوفِها حتى أنبتت شُعوراً أُعدِم على مشنقة الثَكل بيد خائنها..يَدٌ ظَنَّت لزمن أنَّها السماء الغاشية أرضها و أنَّها الأنهار الجارفة إليها عُذوبة افتقرت إليها روحها،ظَنَّت أنَّها مَسحَةُ حنانٍ و دفئ هي بها تُعايش تَخَبُّطات شتائها،ظَنَّت و ظَنَّت،و كانت الظُنون تَنظر لشُعاع الشمس المُرتدي عباءة الأمل،و أسفاً أنَّ سِهاماً استَتَرت خلف ضَوئها الذي كُلَّما رَفعت عينيها لرؤيته أحجب جفناها عنها قَسْوَته..،آلامُ مَخَاض ها هي تلتقط بخيوط وَجَعِها أطرافَ جسدها الغافي تحت أتربة اللاوَعي،تَصَلُّب شَديد لهُ قَساوة الصخر يسكن مفاصلها،و كأنَّ آلام الولادة حَملتها لها رياح الماضي مُعيدةً الذِكرى و حاشٍرةً الأنين في أُذن ذاكرتها المُتعَلّقة بصوتِ نبضاتٍ و صورة مُشوشة لم تُبان ملامحها..،تجاوزت الساعة الثانية عشر و اللَيلُ بدأت تُختَزل ضوضاءه و القَمَرُ بدأ بشد رحاله مابين مسير السَحاب مُستَرِقاً النظر على الأرواح مُبصِراً ما تَمَّ تَحويره ليُظهَر عكسه للأعيان،و كانت روحها المَحمول نَعشها فوق أكتاف الظُلم ما أبكت عينه الساهرة..،يَداها مَقبوضتان على الطاولة كقبضة ابنتها الصغيرة بعد لحظات من ولادتها،جسدها يرفض استناداً،مُتَقَدِمَةً بظهرها للأمام جالِسةً على حافة المَوت،العَينان فاغرتان و الدَمعُ قد تَخَثَّر وسطهما،مَلامحها أغشتها سَكينة لم تَكُن سوى أطياف ذَبحٍ و اضطهاد،لا شيء عائش فيها إلا نبضاً أقسم أن يرتشف من وَجَعِها..،صَوتٌ لا تعرفه اخترق الغشاء الذي أحاطت بهِ نفسها المكسورة،رَفعَت رأسها جهته و عَدستاها يُسَيّرهما التَيه،تنظر لتَحَرُّك شفتيه و تَقَلُّبات ملامحه و لكن العَقل غير قادر على ترجمة المشهد أمامها،لا تفهم ماذا يقول و لا ماذا يَشرح،اسمٌ واحد دواخلها ترتج من صدى تَرَدُّده تَرَك لسانها بهمسٍ مَبحوح،:فيــصل
نَطَقَت باسمه و بالتوالي ارتفع صدرها مُستنشقة بعُنفَ هواءً هي بهِ تنتشل نفسها من غَرَقِها،وقَفَت بميلان و لسانها لم يتوقف عن ذكره،تناولت حقيبتها قبل أن تَتَحرَّك قدماها بتخبط أثار استغراب النادل و الذي ظَنَّ بعدم صلاحية عقل هذه المرأة..،لا تدرِ كيف اهتدت إلى سيَّارتها ؟ و لاتدرِ أيُّ مُعجزة أنقذتها من تَصَادُمان مُحتملان ؟ حَواسَها القَريبة من الموت كانت تُسَيّرها فعَقلُها قد انتبذَ لهُ زاوية فيها هُو يتحلل في وَحل الصدمة..،عشر دقائق فقط استغرقتها من المطعم حتى منزل خالها حيثُ أمام بابه أوقفت السيارة مُتَرجلةً منها دون إيقاف مُحرّكها أو حتى إغلاق بابها الذي تركته مُشَرّع مثل أبواب جَوفها المُشَرَّعة إلى حين أن ينضب إكسير روحها..،اصطدمت بالباب المُقفَل،بباطن يدها بدأت تَطَرقه بقوَّة غير واعية للوقت الواقف على أعتاب الفَجر،حجابها حُلَّت عُقدته و كان قَريباً من الانحسار عن شعرها الذي تَسَلَّلت منهُ بضع خصلات مُتَموجة تُشاركَها الألم..تَحَرَّكت يدها للجرس تدُقه بعُنف بوجهٍ غَيَّبَهُ الجُمود..،لم تكن إلا دقائق حتى فُتِحَ الباب ليظهر من خلفه بملامح عَقَدها الغَضَب و النَوم يحوم بين طياتها و قَبل أن تستقر عيناه عليها،:شهالقلة الأدب ما تشــ "انقطعت كلماته عندما بان لهُ بُهوت وجهها،تَعَلَّقت عيناه المُتعجبتان بعينيها الغائر فيهما ضياعٌ يُفَتت حُجرات القلب مُردِفاً بصدمة "جنــان !



على أشواكٍ كان تَقَلُّبها،كُل شَوكة تَعبِر مساماً في جسدها تَوخزه ببرود مُعيدةً لهُ ألم الساعة تلك حينما هُدِمت حُصون كبريائها،على وسادة الوجع كان يَغفو رأسها و من حولها انتشرت غيهبات ضيقٍ اكتنفت صدرها المُثقَل من شَجَن..ناشدت عيناها إغماضاً يُحَلّق بها في سماء الحُلم و اللاواقع حيثُ ما يرتفع هُناك من صوت و ما يُترَك من أثرٍ يبقى محَصوراً في المَنام لا يُنَشّطه واقعٌ لهُ حدَّة السيف الناقع في سُمّ أبى أن لا يُغادر قارعة دمَها إلا بعَد أن ترتفع نتانة الإنكسار..،مَضَت الساعات و تَغَيَّر مَسكَن القَمر و الغيوم انحرفت عن مسارها بعد أن باغتها النُعاس و طَرَف الأنثى التي تُراقبها ظَلَّ حَبيسَ الصَحوة،فالوَجَعُ كان أعظم من أن يُضَمّدهُ سُبات..،شَدَّت الغطاء على جسدها المُنكَمِش بنفورٍ عن المُستلقي بمسافة على يسارها،نَحَت عنها قرارها مُستسلمة للتيار المعُاكس رغباتها الحائمة في صدرها،تجاهلت الأريكة في غُرفة الجلوس حتى لا يستعملها سلاح ضدها هو بها يَكشف دواخلها،على الرغم أنَّها مُتأكدة أنَّهُ لا يحتاج لأسلحة،يكفيه استنباط مُحتوى جوفها من عينيها..،هـا هي تنتظر النَوم بقُربه،لا تَدرِ هل هو هاربٌ عن سوق عينيها لقُربه ؟ أم لعَودة الجِرح النابض أَلَمَهُ وَسَطَ الجَوى ؟ كُل شيء آتاها مُلهِباً مشاعرِها،رائحة أوراق الرسائل الغافية في صندوقها بدأت بنثر عَبَقها المُخالطَهُ رائحة خَبَث لم تلتقطها أعصابها إلا بعد أن سَقَطت في حُفرة مشاعرها المُظلِمة..تلك الهدايا البسيطة المَكسوة بلمسة براءة نَمت منها أكاليل فرح على شفتيها..لم تَكُن تعلم أنَّ الربيع سينتزع وَجههُ ليبصق عليها حُمَمَ صيفٍ لا تنضب حَرارته فهي مُخَلَّدة في القلب..،غادرت صَدرها زَفرة عانقت الظلام بلحنٍ مُلتَوي حيرة لتَتَبعها بتَقَلُّبٍ رُبما هو العشرون لها في هذا الليل الصامت..،شَهقة حــادة ارتفعت من حنجرتها و صوتهُ المُباغت أفكارها أفزعها..جَلَست برَهبة مُتخلصة من استلقائها المُتَوتر،عيناها تتخبطتان في الظلام يساراً جهته،و صوت أنفاسها العالي أزعج سُكون الغرفة..ازدردت ريقها بصعوبة و يدها بارتجاف ارتفعت تَمسح على وجنتها اليُمنى لتستقر على جانب عُنُقِها و أُذنها تنصت لإعادة سؤاله،:فيش شي ؟
هَزَّت رأسها نافيةً شَكّه و كأنهُ يَراها،انتبهت لنفسها مُجيبةً ببحَّة مُتَرددة،:لاا لا ما فيني شــ ـي
ضاقت عيناها من انبعاث ضوء المُصباح بقُربه،أغمضتهما ثُمَّ فتحتهما مُكَرّرةً الحركة حتى اعتادت عيناها على الضوء..بان لها وَجْهه و عيناه المُسبرتان أغوار حواسِها المُضطربة،اعتدل جالِساً لينخفض الغطاء عن صدره الغافي أسفل بَلوزته البيضاء..هَمَس لها و العَين تَرقب سَكناتها،:من أول ما حطيتين راسش على المخدة ما وقفتين تقلب
التقطت أسنانها العلوية شفتها قَبلَ أن تهمس باعتذار تَجَلَّى على ملامحها،:آسفـة أزعجتك
حَرَّك رأسه نافِياً و هو يقول،:لا ما نمت اصلاً بس قلت يمكن فيش شي او تحسين بألم
قَبَضت بكفها على الغطاء و ذِكرهُ للألم أحرَق أنفها مُنذِراً بوابة عينيها بهطولٍ مُفضِح،انحرفت بعينيها عن وجهه مُلتَقِطةً أجزاء الغُرفة المُلتبس نصفها ظلامٌ أغشى روحها..نَطَقت بخفوت لهُ لَحنُ احتياج التمستهُ حَواسه،:ما فيني شي
التفتت لتَحُط عينيها على ظاهر كفّه المُعانقة كَتِفها،عيناها ببطئ ارتفعت تستقبل الحَنان المُتشعب من مُقلتيه،حَبَسَت أنفاسها من الإبتسامة البادية على شفتيه،أصبحت تعرفها،فهي قد حَفِظتها،تَعلم أنَّها لا تزور شفتيه إلا حينَ تَكون ذاته مُتيقنة بعلمها لدواخلها..،قال و جسده يزحف لنيرانها النافثة احتراقاً وسط عينيها،:ما دام أنكرتين يعني في شي
خَبَّأت وجهها بيديها زافِرةً عُلل ذاتها المشروخة،هي قـادرة على ترشيح دمها من حِبر رسائله،و تعلم كيف تقتلع جُذور كلماته من أرضها الباقي وقع آثاره الحقيرة فوق تُرابِها،لكـن ذاك الكِبرياء العاجي،المُرتدي حُلياً ظَلَّت لسنوات تَفتخر بها أمام الأعين للدرجة التي جعلتها تَغرق في بحرٍ من البغضاء،فهي مَكروهة و مَنبوذة من بَنات جنسها،عدا حَــور و قريباتها فهي غير مُحببة لأغلب الإناث اللاتي واجهتهن،حــاولت مِرارً أن تَتَحرر من ثقتها و التي أسمتها جَود "غُرور ماله حل" و لكن فَشِلت،تَمَنَّت أنَّها لم تَكن تلميذة للكبرياء الذي حَمَلها على سَحابته السوادء و نَثَرها صَيباً يخلو من نقاء،كيف لها أن تكسر قيوده و أن تُوقف انحناءها له الذي جَرفها لهذا السيل الغارق ؟ فلولا الكبرياء لما سَهَر الجرح وسط قلبها..،ارتعـاشة لذيذة تَمَكَّنت من عظامها من يده التي تَمَسَّكت بيديها فوق وجهها..بخفَّة رقيقة أخفضهما ليتضح لهُ وجهها المُحتَقن ضيقاً لا يَعلمه..ناداها و عَيناه تلحظان تَصافق أهدابها الحاجبان عنه عسل مُقلتيها،:حنيـن
شَدَّت شفتيها مُحاولة رَسم ابتسامة و لكنها فَشِلَت،أجابتهُ بتنهيـدة مُرتعشة،:بس متضايقة شوي،ضيقة عادية بتروح
تساءل و إبهامه يُداعب ذقنها بنعومة،:من شنو متضايقة ؟
رَفَعَت كَتفيها و فمها يتقوَّس للأسفل راسمةً أمامه صورة الحيرة،:مادري بدون سبب
مال فمه بابتسامة مُشاكسة ناطِقاً و عيناه تُراقبان ردَّة فعلها بدقَّة،:لا يكون تبين تسهرين على التفلزيون برا ؟
أزاحت جفنيها عن عدستيها لتُبصِر وجهه المُعانقتَهُ ابتسامة مَرِحة،نَادتهُ بعتب رافضةً ما يرمي إليه،:بسَّـــام
ضحَكَ بخفَّة لزعل ملامحها و هو يقترب منها هامِساً،:امــزح امزح "بَلَّل شفتيه و بأصابعه أرجع خصلاتها النعامة خلف أُذنِها مُردِفاً" زيـن قولي لي شنو عادةً تسوين عشان تروح الضيقة ؟
ناظرت الفراغ مُجيبةً بهدوء،:يَمكن ارقص بــاليه "عُقدة استكانت ما بين حاجبيها مُواصلَةً بملل" بس مالي خلق اللحين
تساءل و هَمسُه انعقدت فيه الرقَّة بالدفئ،:يصير أقدّم مُساعدة ؟
عادت بعينيها إليه مُلتَمِسةً مشاعر حاشى أن يرفضها قلبها المُقتات على الحاجة،مشاعر كان منبعها محاجره المُتأملة روحها بحُب قريباً ستتيقن أنَّهُ يَنمو عِشقاً وسط قلبه الرجولي..،شَعَرت بخَدر نبضاتها و اقترابه أصبح التصاق تَوَتَّرت منهُ أنفاسها المُخالطتها أنفاسه الليلية..ازدردت ريقها و قشعريرة ساحقة باغتت عُنُقِها من لمسة يده المُشابهة هَمساً غزلياً تستشعره مواقع نَبضَها..دوار حَاصرها و كأنَّ روحها قد حَلَّقت على غَيمة من خيال كانت تُسيّرها في السماء شفتاه،استرجعت ذاكرتها و هي طائرة معه قُبلتهما الأخيرة،كانت قَبلَ عودتهما من عَسلَهما الذي مَزجَت معَهُ عَلقماً قد تندم عليه مُستقبَلاً..تتذكر أنَّ لحظتها رقصت نَبضاتها على الألحان نفسها،و ارتدت أنفاسها الارتعاشات ذاتها،حتى الطريق الذي عَبرتهُ أنامله هو نفسه..و كأنَّه انتبذ قُبلته ليُوزع تَخَبطاً على حواسها يُصعَب السيطرة عليه،حتى لو احتكرت هذه القُبلة شفتيها مائة عـام من العشق..،ارتَدَّت قليل من أنفاسها عندما حَرَّر شفتيها،ازدردت ريقها بصعوبة من حِمل المشاعر التي ألقى بها عليها،تعترف أنَّها التمست شيء من بَوح قلبه،فقبلته قد هَمسَت لروحها بأعذب الكلمات و لكن بصمت..،مال بشفتيه ناحية خَدَّها طابعاً قُبلة بخفَّة الريشة،استكان بجبهته عليه مُغمِضاً عينيه ليغيب في عالم أنفاسها الوارثة شيئاً من عَبقَها الأنثوي..و حَقيقةً كان ينتظر منها إشارة بها هُو يُواصل رحلته الوالهة،و هي التي بدأت تَعَلُّم أبجدية عِشقه فَهِمَت مَقصده..كانت تُريد غِياباً معه ينقذها من سطوة الساعات الماضية،لذلك و بدون تَردد و تَلبيةً للحاجة التي تصرخ في جوفها ارتفعت ذراعاها مُعانقتان كَتفه المائل إليها لترتسم ابتسامة بعثرت ملامحها خَجلاً على شفتيه..،

،

قَبْلَ ساعات

،:لا ســلام و لا كلام، شنو تزوجتين و زاد الغرور ؟!

تَجَمَّدت يدها على المِقبض و جفناها بالكاد مُتمسكان بعينيها المُتسعتين..الريق تَبَخَّر و لم يَعد هُناك مجال لتزدرده،دَقَّات قلبها أفزعا الصَمت المُحاوط المنزل،صَوته الغليظ أجَّجَ في حلقها رَغبة الاستفراغ،و ليتها باستفراغِها تتخلص من حِمل تلك الساعات المَريرة..،التفتت بخوف لخطواته التي بدأت تقترب عن يمينها،و بُسرعة أخفضت المقبض لتهرب بعيداً عن حضوره الثقيل،لكن صوته عاد و أوقفها..،:ألف ألف مَبروك على الزواج للأسف ما صار فرصة اني ابارك لكم يوم الزواج،إلا وينه زوجش ؟
استدارت لهُ بعد أن ألبست نظراتها حِدَّة تكسوها شذرات جليد استقَلَّت قَوس عينيها لترشق ضميره المَيت بها..نَطَقت ببرود و عدستيها العسليتين امتزجت بهما قوَّة ليتها تنفجر لتكسر رأس هذا الأحمق،:ما لك دخل لا فيني و لا في زوجي
مال فمه للأسفل مُعاكِساً ارتفاع حاجباه مُقَيّماً هذه القوَّة المهزوزة،حَشر كفّيه في جيب بنطاله مُعيداً تقدمه بخطوات مائِلة تحت نظراتها المُشيعة ارتباكها أهدابها المُتلاحقة التصافق..تَوَقَّفَ عندما بَقيت خطوة بينهما راسِماً خُبث ابتسامة على شفتيه،و نصفها كان ناقع في وحل السُخرية..نَطَقَ بنبرة لا مُبالية،:لا بس يعني قلت اتطمن عليه صار نسيبنا "غَمَزَ لها و نظراته تتفجر خَبثاً مُردِفاً" عاد حافظي عليه و اتخلصي من الرسايل لا تنفضحين و يروح من ايدش
أعقب جُملته المُندسَّة سُمَّاً في عروقها ضحكة عــالية ارتفعت حتى استقَرَّت فوق جبل مَوت الضمير،و كأنَّها جَماد أمامه بلا أحاسيس و كأنَّ لا سَماء تَحُف روحها و لا غَيثاً يتناثر من قلبها،هي أمامه مثله تَماماً لا تَملك أدنى شُعور و ليس لها علاقة بالإنسانية..فعيناه تعكسان له ما تَرَبَّى و نَما داخله،فهو يرى أُناساً يعتمرون قلنسوة الدناءة،و لا تعرف ألسنتهم سوى لُغة الشتائم و قُبح الكلمات..و قلوبهم بَلقعاً لم يُبصِر نور الأسف يَوماً..،نَطَقت من بين أسنانها و الحقد لسانها،:حقيـــر
حَرَّك عينيه ببرود على وجهها المُحتَقِن غَضباً،بين عسلها المُصفَّى لَمَح جيوش كَراهية تدق طُبول حرب لشن الحقد عليه،و ما بين اشتداد خطوط ملامحها تصرخ حناجر الغيظ المُلتوي قَهراً..،لم تَكفه هذه اللوحة،أراد أن يُضَعّف رماديتها لا لشيء،فقط لتنتشي ذاته المُقتاتة على الرَّقَاعة..فَتَح فمه ليُطلِق سَفاسِفه..
،:حَنيــن ؟!
انتقلت عيناه يَميناً حَيث خَرَجت جدته مُطِلّةً و عيناها باستغراب على حنين..قالت و هي لم تنتبه لهُ بَعْد،:يُمَّه حنين ليش واقفة ؟ تعالي دخلي مـ
قَطَعت كلماتها بشهقة عندما أبصرت وجوده،تلقائياً تَلَقَّفت خُيوط الغضب ملامحها ناطِقةً باستنكار،:راشدوو شتسوي اهني ؟ اشوف قدامي اطلع برا
أمسكت يد جَدَّتها هامِسةً بمُعارضة:يُمَّه
لم تُجبها و تقدمت بخطواتها الثقيلة إليه مُمسكة برُدن قميصه بنفور و هي تقول،:لا بارك الله فيك انا مو ألف مرة قايلة مابي اشوف وجهك،اطلع قبل لا أنادي جدَّك يجي يشلخ راسك بالعصا
شَدَّ ذراعه بقهر و استدار عنهما بعد أن رَمقهما بنظرة غاضبة لم تُوقف شتائم جدّته التي اقتربت منها حنين ناطِقةً بعتاب،:يُمَّه ما كان له داعي تطردينه مهما كان هذا بيت ابوه
تَمَسَّكت بمعصمها و باليد الأخرى أمسكت ثوبها الطويل المُشَجَّر بورود بيضاء فوق القماش الأزرق،لتُعَقّب بعدم اهتمام،:ايـــه خله يولي اسود الوجه
دَلفتا للداخل مُتجاوزتان الممر إلى غرفة الجلوس،:على الأقل عشان خالتي مسكينة
،:والله خالتش لو على كيفها بعد طردته من بيتها هاللي ما يستحي "وقفت فجأة في مكانها مُستديرة لها مُردِفة" حتى نَسَّاني اسلم عليش "رفعت ذراعها لها و هي تقول بابتسامة ضَعَّفت التجاعيد حنانها" تعالي أمي حبيبتي الحمد لله على السلامة يالعروس
ضَحَكَت بخجل مُزيحةً وَقع كلماته جانباً لتظفر بجمال الساعة مع جَديها،انحنت لاحتضانها و استنشاق عَبق العود المحشور بين خيوط ثوبها،رفعت رأسها مُقَبّلةً خَدَّها قبل أن تَتَساءل و هي تخلع عباءتها،:وين بابا سلماني ؟
أجابت و هي تتقدمها،:في المجلس من قلت له حنين بتجي حط دلة الجاي و القهوة قدامه ينتظرش
نَطَقت بشوق تَجلَّى في عينيها،:حبيبي ابوي



الساعة الحالية

ارتشَفَ من كوب قَهوته المُلتَمِسة شَيئاً من سواد الليل الناشر أجنحته فوق سماءهم المُرَحّبة بقمراً لطالما كان سَطحُه البَرَّاق يُعيده إلى أيَّامه الخالية حَيثُ كان هو لوحة تأملهم عند ساعات الفَجر الهادئة..،يَد يستقر ظاهرها على خَدّه و يد تحتضن القلم بين سبَّابتها و الوسطى اللتان تتحركان للأعلى و للأسفل ليصطدم القلم بالطاولة مُصدِراً صوتاً خفيفاً يعبث بسُكون المكان..،ينظر للأوراق بطريقة تُوحي للذي يُشاهده أنَّ تَركيزه بأكمله على مُحتواها،و إنَّما حَقيقةً هُو يسبح وسط أمواج مُحتَوى آخر،كان عَذباً قَبل أن يُصَيّرَهُ الفراق أُجاجا..يَقرأ كلمة و تنقله الكلمة الثانية إلى صومعة اشتياقه،و من هُناك يتَخَبَّط بأسئلته و يَلسَعهُ لَهيب حيرته..فكَيف لامرأة ذات ليلٍ فاض من عينيها التماع حُب أن تُبصِق حُمَمَ الكُره فجأة ؟! أَيُنحَت فَوق باب الحُب وَشم بَغضٍ بلا سَبب ؟ السعادة بينهما نَضَبت مثل نَهرٍ أغرقتهُ رمال صحراء قاسية حتى جف..و الفِراق رَفَع يَدُ مُساعدته و أتى من حيثُ لا يَعلم شاهِراً سَيفه مُقتَطِعاً حَبل المَوَدَّة بينهما..،هَمَسات الغزل اندثرت حتى أصبحت ماضٍ مَنسي على قارعة طريق أنثى أغلقت باب مدينتها بعد أن ألقتهُ فوق العَتبات مُضَرَّجاً بضياعه،يُقَلّب الاحتمالات بين راحتي غَصَّاته،و على صفحات عقله المشدوه يَسطر أجوبة سَقيمة لا تُكبِح لجام صَرخات الاستنكار الناشرة غَوغاء في روحه..،مثل فقيرٍ يَجُرُّ أذيال حاجته وقف عندها و كان الرَجاء نايَهُ العازف ألحان حُزنه،خَلَع رداء الكبرياء و انطوى على نفسه عشرات المَرّات حتى أصبح حَبَّة خَردل تَبَعثرت بين ذرات التُراب و لم يَقبل قلبها المُعتَنِق قَسوة كانت غريبة عليه،لم يَكُن يَعلم أنَّ صاحبة الضِحكة البريئة،تلك، أُنثى الرِقَّة و الحنان تستطيع أن تَنفي كُل ذلك و تأتي بشَعبٍ آخر كان قَد اغترب في بلدان القساوة و الشدَّة ليغرس في أرضها العذراء بُذور كُرهٍ هَشَّم جَواه..،

،:يصير اشاركك القعدة ؟

فقط عيناه استجابت للصوت ببرود مُتَململ لتلتقي بعدستان زُمرديتان يعتقد أنَّه وبسببهما سيكره اللون الأخضر..أخفضهما بالبرود ذاته دون أن يَنبس ببنت شَفة،تَعبيراً عن رفضه..انتظر أن تتراجع فيعتقد أنَّ الأُنثى بل الإنسان الطبيعي سيشعر بحَرج من هذا الرفض الواضح لكن يبدو أنَّ بين هذه و الطبيعة شجار لا صُلح له..فهي جَلسَت بكُل ثِقة ناطِقةً و الابتسامة تبدو في نبرتها،:اعتقد في سوء فهم،و أنا جايَّة اشيله من بالك
تَرَك القَلم و هو يُخفِض كفّه عن خدّه ليشبكها بالأخرى و عيناه عليها ينتظر منها تفسيراً لقلّة حيائها..نَطَقت و هي تضع ساق على الأخرى وذراعاها ترتخيان فوق بعضهما على فخذِها،:اعتقد عرفت اسمي بالكامل بس الواضح انك ما تتذكرني،كنا ويا بعض في المدرسة
اتسعت ابتسامتها للعُقدة التي تَكَوَّنت بين حاجبيه الكثيفين،واصلت بذات الثقة،:انت أكبر مني بخمس سنوات تقريباً يعني ما تلاقينا ولا في أي مرحلة بس كنت اشوفك وقت البريك و اذا في احتفالات
زَمَّ شَفتيه بقلَّة صبر و حَديثها هذا الذي تُحاول به أن تُثير اهتمامه دخل من أُذن و غادر الثانية دون أن يترك أي ضَجَّة..واصلت هي مُتجاهلة لا مُبالاته المُحاول بها إيقاظ نرفزتها،:طَبعاً ما كنت تنتبه لي،و لا أنا فَكّرت انتبه لك،لين ما يوم صادفتك عند مكتب المُشرفة و انصدمت إنــ ـك
قَطَعت كلماتها من غَصَّة باغتت حَنجرتها،ظاهر سَبَّابتها ارتفع ماسَّاً أنفها و التماع دَمعٍ أرفع حاجبه بتَعَجُّب ترقرق في عينيها..،استنشقت بعُمق و هي تلتفت يَميناً قَبل أن تَقول بابتسامة مُرتَعشة،:انصدمت إنك نسخة ثانية من اخوي..الله يرحمه
لانت ملامحه و تَبَدَّد البرود الذي كان يَسكنها،أخفض بصره و طَيف شَفَقة خالج مشاعره،فمهما كان فهو ليس مَيّت الشعور..هَمَس،:الله يرحمه
أكملت هي و عيناها تُراقِبان وجهه بدقَّة،:عرفت اسمك و من يومها ما اشوفك الا على إنّك اخوي "أخفَض خَجلاً لا يُناسبها جفناها مُردِفةً" صَراحة بعد التخرج فقدتك أو بالأحرى فقدت صورة اخوي،و بالصدفة أول يوم دوام لي اهني شفت اسمك على وحدة من الغُرف " وبنبرة مُتقَصّدة أكملت" و مثل ما وصلك اني سألت عنك عند كل اللي قابلتهم "رَفَعَت كَتفيها و تنهيدة تُغادر صدرها مُردِفة لتُنهي حديثها" بس عشان استرجع وجه اخوي
ضَمَّت شفتيها للداخل و بصرها يجول على ملامحه تنتظر منهُ تَعقيباً على المَوجز الذي أسردته على مسامعه،و لكن جفناه لم يَتركا لها مجال حتى أن تستنبط أثر ما قالته من عينيه..،

،

على الجهة الأخرى

،:ميتة جوووع
رفعت حاجبها ناطِقةً ببرود،:والله محد قال لش لا تتغدين و لا تتعشين
مَطَّت شفتيها بتبرير،:حزة الغدا كنت ارتب شنطتي و وقت العشا مشغولة ويا المرضى ما صار وقت
وقفتا عند موقع الطلب في "كافتيريا" المُستشفى،اختارت لها قطعة كعك صغيرة و قنينة ماء ثُمَّ استدارت لصديقتها تنتظر حتى يُجَهَّز لها الطلب،وجدتها ترمي عليها نظرات سُخرية أثارت ضحكتها،تساءلت بابتسامة،؛ليش تطالعيني جذي ؟
أجابت بلحن ساخر،؛اللحين جوعانة و جوعانة و آخرتها كيكة و لو زين بعد طعمها يشجع
ضحكت بخفَّة و هي تتناول الطلب من العامل بيد و بالأخرى تُناوله المال لتقول،:ابي شي خفيف مابي اثقّل هالوقت
شاركتها المشي لإحدى الطاولات و هي تقول،:عالأقل اخذتين كارواسون احلى من هالكيك
جلست على المقعد الأبيض مُجيبةً،:مو مشتهية و يله عاد خليني آكل على راحتي"ابتسمت لها بخبث و هي تتناول الشوكة مُردِفة" ابي استمتع بكيكتي
ضحكت عندما بانت لها إمارات النرفزة على وجه صديقتها، و بعفوية تحركت عيناها خلفها لتُبصِر وجهه بعيناه الواسعتان المُحدّقتان فيها بصمت مُربِك،تَقَلَّصت ابتسامتها تدريجياً و طيف الذنب المبتور الذاكرة يعود برائحته النتنة مُثيراً نزعتها الساكنة..،انتبهت صديقتها لانشداهها لشيء خلفها،استدارت بفضول لتلمح عبد الله يجلس مع إحدى الطبيبات و التي بعد تدقيق مَيَّزتها،عادت مُواجهة صديقتها لتقول بملامح مِلؤها الرَفض،نَطَقت بما يُقرقع في خاطِرها،:سُبحان الله هالبنت ما جازت لي
أبْعَدت عينيها بخفَّة لصديقتها مُتسائلة مُحاولَةً الاندماج مع حديثها هَرَباً من حديث عينيه،:ليش انتِ تعرفينها ؟
أصدرت صوت نافي من بين شفتيها قبل أن تُجيب،:لا بس صادفتها كذا مرة في المستشفى "رفعت كتفيها بحيرة مُردِفة" بس ماادري شلون ما حبيتها "استدارت من جديد مُواصلة بلحن مُفَكّر" يمكن لأني ما احب الناس الشقرا من جذي ما تقبلتها
انتظرت حتى أعادت برأسها إليها لتقول و هي تُحَرّك حواجبها بخبث و الشوكة قُرب فمها،:والله من الغيرة
انكمشت ملامحها بامتعاض مُعَقّبةً باستنكار،:و ليش أغار ؟! والله الحمد لله واثقة من نفسي و من جمالي
ازدردت اللقمة قبل أن تضحك مُعَلّقة بمُزاح،:ما اقدر يا الجمال كله
وضعت ساق على الأخرى و هي تُعَقّب بجدية تحت أنظار نور المَرِحة،:لا صدق والله مو سالفة غيرة،ماني تافهة إلى هالدرجة،بس هذا ذوقي ما يعجبوني اللي عيونهم ملونة،خضرا و زرقا و غيره
تَقَدَّمت للأمام مُستندة بكوعها على الطاولة لتميل بارتخاء جهة اليمين و الشوكة تتحرك بالقرب من فمها،نَطَقت تُشاركها الموضوع،:بالعكس احب اللي عيونهم خصرا اكثر من الزرقا بعد "ابتسامة دافئة نَشرت أجنحتها على شفتيها الزهريتين لتُردِف بنبرة أبَحَّها الذوبان و عيناها تَطوفان سماء الماضي" بعد يجيش أسمر و عيونه خضرا،عالم ثاني
أنهت جُملتها بتنهيدة طَويــلة لها ارتعاشات أوزعت برودة في صدرها،لَعقت الشوكة بطرف لسانها مع إلتقاء أهدابها لتعود لواقعها و تصطدم بوجه صديقتها..كانت مُتَقَدّمة بجانب رأسها من جهة اليمين،حيثُ ضاقت عينها اليُمنى باستغراب واضح،تساءلت هي ببراءة،:شنو ! شقلت بعد ؟!
أجابتها و جسدها يتقدم من الطاولة هامسة بنبرة ترجمت نور شيفراتها المُلتوية،:كلامش هذا رجعني اثنعش سنة ورا
أغشاها جُمُود من كلمات سارة القادحة شراراً في روحها المُخمدة الأركان،انفلتت منها ضحكة تفتقر للاستيعاب و قصيرة بُقصر الفترة التي ظَنَّت فيها أنَّها شُفِيَت من مَرضٍ لا تدرِ كيف اهتدت إليه خلاياها..و عَجَباً أنَّهُ كان الداء و الدواء و كان الغطاء الذي تتدثر بهِ عند اشتداد الشتاء،حتى أنَّه تَبَنَّى شُعاع الشمس ليُهديها دِفئاً لذيذاً لم تصمت حواسها عن اشتهائه..،ازدردت ريقها بخوف،نعم بخوف و عيناها تركتا وجه سارة بتخبُّط تائه،و كأنَّ الجليد الذي كان يسكن ذاتها قد انقصم نصفان من صعقة مُفاجِئة لم تُصَم أُذنها من دويها و لم يُعمى بصرها من ضوءَها الكاشح..،فَتَحت فمها تَبحث عن كلماتٍ هي حبل النجاة للسانها المعقود خشيةً مثل طفل صغير قُبِضَ عليه بالجُرم المشهود يأكل ما مُنِعَ عليه من الحلوى،و صديقتها السابرة أغوارها كانت مُهذبها المُعاقب يدها براحته اللاسعة..و قبل أن تجتذب إليها الكلمات
،:نور مُمكن نتكلم ؟



للتو انتهى من استحمامه الليلي بعد أن سَرَدَ قصته على ابنته حسب طلبها و غَفَت عيناها البريئتان،أنهاهُ على عَجل فصوت جَرس المنزل وَتَّره بعنوفته في هذا الليل الحالك..خَرَج و هو يرتدي بلوزته السوداء،تأكَّد من نَوم ابنته قبل أن يخرج من الغرفة و الجناح بأكمله قاصِداً الأسفل..على سلالم الطابق الثاني التقى جــود التي كانت على عكسه صاعِدة،أبطأت الصدمة خطواته من وجهها المخطوف..تساءل بقلق و هو يَلمح الدمع يسبح في عينيها،:شصاير ؟ من اللي يدق الجرس هالحزة ؟!
اقتربت منهُ قابضة بيديها المُرتعشتين على ذراعه ناطِقة بصوت قِرْبَة هَمساته مثقوبة و الهمسات تَذوي بخوف..،:جنـــ ـان جنـان
تَلَقَّفَت كفه الحديدية كتفها مُطلِقاً أسئِلة قلقه،فالأمر مُتعَلق بامْرأة سنينه و جلّادة قلبه..،:شفيها "هَزَّها و من بين أسنانه " تكلمي شفيها جنان
نَطَقَت و ملامح أخاها أمامها مُتَخَبطة بلا دراية،:تبيـــك تحت فيصــ ـل مو طبيعية جنان مو طبيعية
رياح تخدير مَرَّت صافعة أطرافه و حاقِنة عروقه بمصلٍ جَمَّد نبضاته،فالساعة على أبواب الواحدة فَجراً،و قدما جنان تتوسدان أرض منزله و هي في حالة وَصفتها جُود باللا طبيعية ! ازدرد ريقه و خيوط خَوف تَشَعبت من قلبه حتى عقَدت أطرافها حول روحه الناشرة أجنحتها تُناشد رَفرفة تنقذها من سوء فعاله..حَواسه تَيَقَّنت باقتراب الخَطر و ما حَشَرهُ في صندوق أسراره الأسود يبدو أنَّ قفله قد انكسر مُلَوثاً بمحتواه أرض جِنانه..،

،

في الأسفل

سفينتها المُحَطَّمة الشِراع مسجونة بين يدي خالها و زوجته،تُحَرّك ذراعيها مُحاولة التَمَلَّص من قبضتيهما و لكن قواها هَشَّة مثل ورقة خَريف نَبذتها شَجَرتها الأم..لا تدرِ لماذا الأصوات مَحجوبة عَنها ؟! فهل صُمَّت آذانِها من عُظم ما سَمِعت ؟ أم أنَّ الغَرق بَصَق ماؤه فيهما مانِعاً إياها عن تمييز النَبرات ؟ اللحظة تُشبِه الكابوس،فعاليها أسفلها،و كأنَّ الأرضَ من فوقِها تَضغط على أنفاسها بلا رَحمة،و السماء استعارت قريحتها المُعَذَبة و أحاطت بسُحبِها قدماها مانعةً إياها من سَيرٍ مُستقيم..،أخيــراً و بعد أن قَطَعت أشواطاً و عند كُل شوط فقدت جُزء من روحها بان لها وَجهه..تَقَدمت إليه و نَست حينها قيودهما و التي رُبما أحلَّاها عنها بعد أن أتى من أرادته..قدماها يُسيّرهما اللاوعي على أوتارٍ سَميكة مع كُل خطوة يرتفع صوت أزيزٍ مُزعج ينشر غوغاء مُرهِبة في قلب فيصل..،و كأنَّ ما حولهما اندثر،لا أرائك على الجانبين لا سَقفٌ من ثُريات،و الأضواء استعارت ظلاماً عدا من بياضٍ يُعمي البَصر يَحفهما هما الاثنان..و غير أنفاسهما لم يمتزج مع الهواء..،كانت تَمشي إليه ثَكلى يَراها لأول مَرَّة،فَقد جَنينها لَمحهُ مَسفوكاً بين طَيَّات ملامحها المُرمَدة،و وسط عينيها أُنبِتت بذور دمعٍ لم يَحن قِطافها،لون وجهها أعلن انسحابه فاسِحاً المجال للإصفرار أن يطمس ملامحها بلونه الباهت..عدستاها غَيبتهما أدمُعٍ تَرفض الابتعاد عن سوادهما الحَزين،تَتَخبطان بتَيه مُوجِع استقَرَّ بقسوة وسط بؤرة انتقامه الأعوج مُسيَلاً دماء تأنيب صَعَّر خدّه عن احتمالية نَزفها..،تَوَقفت أمامه شاطبةً الانفصال..أنفاسه تَبعثرت من هَدير أنفاسها المُحَمَّلة على هَودجٍ من أنين التمستهُ حُجرات قلبه المُتَضخم من المشهد..حِجابها بلا شعورٍ منها انحسر عن رأسِها كاشٍفاً تَمَوجات خصلاتها التي ذات ليالٍ غَفى و هُن عَبقَ فَجره..،على يساره كانت تقف جُود دون أن يَرى ملامحها،ولكن شهقاتها النادرة كانت تصله بقسوة،و أمامه خلف القتيلة الراسمة مصرعها لوحةً لن تنساها ذاكرته ما حَيا يقف والده و والدته،كلاهما يحتضن قلبه بفَزَع..،تَرَكَّزت عيناها في عينيه مُستَلَّةً صبره و قوَّته التي اغترَّ بها لفترة و ها هي رثَّة أمامه،فَتَحت فَمها ناطِقة من قُعر دارها المهجورة من ابنتها،:ويــــن بنتي ؟!


يتبع


إرتواء نبض 09-22-2019 10:42 PM


،

ماضٍ

بُحَّ صوتها من فرط البُكاء،قَضَت الليل بأكمله دافنة وجهها وسط وسادتها التي تَكاد تصرخ من ثقل دموعها،أعمَّال شاقَّة ابتدأتها بكبح الشهقات و إخناق الغَصَّات حتى شعرت بغياب النَفَس عنها،لذلك تَسَلَّلت من السرير من بين أَذرع غطاءها المُفتقر حناناً تَعَرَّفت عليه بين أحضانه النابذة جَسدها..أتى الصباح و وجهها أصبح بيدر مقطوف اليَنع و من فوقه تطوف أسراب سُحب سوداء تحمل في أرحامها حُمماً لا غَيث..،ها هـي تعقد أبيات رجـاء على مسامع رفيقتها و تَجُر أذيال ضعفها علَّها تلتمس منها قوَّة ذَبُلت من شدَّة قَحط روحها..احتضنت كَفَّها بكلتا يديها و رفعتها بارتعاش قُربَ قَلبها و من بين شفتيها المائلتين من رياح الأسـى،:أرجـــوش نــدى مالي أحد غيرش
نَفَرت يدها و هي تَرتد للخلف و الدموع اتخذت وجهها مَسكناً تُشارك رفيقة دربها مأساتها،هَزَّت رأسها برفض عنيــف و لسانها انطلق يُهاجمها،:مستحيـــل مستحيـــل اساعدش على هالجنون حـــرااام تعرفين يعني شنو حـرام !
انخفض رأسها بإعياء و النحَيبُ ارتفع شاقَّاً سُكون الشِقَّة الشاهدة على جريمتها الشنعاء،بلا حيـلة هي،فقيرةٌ لا تملك لنفسها رغيف أمل فمن أين لها آمالٍ تنثرها على من اتخذ رحمَها مَهداً له ؟ عــادت ندى و اقتربت منها،أحاطت وجنتيها الغارقتين بكلتا يديها،رفعت وجهها تستقبل انكساراته،هَمست لها بحنان ضَعَّف ولادة الشهقات في صدرها،:حبيبتي جنان افتحي عيونش
امتثلت لأمرها كاشِفة عن منبعيها اللذان يَقصُر من ثُقبهما عُمر فَرَحِها،ازدردت ندى غَصَّتها المُشفقة على صديقتها لتهمس و كأنَّها تُحادث طِفلة،:حبيبتي جنان ربي رزقش شلون ترفسين النعمة ؟ شلون قلبش يطاوعش تذبحين ولدش بايدش ؟ هذا قطعة منش جنان حرام تحرمينه من الحياة
حَرَّكت رأسها ببطئ وَهِن نافيةً تُهمها المُنغرسة أشواكاً في فؤادها الحانّ إلى استنشاق رائحة طفل ينمو وسط أحشائها،ارتفع صَوتها المَذبوح بسيوف الشهقات،:تعتقدين قلبي مو قاعد يتقطع ؟ "أغمضت عينيها تهرب من واقعها المُتَشَرّب عَلقماً لا يُجتَرع،أردفت و الصَوت قد هَزَل" ندى كنت انتظر هالحمل،ولدنا أنا و فيصل "فتحتهما لتنحني آلامُ نظراتها على باب نَدى المُوصَد كُرهاً" ولدنا أنا وحبيبـ ـي
شَدَّت على وجهها لتقول مؤكدة و عينيها ترتطمان بعيني جنان بقوَّة،:عشان جذي لازم تتمسكين في البيبي مو تجهضينه
زَمَّت شفتيها راسمةً خَطُّ حُزن تنتحر عنده الآمال،حاجباها اعتلا قمَّة الواقع المَرير و من أسفلهما انهمرت سُيول تَنعى فقدها المُتضاعف،حبيب و فلذة كَبد في وقتٍ واحد،أيُّ قوَّة تلك التي ستتجلدين بها جنان ؟! هَمَسَت بتسليم،:نـدى فيصل بيطلقني ليش يجي البيبي و يتبهذل في هالعلاقة ؟!
عُقدة استنكار قَرَّبت حاجبيها ناطِقةً بقهر،:انتِ ليش واثقة ان بيطلقش ؟! حتى لو كان في باله هالفكرة اتمسكي فيه و حاولي ترجعين العلاقة مثل قبل،هذا زوجش و ابو اللي في بطنش
رفعت يديها تُخفِض كَفي نَدى عن وجهها لتقول باستسلام سـاحق،:ما بترجع العلاقة خلاص "تَعَسَّر خروج صوتها من وَجَع ما ستنطقه " انــ ـا خاينة في نظره ندى ما في أمــ ـل نرجع مثل قبل "شَهقة اقتطعت مَسير كلماتها و جَرَّحت حلقها المَضني" هذا غير ياسمين اللي بدت تشغل تفكيره،قولي لي شلون نرجع مثل قبل ؟!
نَطَقَت بحدَّة نصفها قهر،:انا وانتِ ندري انش مو خاينة،حاولي وياه مرة ومرتين وثلاث وعشر لين ما يصدقش
رفعت كتفها مثل مسكين عُميت عينه عن الأمل،:و اذا ما صدق ؟ انذبح مرة ثالثة بهجرانه بعد ابوي و محمد ! بتركه قبل لا يتركني،اذبح نفسي و لا هو يذبحنــ ـي
اجتذبتها الأريكة السوداء لتنخرط في بُكاء اختُزِلَت عنده بقايا روحها المَعلولة من فقدٍ يُلَوّح لها من على بُعدٍ تَكاد تَخاله غير موجود من فرط التصاقه بها،فهو يكاد يمتزج بأنفاسها مُسبباً لها اختناق ستُرفَع روحها على إثره..مَرَغَّت وجهها في قماش الأريكة و كأنَّها تتعرف على اللون الجديد الذي سترتديه حياتها بعد أن تتخلى عن جنينها و تقطع وصال العِشق الرابط بينها و بين فيصل،ذاك الحبيب الذي حَشَر سبابتيه في أُذنيه رافضاً الاستماع إلى تبريرها الطاعن إتهامه القاسي..ستتركه لياسمين لتحظى به،ستتنازل عن وطن حضنه لها،و ستُسلّمها مفاتيح روحه التي اعتادت أن تُسبِر أغوارها لتنفض عنها غُبار الأسى و تغرس مكانه ربيعاً يأبى أن يزور الحُزن أرضه..هي ستُحاول أن تمسح آثار قُبلاته عن شفتيها و قد تُجدد خلايا جلدها لتتخلص من وقع لمساته الرقيقة،و لَرُبما ستتبنى قلباً آخر لم يتعلم العشق أبداً و لم ترقص نبضاته على لحن أنفاسه عند كُل فَجْر..ستنتحر من أجل أن تعتاد فقده..،اقتربت منها نـدى لتجلس خلفها و كَفُّها المُشاركة كلماتها علاج جروح جنان و تضميدها حَطَّت على كَتِفَها،ضغَطَت بحَنو ناطِقةً من بين عَبراتها،:يا عمري خلاص والله قطعتين قلبي
حَرَكَّت وجهها يساراً حتى اتضحت ملامحه المغسولة لندى،اجترعت شهقاتها لتتساءل بارتعاش،:الساعـ ـة جم ؟
رفعت رأسها للساعة المُعلَّقة لتُجيب و عيناها تعود لوجهها،:ثمان و أربعين دقيقة
اعتدلت من استلقائها المائل و هي تُرجِع خصلاتها خلف أُذنها،هَمَست ببحَّة و بظاهر كفيها تمسح دموعها،:لازم اروح المُستشفى "وقفت مُتوجهة لغرفة نومهما و هي تُواصل" ما باقي شي على وقت العملية
لَحقتها ندى و الرجاء حذاءها،:جنان فكري مرة ثانية،مو بس في الجنين حتى انتِ،دخلتين الشهر الرابع العملية مُمكن تكون خطر عليش
نَطَقت و هي ترتدي حجابها بسُخرية ناقعة في المرارة و عيناها ينعكس لهما من المرآة حالها الرَث،:يا ليت اموت اريح لي
بتأنيب عَقَّبت،:جنان شهالكلام ! استغفري ربش
زَفَرت و هي تلتقط معطفها الأبيض هامِسةً،:استغفر الله ياربي "توقفت أمامها مُردِفة" خلاص ندى لا تحاولين ما بتراجع عن قراري،و انتِ على راحتش اذا ما تبين تجين وياي
تجاوزتها للخارج بعد أن تناولت حقيبتها و مفاتيح الشقة،تبعتها ندى لخارج المَبنى حيثُ لفحهما هواء لندن الشتوي المغزول بلسعات تجرح الجلد..أغلقت أزرار معطفها الكبيرة ثُمَّ حشرت يديها في جيباه الأماميان،رفعَت عينيها لندى التي كانت تُراقب حركاتها و وجهها المُصطبغة أطرافه بالأحمر..نَطَقت برجاء،:لا تقولين لفيصل
تَراجعت خطوة للخلف ثُمَّ استدارت دون أن تنتظر رد من ندى التي ما أن اختفى طيف جنان عن مدار نظرها حتى أخرجت هاتفها ضاغطةً الأرقام بسرعة،تعلم أنَّها ستزيد النار اشتعالاً و لكنَّها لن تقف هكذا ببرود و صديقتها على وشك أن ترتكب جريمة ستندم عليها حتى الموت..،رفعته لأذنها ليأتيها الرد بعد ثوانٍ،قاطعته على عجل مُتسائلة،:منصــور وياك فيصل ؟

،

تمشي على الطريق الذي رَسمتهُ بيديها العاريتين من دفئ،فمُنذُ أن تَخَلَّى عنها أمسى الشتاء بين يديها غازِلاً أنفاسه القارصة بين خطوطهما،هي ذاهبة للمقصلة و بنفسها ستُحيط عُنُقِها بحبل إعدامها،ستنحر الأنفاس و ستقتلع ثَمَرة أودعها في رحمها..أغمضت عينيها بقوَّة عندما لاحت لها أطياف تلك الليلة التي كان نتاجها هذا الحمل،ليلة الفستان الأسود المُرتديه جسدها لأجله،و كأنَّها أهدت جسدها له و هو بكُل سعة صدرها قَبَل الهدية ناحِتاً بين طيَّاته مشاعر أَثَرُها عَميق تخشى أن لا تستطيع دثرها..،استجابت عينيها لصوت ضحكات بريئة على يمينها،التفتت بفضول لتصطدم نبضاتها بأوجُه عنوانها البراءة و النقاء..استدارت بسُرعة هاربةً من حبالهم الشادة روحها للتراجع عن قرارها،انفلتت منها شهقة قبل أن تتدارك نفسها و تقف قبل أن تصطدم بالمرأة و الطفل الذي بين ذراعيها..مالت شفتاها للأسفل تُنذِر بالبُكاء و هي ترى كيف يمص إبهامه بسُكون ملائكي،اعتذرت ثُمَّ أخفضت رأسها مُطلقة سراح قدماها في مشي سريـع..و كأنَّها المرة الأولى التي ترى فيها أطفال،بل و كأنَّهم ازدادوا اليوم ! فهم في كُل زاوية و أصواتهم تتعالى من جميع الجهات ! فتصادمها معهم يُضَعّف من ثقل قلبها..،ربع ساعة قضتها في المشي حتى وصلت المشفى..دخلت مُتجاوزة الممرات باتجاه المصاعد..ثوانٍ و كانت في الطابق الثالث القسم الخاص بالنساء و الولادة، وهناك جلست تنتظر على المقاعد برأسٍ يكاد يحفر الأرض هَرباً من التَجَمُّع الغفير للأطفال..ذاك يصرخ و ذاك يضحك بحلاوة يسيل لها لُعابها،و آخرون مُنهمكون في اللعب بالألعاب المركونة جانباً..،دقائق و نودِيَ على اسمها،وقفت بطريقة سريعة و توجهت لغُرفة الطبيبة التي استقبلتها بابتسامة ناعمة..جلست على المقعد قُرب المَكتب و هي تستمع لحديثها،:كيف حالكِ سَيّدة جيــنان هل أنتِ جاهزة للعملية ؟
بَلَّلت شفتيها قَبل أن تُجيب و هي تدعك باطن كفَّها بتوتر لم يغب عن أعين الطبيبة،و بابتسامة كاذبة،:نعم جاهزة
أرجعت خصلاتها الشقراء خلف أذنها مُتسائلة،:أين زوجك ؟ هل هو في الخارج ؟
تَجَمَّدت عند ذكره و حركة كفيها توقفت،ازدردت ريقها بصعوبة و هي تُشيح بوجهها عنها و أهدابها بدأت بحركتها المُضطربة،تحمحمت قبل أن تُجيب ببحَّة،:لم يستطع المجيء،لديه عمل مهم
أومَأت رأسها بتفهم ثُمَّ وقفت و هي تُشير للسرير في الزاوية،:تفضلي هُنا لدقائق
وقفت تتساءل بتردد،:لماذا ؟
ابتسمت لها مُجيبةً،:فحص روتيني قبل العملية
اقتربت ببطئ حتى جَلست على السرير،خلعت حذاءها الرياضي و هي تتساءل بخفوت،:هل الشيء ضروري؟
أجابتها و عينيها على الجهاز الذي بدأت بتشغيله،:نعم نحتاج ذلك في تقرير العملية "استدارت لها مُردفة" استلقي
تَمَددت على ظهرها حَسَب طَلبَها و تَصَلُّب مؤلم تَمَكَّن من فكّها،تزاحمت الدموع في صفحة عينيها التي لم تَجُف بعد،هي تعلم ما سيحدث الآن و هذا ما لا تُريده،تخشى أن تضعف و ترجع عن قرارها،لا تُريد أن ترى كيف يتوسَّد جسده الضئيل رحمها،جسده الهزيل،المسكين الذي ستحرمهُ نعمة النوم بين أحضانها..،رفعت بلوزتها بعد أن فتحت أزرار معطفها،ارتعشت من برودة السائل اللزج الذي مسحت به على بطنها الذي لم تظهر عليه بعد آثار الحَمل،هذه المَرَّة الأولى التي تخضع لهذا الفحص،فيصل الذي علم بأمر الحمل قبل إسبوع حَجَز لها موعد سيأتي بعد ثلاثة أيَّام..أغمضت عينيها للحظة و ملامحها تنكمش بخفَّة للسعة البسيطة المُسببها الجهاز..بدأت الطبيبة تُحَرّكه بخفَّة على المنطقة السُفلية من بطنها و هي لم تُحاول أن ترفع عدستيها للشاشة..سمعت صوتها الهادئ،:انظري ها هو
رفعت عينيها بصعوبة تُتابع إصبع الطبيبة الذي يُشير لشيء أسود يُخالطه بياض لم تستطع تمييزه،قالت و هي تنظر لها بابتسامة،:انظري جسده واضح جداً
مالت دمعة على خَدَّها سَقَطت من مُنحدر عينيها الشاهدة على هذا المنظر المُفتت قلبها المكسور،تساءلت الطبيبة بقلق و هي ترى دموعها،:هل هُنالك شيء ؟
مَسَحت دمعتها بسرعة و هي تُجيب،:لا لا شيء
عادت لتدقيقها في الشاشة تاركَةً جنان تُعاين غَصَّاتها..،:اوووه انظري
التفتت لصوتها مُتسائلة باستفسار،:ماذا هُناك ؟
أجابت بابتسامة واسعة،:يبدو لي أنَّها فتاة
اختنقت نَبضة في قلبها حتى ذوت و سَقَطت مُحدِثة جَلَبة اضطربت منها دواخلها،ردَّدت حُجرات قلبها،فتــــاة ! قد تَرث وسع عَينيها و عدستاها تصطبغان بلون عَدستي والدها،رُبما سينمو لها شعر لهُ تَمَوجات كتموجات شعرها..و صوتها سيَرث بَحَّة والدها التي تُلهِب مسامعها..ستكون لها ضحكتها أنفها و شفتي فيصل الصغيرتين..إن وُلِدت ستكون نسخة منهما هما المُتضادان في العَيش..،ارتعدت من صوت يُشبه صوت ارتطام حوافر الخيول بالأرض يرتفع من الجهاز..نظرت للطبيبة و الاستفسار واضح في مُقلتيها..أجابتها و الابتسامة لم تترك شفتيها الزهريتين،:صوت نبضاتها
أمال الأسى شفتاها الذابلتين و النَحيب اعتلى كاسِراً حُصُونَها الواهية،فنبضات صغيرتها كانت ستُدفَن بيدي والدتها مَيّتة القَلب..نَفَرت الجهاز عن بطنها و لسانها ينطق بعَبرات بلُغتها الأم،:مابي مابي اشوف مابي اسمع
كُل شيء يعود لأصله،و كُل فَرعٍ يَرجِع إلى شجرته،هي إن عادت إليها في السماء ابنتها لتُحاسبها على تفريطها و سَخطِها لنعمة الله بماذا ستُجيب،أيُّ التبريرات ستستعير ؟ فحُجَجها مدحوضة المَنطق و لا يقبلها دين ولا عَقل ! تساءلت الطبيبة بقلق و هي تمسك بكتفها بعد أن جلست من استلقائها،:هل أنتِ على ما يُرام ؟ هل تُريدين إلغاء العَملية ؟
لم تُجبها فهي كانت مُنهَمكة في جَرَّ شهقاتها المُثقلة بسكاكين جَرَحَت حَلقها،كانت تُغلِق أزرار معطفها بارتعاش وبَعثرة شَتت وَعيها..و قفت بتمايل و ملامحها قد أضناها لَطم يد الحياة القاسية..خَرجت من الغُرفة بتخبط و ذراعيها تُحيطان بطنها و كأنَّها بهما تحمي ابنتها من جُنونها،انكمشت ملامحها و أسنانها بقسوة بدأت تُمارس عقابها على شفتها السُفلية حتى استطعمت دماءها،كيف استطاع قلبها ؟ بل كَيف سَيَّر عقلها قدماها ؟ هل أعمـى العِشق بَصيرتها و نما حتى طال ضميرها ليُقَيّده ؟ ذاتها الآن تحتاج مُعلّقات سَماح تَسردها على مسامع طفلتها بعدما تصرخ صرختها الأولى،و لكن كيف ستطلب الغُفران من خَالقِها ؟

،:جنـــان

،

سُرعته تَكاد تصل المئتان و هو بها يُريد أن يخترق المسافات ليصل لتلك المجنونة قبل أن تُقبِل على ذبح روحها و روح جنينهما..قبضته مُمسكة بالمقوَّد بقوّة نصفها مهزوز،ففكرة أنَّها ذاهبة لإجهاض طفلهما أودعت تَوتراً بين خلاياه..لا يدرِ بأي حال هي الآن ؟ هل تم إدخالها لغُرفة العمليات ؟ رُبما لن يلحقها و إن وصل سيتعثر بقطعة حَمراء قُتلت براءتها بسيف أمّها..أغمض عينيه بأسـى عند هذي الفكرة هامِساً برجاء،:يــارب
ارتفع صوته مؤنِباً نفسه على غفلته،:انا شلون ما فكرت انها مُمكن تسوي العملية بدون علمي ؟!
صوت حانق من خلفه أرفع عينيه للمرآة لتصطدم بعينيها الباصقتين عليه نظرة مُلتوية،:لأن عقلك غايص ويا هالياسمين من جذي ما فكرت
التفت لمنصور بجانبه عندما استدار لها ناطِقاً بتحذير،:نـدى ولا كلمة
تجاهلته مُواصلة،:و انا الصادقة لو هو مـ
قاطعها بحدَّة،:خــــلااااص
زَمَّت شفتيها و صدرها يرتفع بقهَر لينخفض بعُنف زافرةً حَنَقها..استدارت للنافذة و هي تعقد ذراعيها على صدرها و من أسفلها قدمها ترتطم بأرضية السيارة بقلق على رفيقتها..المستشفى كان يبعد بالسيارة حوالي العشر دقائق ولكن خوفهم ضَعَّف الدقائق و طَوَّلَ المسافات..،
أمام باب المشفى أوقف السيارة مُتَرجلاً منها بعد أن طلب من منصور ركنها،كان يجري مُسابِقاً الريح لها و من خلفه تُسابق خطواته نـدى التي ذَوت طاقتها من رُعبها المُتأزم في عروقها..،توجها للطابق الثالث حسبما أعلمتهُ نـدى..و قَبل أن يُكمَل انفتاح باب المصعد انسلَّ من بين فتحته الضيقة حتى اصطدمت جوانبه بكتفه لكنه واصل طريقه دون أن يلتفت لألم..،هُناك عند المَمر المؤدي لعيادة الطبيبة أبصرتها عيناه مثل غريقٍ يلتمس حَبلُ نجاة يُعيده لاستقامة الأرض و سُكونها..ناداها من بين أسنانه و عقله قفز بألف عقاب و عقاب..،:جنـــان
التفتت إليه ليتضح لهُ و لندى عَذابها الراسم خرائط ضجره على وجهها المقتول جماله،تباطأت خطواته و هو يَرى كيف رفعت ذراعها مادةً يدها لهُ بارتعاشاتٍ شعر بها تقتلع عظام قفصه الصدري حتى اخترقت بؤرة قلبه..التقط كفَّها و لوَهنها استطاع بخفَّة أن يجذبها له حتى اصطدمت بصدره،أغمض عينيه و ذراعيها بضُعف عانقتا عُنُقِه حيث من أسفله غَفى وجهُها غارسةً الشهقات بين طيّاته..أحاط جسدها المائل عليه بإعياء و عيناه التقطتا حَركة نـدى التي مالت على الحائط براحة..التفتت بسرعة عندما ارتفع صوت جنان بصوتٍ اقتطعت كلماته غَصَّاتها المحمومة وَجَعاً..أخفض بصره ينظر لجانب وجهها المغسول من دمع،:كنــ ـت بذبــ ــ بذبــ ـح البيبـ ـبي فيـ ـصـ ـل البـ ـيبي كان بيمــوو
اختنقت بآخر حُروفها و بُكاءها صَيَّرهُ اللاوعي لحنٌ مُزعج أصمَّ أُذنها،أنزل رأسه دافناً فمه في أُذنها من فوق الحجاب ليهمس برقة احتاجها في هذه اللحظة،:اششش خـلاص الحمد لله ما صار شي،البيبي للحين في بطنش خلاص اهدي
شَدَّ من احتضانه لها زافِراً قَلقه الذي استولى على حواسه لدقائق طويـلة،دَفَن وجهه في كتفها مُتناسياً الحُكم الذي فَرضه على ذاته بتحريم اقترابه من نيرانها،صوتُ كبرياءه يوسوس لهُ بالابتعاد و لكن قلبهُ المُناضل فاز برغبته في الالتحام معها..،

،




حـاضر

على طاولة في الزاوية اليُمنى انزوت معه،كلاهما عاقد أصابع كَفّيه يُحيك خُيوط كلماته عَلَّهُ يظفَر بمعطفٍ صوفي يتدثر به عند اشتداد شتاء العِتاب..جفناها لم يبرحا مكانهما رافضان الارتفاع للكشف عن كَنزها الأثمن المُشتاق لهُ قلبه المَهجور حُبّه بجريرةٍ لا يَعلُمها..،هُو لم يمنع عينيه من شدّ رحالها للإطمئنان على ملامحٍ كانت حَلاله قبل عامان..عامان فقط غَيّرا مَجرى حياتهما،حُرّم عليه فيهما النَوم براحة بلا هَواجس صَيَّرت عقله عَجوز يتَعَكَّز على الظن الذي لا يُشفي سُقم أسئلته..و هل للفراق أجوبة تنقذ عليلاً من مَوت قلبٍ مُحتَم ؟ فالفراق لا تُحَل قضيته إلا بلقاءٍ يُعيد برمجة الذاكرة مُلقياً بالماضي في زبالة النسيان..و أسَفاً أنَّ هذا عَصي..،استعان بصوته ليَخرُج هَمسه مُحَرّكاً ذرات صمتهما الصَخب،:نــور
بَلَّلت شفتيها قبل أن تُجيبه بذات الهَمَس و عيناها لم تُفارقان أصابعها،:نـعم
ابتسامة نصفها ألم عانقت شفتيه ناطِقاً،:باقي على سفرتكم اسبوع
جُملته هذه كانت لها القُدرة باجتذاب نظراتها التي التقت بنظراته المُتفحصَّة ردَّات فعلها،حَرَّكت عينيها بهروب و عُقدة خفيفة بانت لهُ بين حاجبيها..فهي لم تتوقع أن يَكون الحديث مُتَعَلّق بالسفر..عَقَّبت و هي تمس وجنتها اليُمنى بطرف سبَّابتها،:اي ان شاء الله
تَخَلَّى عن استناده مُتَقدّماً بجسده ناحيتها ليقول و الرجاء لسانه،:نـور أرجوش اتحملي بنفسش و لا تلتفتين لفهد أبداً
نَظرت إليه و العُقدة طالت باقي ملامحها لتقول باستنكار،:عبد الله شهالحجي ؟ و من متى انا التفت لفهد ؟! ارجوك لا تبدا اعتقاداتك الغلط
هَزَّ رأسه بتفَهُم،:ادري ادري يا نور انش مو ملتفتة له بس ابي اتطمن عليش
أطلقت تنهيدة مُتَفَهّمة قبل أن تُجيبه،:خلاص لا تحاتي،في شي ثاني بعد ؟
صَمَت يُقَلّب سؤالها بين مسامعه،نعم هُناك أشياء و أشياء،في داخلي مُجلّدات خَطَّتها أنامل روحي لعامان،فأنا الأعمى في هذا الفراق،ذاتي لم تُبصِر بعد أسباب انتحار وصالنا..و قلبي لم يَكُف عن صراخته المُناشدة عَفواً يُنقِذ دقاته من سجنٍ أخنقها بقضبانها و هي التي لم تُذنِب..،هَمَسَ لها و عيناه مُتعلقتان برفيف أهدابها،:مشتــاق يا نور والله مشتــاق
قَبَضَت يدها بتماسُك لتقول و عيناها على صدره،:عبد الله ارجوك اوعى على نفسك،انسى اني كنت زوجتك
رفع كتفيه بقلَّة حيلة و بابتسامة مريرة نَطَق،:مو سهل النسيان
أكَّدت تُعارضه،:بلى سهل خلاص ارحم روحك انسى و عيش حياتك،الله مو كاتب اننا نستمر ،صدقني عيشتنا مع بعض ما تصلح
تساءل و يَدُ روحه قَبَضت على قلبه،:انتِ نسيتين ؟
نَطَقت دون أن تُواجه عينيه فهي تَعلم أن بنُطقِها ستعلن حِداده و لا تُريد ان ترى تابوت انكساره يُشَيَّع على قارعة عينيه،:ايــ ـه نسيـــت
ضَمَّ شفتيه للداخل و اختناق نفسه شُلَّت منهُ عَضَلة في قلبه،غَرست خنجر كلماتها في روحه،بالتحديد في البؤرة التي كان يرتشف منها إكسير الأمل..نَحَرتهُ على صفيح كلمتها و ثُمَّ حَرَقت بقاياه ناثرةً رماده على أرضٍ كانت ذات يومٍ بصفاء القَمَر ليلة اكتماله..و اليوم لم يَعد هُناك قَمر و لا صفاء بهِ هو يَنعَم..، وقف حاملاً على ظهره ثِقل اعترافها ليُمسي مَحني الحُب،نَطَق لسانه قبل أن يبتعد،:ادعي لي انسى،ادعي لي انساش
و تَطارُداً مع ابتعاده تَجَمَّعت الدموع وسط عينيها و التأنيب ارتفعت حُموضته حتى باتت تَرغب في استفراغ مَتعابه..خَذلته و صَفَعت قلبه الأبيض بنتانة فعلتها الشنعاء،و لكن ما حيلتها إن كان سَوط والدته يقف حائلاً بين التقاءهما ؟! أخفت وجهها بيديها سامحةً للدموع باقتطاع طُرق وجهها بعد أن بان لها وجه سارة التي قالت بضجر،:تونا بسم الله ما مدانا نفرح انش نسيتين يجي عبد الله و يرجعنا للصفر !



الأسقُف ذابت من سعيرها،و الأرضُ ابتلعها لهيبها بشراهة مانعاً قدماها من الفِرار،الجُدران أمست جبلاً تَتَسَلَّقه و الأبواب كُلَّها مُوصدة..و كأنّ كُل شيء يَصرخ لها بأنَّ الموت هو النجاة..لا تدرِ من أين ظَهَر و لا كيف اخترق النيران ليقف أمامها بجسده الذي يَفوقها حَجماً و قوَّة،فهي كانت و للأسف ذليلة لخوفها المُتمكن من حواسها..لطالما اغترَّت بجُرأتها و شجاعتها في المواقف الصعبة..لم تعلم أنَّ النيران تضرم خططها لكبح شجاعتها المشوشة..،لهُ عينان تُشبهان غَيهبات السماء في ليلة شتوية صامتة..و التمست نظراته حِجاباً لا مَرئي يمنع مُواجِهه من قراءة أفكاره..،لم تُسعفها طاقتها الذاوية للهروب و كان هو ملاذها الوحيد،لا تعرفه و لا تدرِ إن اهتدت إليه كيف سينتهي الأمرُ بها ؟ لذلك استسلمت للا وَعي و سَمحت لهُ بابتلاعها و اجتراع حواسها التي فقدت بقايا قُدرتها بعد أن أحاطت ذراعه خِصرها..،أغمضت عينيها برعشة و جسدها ينطوي على نفسه أسفل الغِطاء،دَفَنت جانب وجهها في وسادتها مُغمضةً عينيها بقوَّة تُحاول أن تتجاهل شُعورها المُضطرب و ذراعه على خصرها..تحشرج البُكاء في حَلقِها فالموقف لم تستطع أن تُكبح زيارته لذاكرتها مُنذ أن استيقظت و هي على سرير المشفى..حتى بعد أن اتصلت لوالدتها و أتت لها لتحتمي في صدرها مُفرغة دمعاتها بعد نُضوبٍ أجَّجتهُ الصدمة..،شُعور غَريب يلتف حول عُنُقِها ناحيته..حاسَّتها السادسة تهمس لها بأنَّ أسرارٍ مُقيَّدة بذاك الرَجُل..فخلف تلك العينين حقيقة ليست بهينة..! تأفأفت بتعب و هي ترفع الغطاء فوق رأسها هامِسةً بتوبيخ،:خـلاص يا ملاك نامي نامي مالش دخل في هالغريب



يتبع





إرتواء نبض 09-22-2019 10:43 PM



سؤالها نَهَب آخر نَفَس لأمله بأن لا يكون موضوع ابنتهما الذي أتى بها إليه،على الرغم بأنَّ حالها المَيّت أيقنه..،عيناه تَطوفان على ملامحها الواقعة رهينة الصدمة،عيناها مُتوسّعتان بطريقة تجعل من ينظر لها يحَسب أنَّها لا ترمش،لا دمع يحاوطهما و كأنَّ الخَبر أعظم من أن يُبكَى منه..ارتعش عندما انتبه من أفكاره على ملمس يدها لصدره،ازدرد ريقه يُحاول السيطرة على نبضاته التي بدأت بشن حربها على قلبه النازف نَدماً..،نَطَقت و الصوت تُسيّره رياح ارتعاش،:فيصل وين بنتي ؟ "حَرَّكت رأسها بالنفي " اذا قلت لي ماتت بصدقك "مالت ملامحها أسـى مواصلة" مثل ما صدقتك قبل
استنشفت نَفَس عميـق قبل أن تُكمِل و يديها تتمسكان بكتفيه،:لأني ادري ان قلبك ما يطاوعك تسوي فيني هالشي،حتى لو كرهتني صح ؟
أغمض عينيه مُشيحاً بوجهه عنها فلا حيلة لهُ على رؤيتها بهذا الضُعف أمامه..هَزَّتهُ بوَهن و سؤالها ارتفعت نبرته،:وين بنتي فيصل تكلـــم،ماتت بنتي صح يا فيصل "ارتفعت يديها لوجهه تُديره لها و برجاء استلَّ روحه من مكانها" ارجــوك لا تذبحني بسكوتك "هَمَسَت بخفوت و النفس اقترب من التلاشي" ارحمنـــي
زَمَّ شفتيه و بصره يُلاحق خُطوط الصبر المُنتحرة على وجهها..قَيَّد نظراتهما،هو مُتَجَلّد ببقايا قوته و هي قد تم دفن قواها قَسْراً..فتح فمه مُطلقاً سهامه دفعة واحدة لتستقر وسط قلبها،:جنان بنتـ ـنا عايشة،ما ماتت
باغتتهُ رَجفة سَبَّبتها ارتعاشتها القوية..تصافق غير طبيعي احتكر أهدابها و أنفاسها اعتلت صهوة تنشقاتها..انحسرت كفَّاها عن وجهه و قدماها ببطئ بدأتا بالتراجع للخلف..خطوة،اثنتان و في الثالثة كان السقوط المدوي..اقتربوا منها عداه وهم يرونها تنحني للأرض باعوجاج و صدرها يكاد ينفجر من طريقة استنشاقها الصعبة..و كأنَها تُناشد ذرات الهواء لتقترب منها حتى لا تمسي ميتةً باختناقها من سُم الحقيقة..احتضنت والدته كتفيها وجود على يمينها تمَسَكت بذراعها و الدموع تشوش عليها الرؤية..نَطَقت والدته و بكفّها تُطبطب على وجهها،:ماما جنان صيحي حبيبتي،طلعي اللي في قلبش يُمَّه
عيناها تتَخبطان على ملامحهم و الأصوات ضوضاء مُزعجة أفزعت روحها المُرفرفة فوق مقبرة الفقد،حيثُ هناك رأت قَبر ابنتها الوهمي مَهداً لم تَحظى بتحريكه..شفتاها مالتا بتصَدُّع مُوجِع و الدموع ترقرقت من عينيها تُنذِر بفصلها الغارق..شَهقة حـــادة عَبَرت طريق صدرها المَضني جارِحةً حنجرتها لتخرج و تسكن صدر فيصل الواقف بلا حراك صيداً سهلاً لمصيدة الذنب..،ارتفع نَوحها مُعيدةً للأذهان صورتها قبل خَمسة أعوام وهي تَتلوى بين أحضان والدتها لفقدٍ وَهمي رسم كذبته زوجها المُكابِر..يديها ارتفعتا لأذنها رافِضةً استوطان الحقيقة مسامعها..أن تكون ابنتها مَيّتة أرحم من أن تكون لخمسة أعوام تتنفس بعيداً عن حضنها..،مالت بإعياء على والدته التي احتضنتها و لسانها يلهج بالتسمية لتُهدأ روعها..شَدَّت بأناملها المُرتعشتين على ثوبها ناطِقةً من بين جيوش الغَصَّات،:خالتي ولدش ذبحــ ـني حرمني من بنتــ ـي
ابتعدت عنها لتَجُر أبيات نَعيها على نفسها المُعاقبة ظُلماً،:خالتي تذكريــ ـين شلون جمد الحليب في صـ ـدري ؟ "اتجهت يدها بتخبط جهة صدرها مُردِفة و الذاكرة بدأت بتزويد خلاياها بذاك الألم المُبرِح" كان يألّـ ـم كنت ما انام الليل جمد في صدري و كان لازم بنتي تشربــ ـه،اخذها و ما خلاني ارضعها "استدارت لخالها تُسرد عليه قصة مأساتها و الحواس لا زالت غافية تحت سقف اللاوعي" خالي والله والله ما سويت شي،هو يعاقبني ادري يعاقبني بس انا كنت بروحي كنت صغيرة و كان احمـ ـد والله ما سويت شي انت مصدقني خالـ ـي ؟
مَسَح على رأسها ناطِقاً وهو يُسايرها مثل طفلة لاتفقه قولاً،:اي يُبه مصدقش يابنتي
و الدموع تتوالى بلا توقف طامسة يَنع وجنتيها،:خالي هو بس يبي يعاقبني في بنتي بس يعاقبنــ ـي " أكملت و كان الدور لجـود القابضة على ذراعها" جــود قولي له شلون انفتح جرحي مرتيـ ـن اهو ما يحبني يبي يعاقبني والله ما سويت شـ ـي
حاولت أن تتحرر من قبضاتهم و هي تقول بحزم وَهن،:ابي بنتي ابيــها وين بنتي
شَدَّت والدته من وثاقها ناطِقةً بهدوء عَلّهُ يُقنعها،:بنتش نايمة حبيبتي ما يصير نزعجها ان شاء الله باجر الصبح تشوفينها
كانت لتسعة أشهُر تغفو بين ظُلماتٍ ثلاث،هُناك حيثُ أسكنها الله،و ليتها تَعود شاطِبةً الأعوام الخَمس لتُخبئها في رحمها بعيداً عن يدي والدها السارقة..،حَرَّم عليها إرضاعها حتى تَجَمَّد الحليب خُذلاناً في صدرها..لا حَبوٍ و لا تَعثر مَشيٍ أوَّل..ها هي ترى الموت على فَرسه الأسود يُقبِل عليها..يَتوعد بذبحٍ يمنعها من الارتشاف من براءة عينيها لتروي عَطش فَقدها..،حَرَّكت رأسها نافية و الشهقات تُنحَر فوق شفتيها،:اخــ ـاف اموت و انا ماشفتها
مَسحت وجنتيها و كأنّها هكذا تُفسح المجال لدموعٍ أخرى،:اسم الله عليش يا بنتي ان شاء الله بتشوفينها،صدقيني هي نايمة اللحين بس تقعد اخليش تشوفينها "أمسكت بذراعها و هي تُوقفها بمساعدة جود مُردفة" تعالي اللحين غرفة جود ارتاحي و بس يجي الصبح بخليش تشوفينها
شهقة خرجت متقطعة بعد أن تكَسَرت في صدرها،بهذيان قالت و عيناها تتخبطان ببعثرة،:لا تخلونه ياخذها مني،ابي اشوفها لا ياخذهـ ـا
أجابت جـود مؤكدة،:ما يقدر ياخذها لا تخافين حبيبتي
واصلت معها الاثنتان للأعلى تحت أنظاره المُقيّدة بالصدمة..حينها لم يكن يعلم كيف يعقد الفكرة في عقله،أو كيف يُترجم لحواسه خطوته التالي..ثقته تلك بلمح البَصر انهارت أمام ناظريه..لم يعد له سوى الضمير يصرخ ليتردد صداه وسط روحه الخاوية..،



غاب عنها النَوم و تَرَبَّع السُهاد وسط عينيها المُرهقتين،خُطوط ضَجر تُحاوطهما و سواد تعب يتوسَّد أسفلهما..و ما أقسى الامتزاج بالذاكرة..فهي تستل عَبَق الفَرح ببطئ مُوجِع و تنهب الراحة من نَفَس لا تُريد سوى النَوم بلا كوابيس تقتات على روحها..،التفتت للباب الذي انفتح بهدوء رَسَم ابتسامة ناعمة على شفتيها،لَمحته يدخل على أطراف أصابعه حتى لا يُزعِج نومها،كعادته..ضوء النوم القوي كان كفيلاً بإيضاح ملامحه،هَمسَت لهُ بلحن ناعِس و هي تراه يتوجَّه لخزانة الملابس،:خلَّصت رحلتكم ؟
التفت لها بفزع،فصوتها أتاه على غفلة منه وسط هذا السكون..زَفَر و هو يقترب منها حتى جَلَس على السرير و هي رفعت نفسها بخفَّة ليستقر جانب رأسها على كفَّها..قال و عيناه تُراقبان ذُبول ملامحها،:من زمان خَلَّصت،اتصلوا لي المركز فرجعنا بسرعة واللحين توني مخلّص شغل
هَمَسَت لهُ،:الله يعطيك العافية
ابتسم لها بحُب صـادق،:الله يعافيش"تساءل و هو ينظر للساعة القريبة من الثالثة و النصف" ليش للحين ما نمتين ؟
أصدرت صوت ضَجِر من بين شفتيها قبل أن تُجيب،:مادري ما جاني نوم
اتسعت ابتسامته ليقول بمُشاكسة،:يمكن تبين تنامين في حضني
رفعت حاجبها مُعَقّبة بجُرأة،:والله شكله الموضوع جذي
استدار عنها بضحكة و هو يخلع ساعته فاتِحاً الدرج قُرب رأسه ليضعها فيه،تَحَرَّكت عيناها للدرج تنظر لمحتواه،مَدَّت يدها للقابع وسطه تُريد التقاطه لكن يده اعترضت طريقها هامِساً بتحذير،:لااا ممنوع
مالت شفتاها بابتسامة ثقة ناطقةً و عيناها في عينيه بجديَّة،:لا يا حبيبي مو ممنوع و بتعلمني عليه بعد
اتسعت عيناه بعدم استيعاب ليقول باستنكار،:نعم ؟ شنو اعلمش عليه ؟! "أكمل بسُخرية تَمَكَّنت من كلماته و نظراته" لا بعد تعالي اشتغلي ويانا في المركز و اطلقي على المُجرمين
استدارت لتستلقي و هي تَقول بذات الثقة،:ليـــش لا !
يبدو أنَّ هناك خُطط أحاكتها بينها وبين نَفسها،زَمَّ شفتيه و حاجباه يرتفعان مُدرِكاً أنَّ صَدمات سوف تنهال عليه و السبب جُرأة هذه الأنثى !



أمر المُهمة لم يُقنعه و هذا الحريق أثار قريحة شكوكه..فمن بحثه الذي أجراه بعد أن فَرَّ من إحدى نوافذ المصرف استطاع أن يصل إلى أنَّ الطابق الأخير لهُ لم يكن مأهولاً بالعاملين بعد..فالمكاتب لم يتم حشر موظفين فيها..لذلك اختارهُ آستور..بالإضافة إلى أنّ جرس الإنذار تم إغلاقه عن طريق تلك المرأة حسب ما وصله منه..فهي انتظرت حتى تمَكَنت النيران من الطابق ثُمَّ أعادت تشغيله حتى لا تستطيع تلك المسكينة الهَرب..،فتح بقدمه باب أحد المكاتب في الطابق الثاني من المصرف..دخل بخطوات صامتة لم يُسمَع لها وقع و عينه تَجولان بدقَّة على المكان المُرمَد و ضوء المصباح الذي في يده يُساعده على مُهِمَّته..اقترب من المكتب ليبدأ تفتيش أدراجه..ما أن انحنى للدرج الأخير حتى شعر بوجود نفس ثانٍ يُشاركه المكان..التفت بسرعة للصوت القادم عن يساره..

،:من انت ؟


ضامية الشوق 09-23-2019 03:14 AM




طرح جميل وجلبّ مميز
سلمت يداك
وسلم لنا عطاؤك وتميزك
لك ولحضورك الجميل كل الشُكر
لروحك جنائن الورد
ضامية الشوق



إرتواء نبض 09-23-2019 03:15 AM

ضاميه
لِرُوحكْ وَردْ مُخْمَلِي’..يَ عَبقِ البَسآتِين ...’♥

ملكة الجوري 09-23-2019 04:19 AM

تسسلم يمينك على رووعه طرحك~
الله يعطيك الف عاآآآآآآفيه ...
ولاتحرمنا من جديدك وفيض ابداعاااك ..
دمت بخير..~
..::..

إرتواء نبض 09-23-2019 04:35 AM

ملكه
لِرُوحكْ وَردْ مُخْمَلِي’..يَ عَبقِ البَسآتِين ...’♥

نجم الجدي 09-23-2019 04:45 AM

طرررحك رووووعه للموضوووع
والله انك ذوووق

يعطيك العاااافيه

إرتواء نبض 09-23-2019 04:56 AM

نجم
لِرُوحكْ وَردْ مُخْمَلِي’..يَ عَبقِ البَسآتِين ...’♥

عـــودالليل 09-23-2019 05:07 AM

200
أناقة طرح وجاذبيه
إهتمام و..

اجتهاد واضح في الطرح
وذائقة عالية المستوى

استمعت النفس بما مرت عليه هنا،،،
فبهذا العطاء سنرقي

من أعماق القلب أشكرك

اخوك
محمد الحريري


الساعة الآن 02:16 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية