نبذة حول الأديب: قابوس بن وشكمير
 

الإنسان خلق ألوفاً ، وطبع عطوفاً فما للإصبهبذ سيدي لا يٌحني عُوده ولا يرجى عَوَده ، ولا يخال لفيئته مخيله ، ولا يحال تنكره بحيره ، أمن صخر تدمر قلبه فليس يلينه العتاب ، أم من الحديد جانبه فلا يميله الإعتاب ، أم من صفاقة دهر مجن نبوه فقد نبا عنه غرب كل حجاج ، أم من قساوته مزاج إبائه فقد أبى على كل علاج . ما هذا الاختيار الذي يعد الوهم فهماً ، وهذا التميز الذي يحسب الخير شراً ، وما هذا الرأي الذيي يزين له القبيح ، ويمقت إليه رعاية الحقوق ؟ وما هذا الإعراض الذي صار ضربة لازب ، والنسيان الذي أنساه كل واجب ؟ أين الطبع الذي هو للصدود صدود ، وللتألف ألوف ودود ؟ وأين الخلق الذي هو في وجه الدنيا البشاشة والبشر ، وفي مبسمها الثنايا الغر ؟ واين الحياء الذي يجلى بمحاسنه الكرم ، وتحلى بمحاسنه الشيم ؟ كبف يزهد فيمن ملك عنان الدهر فهو طوع قيادة ، وتبع مراده ، ينظر أمره ليمتثل ، ويُرقب نهيه فيعتزل ؟ وكيف يُعرض عمن تُعرض رفاهية العيش بإعراضه ، وتنقبض الأرزاق بإنقباضه ، ومن أضاء نجم الإقبال إذا أقبل ، وأهل هلال الجد إذا تهلل ؟ وكيف يُزهى على من تحقر في عينه الدنيا ، ويرى تحته السماء العليا ، قد ركب عنق الفلك ، واستوى على ذات الحبك ، فتبرجت له البروج ، وتكوكبت لعبادته الكواكب ، واستجارت بعزته المجرة ، وأثرت بمآثره أوضاح الثريا ؟ بل كيف يهون لو شاء عقد الهواء ، وجسم الهباء ، وفصل تراكيب السماء ، وألف بين النار والماء ، وأكمد ضياء الشمس والقمر ، وكفاهما عناء السير والسفر ، وسد مناخر الرياح الزعازع ، وطبق أجفان البروق اللوامع ، وقطع ألسنة الرعود بسيف الوعيد ، ونظم صوب الغمام نظم الفريد ، ورفع عن الأرض سطوة الزلازل ، وقضى بما يراه على القضاء النازل ، وعرض الشيطان بمعرض الإنسان ، وكحل الحور العين بصور الغيلان ، وأنبت العشب على البحار ، وألبس الليل ضوء النهار ؟ ولم لا يعلم أن مهاجرة من هذه قدرته ضلال ، ومباينة من هذه صفته خبال ، وأن من له هذه المعجزات يشتري رضاه بالنفس والحياة ، ومن أتى بهذه االآيات يبتغي هواه بالصوم والصلاة ؟...
وليس إلحاحي على سيدي مستعيداً وصاله ، ومستصلحاً خصاله ، وعدى عليه هذه العجائب ، ووثوبي لاستمالة من جانب إلى جانب ، لأني كنت ممن يرغب في راغب وصلته ، أو ينزع إلى نازع عن خلته ، أو يؤثل حالاً عند من ينحت أثلته ، أو يقبل بوجهه على من لا يجعله قبلته ، فإني لو علمت أن الأرض لا تسف تراب قدمي لجنبتها جنبي ، وان السماء لا تتوق إلى تقبيل هامتي لقلبت عن ذكرها قلبي ، لكني أكره أن يعرى نحره من قلائد الحمد ويجتنب جبينه إكليل المجد .... ولا يعجبني أن يكسو ضوء مكارمه كًلًفُ الخمول ، ويأذن لطوالع معاليه بلأفول ، فغن فضل سيدي الخمود على الوقود ، والعدم على الوجود ، ونزل من شاهق إلى خفض ، ومن حالق إلى أرض ، وهاجر بهجره ، وأصر على صرمه ، ومال إلى الملال ، ولم يصل نار الوصال ، حللت عنه معقود خنصري ، وشغلت عنه الشغل به خاطري ، بل محوت ذكره عن صفحة فؤادي ، واعتدت وده فيما سال به الوادي :
ففي الناس إن رثت حبائلك واصلٌ : وفي الأرض عن دار القِلى متحول