منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=91)
-   -   سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1] تفسير الربع الأول من سورة طه (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=232746)

جنــــون 01-23-2024 02:08 AM

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1] تفسير الربع الأول من سورة طه
 
سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]
تفسير الربع الأول من سورة طه


• من الآية 1 إلى الآية 4: ﴿طه ﴾: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة.

﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿لِتَشْقَى ﴾ أي ما أنزلناه عليك لتُرهِق نفسك بما لا طاقة لك به من العمل، (وقد كان هذا رداً على النَضر بن الحارث الذي قال: إن محمداً شَقِيَ بهذا القرآن، لِمَا فيه من التكاليف).



﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾: يعني لكننا أنزلناه موعظة يَتذكر بها مَن يخاف عقاب اللهِ تعالى، فيؤدي فرائضه ويَجتنب معاصيه، (واعلم أنّ القرآن قد نزل تذكِرةً، لأن التوحيد مستقر في الفِطرة البشرية، وأما الإشراك فهو دَخيلٌ عليها، لِذا فالقرآن يُثير التوحيد الكامن في فِطرة الإنسان).



♦ وقد نُزِّل هذا القرآنُ ﴿تَنْزِيلًا ﴾ - يعني آية بعد آية، بحسب الأحوال والأحداث - ﴿مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ﴾ وهو اللهُ تبارك وتعالى، خالقُ كل شيئٍ ومالكه ومُدَبِّر أمْره.



• الآية 5، والآية 6: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ أي عَلا وارتفع على العرش (استواءً يليقُ بجلاله وعظمته)، ﴿لَهُ ﴾ سبحانه ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ خَلْقًا ومُلْكًاوتدبيرًا وإحاطة، ﴿وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ أي: وكذلك له سبحانه ما تحت التراب (كالمعادن، وغير ذلك مِمّا في باطن الأرض).



• الآية 7: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ ﴾ يعني: وإن تُعلِن قولك - أيها الرسول - للناس أو تُخفِهِ عنهم: ﴿فَإِنَّهُ ﴾ سبحانه لا يَخفى عليه شيء، إذ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ أي يَعلم سبحانه السر وما هو أخفى من السر (مِمّا تُحَدِّث به نفسك).



• الآية 8: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي الذي لا معبودَ بحقٍ إلا هو، ﴿لَهُ ﴾ وحده ﴿الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ الدالَّة على كماله وجلالِه، لا يُشاركه فيها أحدٌ مِن خَلقِه.



• من الآية 9 إلى الآية 17: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ يعني: وهل جاءك - أيها الرسول - خبر موسى عليه السلام؟ ﴿إِذْ رَأَى نَارًا ﴾ مُوقدة في الليل - وذلك عندما كان راجعاً بأهله مِن أرض "مَدْيَن" إلى أرض "مصر" - ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ ﴾ أي قال لزوجته - ومَن معها مِن خادم أو ولد -: ﴿امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا ﴾: أي انتظروني هنا، فقد أبصرتُ نارًا مُوقدة، وسأذهب لأراها ﴿لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ﴾: أي لعلي أجيئكم منها بشُعلةٍ تَستدفئون بها وتوقدون بها نارًا أخرى ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾ يعني أو أجد عندها هاديًا يَدُلّنا على الطريق (وكانَ قد ضَلّ الطريق إلى مصر بسبب ظُلمة الليل)، ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ ﴾ أي فلمّا وَصَلَ موسى إلى تلك النار، ناداه اللهُ تعالى: ﴿يَا مُوسَى ﴾ ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ﴾ أي خالقك ورازقك ومُدَبِّر أمْرك ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾ أي اخلع حذائك، فـ ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾ يعني إنكالآن بوادي "طُوَى" المُبارك المُطَهَّر، (وقد أمَرَه سبحانه بخلع حذائه استعدادًا لمُناجاته).



♦ وقال اللهُ له: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ﴾ - لتُبَلِّغ رسالتي إلى فرعون وبني إسرائيل - ﴿فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ إليك مِنِّي: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾ أي لا معبودَ بحقٍ إلا أنا ﴿فَاعْبُدْنِي ﴾ وحدي، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ أي لتَذكرني فيها، ﴿إِنَّ السَّاعَةَ ﴾ التي يُبعًثُ فيها الناس مِن قبورهم ﴿آَتِيَةٌ ﴾ لابد مِن وقوعها، ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾ أي أُبالغ في إخفائها حتى أكاد أُخفيها عن نفسي،حتى لا يَعلم أحدٌ وقت مجيئها، وذلك ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾ أي بما عَمِلتْ في الدنيا مِن خيرٍأو شر، (فالحكمة من إخفاء الساعة: أن يَعمل الناس وهم لا يدرون متى يموتون ولا متى يُبعَثون، فتكون أعمالهم بإراداتهم، لا إكراهَ عليهم فيها، فيكون الجزاء على أعمالهم عادلاً).

﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾: أي فلا يَصرفنَّك يا موسى عن الإيمان بالآخرة والاستعداد لها مَن لا يُصَدِّق بوقوعهاواتَّبع ما يوافق أهوائه وشهواته ﴿فَتَرْدَى ﴾ أي فتَهلك يا موسى إن أطعتَه.



♦ وقد سأله سبحانه - وهو أعلم -: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ يعني: وما هذه التي تحملها في يمينك يا موسى؟، (واعلم أنّ اللهَ سبحانه قد سأله عن العصا ليُقرِّره بأنّ ما بيده عصاً مِن خشب، فإذا تحولت أمامه إلى حيةٍ تسعى: أيقنَ أنها آية أعطاها له ربه ذو القدرة الباهرة، ليُرسله بها إلى فرعون وملئه).



• من الآية 18 إلى الآية 24: ﴿قَالَ ﴾ موسى: ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ﴾ أي أعتمد عليها في المشي، ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ﴾: يعني أخبط بها ورق الشجر ليَتساقط فتأكله غنمي، ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ ﴾ أي منافع ﴿أُخْرَى ﴾ (فقد يُعَلِّق بها الزاد والماء، وقد يَقتل بها الأشياء الضارة كالعقارب والحيّات)، (وقد أطال موسى عليه السلام في هذا الجواب طلباً لمَزيد الأُنس بمُناجاة ربّه تبارك وتعالى)، و﴿قَالَ ﴾ اللهُ له: ﴿أَلْقِهَا يَا مُوسَى ﴾ ﴿فَأَلْقَاهَا ﴾ موسى على الأرض ﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾: أي فانقلبت العصا - بإذن اللهِ تعالى - وأصبحت ثعباناً عظيماً يمشي على بطنه بسرعة، فخاف موسى وَوَلَّى هاربًا، فـ ﴿قَالَ ﴾ اللهُ له: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ﴾: أي خذ الحية، ولا تَخَفْ منها، فإننا ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴾: أي سوف نُعيدها عصًا كما كانت في حالتها الأولى، ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ﴾ أي ضع يدك اليمنى تحت إبطك الأيسر واضمم عليها بعَضُدك: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ ﴾ - رغم اسمرار لون جسمك - ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾: أي من غيربَرَص، لتكون ﴿آَيَةً أُخْرَى ﴾ أي لتكون علامة أخرى مع العصا تدل على أنك رسول من عند الله.



♦ وقد فعلنا ذلك ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى ﴾ أي لكي نُرِيك مِن أدلتنا الكبرى ما يدلُّ على قدرتناوصِدق رسالتك، فـ ﴿اذْهَبْ ﴾ يا موسى - بهاتين الآيتين - ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ أي تجاوَزَ الحد في الكفر، وتجاوَزَ قدْره كبَشَر حتى ادَّعى الألوهية، فادعُهُ إلى توحيد اللهِ وعبادته، واطلب منه أن يُرسل معك بني إسرائيل لتَخرج بهم إلى أرض القدس.



• من الآية 25 إلى الآية 35: ﴿قَالَ ﴾ موسى: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ أي وسِّع لي صدري لتحَمُّل أعباء الرسالة ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ أي سَهِّل مُهمتي عليَّ، وأعِنِّي على أدائها كما تحب وتَرضى، ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾: يعني وأطلِق لساني بفصيح الكلام حتى ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ أي ليفهموا كلامي، (وقد قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: كانَ في لسانه عُقدة - يعني صعوبة في النطق - تمنعه من كثير من الكلام)، ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا ﴾ أي مُعيناً ﴿مِنْ أَهْلِي ﴾ وهو ﴿هَارُونَ أَخِي ﴾ ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾: أي شُدَّ به ظهري (والمعنى: قَوِّني به) ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾: يعني أشرِكه معي في النُبُوَّة وتبليغ الرسالة (والمعنى: اجعل هارون رسولاً كما جعلتني)، واجعله عَوناً لي على طاعتك والدعوةِ إليك ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴾ أي لنُنَزِّهك ونَنفي عنك كل ما لا يليقُ بك ﴿وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴾ (وذلك في سِرِّنا، وأثناء دعوة الناس إلى توحيدك، وتعريفهم بصفاتك، وإبلاغهم بأمرك ونهيك، وتذكيرهم بنعمك)، (وفي هذا دليل على فضل التسبيح والذكر، إذ لولا عِلْم موسى بحب اللهِ لهما، لَمَا توَسَّلَ بهما لقضاء حاجته)، ﴿إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ لا يَخفى عليك شيءٌ مِن حالنا، (وهذا توسُّل من موسى إلى اللهِ تعالى بعلمه ليَقبل دعائه).



• من الآية 36 إلى الآية 44: ﴿قَالَ ﴾ اللهُ تعالى: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾: أي قد أعطيناك كل ما طلبتَ يا موسى، ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴾ أي: ولقد أنعمنا عليك نعمةً أخرى حين كنتَ رضيعًا - وكان فرعون يَذبح أبناء بني إسرائيل الذكور - ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ﴾ أي حين ألهَمْنا أمَّك هذا الإلهام: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ ﴾: أي ضعي ابنك موسى بعد ولادته في صندوق ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾: أي ثم ضعيه في النيل، ﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ﴾ أي: فأمَرَ اللهُ النيل أن يُلقي الصندوق على شاطئ قصر فرعون.



♦ ثم وَضَّحَ سبحانه الحكمة من هذا الأمر فقال: ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ﴾ وهو فرعون، حيث تربيتَ يا موسى في بيته، فنجَّيتُك بذلك من القتل، ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ ليُحبك الناس - وخاصةً امرأة فرعون التي مَنَعتْ فرعون وجنوده مِن قتلك - ﴿وَلِتُصْنَعَ ﴾ يعني: ولِتُرَبَّى في بيت فرعون ﴿عَلَى عَيْنِي ﴾ أي تحت بَصَرِي وتحت رعايتي، (وفي الآية إثبات صفة العين لله تعالى كما يليق بجلاله وكماله).



♦ وأنعمنا عليك مرةً أخرى ﴿إِذْ تَمْشِي ﴾ أي حينَ كانت تمشي ﴿أُخْتُكَ ﴾ تتبعك وأنت في الصندوق ﴿فَتَقُولُ ﴾ لمن أخذوك: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ﴾ أي يُرضِعه لكم ويَرعاه؟ ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ ﴾ بعد ما صِرتَ في أيدي فرعون ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ﴾: أي حتى تفرح بنجاتك من الغرق والقتل ﴿وَلَا تَحْزَنَ ﴾ على فراقك.



﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا ﴾: أي واذكر حين قتلتَ الرجل المصري خطأً ﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ﴾ وهو غَمِّ فِعْلك (حينَ استغفرتَنا فغفرنا لك)، وغَمّ خوفك مِن أن تُقتَل (حين تآمَروا ضدك ليقتلوك فنَجَّيناك منهم)، ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾: أي وبذلك ابتليناك ابتلاءً شديداً، فخرجتَ خائفًا إلى أهل"مَدْيَن" ﴿فَلَبِثْتَ ﴾ أي فمَكَثتَ ﴿سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾ تَرعى غنم الرجل الصالح عشر سنين، ﴿ثُمَّ جِئْتَ ﴾ - مِن "مَدْيَن" إلى جبل الطور بسيناء - ﴿عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ أي في الموعد الذي قدَّرناه لإرسالك إلى فرعون، ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾: يعني وقد أنعمتُ عليك هذه النعم، وابتليتك هذه الابتلاءات اختيارًا مِنِّي لك، لتكون قادراً على تحَمُّل تبليغ رسالتي، والقيام بأمري ونهيي.



♦ وقال اللهُ له: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ ﴾ هارون ﴿بِآَيَاتِي ﴾ الدالة على توحيدي وكمال قدرتي وصِدق رسالتك (وهي العصا واليد)، ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ أي: ولا تَضْعُفا عن مُداومة ذكري (فإنّ فيه عَونكما على أداء رسالتكما)، ﴿اذْهَبَا ﴾ معًا ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ ﴾ فـ ﴿إِنَّهُ طَغَى ﴾ أي تجاوَزَ الحد في الكفر والظلم، ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ أي قولا لطيفًا خالياً من الغِلظة والعنف ﴿لَعَلَّهُ ﴾ بسبب القول اللين ﴿يَتَذَكَّرُ ﴾ ما يَنفعه فيفعله ﴿أَوْ يَخْشَى ﴾ ما يَضُرُّه فيتركه، وبالتالي يَتوب ويُسلِم للهِ تعالى، ويُرسِل معكما بني إسرائيل، (فسبحانَ اللهِ العظيم، إذا كانَ اللهُ تعالى قد أمَرَهما أن يَدعُوا فرعون الكافر بالرفق واللين، فما بالنا بدعوة المسلمين إلى التوبة والاستقامة كيف ينبغي أن تكون؟).



• الآية 45: ﴿قَالَا ﴾ أي قال موسى وهارون - بعدما تقابلا -: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا ﴾ أي نخاف أن يُعاجلنا فرعون بالعقوبة قبل أن نَدعوه ونُبَيِّن له، ﴿أَوْ أَنْ يَطْغَى ﴾: يعني أو أن يَتمرد على الحق فلا يَقبله، ويزداد طغيانا وظلماً.



• الآية 46، والآية 47، والآية 48: ﴿قَالَ ﴾ اللهُ لموسى وهارون: ﴿لَا تَخَافَا ﴾ من فرعون، فـ ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا ﴾ بحِفظي ونصري ﴿أَسْمَعُ ﴾ ما تقولانه لفرعون وما يقوله لكما ﴿وَأَرَى ﴾ ما تفعلانه معه وما يفعله معكما، فلذلك سأحفظكما (بمَنع حدوث أيّ فِعل تخافان منه)، ﴿فَأْتِيَاهُ ﴾ أي فاذهبا إليه إذاً ولا تخافا، ﴿فَقُولَا ﴾ له: ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ ﴾: يعني إننا رسولان إليك من ربك، وقد أرسَلَنا إليك لتؤمن به وتُوحِّده، وتُرسِل معنا بني إسرائيل لنَذهب بهم إلى حيث أمَرَنا اللهُ تعالى (إلى أرض أبيهم إبراهيم)، ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ أي أطلِق سَراحهم ﴿وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ﴾ أي: ولا تُكلِّفهم ما لا يَطيقون من الأعمال، فإننا ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ ﴾ أي معجزة ﴿مِنْ رَبِّكَ ﴾ تدل على صِدقنا في دَعْوتنا، ﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ أي: واعلم أنّ السلامةَ من عذاب الله لمن آمَنَ به واتَّبع هداه.



♦ فاتَّبِع الهدى تَسلم، وإلاّ فأنت مُعرَّض للمَخاوف والهلاك والدمار، فـ ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾: يعني إنّ ربك قد أوحى إلينا أنّ عذابه على مَن كَذَّبَ برسالته، وأعرَضَ عن قبول دَعْوته.



• الآية 49: ﴿قَالَ ﴾ فرعون لهما: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾، (ولعل فرعون ذَكَرَ موسى فقط ليُذَكِّره بنعمة تربيته في بيته، واللهُ أعلم).



• من الآية 50 إلى الآية 55: ﴿قَالَ ﴾ له موسى: ﴿رَبُّنَا ﴾ هو ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ﴾ أي خَلْقه اللائق به على أحسن صُنعٍ ﴿ثُمَّ هَدَى ﴾ أي أرشَدَ كل مخلوق إلى الانتفاع بما خلقه اللهُ له (وهنا قد أفحَمَ موسى فرعون وقطع حُجَّته بما ألهَمَه اللهُ مِن عِلمٍ وبيان) فـ ﴿قَالَ ﴾ فرعون لموسى - ليَصرفه عن تلك الحُجَج خوفاً من الهزيمة أمام مَلَئه -: ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ﴾: يعني فما شأن الأمم الماضية التي سبقتْنا إلى الإنكار (كقوم نوح وعاد وثمود)؟



♦ فعرف موسى أنّ فرعون يريد أن يَصرفه عن الحقيقة، فـ ﴿قَالَ ﴾ له ﴿عِلْمُهَا ﴾: أي عِلْمُ تلك الأمم - فيما فَعَلَت - ﴿عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ﴾ وهو اللوح المحفوظ، وسيَجزيهم سبحانه بأعمالهم، فإنه ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي ﴾ أي لا يُخطئ في أفعاله وأحكامه على عباده ﴿وَلَا يَنْسَى ﴾ شيئًا من أفعالهم، إذ أفعاله سبحانه تدور بين العدل والفضل والحكمة.



♦ ثم عادَ موسى يُذَكِّر فرعون بقضية الخَلق، ليَستدل بها على توحيد اللهِ تعالى، فقال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا ﴾ أي جَعَلها مُيَسَّرةً لكم للانتفاع بها - في الزراعة وغير ذلك - وللانتفاع بما عليها من المخلوقات ﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا ﴾: أي وجَعَلَ لكم فيها طُرُقًا كثيرة، لتهتدوا بها في الوصول إلى الأماكن التي تقصدونها، ﴿وَأَنْزَلَ ﴾ سبحانه ﴿مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ واحداً ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ﴾ أي أنواعًا مختلفة من النباتات، (وقد كانت هذه الجملة: ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ﴾ هي مِن قول اللهِ تعالى تتميماً لكلام موسى عليه السلام، وتذكيراً لأهل مكة باستحقاق اللهِ وحده للعبادة).



♦ وفي الآية التفات من ضمير الغائب: ﴿ أنزل ﴾ إلى ضمير المتكلم الجمعي: ﴿ أخرجنا ﴾، لِيجعل الأذهان تنتبه إِلَى أَنّ هذَا النبات يُسقَى بماءٍ واحد ولكنه يَختلف في شكله ولونه وطعمه، وكذلك فإنه لَمَّا كان الماءُ واحداً، والنباتُ جَمعاً كثيراً، ناسَبَ ذلك إفراد الفِعل: ﴿أَنْزَلَ﴾، وجَمْع الفِعل: ﴿أَخْرَجْنَا﴾.



﴿كُلُوا ﴾ - أيها الناس - من طيِّبات ما أنبتنا لكم، ﴿وَارْعَوْا ﴾ فيه ﴿أَنْعَامَكُمْ ﴾ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ المذكور - من إنزال المطر وإنبات النبات لِتغذية الإنسان والحيوان - ﴿لَآَيَاتٍ ﴾: يعني لَعلامات على قدرة اللهِ تعالى واستحقاقه وحده للعبادة، ﴿لِأُولِي النُّهَى ﴾ أي يَنتفع بهذه الآيات أصحابا لعقول السليمة (إذ لا يُعقَلُ أبدًا أن يَخلُقَ سبحانه ويُعبَد غيرُه، وأن يَرزُقَ ويُشكَر غيرُه!).



﴿مِنْهَا ﴾ أي مِن الأرض التي يَخرج منها النبات: ﴿خَلَقْنَاكُمْ ﴾ أيها الناس (بخَلق أصلكم الأول - وهو أبيكم آدم - من تراب)، ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾ بعد موتكم، ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ أي: ومنها نُخرجكم أحياءً مرة أخرى للحساب والجزاء.

نجم الجدي 01-23-2024 10:43 AM

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

مديونه 01-23-2024 01:17 PM

لجهودك باقات من الشكر والتقدير

على روعة الطرح


https://a3zz.net/upload/uploads/imag...7891e79eef.gif

نظرة الحب 01-23-2024 02:48 PM

شكرآ على الاختيار المميز للموضوع . . مودتي

مجنون قصايد 01-23-2024 10:41 PM

بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

شموخ 01-23-2024 10:45 PM

سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

عـــودالليل 01-23-2024 11:03 PM

اختيار جميل جدا
يدل على ثقافه عاليه

شكرا من القب
على هكذا طرح




احترامي
محمد الحريري

إرتواء نبض 01-29-2024 01:03 AM

ع ــناقيد من الجمال
تحيط بروعة الحروف
سلم حسك وبيانكـ
دمت بتميز

ضامية الشوق 02-02-2024 02:42 PM

جزاك الله خيرا

روح الندى 02-09-2024 11:37 PM

جزاك الله خير


الساعة الآن 07:27 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية