منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   العزيز جل جلاله، وتقدست أسماؤه (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=229707)

ضامية الشوق 10-29-2023 01:00 PM

العزيز جل جلاله، وتقدست أسماؤه
 
الْعَزِيزُ
جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ

الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (العَزِيزِ):
العَزِيزُ فِي اللَّغَةِ مِنْ صِيَغِ المُبَالَغةِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، فِعْلُهُ عَزَّ يَعِزُّ عِزًّا وَعِزَّةً.

أَمَا المَعْنَى اللُّغَوِيُّ فَيْأَتِي عَلَى مَعَانٍ؛ مِنهَا:
العَزِيزُ بِمَعْنَى الغَالِبِ، وَالعِزَّةُ بِمَعْنَى الغَلَبَةِ، وَمِنْهُ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾ [ص: 23]، أَيْ: غَلَبَنِي فِي مُحَاوَرَةِ الكَلَامِ.

وَمِنْهَا العَزِيزُ بِمَعْنَى الجَلِيلِ الشَّرِيفِ الرَّفِيعِ الشَّأْنِ، وَمِنْه قَوْلُه تَعَالَى عَنِ المُنَافِقِينَ: ﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ﴾ [المنافقون: 8]، أَي: ليُخْرِجَنَّ الجَلِيلُ الشَّرِيفُ مِنهَا الذَّلِيلَ.

وَمِنْهَا العَزِيزُ بِمَعْنَى القَوِيِّ القَاهِرِ الشَّدِيدِ الصَّلْبِ، وَعَزَّزْتُ القَومَ قَوَّيْتُهُمْ وَشَدَّدْتُهم، وَمِنْهُ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِه تَعَالَى: ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾ [يس: 14]، أَي: قَوَّيْنَا وَشَدَّدْنا.

وَمِنْهَا العْزِيزُ بِمَعْنَى المُنْقَطِعِ النَّظِيرِ أَوِ الشَّيءِ القَلِيلِ النَّادِرِ الوُجُودِ، وَمِنْهُ مَا وَرَدَ عِنْدَ أَبي دَاوُدَ مِنْ حدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبيهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أََصْحَابِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لَهُ: مُجَاشعٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَعَزَّت الغَنَمُ، فَأَمَرَ مُنَاديًا فَنَادَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ الجَذَعَ يُوَفّي مِمَّا يُوَفّي مِنْهُ الثَّنِيُّ»[1].

وَهَذِهِ المَعَانِي جَمِيعًا يَجُوزُ وَصَفُ اللهِ بِهَا؛ فاللهُ عز وجل عَزِيزٌ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ كَمَا قَالَ: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].

وَقَالَ: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].

وَهُوَ العَزِيزُ الذِي لَهُ عُلُوُّ الشَّأَنِ وَالفَوْقِيةِ فِي ذَاتِه وَصِفَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «العِزُّ إِزَارُهُ، وَالكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ»[2].

وَاللهُ عَزِيزٌ مُتَفَرِّدٌ لَا مَثِيلَ لَهُ مُتَوَحِّدٌ لَا شَبِيهَ لَهُ كَمَا قَالَ: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1].

وَقَالَ مُبَيِّنًا مَعْنَى الانْفِرادِ وَالأحدِيَّةِ: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، أَيْ أَنَّ الأَحَدَ هُوَ العَزِيزُ المُنْفَرِدُ بِأَوْصَافِ الكَمَالِ، الذِي لَا مَثِيلَ لَهُ فَنَحْكُمُ عَلَى كَيَّفِيَّةِ أَوْصَافِهِ مِنْ خِلالِهِ، وَلَا يَسْتَوي مَعَ سَائِرِ الخَلْقِ فِي قَانُونٍ أوْ قِيَاسٍ لأَنَّهُ المتَّصِفُ بِالتَّوْحِيدِ، العَزِيزُ المُنْفَرِدُ عَنْ أَحْكَامِ العَبِيدِ.

وُرُودُه فِي القُرآنِ العَظِيمِ:
ذُكِرَ (العَزِيزُ) فِي القُرْآنِ فِي اثْنَتَيْنِ وَتِسْعَينَ مَوْضِعًا مِنْهَا:
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 4].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 9]، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ مِرَارًا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [يس: 38].
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾ [ص: 66].
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 8].

مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ قَتَادَةُ: «(العَزِيزُ) أَيْ: فِي نِقْمَتِهِ إِذَا انْتَقَمَ»[3].
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: «(العَزِيزُ) الشَّدِيدُ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْ أَعْدَائِهِ».
وَقَالَ: «(العَزِيزُ) فِي انْتِقِامِهِ مِمَّنْ أَرَادَ الانْتِقَامَ مِنْهُ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ يَدْفَعُهُ عَنْه»[4].

وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ: «(العَزِيزُ) أَيْ: الذِي قَدْ عَزَّ كُلَّ شَيءٍ فَقَهَرهُ وَغَلَبَ الأَشْيَاءَ فَلَا يُنَالُ جَنَابُهُ لِعِزَّتِهِ وَعَظَمتِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ»[5].

وَقَالَ القُرْطبِيُّ: «(العَزِيزُ) مَعْنَاهُ المَنِيعُ الذِي لَا يُنَالُ، وَلَا يُغَالَبُ.

وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: مَعْنَاهُ الذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيءٌ، دَلِيلُهُ: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [فاطر: 44].

وَقَالَ الكِسَائِيُّ: «(العَزِيزُ) الغَالِبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾ [ص: 23]، وَفِي المَثَلِ: «مَنْ عَزّ بَزَّ»، أَيْ: مَنْ غَلَبَ سَلَبَ، وَقِيلَ: العَزِيزُ الذِي لاَ مِثْلَ لَهُ بَيَانُهُ، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]»[6].

وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: «وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ»[7].

وَقَالَ الحُلَيْمِيُّ: «(العَزِيزُ) وَمَعْنَاهُ: الذِي لَا يُوصَلُ إِليهِ، وَلَا يُمْكِنُ إِدْخَالُ مَكْرُوهٍ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ (العَزِيزَ) فِي لِسَانِ العَرَبِ هُوَ مِنَ: العِزَّةِ وَالصَّلَابَةِ»[8].

وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «(العَزِيزُ) الذِي لَهُ العِزَّةُ كُلُّهَا: عِزَّةُ القُوةِ، وَعِزَّةُ الغَلَبَةِ، وَعِزَّةُ الامْتِنَاعِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَنَالَهُ أَحَدٌ مِنَ المَخْلُوقَاتِ، وَقَهَرَ جَمِيعَ المَوُجُودَاتِ، دَانَتْ لَهُ الخَلِيقَةُ، وَخَضَعَتْ لِعَظَمَتِهِ»[9].

وَهُوَ مَا نَظَمَهُ ابْنُ القَيِّمِ فِي (النُّونِيةِ) بَقَوْلِهِ:
وَهُوَ العَزِيزُ فَلَنْ يُرامَ جَنَابُه
أَنَّى يُرامُ جَنَابُ ذِي السُّلْطَانِ؟!
وَهُوَ العَزِيزُ القَاهِرُ الغَلَّابُ لَمْ
يَغْلبْهُ شَيءٌ هَذِهِ صِفَتَانِ
وَهُوَ العَزِيزُ بِقُوةٍ هِيَ وَصْفُهُ
فَالعِزُّ حِينَئذٍ ثَلاثُ مَعَانِ
وَهِيَ التِي كَمُلَتْ لَهُ سُبْحَانَهُ
مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَادِمِ النُّقْصَانِ[10]

وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَعْنَى الاسِمِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
أ- (العَزِيزُ): هُوَ المَنِيعُ الذِي لَا يُرامُ جَنَابُهُ.
ب- (العَزِيزُ): هُوَ القَاهِرُ الذِي لَا يُغْلَبُ، وَلَا يُقْهَرُ.
جـ- (العَزِيزُ): هُوَ القَوِيُّ الشَّدِيدُ.
د- العَزِيزُ بِمَعْنَى نَفَاسَةِ القَدْرِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُعَادِلُهُ شَيءٌ، وَلَا مِثْلَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ.

ثَمَرَاتُ الإيمَانِ بِهَذِا الاسْمِ:
1- الثِّقَةُ باللهِ:
الإيمَانُ بِأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى مِنْ أَسْمَائِهِ (العَزِيزُ)، الذِي لَا يُغْلَبُ، وَلَا يُقْهَرُ، يُعْطِي المُسْلِمَ شَجَاعَةً وَثِقَةً كَبِيرَةً بِهِ؛ لأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ رَبَّهُ لَا يُمَانَعُ، وَلَا يُرَدُّ أَمْرُهُ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأِ النَّاسُ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ شَاءُوا.

وَالنَّاظِرُ فِي قَصَصِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ عَلَيِهمْ أَفْضَلُ الصَّلوَاتِ وَالتَّسْلِيمِ يَرى ذَلِكَ وَاضِحًا جَلِيًّا، فَمَثلًا فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَاوَلَ فِرْعَونُ أَنْ يَمْنَعَ خُرُوجَ هَذَا الصَّبِيِّ إِلى الدُّنْيَا، بِأَنْ أَمَرَ بِقَتْلِ جَمِيعِ الذُّكُورِ مِنْ بِنَي إِسْرَائِيلَ؛ لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ فِيهِمْ نَبِيٌّ يَنْتَزِعُ مِنْهُ مُلْكَهُ، وَلَكِنْ يَأَبَى اللهُ العَزِيزُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، وَلَو كَرِهَ الكَافِروُن، فَوُلِدَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَانَ أَنْ تَرَبَّى مُوسَى فِي قَصْرِ فِرْعَونَ وَفِي بَيْتِهِ وَتَحْتَ رِعَايَتِهِ، وَلمَّا حَاوَلَ أَنْ يَقْتُلَهُ أَهْلَكَهُ اللهُ هُوَ وَقائِدَهُ هَامَانَ وَجُنُودَهُ أَجْمَعِينَ.

وَهَكَذَا الأَمْرُ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَدْ أَرَادَ إِخْوَتُهُ قَتْلَهُ فِي أَوَّلِ الأَمْرِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَبِيلٌ إِلى قَتْلِهِ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ يُرِيدُ مِنْهُ أَمْرًا لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهِ وَإِتْمَامِهِ؛ مِنَ الإِيحَاءِ إِليْهِ بِالنُّبُوةِ، وَمِنَ التَّمْكِينِ لَهْ بِبِلَادِ مِصْرَ، وَالحُكْمِ بِهَا، فَصَرَفَهُمُ اللهُ عَنْهُ بِمَقَالَةِ (رُوبِيلَ) فِيهِ، وَإِشَارتِهِ عَلَيْهِمِ بِأنْ يُلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ؛ وَهُوَ أَسْفَلُهُ[11].

وَلَمَّا حَاوَلَ اليَهُودُ قَتْلَ عِيسَى صلى الله عليه وسلم رَفعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا.

وَهَكَذَا الأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِنَبِيِّنَا مُحَمْدٍ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ مَكَرَ بِهِ كُفَّارُ قُرَيشٍ لِيَقْتُلُوه أوْ يَحْبِسُوهُ أوْ يُخْرِجُوهُ مِنْ بَلْدَتِهِ، وَحَاوَلُوا أَنْ يَصُدُّوا النَّاسَ عَنِ الإِيمَانِ بِه وِبِدَعْوَتِهِ، وَحَارَبُوهُ وَأَلَّبُوا عَلَيْهِ القَبَائِلَ، وَحَرَّضُوا عَلَيهِ اليَهُودَ وَالمُنَافِقِينَ فِي المَدِينةِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمْ يَمْنَعِ الإسْلَامَ مِنَ الانْتِشَارِ فِي أَرْضِ الجَزيرَةِ العَرَبِيَّةِ، وَالسَّيْطَرَةِ عَلَيْهَا، وَظُهُورِ الغَلَبَةِ وَالتَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ لِلإِسْلَامِ وَالمُسْلِمينَ، وَللهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.

2- العَزِيزُ مَنْ أَعَزَّهُ اللهُ:
إنَّ العَزِيزَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ هُوَ مَنْ أَعَزَّهُ اللهُ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26] ، فَمَنْ طَلَبَ العِزَّ فَلْيَطْلُبْهُ مِنْ رَبِّ العِزَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]، أَيْ: مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عَزِيزًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَلْزَمْ طَاعَةَ اللهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُهُ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى مَالِكُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَهُ العِزُّةُ جَمِيعًا.

وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ ضَلَالَ مَنْ بَحَثَ عَنِ العِزَّةِ عِنْدَ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى، وَبِغَيرِ طَاعَتِهِ وَالْتِزَامِ نَهْجِ المُؤْمِنِينَ، فَعَادَى رَبَّ العِزَّةِ وَشَرِيعَتَهُ، وَحَارَبَ حِزْبَهُ المُؤْمِنِينَ، وَوَالَى أَعدَاءَ اللهِ مِنَ المُشْرِكِينَ وَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيرِهِمْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ هَذَا هُوَ سَبِيلُ العِزَّةِ وَطَرِيقُهَا، قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِم: ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 139].

وَمَعَ عِظَمِ الطَّاعَةِ تَزْدَادُ العِزَّةُ، فَأَعَزُّ النَّاسِ هُمُ الأنْبِياءُ ثُمَّ الذِينَ يِلُونَهُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ المُتَّبِعِينَ لَهُمْ.

قَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ: «وَعِزَّةُ كُلِّ أَحَدٍ بِقَدْرِ عُلُوِّ رُتْبَتِهِ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَانَتْ هَذِه الصِّفَةُ فِيهِ أَكْمَلَ كَانَ وُجْدَانُ مِثْلِه أَقَلَّ، وَكَانَ أَشَدَّ عِزَّةً وَأَكْمَلَ رِفْعَةً، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]»[12].

3- السِّرُّ فِي اقْتِرَانِ العَزِيزِ بِالرَّحِيم:
كَثِيرًا مَا اقْتَرَنَ اسْمُهُ (العَزِيزُ) مَعِ (الرَّحِيمِ) كَمَا فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهَا، فَاللهُ عَزِيزٌ فِي رَحْمَتِهِ، رَحِيمٌ فِي عِزَّتِهِ، وَهَذَا هُوَ الكَمَالُ، العِزَّةُ مَعَ الرَّحْمَةِ وَالرَّحْمَةُ مَعَ العِزَّةِ، فَهُوَ رَحِيمٌ بِلَا ذُلٍّ[13].

4- مَنْ أَسْبَابِ العِزَّةِ العَفْوُ وَالتَّوَاضُعُ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صدقةٌ مِنْ مالٍ، وما زَادَ اللهُ عَبْدًا بعَفوٍ إِلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أَحَدٌ لله إلَّا رَفَعَهُ اللُه»[14].

فَمَنْ عَفَا عَنْ شَيءٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الانْتِقَامِ عَظُمَ فِي القُلوبِ فِي الدُّنْيَا، أَوْ فِي الآخِرَةِ بِأَنْ يَعْظُمَ ثَوَابُهُ، أَوْ فِيهِمَا، وَمَنْ تَوَاضَعَ رَجَاءَ التَّقَرُّبِ إِلى الله دُونَ غَرَضٍ غَيْرِهِ رَفَعَهُ اللهُ عِنْدَ النَّاسِ، وَأَجَلَّ مَكَانَهُ.

5- كَلاَم اللهِ عَزِيزٌ:
سَمَّى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كِتَابَهُ (العَزِيزَ) فِي قَوْلِه سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].

قَالَ قَتَادَةُ: «أَعَزَّهُ اللهُ؛ لأَنَّهُ كَلَامُهُ، وَحَفِظَهُ مِنَ البَاطِلِ».
فَكَلَامُهُ تَعَالَى عَزِيزٌ مُحْكَمٌ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيهِ البَاطِلُ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: «لَا يَسْتَطِيعُ ذُو بَاطِلٍ بِكَيْدِهِ تَغْييرَهِ بِكَيْدِهِ، وَتَبْدِيلَ شَيءٍ مِنْ مَعَانِيهِ عَمَّا هُوَ بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الإِتِيَانُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ، وَلَا إِلحَاقَ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ وَذَلِكَ إِتْيَانُه مِنْ خَلْفِهِ، وَقَوْلُه: ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُه هُوَ تَنْزِيلٌ مِنْ عِنْدِ ذِي حِكْمَةٍ بِتَدْبِيرِ عِبَادِهِ وَصَرْفِهمْ فِيمَا فِيهِ مَصَالِحِهِمْ، حَمِيدٌ: يَقُولُ مَحْمُودٌ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيهِمِ بَأَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ»[15].

المعاني الإيمانية[16]:
وَهُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ العَزِيزُ الذِي يَقْضِي بِمَا يَشَاءُ، وَأَنَّهُ لِكَمَالِ عِزَّتِهِ حَكَمَ عَلَى العَبْدِ وَقَضَى عَلَيْهِ، بَأَنْ قَلَّبَ قَلْبَهُ وَصَرَّفَ إِرَادَتَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَحَالَ بَيْنَ العَبْدِ وَقَلبِه، وَجَعَلَهُ مُرِيدًا شَائِيًا لِمَا شَاءَ مِنْهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ العِزَّةِ، إِذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا اللهُ.

وَغَايَةُ المَخْلُوقِ: أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي بَدَنِكَ وَظَاهِرِكَ، وَأَمَّا جَعْلُكَ مُرِيدًا شَائِيًا لِمَا يَشَاؤُه مِنْكَ وَيُرِيدُه: فَلَا يَقْدِرُ عَلَيهِ إِلّاَ ذُو العِزَّةِ البَاهِرَةِ.

فَإِذَا عَرَفَ العَبْدُ عِزَّ سَيِّدِهِ وَلَاحَظَهُ بِقَلْبِهِ، وَتَمَكَّنَ شُهُودُهُ مِنْهُ، كَانَ الاشْتِغَالُ بِهِ عَنْ ذُلِّ المَعْصِيةِ أَوْلَى بِهِ وَأَنْفَعُ لَهُ، لأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ اللهِ لَا مَعَ نَفْسِهِ.

وَمِنْ مَعْرِفَةِ عِزَّتِهِ فِي قَضَائِهِ: أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ مَقْهُورٌ، نَاصِيَتُه بِيَدِ غَيْرِهِ، لَا عِصْمَةَ لَه إِلَّا بِعِصْمَتِهِ، وَلَا تَوْفَيقَ لَهُ إِلَّا بِمَعُونَتِهِ، فَهُوَ ذَلِيلٌ حَقِيرٌ، فِي قَبْضِةِ عَزِيزٍ حَمِيدٍ.

وَمِنْ شُهُودِ عِزَّتِهِ أَيْضًا فِي قَضَائِهِ: أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ الكَمَالَ وَالحَمْدَ وَالغَنَاءَ التَّامَّ وَالعِزَّةَ كُلَّهَا للهِ، وأَنَّ العَبْدَ نَفَسَهُ أَوْلَى بِالتَّقْصِيرِ وَالذَّمِّ وَالعَيْبِ وَالظُّلْمِ وَالحَاجَةِ.

وَكُلَّمَا ازْدَادَ شُهُودُهُ لِذُلِّهِ وَنَقْصِهِ وَعَيْبِهِ وَفَقْرِهِ، ازْدَادَ شُهُودُهُ لِعِزَّةِ اللهِ وَكَمَالِهِ، وَحَمْدِهِ وَغِنَاهُ، وَكَذَلِكَ بِالعَكْسِ، فَنَقْصُ الذَّنْبِ وَذِلَّتِهِ يُطْلِعُه عَلَى مَشْهَدِ العِزَّةِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ العَبْدَ لَا يُريِدُ مَعْصِيَةَ مَوْلَاهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعْصِيَةٌ، فَإِذَا شَهِدَ جَرَيَانَ الحُكْمِ، وَجَعْلَهُ فَاعِلًا لِمَا هُوَ غَيْرُ مُخْتَارٍ لَهُ، مُرِيد بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، فَكَأَنَّهُ مُخْتَارٌ غَيْرُ مُخْتَارٍ، مُرِيدٌ غَيرُ مُرِيدٍ، شَاءٍ غَيرُ شَاءٍ، فَهَذَا يَشْهَدُ عِزَّةَ الِله وَعَظَمَتَهُ وَكَمَالَ قُدْرَتِهِ.

[1] صحيح: أخرجه أبو داود (2799)، وصحَّحه الألباني.
[2] صحيح: أخرجه مسلم (265).
[3] أخرجه ابن جرير في تفسيره (28/ 36)، ثنا ابن عبد الأعلى، ثنا ابن ثور، عن معمر عنه، وهذا إسناد صحيح، ابن عبد الأعلى: هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني: ثقة، ابن ثور: هو محمد بن ثور الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد، وأخرجه بإسناد آخر: ثنا بشر، ثنا يزيد، ثنا سعيد، عنه، وهذا إسناد حسَن.
[4] جامع البيان (7/ 90)، (28/ 36).
[5] ابن كثير (4/ 343)، (3/ 457).
[6] القرطبي (2/ 131)، وشأن الدُّعاء للخطابي (ص: 47)، وانظر: فتح القدير (5/ 208).
[7] الاعتقاد (ص: 55).
[8] المنهاج (1/ 195)، وذكره ضمن الأسماء التي تتبعُ نفْي التشبيه عن الله تعالى جدُّه، ونقَله البيهقيُّ في الأسماء (ص: 33).
[9] تيسير الكريم الرحمن (5/ 300 - 301).
[10] النونية (2/ 218).
[11] انظر: تفسير ابن كثير (2/ 470).
[12] شرح الأسماء (ص: 196).
[13] ابن كثير (3/ 457).
[14] أخرجه مسلم (2588)، والترمذي (2098)، وقال: حديث حسَن صحيح، وجاء مِن حديث ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن آدميٍّ إلا في رأسه حَكَمَةٌ بيد مَلَك، فإذا تواضَع قيل للملَك: ارفعْ حَكَمَتَه وإذا تكبَّر قيل للملَك: دع حَكَمَتَه»، رواه الطبراني في الكبير (12939)، والبزار بنحوه عن أبي هريرة، ومداره على عليِّ بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف لسُوء حفْظه، وقد أورد له الشيخ محمد ناصر الدين الألباني شاهدًا يرويه ابن عساكر في مدح التواضع، وحسَّنه، انظر: الصحيحة (538).
الحكَمة: بالتحريك ما يُجعَل تحت حَنَك الدابَّة يمنعها المخالفة كاللجام، والحنك متَّصل بالرأس.
[15] أخرجه ابن جرير (24/ 79) عنه بإسناد حسَن.
[16] مدارج السالكين (1/ 205).

شموخ 10-29-2023 03:20 PM

سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

نجم الجدي 10-29-2023 03:25 PM

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

مجنون قصايد 10-29-2023 04:54 PM

بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

ضامية الشوق 10-29-2023 06:23 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شموخ (المشاركة 4568941)
سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

يسلمو على المرور

ضامية الشوق 10-29-2023 06:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجم الجدي (المشاركة 4568955)
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

يسلمو على المرور

ضامية الشوق 10-29-2023 06:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجنون قصايد (المشاركة 4569024)
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

يسلمو على المرور

جنــــون 10-29-2023 09:53 PM

جزاك الله خير

نظرة الحب 10-29-2023 11:37 PM

اختيار روعه للموضوع اشكرك واقدرك عليه مودتي

كـــآدي 10-30-2023 01:22 AM

طرح جميل
يعطيك العافيه


الساعة الآن 03:15 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية