الكنز الجديد في علم التجويد (2)
 

مخارج الحروف

تمهيد:
مما لا يخفي أن هذا الباب وكذلك باب الصفات الذي سنتذكره بعدُ، من أهم مباحث هذا الفن، بل إن كل مسألة أو جلها منحصرة فيهما، وإذا كان كذلك فيجب إتقان كل منهما قبل البدء في مباحثه؛ ولذا افتتحنا بهما كتابنا، ولقد أشار إلى هذا المعني الحافظ ابن الجزري، فقال:
إذًا واجب عليهم ختم الشروع أولاً، أو أن يعلموا مخارج الحروف والصفات؛ ليلفظوا بأفصح اللغات.

هذا والمخارج جمع مخرج، ومعناه في اللغة: اسم لموضع خروج الحرف، أو هو عبارة عن الحيز المولد للحرف.

وفي الاصطلاح: محل خروج الحرف - أي ظهوره – الذي ينقطع عنده صوت النطق به، فيميز عن غيره كما يأتي، والحروف جمع حرف، وهو في اللغة طرف الشيء، وفي الاصطلاح صوت معتمد على مقطع؛ أي: مخرج محقق، أو مقدر، فالمخرج المحقق أن يكون معتمدًا على جزء معين من أجزاء الحلق أو اللسان أو الشفتين، والمقدر هو الهواء الذي في داخل الحلق والفم، وهو مخرج حروف المد الثلاثة[1].

كيفية معرفة مخارج الحرف:
يمكن معرفة مخرج الحرف بالنطق به ساكنًا أو مشددًا، مع إدخال الهمزة علية؛ فحيث ينقطع الصوت، فثَمَّ مخرج الحرف[2].

وهذا بالنسبة لجميع الحروف الهجاء ما عدا حروف المد واللين، أما هي فطريقة معرفه مخرجها، إدخال حرف مفتوح على الألف، وحرف مكسور على الياء، وحروف مضموم على الواو، ثم الإصغاء إلى هذه الحروف، فحينئذ يتبين مخرجها.

أحكام قراءة القران الكريم للحصري:
تقسيم الحروف:
اختلف العلماء في عدد الحروف الهجائية؛ فمنهم من قال: إنها ثمانية وعشرون، مع حذف الألف، ومنهم من قال: إنها تسعة وعشرون حرف، وأثبت وأصح الأقوال أنها تسعة وعشرون حرفًا؛ كما قال صاحب كتاب الرعاية، وهو قول الجمهور.

وقال الإمام الطيب فيها:
وعدة الحروف الهجاء الكنز الجديد في علم التجويد (2) space.gif
تسع وعشرون بلا امتراء الكنز الجديد في علم التجويد (2) space.gif


والحروف تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
حروف معاني: وهي التي تدل علي معنى مثل: على، من، إلى.
حروف مباني: هي الحروف الهجائية؛ مثل: أ، ب، ت..إلخ.

ولحروف المباني قسمان: أصلية وفرعية:
فالحروف الأصلية في التسعة والعشرون حرفًا المعروفة وشهرتها تغني عن ذكرها.

أما الحروف الفرعية، فهي التي تخرج من مخرجين، وتتردد بين حرفين أو وصفين؛ كالتفخيم والترقيق[3].

وقد قسم علماء هذا الفن المخارج إلى عامة وخاصة، فالعامة التي تشتمل على مخرج فأكثر، والخاصة المحددة التي لا تشتمل إلا على مخرج واحد[4].

واختلف العلماء في عدد مخارج الحروف على أربعة مذاهب:
المذهب الأول: أنها تسعة وعشرون مخرجًا بعدد حروف الهجاء لكل حرف مخرج خاص به.

وحُجتهم في ذلك:
أنه لو لم يكن لكل حرف مخرج خاص به، يميزه عن الآخر - لاختلطت الحروف، ولَما تميَّز بعضها عن بعض، فكان لكل حرف مخرج خاص به؛ ليتميز عن الآخر، ولا يختلط بغيره.

وهذه الحجة لا وزر لها ولا اعتبار؛ ذلك أن اشتراط بعض الحروف في مخرج واحده لا يلزم منه اختلاطها، وعدم تميز بعضها عن بعض؛ لأن بكل حرف صفاته الخاصة التي تميزه عن غيره، وتمنع اختلاطه به، فلا غضاضة في اجتماع بعض الحروف في مخرج واحد؛ لأن اختلاف الصفات كفيل بتميز كل حرف عن الآخر.

المذهب الثاني:
مذهب الأكثرية من النحويين والقراء، وعلى رأسهم المحقق الإمام ابن الجزري، وهو المذهب المختار المعمول به، أنها ستة عشر مخرجًا، وهي مختصرة في خمسة مخارج.
أولاً:- الجوف: وهو مخرج واحد.
ثانيًا:- الحلق: وفيه ثلاثة مخارج.
ثالثًا:- اللسان: وفيه عشرة مخارج.
رابعًا:- الشفتان: ومنها مخرجان.
خامسًا:- الخيشوم: وفيه مخرج واحد[5].

المذهب الثالث:
مذهب سيبويه ومن تبعه كالإمامين الجليلين الشاطبي وابن بري رضي الله عنهما، ومخارج الحروف عند هؤلاء ستة عشر مخرجًا، فقد أسقطوا مخرج الجوف الذي هو مخرج حروف المد الثلاثة، ووزعوا حروفه على مخارج الحلق واللسان والشفتين، فجعلوا مخرج الألف من أقصى الحلق مع الهمزة والياء وسط اللسان مع الياء المتحركة أو الساكنة بعد فتح، والواو من الشفتين مع الواو المتحركة أو الساكنة بعد فتح كذلك[6].

المذهب الرابع:
وهو مذهب القراء والجرمي وقطرب، وعدد المخارج عندهم أربعة عشر مخرجًا، فقد أسقطوا مخرج الجوف ووزعوا حروفه؛ كما في المذهب السابق، وجعلوا حرف اللام والنون والراء مخرجًا واحدًا؛ أي: جعلوا مخارج اللسان ثمانية بدلاً من عشرة، وجعلوا المخارج العامة أربعة بدلاً من خمسة[7].

المختار من هذه المذاهب هو مذهب الخليل بن أحمد، وهو الذي عليه الجمهور، واختاره الحافظ ابن الجزري، وإليه أشار في المقدمة الجزرية والطيبة بقوله رحمه الله:
مخارج الحروف سبعة عشر الكنز الجديد في علم التجويد (2) space.gif
على الذي يختاره من اختبر[8] الكنز الجديد في علم التجويد (2) space.gif


ونحن على ذلك نتبع مذهب ابن الجزري في جعلها سبعة عشر مخرجًا، تجمعها إجمالاً خمسة مخارج، وتسمى المخارج العامة، وهي:
الجوف والحلق واللسان والشفتان والخيشوم[9].

أولاً: المخرج الأول: الجوف:
الجوف لغة الخلاء، واصطلاحًا: هو الخلاء الداخل في الفم والحلق؛ أي: إن هذه الحروف تنتهي إلى هواء الفم والحلق من غير اعتماد على جزء من أجزاء الفم، مبدؤها أقصى الحلق؛ أي: الحنجرة، ويمتد ويمر الصوت على جوف الحلق إلى نهاية الفم، مع انفتاح ما بين الفكين في الألف، واستدارة الشفتين وترك فرجة في الواو المدية، وانخفاض الفك السفلي وارتفاع وسط اللسان قليلاً في الياء المدية.

ويخرج منه مخرج واحد هو مخرج حروف المد الثلاثة.
• الألف ولا يكون ما قبلها ألا مفتوحًا مثل قال.
• الواو الساكنة المضموم ما قبلها مثل يقول.
• الياء الساكن المكسور ما قبلها مثل قيل.

فشرط هذه الأحرف لكي تكون مدية، أن تكون ساكنة وقبلها حركة مجانسة لها، وتسمى هذه الأحرف أحرف مد ولين، وذلك لامتداد الصوت بها؛ لأن مخرجها مقدر لذلك قبلت الزيادة في المد علي القدر الطبيعي، وذلك لعدم انتهاء الصوت في نقطة معينة من نقاط الفم عند النطق بها، بل هو امتداد للصوت ينتهي بانتهاء الهواء الخارج من الرئتين؛ كمثل امتداد الصوت في الناي بدون إعمال الأصابع على فتحاته، ثم إنهم بالصوت المجرد أشبه منهم بالحروف، ويتميزون عن الصوت المجرد بتصعد الصوت في الألف، وتسفُّله في الياء، واعتراض في الواو.

قال ابن الجزري:
فألف الجوف واختاها وهي الكنز الجديد في علم التجويد (2) space.gif
حروف مد للهواء تنتهي الكنز الجديد في علم التجويد (2) space.gif


لقب هذه الحروف:
وتسمى هذه الحروف بالحروف الجوفية أو الهوائية[10].

المخرج الثاني: الحلق:
ويخرج منه ثلاثة مخارج لستة أحرف، وهي:
الأول: أقصاه؛ أعني: أبعده مما يلي الصدر، ويخرج منه حرفان الهمزة والهاء.
الثاني: وسطه، ويخرج منه حرفان العين والحاء المهملتان.
الثالث: آوتاه، أعلى قربه مما يلي الفم، ويخرج منه حرفان الغين والخاء المعجمتان.

وقد أشار إلى مخارج الحلق الثلاثة الحافظ ابن الجزري في المقدمة والجزرية بقوله:
ثم لأقصى الحلق همز هاء الكنز الجديد في علم التجويد (2) space.gif
ثم لوسطه فعين حاء. الكنز الجديد في علم التجويد (2) space.gif


أدناه غين خاؤها.

المخرج الثالث: اللسان:
وهو مخرج كلي، وفيه عشرة مخارج جزئية، وهذه المخارج العشرة تنحصر في أقصاه ووسطه، وحافته وطرفه.

أما إقصاء - أي: أبعده من الفم مع قربه من الحلق - ففيه مخرجان.
الأول: مخرج القاف، فهي تخرج من أقصى اللسان مما يلي الحلق مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى.

الثاني: مخرج الكاف، فهي تخرج من أقصى اللسان مما يلي الحلق مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى أيضًا، إلا أن مخرجها أسفل من مخرج القاف قريب من وسط اللسان.

فالقاف قريبة من الحلق، بعيدة من الفم، والكاف بعيدة من الحلق قريبة من الفم، وإن كان كل منهما يخرج من أقصى اللسان، ورب قائل يقول: لِمَ جُعِل أقصى اللسان مخرجين لحرفين، ولم يجعل مخرجًا واحدا لحرفين كأقصى الحلق.

ويجاب بأن هناك فرقًا بين أقصى اللسان وأقصى الحلق، فإن أقصى اللسان فيه طول وبين موضعي القاف والكاف بُعد؛ فنظرًا لبعد الموضعين اعتبر كل منهما مخرجًا خاصًّا لحرف خاص، بخلاف أقصى الحلق، ففيه قصر، وبين موضعي الهمزة والهاء قرب؛ ولذلك اعتبر أقصى الحلق مخرجًا واحدًا لحرفين.

وأما وسط اللسان، فيخرج منه مع ما يحاذيه من الحلق الأعلى الحروف الثلاثة على هذا الترتيب:
الجيم فالشين فالياء، وقدم بعضهم الشين على الجيم، والمراد بالياء غير المدية، وهي المتحركة بالضمة أو الفتح أو الكسر، أو السكون بعد الفتح[11].

إحدى حافتي اللسان - اليمين أو اليسار - مع ما يحاذيها من الأضراس العليا، ويخرج منه حرف الضاد وخروجه من حافة اللسان اليسرى أيسر أو أكثر من اليمين أقل وأعثر.

وحرف الضاد من أدق حروف العربية نطقًا؛ لخروجه من حافة اللسان مع الأضراس المجاورة، ولطول مخرجه؛ إذ يتبدى خروجه من أدنى حافة السان إلى أقصاها.

أدنى حافتي اللسان إلى جهة طرفة مع ما يحاذيه من لثة الأسنان العلياء، ويخرج منه حرف اللام.

الواضح من أحكام التجويد[12]:
طرف اللسان وفيه خمسة مخارج لأحد عشر حرفًا هم:
مخرج النون وهو ما بين طرف اللسان، وما يحاذيه من لثة الشفتين العلويتين تحت مخرج اللام، ويخرج منه النون المظهرة الساكنة ولو تنوينًا، والمدغمة في مثلها؛ أي: المشددة والمتحركة؛ قال الملا علي: جعلوا مخرج النون من طرف اللسان وهو رأسه مع ما يليه من اللثة، مائلاً إلى ما تحت اللام قليلاً، وقيدنا النون بالمظهر، فخرج بهذا القيد النون المخفاة والنون المدغمة في غير مثلها.

فأما النون المخفاة، فينتقل طرف اللسان إلى قرب مخرج ما تخفى عنده من الحروف؛ أي: يكاد ينعدم عمل اللسان، ويكون الاعتماد على مخرج الخيشوم.

وأما النون المدغمة مطلقًا؛ أي: بغنة، أو بغير غنه، فتنتقل من طرف اللسان إلى مخرج ما تدغم فيه من الحروف.

قال ابن الجزري:
والنون من طرفة تحت اجعلوا

مخرج الراء:
من طرف اللسان من جهة ظهره، وما يحاذيه من لثة الثنيتين العلوييتن بالقرب من مخرج النون، ولكن أدخل منه قليلاً من جهة اللثة ومن جهة ظهر اللسان.

ومخرج الطاء والدال والتاء:
ومخرج هذه الحروف ما بين ظهر طرف اللسان العريضة، وأصل الثنيتين العليين، وتوصف هذه الحروف في علم الأصوات بأنها أسنانية لثوية.

مخرج الصاد والزاي والسين:
وتخرج هذه الحروف من بين رأس اللسان (أسلة اللسان)، وأمام صفحتي الثنيتين السفليتين من الداخل، مع اقتراب الثنايا العليا من السفلى.

مخرج الظاء والدال والتاء:
ما بين ظهر طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا - أي: طرف اللسان - يكون متعامدًا مع أطراف الثنايا العليا، دون أن يخرج شيء من حافته إلا الشيء اليسير، فتخرج منه الثاء والذال والظاء[13].

المخرج الرابع الخيشوم:
وهو طرف الأنف المنجذب نحو الفم أو الفتحة المتصلة من أعلى الأنف إلى الحلق، ويخرج منه صوت الغنة، والغنة صوت جميل مركب في جسم النون والميم، وسيأتي الحديث عنها في بحث الصفات بإذن الله.

ولعل سائلاً يقول: لم يذكر الخيشوم مع مخارج الحروف، مع أن الذي يخرج منه صفة وليس حرفًا كسائر المخارج؟

الجواب على هذا: إن الغنة هي الصفة الوحيدة من بين صفات الحروف المنفردة بمخرج مستقل، أما بقية الصفات، فتخرج مع الحرف من مخرجه، إلا الغنة؛ فالغنة تخرج من الخيشوم لا من اللسان الذي هو مخرج النون، ولا من الشفتين اللتين هما مخرج الميم.

كما أن عددًا من علماء التجويد يرى أن النون والميم إذا كانت الغنة ظاهرة فيهما، انتقلا من مخرجها إلى الخيشوم؛ ليخرجا مع الغنة من مخرجها، فعلى هذا الرأي يكون الخيشوم مخرجًا لصفة ولحرفين، حال ظهور هذه الصفة فيهما، وينبغي ذكره مع مخارج الحروف[14].

المخرج الخامس الشفتان وفيهما مخرجان:
الأول: مخرج الفاء، فهي تخرج من باطن الشفة السفلي مع طرفي الثنيتين العليتين.

الثاني: مخرج الواو والياء والميم، فهي تخرج من بين الشفتين مع انفتاح الشفتين وامتزاجهما قليلاً في الواو، وانطباقهما في الباء والميم، لكن انطباقهما مع الباء أقوى من انطباقهما مع الميم[15].

الأسنان:
عددهما اثنتان وثلاثون سنًّا، وهذا عند كثير من الأشخاص، وهي موزعة في الفم ومرتبة كالآتي:
• الثنايا: وهي الأربعة في مقدمة الفم؛ اثنتان فوق، واثنتان تحت.
• الرباعيات: أربعة خلف الثنايا؛ اثنتان فوق: واثنتان تحت.
• الأنياب: أربعة خلف الرباعيات؛ اثنتان فوق، واثنتان تحت.
• الطواحين: اثنا عشر طاحنًا تلي الضواحك؛ ستة من فوق، وستة من تحت.
• النواجذ: وهي الأربعة الأخيرة؛ اثنتان من فوق، واثنتان من تحت.

والأقسام الأخيرة من الضواحك والطواحين والنواجذ تسمى أضراسًا؛ عشرة من فوق، وعشرة من تحت[16].

الكنز الجديد في علم التجويد (2) 2Q==

الكنز الجديد في علم التجويد (2) 2Q==

الكنز الجديد في علم التجويد (2) 2Q==

[1] هداية القارئ ص6.

[2] الواضح ص29.

[3] تيسير الرحمن 47-48..

[4] الوافي ص71..

[5] أحكام قراءة القرآن ص50-51-52..

[6] هداية القارئ ص63.

[7] تفسير الرحمن ص51.

[8] هداية القارئ63-64.

[9] البرهان ص 13.

[10] تيسير الرحمن ص52-53.

[11] أحكام قراءة القرآن 57-58-59.

[12] الواضح ص33.

[13] تفسير الرحمن ص59-60-61.

[14] الواضح ص34-35.

[15] أحكام القرآن ص68.

[16] العقد المفيد ص65-66.

جزاك الله خيرا

كل الشكر لكـِ ولهذا المرور الجميل الله يعطيكـِ العافيه يارب خالص مودتى لكـِ وتقبلي ودي واحترامي

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع


حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك


اخوك
نجم الجدي

جزاك الله خير

كل الشكر لكـِ ولهذا المرور الجميل الله يعطيكـِ العافيه يارب خالص مودتى لكـِ وتقبلي ودي واحترامي

كل الشكر لكـِ ولهذا المرور الجميل الله يعطيكـِ العافيه يارب خالص مودتى لكـِ وتقبلي ودي واحترامي

*،




آنتقاء مميز .. مَ ننحرم من جديدك

شكرا لك ع الموضوع المفيد
بارك الله فيك