منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=12)
-   -   رواية وبي شوق إليك أعلّ قلبي/البارت الرابع (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=168352)

ضامية الشوق 12-19-2019 05:31 PM

رواية وبي شوق إليك أعلّ قلبي/البارت الرابع
 
الفصل الرابع ..

إن شاء الله تستمتعون , وما تلهيكم الرواية عن العبادة ..

_____


انتبه من شروده , على صوت نغمة هاتفه .
حين وصلته ملاحظة صوتية من شقيقته الشقية .. نجد .
فتحها على الفور , ليتفاجأ تماما مما سمع .
واحترق شوقا لمعرفة ما قالته يُمنى .
أرسل رسالة قصيرة فحواها ( وش قالت يا نجد ؟ ) .
ظل ينتظر ردها بفارغ الصبر , وعيناه كانتا متسعتان باستغراب .
وهو يراها متصلة , ولكنها لا ترد .
هل هو مقلب ؟
أرسل المزيد من الرسائل يسألها فيها عما تقصد , إلا أنها لم تجيب .
تأفف يهم بالعودة إلى الداخل , وهو يتوعد بنجد .
ولكنه توقف حين وصلته ملاحظة صوتية أخرى .
فتحها بلهفة , ليعقد حاجبيه ويخفض الصوت بسرعة .. وهو يستمع إلى صرخات يُمنى التي تصرخ بنجد , مع ضحكات نجد , وتشجيع حسناء المضحك ليُمنى .
ملاحظة أخرى لنجد وهي تتنفس بصعوبة ( آسفة عايض بس كان في عنف أسري هنا بغت تقتلني هاليُمنى , أنا آسفة أسحب كلامي ما أقدر أتقبلها كفرد من عايلتنا بان الوجه الحقيقي ليُمنى ) .
هز رأسه باستياء وعاد إلى الداخل وهو يضحك , ويشعر بالانتعاش لسماعه صوت يُمنى .
حين جلس .. سقطت عيناه على الضيف الجديد الذي لم يأتِ باكرا , بل للتو وهو يهمون بالمغادرة صباح الغد .
كان حمود , زوج شقيقة مساعد الصغيرة .
وهو أيضا , الشقيق الأصغر .. لــ سلمان !
تنهد عايض بضيق , ولف وجهه عنه حتى دون أن يسلم عليه .
كان حمود منشغلا بالحديث مع البقية , حين سقطت عيناه على عايض فجأة , شعر بالحرج هو الآخر .
لم يقابله أو يره منذ خمس سنوات .
لمَ ظهر فجأة على حين غرة ؟
أخبرته هديل عن اتيانه , إلا أنه لم يتوقع أن يشعر بالضيق هكذا إن رآه أمامه .
وقف واتجه ناحيته / عاش من شافك يا عايض .
رفع عايض رأسه ونظر إليه بجمود , ثم وقف ليصافحه وهو يوميء برأسه دون أن يقول شيء .
عاد حمود إلى مكانه سريعا .
هو أيضا لا يريد أن يتبادل معه الحديث , إطلاقا !

____

في الصباح الباكر ..


كان الجميع جاهزا للمغادرة , الا بعض اخوة يُمنى الغير مستعجلين أبدا .
فلقاءاتهم تصبح قليلة جدا في أيام المدارس والعمل .
حتى أنهم حاولوا أن يجعلوا يُمنى تؤجل ذهابها إلى المدينة , إلا أن حسناء لم تسمح لها .. فلديها عمل في الصباح الباكر .
ويُمنى أيضا عليها أن تجهز أغراض المدرسة , بما أنه لم يبقى الكثير على بدء الدوامات .
نامت يُمنى باكرا كما أمرتها حسناء , ثم استيقظت في وقت مبكر وقبل الفجر تجهز حقيبتها وأغراضها المهمة .
وهي في غاية التوتر والارتباك , خاصة حين أدركت أنها ستكون في نفس المدينة التي بها ( عايض ) وعائلته .
كانت جاهزة تماما , ترتدي عباءتها وتلف وشاحها .. حين نزلت تحاول أن تسحب الحقيبة الكبيرة خلفها .
نظرت إلى الأسفل وهي تسمع صوت حسناء / خلي الشنطة عندك , مساعد روح نزلها .
صعد مساعد سريعا وحمل الحقيبة عنها .
لتهبط هي برقتها المعتادة .
تأففت حسناء تنظر إليها بغيظ / هذي الرقة والنعومة ما تمشي معي يا يُمنى , ما تنزلين من الدرج بهالطريقة .
نظرت إليها يُمنى باستغراب , حين صعدت حسناء السلم بخطوات واسعة , لتقف في الأعلى / اعتبري هذا أول درس يا سندريلا .
وبدأت تنزل بخطوات واسعة , تترك سلما وتهبط على الآخر .. حتى وصلت إلى الأسفل في لحظات خاطفة .
مساعد بضحكة / أبو الشباب , حتى أنا ما أنزل بهالطريقة هههههههههه .
حسناء بحدة / اسكت انت وحط الشنط في سيارتي ما ودي أسرع وأسوي حادث , يلا يُمنى .
أكملت النزول بخطوات واسعة تحاول أن تقلد حسناء , إلا أنها ضحكت عاليا حين لم تتمكن .
تأففت حسناء وهزت رأسها بأسى .
لتلف وشاحها وتتلثم به .



وقفت يُمنى أمام سمية , والتي امتلأت محاجرها بالدموع , وهي تعانق يُمنى بحنان / هتوحشيني يا بنتي .
ابتسمت يُمنى من بين دموعها وبكاءها الصامت / وانتي أكثر حبيبتي , انتبهي على نفسك وزوريني على طول , تمام ؟
هزت سمية رأسها / وانتي كمان ديري بالك على نفسك , وكلي كويس .
أومأت يُمنى برأسها بإيجاب , وهي تقبل جبينها بكل احترام ومودة .
فقد قامت سمية بالاعتناء بها منذ الصغر , واهتمت بها وربتها كما لو أنها ابنتها الحقيقية .
تعدتها يُمنى لتسلم على بشرى .
عانقتها / الحين يمديك تزوريني على طول صح ؟
ضحكت بشرى / ترى نفس المسافة من بيتي للديرة , ومن بيتي لبيت حسناء بعد .
حسناء من خلفهم / أحسن .
تنهدت بشرى بضيق وتجاهلتها وهي تمسح على شعر يُمنى بحنان / متى ما احتجتيني كلميني , لا تترددي أبد .
قبلت وجنتيها وهي تستودعها الله .
وخرجت يُمنى بعد نوبة من البكاء الصامت , وهي تحمل بيدها كيس كبير .
به علب طعام , طبخته سمية من أجلها هي وحسناء للغداء .
ركبت بجانب حسناء , بعد أن سلمت على مساعد .
ربطت حزام الأمان وهي تلتفت إلى حسناء بتوتر / تعرفين تسوقين كويس ؟
حسناء / إيه أسوق كويس , بس صراحة ما نمت زين أمس تعرفين من زمان ما سهرت مع البنات , لذلك .. أنا ما أضمن نفسي صراحة , ممكن أغفل لحظة وتقلب السيارة ونروح فيها سوا .
اتسعت عينا يُمنى بخوف / وقفي أجل وقفي , والله ما بروح معك إذا صدق بيصير هالشيء , بخلي مساعد يوديني , قلت لك وقفي .
ضحكت حسناء بمكر وهي تسرع أكثر , متجاهلة صرخات الاستنجاد يُمنى .
حتى بكت الأخرى وذرفت الدمع , أبطأت السرعة لتلتفت إليها بتعجب / يا هالبزر , يعني تتوقعي إني بحط حياتي في خطر وأسوق وأنا مو واثقة من نفسي ؟ لا امسحي دموعك يا الخوافة .
مسحت يُمنى دموعها من وراء النقاب / تكفين حسناء إذا صدق تعبانة ولا ما نمتي زين خلي مساعد يوصلنا والله ما أبي أموت .
ضحكت حسناء / تدرين , كوب قهوة ممكن ينبهني ويخليني مصحصحة لين الليل , إذا تبين نوصل للسلامة .. شربيني وحدة على حسابك .
فتحت يُمنى حقيبتها الصغيرة بسرعة / اشتري لك كوبين , ثلاثة لو تبين بس تكفين خليك منتبهة .
نظرت إليها حسناء بغير رضى , لتقول بهدوء / يُمنى .. لما طلعتي من البيت كنتي متوقعة هالشيء ؟ إنه ممكن يصير لك حادث وتموتين ؟
هزت رأسها نفيا .
حسناء / أجل وش اللي كان مخوفك من البداية ؟ قبل لا أشغلك بكلامي عن الحادث ؟
ارتجفت يدي يُمنى , لتقبضهما بقوة , وهي تجيب بنبرة مرتجفة / يصير اللي صار ألف مرة , ويعتدي عليّ أحد .
تنهدت حسناء بضيق / يُمنى , لا تسمحين لأحد يكوّن لك أي مفهوم في مخك غير اللي انتي تبين تفهمينه , مثلا قبل عشر سنين كنتِ تخرجين عادي وتلعبين حتى بعد ما منعتك جدتي الله يرحمها , لكن بعد اللي صار قالوا إذا طلعتي ممكن أحد يتحرش فيك , وصار وحبستي نفسك في البيت خمس سنين , بعد كذا رجعتي أخذتي راحتك وصرتي تخرجين وتروحين عند أعمامك برجولك حتى في وقت متأخر بالليل بعد ما قال لك سلمان انك خلاص كبرتي وماحد يقدر يسوي لك شيء , ثم رجعتي صرتي انطوائية بعد ما قالوا لك إنه أصلا خروجك من البيت غلط .. وصرتي تصدقين هالشيء إلى اليوم , ضعيتي عمرك و10 سنين من حياتك بس عشانهم قالوا كلام صدقتيه على طول , والحين مزحت معك وصدقتيني بعد , حتى اذكارك اللي أكيد قريتيها نسيتي تأثيرها عليك وانها بتحميك بإذن الله , ليش يا يُمنى ؟ ليش انتي ضعيفة لهالدرجة ؟ ليش تسمحي لهم يسيطروا عليك ؟ ليش تخليهم يتحكمون بحياتك ويفرضون عليك اللي يعجبهم هم ؟ وليش انتي تستسلمين بسهولة ؟


شهقت يُمنى وهي تحاول إيقاف بكاءها , لتتنهد حسناء بأسى وتمد لها علبة المناديل / لا حول ولا قوة إلا بالله , يلا امسحي دموعك لأني مثل ما قلت ما استقبل ناس بكاية في بيتي .
نظرت إليها يُمنى بحنق / ذليتيني يا حسناء هذا وأنا لسه ما دخلت بيتك , وش بتسوين إذا صدق قعدت عندك ؟
حسناء وهي تفكر / مدري والله وش بسوي لكن أكيد بلاقي لي كم حيلة تخليك تكرهي اليوم اللي فكرتي فيه انك تسكنين معي .
نظرت إليها يُمنى بغيظ وهي تمسح دموعها , وتسند رأسها على النافذة .
تفكر مجددا في ما قالته حسناء , فهي رغم كونها قاسية ولسانها لا يُحتمل .. صادقة دوما .
ولا تتمكن من الرد عليها بالطريقة المثلى إطلاقا .
ضحكت فجأة حين تذكرت مقطع لأحد الممثلين الكوميديين وهو يقول ( والله الست دي بتتكلم كلام زي الفل ) .
نظرت إليها حسناء باستغراب وهي توقف سيارتها بجانب كشك بيع القهوة / دوم إن شاء الله , مرحبا محمد .. عطني موكا باردة مليانة ثلج وخليها مُرّة , وسكر قليل , وانتِ إيش تبين يا ستي ؟
يُمنى / ما أشرب قهوة .
بعد أن دفعت يُمنى , أوقفت حسناء السيارة بجانب المتجر .
ونزلت بعد أن سألت يُمنى إن كانت تريد شيئا , فأخبرتها يُمنى أنها لا ترغب بشيء .
بعد أن نزلت حسناء , أقفلت يُمنى جميع الأزرار الخاصة بالأبواب والنوافذ .
وضمت نفسها وهي تترقب عودة حسناء بسرعة .
رنّ هاتفها منبها بوصول رسالة .
انشغلت بقراءتها والرد على صاحبتها .
فزعت بشدة وصرخت بخوف , حين سمعت صوت طرقات على النافذة من جهتها .
لتتسع عيناها بصدمة وغرابة وهي تنظر إليه .

ضامية الشوق 12-19-2019 05:33 PM

كان ذلك عايض ..
الذي توقف هو الآخر في المحطة .
حين اضطر للعودة باكرا من أجل عاطف , دون والديه وإخوته الذين سيلحقون بهم فيما بعد .
فعاطف مدرس , ومن المفترض أن يذهب إلى عمله منذ الأحد .. واليوم ثلاثاء .
كان بداخل المتجر , حين لفتت انتباهه سيارة حسناء التي أوقفتها ونزلت .
حدثته نفسه أن يستغل الفرصة , ويتحدث إليها لبضع ثوانِ على الأقل .
ليرى إن كان هناك بعض الأمل حقا , كما قالت نجد .
لم يستغرب ردة فعلها أبدا حين طرق على النافذة بخفة .
أسرته تلك العينان الواسعتان , حين اتسعت أكثر ونظرتا إليه بخوف .
ابتسم لها بهدوء , وأشار لها أن تنزل النافذة .
علم أنها مترددة جدا .
وخائفة أيضا .
ما جعله يغضب من هذا الشيء .
لمَ تخاف منه ..!
ظل يطرق على النافذة وهي تهز رأسها بالنفي , حتى قال بغضب / بسرعة هي كم كلمة أبي أقولها قبل لا تجي حسناء .
فتحتها أخيرا على مضض , بعد أن ازدردت ريقها .
وأخفضت رأسها بخجل .
رفعته مرة أخرى متفاجئة , حين سقط عليها كيسا صغيرا , به بعض الشوكولاتات على ما يبدوا .
تنهد عايض ليسأل / متى ناوية تنسين وتكملين حياتك ؟
أجابت بعد عدة ثوانٍ / قاعدة أكمل حياتي الحين , هذي أنا رجعت للمدرسة .
عايض بهدوء / وأنا يا يُمنى ؟ إلى متى المفروض أنتظر ؟
رفعت عيناها إليه بصدمة , وارتبكت وهي ترى ملامحه التي لطالما فتنتها , لتبتلع ريقها وتقول بنبرة مرتجفة / لا تنتظرني عايض , انت تستاهل انسانة احسن مني بميلون مرة , وأنا ما ودي أجرحك أكثر .
ابتسم عايض بسخرية / انتي تجرحين يا يُمنى ؟ صدقيني كل شيء يجي منك أنا راضي فيه , أنا ماني زعلان أبدا على اللي صار , أنا راضي , إيش تبين أكثر من كذا ؟
تجمعت الدموع بمحاجرها , وشعرت بقلبها ينقبض من الألم / سامحني يا عايض , بس صدق .. لو ما قدرت تنساني , حاول أكثر من اليوم , لأني لو فكرت فيك حتى مجرد تفكير أتمنى لو اني اموت ولا أحس بالاحساس الفظيع اللي يجيني وقتها .
غضب عايض / قايل لك أنا راضي , ليش مانتي راضية تفهمين ؟ إيش فيك انتي ؟
يُمنى بنبرة مبحوحة من البكاء / ما فيني شيء يا عايض بس أنا مو قادرة أسامح نفسي والله مو قادرة , عايض أرجوك .
النبرة التي نطقت بها ( أرجوك ) .. طعنته بشدة .
ما الذي تريده هذه المخلوقة بالضبط ؟
من أي شيء صنعت !
أغمض عيناه بقهر / مو قادرة تسامحين نفسك على إيش بالضبط ؟ انك خليتيني أطلقك غصبا عني ؟
أغمضت عيناها بقوة , وضغطت على كفها حتى ابيضت مفاصلها , حين خرجت نبرتها وكأنها على وشك الانهيار / على كل شيء يا عايض , على كل شيء .
عض عايض شفته بقلة حيلة , ليقول بنبرة قاسية / لو تبين ترتاحين صدق , سامحي نفسك على هالشيء بس , إنك خليتيني أطلقك .
نوى عايض أن يوبخها أكثر وينبهها , علها تستيقظ على الواقع وحتى الحقيقة من حولها , وتنسى الماضي .
إلا أن صوت عاطف العالي منعه / عايض إيش عندك يلا مشينا .
نظر إليها نظرة أخيرة , عميقة .. مليئة بالشوق والغضب والعتاب .
هي أيضا رفعت عيناها المحمرتان والمليئتان بالدموع .
لتلتقي أعينهما , في حديث صامت .. موجع لكليهما .
كل منهما يهمس لنفسه بشيء , ويود لو أن الآخر يسمعه فيستجيب .
يُمنى ترجوه أن يسامحها .
وعايض يرجوها أن تنسى وتعود إليه .
فالشوق حقا , قد أعلّ قلبه !


اقترب من السيارة , ليفتح الباب من جهة عاطف / سوق انت .
نظر عاطف إلى ملامحه المتجهمة والمتعبة , لينزل ويجلس بمكان السائق ويلتفت إليه / لو كنت عارف إنك بترجع كذا ما خليتك حتى تكلمها .
أسند عايض رأسه على المقعد , بعد أن أعاده إلى الخلف ليغمض عيناه / اسكت يا عاطف .
نظر إليه عاطف بحزن , وشغل المحرك ليبتعد وفكره مشغول باثنين , شقيقه ونوف .
قبل خروجه جعل لينا تسأله إن كانت تريد العودة , فأخبرتها أنها عادت إلى المنزل بالأمس فعلا , برفقة عمر .
عمر الذي تحول إلى شخص يملك قنبلة موقوتة بداخله بعد فقدانه لابنته بسبب خطأ غير مقصود .
ينفجر فجأة , ويعود إلى طبيعته بذات السرعة .
قلِقَ عليها بشدة .
تلك الضعيفة , التي تتأُثر سريعا وتتأذى من أي كلمة مهما كانت صغيرة وقد لا تؤثر على أي شخص عادي .
في نفس الوقت ..
تتظاهر بالقوة , وتدعي أنها لا تتأثر بشيء .. إطلاقا .
إلا أنه يشعر بها دائما .
وصلوا إلى المنزل أخيرا ..
لينزل عايض , ويتجه عاطف إلى العمل .
دخل إلى حجرته , وبدل ملابسه سريعا .
واستلقى على سريره .
أغمض عيناه بتعب , والذكريات تعصف بعقله .
تتعبه بشدة .


ذلك اليوم , حين استدعاه والده إلى منزل عمه .
بعد سنة مما حصل بيُمنى .
حين دخل إلى مجلس عمه , ليجده ووالده .
جلس بجانب والده مرتبكا , يمرر عيناه عليهما .
حين أخبره عمه بالصاعقة .. واتسعت عيناه بصدمة .
هل حقا .. يريد منه أن يتزوج يُمنى ؟
نطق بصدمة / بس ليش يا عمي ؟ ليش تبي تزوجها بهالسرعة ؟ هي لسه صغيرة , وأنا بعد توي دخلت العشرين .
عمه بهدوء / بس ملكة يا عايض , أبيك بس تملك عليها والزواج بعد ما تخلص دراستك إن شاء الله .
ظلّ عايض ينظر إليهما بصدمة وغير تصديق .
ليقول وهو يضحك / بس ليش يعني ؟ ليش تبي تزوجها بهالسرعة .
ابتسم له عمه / أنا أيامي معدودة يا ولدي , وما أدري متى بموت وأترك هالضعيفة لوحدها , عمتك بعد صارت تضعف وما تقدر تنتبه عليها أكثر .
ضحك عايض مرة أخرى بغير تصديق / طيب ليش أنا ؟ ليش مو أحد غيري من أولاد عمي ؟
أكمل بعد صمت قصير / انت أكيد خايف عليها من بعد اللي صار العام , واللي أنقذها ذاك اليوم كان سلمان , ليش ما تزوجها إياه .
رد والده بحدة / إنت تعرفه يا عايض زين , عمك لو كان يثق فيه ومرتاح له ما كلمك , انت شخصيا تكره حركاته .



تأفف عايض بداخله , نعم يكره سلمان .. ويكره صفات سلمان الغير سوية .
ولكن فكرة زواجه من يُمنى غير معقولة إطلاقا .
تلك الطفلة ..
التي غابت عن عيناه منذ عام واحد فقط .
لا زال يشعر وكأنها مثل شقيقاته !
سأل عمه / انت ليش ما تبيها يا عايض ؟
ارتبك عايض / مو لشيء يا عمي , بس أنا ما أشوفها إلا كأخت لي , وهي صغيرة وأنا بعد صغير , حتى لو الزواج بعدين مو قادر أستوعب الموضوع .
رفض بشدة , واعترض ألف مرة .
قبل أن يجد نفسه جالسا في مجلس عمه الواسع مرة أخرى , بحضور الجميع .. أعمامه واشقاء يُمنى .. ووالده الذي أرغمه على فعل ما لا يريد .
ويجد نفسه ينطق بالموافقة .
لتصبح يُمنى زوجته بين ليلة وضحاها .
كالحلم كان ذلك الأمر !


______


نوف ..


كانت منشرحة الصدر , مرتاحة الخاطر .
حين استيقظت وتذكرت أن هيفاء ليست موجودة .
اغتسلت وارتدت لباسا مريحا , ووضعت مكياجا خفيفا .
لتنزل وهي تغني بصوت منخفض .
حتى وصلت إلى الأسفل .
واتجهت إلى المطبخ , فتحت الأنوار .. وبدأت تعد الإفطار وهي مرتاحة البال تماما .
حين انتهت جهزت الطعام على الصينية , وحملتها حتى غرفة والدتها .
فتحت الباب على مهلها بعد أن وضعت الصينية على الأرض .
وجدت أمها تجلس على سجادتها على الأرض , وتقرأ القرآن .
اقتربت منها وقبلت رأسها / تقبل الله يا أمي .
أغلقت المصحف ووضعته على المنضدة / منا ومنك حبيبتي , وش هالصباح الحلو يا نوف ؟ من متى ما نزلتي لي في الصباح .
ابتسمت نوف وهي تجلس أمامها / معليش يمه سامحيني , وهذا فطورك .
بدآ بتناول الطعام وهما يتحدثان ويضحكان .
كما لو أنهما لم يجلسا مع بعضهما منذ فترة طويلة , وهذه حقيقة !
حتى وقف عمر بجانب الباب , ينظر إليهما بصمت , ثم قال بابتسامة / ما عزمتيني على الفطور يا نوف .
رفعت نوف رأسها متفاجئة , لتقول بارتباك / تعال تونا جالسين .
اقترب منهما عمر , وقبل رأس والدته .
التفت إلى والدته حين سألت / وين هيفاء ما رجعت معك أمس ؟
أجابها عمر وهو يمضغ لقمته بامتعاض / ما رضت ترجع , ودها تقعد كم يوم بعد .


ضايقت نوف النبرة التي تحدث بها عمر .
إلا أنها ابتسمت رغما عنها وهي تقف / بروح أجيب الشاي .
أسرعت نحو المطبخ , وقلبها يخفق بعنف .
لقد كان يقصد أن تشعر بالذنب مرة أخرى .
تنفست بعمق , وأغمضت عيناها حتى لا تبكي .
عادت إلى غرفة أمها بيدها صينية الشاي الذي أعادت تسخينه والأكواب الصغيرة .
انصدمت واتسعت عيناها بدهشة وهي تسمع ما يقوله عمر لأمه / حاولت أقنعها كثير يا يمه , بس والله ما هي راضية ترجع , تقول مستحيل تقعد أكثر في بيت فيه نوف , وأنا ما ألومها يا يمه تحملتني كثير والعيب مني , ويوم جبنا هالبنت بصعوبة راحت منها قبل لا تفرح فيها زين , وحاليا فرصة الإنجاب معدومة بالنسبة لي .
توقف قليلا قبل أن يكمل بصعوبة وهو يبتلع ريقه بمرارة / أنا مضطر أطلقها مثل ما تبي يا أمي , ما عندي خيار ثاني .
شهقت نوف بصدمة , وأسقطت الصينية دون أن تشعر .
ليسقط الشاي الساخن على فخذها الأيمن , مرورا على قدمها .
الغير مصابة !
سقط قلب أمها وهي تسمع صراخها العالي .
وركض عمر نحو الباب , عيناه متسعتان بصدمة .
لينحني ويجلس بجانب رجلها التي تضعها يدها عليها وتتلوى .
سرعان ما ابتل وجهها بالدموع .
وصراخها يعلو ويعلو بنحيب حزين .
أسرع عمر نحو المطبخ , بينما قامت أمهما بصعوبة من مكانها .
وشهقت وهي ترى ابنتها تتلوى بفعل الشاي الساخن والذي أنزلته نوف من الموقد للتو .
بكت على الفور , وهي تجلس بجانبها .
وليس بيدها أي حيلة .
سوى اللجوء إلى الله أولا بالدعاء .
ثم الاتصال بالإسعاف بيد مرتجفة .


عاد عمر من المطبخ يحمل بيده سطل ماء بارد .
وسكبه على فخذ نوف التي تعالت صرخاتها أكثر , قبل أن تتمكن الأم من منعه !
رفع يديه إلى رأسه , وهو لا يعرف ماذا عليه أن يفعل .
وترته صرخاتها وأربكته .
صعد إلى حجرتها , لينزل وهو يحمل عباءتها .. وقميص طويل وجده معلقا على المشجب .
أعطاهما لوالدته الجالسة بجانب نوف تحاول تهدأتها / لبسيها يمه بانتظر برة .
وصل الإسعاف في الوقت المناسب , بعد ان انتهت الأم من تبديل ملابس نوف , وارتدائها بالعباءة وهي منهارة تماما .
ليس فقط بسبب ألم الحرق .
بل أيضا بسبب ما سمعته .
كانت سبب فقدان أخيها للطفلة , الآن لا تريد أن تكون السبب في فقدانها لزوجته ومحبوبته أيضا .

ضامية الشوق 12-19-2019 05:34 PM

السادسة مساء ..

فتحت يُمنى عيناها على صوت الهاتف , لتأخذه وترد على المتصلة .
حسناء التي أخبرتها أنها تنتظرها بالأسفل , حتى تذهبان إلى السوق .
تجهزت يُمنى على وجه السرعة , وتوضأت قبل الخروج .
كانت متحمسة جدا لشراء المستلزمات .
إلا أن فكرة الاختلاط بالناس في الخارج , تخيفها جدا .
لذا بعد أن ارتدت عباءتها وحذاءها , وحملت حقيبتها والنقاب .. جلس فجأة بالقرب من الباب .
ترتجف مغمضة عينيها .
حتى أتاها اتصال آخر من حسناء , أجفلها وجعلها تعود إلى الواقع , لتجيب وتقول / حسناء تكفين تعالي خذيني من عند الباب , أخاف أنزل لوحدي .
حسناء بدهشة / شوفوا البزر , ترى كلها خطوتين وتوصلين المصعد .. تضغطين على g وبس تخرجين من المصعد الباب قدامك , خايفة من إيش ؟
وقفت يُمنى تسند يدها على الحائط / تكفين حسناء , أخاف يكون في أحد في المصعد .
تنهدت حسناء / تعالي من السلم أجل , والله ما فيني حيل أطلع لك , تكفين يُمنى والله تعبانة من الدوام وما نمت زين من أمس .
هزت يُمنى رأسها بإيجاب / طيب يلا ثوانِ بس .
أغلقت الخط , ومسحت وجهها بقوة بعد أن أدخلت الهاتف داخل الحقيبة .
ارتدت نقابها .. وخرجت بخطوات مترددة , بعد أن نظرت إلى الممر ولم تجد أحدا .
أقفلت الباب خلفها واتجهت ناحية السلم , وهي تذكر الله ألف مرة , وتدعوه أن لا تقابل أحدا أمامها .
هذه الحمقاء حسناء .. ما الذي جعلها تترك منزل عائلتها وتسكن في العمارة الخاصة بموظفي العيادة ..!
حين وصلت إلى المنتصف بالضبط ..
توقفت في مكانها , وهي ترى شابا يصعد نفس السلم .
ارتجفت عيناها وهي تنظر إليه بخوف , ثم تلتصق بالحائط .
استغرب الشاب من حركتها .
إلا أنه تجاهلها وصعد بخطوات واسعة .


أغمضت عيناها براحة , وجلست في مكانها .
بعد أن شعرت بصداع خفيف .
نعم يُمنى ..
ليس كل الشباب أو الرجال سواسية .
يوجد الكثير مثل هذا الذي تجاهلك للتو ومر من جانبك دون أن ينظر إليك .
ويوجد الكثير مثل مساعد المراعِ جدا لخاطر الجميع .
ويوجد أيضا الكثير مثل عايض , الذي لم يتغير ولم يفكر في فتاة أخرى سواها هي , من كانت زوجته ذات يوم .
ذكرت الله وهي تقف مرة أخرى .
وتعدل حجابها وتكمل النزول , مخفضة رأسها .
حتى وصلت أخيرا إلى سيارة حسناء .
ركبت وألقت السلام , ثم نظرت إليها متعجبة / بسم الله حسناء شوفي عيونك كيف محمرة , ليش ما نروح بكرة ؟
حركت حسناء السيارة / عادي يا روحي , انتي مو متحمسة ؟
يُمنى بضحكة / الا بموت من الحماس وربي , بس عاد ما أبيك تتعبين كذا وتحملين نفسك فوق طاقتك .
ابتسمت لها حسناء / كل شيء يهون لعيون حرم عايض .
اتسعت عينا يُمنى بدهشة , لتضربها على ذراعها بقبضتها / حسناء والله بزعل منك وش هالكلام ؟
مثلت حسناء الصدمة / ما عرفناك لك ياخي , زعلتِ يوم قلت إني باخذه , وتزعلين لو نبيك تأخذيه بعد , وش فيك ؟
يُمنى بحدة / ما فيني شيء اسكتي .
ضحكت حسناء وهي تنظر إليها بطرف عينها .
لتكبر الله بصوت عالِ حين ارتفعت أصوات المؤذنين لصلاة المغرب في الخارج .


أوقفت السيارة أمام متجر كبير .. للتجها ناحية مصلى النساء أولا .
بعد ساعة ..
وبعد أن انتهوا من شراء الرداء الخاص بالمرحلة المتوسطة , والحذاء والحقيبة .
اتجهوا إلى المكتبة الكبيرة الموجودة في نفس المتجر .
كانت يُمنى تمسك بيد حسناء طوال الوقت , بل وتشد عليها بقوة .
حين يمر من جانبهم أحد ما ..
التصقت بحسناء واقتربت منها أكثر .
كانت حسناء تتفهمها , ولم تغضب أبدا .
فيُمنى لم تخرج من المنزل منذ عشر سنوات إلا إلى الأماكن القريبة جدا .
كيف وهم بسوق مليء بأنواع من البشر المختلفين .
وفي هذا الوقت من السنة , حيث يخرج الجميع يتقضون من أجل المدرسة أو الجامعة .
تأففت حسناء وهي ترى هذا الجميع الكبير بجانب الدفاتر والأقلام والأدوات المدرسية المهمة والمعروفة .
أمسكت بذراع يُمنى جيدا , وجذبتها معها حتى ابتعدتا عن ذلك الازدحام إلى بقعة أقل ازدحاما , حيث الأجهزة الالكترونية .
حسناء / وتقول نأجل الطلعة , لو جيتِ بكرة ولا بعد بكرة كانوا بيسحقونك ولا يهتمون , يلا اختاري لك جهاز لا بتوب , ولا أقول لحظة بشوف لك المواصفات .
يُمنى / ما احتاج لابتوب , وماأعرف له أساسا .
حسناء وهي تمشي ببطء وتقرأ مواصفات الأجهزة المعروضة / بتحتاجين الحين الدراسة مش مثل قبل , بيكون عليك بحوثات وواجبات ونشاطات منزلية ما راح يمديك تسوينها بسهولة بالجوال , وأنا بعلمك لا تشيلين هم .
وقفت يُمنى في مكانها تنظر إليها بملل .
لقد تعبت جدا .
ألم تتعب حسناء بعد ؟
شهقت وهي ترى حسناء تصطدم بأحدهم كان قادما من الجهة الأخرى .
ولم تنتبه إليه حيث كانت تمشي وهي تنظر إلى الأجهزة .
بينما الآخر ينظر إلى هاتفه , ويحمل بيده الأخرى كوب قهوة مليئة .
لذا حين اصطدما وقعت القهوة على الأرض , بعد أن سقط بعضا منها على عباءة حسناء .
وبالطبع ..
على الشخص المتأنق جدا .
بثوبه الأبيض الناصع , وغترته المرتبة والمكوية جيدا .
ظل الاثنان ينظران إلى الأرض بصدمة , وغضب ..
إلا أن الاشتعال المبدئي كان من جهة حسناء بالطبع , التي أطلقت لسانها بغضب / ماشاء الله تبارك الرحمن , لا أبد ما عندك عيون , ما تشوف , ولا ايش رايك تمشي وانت مغمض ؟ هااا ؟
رد الآخر بنفس نبرتها / انتي العميا مو أنا , في أحد يمشي على جنبه وما يطالع الطريق ؟
تكتفت حسناء / لا والله ؟ وليش حاطين الأجهزة كذا بحيث ما نشوفها إلا من الجنب ؟ يا موظف ؟
تنحنح وهو يمسك ببطاقته , قبل أن يكمل / بس برضوا المفروض تكونين منتبهة , تدرين المدير قد إيش معصب من غيابي , واليوم جاي متكشخ عساه يرضى , عاجبك منظري الحين .
صمتت حسناء بدهشة , قبل أن تمد يدها نحوه بسرعة خاطفة وأمسكت بالشريط الحامل للبطاقة وسحبتها حتى صارت البطاقة بيدها وشهقت .
قذفت عليه بطاقته التعريفية مرة أخرى , لتنحني وتأخذ كوب القهوة الذي فيه القليل منها , ورفعتها وتسكب الباقي عليه / صدق انك ما تستحي , ذاك اليوم عطلتني عن الروحة للديرة , واليوم قاعد تسوي لي مشاكل عشان القهوة ؟ يعني لا سن صاحي ولا عيون ؟



أجفل بدر من حركتها أولا , ومن معرفتها ثانية .
ظلّ ينظر إليها بدهشة وذهول , ثم ضحك بغير تصديق / آسف آسف , أنا ما أدري شلون ما عرفتك يا أم عيون حلوة يا دكتورتي يا جميلة , يا منقذتي يا ………
كانت حسناء تنظر إليه بعينين متسعتين , قبل أن تلتقط الكوب مرة أخرى وتقذفه عليه , ليبتعد إلى الوراء وهو يضحك / يا جليل الحيا .
بدر / آسف والله آسف خلاص أنا الغلطان , ولو كنتي انتي غلطانة بعديها لأنك انقذتيني .
التفتت حسناء إلى من أمسكت بذارعها من الخلف / هاااه ؟ وش تبين انتي بعد ترى أعصابي رايحة فيها .
تفاجأت يُمنى من ردة فعلها , لتقول بنبرة منخفضة / خلينا نخلص بسرعة ونروح , مو قادرة أتحمل أكثر , بعدين إيش فيكم انتوا ؟ تعرفينه ؟
نظرت إليه بغضب / أعرفك ؟ إيه أعرفه خلعت ضرسه , وبما إنك موظف هنا سو فينا خير وهات جهاز مواصفاته عالية وتناسب المبتدئين .
شهقت يُمنى من نبرة حسناء الغير مقبولة بالنسبة إلى شخص غريب .
ولكن ردة فعل بدر كانت أغرب / ابشري ثوانِ بس , إذا تعبانين يا دكتورة تقدرون ترتاحون هناك عند الطاولات حقت الكتب .
قالها ونوى الابتعاد , إلا أن حسناء أوقفته مرة أخرى بنبرة آمرة / لو سمحت , جيب لنا مرة وحدة كل الأغراض اللي ممكن تحتاجها بنت في أول متوسط .
يُمنى بنبرة مستنكرة / حسنا ! خلاص ياختي أنا بدور وش هالوقاحة مع الموظف ؟
حسناء / مريضي هذا يدري لو ما سمع كلامي ما ارح أعالجه زين في المراجعة .
ضحك بدر / مو مشكلة يا دكتورة ارتاحوا هناك بجيب لكم كل شيء .
تنحنحت حسناء وهي تمشي بكبرياء وخطوات واثقة .
مر بعض الوقت , قبل أن يأتيهم بدر حاملا معه سلة بها جميع الأدوات المدرسية , ويُمنى تنظر إليه بذهول / وهذي كل الأغراض اللازمة , وبالتوفيق لأختك في دراستها .
حسناء / مو اختي , بنت اخوي .
نظرت إليها يُمنى بدهشة / مين بنت أخوك ؟
حسناء / انتي , لا قصدي انا عمتك , لا لحظة .. انتي عمتي وانا بنت اخوك .
هزت يُمنى رأسها بملل / الله يعين لو كنتِ صدق تعالجين مرضى , يلا نمشي ؟
وقفت حسناء تحت أنظار بدر المذهولة / الحين هذي عمتك وانتي بنت أخوها ؟ اللي يشوفكم من بعيد بيقول أم وبنتها .
ابتسمت يُمنى على ردة فعل حسناء حين شهقت / ايش قصدك أنا لهالدرجة كبيرة ؟
بدر بابتسامة / آسف آسف , ولكم خصم خاص مني .
حسناء بدهشة / من جد ؟ كم بتخصم مثلا ؟ وكيف يعني وش دخلك ؟
انحرج بدر كونه أخبرها سابقا أنه معاقب من المدير / محل أبوي .
صفقت حسناء بمرح / يا ليت كل مرضاي عندهم محلات والله يمديني أشتري أشياء كثيرة بأقل الأسعار .
ضحك بدر وحمل الأشياء ليسير أمامهم .
ويُمنى تنظر إلى الاثنين بذهول وغير تصديق .
أمسكت بذراع حسناء وقرصتها / والله انك صدق ما تستحين على وجهك , لا تقولين انك عادية كذا مع الكل ! يعني مو عشان أبوك سمح لك تسكنين لوحدك وبعيدة عنه تأخذين راحتك كذا ؟
حسناء بغيظ / لحظة وش الغلط اللي سويته ؟ وإيه أنا كذا مع الكل , بعدين هو أصغر مني بكثير لو كان أكبر مني كنت احترمته واسكتي يا بزر .
تنهدت يُمنى بضيق .
لم يعجبها الوضع إطلاقا .
أصبحت كمن يرى الدنيا ويخرج إلى الخارج لأول مرة !
وسنوات سجنها كانت منذ بداية عمرها وليست عشر سنوات فقط .


______


نزل من حجرته منهك القوى بسبب نومه الطويل , منذ الثانية مساء وحتى الآن .. والساعة تشير إلى الثامنة .
فالجميع كان نومهم قليلا في الديرة , ثم الأجواء الحارة تجعل الواحد متعبا بحق .
جلس على احدى الآرائك في الصالة , ينادي العاملة ويطلب منها أن تحضر له بعض الطعام .
حين رنّ الهاتف الأرضي , أخذ السماعة ليرد بهدوء / هلا .
خفق قلبه بعنف وهو يسمع هذا الصوت / السلام عليكم .
اعتدل بجلسته وكأنها تراه ,ورد بارتباك / وعليكم السلام يا هلا , نوف ؟
نوف بنبرة باكية / إيه نوف , مين إنت ؟
ابتسم بألم , هل حقا حتى الآن لا تعرف أن تميز صوته من صوت أخيه / عاطف .
كأنه سمع صوت تنهيدة ضيق , حين قالت / طيب وين لينا ؟ أدق عليها من الصبح ولا ترد .
عاطف / مدري وينها أنا دوبي صحيت , نوف فيك شيء ؟
بكت نوف فجأة / تكفى عاطف جيبها عندي أنا احتاجها , الله يخليك عاطف .
عقد عاطف حاجبيه , وقلبه يكاد يقفز من بين ضلوعه خوفا عليها / عسى ماشر نوف وش فيك ؟
شرحت له نوف ما حصل اليوم في الصباح الباكر .
وهي تشهق وتبكي , أنهت حديثها بـ / الحين عندي رجل صناعية والثانية مشوهة .
لتضحك بسخرية وألم .
أغمض عاطف عيناه بضيق , متألما عليها / ما عليه نوف , أكيد بتتعالجين وتطيبين .
نوف / طيب بتجيب لينا ؟
عاطف / وينك انتي الحين ؟ في البيت ولا المستشفى .
نوف / لا رجعوني البيت , الحرق كان سطحي والمسعفين وصلوا بسرعة , لو ما كب علي عمر الموية يمكن ما تشوه جلدي .
عاطف / يلا ربع ساعة وتكون عندك لينا .


وضع عاطف السماعة في مكانها , ليركض إلى الأعلى .. ويدخل غرفة لينا وضحى , بعد أن طرق الباب وأذنت له ضحى .
حيث كانت تجلس على جهازها وأمامها الكثير من الأكلات الخفيفة , نظرت إليه بتساؤل / بسم الله عطوف وشفيه وجهك كأنك خايف عسى ماشر ؟
تجاهلها عاطف ليتجه نحو لينا النائمة .
سحب منها البطانية , وأمسك بيدها ليوقفها وهي نائمة / قومي بسرعة قومي .
فتحت لينا عيناها بصدمة ودفعته وهي تجلس / وش فيك يالهمجي ليش تصحيني كذا ؟
أوقفها عاطف مرة أخرى / نوف من متى تتصل وما تردين عليها ؟ يلا البسي عبايتك وانزلي لي , يلا .
لينا بلهفة / ليه وش فيها نوف ؟
عاطف / تعبانة وتبيك الحين , يلا .
خرج بسرعة كما دخل , ليتجه إلى غرفته ويبدل ملابسه .
تبادلت ضحى النظرات مع لينا المتعجبة .
ابتسمت الصغيرة بمكر , ملامح عاطف لم تكن عادية .
بينما لينا أسرعت لتبدل ملابسها وترتدي عباءتها .
توقف عاطف أمام محل ورود , ثم محل شوكولاتة .
ولينا متعجبة منه ومن استعجاله في التحرك .
حتى وصلا أخيرا إلى منزل الخالة بعد نصف ساعة .
حين طرقا الباب , فتح لهما عمر واستغرب , ليرحب بعاطف ويدخله إلى المجلس .
بعد أن أخبر لينا أن نوف في غرفة والدته .


أسرعت إلى الغرفة , واندفعت ناحيتها لتجلس أمامها بخوف / نوف حبيبتي إنتي بخير ؟
فتحت نوف عيناها بوهن , لتقول بعتاب / ليش ما رديتي علي ؟
لينا / آسفة يا نوف والله كنت نايمة والجوال مو جنبي .
جلست نوف بصعوبة / مو مشكلة , اهم شيء جيتي , عاطف جابك ولا ؟
لينا / إيه هو , كيف حاسة الحين ؟
نوف / والله بموت يا لينا , تعبانة مرة .. مو من الحرق , قلبي يعورني على عمر .
لينا / وش صاير ؟
نوف بغصة / تخيلي يفكر يطلق هيفاء ؟ والسبب أنا .
نظرت إليها لينا بذهول , لتبتلع ريقها وتكتفي بالصمت .
ليس لديها أي رد .
ابتسمت نوف بسخرية من ردة فعلها , لتسند ظهرها على المخدة .
والهم في قلبها يزيد أكثر .

ضامية الشوق 12-19-2019 05:36 PM

صباح الأحد ..
يوم عودة الجميع إلى أعمالهم ودراستهم .
تجمع الجميع حول الطاولة أخيرا , بعد أن أصبحت الأمور فوضوية في الإجازة .
إلا أنه لم يكن أحدا منهم متيقظا .
بل يأكل الطعام غصبا .
حين قال والدهم , ما جعلهم ينتبهون جيدا , وتتسع أعينهم بغير تصديق / متى بتتزوج يا عايض ؟
نظر عايض إلى والده بذهول , ليرد / وش جاب الطاري الحين ؟
لم ينظر إليه والده بل أبقى نظره على الطعام / ولازم يكون في مناسبة عشان أفتح الموضوع ؟ أمك بتبدأ من اليوم تدور لك بنت الحلال اللي تناسبك إن شاء الله .
ترك عايض ما بيده , وعيناه متسعتان بدهشة / يبه من جدك ؟ أنا ما قلت إني موافق أو بتزوج الحين .
والده بصرامة / ليش وإيش اللي يمنعك ؟ مر على سالفتك انت ويُمنى خمس سنين ليش للحين مو راضي تتزوج وحدة ثانية وتكمل حياتك ؟
عايض / أنا قاعد أكمل حياتي يبه ومو شرط تكون معي زوجة , وبعدين انت اللي أجبرتني أتزوج يمنى وانت أجبرتني أطلقها , معقولة بتعيد نفس الشيء وتخليني أظلم بنت الناس .
نظر إليه والده بحدة / احترم نفسك يا عايض , ما أجبرتك على شيء , عمك كان يبي يأمن بنته على يدك لكن ما كنت كفو لين ضيعتها وندمت , والطلاق يمنى اللي كانت مصرة عليه مب أنا .


ضحك عايض بألم وسخرية , وهو يسمع من والده الحقيقة المؤلمة .
التي تجعله يعض أصابع الندم كل ليلة , حين يتذكر أنه لم يكن لها الملجأ الآمن الذي تمناه والدها لها .
رد بعد تنهيدة ضيق صادرة من أعماق قلبه / اللي صار صار يا يبه , وأنا بقول لك الصراحة , ماني مستعد أتزوج حاليا , إلا إذا كانت هالزوجة يُمنى طبعا .
عمّ الصمت أرجاء الصالة , وظل الجميع ينظر إلى عايض بغير تصديق .
تسارعت دقات قلوبهم خوفا من غضب والدهم الذي لا يحمد عقباه .
ولكنه فاجأهم بنبرته الهادئة / انسى يُمنى يا عايض , وتزوج وحدة ثانية من أقارب أمك أحسن لك , ما تجي الصيفية الجاية إلا وزوجتك في بيتك .
اختنقت أنفاس عايض , ولم يتمكن من الرد على والده بسبب الصداع الذي داهمه .
لن يجادله أكثر .
فهو يكره أن يعارض والده , فلا يدري أي عبارة قد تكون بمثابة الحرفين ( أف ) الذي نهى عنهما الله .
ولكن الأمر صعب .
كيف سيتقبل ذلك ؟
كيف سيرضى بفتاة أخرى غير يُمنى تكون زوجة له ؟
ولمَ والده مصر على الموضوع بهذا الشكل ..!
وفجأة ؟
هل حصل شيء ؟
وقف بهدوء وغادر دون أن يتفوه بأي حرف آخر .
لينظر اخوته إلى بعضهم .
وهنادي تتناول طعامها بصمت دون أن تبدي أي ردة فعل .
فهي أيضا لا تريد أن يتزوج ابنها بهذه الطريقة .
رغما عنه .
وإن كانت لا ترغب بأن تعود يُمنى إلى عايض بعد كل ما حصل .


راشد / تعرفون أحد من أقاربكم يا بنات ؟ بنت بعمر زواج .
رفعت هنادي عيناها إليه بغيظ .
هل هو جاد ؟
هل يريد أن تكون تلك الفتاة التي سيظلمها عايض من جهتها هي , ضربت الطاولة بيدها بخفة / مافي أحد يا راشد الولد ما يبي يتزوج حتى لو تزوج يشوف له وحدة غير بنات خواتي مفهوم ؟
تجاهلها راشد والتفت إلى بناته / ها يا بنات ؟
تبادلن النظرات , لترفع لينا يدها وكأنها تشارك في حصة دراسية , تقول بهدوء / في نوف .
رفع عاطف رأسه بصدمة , وارتجف كأنه أصابه مس .
انتبهت إليه ضحى , لترفع صوتها / لا وين نوف مو مناسبة لعايض , أبدا مو مناسبة .
ظل عاطف يترقب ردود أفعالهم , وقلبه يخفق بعنف .
اتسعت عيناه أكثر وهو يسمع ما يقوله والده / لا بالعكس أنا أشوفها مناسبة , شاوري عايض يا هنادي واخطبيها .
وقفت نجد الصامتة منذ البداية , الوضع لم يعجبها إطلاقا , ووقف معها عاطف ليغادر بعد أن سلم عليهم .
وصعدت نجد إلى حجرتها لتكمل نومها , فهي لا تدرس ولا تعمل .


حين ركب عاطف سيارته وهو يشعر بجسده ساخنا من انفعاله المكبوت .
يشعر بقهر العالمين في قلبه .
التفت ناحية سيارة عايض حين أنزل نافذته / نعم .
عايض بابتسامة / بسم الله وش فيه وجهك كذا ؟ لا تقول بيجبرك انت بعد ؟
نزل عاطف من سيارته وركب بجانب أخيه بعد أن أطفأ محرك سيارته / ياخي هذي اللينا صدقني بذبحها وبشرب من دمها .
عقد عايض حاجبيه باستغراب / ليش وش صار ؟
التفت إليه فجأة , وأمسك بمقدمة قميصه بقوة / والله يا عايض لو وافقت تتزوج نوف إني بذبحك فاهم ؟
ضحك عايض وهو يدفعه إلى الخلف / مجنون انت وش يخليني أتزوجها ؟
صمت بصدمة وكأنه استوعب للتو / لحظة , لا تقول لينا رشحت نوف لي ؟ وأبوي موافق ؟
صرخ عاطف / إيه موافق .
عايض بابتسامة جانبية / شفت أبوي كيف عصب من رفضت الزواج , تعتقد بيسمعني لو قلت ما ابي نوف ؟
اتسعت عينا عاطف بصدمة / هيي لحظة وش قصدك ؟ لا تقول انك بتوافق ؟
تنحنح عايض / ما عندي مانع , نوف بنت حلوة ومؤدبة وراقية .
ضربه عاطف على كتفه بقوة / والله يا عايض اذا تزوجتها اني بقطع علاقتي فيك .
عايض / أفااا , بنت تفرقنا يا عاطف ؟
عاطف الذي احمر وجهه بشدة , هدأ قليلا / تكفى ياخوي لا تصدمني , قول انك تمزح , انت الوحيد اللي عارف إني احبها لا تجرحني ياخي .
عايض / طبعا أمزح يا مجنون مدري وشلون صدقت , شكلها من جد ماخذة عقلك .



أسند عاطف ظهره على المقعد براحة / الحمدلله , بغيت انجلط صدق , لا تعيدها لو سمحت .
شغل عايض المحرك / خلاص قوم روح .
عاطف / نزلني في طريقك , أدري وأنا بهالحالة يمكن أسوي حادث وأموت من القهر .
عايض وهو يحرك السيارة / آآآخ أنا اللي بموت مب انت , الله يسامحك يا يُمنى يوم تركتيني كذا .
عمّ الصمت في السيارة .
عاطف يشعر بالحزن على أخيه , والهم على نفسه .
لا يريد أن يخسر الشيء الوحيد الذي تمناه في حياته .
نوف .. أحبها منذ الصغر .
بينما هي منشغلة عنه تماما , ولا تعرف شيئا مما في قلبه لها .
عايض أيضا ..
يفكر في أمر الزواج .
هل حقا سيضطر يوما أن يرتبط بأخرى غير يُمنى محبوبة قلبه ؟
عاطف هذا المسكين ..
ربما لا يعرف عن نوف شيئا , أنها معجبة به .
لم تصرح هي بهذا الشيء .
ولكنه يفهمها جيدا .
نظراتها له غير عادية .
وإلا هي فتاة جيدة وطيبة من جميع النواحي .
لو أنه لم يعرف شيئا عن مشاعرها تجاهه , لتمنى التوفيق لأخيه معها بالتأكيد .
ولكن الآن , الوضع ليس على ما يرام , مطلقا !
محتار جدا .
هل عليه أن يصارح عاطف بما يجول بخاطره ؟ ويكسر قلبه منذ البداية !
أم يجعله يستمر في حبها , حتى ينالها ربما .
حين يكتشف الأمر ذلك الوقت , سينصدم أكثر بالتأكيد .
إذا عليه أن يخبره الآن .
ولكن ..
ربما يكون ذلك مجرد شك , لا أساس له من الصحة .
يعني , إن كان مخطئا .
سيفسد الأمور , ويجرح قلب أخيه من أجل اللاشيء !
ويسيء إلى نوف , ويشوه صورتها بأعين عاطف .
رحمتك يارب .


_____


توقفت السيارة أمام مبنى المدرسة المتوسطة .

لتلتفت يُمنى إلى حسناء بخوف , نظرت إليها الأخرى بتشجيع / لا تخافين يُمنى , انتي قدها .
أغمضت يُمنى عيناها وتنفست بعمق , لتهز رأسها وتنزل .
دخلت من الباب ..
وتوقفت بالقرب منه .
تنظر إلى هذا المنظر الجميل للمدرسة .
الطالبات في كل مكان , صديقة مع صديقتها .
أو عدة فتيات مع بعضهن .
وبعضهن يجلسن بمفردهن .
بعض المعلمات أيضا منتشرات في الأنحاء .
تقدمت بخطوات بطيئة , وهي تشعر بالتوتر والارتباك .. وتشعر بأن جميع الأنظار عليها .
دخلت إلى الساحة الداخلية الأقل ازدحاما من الخارجية .
لتخلع عباءتها وتجلس على الأرض بجانب الحائط , بعيدا عن الجميع .
امسكت بكفيها وهي تتأمل المكان والفتيات .
الفتيات في صفها سيكونون في الثانية عشر بالتأكيد , وهي أكبرهن .
كيف تشعر بروحها أصغر منهن !
يا إلهي هذا محرج جدا !
سيلاحظون كبر سنها بالتأكيد .
فزعت فجأة حين جلست بجانبها احداهن .
نظرت إليها بوجل , إلا أن الأخرى ابتسمت لها / شكلك جديدة .
يُمنى بعد صمت قصير / إيه .
مدت الفتاة يدها تصافحها / أنا كمان جديدة , اسمي لمياء .
ابتسمت يُمنى بتردد وهي تصافحها / وأنا يُمنى .
لمياء / تشرفت فيك يُمنى , صف ثالث ؟
ضحكت يُمنى رغما عنها , لو كان هناك صف آخر أعلى لما ترددت هذه الفتاة في وضعها به , هزت رأسها نفيا / لا , أول .
اندهشت الفتاة , إلا أنها ضحكت تتدارك الوضع / معليش حسبتك مثلي لأنك قدي تقريبا بس انتي أطول .
اكتفت يُمنى بابتسامة , سأواجه الكثير مثلها بالتأكيد .
من سينصدمون من كوني طالبة في الصف الأول .
يا إلهي , كان من المفترض أن أكون طالبة منتسبة .
لو لم يتدخل مساعد وأتى بواسطة تسمح لها بالدراسة المنتظمة لكانت منتسبة بالفعل .


رنّ الجرس أخيرا ..
لتدخل جميع الطالبات , ويقفن في الطابور .
حين خرجن من المعلمات , اتسعت عينا يُمنى بدهشة وفرح في آن واحد .
وهي ترى بُشرى .
ظلت تنظر إليها وتبتسم , حتى انتهت كلمة المديرة .. وبدأت الطالبات بالصعود إلى فصولهن .
اتجهت هي ناحية بشرى .
ضحكت الأخرى وفتحت ذراعيها .
عانقتها يُمنى بسعادة / إيش تسوين هنا
بشرى / كيف المفاجأة بس ؟ طلبت نقل لهالمدرسة عشانك بس .
يمنى / يا حبيبتي , أنا صدق كنت خايفة ومرتبكة لوحدي , كويس جيتي .


مرت الساعات على يُمنى ثقيلة وبطيئة ..
وهي تجلس بمفردها في آخر الصف في الخلف.
كل من دخل إلى الفصل الذي هي به .
نظر إليها بتعجب واستغراب .
فهي حقا , تبدوا كبيرة نوعا ما ..
طولها لم يكن المشكلة , فأغلب الفتيات في الثانية عشر , أطول منها ربما .
ولكن ملامحها تجعلها تبدوا ناضجة , وأنها بالفعل شابة وليست مراهقة .
ثم تلك الندبة ..!
بالتأكيد هي سر نظراتهم .
لم يمثل تجنب الفتيات لها مشكلة .
فهي أساسا لا ترغب في تكوين أي صداقات مع أي فتاة .
وهي غير اجتماعية الآن .
حين رن جرس الفسحة , ونزلن جميع الفتيات .
كانت تنوي البقاء في الفصل بمفردها .
إلا أن فتيات النظام لم يسمحن لها بذلك .
لتتجه إلى دورات المياه , وتفتح شعرها الطويلة المظفر , تخرج منها خصلة طويلة .
وتضعها على وجهها تحاول اخفاء الندبة .
وربطت شعرها الخلفي مرة أخرى .
لم تفيدها تلك الحيلة .
حيث جعلت الخصلة شكلها أغرب .
تضايقت بشدة .
وهي تسمع الهمسات حولها , والنظرات الغريبة .
لتجلس في أحد الأركان بمفردها .
وتخرج من جيبها لوح الشوكولاتة التي اشتراها لها عايض بالأمس .
ابتسمت وهي تنظر إليها .
تتذكر كم كانت تحبها منذ الصغر .
حين يذهب عايض , أو أي أحد إلى المركز البعيد والذي يجدون فيه كل شيء بعكس متاجر الديرة الصغيرة , يسأل عن طلباتها هي والأخريات .
ولا تمل هي من طلب نفس الشيء دائما .
حتى أصبح هو معتادا على طلبها .
فيحضرها لها دون أن يسأل .
لم ينسَ بعد .
لم ينسَ ما تحب .


قبل 9 سنوات ..
بعد أن مرت على حادثة التحرش تلك سنة كاملة , وأصبحت فتاة بالغة .
تلازم المنزل طوال اليوم .
أصبحت ممنوعة عن المدرسة .
وليست الدراسة , فمساعد أصبح مدرسها منذ الآن .
يحضر لها بعض الكتب , والأشرطة وأقراص الفيديو .
حتى لا تقضي يومها بملل .
كانت تساعد أمها في الأعمال المنزلية .
لم تمر سوى فترة بسيطة , حتى تمكنت من تعلم كل الأمور من والدتها .
فلم يكن هناك أي شيء يشغلها سوى دروس مساعد بالتأكيد .
حتى الآن لم تتمكن من تذكر كيف تعب والدها أو مرض , أو متى بالضبط .
بيدَ أنها لم تنساه حين دخل إليها وهي تجلس مع والدتها , بيده دفتر غريب .
وضعه أمامها , لتنظرهي إليه بتساؤل .
أخفض بصره قليلا , كأنه يشعر بالذنب .
قبل أن يقول بهدوء / وقعي هنا .
وأشر على مكان التوقيع .
نظرت إلى الورقة , واتسعت عيناها بغرابة وهي ترى هذه الوثيقة الغريبة , المكتوب عليها ( وثيقة عقد زواج ) , سألت بتعجب / يبه بتزوجني ؟
هز رأسه بإيجاب دون أن ينظر إليها .
لتقول / بس يبه أنا لسه صغيرة ليش تزوجني ؟
نظر إليها هذه المرة بصرامة / بس عقد قران ما راح تتزوجين الحين .
شعرت بشعور غريب , وخوف لم تتمكن من تحديد سببه .
وهي تلتفت إلى أمها , لتجد في عينيها نظرة حادة .
جعلتها ترتجف .
أعادت أنظارها إلى الوثيقة , لتقع عيناها على إسم عايض وتوقيعه .
حينها تنفست براحة .
إذ لم يكن من ينوون تزويجها شخصا غريبا , بل أكثر من ترتاح إليه .
أمسكت بالقلم بيد مرتجفة , ووقعت بإسمها .


لا تذكر أيضا كم يوم مر , بعد أن ذهب والدها من أمامها بذلك الدفتر ,
وأصبحت زوجة رسمية لعايض .
حين خرجت إلى حوش المنزل .
ورأت عايض يجلس مع مساعد .
ابتسمت بخجل وهي تتذكر ما حصل , وأنها أصبحت زوجته .
اتجهت ناحيتهم مخفضة رأسها بخجل , حين وقفت أمامهم رفعت رأسها ببطء وهي تقول بصوت بالكاد سمعه مساعد / مساعد أمي تبيك , عشان تروح المركز تجيب لها أغراض .
وقف مساعد ودخل .
وظلت هي واقفة في مكانها , تنظر إلى عايض الذي صد إلى الجهة الأخرى وقطبا جبينه بانزعاج .
استغربت ذلك , توقعت أن يكون سعيدا مثلها , تحدثت أخيرا / كيف حالك يا عايض ؟
أجابها دون أن ينظر إليها / بخير الحمد لله .
تأملته لعدة ثوانِ , قبل أن تسأل بتردد / عايض إيش فيك ؟ ليش ما تطالع فيني ؟ عادي ما أتغطى عنك الحين لأنك صرت زوجي صح ؟
شد عايض قبضته تحت أنظارها , وتغضنت جبينه أكثر .
ولم يرد .
سألت مرة أخرى بتردد أكبر / عايض إنت معصب مني ؟
وقف فجأة لترتد إلى الخلف بتلقائية .
لتنصدم بعينيه المحمرتين , وملامحه الغاضبة .
حين أمسك بعضدها بقوة / اسمعي يا يُمنى , أدري انك بزر وما انتي فاهمة إيش قاعد يصير , بس حطي هالكلام في بالك , هالعقد تم غصبا عني وأنا مو راضي , يعني لا تتوقعين إني بتزوجك بيوم من الأيام , وافقت غصبا عني عشان أبوي وأبوك اللي خايف عليك من بعد اللي صار العام الماضي , بس ينسون السالفة بتركك , فاهمة ؟ يعني لا تجين قدامي مرة ثانية وتقولين انك زوجتي أو تجيبين طاري الزواج , فاهمة ولا لا !
حدقت إليه يُمنى بذهول وغير تصديق .
هذه المرة الأولى التي يصرخ بها عايض , ويغضب عليها .
كان دائما ما يوبخ شقيقاته إن اخطأوا بشيء .
إلا هي ..
هل هو حقا غاضب إلى تلك الدرجة ؟
أم أنه يكرهها .
ظلت على وضعها , تنظر إليه بخوف وذهول ودهشة .
دون أن تشعر بالدمعة التي نزلت من عينها , ومرت بتلك الندبة البشعة .
حتى ترك عايض يدها , وكأنه أصابه التماس .
وعاد إلى الخلف , ليتنهد بضيق / امسحي دموعك لا تسوين سالفة , ما كان قصدي أعصب عليك .
نظرت إليه بلوم وعتاب .
وركضت إلى الداخل .
تشعر بقلبها تحطم تماما .
بعد أن بنت الكثير من الأحلام .
وتخيلت حياة وردية , برفقة من أصبح زوجها فجأة .


_____


انتهى الفصل

غزلان 12-20-2019 12:47 AM

الله يعطيك العافية

نجم الجدي 12-20-2019 01:28 AM

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع


حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك


اخوك
نجم الجدي

البرنسيسه فاتنة 12-20-2019 02:05 AM

راقني انتقائك الماسي
تسلم يمينك
ودام عطائك العذب
پآقة ورد
http://www.hamsatq.com/vb/images/fac/14.gifhttp://www.hamsatq.com/vb/images/fac/14.gif

إرتواء نبض 12-20-2019 02:16 AM

سلمت يمنآكـ على مآحملتهـ لنآ
موضوع عآلي بذوقهـ ,, رفيع بشآنه
مودتي

نبضها حربي 12-20-2019 02:43 PM

طرح رائع
يعطيك العافيه

شموخ 12-20-2019 08:53 PM

سلمت أناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك


http://cfile233.uf.daum.net/image/15...4F5445D12475AD


الساعة الآن 06:00 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية