منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   قصايد ليل للمقالات الحصرية (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=113)
-   -   تأملات في ملكوت الخالق ("نعمة" النسيان ) (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=140145)

نَـوًّاَفْ 06-05-2018 06:33 AM

تأملات في ملكوت الخالق ("نعمة" النسيان )
 


https://c.top4top.net/p_8862f1731.jpg

"نعمة" النسيان

قبيل الغروب وَقَفَ يتأمّل الشاطئ .. الناس من حوله بين رائحٍ وغادٍ .. والأطفال يمرحون ويتواثبون .. وأصواتهم تمتزج بصوت الأمواج وهي "تتكسّر" على الصخور أمامه .. طافت بذهنه في هذه اللحظة ذكرى ليست بالبعيدة .. قبل نحو عشر سنوات .. ذلك الحادث الذي راحت ضحيته أسرته الصغيرة .. زوجته وولديه .. ولم ينجُ من الحادث سواه .. تمتم أن "الحمد لله دائماً" .. "الحمد لله على قضاءه وقدره" .. " كلنا سائرون لهذا الطريق" .. "فقط هم كتب الله أن يسبقوني" .. ويسأل الله أن تكون اللقيا الأبدية في جنة عرضها السموات والأرض ..
لم يكن يفكّر في "تفاصيل" ذلك الحادث المأساوي .. فقد خَبَا "استرجاع" تلك التفاصيل مع "أَلَمها" منذ زمن .. فقط "ذكرى" الحادث و"فقد" الأحبة .. وكلما طاف به ذلك .. دعى لهم وأن يجمعه الله بهم مجدداً في جنته – جلّ شأنه - ..

* * *
وَقَفت تطعم الأسماك في حوضها الصغير .. كعادتها .. وتذكّرت معلومة قرأتها منذ زمن في إحدى الروايات .. أن للأسماك ذاكرة قصيرة الأَمَد .. بعض الأسماك لها ثلاث ثوانٍ فقط من أمد التذكّر (وهذا خاطئ في الحقيقة) .. "تذكّرت" كم تمنّت سابقاً أن تكون لها مثل هذه الذاكرة .. لتنسى ما كانت تعانيه يومياً من ذلك الزوج .. جسدياً ونفسياً .. كانت في "عذابٍ" لا تطيقه النساء .. شابة في مقتبل العمر ارتبطت بشابٍ اتضح فيما بعد أنه مدمنٌ وسئ السلوك .. كان يذيقها "ألوان" العذاب .. وجسدها – حتى وقت ليس بالبعيد – يشهد بعلامات ذلك .. أمها كانت ذلك الوقت طاعنة في السن، قبل أن تتوفى .. وأبوها مات قبل ذلك بزمن .. ولم يكن لها من أقرب الأقارب سوى خالة ليس لها من الأمر شئ .. وهكذا مكثت في هذا "العذاب" الأيام والليالي .. تدعو الله – جل شأنه – أن يرحمها من بطش ذلك الزوج .. وأن يعوضها خيراً في قابل الأيام .. صابرةً محتسبة ..
توفي الزوج بجرعة زائدة من المخدّر .. لم يثر ذلك في نفسها عظيم أثر .. فما عانته منه لا يعلمه إلا الله .. إلا أنها دَعَت له .. ووكّلت أمرها لخالقها .. تمر الأيام والشهور .. ويتقدّم لها شاب يشهد الكل له بالصلاح والخلق القويم .. ترتبط به .. وهو الآن أبو أطفالها .. "ذكريات" و"تفاصيل" ما مرّت به مع زوجها السابق كانت شقاءاً لا يعلم به إلا الله .. ومع هذا فقد "خَبَا" ذلك مع الزمن .. ولم تعد تلك "الذكريات" تثير في نفسها ما كانت تثيره سابقاً ..
تناهى إلى مسامعها دخول زوجها العائد بأطفالهم من المدرسة .. بصوت "صفيره" المألوف المحبّب كلما دخل ولم يجدها أمامه .. "أين الطيب ؟؟" قاصداً بذلك الشئ الطيب العذب(هي) .. ردّت مبتسمةً : يطعم الأسماك .. أتاها الجواب: يا لحظ هذه الأسماك !.. تورّدت وجنتيها بشئ من دماء الخجل .. وأسرعت لاستقبال زوجها وأطفالها .. في تلك "اللحظات" نسيت ما عاناه "وجهها" من أذى في السابق .. نسيته وكأنما مُحي بشكل تام !..

* * *
في غرفة الولادة .. مستلقيةً تنظر إلى الأعلى .. وتدعو الله أن ييسّر لها وضعها .. آلامٌ مبرحة تعانيها الآن .. ترتفع وتيرتها حيناً .. وتخبو قليلاً حيناً آخر .. تمر الثواني ثقالاً وكأنها دهور .. تزيد وتيرة الألم الآن بشكل مريع .. تحاول كتم صراخها .. إلا أن الألم رغماً عنها يُخرج صوتها مدوياً عالياً .. الولادة متعسّرة .. وقد بدأت بوادر نزيف يهدّد حياتها .. وحياة الجنين أيضاً باتت في خطر في هذه الحالة مع تعسّر خروجه وخطر اختناقه .. الممرضات في حالة مضطربة .. وهناك طبيبة واحدة فقط .. تتنقّل بقلق بين عدد من الأمهات في وضع الولادة .. الألم تتزايد وتيرته أكثر فأكثر .. وكان واضحاً أن هذه الأم بالذات (من بين الكل) تعاني حالة خطرة من تعسّر الولادة .. لم يسبق لا للممرضات أو الطبيبة أن عاينوا مثلها .. وباتت الدقائق القادمة حرجة .. أخيراً قدّر الله خروج الجنين .. ومع أن الألم كان "يعصر" أحشائها وسبيل خروج الجنين .. بشكل لا يطاق.. إلا أن الولادة ورؤية "وليدها" كانت إيذاناً بانتهاء المعاناة .. تم الأمر بسلامٍ .. مدّت يديها .. وتلقّفت وليدها من يد الطبيبة .. وضعته على صدرها .. حمدت خالقها.. وفاضت دموعها .. في هذه اللحظة مُحي كل أثر للآلام و"ذكريات" معاناتها التي كانت تعانيها قبل دقائق .. مُحيت وكأنما لم توجد أصلاً !..

* * *
"يتراوح" النسيان في البشر بين نمطين .. النسيان البسيط العارض لأشياء مألوفة .. كنسيان أين وضعت مفتاح السيارة أو المنزل .. نسيان بعض الأغراض من قائمة المشتريات من البقالة .. وهذا النوع من النسيان وجدت دلائل أنه يرتبط "بالتداخل" بين المعلومات المخزّنة .. وهذا النمط مسؤول عنه بدرجة كبيرة القشرة المحيطية Perirhinal cortex الواقعة تحت الحُصين.
والنمط الثاني نسيان الذكريات والخبرات .. ومع أن بعض تراكيب الدماغ (إجمالاً) تدعم هذه الذكريات والخبرات .. إلا أن جذور ذلك تقبع بالذات في الحُصين Hippocampus الذي يملك خاصية فريدة تتمثل في "بناء وتأسيس" المعلومات والخبرات الجديدة .. ومع ذلك فإن هذا البناء (كما يعتقد بعض العلماء) قد يعزّز (من جهة أخرى) من "محو" تفاصيل خبرات وذكريات معينة .. بالتدريج .. وهنا تكمن "نعمة" النسيان ..للذكريات الأليمة .. أو لخبرات وذكريات الطفولة .. تبدأ التفاصيل بالاضمحلال تدريجياً .. تاركةً ذكريات "عامة" بدون تفاصيل ..
ومع ذلك .. يبقى موضوع "النسيان" ، "والتذكّر" .. في جوهره وآليته المفصلة .. سراً من الأسرار .. لا أحد يعلم تماماً كيف "تبنى" الذكريات .. وكيف "تمحى" بالضبط .. فقط الخالق عز وجل هو من يعلم جوهر ذلك .. هو من "قدّر" و"خلق" ذلك ..
سبحانه .. كما ينبغي لجلاله وعظمته ..
طيّب الله أوقاتكم .. وأنساكم كل "مؤلمٍ" في حياتكم ..
في أمان العظيم .



نــــــــواف




بوزياد 06-05-2018 06:16 PM

هنيئاً لنا بشخصكم الكريم وبقلمكم الرقيق

طرحتم بإبداعات وليس بغريب عليكم الابداع

واصوا التميز فأنتم مميزين

سلمت يمنآكـ على مآحملتهـ لنآ
موضوع عآلي بذوقهـ ,, رفيع بشآنهـ
كلمآتـ كآنت ,, وسوف تزآل بآلقلبـ ,,
يــ ع ـطيكـ الــ ع ـآآفيهـ على مآطرحتي لنآآ يـآآلــ غ ـلآآآ ,,

ولاتحرمنامن جديدكـ ,,,, لآعدمتي ,,, ولآهنتي

ننتظر القادم بشوووق

دمتم بسعادة دائمة


تقييمي لكم على الجهود

الغنــــــد 06-05-2018 06:55 PM

يسعدك ربي

ما أجمل صفحاااتك وروعتها

طرح رااقي وممتع

سلمت أنااملك

يعطيك العااافيه

دلع 06-06-2018 12:01 AM

سلمت أنــآآملكـ ع الطرح الرائع.........

شموخ 06-06-2018 01:46 AM

يتراوح" النسيان في البشر بين نمطين .. النسيان البسيط العارض لأشياء مألوفة .. كنسيان أين وضعت مفتاح السيارة أو المنزل .. نسيان بعض الأغراض من قائمة المشتريات من البقالة ..
ياكثر ماتصير معي القشره عندي شكلها خربانه يبغالها تغيير
😂😂😂😂😂😂
فعلا الحمدلله على نعمة النسيان
كان توقفت حياتنا على حزن وفاه او جرح وخذلان احدهم
لاجديد نواف كعادتك مبددع استرسلت بالقصص ودمجتها مع الموضوع
سلم الفكر والقلم الملكي
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

نجم الجدي 06-06-2018 03:15 AM

القدر ونؤمن بالقدر
موووضووع رووعه تاملته يانواااف
فيه تااملاات عظيمه

إرتواء نبض 06-06-2018 08:51 AM

اقتطافة أنيقة
لاعدمنـآ هذا الجمال بالطرح..
بإنتظآرجديدك بكل شوق..
ودي وشذى الورد..

الوجه المليح 06-06-2018 09:35 PM

يعطيك العافية

غِنى 06-07-2018 03:47 AM

ونعمة النسيان نعمة يتمّنى الأغلبية امتلاكها
لكن بعض الذكريات و المواقف تأبى أن ننساها
تبقى بِنَا مهما حاولنا نسيانها تبقى عالقة ب ذاكرتنا
تبقى وتبقى ولن تزول
أمتعتنا ب حروفك الإبداعية ،
يظّل نواف الكاتب البارع المُمتع والمُذهل بكتاباته
ذات التأثير والفعالية ، ذات القيمة العظيمة ،


و سأظلُ
مترقّبة لـ جديدك

مجنون قصايد 06-07-2018 08:07 AM

ماشاء الله تبارك الرحمن
ذوق في اختيارك
وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه
‏لك كل
تقديري واحترامي
مجنون قصآيد


الساعة الآن 06:55 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية