منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[قصايد ليل للتربيهـ والتعليــم والاجتماعيات والتنمية البشرية]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=77389)

فزولهآ 05-03-2015 09:00 AM

عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)
 
عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)
انتهى عهد الولاة والأندلس في حالة من الفوضى والدمار، وتحديدًا في الفترة الثانية من عهد الولاة، وظن البعض أن الإسلام انتهى من الأندلس، ولكنَّ رحمة الله ظهرت بظهور رجلٍ أعاد للإسلام مكانته مرة ثانية، وذلك الرجل هو عبد الرحمن الداخل. ولكن من هو عبد الرحمن الداخل؟ ولماذا كان له كل هذه الشهرة؟
كان عبد الرحمن الداخل من الأمويين الذين فروا من بطش العباسيين، وقرر أن يذهب إلى الأندلس ليبدأ في تأسيس دولته، فراسل كل الأمويين ومحبي الدولة الأموية في كل مكان يعرض عليهم فكرته، وبدأ يستعد لدخول الأندلس، ولقد واجهت عبد الرحمن الداخل صعوبات في تأسيس دولته كأي دولة ناشئة، فتعرضت الدولة الأموية في الأندلس في عهد عبد الرحمن الداخل لعدد كبير منالثورات، تزيد على خمس وعشرين ثورة تغلّب عليها جميعه.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل يجوز لعبد الرحمن الدَّاخِل أن يقاتل الثائرين، وإن كانوا من المسلمين؟!
وحقيقة الأمر أن موقفه هذا في قتال الثائرين داخل أرض الأندلس لا غبار عليه؛ لأن الجميع كانوا قد اتفقوا عليه أميرًا للبلاد، وقد جاءفي صحيح مسلم عن عَرْفَجَةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ -أي مجتمع -عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ).
ومن الثورات التي واجهت عبد الرحمن الداخل ثورة العلاء بن مغيث الحضرمي الذي أرسله الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور كي يقتل عبد الرحمن بن معاوية، لكن عبد الرحمن الداخل انتصر عليه، ومن هنا سماه الخليفة العباسي صقر قريش، وكانت هذه الحروب بين العباسيين والأمويين بسبب قيام العباسيين بقتل الأمويين في بداية تأسيس الخلافة العباسية، وكان من المفترض أن يقوم العباسيون بالاستفادة من الأمويين في خدمة الإسلام بدلاً من القيام بقتلهم، وإحداث الفرقة بين صفوف المسلمين.
ولكن ما سبب نجاح عبد الرحمن الداخل في بناء دولته؟ يرجع السبب في ذلك إلى الاهتمام بإنشاء جيش قوي لكي يكون قادرًا على الجهاد، والاهتمام بالعلم والعلماء، والاهتمام بالحضارة المادية، وفكره العسكري الذي تعلمه، إضافة إلى أخلاقه العالية؛ ولذلك قال عنه المؤرخون: "لولا عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل لانتهى الإسلام من الأندلس بالكلية". وقد عاش حياته كلها مجاهدًا، وتُوُفِّي بقرطبة، ودفن بها في جمادى الأولىسنة 172هـ/ أكتوبر 788م.
أصبح أمر الأندلس يحتاج في إصلاحه إلى معجزة إلهية، وبالفعل حدثت المعجزة بفضل من الله ومَنٍّ وكرمٍ منه على المسلمين، وذلك بدخول رجل يدعى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي إلى أرض الأندلس، وذلك في شهر ذي الحجة من سنة 138 هـ= مايو 756 م.
قصة عبد الرحمن الداخل (113- 172هـ)
لكي نفهم قصة دخول عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك إلى أرض الأندلس، نعود إلى الوراء قليلًا حتى سنة 132 هـ= 750م وهو زمن سقوط بني أمية، فقد أعمل العباسيون السيوف قتلًا وتنكيلًا لكل من كان مؤهلًا من الأمويين لتولّي الخلافة، فقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء وأبناء أبناء الأمراء (الأحفاد) إلا قلّة ممن لم تصل إليهم سيوفُهم.
كان عبد الرحمن بن معاوية حفيدَ هشام بن عبد الملك الذي حكم من سنة 105 هـ= 723م إلى سنة 125 هـ= 743 م
نشأ عبد الرحمن في بيت الخلافة الأموي، وكان الفاتح الكبير مسلمة بن عبد الملك عم أبيه يرى فيه أهلا للولاية والحكم وموضعًا للنجابة والذكاء، وسمع عبد الرحمن ذلك منه مشافهة، مما أثّر في نفسه أثرًا إيجابياً، ظهرت ثماره فيما بعد، حتى إذا أقبل ريعان شبابه انقلب العباسيون على الأمويين، وأعملوا فيهم السيف، وقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء بل وأحفادهم، وكل من توقعوا أن يكون أهلا للإمارة حتى لا يفكر فيها أحد، ولا يسلبها منهم أحد، فكانوا يقتلون كل من بلغ من البيت الأموي، ولا يقتلون النساء والأطفال، وكان هذا في سنة 132 هـ، وفي العراق كان عبد الرحمن بن معاوية يجلس في بيته إذ دخل عليه ابنه ابن الأربع سنين يبكي فزعًا، وكان عبد الرحمن بن معاوية مريضا معتزلًا في الظلام في ركن من البيت من أثر رمد في عينه، فأخذ يسكّن الطفل بما يسكن به الأطفال إلا أن الطفل ظلّ فزعًا مرعوبًا لم يسكن، فقام معه عبد الرحمن بن معاوية فوجد الرايات السود خارج البيت (رايات الدولة العباسية)، وكانت تعمّ القرية جميعها، فعلم أنّه مطلوب، رجع عبد الرحمن بن معاوية وأخذ أخاه الوليد بن معاوية وما معه من نقود، وترك النساء والأطفال وكل شيء؛ لأن العباسيين لم يكونوا يقتلون النساء ولا الأطفال، ولكنهم كانوا يقتلون كل من بلغ وكان مؤهلًا للخلافة، ثم خرج عبد الرحمن هاربًا نحو الفرات، وعند الفرات وجد عبد الرحمن بن معاوية وأخوه القوات العباسية تحاصر النهر، فألقيا بأنفسهما فيه وأخذا يسبحان، ومن بعيد ناداهما العباسيون أن ارجعا ولكما الأمان، حينها كان الوليد بن معاوية أخو عبد الرحمن بن معاوية قد أُجهد من السباحة، فأراد أن يعود، فناداه أخوه الأكبر أن لا تعد يا أخي وإلا فإنهم سوف يقتلونك، فردّ عليه إنهم قد أعطونا الأمان، ثم عاد راجعًا إليهم، فما أن أمسك به العباسيون حتى أن قتلوه أمام عين أخيه، عَبَر عبد الرحمن بن معاوية النهر وهو لا يستطيع أن يتكلم أو يفكر من شدة الحزن على أخيه ابن الثالثة عشرة، ثم يَمّم جهة بلاد المغرب لأن أمّه كانت من قبيلة من قبائل البربر، فهرب إلى أخواله هناك، في قصة هروب طويلة جدًا وعجيبة أيضًا عبر فيها الحجاز ومصر وليبيا والقيروان...
وصل عبد الرحمن بن معاوية إلى القيروان وعمره تسع عشرة سنة فقط، وهناك وجد ثورة كبيرة للخوارج في الشمال الأفريقي كلّه وعلى رأسها عبد الرحمن بن حبيب، وكان قد استقلّ بالشمال الإفريقي عن الدولة العباسية، ولأنه كانت هناك كراهية شديدة جدًا بين الخوارج والأمويين (حيث إن الخوارج لم يرضوا ارتضاء سيدنا علي رضي الله عنه بتحكيم كتاب الله بينه وبين معاوية بن أبي سفيان الأموي رضي الله عنه في موقعة صفين، ومن ثَمّ فقد خرجوا عليه وسُمُّوا من بعدها بالخوارج، ومن حينها وهم يبغضون الأمويين) فقد كان عبد الرحمن بن حبيب يسعى هو الآخر للقضاء على عبد الرحمن بن معاوية حين علم بأمره، فحين قدم عبد الرحمن بن معاوية إلى القيروان اجتمع عليه الخوارج وكادوا أن يقتلوه، فهرب من جديد إلى برقه (في ليبيا)، وظل مختبئًا فيها عند بعض أخواله هناك طيلة أربع سنوات كاملة، حتى سنة 136 هـ= 754 م وكان قد بلغ من العمر ثلاث وعشرين سنة، وظل عبد الرحمن بن معاوية يفكر في أمره، أيظهر فيُقتل أم يظل مختبئا طوال العمر؟! ففي أي قطر من بلاد المسلمين هو مطلوب الرأس، ففي الشام في بلاد المشرق الإسلامي مطلوب من العباسيين، وفي الشمال الإفريقي في بلاد المغرب الإسلامي مطلوب من الخوارج، فهل يظل مختبئًا طوال حياته وهو سليل الأمراء والخلفاء؟! أو هل يظل مختبئًا في مكانه والأمويون في كل مكان يُقتلون ويُذَبحون؟! أم يحاول أن يقيم للأمويين مجدًا من جديد؟!
وهنا جال بخاطره أن يذهب إلى الأندلس، وقد كانت الأندلس أصلح البلدان لاستقباله وذلك لأنها أولًا: أبعد الأماكن عن العباسيين والخوارج، ثانيًا: لأن الوضع في الأندلس ملتهب جدًا، وذلك على نحو ما ذكرنا في عهد يوسف بن عبد الرحمن الفهري وفي نهاية الفترة الثانية من عهد الولاة؛ ففي هذا الجوّ يستطيع عبد الرحمن بن معاوية أن يدخل هذه البلاد؛ ولو كانت تابعة للخلافة العباسية ما استطاع أن يدخلها، كما أنها لو كانت على فكر الخوارج ما استطاع أيضا أن يدخلها؛ فكانت الأندلس أنسب البلاد له على وعورتها واحتدام الثورات فيها.
عبد الرحمن بن معاوية ودخول الأندلس
في سنة سنة 136 هـ= 753 م بدأ عبد الرحمن بن معاوية يعدّ العدة لدخول الأندلس، فعمل على الآتي:
أولًا: أرسل مولاه بدر إلى الأندلس لدراسة الموقف، ومعرفة القوى المؤثرة في الحكم فيها.
ثانيًا: راسل كل محبي الدولة الأموية في أرض الأندلس بعد أن علِمَهم من مولاه بدر، والحق أن كثيرًا من الناس في عهد الدولة الأموية وفي غيرها كانوا يحبون الأمويين كثيرًا، فمنذ ولاية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على الشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمسلمون في أقطار الدولة الإسلامية يحبون بني أمية حبًا شديدًا، فقد اشتهر بنو أمية على مرّ العصور بالسخاء الشديد والسياسة والحكمة، واكتساب ثقة الناس وحسن معاملتهم، والجهاد في سبيل الله ونشر الدين وفتح البلاد، فكان لبني أمية داخل بلاد الأندلس الكثير من المريدين والكثير من المحبين حتى من غير بني أمية من القبائل الأخرى المختلفة.
ثالثًا: في ذكاءٍ شديد وحرصٍ أشدّ راسل عبد الرحمن بن معاوية البربر، يطلب معونتهم ومساعدتهم، وكانوا في ذلك الوقت على خلاف شديدٍِ جدًا مع يوسف بن عبد الرحمن الفهري؛ لأنه فرّق بينهم وبين العرب، فهم يريدون أن يتخلّصوا من حكم يوسف بن عبد الرحمن الفهري الذي عاملهم بهذه العنصرية.
رابعًا: راسل كل الأمويين في كل الأماكن التي هربوا إليها يعرض عليهم فكرته، وأنه يعزم على دخول الأندلس ويطلب معونتهم ومددهم.
وبالفعل بدأ في تجميع الأعوان، واستغرق ذلك عامين حتى قدم عليه رسول من عند مولاه بدر سنة 138هـ= 755 م يقول له إن الوضع قد تجهّز لاستقبالك هناك، وحينما سأله عن اسمه فقال: غالب التميمي، فردّ مؤملا مستبشرًا بهذا الاسم: الحمد لله، غلبنا وتم أمرنا. وبدأ يعدّ العدّة ويجهّز السفينة التي أخذته منفردًا إلى بلاد الأندلس.
عبد الرحمن الداخل في الأندلس
نزل عبد الرحمن بن معاوية رحمه الله على ساحل الأندلس بمفرده، واستقبله هناك مولاه بدر، ثم انطلق معه إلى "قرطبة"، كان يحكم الأندلس في ذلك الوقت يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وكالعادة كان في الشمال يقمع ثورة من الثورات، ذلك الوقت الذي قال عنه المؤرخون - كما ذكرنا -: كاد الإسلام أن ينتهي من بلاد الأندلس في عام ثمانية وثلاثين ومائة.
ويدخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس ويبدأ في تجميع الناس من حوله، محبّي الدولة الأموية، والبربر، وبعض القبائل المعارضة ليوسف بن عبد الرحمن الفهري، وقد جاء بعض الأمويين من بقاع الأرض المختلفة، ومع ذلك لم يجد العدد كافيًا والذي يستطيع به أن يغيّر من الأوضاع.
فكّر عبد الرحمن بن معاوية في اليمنيين الذين كانوا على خلاف مع يوسف بن عبد الرحمن الفهري الحجازي رغم كونه أيضًا من الحجاز، لكنهم رأوا أنهم ليس لهم طاقة بيوسف بن عبد الرحمن الفهري، فقبلوا أن يتّحدوا مع عبد الرحمن بن معاوية.
كان على رأس اليمنيين في ذلك الوقت أبو الصباح اليحصبي، وكان المقرّ الرئيسي لهم أشبيلية، وهي المدينة الكبيرة التي تعدّ حاضرة من حواضر الإسلام في ذلك الوقت، فذهب عبد الرحمن بن معاوية بنفسه إلى إشبيلية واجتمع طويلًا مع أبي الصباح اليحصبي، واتفقا على أن يقاتلا سويًا ضد يوسف بن عبد الرحمن الفهري.
قبل القتال كان عبد الرحمن بن معاوية قد أرسل عدة رسائل إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري يطلب ودّه وأن يسلم له الإمارة ويكون الفهري رجلًا من رجاله في بلاد الأندلس، بحكم أنه (عبد الرحمن) حفيد هشام بن عبد الملك من رموز الخلافة الأموية، لكن يوسف الفهري رفض كل ذلك، وجهز جيشًا وجاء ليحارب عبد الرحمن بن معاوية ومن معه.
موقعة المسَارة
من المؤسف حقًا أن يلتقي المسلمون بسيوفهم، لكن كثرة الثورات وكثرة الفتن والانقلابات جعلت الحلّ العسكري هو الحلّ الحتمي في ذلك الوقت.
ففي ذي الحجّة سنة 138 هـ= مايو 756 م وفي موقعة كبيرة عُرفت في التاريخ باسم موقعة المسارة أو المصارة، دار قتال شرس بين يوسف بن عبد الرحمن الفهري من جهة وعبد الرحمن بن معاوية الذي يعتمد بالأساس على اليمنيين من جهة أخرى.
وقبل القتال كان أبو الصباح اليحصبي (رئيس اليمنيين) قد سمع بعض المقولات من اليمنيين تقول: إن عبد الرحمن بن معاوية غريب عن البلاد، ثم إن معه فرس عظيم أشهب، فإن حدثت هزيمة فسيهرب من ساحة القتال ويتركنا وحدنا للفهريين.
وصلت عبد الرحمن بن معاوية تلك المقولة، فقام وفي ذكاءٍ شديد يفوق سن الخامسة والعشرين وذهب بنفسه إلى أبي الصباح اليحصبي وقال له: إن جوادي هذا سريع الحركة ولا يمكّنني من الرمي، فإن أردت أن تأخذه وتعطيَني بغلتك فعلت، فأعطاه الجواد السريع وأخذ منه البغلة يقاتل عليها، حينئذ قال اليمنيون: إن هذا ليس بمسلك رجل يريد الهرب، إنما هو مسلك من يريد الموت في ساحة المعركة، فبقوا معه وقاتلوا قتالًا شديدًا، ودارت معركة قوية جدًا، انتصر فيها عبد الرحمن بن معاوية، وفَرّ يوسف الفهري.
عبد الرحمن الداخل وأمارات نجابة وعلم وذكاء
كان عادة المحاربين في ذلك الزمن أن يتبع الجيشُ المنتصرُ فلول المنهزمين والفارّين، ليقتلوهم ويقضوا عليهم، ومن ثَمّ على ثورتهم، وحين بدأ اليمنيون يجهّزون أنفسَهم ليتتبعوا جيش يوسف الفهري منعهم عبد الرحمن بن معاوية وقال لهم قولةً ظلّت تتردد في أصداء التاريخ، أمارةً على علم ونبوغ، وفهم صحيح وفكر صائب في تقدير الأمور، قال لهم:
لا تتّبعوهم، اتركوهم، لا تستأصلوا شأفة أعداء ترجون صداقتهم، واستبقوهم لأشد عداوة منهم.
يريد رحمه الله أن هؤلاء الذين يقاتلوننا اليوم سيصبحون غدًا من جنودنا، ومن ثَمّ عونًا على أعدائنا من النصارى وغيرهم في ليون وفرنسا وغيرها. فهكذا رحمه الله كان ذو نظرة واسعة جدًا تشمل كل بلاد الأندلس، بل تشمل كل أوروبا، بل إني أراه بذلك التفكير يستطيع أن يعيد ملك الشام بعد ذلك أيضًا إلى أملاك الأمويين، وذلك لما يلي:
أولًا: ليس في قلبه غلّ ولا حقد على من كان حريصًا على قتله منذ ساعاتٍ قليلة.
ثانيا: الفهم العميق للعدو الحقيقي وهو النصارى في الشمال.
ثالثا: رغم كونه لم يتجاوز الخامسة والعشرين إلا إنه كان يمتلك فهمًا واعيًا وإدراكًا صحيحًا، وفقهًا وعلمًا وسعة اطلاع، علم به أنه إن جاز له شرعًا أن يقاتلهم لتجميع المسلمين حول راية واحدة، فهو في ذات الوقت لا يجوز له شرعًا أن يتتبعهم، أو أن يقتل الفارّين منهم، ولا أن يُجْهِزَ على جريحهم، ولا أن يقتل أسيرهم، لأن حكمهم حكم الباغين في الإسلام وليس حكم المشركين، وحكم الباغي في الإسلام أنه لا يتتبع الفارّ منهم، ولا يُقتل أسيره، ولا يجهز على جريحه، بل ولا تؤخذ منه الغنائم.
بين عبد الرحمن الداخل وأبي الصباح اليحصبي
بعد انتهاء موقعة المسارة قام أبو الصباح اليحصبي في اليمنيين وقال لهم: لقد انتصرنا على عبد الرحمن الفهري وجاء وقت النصر على غيره، يُعرّض بعبد الرحمن بن معاوية، هذا الذي كان يقاتل معه منذ ساعات، ويرى أنه إن انتصر عليه وقتله (عبد الرحمن الداخل)دانت لهم بلاد الأندلس كلها.
لكن اليمنيين لم يوافقوه على ذلك؛ ليس حبًا في عبد الرحمن الداخل وإنما خوفًا منه، فقالوا له: إن هذا الرجل ليس بالسهل. وتصل هذه الأنباء إلى عبد الرحمن بن معاوية، فما كان منه إلا أن أسرّها في نفسه، ولم يُبْدها لهم، ولم يُعلمهم أنه يعلم بما يضمرونه له، لكنه أصبح على حذرٍ شديدٍ من أبي الصباح اليحصبي.
لم يرد عبد الرحمن بن معاوية أن يحدث خللًا في الصفّ المسلم في هذه الأوقات، لم يرد أن يحدث خللًا بين الأمويين ومحبي الدولة الأموية وبين اليمنيين في ذلك الوقت المليء بالثورات والمعارك الداخلية، إنما كان كل همّه هو تجميع الناس ثم حرب النصارى بعد ذلك، وبالفعل وهناك وبعد إحدى عشرة سنة من هذه الأحداث عزل أبا الصباح اليحصبي عن مكانه، واستطاع أن يتملك زمام الأمور كلها في الأندلس.
عبد الرحمن الداخل وبداية فترة الإمارة الأموية
بعد موقعة المسارة والسيطرة على منطقة قرطبة والجنوب الأندلسي لُقّب عبد الرحمن بن معاوية بعبد الرحمن الداخل؛ لأنه أول من دخل من بني أمية قرطبة حاكمًا، كما كان له كثير من الأيادي البيضاء على الإسلام في بلاد الأندلس كما سنرى.
ومنذ أن تولّى عبد الرحمن الداخل الأمور في بلاد الأندلس عُرفت هذه الفترة بفترة الإمارة الأموية، وتبدأ من سنة 138هـ= 755 م وتنتهي سنة 316 هـ 928 م وسميت "إمارة" لأنها أصبحت منفصلة عن الخلافة الإسلامية، سواء كانت في عصر الخلافة العباسية أو ما تلاها بعد ذلك من العصور إلى آخر عهود الأندلس.
بدأ عبد الرحمن الداخل ينظّم الأمور في بلاد الأندلس، كانت هناك ثورات كثيرة جدًا في كل مكان من أرض الأندلس، وبصبر شديد وأناة عجيبة أخذ عبد الرحمن الداخل يروّض هذه الثورات الواحدة تلو الأخرى، وبحسب ما يتوافق معها أخذ يستميل بعضها ويحارب الأخرى.
وفي فترة حكمه التي امتدت أربعة وثلاثين عامًا متصلة، من سنة 138هـ= 755 م وحتى سنة 172 هـ= 788 م كانت قد قامت عليه أكثر من خمس وعشرين ثورة، وهو يقمعها بنجاح عجيبٍ الواحدة تلو الأخرى، ثم تركها وهي في فترة من أقوى فترات الأندلس في التاريخ بصفة عامة.
مجمل الثورات التي كانت ضد عبد الرحمن الداخل
تعرضت الدولة الأموية في الأندلس في عهد عبد الرحمن الداخل لعدد كبير من الثورات، تزيد على خمس وعشرين ثورة تغلّب عليها جميعها، ومن هذه الثورات:
ثورة القاسم بن يوسف بن عبد الرحمن الفهري ورزق بن النعمان الغساني سنة 143 هـ 760 م
يوسف بن عبد الرحمن الفهري سنة 143 هـ 760 م
ثورة هشام بن عروة الفهري سنة 144 هـ 761 م
ثورات تتابعت عليه من سنة 144 هـ حتى 146هـ
ثورة العلاء بن مغيث اليحصبي سنة 146 هـ 763 م
ثورة سعيد اليحصبي اليماني سنة 149 هـ 766 م
ثورة أبي الصباح حيّ بن يحيى اليحصبي سنة 149 هـ 766 م
ثورة البربر في الأندلس بزعامة شقيا بن عبد الواحد المكناسي سنة 151 هـ 768 م
ثورة اليمانية في إشبيلية بزعامة عبد الغافر اليحصبي وحيوة بن ملامس الحضرمي سنة 156 هـ 773 م
ثورة سليمان بن يقظان في برشلونة سنة 157 هـ 774 م
ثورة عبد الرحمن بن حبيب الفهري سنة 161 هـ 777 م
ثورة الحسين بن يحيى الأنصاري سنة 166 هـ 782 م
ثورة محمد بن يوسف الفهري سنة 168 هـ 784 م
ثورة بربر نفزة سنة 170 هـ 786 م
وثورات أخرى كثيرة قامت ضده، لكنه ما لبث أن أخمدها كلها وقضى عليها...
صقر قريش وثورة العباسيين
كانت هناك واحدة فقط من هذه الثورات الخمس والعشرين هي التي سنقف عندها؛ وذلك لأهميتها الشديدة في فهم هذا الانفصال الذي حدث للأندلس عن الخلافة العباسية، وهذه الثورة حدثت في سنة 146 هـ= 763 م، أي بعد حوالي ثمان سنوات من تولي عبد الرحمن الداخل حكم الأندلس، وقام بها رجل يُدعى العلاء بن مغيث الحضرمي.
كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (وهو الخليفة العباسي الثاني أو المؤسس الحقيقي للخلافة العباسية بعد أبي العباس السفاح) قد راسل العلاء بن مغيث الحضرمي كي يقتل عبد الرحمن بن معاوية، ومن ثم يضم الأندلس إلى أملاك الخلافة العباسية.
وبالنسبة لأبي جعفر المنصور فهذا يعدّ أمرًا طبيعيًا بالنسبة له؛ إذ يريد ضم بلاد الأندلس - وهي البلد الوحيد المنشق من بلاد المسلمين - إلى حظيرة الخلافة العباسية الكبيرة، فجاء العلاء بن مغيث الحضرمي من بلاد المغرب العربي وعبر بلاد الأندلس، ثم قام بثورة ينادي فيها بدعوة العباسيين، ويرفع الراية السوداء التي أرسلها له الخليفة أبو جعفر المنصور.
لم يتوان عبد الرحمن الداخل، فقامت لذلك حرب كبيرة جدًا بين العلاء بن مغيث الحضرمي وعبد الرحمن بن معاوية، وكعادته في قمع الثورات انتصر عليه عبد الرحمن بن معاوية، ووصلت الأنباء إلى أبي جعفر المنصور، وكان في الحج بأن عبد الرحمن الداخل قد هزم جيش العلاء الحضرمي هزيمة منكرة، وأن العلاء بن مغيث الحضرمي قد قُتل.
وهنا قال أبو جعفر المنصور: قَتْلَنَا هذا البائس - يعني العلاء بن مغيث الحضرمي - يريد أنه قتله بتكليفه إياه بحرب عبد الرحمن بن معاوية، ثم قال: ما لنا في هذا الفتى من مطمع (يعني عبد الرحمن بن معاوية)، الحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر.
ومنذ هذه اللحظة والدولة العباسية لم تفكر لحظةً واحدة في استعادة بلاد الأندلس، بل إن أبا جعفر المنصور الخليفة العباسي هو الذي سمّى عبد الرحمن بن معاوية بصقر قريش وهو اللقب الذي اشتهر به بعد ذلك، فقد كان أبو جعفر المنصور جالسًا مع أصحابه فسألهم: أتدرون من هو صقر قريش؟
فقالوا له كعادة البطانة السوء: بالتأكيد هو أنت ... فقال لهم: لا.
فعدّدوا له أسماء حتى ذكروا له معاوية وعبد الملك بن مروان من بني أمية
فقال أيضا: لا. ثم أجابهم قائلا: بل هو عبد الرحمن بن معاوية، دخل الأندلس منفردًا بنفسه، مؤيّدًا برأيه، مستصحبًا لعزمه، يعبر القفر ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصّر الأمصار وجنّد الأجناد، وأقام ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة عزمه. وهكذا كان أبو جعفر المنصور العباسي معجبًا جدًا بعبد الرحمن بن معاوية، وهو ما يمكن أن نسميه إعجاب اضطرار، أو هو إعجاب فرض نفسه عليه.

إرتواء نبض 05-03-2015 09:11 AM

طرح رآقي گ روحـگ
لآعدمنا جمآل ذآئقتگ
وبآنتظار جديد آبداعكگ دائمآ
ودي لگ

http://www.design-warez.ru/uploads/p...n62xldrmj1.gif

مْلكَة زمْانــْے 05-03-2015 01:15 PM

يسلموااااااااااااا ع الانتقاء و الطرح الراااااااقى و ع المعلومات القيمة
مجهود ... أكثر من مميز ... و أكثر من راااااااااائع
شكـ و جزاااااااكم الله كل خير ــراً ... بوركت
أنتظر كل جديد لديكم بلهفة و شوق
و عسااااااااكم ع القوة
http://img684.imageshack.us/img684/2598/f1d1km.gif

متمرده 05-03-2015 01:16 PM

روعه موضوع رائع ومميز
عاشت الايادي دوم التالق
تحياتي
http://img.5jle.com/uploadcenter/upl...1386761153.gif

هدوء 05-03-2015 05:10 PM

::




لِـ رُوحك غِناءْ الَـ زهُورْ على هذا الجَمالْ
إِنحَناءةْ حَرفْ
::

عازفة القيثار 05-03-2015 07:57 PM

طرح جـميل وراقـي .. !!
دام التألق... ودام عطاء نبضك
كل الشكر لهذا الإبداع,والتميز
لك مني كل التقدير ...!!

نبضها حربي 05-03-2015 09:34 PM

الله يعطيك العـــــآآفية
طرح الاكثر من رائع ’،
ربي يحفظك و يرعاك
ودي مع تحيااااتي لك

معآند الجرح 05-03-2015 10:42 PM

الله يعافيك

طرح راائع

لاعدمناك
.,

جنــــون 05-04-2015 12:15 AM

جلب جميل
وأسعدني محتوى الموضوع
لأن فيه فائدة

أحب اشكرك على هذا الجهد



فائق :
احترامي وتقديري

http://www.rjeem.com/Gtool/love/image/16400000.gif


اختك
جنون ( نبض قصايدليل )


http://files.maas1.com/images_cache/...151524sG59.gifhttp://files.maas1.com/images_cache/...151524sG59.gifhttp://files.maas1.com/images_cache/...151524sG59.gifhttp://files.maas1.com/images_cache/...151524sG59.gifhttp://files.maas1.com/images_cache/...151524sG59.gif

عـــودالليل 05-05-2015 12:43 AM

قيمه جدا راقيه في هذا الطرح
وهذا ان دل فإنما يدل
على ذائقة عالية المستوى
للأمانة

موضوع
يستحق المتابعه والتمعن فيه جيدآ
لكونه
يحمل كل مزايا الابداع والفائده والتألق
ويجلب القرآء سواء من داخل الموقع اوخارجه
وهذا مانبحث عنه
من جوهر فريد يعم الفائدة

استمتعت من خلال مروري وقرائتي له
اتمنى المزيد من العطاء والتألق
فذلك يسعدني ويسعد الجميع
من متابعيك


الف شكر لك

اخوك
محمدالحريري
http://img.el-wlid.com/imgcache/282050.gifhttp://img.el-wlid.com/imgcache/282050.gif


الساعة الآن 04:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية