منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[دواويــن الشعــراء والشاعرات المقرؤهـ المسموعهــ]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=37)
-   -   ديوان الشاعر ... خليل حاوي (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=41724)

جنــــون 07-19-2011 02:27 AM

ديوان الشاعر ... خليل حاوي
 
شاعر من لبنان

ولد في عام 1919 في الشوير في لبنان وتوفي عام 1982

عن حياته

درس في المدارس المحلية حتى سن الثانية عشرة حين مرض والده فاضطر إلى احتراف مهنة البناء ورصف الطرق، وخلال فترة عمله عاملاً للبناء والرصف كان كثير القراءة والكتابة ونَظَم الشعر الموزون والحرّ بالفصحى والعامية.
علَّم حاوي نفسه اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية حتى تمكن من دخول المدرسة ثم الجامعة الأمريكية في بيروت التي تخرج منها بتفوق مكنه من الحصول على منحة للالتحاق بجامعة كامبردج البريطانية فنال منها شهادة الدكتوراه. وعاد بعدها إلى لبنان ليعمل أستاذا في الجامعة التي تخرج فيها واستمر في هذا العمل حتى وفاته.
ومنذ بداياته ، بدا شعر خليل حاوي وكأنه قد (أدخل رعشة جديدة على الشعر)العربي ، كما قال فكتور هيغو عن شعر بودلير.
فقد ابتعد حاوي عن ارتياد الموضوعات الوصفية والمعاني والصور المستهلكة في شعره واستضاء دربه الشعري بثقافته الفلسفية والأدبية والنقدية وجعل النفس والكون والطبيعة والحياة موضوعَ شعره.

كانت الرموز قوام شعره ، وهي رموز حسية ونفسية وأسطورية وثقافية. كما عرف شعره الرموز المشهدية التي ضمت في قلبها رموزًا متعددة ومتوالدة.
ومع دخول القوات الاسرائيلية إلى بيروت لم يتحمل الشاعر خليل حاوي ما رآه فأطلق النار على راسه في منزله في شارع الحمرا في بيروت فتوفي منتحراً.

وبعد نشرت سيرته الذاتية بعنوان رسائل الحب والحياة وذلك بعام 1987.

من دواوينه

نهر الرماد عام1957
الناي والريح عام 1961
بيادر الجوع عام 1965
ديوان خليل حاوي عام 1972
الرعد الجريح عام 1979
من جحيم الكوميديا عام 1979

جنــــون 07-19-2011 02:27 AM

أرض الوطن


أَغمضتَ عينيكَ عَلى رَمَادْ
أَغمضتَ عينيكَ عَلى سَوَادْ

* * *

تغُورُ في أَرضٍ بِلا سريرهْ
غُصَّاتُكَ المريرهْ

جنــــون 07-19-2011 02:27 AM

أنتِ ..



أَنتِ يا فرخَ الحَمامْ
أَنتِ يا زهرَ الغَمامْ
وغَمامَ الزهرِ في
ضَوءِ القمرْ
حِينَ ينهلُّ
عَلَى صحوِ السَّحَرْ

* * *

أَنتِ يا مَنْ تَغْسلُ الدُّنْيا
رُؤَاهَا
وكَفَاهَا
ظِلُّهَا الرَّيّانُ
عَنْ وَهْجِ الدَّرَارِي
أَنتِ يا مَنْ لا تُدَارِي
لا تُضَامْ
لا تُدَانيهَا
كوابيسُ الظَّلاَمْ
والضَّوَارِي
تَرتَوي في ظلِّهَا الريَّانِ
مِنْ طِيبِ الصِّيَامْ

جنــــون 07-19-2011 02:27 AM

الجروح السود


خليتُها تَروحْ
وانهارَ قلبي رُمةً
جنازَةً خرساءَ لا تنوحْ
تطلُّ من رسم على الجدارْ
ضحكةُ عينيها.. وعبر الدرب والغبارْ
اِمرَآةٌ تُخفي بكفٍّ عينها
المزرقةَ الرهيبَهْ
تعيا بثقل الشمس والحقيبَهْ
تمضي إلى محطة القطارْ
مرارةٌ وعارْ
تفلٌ بلا طعمٍ
بقايا الحب، تفلُ الحقد في القرارْ.
وكيفَ أصبحْنا عدوَّينِ
وجسمٌ واحدٌ يضمُّنا، نفاقْ
كلٌّ يعاني سجنَهُ، جحيمَهُ
في غمرة العناقْ
لو كان فينا جمرةٌ خضرا
لثارَتْ واستَحالتْ خنجرًا يصيحْ
من لَهَبٍ أخْضرَ في الجروحْ
تُفتِّقُ البلسمَ والريحانَ والظلالْ،
كانت جروحٌ.. عاصفٌ وزالْ.
خلَّيتُها تروحْ،
جنازةٌ خرساءُ لا تنوحْ،
حمَّى جروحٍ
ودمٌ يَسْودُّ في الجُروحْ

جنــــون 07-19-2011 02:28 AM

الجسر


وكفاني أَنَّ لي أطفالَ أترابي
ولي في حُبِّهم خمرٌ وزادْ
مِن حصادِ الحَقلِ عندي ما كفاني
وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ،
أنَّ لي عيدًا وعيدْ
كُلَّما ضَوَّأَ في القَريةِ مصباحٌ جديدْ،
غَيرَ أَنِّي ما حملتُ الحب للموتى
طيوبًا, ذهبًا، خمرًا، كنوزْ
طفلُهُم يُولدُ خفَّاشًا عجوزْ
أينَ مَنْ يُفني ويُحيي ويُعيدْ
يتولَّى خَلْقَه طفلاً جديدْ
غَسْلَهُ بالزيتِ والكبريت
مِن نَتنِ الصديدْ
أينَ مَن يُفْني ويُحيي ويُعيد
يَتَولّى خَلْقَ فرخ النسرِ
مِن نَسلِ العَبيدْ
أنكَرَ الطفلُ أباهُ، أُمَّهُ
ليسَ فيه منهُما شبْهٌ بَعيدْ
ما لَهُ يَنْشَقُّ فينا البَيْتُ بَيْتَينِ
وَيَجري البَحرُ ما بَيْنَ جديدٍ وعتيقْ
صرخةٌ، تقطيعُ أرحامٍ،
وتَمزيقُ عُروقْ،
كَيفَ نَبقي تحتَ سَقفٍ واحدٍ
وبحارٌ بيننا.. سورٌ..
وصَحراءُ رمادٍ باردِ
وجليدْ.
ومتى نطفرُ مِن قبوٍ وسجْنِ
ومتى، ربَّاهُ، نشتدُّ ونبني
بِيَدينا بَيتنا الحُرَّ الجَديدْ
يَعبرونَ الجِسرَ في الصبحِ خفافًا
أَضلُعي امتَدَّتْ لَهُم جِسْرًا وطيدْ
مِن كُهوفِ الشرقِ، مِن مُستنْقعِ الشَرقِ
إِلى الشَّرقِ الجديدْ
أَضْلُعي امْتَدَّتْ لَهُم جِسرًا وطيدْ
"سوفَ يَمضونَ وتَبْقى"
"صَنَمًا خلَّفَهُ الكهَّانُ للريحِ"
"التي تُوسِعُهُ جَلْدًا وَحرْقًا"
"فارغَ الكَفَّيْنِ، مصلوبًا، وحيدْ"
"في ليالى الثَّلْجِ والأفقُ رمادٌ"
"ورمادُ النارِ، والخبز رمادْ"
"جامِدَ الدَّمْعَةِ في لَيْلِ السهادْ"
"ويوافيكَ مع الصبحِ البريدْ:"
".. صَفحَةُ الأخبارِ.. كم تجترّ ما فيها"
"تُفَلِّيها.. تُعيدْ..!"
"سوفَ يَمضونَ وتبقى"
"فارغَ الكَفَّيْن، مصلوبًا، وحيدْ".

* * *

اِخرسي يا بُومةً تقرعُ صدري
بومةُ التاريخِ مِنِّي ما تُريدْ؟
في صَناديقي كُنوزٌ لا تَبيدْ:
فرحي في كُلِّ ما أَطعَمتُ
مِن جَوهرِ عُمْري،
فَرَحُ الأيدي التي أعْطَتْ وإِيمانٌ وذِكرى،
إنَّ لي جَمْرًا وخَمْرًا
إِنَّ لي أطفالَ أترابي
ولي في حُبِّهم خَمْرٌ وزادْ
مِن حصادِ الحَقْلِ عندي ما كفاني
وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ،
يا مَعادَ الثلجِ لَن أخْشاكَ
لي خَمْرٌ وجَمْرٌ للمَعادْ

جنــــون 07-19-2011 02:28 AM

السجين



أتُرى هلْ جُنَّ حسِّي فانطوى الرعبُ
تُرى عادَ الصدى، عادَ الدُّوارْ؟
مَن تُرى زحزح ليلَ السجنِ عن صدري
وكابوسَ الجدار؟
اَلكوى العميا يغطّيها
سوادٌ رَطِبٌ، طينٌ عتيقْ
اَلكوى ما للكوى تنشقُّ
عن صبحٍ عميقْ
وصدى يهزج من صوب الطريقْ:
"هِيَ، والشَّمسُ، وضحكات الصغارْ،"
"وبقايا الخِصبِ في الحَقْل البوارْ،"
"كلُّها تذكر ظلِّي، تَعَبي"
"كَفِّي المغَنِّي للبذار"
"كلُّها تُغري وتُغري بالفرار".
طالما أغرى الصدى قلبي وجفني
طالما راوَغَني صوت المُغنِّي
طالما أدْمَتْ يدي جدْرانُ سِجني
طالما ماتَتْ على كيْد الجدارْ
ردَّ باب السِّجنِ في وجه النهارْ
كان قبل اليوم يُغري العفوُ
أو يُغري الفرارْ
قبلَ أن تصدأ في قلبي الثواني
لا صدى تُحصيهِ، لا حمَّى انتظارْ
قبل أن تمتصَّني عتمَةُ سجني
قبْلَ أنْ يأكُلَ جفنيَّ الغبارْ
قبلَ أنْ تنحلَّ أشلاءُ السَّجينْ
رِمَّةً, طينًا، عِظامًا
بعثَرتْها أرجلُ الفيرانِ
رثَّت من سنينْ
كيْفَ تلتمُّ وتحْيا وتلينْ،
كيف تخضرُّ خُيوطُ العنكبوتْ
تتَشهَّى عودَةً للمَوْتِ
في دنيا تموتْ؟
ما الذي يَهْذي تُرى؟
صوتُ المُغنِّي
لم يعد يخْدع كَفَّيَّ وجفني
لم يعد يخدعني العَفوُ اللَّعينْ
بعد أن رثَّت عظامي من سنينْ
هل أخَلِّيها، أُخلِّيها وأمضي
خاويَ الأعضاءِ وجهًا لا يبينْ
شبحًا تجلده الريحُ
وضوءُ الشمْس يُخزيهِ
وضحكاتُ الصغارْ
يتخَفَّى من جدارٍ لجِدارْ
ردَّ باب السِّجْن في وجه النهارْ
كان قبل اليومِ
يُغري العفو أو يُغري الفرار

جنــــون 07-19-2011 02:29 AM

السندباد في رحلته الثامنة



(1)

دَاري التي أَبحرتِ غرَّبتِ معي،
وكنتِ خيرَ دارْ
في دوخةِ البحارْ
وغربةِ الديارْ،
والليلُ في المدينهْ
تمتصُّني صحراؤُه الحزينهْ
وغرفتي ينمو على عَتْبَتِها الغبارْ
فأَبتغي الفرارْ،
أَمضى على ضوءٍ خفيٍّ
لا أَعي يقينَهْ
فتزهر السكينهْ
وأَرتمي والليلَ في القطارْ

* * *

رِحلاتيَ السبعُ وما كنَّزْتُهُ
مِنْ نعْمةِ الرحمانِ والتجارَهْ
يومَ صرعت الغُولَ والشيطَانَ
يومَ انشقَّتِ الأكفانُ عنْ جسمي
ولاحَ الشقُّ في المغارهْ،
رَوَيْتُ ما يَرْوُونَ عنِّي عادةً
كَتَمْتُ ما تعْيَا لهُ العِبارَهْ
ولم أَزَلْ أَمضى وأَمضى خلْفَهُ
أُحسُّهُ عندي ولا أَعيهِ
وكيفَ أَنساقُ وأَدري أَنني
أَنساقُ خلف العري والخسارَهْ
أودُّ لو أَفرغتُ داري عَلّهُ
إن مرَّ تُغْويه وتدَّعيهِ
أُحسُّه عندي ولا أَعيهِ.

(2)

وكان في الدارِ رواقٌ
رَصَّعَتْ جدرانَهُ الرسومْ
موسى يَرى
إزميل نارٍ صاعقَ الشرَرْ
يحفرُ في الصخْرِ
وصايا ربِّهِ العَشَرْ:
اَلزفتُ والكبريتُ والملحُ على سَدُومْ.
هذَا على جدارْ
على جدارٍ آخرٍ إطارْ:
وكاهنٌ في هيكلِ البعْلِ
يُرَبِّي أُفعُوَانًا فاجرًا وَبُومْ
يَفْتَضُّ سرَّ الخصبِ في العَذَارى
يهلِّلُ السكارى
وتُخصبُ الأرحامُ والكرومْ
تُفَوِّرُ الخمرةُ في الجِرَارْ.
على جدارٍ آخرٍ إطارْ:
هذا المعَرِّي،
خلف عينَيْهِ
وفي دهليزِهِ السحيقْ
دنياهُ كيدُ امرأَةٍ لم تغْتسِلْ
من دمِها، يشتمُّ ساقَيْها وما يُطِيقْ
شطَّي خليجِ الدنسِ المطليِّ بالرحيقْ
تكويرةُ النهدينِ من رغوتِهِ
وسوسنُ الجباهْ،
اَلمجرمُ العتيقْ
والثمرُ المرُّ الذي اشتهاهْ.

* * *

من هذه الرسومْ
يرشحُ سيلٌ
مثقلٌ بالغَازِ والسمومْ
تمتصُّهُ الحيَّةُ في الأنثى
وما في دمها من عنصر الغَجَرْ
والنِمرُ الأعمى وحمَّى يدهِ
في غَيرةِ الذكَرْ:
"لوركا" و"عُرسُ الدمِ" في إسبانيا
وسيْفُ ديكِ الجِنِّ يوم ارتدَّ من حماهْ
اَلعُنُقُ العاجِيُّ نهْرٌ أَحْمَرٌ
يا هولَ ما جمَّدَهُ الموتُ على الشفاه.
هذا الدمُ المحتقنُ الملغُومُ في العُروقْ
تعضُّهُ, تكويهِ ألفُ حُرْقَهْ
وفي حنايا دَرَجٍ
في عَتْمَةِ الأَزقَّهْ
حشرجةٌ مخنوقةٌ وشهقَهْ.

* * *

عاينتُ في مدينةٍ
تحترفُ التمويهَ والطهاره
كيف استحالتْ سمرةُ الشمسِ
وزهوُ العمرِ والنضارهْ
لغصَّةٍ، تشنُّجٍ، وضيقْ
عبرَ وجوهٍ سُلختْ من
سورها العتيقْ،
عاينتُ في الوجوهْ
وجهَ صبيٍّ ناءَ بالعمرِ
الذي أتلفَهُ أبوهْ
وأَطعمَ الجوعَ من الأفيونِ
رؤْيا خلَّفتهُ يعلكُ اللِّجامْ
وبعدَ حينٍ يحمدُ الصيامْ.
مدينةُ التمويهِ والطهارهْ
مدينةُ (...) تستفيقْ
فتبصرُ الأدغالَ تغْزو سورَها العتيقْ
وتبصرُ الحجارَهْ
تفرُّ في الطريقْ
ومن كهوفٍ شبعتْ مرارَهْ
تفورُ قطعانٌ جياعٌ
ليسَ يرويها سوى التدمير والحريقْ

* * *

هذا الدمُ المحتقنُ الملغومُ في العروقْ

(3)

بَلَوتُ ذلك الرِّوَاقْ
طِفلاً جَرَتْ في دمهِ الغازاتُ والسمومْ
وانْطَبَعتْ في صدرِهِ الرسومْ
وكنتُ فيه والصحابَ العتاقْ
نرفِّهُ اللؤْمَ، نحلِّي طعْمَهُ بالنفاقْ
بجُرْعةٍ من "عَسَلِ الخليفَهْ"
"وقهوة البشيرْ"
أُغَلِّفُ الشفاهَ بالحريرْ
بطانةِ الخناجرِ الرهيفَهْ
لحلوتي لحيَّةِ الحريرْ

* * *

سلَختُ ذاكَ الرِّواقْ
خلَّيتْهُ مأْوى عتيقًا للصحابِ العِتاقْ
طهّرْتُ داري من صدى أشباحِهِمْ
في الليل والنهارْ
من إلِّ نفسي، خنجري،
لِيني، ولينِ الحيَّةِ الرشيقَه،
عشتُ على انتظارْ
لعَلّهُ إن مَرَّ أُغويهِر
فما مرَّ
وما أرسلَ صوبي رعدَهُ، بروقَهْ.
طلبتُ صحوَ الصبح والأمطَارَ، ربِّي،
فلماذا اعتكرتْ داري
لماذا اختنقَتْ بالصمتِ والغُبارْ
صحراءَ كلسٍ مالحٍ بَوَارْ.
وبعدَ طعْمِ الكلسِ والبَوَارْ
اَلعَتْمَةُ العَتْمَةُ فارَتْ مِنْ
دهاليزي, وكانت رَطْبةً
مُنْتِنَةً سخينَهْ
كأَنَّ في داري التقَتْ
وانسكبَت أَقنيةُ الأوساخِ في المدينَهْ،
تَفُورُ في الليلِ وفي النهارْ
يعُود طعْمُ الكلس والبَوَارْ
وذاتَ ليلٍ أرْغَتِ العَتمةُ
واجترَّتْ ضلوعَ السقفِ والجدَارْ،
كيف انطوى السقفُ انطوى الجدارْ
كالخرقةِ المبتلَّةِ العتيقَهْ
وكالشراعِ المرتمي
على بحارِ العَتْمَةِ السحِيقَهْ،
حفُّ الرياحِ السودِ يُحْفيهِ
وموجٌ أَسودٌ يعلِكُهُ،
يرميهِ للرياحْ،
أغلقتِ الغَيْبوبةُ البَيْضاءُ عَيْنَيَّ
تركتُ الجَسدَ المطحونَ
والمعْجونَ بالجراحْ
للموجِ والرياحْ

(4)

في شاطىءٍ من جُزُرِ الصَّقيعْ
كنتُ أَرى فيما يَرَى المُبَنَّجُ الصريعْ
صحْراءَ كلْسٍ مالحٍ، بَوارْ،
تمرجُ بالثلجِ وبالزهرِ وبالثِّمارْ
داري التي تحطَّمَتْ
تنهضُ من أَنقاضِها،
تختلِجُ الأخشابُ
تلْتمُّ وتحيا قُبَّةً خضراءَ في الرَّبيعْ
لن أَدَّعي أَنَّ ملاكَ الربِّ
ألقى خمرةً بكرًا وجمرًا أخضرًا
في جسدي المغْلُولِ بالصقيعْ
صفَّى عروقي من دمٍ
محتقنٍ بالغَازِ والسمومْ
عن لوحِ صدري مسحَ
الدمغَاتِ والرسومْ،
صحوٌ عميقٌ موجُهُ أُرجوحةُ النجومْ.
لن أَدَّعي، ولستُ أَدري كيفَ،
لا، لعَلَّها الجراحْ،
لعلَّهُ البحرُ وحفُّ الموجِ والرياحْ
لعلَّها الغَيْبوبةُ البيضاءُ والصقيعْ
شدَّا عروقي لِعُروقِ الأرضِ
كانَ الكفنُ الأبيضُ درعًا
تحتَهُ يختمرُ الربيعْ،
أَعشبَ قلْبي،
نبضَ الزنبقُ فيهِ،
والشراعُ الغَضُّ والجناحْ،
طفل يغَنّي في عروقي الجهلُ،
عريانٌ وما يُخلجني الصباحْ،
اَلنبضةُ الأولى،
ورؤْيا ما اهتدت للَّفظِ
غصَّتْ، أَبرقتْ وارتعَشَتْ دموعْ
هلْ دعوةٌ للحُبِّ هذا الصوتُ
والطيفُ الذي يلْمعُ في الشمس
تجسَّدْ واغْترفْ من جَسَدي
خبزًا وملْحًا،
خمرةً ونارْ،
وحدي على انتظارْ
أفرغتُ داري مرة ثانيةً
أَحيا على جمرٍ طريٍّ طَيبٍ وجوعْ
كأَنَّ أَعضائي طيُورٌ
عَبَرَتْ بحارْ
وحدي على انتظَارْ

(5)

في ساحة المَدينهْ
كانَتْ خُطَاها
زورقًا يجيءُ بالهزيجْ
من مَرَحِ الأمواجِ في الخلِيجِ
كانَتْ خُطَاها تكسرُ الشمسَ
على البلَّورِ، تسقيهِ الظلالَ
الخضرَ والسكينهْ،
لمْ يَرَها غيري تُرَى
في ساحةِ الْمدينَهْ؟
لم تَرَها عينٌ من العُيونْ.
اَلعُمرُ لن يقولْ
يا ليتَ من سنينْ
ملءُ دمي وساعدي
أَطيَبُ ما تزهو به الفصولْ
في الكرم والينْبوعِ والحقولْ،
اَلعُمرُ لن يقولْ
يا ليتَ من سنينْ.

(6)

داري تعاني آخرَ انتظارْ
وقعُ الخطى الجَريئهْ
تُفتِّقُ المرجانَ والمرجَ
بأَرض الدارِ والجدارْ،
مرآةَ داري اغتسلي
من همِّكِ المعْقودِ والغُبارْ
واحتفلي بالحلوةِ البريئهْ
كأَنها في الصبحِ
شُقَّتْ من ضلُوعي
نبتتْ من زنبقِ البحارْ
ما عكَّرَ الشَّلالَ في ضحكتها
والخمرَ في حلْمَتِها
رعبٌ من الخطيئهْ
وما دَرَتْ كيْفَ تروغُ الحيَّةُ
الملْساءُ في الأقبيَةِ الوَطيئهْ،
اِحتفلي بالحلوَةِ البريئهْ
بالصحوِ في العيْنَيْنِ،
ما صحوُ الشعاعِ الغَضِّ
عَبْرَ النبعِ والثلوجْ،
بالصدرِ والخصرِ،
ترى ما تربةُ المسكِ
طريًّا دافئًا
ما بيْدرُ الحنطةِ والمروجْ
ما سُمْرةُ الصَّيْفِ على الثمارْ
ما نكهةُ البهارْ
ما كلُّ ما رَوَيْتْ
خلَّيْتُ للغَيرِ كنوزَ الأرضِ
يكفيني شبِعْتُ اليومَ وارتَوَيْتْ،
اَلحلوة البريئهْ
تُعْطي وتدري كلَّما أَعطَتْ
تَفُورُ الخمْرُ في الجِرَارْ
بريئةٌ جريئهْ
جريئةٌ بريئهْ
في شفَتيْها تُزبدُ الخمْرُ
وتصفُو الخمرُ في القَرارْ
لن يتخَلَّى الصُّبحُ عنا
آخِرَ النَهارْ.

(7)

وليلُ أَمسِ كانَ ليلَ الجنِّ
والزوبعَةِ السوداءِ
في الغَاباتِ والدروبْ
مال إليْنا الزنبقُ العريانُ
أَدفأناهُ باللمسِ وزودْناهُ بالطيُوبْ
أَوَتْ إليْنا الطيرُ
من أعشاشِها المخرَّبَهْ
رُحْنا مع القافلَةِ المغَرِّبَهْ
في أرخبيلِ "الجُزُرِ الحِيتانِ"
حوَّلْنا استرحنَا والتحَفْنَا الليْلَ والغُيُوبْ،
غريبةٌ ومثلُها غريبْ
حيْثُ نَزلْنا ارتفعَتْ
دارٌ لنا ودَارْ
خَفَّ إليْنا ألفُ جارٍ مُتعَبٍ وجارْ
في دَوْخةِ البحارْ
وغُرْبةِ الديَارْ

(8)

ولم أزَلْ أَمضى وأَمضى خلْفَهُ
أُحسُّهُ عنْدي ولا أَعيهِ
أَودُّ لو أفرغتُ داري علَّهُ
إنْ مرَّ تُغْويهِ وتدَّعيهِ
أُحسُّهُ عنْدي ولا أَعيهِ.

* * *

تمضي إلى غُرفتها
تعْثرُ في وَحْشتي،
وحدي،
مَدى عَتْمَتي
مَدى ليالى السهَادْ
دقَّاتُ قلْبي مثلُ دَلْفٍ أَسودٍ
تحفِّرُ الصمتَ
تزيدُ السوادْ،
وكانَ ما عاينتُ ممَّا ليْسَ
يُروى عادةً أَو يُعَادْ:
بئرٌ جفافٌ فوَّرَتْ,
وفورَتْ من عَتْمتى منارَهْ
أُعاينُ الرؤيا التي تصرعني حينًا،
فأَبكي،
كيْفَ لا أَقوي على البشارَهْ؟
شهرانِ, طالَ الصمتُ،
جفَّتْ شَفَتي،
مَتَى مَتَى تُسعِفُني العبارَهْ؟
وطالما ثُرْتُ، جلدتُ الغُولَ
والأَذنابَ في أَرضي
بصقتُ السم والسبابْ،
فكانتِ الأَلفاظُ تجري من فمي
شلاَّلَ قطْعَانٍ مِن الذئابْ،
واليَومَ, والرؤيا تغَنِّي في دمي
برعشَةِ البرق وصحو الصباحْ
وفطرةِ الطيرِ التي تَشْتَمُّ
ما في نيَّةِ الغاباتِ والرياحْ
تُحِسُّ ما في رَحِمِ الفَصْلِ
تَرَاهُ قبلَ أن يولدَ في الفُصُولْ،
تُفَوِّرُ الرؤْيا، وماذا،
سوف تأتي ساعةٌ،
أَقول ما أَقولْ:

(9)

تحتلُّ عَيْنيَّ مروجٌ، مُدْخَناتٌ
وإلَهٌ بَعْضُهُ بَعْلٌ خصِيبٌ
بعْضُهُ جبَّارُ فحْمٍ ونارْ،
ملْيُونُ دارٍ مثلُ داري ودارْ،
تزهو بأَطفالٍ غصُونِ الكرمِ
والزيتونِ، جمرِ الربيعْ
غبَّ ليَالى الصَّقيعْ
يحتلُّ عيْنيّ رِواقٌ شمختْ
أَضلاعُهُ وانعَقَدَتْ عَقْدَ
زنودٍ تبتنيهِ، تبتني المَلْحَمَهْ
ومن غِنى تربتنا تستنبتُ
البلَّورَ والرخامْ
تكدَّسَ البلَّورُ من رؤيا عيُونٍ
ضوَّأَتْ واحترقتْ في حلَكِ الظَلامْ
وفرَّخَتْ أَعمدةُ الرخامْ
من طينَةِ الأَقبيَة المعْتِمَهْ
تلْك التي مصَّتْ سيُولَ الدمعِ،
مصَّتْ رَبَواتٍ
من طحينِ اللحْمِ والعِظَامْ
واختمرتْ لألفِ عامٍ أَسودٍ وعامْ
فكيْفَ لا يفرخُ منْها ناصعُ الرخامْ
أَعمدةً تنمو ويعْلوها رِواقٌ أَخضَرٌ
صَلْبٌ بوجهِ الريحِ والثلوجْ
اَلمِحورُ الهادىءُ والبرجُ الذي
يصْمدُ في دوَّامَةٍ تبتلِعُ البروجْ

* * *

رؤيا يقين العَينِ واللمسِ
وليْست خَبَرًا يحدو به الرواةْ

* * *

ما كانَ لي أن أحتفي
بالشمْسِ لو لم أرَكُمْ تغْتَسِلُونَ
الصُّبحَ في النِّيلِ وفي الأردنِّ والفُراتْ
من دمغَة الخطيئهْ
وكلُّ جسمٍ ربوةٌ تجوهرتْ في الشمْسِ،
ظلٌّ طيِّبٌ، بحيرةٌ بريئهْ.
أَمَّا التماسيحُ مَضَوا عن أرضِنَا
وفارَ فيهم بحرُنا وغَارْ
وخلَّفُوا بعْضَ بقايا
سُلِخَتْ جلُودُهُمْ،
ما نبتَتْ مطرحَها جلُودْ،
حاضرُهُم في عَفَنِ الأمس الذي
ولَّى ولنْ يَعُودْ
أَسماؤهمْ تحرقُها الرؤيا بعَينيَّ
دخانًا ما لها وجودْ.

* * *

ربِّي، لماذَا شاع في الرؤيا
دخانٌ أحمرٌ ونارْ؟
أَحببتُ لو كانت يدي سيْلاً،
ثلُوجًا تمسحُ الذنوب
من عَفَنِ الأمس تنمِّي الكرْمَ والطيُوبْ،
تضيعُ في بحري التماسيحُ
وحقدُ الأنهرِ الموحلَهْ
وينبعُ البَلْسَمُ من جرحٍ
على الجُلْجُلَهْ.
أَحببتُ، لا، ما زالَ حبّي مطرًا
يسخُو على الأخضَرِ في أرضي،
عداهُ حطَبٌ وَقودْ
تحرقها الرؤيا بعَينيَّ دخانًا
ما لها وجودْ،
وسوف يأْتي زمنٌ أَحتضنُ
الأرضَ وأَجلو صدرَها
وأَمسَحُ الحدودْ

(10)

رِحلاتيَ السبْعُ رواياتٌ عن
الغُولِ، عن الشيطَانِ والْمَغارَهْ
عن حِيَلٍ تعْيا لها المَهارَهْ،
أُعيدُ ما تحكي وماذَا، عَبَثًا،
هيهاتِ أَستعِيدْ،
ضيَّعتُ رأس المالِ والتجَارَهْ،
ماذا حكى الشلاَّلُ
للبِئرِ وللسدودْ
لريشةٍ تجوِّدُ التمويه تُخفِي
الشحَّ في أقنِية العِبَارَهْ
ضيَّعْتُ رأس المالِ والتجارَه،
عدتُ إليكم شاعرًا في فمه بشارَه
يقولُ ما يقولْ
بِفِطرةٍ تحسُّ ما في رَحِمِ الفَصْلِ
تراهُ قَبْلَ أن يولدَ في الفُصُولْ

جنــــون 07-19-2011 02:29 AM

الكهف


وعرفتُ كيف تمطُّ أَرجلها الدقائقُ
كيف تجمد، تستحيل إلى عصورْ
وغدوتُ كهفًا في كهوف الشطِّ
يدمغ جبهتي
ليلٌ تحجَّر في الصخورْ
وتركتُ خيل البحر تعلكُ
لحم أحشائي
تغيِّبه بصحراءِ المدى
عاينتُ رعب زوارقٍ
تهوي مكسَّرة الصدى،
عبثًا يدوِّي عبر أقبيتي الصدى
يلقي على عينيَّ ليل جدائلٍ
في الريح تُعولُ, تستغيثُ، وترتمي
غبَّ انسحاب البحرِ
يرسب في دمي
سمك مواتٌ،
بعض أثمار معفنة، قشورْ
ويدي تميع وتنطوي في الرملِ
ريحُ الرمل تنخرها،
وتصفر في العروقْ
ويحزُّ في جسدي وما يدميهِ
سكِّين عتيقْ،
لو كان لي عصبٌ يثورْ
ربَّاهُ كيف تمطُّ أَرجلَها الدقائقُ
كيف تجمدُ، تستحيلُ إلى عصور

جنــــون 07-19-2011 02:29 AM

بعد الجليد


( 1 )

عصر الجليد
عندما ماتتْ عروقُ الأرضِ
في عصرِ الجليدْ
مات فينا كلُّ عِرْقٍ
يبستْ أعضاؤنا لحمًا قديدْ
عَبثًا كُنَّا نصدُّ الريحَ
والليْلَ الحزينا
ونداري رعشةً
مقطوعةَ الأنفاسِ فينا،
رعشةَ الموتِ الأكيدْ
في خلايا العظمِ، في سرِّ الخلايا
في لُهاثِ الشمسِ، في صحو المرايا
في صريرِ البابِ، في أقبيَةِ الغَلَّةِ،
في الخمرةِ، في ما ترشحُ الجدرانُ
من ماءِ الصَديدْ
رعشةُ الموت الأكيدْ

* * *

يا إلهَ الخصبِ، يا بعلاً يفض
التربةَ العاقِرَ
يا شمسَ الحصيدْ
يا إلهًا ينفضُ القبرَ
ويا فِصْحًا مجيد،
أنتَ يا تموزُ، يا شمسَ الحصىدْ
نَجِّنا، نجِّ عروقَ الأرضِ
من عُقْمٍ دَهاها ودهانا،
أَدْفئِ المَوتَى الحزانى
والجلاميدَ العَبيدْ
عَبْرَ صحراءِ الجليدْ
أَنتَ يا تمُّوزُ، يا شمسَ الحصىدْ.
عَبثًا كنا نصلِّي ونصلِّي
غرَّقتْنا عتْمَةُ الليلِ المهلِّ
عَبثًا نَعْوي ونعْوي ونُعيدْ
عَبْرَ صحراءِ الجليدْ
نَحنُ والذئبُ الطريدْ
عبثًا كنا نهزُّ الموتَ
نبكي، نتحدّى،
حُبُّنا أقوى من الموتِ
وأَقوي جمرُنا الغَضُّ المُندَّى.
وارتمَيْنا جثثًا، لحمًا حزينَا
ضمَّ في حسرته لحمًا قديدْ،
عبثًا نغتصبُ الشَّهْوةَ حرَّى
عَبثًا نسْكبُها خمْرًا وجمْرا
مِنْ بقايا في الوَريدْ،
علَّهُ يُفرخ من أَنقاضنا نسلٌ جديدْ
ينفُضُ الموْتَ، يغلُّ الريحَ،
يدوي نبضَة حرَّى
بصحراءِ الجليدْ
"حُبُّنا أقوى من الموتِ العنيدْ"
غير أنَّ الحبَّ لم يُنبِتْ
مِن اللحْمِ القديدْ
غَيْر أَجْيالٍ من الموتى الحزانى
تتمطَّى في فم الموت البليدْ

* * *

( 2 )

بعد الجليد
كيف ظلَّتْ شهوةُ الأرضِ
تدوِّي تحت أَطباقِ الجليدْ
شَهوةٌ للشمسِ، للغيثِ المغنِّي
للبذارِ الحيِّ، للغَلَّةِ في قبوٍ ودنِّ
للإله البعلِ، تمُّوزِ الحصىدْ،
شَهوةٌ خضراءُ تأبي أنْ تبيد،
وحنينٌ نبضُه يسري إلى القبرِ، إلينا،
يا حنينَ الأرضِ لا تقسُ علينا
لا تحر الدمَ في الأمواتِ، فينا
موجِعٌ نبضُ الدَّمِ المحرُورِ
في اللَّحمِ القديدْ،
في عروقٍ بَعْضُها حُمَّى ربيعٍ
وجحيمٌ يبْتَلينا
بعضُها صمتٌ ثقيلٌ وجليدْ،
إنْ يكنْ، ربَّاهُ،
لا يُحيي عروقَ الميِّتينا
غيرُ نارٍ تلدُ العنقاءَ، نارْ
تتغذَّى من رمادِ الموتِ فينا،
في القرارْ،
فَلْنعانِ من جحيمِ النارِ
ما يمنحُنا البعثَ اليَقينا:
أُممًا تنفضُ عنها عفنَ التاريخِ،
واللعنَةَ، والغيبَ الحزينا
تنفُضُ الأمسَ الذي حجَّرَ
عَينَيها يواقِيتًا بلا ضوءٍ ونارْ،
وبحيراتٍ من الملحِ البوارْ،
تنفُضُ الأمسَ الحزينا
والمهينا،
ثم تحيا حُرةً خضراءَ تزهو وتُصلِّي
لصدى الصبحِ المطلِّ
وتُعيدْ
مِن ضِفاف "الكنجِ" "للأردنِّ" "للنيلِ"
تصلِّي وتُعيدْ:
يا إِله الخصبِ، يا تمُّوزُ، يا شمسَ الحصىدْ
بارِكِ الأرضَ التي تُعطي رجالاً
أقوياءَ الصُّلبِ نسلاً لا يَبيدْ
يَرثونَ الأرضَ للدهرِ الأبيدْ،
باركِ النَسل العَتيدْ
باركِ النَسل العَتيدْ
باركِ النَسلَ العتيدْ
يا إله الخصبِ، يا تموزُ، يا شمسَ الحصيدْ

جنــــون 07-19-2011 02:29 AM

جحيم بارد


ليتَني ما زلتُ في الشارع أصطادُ الذُّبابْ
أنا والأعمى المُغَنِّي والكِلابْ
وطَوافي بزوايا الليلِ,
بالحاناتِ مِن بابٍ لِبابْ
أتَصدَّى لذئاب الدربِ..!
ماذا؟ ليتَني ما زِلتُ دربًا للذئابْ
وعلى حشرجة الأنقاض في صدري،
على الكَهْف الخَرابْ
يلهثُ الوغدُ بحمَّى رئتَيهِ
بدعابات السكارى، بالسِّبابْ
أنا والدربُ نعاني الليل وَطْئًا وسِبابْ
ليتَه ما لَمَّني من وحلة الشارعِ
ما عوَّدني دفءَ البيوتْ
ويدًا تمسحُ عاري وشحوبي
ليت ما سلَّفَني ثوبًا وقوتْ..
وَنَعِمْنا بعضَ ليْلاتٍ.. تَلاها:
هذيانٌ، سأَمٌ، رعْبٌ، سكوتْ
اَلرؤى السوداءُ، ربِّي، صَرَعتْهُ
خَلَّفَتْهُ باردًا مرًّا مقيتْ
ليت هذا البارِدَ المشلولَ
يحيا أو يموتْ
رثَّ فيه حسُّه،
أعصابُه انحلَّت شِباكًا مِن خيوط العنكبوتْ
شاعَ في البيت مُناخُ القبرِ: دلفٌ،
عَتْمةٌ، ريحٌ حبيسٌ، وسكوتْ
بِرْكةٌ سوداءُ يطفو في أَساها
وَجْهُه المُرُّ الترابيُّ الصَّموتْ،
ليْتَ هذا البارِدَ المشلولَ
يَحْيَا أو يموتْ
ليته!
يا ليت ما سلَّفني دفئًا وقوتْ

جنــــون 07-19-2011 02:30 AM

حب وجلجلة


وأَنا في وحشَة المَنفَى
مَع الداءِ الذي ينثرُ لَحْمي
ومع الصمت وإِيقَاعِ السُّعالْ،
أنفُض النومَ لَعلِّي أَتَّقي
الكابوسَ والجِنَّ التي تحتلُّ جِسْمي
وإِذا الليلُ على صدري جلاميدٌ،
جدارُ الليلِ في وجهي
وفي قلبي دخانٌ واشتعالْ،
آهِ ربِّي! صوتهم يصرخُ في قبري:
تعالْ!!
كيف لا أنفضُ عن صدري الجلاميدَ
الجلاميدَ الثقالْ
كيف لا أصرعُ أوجاعي ومَوتي
كيف لا أضرعُ في ذلٍّ وصمتِ:
"رُدَّني، ربي، إِلى أرضي"
"أعِدني للحياة"
وليكن ما كانَ، ما عانيتُ منها
محنةَ الصلب وأعيادَ الطغاة.
غير أني سوف ألقى كل من أحببتُ
مَنْ لولاهُمُ ما كان لي
بعثٌ، حنينٌ، وتمنِّي
بِي حنينٌ موجع، نارٌ تدوِّي
في جليد القبر، في العرق المواتْ،
بِي حنينٌ لعبير الأرضِ،
للعصفور عند الصبحِ، للنبعِ المغنِّي
لشبابٍ وصبايا
من كنوزِ الشمس، من ثلجِ الجبالْ
لصغارٍ ينثرونَ المرجَ
مِنْ زهوِ خطاهمْ والظِّلالْ
في بيوتٍ نَسيَتْ أَنَّ وراءَ
السور مرجًا وظلال.
أنتُمُ أَنتنَّ يا نسل إلهٍ.
دمُهُ يُنبت نيسانَ التِّلالْ
أنتُمُ أَنتنَّ في عمري
مصابيحٌ، مروجٌ، وكفاهْ
وأنا في حُبِّكمْ، في حبكنَّ
- وفِدى الزنبق في تلك الجباهْ -
أتحدَّى محنةَ الصَّلبِ،
أُعاني الموتَ في حبِّ الحياهْ

جنــــون 07-19-2011 02:30 AM

حفرة بلا قاع


عمّقِ الحفرة يا حفَّارُ،
عمِّقها لِقاع لا قرارْ
يرتمي خلف مدار الشمسِ
ليلاً من رمادٍ
وبقايا نجمة مدفونة خلف المدارْ
لا صدى يرشح من دوَّامة الحمّى
ومن دولاب نارْ
آهِ لا تلقِ على جسمي
ترابًا أحمرًا حيًّا طري
رَحِمًا يمخره الشرش ويلتفُّ
على المَيْت بعنف بربري
ما ترى لو مدَّ صوبي
رأسه المحمومَ
لو غرَّق في لحمي نيوبهْ
من وريدي راح يمتصُّ حليبَهْ
لُفَّ جسمي، لُفَّه، حنِّطْه، واطمرْهُ
بكلس مالح، صخرٍ من الكبريتِ،
فحمٍ حجري

***

كيف يُحييني ليجلو
عتْمةً غصَّت بها أُختي الحزينَهْ
دون أن يمسح عن جفنيَّ
حمّى الرعب والرؤيا اللعينَهْ:
لم يزلْ ما كان من قبلُ وكانْ
لم يزل ما كانَ:
برقٌ فوق رأسي يتلوَّى أُفعوانْ
شارع تعبره الغولُ
وقطعان الكهوف المعتمَهْ
مارد هشَّم وجه الشمسِ
عرَّى زهوها عن جمجمَهْ
عَتْمة تنزف من وهج الثمارْ،
اَلجماهير التي يعلكها دولابُ نارْ،
وتموت النار في العتْمةِ،
والعتْمة تنحلُّ لِنارْ

جنــــون 07-19-2011 02:30 AM

دعوى قديمة



ضجَّةُ "الطَّاحونَةِ الحمرا"
ضباب التبْغ والخَمْرةِ، والحمَّى اللئيمَهْ
غُصَّتي الحَرَّى لِفَخْذٍ وجَريمَهْ،
وارتخاءُ الشفة السُّفلى على الشَهْوةِ
والرعبُ متى شدَّت يدي "نينا" الشهيَّهْ.
وأنا ثوب بلا ظلٍّ، بلا ضوءٍ
سوى البَسْمَةِ في عَينيَّ
تستَعْطي التَحِيَّهْ
ضعف أعصابي، ارْتِفاع الضغطِ
والحمَّى اللَّئيمَهْ،
غُصَّتي الحَرَّى على مُرضِعَة الأمس الرحيمَهْ،
حضنُها كَهْفٌ من الصفْصافِ
رَيَّانُ الظِلالْ:
"إن لَفْحَ الشمسِ يُحفي"
"الجفْنَ وَالحاجِبَ في جرد الجبال".
زندُها التفَّ على أَعْناقِنا
سمَّرنا في حنوة الظلٍّ، مُحال..
ضحك أَطفالٍ, سريرٌ دافىءٌ، حلمٌ،
حكاياتٌ بجَنْبِ النار، أَعيادٌ, وليمَهْ
ما جرى بَعدَ الوَليمَهْ
للرياحينِ الصغارْ؟
أتُرى تَهْويمَ بعد الظهر هوَّمْنا
أفقْنا سربَ غربانٍ كبارْ
في بَقايا شَعْرِنا يُزهرُ وهْجُ الثَلْجِ
أدغالاً على الصَحراءِ تلتفُّ إطارْ
حلوةُ الحَيِّ
تُرى مَن مطَّ ثديَيْها إِلى البَطنِ
وألوى أنفَها مِنقارَ بُومهْ؟
كيف لا يدوي ويحْتَجُّ الصَّدى
يدوي جريمَهْ؟؟
إنَّها دَعوى قديمَهْ
عفَّنتْ في سلَّة للمُهْمَلاتْ
ما لها قاعٌ، وفيها ماردٌ
يبْتَلِعُ الحقّ المواتْ
رحمَةً كانت على الأمِّ الرحيمَهْ
عَمِيتْ، وانْطَفأتْ بعد الوَليمَهْ
ضعفُ أعصابي، ارتفاع الضغطِ
والحمَّي اللئِيمَهْ

جنــــون 07-19-2011 02:30 AM

زحفت يداك


زحفت يداك
من السفوحِ إلى الأعالي
وعرفت
ما طعمُ الصواعق في جبالي
وعرفت
جفوة مطرح يعلو المطارح
عزم الضواري يلتوي
عن حدّه الأدنى
وأجنحة الجوارح
وعرفت
ما صحو يرصِّعه الندى
صحو يهلّ ولا يبالي
وسمعت
صمت الصحو
بلّورًا يفسّخه الصدى
ويشف
عن طعم الصواعق في جبالى

* * *

(لبنان)
كنا جدارًا يلتقي جدار
ما أوجع الحوار
ما أوجع القطيعه
تغصُّ بالفجيعه
ما أوجع الجوار

جنــــون 07-19-2011 02:30 AM

سدوم


ماتَتِ البَلوَى ومُتنا مِن سنينْ
سَوفَ تبْقى مثلما كانتْ
ليالى الميِّتينْ
لا اذِّكارٌ يُلهِبُ الحسْرَةَ
من حينٍ لحِينْ
لا فصولٌ،
سوف نَبْقى خلْفَ مرمى
الشمسِ والثلجِ الحزينْ
ليس يُغوينا ابتهالٌ
يَجتدي العاتي يقينًا مطمئنًّا
يَجتَديه بعضَ ما استنزف منًّا
بعضَ إشراقِ الرؤى بعضَ اليقينْ
بعضَ ذكرى
أيُّ ذِكْرى، أيُّ ذكرى
من فراغٍ ميِّتِ الآفاقِ.. صَحْرا
مسحتْ ما قبْلها، ثم اضمحلَّتْ
خَلَّفتْ مطرحَها طعمَ رمادْ
مطرحَ الشمسِ رمادًا وسوادْ،
هيَ ذكرى ذلك الصبحِ اللَّعينْ
كان صبحًا شاحبًا
أتعسَ من ليلٍ حزينْ،
كان في الآفاقِ والأرضِ سكونْ
ثم صاحَتْ بومةٌ، هاجتْ خفافيشٌ
دجا الأفقُ اكْفهرَّا
وَدَوَت جَلجلةُ الرعدِ
فشقَّتْ سحُبًا حمراءَ حرَّى
أمطرتْ جمرًا وكبريتًا وملحًا وسموم
وجرى السيلُ براكينَ الجَحيمْ
أحرقَ القرية، عرّاها،
طوى القتلى ومرَّا
عَبَرَتنا محنةُ النارِ
عَبَرْنا هَوْلَها قبرًا فقبرا
وتلَفَّتْنا إلى مطرحِ ما كانَ لنا
بيتٌ، وسمَّارٌ، وذِكرى
فإِذا أضلُعُنا صمتُ صخورٍ
وفراغٌ مَيِّتُ الآفاقِ.. صَحْرَا
وإذا نحنُ عواميدٌ من الملحِ،
مُسُوخٌ من بلاهاتِ السنينْ
إنْ تُذَكِّرْ عابرَ الدربِ
بحالِ الميِّتينْ
فهي لا تذكرُ، جوفاءَ،
بلا أمسٍ، بلا يومٍ وذكرى

جنــــون 07-19-2011 02:31 AM

ضباب وبروق



طَالَمَا أَوْغَلْتُ في بَحْرٍ خَفيٍّ
لا يُداني
شَطَّهُ المَرْصودَ إيقاعُ الثـّواني،
حيْثُ لا يَشْتدّ هَوْلُ المَوْجِ
حتّى يمّحي نَجْمٌ وصُبْحٌ ومواني
حيْثُ لا يَنْشَقُّ مَرْعى الغَيْمِ
عَنْ وَهْجِ البُروقْ
غَابةً سَوْدَا وأَدْغالاً
يُدَمّيها الحَريقْ
شَبَحٌ يُبحِرُ في البُحْرَانِ
يُغويه السَرابْ
تَلْتقيهِ في ضَبابِ التَّبْغِ
أَشْباحٌ يُغَشّيها الضَبابْ،
وسَوَادٌ صامِتٌ
يَهْبطُ في المَقْهى
على وَهْجِ الشّرَابْ

* * *

طالَمَا عايَنْتُ رَسْمًا
في ضَبابِ التَّبْغِ يَنْمو بَيْنَ
عَيْنيَّ ويَنمو في وُجُومْ
يَتَخَطَّى فُسْحَةَ المَقْهى
ويُخْفي ظلُّه سَيْلَ الرُّسومْ،
كَيْفَ كانَتْ تَلْتَوي الشَّهْوَةُ
في وَجْهِ خَصِيٍّ
سَخِرَتْ مِنْه الجَواري
يَمْتطي الفُرْسانَ
مَرْهوبًا، وليًّا، لا يُدَاري
كَيْفَ ساقَتْني إلى غَيْب الصّحَارِي
لَعْنةُ العارِ القَديمْ،
(...)
فتَجَلَّتْ فيه نارٌ صَلْبةٌ
تَعْصى عَلى نارِ الجَحيمْ
تَتَعالى شُهُبًا
من رَحِمِ الأَرضِ لأبْراجِ النُّجُومْ

* * *

طالما أَغْمَضْتُ دون البَرْقِ
عَيْنيّ، وأَرْخَيْتُ الستائرْ
وتَرَكْتُ اللّيْلَ
يَنهَالُ على أَشْلاَءِ مِصْباحٍ يَموتْ
وتَلَحَّفْتُ السّكُوتْ
فَتَلَوْتُ خَلْفَ جَفْنَيّ
مِنَ البَرْقِ التِماعاتُ الخَنَاجرْ:
أنْتَ يا مَنْ غوَّرَتْ
في جَوْفه الرّؤْيَا وغَصّتْ
فاسْتحالتْ جَمْرةً مُلْتهمَهْ
تلْكَ رؤْيا اخْتَنَقَتْ
في الكَلِمَهْ
حين ثَارَتْ، وتَحَدَّتْ
لعنةً ما بَرِحَت تَشْتدُّ
من جيلٍ لجيلْ،
لعنةَ الأرْضِ البغيِّ الهَرمَهْ
يَوْمَ كانَ الصّبْحُ يَنْهلُّ على
أَرْضٍ بَتُولْ
فَجّرَتْ فيها سُيولاً وَسُيولْ
مِنْ خُيولِ الفَتْحِ
رؤْيا التَمَعَتْ في كَلِمَهْ

* * *

أَتُرَى هَلْ كَان ما عَايَنْتَهُ يَوْمًا
سِوى صُبْحٍ غَريبْ
شَمْسُهُ تَطْلعُ مِنْ صَوْبِ المَغيبْ
وَسِوى نَهْرٍ عَجِيبْ
تمَّحي اللّعنةُ فيه،
والتّجاعيدُ، وَيَنْحَلُّ المَشيبْ؟

* * *

كان أَجْدَى
لَوْ بَنَتْ كفَّاكَ بُرْجًا مُتَعالي
في حنايا صَمْتِهِ
يَرْفلُ وَهْجُ الطّيبِ
في وَهْج اللآلي
وَغُلالاتٍ مِنَ الوَهْمِ المُغَالي
وشَّحَتْهَا حَنْوةُ اللّيْلِ الطّري
وصفاءٌ مُخْمَليٌّ قَمَرِي
يَلْتوي عَنْها جُنُونُ الشَّمْسِ
تَرتدُّ ظُنونُ الأَعْيُنِ المُتَّهمَهْ
كان أَجدَى
لو تَبَرَّجْتَ
وبَرَّجْتَ البَغِيَّ الهِرمَهْ

* * *

طَالمَا غَرَّبْتُ في الخَمرةِ
عَنْ طَبْعي وحالي
غِبْتُ في طَبْعِ صَبيٍّ لا يبالي
غِبْتُ في طَبْعِ الدّوالي
أَرتوي من مَرَحِ الشّمْسِ
وما يَنْهَلُّ مِنْ صَحْوِ السّحَابْ.
ضَجَّةُ المَقْهَى،
ضَبابُ التَّبْغِ
مِصْباحٌ وأشْباحٌ يُغَشّيهَا الضَّبابْ
لا أُبالي
إِنّ لي طَبْعَ الدّوالي
وَطِباعًا وطباعًا وطِباعْ:
شررًا، مَوْجًا، غُيومْر
بَعْضُهَا يَنْحَلُّ في بَعْضٍ
ولا يُبقي
سِوى طَعْمِ الصّراعْ
وسوى طَعْمِ الضّياعْ.
إِن يَكُنْ يَطْمَعُ بالغُفْرَانِ
مَنْ يَبْكي، يُصَلّي، وَيَصومْ
فأَنا طَبْعٌ غَريبٌ لا يَدومْ
يكتوي بالرّعبِ مِنْ طَبْعٍ
غريبٍ لا يَدومْ

* * *

في جبالٍ مِنْ كوابيسِ التّخلّي والسّهَادْ
حَيْثُ حَطَّت بومةٌ خَرْسَاءُ
تَجْترُّ السّوادْ
اَلصّدى، وَالظِّلُّ، والدّمعُ جمادْ،
يَتَجلّى فارسٌ غَضٌّ مَنيعْ
فارسٌ يَمْسَحُ غَصّاتِ الحزانى والجِياعْ
ويُعَرّي الفِعْلَ
من اِسْمٍ وظَرْفٍ وقِناعْ،
وتَودُّ البومةُ الخَرْسَاءُ
لَوْ ماتَ الجَميعْ
لو تَوارَى الفارِسُ الغَضُّ المَنيعْ
مَوْجَةً يلهو بها، يَهْدمُهَا
مَوْجُ الطّباعْ
وَأَرى الفارِسَ يَهوي وَيغيبْ
وأَرى البُومَةَ تَهْوي وتَغيبْ
بَيْنَ شطَّيْنِ مِنَ المَوْجِ العُبابْ
وَأَرى عبْرَ الغيابْ
شَبَحًا يُبحرُ في البُحْرَانِ
يُغويهِ السّرَابْ
تَلتقيهِ في ضَبابِ التّبْغِ
أَشْباحٌ يُغَشِّيهَا الضَّبابْ

جنــــون 07-19-2011 02:31 AM

في الجنوب



جُولي سَبَايا الأَرضِ
فِي أَرْضِي
وَصُولي واطْحَنِي شَعْبِي
جُولي وَصُولي
واطحنِي صُلبي
لَنْ يَكْتَوي قَلْبي
لنْ يكتوي قلبي ولَنْ يَدْمَى
تنحلُّ حمَّى العَارِ
فِي غيبوبةِ الحُمّى
لن يَكْتَوي قَلْبي ولَنْ يَدْمَى
قَلْبي الأَصمُّ الأَبْكَمُ الأَعمَى

جنــــون 07-19-2011 02:31 AM

في جوف حوت


ومتى يُمْهِلُنا الجَلاَّدُ والسَّوطُ المُدَمَّى
فنموتْ
بين أيدٍ حانياتٍ،
في سكوتٍ، في سكوتْ
ومتى يَخْجَلُ مصباحُ الخفيرْ
من مخازي العارِ
والدمعِ المدوِّي من سريرٍ لسريرْ
ومتى يُحْتَضَرُ الضوءُ المقيتْ
ويموتْ
عن بقايا خِرَقٍ شوهاءَ،
عنَّا، عن نُفاياتِ المقاهي والبيوتْ
حُشِرَت في مِصْهَرِ الكبريتِ،
في مستَنْقعِ الحمَّى،
رَسَتْ في جَوفِ حوتْ
مُضْغَةً يجْترُّها الغازُ الجحيميُّ السعيرْ،
حشرجاتٍ تَتَعالى
سُحُبًا صفراءَ في وجه القديرْ
والضميرْ
ذلك الصوت المُرائي
كم يُرائي المستَجيرْ،
ذلك الجوُّ الجحيميُّ السعيرْ
في مداه لا غدٌ يُشرِقُ،
لا أمسٌ يفوت
غيرَ آنٍ ناءَ كالصَّخر على دنيا تموتْ
أتُراهُ كان لي دنيا سِواها،
كانَ لي يومٌ نضيرْ
وعرفتُ الحلمَ والإيمانَ والحبَّ القريرْ
نَبْضُ قلبينِ، وَزنْدٌ لَيِّنٌ،
وصدًى يهمسُه دفءُ الحريرْ،
وَصليبٌ وَرِعٌ فوق السريرْ
وخيالٌ يتحدَّى
عَتْمَةَ المجهولِ والسرَّ الكبيرْ.
أتُراهُ كانَ لي يومٌ معافًى ونضيرْ
أم حكاياتُ ثلوجٍ مَدَّها
البُحْرانُ في وَهْجِ الهجيرْ
كل ما أذكرُه أنِّي أسيرْ،
عُمْرُهُ ما كان عُمْرًا،
كان كهفًا في زواياهُ
تدبُّ العنكبوتْ
والخفافيشُ تطير ْ
في أسى الصمتِ المريرْ
وأنا في الكَهف محمومٌ ضريرْ
يتمطَّى الموتُ في أعضائِهِ،
عُضوًا فعُضوًا، ويموتْ
كلُّ ما أعْرفه أنِّي أموتْ
مُضغَةً تافهةً في جوف حوتْ

جنــــون 07-19-2011 02:32 AM

في سدوم للمرّة الثالثة



أَمسي احتراقٌ
واحتراقٌ غدي
وخطوةٌ مرهقةٌ مرهقَهْ
تَهمُّ في الظنِّ ولا تَبتدي
في سَبْخةٍ محروقةٍ محرقَهْ

* * *

يَحْتَرقُ التُّرَابْ!
يَحْتَرِقُ الحَجَرْ!
يَحْتَرِقُ السَّحَابْ!

* * *

لا يَلْتَقي ظلٌّ على أَرضِهَا
مِنْ غَيمةٍ أَو نَبْتةٍ مُورِقَهْ.

* * *

حوافرُ الدوابْ
تُرصِّعُ الأَوحالَ بالحُفَرْ.

* * *

بعضُ البياضِ الشاهقِ البعيدْ
ينحلُّ فيهَا، يمَّحي فِي رَغْوةِ الصديدْ

* * *

وشهوةُ البشَرْ
تشتفُّ ما لا تشتهي
وغيرَ ما تريدْ
مَا يَلْتوي عَنْهُ دويُّ اللهَبِ
المسعورِ في الكِلاَبْ
وتَلْتَوي قَنَاطِرُ الذُبَابْ
مسعورةً، تشفُّ عَنْ شَرَرْ

* * *

يَحْتَرقُ التُّرَابْ!
يَحْترِقُ الحَجرْ!
لست أدري
لستُ أدري
كيف تصفو أسطري
صفوة الوهجِ الطري
أتراها انسكبت
من دفقة الينبوع
لفظًا ومعاني؟
أم ترى صفّيت
لفظًا ومعاني
عبر عصرٍ يتمطى ويعاني
ما يعانيه اجترارا
في اجترارِ
دون طعمِ الملح
أو طعمِ البهارِ؟

جنــــون 07-19-2011 02:32 AM

قطار المحطّة


ما زالَ من عامٍ
يُرَاوحُ في محطّتِهِ قطارْ
يَفْري على الخطَّينِ
أَشلاءَ الصغارِ مع الكبارْ

* * *

في زَحمة القتلَى
على كفنٍ وتابوتٍ وبئرٍ ضَيِّقَهْ
عايَنْتُ خطًّا يَمَّحي
بَينَ الزمانِ ولا زَمانْ
عايَنْتُ خطًّا يمَّحي
بينَ التوهُّمِ والعيانْ
أَعددتُ للأعمارِ في الدنيا
جنائزَ مطلقَهْ

* * *

أوغَلْتُ في نَفَقٍ
من الهولِ الثقيلِ إلى المبيتْ
صوتٌ جريحٌ يستجيرُ ولا يُجارْ
تَتَفتقُ الأَصْدَاءُ
عن شررٍ يشيعُ مدى السكوتْ
أُمِّي العجوزُ
يَعَضُّهَا ظنٌّ، يرسِّخُهُ انتظارْ
وتكادُ من جَزَعٍ تموتْ.

* * *

رَاوَغْتُ طولَ الليلِ،
غولَ مؤَامراتٍ واغتِيالْ
يَشْتَفُّ طَعْمَ غرائبِ التعذيبِ
ممتعةً، حلالْ،
وحمدتُ ذئبًا يشتهي
لحمَ الفريسةِ
غصَّةَ الأَعضاءِ غيرَ مشوَّهَهْ،
وبَلوتُ لسعَ السوطِ
في جسد البريءِ
وعشتُ في أعضائِهِ المتأوّهَهْ

* * *

لو كان يعصم عفَّةَ الأُنثى امتناعْ
ما غَوّرَتْ دربٌ، مدى الساقينِ،
واسعةً مُشَاعْ
تجتاحُهَا حمَّى الحماةِ بلا انقطاعْ

* * *

بشرٌ يمدُّ لسانَهُ فأْرًا
ويمخر مُزْبِلَهْ
اَلعارُ أَصلُ طباعِهِ
لن يُخجلَهْ

* * *

اَلسيِّدُ المختارُ
يُتقنُ من صراعِ الفكرِ
حالاتِ التشنُّجِ في الصريعْ
يُرْغِي بحبِّ اللهِ والإنسانِ
والقيمِ التي تَلِدُ الحضارَهْ
وأَرَى فروخَ البومِ
تنبتُ في ضميرٍ بَاعَ نارَهْ
ومضى يَبيعْ
لحمًا تبعثَر في الشوارعِ
لحمَ لبنانَ "المخلَّعِ" و"المنيعْ".

* * *

أُمِّي تخافُ النَّوْمَ يَفْتَحُ
ثقلَ جفنَيْهَا على غَضَبِ السماءِ،
بلى، بلى... غضَبٌ.. مُحَالْ،
يا مَنْ تعوَّدَ أَن يُريحَ المتعبينَ،
بلا سؤَالْ

* * *

ما همَّ لو بَكَتِ العجوزُ
ذبيحةً بين الذبائحِ
تفتَدِي جبلَ الطيوبْ،
تَجلُوهُ من كيدٍ
تَصلَّبَ في القلوبْ
في البدءِ لم يفتِكْ أَخٌ بأخيهِ
لم يهربْ من العينِ الخفيةِ والعليمهْ
في البدءِ لم تكن الجريمهْ!!
لبنانُ سوف يشدُّ يمناهُ على اليُسْرَى،
يعودُ، تضمُّهُ الأُم الكريمَهْ

* * *

لِمَ لا أَقولْ:
خوفٌ خفيٌّ يَنْطوِي، ينسَلُّ
في صُلْبِ الفوارسِ والوُعُولْ
يدوي فيَرْتَجِفُ الحجَرْ،
يمضى فيبتسم الضَّجرْ،
حرفُ الرغيفِ
يشدُّ أَفواهًا تئنُّ، تئنُّ
تلهثُ في مَدَارْ
أَلقى صحابي في المدارِ على احتقارْ
يرتدُّ خَنْجَرُهُ إلى صَمْتي
ويبتلعُ الوحولْ
قلبٌ يهمُّ ولا يقولْ،
لِمَ لا أَقولْ:
تَتَحَجَّرُ العينانِ
في صمتٍ يحجِّرهُ الذهولْ:
إِنَّ الفجائعَ مُزْمنَهْ
إِنَّ الغمائمَ مزمنَهْ
لونَ ياقوت، جمان، أُرْجُوَانْ،
وبياضَ حلمِ الطفلِ
يهجعُ وهو يرضعُ في أَمانْ،
حُلْمٌ
يولِّدُهُ سوادُ القلبِ
يُزْهرُ في عروق موهنَهْ
إنّ الفجائعَ مزمنَهْ
إن الغمائمَ مزمنَهْ
أَدركتُ سرَّكَ
يا أبا الهولِ الذي لا يلتقي
عبرَ الزمانْ
سرًّا أصيلاً يستجدُّ فيعلنَهْ

جنــــون 07-19-2011 02:32 AM

قطع اللّسان


خَلَعَ الرمحُ سِنانَهْ
بين كفَّيْ خارجيٍّ
قطع الفلسُ لسانَهْ
وتجلَّى في ضميرِهْ
ومصيرِهْ
بارقٌ ينهلُّ
من ختم أَميرِهْ

* * *

كانَ يمشي مرِحًا،
يَزْهُو ويلهو ويَنامْ
نومَ طفلٍ
يَجتني من جنَّةٍ ما يشتهيهْ
حيثُ لا تُفزعُهُ
أظفارُ جنيٍّ كريهْ
حيثُ لا تصرخُ في عينيهِ
غصَّاتُ الفطامْ
كانَ يَلقى وجهَهُ الريّانَ
يلقى ما تعوَّدْ
وامّحى ما كان وَعْرًا شاهقًا
في صمتِ صخرٍ يتمرّدْ
لا يلبّي غيرَ جبَّارٍ
خفيٍّ يتوعّدْ

* * *

كانَ قبل اليومِ
غِرًّا يتَّقي طعمَ الحرامْ
يتَّقي منقارَ نسرٍ
ينهشُ الأكبادَ في طبعِ اللئَامْ

جنــــون 07-19-2011 02:33 AM

ليالي بيروت


ليالي بيروت
في ليالي الضِّيقِ والحرمانِ
والريحِ المدوِّي في متاهاتِ الدروبْ
مَن يُقَوِّينا على حَمْلِ الصليبْ
مَن يَقينا سَأمَ الصَّحْراءِ،
مَن يَطْرُدُ عنَّا ذلك الوحشَ الرَّهيبْ
عندما يزحَفُ من كَهفِ المغيبْ
واجِمًا محتَقِنًا عبرَ الأزقَّهْ,
أَنَّةٌ تُجْهِشُ في الريحِ، وَحُرْقَه،
أعينٌ مشبوهَةُ الوَمضِ
وأشباحٌ دَميمَهْ.
ويثورُ الجنُّ فينا
وتُغاوينا الذنُوبْ
والجَريمهْ:
"إنَّ في بيروتَ دنيا غيرَ دنيا"
"الكَدحِ والمَوتِ الرتيبْ"
"إنَّ فيها حانةً مسحورةً،"
"خمرًا، سريرًا مِن طيوبْ"
"للحيارى"
في متاهات الصحارَى،
في الدهاليزِ اللعينَهْ
ومواخيرِ المدينَهْ
(...)
مَن يقوِّينا على حملِ الصليبْ
كيف نَنجُو مِن غِواياتِ الذنوبْ
والجَريمَهْ؟
مَن يقينا وهلةَ النَّوْمِ
وما تَحملُ مِن حُمَّى النَّهارْ.
أين ظلُّ الوردِ والرَّيْحانِ
يا مِروحَةَ النوْمِ الرَّحيمَهْ؟
آهِ مِن نومي وكابوسي الذي
ينفُضُ الرُّعْبَ بوَجْهي وَجَحيمَهْ
مُخدعي ظلُّ جدارٍ يتداعى
ثُمَّ ينهارُ على صَدْري الجِدارْ
وغريقًا ميِّتًا أطفو على دَوَّامةٍ
حرَّى ويُعميني الدُّوارْ
آهِ والحقْدُ بقلبي مِصهرٌ
أمتَصُّ، أجترُّ سمومَهْ
ويدي تُمسِكُ في خِذْلانها
خَنجَرَ الغَدرِ، وسُمَّ الانتِحارْ،
رُدَّ لي يا صُبحُ وجهي المستعارْ
رُدَّ لي، لا، أي وجهٍ
وجحيمي في دمي، كيف الفِرارْ
وأنا في الصبحِ عبدٌ للطواغيتِ الكبارْ
وأنا في الصبحِ شيءٌ تافهٌ، آهِ من الصبحِ
وجَبْروتِ النَّهارْ!
أَنَجُرُّ العمرَ مشلولاً مدمًّى
في دروبٍ هدَّها عبءُ الصليبْ
دون جدوى, دون إِيمانٍ
بفردوسٍ قريبْ؟
عمرُنا الميِّتُ ما عادتْ تدمِّيه الذنوبْ
والنيوب
ما علَيْنا لَوْ رَهنَّاهُ لدى الوحشِ،
أو لدى الثعلَبِ في السوقِ المُريبْ
ومَلأنَا جَوفَنا المَنْهومَ
مِنْ وهجِ النُّضار
ثُمَّ نادَمنا الطواغِيتَ الكبارْ
فاعتَصَرْنا الخمرَ من جوعِ العَذارى
والتَهمْنا لحمَ أطفالٍ صغارْ،
وَغَفوْنا غَفْوَ دُبٍّ قُطُبيٍّ
كهْفُه منطمِسٌ، أعمى الجِدارْ


الساعة الآن 12:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية