منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   عرفة والنحر والتشريق (خطبة) (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=235339)

ضامية الشوق 06-12-2024 02:01 PM

عرفة والنحر والتشريق (خطبة)
 
عرفة والنحر والتشريق

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ، الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ؛ يَفِيضُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ بِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ، وَيَغْمُرُهُمْ بِنِعَمِهِ وَبَرَكَاتِهِ، وَيَهْدِيهِمْ لِمَا يُصْلِحُ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا يَزِيدُ نِعَمَهُ وَفَضْلَهُ، وَنُثْنِي عَلَيْهِ الْخَيْرَ كُلَّهُ؛ فَلَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يُذْكَرُ وَيُعَظَّمُ، وَيُكَبَّرُ وَيُحْمَدُ، وَيَسْأَلُهُ الْعِبَادُ حَاجَاتِهِمْ، وَيَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ بِعِبَادَاتِهِمْ، وَيَفِدُ الْحُجَّاجُ إِلَى بَيْتِهِ، وَيُعَظِّمُونَ شَعَائِرَهُ، وَيَقِفُونَ فِي مَشَاعِرِهِ؛ فَيَعْلَمُ مَكَانَهُمْ، وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ، وَيُجِيبُ دُعَاءَهُمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَدَّعَ فِيهَا أُمَّتَهُ، وَأَخْبَرَ عَنْ كَمَالِ دِينِهِ، وَبَيَّنَ لِلنَّاسِ مَنَاسِكَهُمْ، وَبَعْدَ الْحَجِّ بِأَشْهُرٍ فَارَقَهُمْ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَأَخْلِصُوا لَهُ أَعْمَالَكُمْ، وَأَلِحُّوا عَلَيْهِ فِي دُعَائِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ تَسْأَلُونَ بَرًّا رَحِيمًا، جَوَادًا كَرِيمًا، لَا يُرَدُّ مَنْ دَعَاهُ، وَلَا يَخِيبُ مَنْ رَجَاهُ؛ ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ ‌الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النَّمْلِ: 62].

أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّكُمْ فِي مَوْسِمٍ هُوَ أَفْضَلُ الْمَوَاسِمِ، وَفِي أَيَّامٍ هِيَ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ، وَالْأَعْمَالُ فِيهَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ؛ فَحُقَّ لَهَا أَنْ تَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدًا، وَأَنْ يَفْرَحُوا بِهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَأَنْ يَعْمُرُوهَا بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، قَالَ فِيهَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ...» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ فَغَدًا يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَلِيهِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَلِيهِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ:
أَمَّا يَوْمُ عَرَفَةَ: فَهُوَ يَوْمُ كَمَالِ الدِّينِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [الْمَائِدَةِ: 3]، قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ رُكْنُ الْحَجِّ الْأَعْظَمُ؛ فَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِهَا فَاتَهُ الْحَجُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ...» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَهُوَ يَوْمُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ، فَلَا يَوْمَ فِي الْعَامِ كُلِّهِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ عِتْقًا مِنَ النَّارِ؛ لِأَهْلِ عَرَفَةَ وَلِأَهْلِ الْأَمْصَارِ؛ لِمَا يُنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ مِنْ عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ؛ وَلِمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ إِلَى رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ، فَيُعْتِقُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ النَّارِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلِذَلِكَ صَارَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ عِيدًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِهِمْ، مَنْ شَهِدَ الْمَوْسِمَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْعِتْقِ وَالْمَغْفِرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ». وَفِي يَوْمِ عَرَفَةَ يُبَاهِي اللَّهُ تَعَالَى مَلَائِكَتَهُ بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ؛ رِضًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِطَاعَتِهِمْ وَوُقُوفِهِمْ وَدُعَائِهِمْ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا» صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ.

وَإِذَا كَانَ لِأَهْلِ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ الْوُقُوفُ وَالدُّعَاءُ؛ فَلِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الصَّوْمُ وَالدُّعَاءُ، وَلِلصَّائِمِ دَعْوَةٌ مَا تُرَدُّ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ دَعْوَتُهُ حَالَ تَلَبُّسِهِ بِصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَمَا أَعْظَمَ فَضْلَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِيَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا فِيهِ مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ.

وَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ: فَهُوَ أَعْظَمُ أَيَّامِ السَّنَةِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَعْمَالِ الْحُجَّاجِ تَكُونُ فِيهِ؛ حَيْثُ رَمْيُ الْجِمَارِ، وَذَبْحُ الْهَدْيِ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ، وَالتَّحَلُّلُ مِنَ الْإِحْرَامِ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَخَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «يَوْمُ النَّحْرِ تَكُونُ الْوِفَادَةُ وَالزِّيَارَةُ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ طَوَافُهُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ طُهِّرُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ يَوْمَ عَرَفَةَ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ رَبُّهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ فِي زِيَارَتِهِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ إِلَى بَيْتِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ فِيهِ ذَبْحُ الْقَرَابِينِ، وَحَلْقُ الرُّؤُوسِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَمُعْظَمُ أَفْعَالِ الْحَجِّ» اهـ.

وَخَطَبَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً عَظِيمَةً ذَكَرَ فِيهَا اسْتِدَارَةَ الزَّمَنِ، وَإِلْغَاءَ مَا أَحْدَثَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيهِ مِنَ النَّسِيءِ؛ لِيَسْتَقِرَّ الزَّمَانُ بِأَشْهُرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَبَيَّنَ فِيهَا الْحُرُمَاتِ الْعَظِيمَةَ؛ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الزَّمَانُ قَدِ ‌اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَأَمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ: وَهِيَ الْيَوْمُ الْحَادِي عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ، فَهِيَ أَيَّامُ الذِّكْرِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ ‌مَعْدُودَاتٍ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 203]، وَتُسَمَّى أَيَّامَ مِنًى؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَقِرُّونَ فِيهَا بِمِنًى، وَيَكْثُرُ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى الذَّبَائِحِ، وَالتَّكْبِيرِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ، وَالتَّكْبِيرِ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ؛ لِلْحُجَّاجِ وَغَيْرِ الْحُجَّاجِ، وَقَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَاقْدُرُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ الْعَظِيمَةَ قَدْرَهَا، وَأَكْثِرُوا مِنَ الذِّكْرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِيهَا؛ فَإِنَّهَا فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَنْ أَدْرَكَهَا، وَغُنْمٌ كَبِيرٌ لِمَنِ اسْتَثْمَرَهَا، وَخَسَارَةٌ فَادِحَةٌ عَلَى مَنْ ضَيَّعَهَا.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا ‌تُرْجَعُونَ ‌فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمُ الْأَضَاحِيَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِمَنْ وَجَدَ قِيمَتَهَا، وَذَبْحُهَا أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ هُوَ يَوْمُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْهَدْيِ وَالْأَضَاحِي، وَيَجِبُ الْإِخْلَاصُ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا تُذْبَحُ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً؛ ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي ‌وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 162-163]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ ‌فَصَلِّ ‌لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الْكَوْثَرِ: 2]؛ فَكَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ وَالذَّبْحُ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَالْأُضْحِيَةُ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلِأَنَّهَا قُرْبَانٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلْيَخْتَرْ أَطْيَبَهَا وَأَسْمَنَهَا؛ لِقَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ»، وَيَجِبُ اجْتِنَابُ الْمَعِيبَةَ مِنَ الذَّبَائِحِ فَلَا يَجْعَلْهَا أُضْحِيَةً؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ ‌الَّتِي ‌لَا ‌تَنْقَى» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: «أَمَّا الْعُيُوبُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَمُجْتَمَعٌ عَلَيْهَا، لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا دَاخِلٌ فِيهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهَا أَبْيَنَ»، وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ فَيْرُوزَ: «قُلْتُ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقَرْنِ نَقْصٌ، أَوْ فِي الْأُذُنِ نَقْصٌ، أَوْ فِي السِّنِّ نَقْصٌ، قَالَ: فَمَا كَرِهْتَهُ فَدَعْهُ، وَلَا تُحرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ»؛ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا، وَاسْتَحْضِرُوا ثَوَابَهَا، وَاشْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا؛ ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ ‌يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ ‌يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الْحَجِّ: 36-37].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

مديونه 06-12-2024 02:14 PM

لجهودك باقات من الشكر والتقدير

على روعة الطرح


https://a3zz.net/upload/uploads/imag...7891e79eef.gif

جنــــون 06-12-2024 02:23 PM

لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ
وُدِيِّ

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...b66adb0a14.gif

ضامية الشوق 06-12-2024 02:27 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مديونه (المشاركة 4639273)
لجهودك باقات من الشكر والتقدير

على روعة الطرح


https://a3zz.net/upload/uploads/imag...7891e79eef.gif

يسلمو على المرور

ضامية الشوق 06-12-2024 02:28 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جنــــون (المشاركة 4639304)
لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ
وُدِيِّ

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...b66adb0a14.gif

يسلمو على المرور

نظرة الحب 06-12-2024 03:07 PM

روعه
يعطيك العافيه
.
.
مودتي

ضامية الشوق 06-12-2024 04:33 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نظرة الحب (المشاركة 4639396)
روعه
يعطيك العافيه
.
.
مودتي

يسلمو على المرور

روح الندى 06-13-2024 12:50 AM

جزاك الله خير

المهرة 06-15-2024 05:56 AM


https://blogger.googleusercontent.co...H/s1600/A5.png



اسلمي وبااارك الله فيك
وفي جلبك وطرحك الطيب والمفيد
جزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
عرضهاا السموات والارض اشكرك
سلمت الايااادي ويعطيك ربي عافية
تحيتي وتقديري وبانتظااار جديدك
دمتي وكوني بخير



https://blogger.googleusercontent.co...H/s1600/A5.png




































































شموخ 06-15-2024 01:45 PM

سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

ضامية الشوق 06-19-2024 03:10 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روح الندى (المشاركة 4639518)
جزاك الله خير

يسلمو على المرور

ضامية الشوق 06-19-2024 03:11 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المهرة (المشاركة 4640211)

https://blogger.googleusercontent.co...H/s1600/A5.png



اسلمي وبااارك الله فيك
وفي جلبك وطرحك الطيب والمفيد
جزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
عرضهاا السموات والارض اشكرك
سلمت الايااادي ويعطيك ربي عافية
تحيتي وتقديري وبانتظااار جديدك
دمتي وكوني بخير



https://blogger.googleusercontent.co...H/s1600/A5.png




































































يسلمو على المرور

ضامية الشوق 06-19-2024 03:11 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شموخ (المشاركة 4640257)
سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

يسلمو على المرور

ملكة الجوري 06-26-2024 02:05 PM

جزاك الله خيـــر
وزادك رفعه ورزقك الجنان

ضوى الليل 06-27-2024 08:28 PM

جزاك الله خيرا وجعلة في ميزان حسناتك

أبو إبتهال 06-27-2024 11:52 PM

بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

ضامية الشوق 06-29-2024 10:53 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملكة الجوري (المشاركة 4641777)
جزاك الله خيـــر
وزادك رفعه ورزقك الجنان

يسلمو على المرور

ضامية الشوق 06-29-2024 10:53 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضوى الليل (المشاركة 4642168)
جزاك الله خيرا وجعلة في ميزان حسناتك

يسلمو على المرور

ضامية الشوق 06-29-2024 10:53 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجنون قصايد (المشاركة 4642179)
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

يسلمو على المرور

نجم أبو أحمد 06-29-2024 08:03 PM

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

كـــآدي 06-30-2024 03:55 AM

طرح جميل
يعطيك العافية

ضامية الشوق 07-03-2024 11:59 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجم الجدي (المشاركة 4642344)
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

يسلمو على المرور

ضامية الشوق 07-03-2024 11:59 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كـــآدي (المشاركة 4642396)
طرح جميل
يعطيك العافية

يسلمو على المرور

ضوى الليل 07-08-2024 04:09 PM

جزاك الله كل خير
على هذا الموضوع القييم
تحياتى بكل الود والتقدير

ضامية الشوق 07-08-2024 06:08 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضوى الليل (المشاركة 4644542)
جزاك الله كل خير
على هذا الموضوع القييم
تحياتى بكل الود والتقدير

يسلمو على المرور

زمرد 07-24-2024 09:36 PM

متصفح بمحتوى جميل
كل الشكر للجهد و العطاء
لروحك الود و الورد
https://www.3b8-y.com/vb/images/smil...d71d5d6243.gif

ضامية الشوق 07-25-2024 10:55 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زمرد (المشاركة 4647244)
متصفح بمحتوى جميل
كل الشكر للجهد و العطاء
لروحك الود و الورد
https://www.3b8-y.com/vb/images/smil...d71d5d6243.gif

يسلمو على المرور

نبضها حربي 07-26-2024 12:12 AM

جزاك الله خير

ضامية الشوق 07-26-2024 05:47 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نبضها حربي (المشاركة 4647393)
جزاك الله خير

يسلمو على المرور


الساعة الآن 04:00 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية