منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=12)
-   -   حلم حياتي ... الكاتبه : ابتسامة ملاك (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=47977)

جنــــون 11-23-2011 01:25 AM

حلم حياتي ... الكاتبه : ابتسامة ملاك
 
حلم حياتي
ابتسامة ملاك



ان شاءالله تنال اعجابكم هذه الرواية..
ليست اولى كتاباتي.. ولكن اتمنى انها تكون الافضل..

لا تحرموني ردودكم وآرائكم.....


"حلم حياتي"

مقدمة:
تمضي الأيام لتحل مكانها أيام أخرى.. ليكبر الصغير.. ويشيب الكبير.. لتكبر الأحلام ومعها تزداد فرصة تحقيق الأمنيات..
هل حلمت يوما بامتلاك منزل كبير؟.. أو حتى فكرت بالحصول على سيارة من أحدث طراز..ما الذي منعك من تحقيق هذه الأمنيات؟.. أو ما الذي يمنعك الآن؟.. تكاسل ام خيبة امل.. ام هو يا ترى الشعور بان الأحلام لا تتحقق..
من قال هذا؟..جميع الناس على هذه الأرض الواسعة لا تكف عن التمني..وبالعزم والاصرار..حققوا ما يحلمون به ويصبون إليه منذ ان كانوا صغارا..
هي تمنت وحلمت.. ومع الايام كبر معها حلمها هذا..
هو تمنى أيضا.. وكان يطمح بتحقيق حلمه هذا..
لكن أشياء كثيرة كانت تقف حائلا بينهما؟.. أشياء منعتهما من تحقيق هذا الحلم الجميل..التي ترفرف حوله العصافير..عصافير الحب.....






*الجزء الاول *
(هل هي وظيفة أحلامها؟)


ابتسامة مليئة بالسعادة شملت وجه تلك الفتاة وهي تدلف الى منزلها وتهتف قائلة بفرح: أبــــــــي.. أمـــــــي..
خرجت والدتها من المطبخ وقالت باستغراب: لم تصرخين هكذا يا (وعــــد)؟..
قالت وعد بابتسامة واسعة وسعيدة وهي تلوح بكفيها: لقد تم قبولي في الوظيفة..
ابتسمت والدتها وقالت : هذا سيريحنا من سماع صوت صراخك أخيرا..
قالت وعد باستنكار : أمي.. ماذا تقولين..
ابتسمت والدتها وقالت وهي تعود لتدلف الى المطبخ: لا عليك.. مبارك يا وعد..
ابتسمت وعد قائلة: أجل هذا ما كان يجب عليك قوله منذ البداية..
لحظة واحدة.. لنخرج من سياق القصة قليلا وأعرفكم بهذه الفتاة..اسمها وعد..فتاة في الثالثة والعشرين من عمرها..ذات شعر كستنائي ينسدل على كتفيها بنعومة.. وعينان عسليتان واسعتان..بشرتها بيضاء صافية.. وملامحها الملائكية.. تزيد من جمالها..
وعد فتاة مليئة بالمرح والحيوية..متفائلة .. اجتماعية ..وتكره الوحدة والانعزال.. تحب الحياة .. محبة للجميع..والجميع يحبها..لم تعرف معنا للكره في حياتها.. ولكنها عنيدة ومتمردة..اغلب الأوقات.. مكابرة رافضة للاستسلام مهما حدث.. ابتسامتها ومرحها يجعلانها أشبه بالأطفال..
لنعد الى القصة مجددا.. ها هي ذي وعد تهز كتفيها وتتوجه نحو الدرج الذي يقود الى حيث غرفتها.. حين سمعت صوتا يأتي من خلفها وصاحبه يقول: صحفية.. أليس كذلك؟
التفت الى صاحب الصوت وقالت وهي تعقد ساعديها امام صدرها : بلى هذا صحيح يا (هشـــام)..
قال مبتسما: ما الذي يدفعهم لتوظيف فاقدوا الأهلية في الصحف..
رفعت حاجبيها وقالت: أنا يا هشام .. حسنا سترى ايها الاحمق..
وأردفت قائلة: ثم ما الذي جاء بك الى هنا؟..
هز كتفيه وقال: دعوة من عمي لتناول الغداء انا وعائلتي في منزله..
قالت ساخرة: لكني لا أرى سواك هنا..
قال بهدوء: ذلك لأني كنت قريبا من المنزل بعد انتهاء فترة عملي..
تريدون ان تعلموا من هو هشام اليس كذلك؟ خصوصا مع اسلوبه المبسط مع وعد..حسنا هشام شاب في السادسة والعشرين من عمره .. ابن عم وعد..طموح ومثابر ..مرح ولكنه هادئ نوعا ما..وهو أفضل من يقدم لك النصيحة فلديه أسلوب غريب للاقناع..قضى مع وعد اغلب ايام عمرهما..وهو يعمل مهندسا في احدى الشركات..
ملامحه تتسم بسمرة خفيفة ووسامة..ذا شعر بني قاتم يميل الى السواد وعينين من اللون ذاته..فارع القامة..المهم نعود مرة اخرى..
قالت وعد في تلك اللحظة: ولم تكون الأسبق للحضور الى هنا..ألم ترى غداءا في حياتك؟..
قال ساخرا: بلى شاهدت.. ولكني اليوم هنا حتى أنغص عليك وقتك..
قالت مبتسمة: وكيف هذا؟
قال مبتسما بدوره: سأمنعك من تناول طعام الغداء..
قالت بمرح: وتتناوله أنت أليس كذلك.. يا للجشع..
قال وهو يتصنع الجدية : أتظنين بأنني امزح.. كلا.. هيا اذهبي الى غرفتك .. لن تتناولي شيئا هذا اليوم..
قالت وهي تتطلع اليه باستخفاف: حقا أرعبتني كثيرا.. ابتعد عن طريقي والا ندمت..
عقد ساعديه امام صدره وقال وهو يتعمد الوقوف في وجهها: وإذا لم أفعل..
قالت بسخرية: ستحصل على هذا....
قالتها وركلت قدمه وأسرعت تجري مبتعدة عن المكان.. فهتف هشام بها قائلا: سأريك يا وعد..
ضحكت بمرح وهي تتجه الى المطبخ.. الى حيث والدتها التي قالت مبتسمة وهي تلتفت لها: ماذا جرى لك؟
قالت وابتسامتها المرحة لم تفارق شفتيها: لا شيء.. اخبريني يا أمي أتودين أي مساعدة؟..
اشارت والدتها الى الأطباق وقالت: أجل ضعيها على طاولة الطعام التي بالخارج..
حملت الأطباق بحذر واتجهت نحو الردهة.. حين سمعت صوت هشام يهتف بها: بامكاني دفعك حتى تسقطين أرضا وتتحطمين مع الاطباق ..
ابتسمت وقالت وهي تضع الاطباق على الطاولة وتستعد لتنظيمها: ويهون عليك ان تشوه هذا الجمال..
قال ساخراً: ربما تزدادين جمالاً مع بعض الرضوض.. او ربما تتأدبين ولا تتطاولين على من هم أكبر منك سناً حينها..
قالت بأسف مصطنع: معذرة يا جدي لم اعني ركلك بقدمي.. ذلك فقط حتى لا تتحداني مرة أخرى..
قال وهو يلتقط أحد الأطباق: ماذا تعنين بقولك هذا.. تظنين انني سأصمت على ما فعلتيه..
- وماذا ستفعل اذا؟..
- هذا..
قالها وبكل برود رمى بالطبق ارضاً..ليتحطم بدوي قوي وخصوصا مع أرضية الردهة الرخامية..فأغلقت وعد عينيها بقوة وقالت بحدة: أيها المجنون..
اما والدة وعد فقد خرجت من المطبخ وهي تقول بخوف: ماذا حدث؟..
قال هشام وهو يشير الى وعد: لقد كسرت طبقا وهي تحاول ان ترميه نحوي..
صاحت وعد قائلة: لا تكذب يا هشام..
والتفت الى والدتها لتقول: انه يكذب هو من رماه أرضا متعمدا..
قالت والدتها بعصبية: لابد وانكما قد جننتما.. هيا نظفي ما تحطم..
هتفت وعد قائلة: امي اقسم هو من رماه.. وهو من عليه ان ينظف ال...
قاطعتها والدتها بغضب: هذا يكفي.. هيا نظفي المكان قبل أن يصل عمك..
انحنت وعد نحو الارض لتلتقط القطع المحطمة من الطبق وقالت وهي تتطلع الى هشام بنظرات غاضبة وحانقة: كله بسببك..
ابتسم وقال: هذا حتى تتعلمي من أخطائك..
تطلعت اليه بنظرة احتقار.. في حين مضى هو عنها وابتسامة انتصار تعلوا شفتيه..وما ان انتهت من ازالة القطع المحطمة من الارض.. حتى ارتفع صوت رنين جرس الباب.. فنفضت يديها فبل ان تتوجه الى الباب وتفتحه .. واتسعت ابتسامتها وهي تقول مرحبة: اهلا بك يا (عماد).. مضى زمن طويل منذ أن رأيناك آخر مرة..
قال بابتسامة هادئة: ليس طويلا الى ذلك الحد..
فتحت الباب بشكل أكبر وقالت مبتسمة: نفضل الى الداخل..
(عماد .. ابن خال وعد.. في التاسعة والعشرين من عمره.. لم يتزوج بعد لانشغاله بالعمل في شركة والده.. يغلب عليه طابع الهدوء والرزانة.. ويبدوا أكبر من عمره بسبب طريقة تفكيره..وسيم نوعا ما)
قالت وعد في تلك اللحظة: هل جئت وحدك؟
قال في هدوء:والداي سيحضران بعد قليل..
قالت متسائلة: كيف هي أحوال العمل؟..
- على مايرام.. ماذا عنك؟..هل وجدت عملاً؟..
قالت فجأة وكأنها قد تذكرت أمرا ما:صحيح نسيت أن أخبرك.. لقد وجدت وظيفة أخيرا..وقد تم قبولي فيها..
التفت لها وقال بابتسامة: مبارك يا وعد ..انت تستحقين الافضل دوما..
قالت بابتسامة مرحة: شكرا لك.. أخجلت تواضعي..
- وقد عملت في الصحافة كما كنت تطمحين.. صحيح؟..
أومأت برأسها وقالت: بلى فقد كانت هذه وظيفة أحلامي..
سألها قائلا: اين هي عمتي؟..
قالت وهي تشير الى المطبخ: كالعادة لا تبارح المطبخ ابدا..
قال في هدوء: عندما تتزوجين ستصبحين مثلها..
قالت في مرح: لا تجني علي أرجوك..لا أريد الزواج في حياتي وإذلال نفسي..
- انها سنة الحياة يا وعد..وأي فتاة لابد لها ان تتزوج يوما ما وتغادر منزل اهلها..
قالت مبتسمة: لا اظن ان هذا اليوم سيأتي قريبا..
كاد أن يهم بقول شيئا ما.. لكن وعد صاحت قائلة منادية والدتها: أمي لقد حضر عماد..
خرجت والدتها من المطبخ وقالت بابتسامة واسعة: عماد كيف حالك يا بني؟
توجه نحوها وقال: بخير..كيف حالك أنت وحال عمي؟
قالت مبتسمة: بخير..أخبرني أنت الم تفكر بالزواج بعد؟
قال مبتسما: لم؟.. ألديك عروسا لي؟..
تطلعت الى وعد وقالت بابتسامة حالمة: عروسك موجودة..
شعرت وعد بالاحراج وقالت في سرعة محاولة التهرب من الموضوع: سأذهب الى غرفتي عن اذنكما..
قالتها واسرعت تمضي الى الطابق الاعلى..في حين هزت والدتها رأسها وقالت: هذه الفتاة لن تكبر ابدا..
قال عماد في هدوء: الفتيات في سنها يشعرون بالحيوية وبالطاقة التي تجعلهم يبدون كالأطفال في تصرفاتهم..انه وضع طبيعي لكل فتاة في سنها..
قالت وهي تلتفت اليه: ولكن حقا.. الا تزال مصرا على عدم الزواج..
قال وهو يهز كتفيه: ما الذي يدعوني للعجلة؟
- وعد يا عماد لن تظل هكذا الى الابد.. إذ ربما يتقدم لها شاب وتقبل به.. او ربما تتعرف على أحدهم وتصر على الزواج به.. وعندها لن يمكننا فعل شيء سوى الرضوخ لمطلبها...ففي النهاية هذه هي حياتها.. وهي من تقرر من ترتبط به..
قال عماد في هدوء: اسمعيني يا عمتي.. أنا اعرف ان وعد لا تفكر بي كزوج المستقبل.. من جانبي فأنا اراها فتاة أحلام أي شاب.. ولكن هي لا تراني فارس احلامها..
قالت والدتها متسائلة: لو ناقشتها بالموضوع ووافقت على فكرة الزواج بك..هل ستتقدم لها حينها رسميا وتتزوجها..
قال مبتسما: بالتأكيد..وعد فتاة يتمناها أي شاب.. ولكن...
بتر عبارته وصمت فاستحثته والدة وعد قائلة: لكن ماذا؟
قال في هدوء: لا تفتحي معها الموضوع الآن دعيها تفرح بوظيفتها الجديدة.. لا اريد أن اكون سببا في ضيقها..
قالت باستنكار: أي كلام تقوله؟..الزواج بك اصبح يسبب الضيق.. يجب عليها أن ترقص من السعادة لأنها سترتبط بشاب مثلك..
قال عماد وهو يمسك بكتفها: ارجوك يا عمتي من أجلي..
قالت وهي تزفر باستسلام: كما تشاء..
*********
استبدلت وعد ملا بسها في سرعة وتطلعت الى نفسها في المرآة بعد أن انتهت..كانت ترتدي فستانا أزرقا بلون السماء الصافية..وربطة شعر من اللون ذاته..ربطت بها بعض من خصلاتها لتترك الباقي ينسدل على كتفيها..ولم تنسى ارتداء قلادة تحتوى على حجر كريم يشبه لون الفستان الى حد ما..وكادت أن ترتدي حلقها لولا ان سمعت طرقات على الباب..فتطلعت الى الباب بنظرة سريعة وقالت: من؟
جاءها صوت فتاة تقول: ومن غيري؟
اسرعت وعد تفتح الباب وقالت بسعادة: (فرح) هذه أنت..
قالت فرح مبتسمة وهي تدلف الى الداخل: أجل ..كيف حالك يا ايتها الصحفية المستقبلية؟..
قالت وعد بفخر: لم أعد كذلك..انني ومنذ الغد سأكون صحفية حالية..
قالت فرح بدهشة: أحقا ما تقولين؟
اومأت وعد برأسها وقالت بسعادة: اليوم تم قبولي في صحيفة الشرق (اسم وهمي)..
قالت فرح وهي تمسك بكفي وعد بسعادة: مبارك يا وعد..انا سعيدة لأجلك..
ضحكت وعد بمرح وقالت: وأنا كذلك..
سألتها فرح قائلة: اخبريني يا وعد هل شاهدت هشام؟
تبدلت ملامح وعد الى الحنق وقالت: اياك ان تتحدثي معي عن شقيقك هذا..
ضحكت فرح وقالت: ولم؟.. ما الذي حدث بينكما مؤخرا؟..
قالت وعد بضيق:اسأليه هو؟
- سأفعل ولكني لم اعثر عليه بالمنزل..
- أتمنى أن يكون قد رحل..
قالت فرح مبتسمة: لم تكرهين شقيقي؟
(فرح هي شقيقة هشام.. في الواحد والعشرين من العمر..مرحة ولطيفة..رقيقة المشاعر والاحاسيس..لكنها خجولة ومنطوية على نفسها ..جميلة بملامحها النقية الخالية من أي مستحضرات للتجميل..لون شعرها وعينيها بنيان وهي تشبه في ذلك هشام)
قالت وعد في سرعة: لا أكرهه.. ولكنه يغيظني بأفعاله..
قالت فرح فجأة: آه..نسيت أن أخبرك الغداء جاهز بالأسفل ولقد طلبوا مني أن أستدعيك..
قالت وعد بمرح: تستدعيني.. ومكثت معي.. فلنمضي قبل أن يرسلوا من يستدعيك أنت الاخرى..
قالتها وخرجت من الغرفة وتبعتها فرح ..وقالت هذه الاخيرة: لقد شاهدت عماد بالأسفل.. لقد جاء مبكرا اليوم على غير عادته..
قالت وعد مبتسمة: عماد دائما يأتي في موعده..
قالت فرح مبتسمة وهي تهبط مع وعد على درجات السلم:ما هذا ؟..مديح لعماد..وذم في هشام..كلا أنا لا اقبل..
( من هذا الذي يذمني؟)
قالها هشام وهو يتطلع اليهما من أسفل الدرج.. فقالت فرح مبتسمة: هشام.. اين كنت؟
قال بلامبالاة: ذهبت لأتمشى قليلا في الحديقة الخلفية.. لم تخبريني من هذا السخيف الذي كان يذمني؟
قالت وعد في حدة: أنا.. ماذا ستفعل؟
قال ساخرا: يبدوا وانك قد عرفت أخيرا قدر نفسك وانك فتاة سخيفة..
قالت بسخط: لم يطلب أحدهم رأيك..
قالت فرح مبتسمة: ما بالك يا وعد .. هشام يمزح معك..
قالت وعد بضيق: دمه ثقيل..ومزاحه سخيف..
مال نحوها هشام وقال مبتسما: هل غضبت مني حقا؟..انني امزح معك لا غير..انت الأعلم بمعزتك لدي..
التفت اليه وكادت ان تهم بقول شيئا ما ولكن ابتسامته اذابت الغضب التي تحمله بداخلها فلم تستطع الا ان تبتسم وتقول ولكن مع القليل من العناد:كلا لا أعلم .. وخصوصا وانك جعلتني انظف المكان بسبب ما فعلته انت..
قال وهو يغمز لها بعينه: لا عليك سأنظف أنا المنزل بأكمله في المرة القادمة..
قالت وابتسامتها تتسع: مع الحديقة الخارجية ايضا..
قال وهو يراها تمضي عنه: لا تحلمي كثيرا.. لقد كنت أمزح لا غير..
همست له فرح قائلة وهي تمضي الى جانبه: يبدوا وان وعد أنستك وجودنا..
قال مبتسما: اني اراك يوميا وبصراحة مللت من رؤية وجهك.. اما وعد فلا اراها الا يوم واحد في الاسبوع..
قالت بابتسامة خبيثة: مللت مني.. ام انها قد احتلت تفكيرك بالكامل.. حتى انك لم تعد ترانا..
قال بمكابرة: أي هراء تقولينه..
قالت بابتسامة وهي تميل نحوه: أَقسم بأنك لا تحمل لها أي من المشاعر في قلبك..
هز كتفيه وقال:هذا طبيعي لأنها ابنة عمي..
- انت تعلم ما أعنيه فلا تتغابى يا....
(فرح هيا ..ما الذي يوقفك هناك؟)
كانت وعد هي ناطقة العبارة السابقة.. فقال هشام محاولا التهرب من الموضوع: هيا اذهبي اليها إنها تناديك..
قالت مبتسمة بخبث: سأذهب..إليها..
قالتها وتوجهت نحو طاولة الطعام التي اجتمعت حولها العائلة..جلست هي الى جوار وعد والى جوار الأولى جلس عماد..وابتسم هشام بابتسامته المرحة المعتادة قائلا وهو يجلس على المقعد المواجه لوعد: بالتأكيد أعدت خالتي طبقي المفضل..
قالت وعد ساخرة: بلى..حساء الضفادع على يمينك..
ضحكت فرح وشاركتها وعد الضحك..في حين اكتفى عماد بابتسامة واسعة.. وبغتة تأوهت وعد .. فتوقفت فرح عن الضحك والتفت لها قائلة: ماذا بك؟
قالت وهي تطالع هشام بنظرة غاضبة: لا شيء ولكن احدهم لا يزال يود أن يجرب عينة أخرى من ركلاتي..
قالتها وهي تدوس على قدم هشام..الذي داس على قدمها منذ لحظات حتى يوقفها عن الضحك..فقال هشام مهددا: ستندمين يا وعد..
أخرجت له لسانها وقالت: لن يمكنك فعل شيء..
قالتها وضحكت بمرح.. فهتفت بها والدتها قائلة: تأدبي ياوعد..وكفاك ضحكا .. احترمي وجودك معنا..
احست وعد بالحنق .. خصوصا وهي ترى نفسها في موقف محرج امام الجميع..وقالت وهي تعبث في طبقها: حسنا..
في تلك اللحظة لم تنتبه وعد الى نظرات هشام المعلقة بها..والذي كان يتطلع اليها بنظرات تملؤها الحنان....
* * * * * *
ما ان انتهى عماد من تناول طعام الغداء...حتى قال: اعذرني يا عمي واعذريني أنت أيضا يا عمتي.. فعلي ان اغادر الآن..
قالت والدة وعد باستنكار: ماذا تقول يا عماد؟.. لم تأتي الى المنزل الا قبل ساعة..اننا لا نراك الا في هذا اليوم..
قال بابتسامة هادئة: معذرة يا عمتي.. ولكن لدي من الأعمال الكثير ولو أجلتها إلى الغد أيضا..فلن انهيها أبدا..
التفت اليه وعد وقالت باستنكار: صحيح يا عماد لا يزال الوقت مبكرا..
نهض من على مقعده وقال: ان الجلسة معكم لا تُمل..ولكنه العمل الذي لا يرحم أحدا..
واردف مودعا: أراكم بخير الاسبوع القادم..الى اللقاء جميعا..
قال والد وعد: صحبتك السلامة يا بني..
غادر مكانه من على الطاولة وما ان مر الى جوار وعد حتى قال هامسا: كان بودي البقاء أكثر..
ابتسمت ابتسامة واسعة وهي تلتفت اليه.. وبادلها هو الابتسامة.. وهنا ظهرت علامات الضيق على وجه هشام.. وما ان غادر عماد المنزل حتى لم يتمالك هشام نفسه وقال بعصبية هامسة: ماذا قال لك؟
رفعت وعد حاجبيها بدهشة مصطنعة وقالت: من؟
قال بحدة: عماد..ومن غيره..
هزت كتفيها وقالت: ماذا قال؟..
انفعل قائلا: انا من يسألك..
تدارك نفسه عندما شاهد عيون الجميع تلتفت اليه وتتطلع له بدهشة.. فنهض من مكانه وقال: عن اذنكم..
قالها وغادر المكان .. فهمست فرح لوعد قائلة: لماذا تفعلين هذا؟..
ابتسمت وعد وقالت: وما شأنه هو بما قاله لي عماد..
قالت فرح بضيق: عندما ترينه راغبا في معرفة شيء عنك.. تصرين دوما على اللف والدوران..
قالت وعد بمرح وهي تنهض من مكانها: خصوصا مع شقيقك هذا..
وأردفت وهي تتطلع الى ساعتها: تعالي معي الى غرفتي.. اريد ان اريك شيئا..
قالت فرح باستغراب: شيء.. وما هو؟
ضحكت وعد وقالت: تعالي وسترينه بنفسك..
تبعتها فرح الى الطابق الاعلى وهي تدلف خلفها الى غرفة وعد..وهناك قالت فرح بحيرة: والآن ماذا؟
اشارت لها وعد بأن تتبعها الى النافذة وقالت مبتسمة: انظري..
تطلعت فرح من النافذة لتشاهد شقيقها هشام يتطلع الى نافذة غرفة وعد وما ان شاهدهما يتطلعان اليه عبرها.. حتى ابتعد متوجها الى الحديقة الخلفية للمنزل.. فقالت فرح بدهشة: أهذا ما كنت تريدين أن تريني اياه..
قالت وعد بابتسامة واسعة: بالتأكيد لا..لقد شاهدت شقيقك ذاك يخرج وهو غاضب وعلمت انه سيتطلع إلى نافذة غرفتي..
قالت فرح وهي تعقد حاجبيها: وهل هذا يدعو الى السخرية؟..
قالت وعد وهي ترفع حاجبيها بدهشة: من قال انني اسخر منه.. ولكني استغرب ما يفعله كل مرة عندما يغضب او يتظايق.. لا اراه الا يتطلع الى نافذة غرفتي من الحديقة..
قالت فرح وهي تمط شفتيها: أأنت بلهاء يا وعد؟
ضحكت وعد وقالت: ربما ..تعالي سأريك هذه الاوراق الخاصة بتوظيفي ..
- اتعلمين انك فتاة ذات مزاج رائق..
- انا هكذا .. حسنا يافرح.. كنت سأمنحك ما اشتريته لك وانا في طريقي الى هنا..
قالت فرح بابتسامة: احقا؟..
قالت وعد وهي تلوح بكفها: لا تحلمي ..لن امنحك اياه.. انا ذات مزاج رائق عندما اطلب منك أن تشاركيني فرحتي..
قالت فرح وهي تقترب من وعد: كفاك دلالاً واخبريني ..ماذا جلبت لي؟..
قالت وعد وهي تشيح بوجهها عنها: لا تحلمي.. لن اخبرك..فلتموتي قهرا..
- تبا لك يا وعد..سأريك..
ضحكت وعد وقالت: وماذا ستفعلين؟
قالت فرح بخبث: سأخبر هشام بأنك تتحدثين مع شاب على الهاتف..
قالت وعد مبتسمة: مع إنها إشاعة لكن أخبري والدي أفضل بألف مرة من إخباره هو.. لا استبعد أن يرميني انا والهاتف من النافذة..
قالت فرح وهي تتصنع التفكير: ويرميني انا خلفكما..
قالت وعد وابتسامتها تتسع: ويظل هو دون إصابات او حتى....
بترت وعد عبارتها اثر طرقات على الباب وتوجهت نحو الباب لتقول بصوت يغلب عليه الملل:من؟
جاءها صوت هشام يقول: انه أنا..
قالت وعد بابتسامة قبل أن تفتح الباب: ليتنا تحدثنا عن سيارة..
قالت فرح مبتسمة: أنا أفضل قلادة من الماس..
فتحت وعد الباب في تلك اللحظة وقالت وهي تتطلع الى هشام بملل: ماذا تريد؟
قال ساخرا: من قال انني جئت من أجل ان ارى وجهك المخيف.. لقد جئت لشقيقتي الفاتنة..
التفتت وعد الى ما خلفها وقالت: ايتها الفاتنة.. وحش كاسر يريدك على الباب..
قال هشام وهو يتطلع اليها: تأدبي يا وعد..
أخرجت له لسانها لتغيظه.. في حين قالت فرح وهي تتقدم منه: ما الامر يا هشام؟
- سنذهب الى المنزل..
قالت فرح بدهشة: بهذه السرعة؟؟
قال وهو يهز كتفيه: اريد العودة الى المنزل..ووالداك سيغادران الى احد محلات الأثاث ومنها الى المنزل.. لا يوجد أحد ليوصلك الى المنزل سواي..
قالت بضجر: لكن الساعة لم تتجاوز الخامسة.. ابقى يا هشام ساعة واحدة فقط..
قال مستهزئا: أحقا؟.. ساعة واحدة فقط.. كما تشائين يا سيدتي..ألا تريدين البقاء حتى الغد.. أفضل اليس كذلك؟
قالت مبتسمة: بلى أفضل بكثير..
هتف قائلا بحدة: هيا..احملي حقيبتك وسنمضي.. واياك والتفوه بكلمة زائدة..
قالت فرح بحنق وهي تعود لتدلف الى داخل غرفة وعد لتجلب حقيبتها: حاضر..
قالت وعد بحنق وهي تتطلع الى هشام: من تظن نفسك.. لم تصرخ في وجهها هكذا..
قال ببرود: أصمتي يا وعد وإلا علقتك على باب المنزل..
عقدت ساعديها امام صدرها وقالت: أحقا كيف؟ .. ارني.. اريد أن ارى قوتك يا ايها الملاكم..
أمسك بشعرها وشدها منه وهو يقول: ألا تصمتين؟
قالت وهي تبعد يده في خشونة: ابعد يدك يا هذا والا قطعتها لك..
قال هشام بحدة: ليس لدي البال الرائق للحديث معك والا كنتِ في عداد الموتى الآن و...
صاحت فرح مقاطعة اياهما: يكفي..يكفي.. ألا تشعران بالملل من كل تلك المشاجرات..
قال هشام مستفزا: ابدا..
التفتت فرح الى وعد وقالت: وأنت..ألا تأتين الى منزلنا.. لأن شقيقي التافـ....اعني العزيز.. يريد أخذي الى المنزل الآن..
قالت وعد وهي تلوح بكفها: اذهبي هيا.. تريديني ان آتي وشقيقك هذا هناك..
قال هشام وهو يرفع حاجبيه: ان كنت لا تعلمين لا ازال واقفا.. فلا تتحدثي عني بسوء..
قالت بلامبالاة: وهل أخشى منك أنا؟..
قالت فرح برجاء: وعد.. ارجوك.. لم نجلس معا الا قليلا..
قالت وعد مبتسمة: أعدك أن احضر ولكن ليس اليوم.. غدا اولى ايام بالعمل.. اريد تهيئة نفسي..
قال هشام ساخرا: تعني تريد تجهيز أي ملابس سترتدي.. واي حقيبة ستحمل..
قالت وعد متعمدة اغاظته: لا شأن لك..سأرتدي أكثر ملابسي روعة وأناقة..
- سيظنون انك ذاهبة الى حفلة.. لا تجعلي نفسك أضحوكة منذ اليوم الاول..
قالت وعد بغضب: اذهب فورا ايها المزعج.. لا اريد ان أراك هنا..
قال بسخرية اكبر: هذا الممر أملاك عامة..ليس من حقك طردي..
واردف بابتسامة وهو يميل نحوها: سأرحل كما ترغبين يا ايتها الجميلة..أراك الاسبوع القادم..
قالت بغرور: سأتغيب الاسبوع القادم عن الغداء..حتى اتخلص منك..
قالت فرح في تلك اللحظة بملل وهي تتثاءب: إذا أكملتما هذا المسلسل أخبراني..
ضحكت وعد وقالت: لن ينتهي ابدا.. فلا تتعلقي بآمال واهية..
ابتسم هشام وقال: هيا يا فرح ..
وهمس لوعد قائلا: لن ينتهي المسلسل الا بزواجنا..
دُهشت وعد لوهلة ثم ما لبثت أن قالت وهي تعود الى داخل الغرفة: لا تحلم كثيرا.. فتصدق نفسك..
غادر هشام مع فرح المنزل ولم ينسى إلقاء نظرة أخيرة على نافذة الطابق العلوي.. نافذة غرفة وعد....

جنــــون 11-23-2011 01:26 AM

*الجزء الثاني*
(ماذا قد يحدث باليوم الأول لها؟)


ابتسمت وعد بشرود وهي تلمح الساعة التي كانت تشير عقاربها الى السابعة والنصف صباحا..اليوم هو اليوم الاول لها في عملها في جريدة الشرق.. ترى كيف سيكون هذا اليوم بالنسبة لها.. وأي انطباع ستأخذ عن مكان عملها..
يقولون ان الانطباع الأول هو أهم من أي انطباع قد يأخذه الشخص في أيام قادمة.. لأن الانطباع الاول يبقى في ذاكرة الشخص.. وبه يحدد إن كان هذا المكان جيدا ام لا..
كانت وعد في شدة أناقتها هذا اليوم..كانت تبدوا كالملاك وهي ترتدي ذلك البنطال الأبيض..وقميص ذا لون وردي هادئ.. يعلوه سترة بيضاء من النوع القصير.. وشعرها الكستنائي مرفوع بأكمله بربطة شعر وردية اللون.. إلا من خصلات تسقط على جبينها ووجنتيها بنعومة..
التقطت حقيبتها وهي تشعر بالتوتر ترى ما الذي ينتظرها هناك..اخذت نفساً عميقا لتشعر بالقليل من الراحة.. ورسمت ابتسامة على شفتيها وان لم يغب عنها التوتر..هبطت الى الطابق الأسفل وقالت بهدوء وهي تتوجه الى المطبخ حيث والدتها: أمي أنا ذاهبة الآن..
سألتها والدتها قائلة: هل تناولت افطارك؟
أومأت وعد برأسها وقالت: عن اذنك الآن يا أمي..فيتوجب أن اكون في الصحيفة بعد نصف ساعة..
قالت والدتها بابتسامة: صحبتك السلامة يا بنيتي..
ابتسمت وعد وهي تغادر المكان الى خارج المنزل..وتتوجه نحو سيارتها الحمراء..ولكن انعكاس في مرآة السيارة الجانبية جعلها تلتفت وتقول مبتسمة: هشام.. ماذا تفعل هنا منذ الصباح؟..
خفق قلب هشام.. وعد اليوم تبدوا جميلة.. وجميلة جدا ايضا.. انه يخشى عليها ان تذهب الى هناك وهي هكذا..لم ترتدي مثل هذه الملابس التي تزيد من جمالها وهي ذاهبة الى العمل؟..أكان ذلك متعمدا؟.. ام انها...
وقطع أفكاره وهو يقول متجاهلا سؤالها: ما هذا الذي ترتدينه؟
قالت بسخرية: بنطال وقميص ان لم تكن ترى..
صمت عنها لأنه ليس له سلطة في التحكم بها ولكنه مع هذا ابن عمها ولا يريدها أن تكون موضع لكل عين هناك..وقال في شيء من الحنق: عودي الى الداخل واستبدلي ملابسك..
ضحكت وقالت: في أحلامك..لقد بقيت ساعة كاملة وأنا اختار ملابسي..
قال وهو يبتسم بالرغم منه: انتبهي لنفسك.. واخبريني بما يحدث معك هناك..
قالت وهي تلوح بكفها: إن وجدت الوقت الكافي.. مع السلامة..
قال في سرعة: الا ترغبين ان أوصلك؟
- لدي سيارة ان لم تعد ترى هذا ايضا..
دلفت الى السيارة وانطلقت بها.. وعينا هشام اللتان تراقبها..وتتطلع اليها بابتعادها.. كانت تحمل حنان العالم كله..
* * * * * * * *
وصل عماد الى عمله في شركة والده قبيل وقت العمل بربع ساعة..وما ان فعل حتى رن هاتفه المحمول بغتة.. فتطلع الى الرقم قبل أن يجيبه قائلا: أجل يا أمي.. ما الامر؟
استمع الى والدته التي كانت تتحدث في موضوع ما جعله يشعر بالضيق ويضطر لأن ينهي المكالمة قائلا: حسنا .. حسنا .. سأرى الأمر عندما أعود.. أنا منشغل اليوم.. الى اللقاء..
اغلق الهاتف وهو يزفر بحدة .. لم هم يهتمون هكذا الى هذا الامر.. ان تزوج او لم بتزوج.. ان ظل عازبا ام لا.. هل تعدى سن الأربعين حتى يحدث كل هذا.. فليتركوه وشأنه..
والدته كانت تتحدث اليه عن احدى الفتيات التي تنوي أن تخطبها له..عن طريق احدى صديقاتها.. وهو لن يقبل بفتاة مادام لم يشعر نحوها بأية مشاعر.. لا يريد الزواج هكذا دون ان يكون له حتى العلم بشخصية هذه الفتاة..
انه يعترف بأنه معجب بوعد.. إعجاب بشخصها ليس الا..ولكنه لم يصل الى مرحلة ان يكون ما يحمله لها عبارة عن مشاعر قوية لا تنفصم..لكن لو كانت وعد توافق عليه كزوج.. هو سيقبل بالزواج بها.. لأنه يحمل لها الإعجاب.. ومع الوقت قد تتولد المشاعر بينهما..
كان هذا ما يشغل ذهن عماد وهو مستغرق بعمله..
ترى ما الذي يخبأه لك القدر يا عماد؟..
* * * * * *
ما ان وصلت وعد إلى مبنى الصحيفة.. حتى زاد توترها أضعافا..وخصوصا عندما وطأت قدماها ارض ذلك المبنى..وتطلعت الى المكان في شيء من الشرود.. هذا هو الطابق الأرضي ويحمل مكتب الاستقبال..ومقاعد للانتظار ودورات مياه..
توجهت بخطاً ثابتة الى مكتب الاستقبال وسألت الموظف قائلة: من فضلك يا سيد.. في أي طابق توجد مكاتب الموظفين ؟
اجابها قائلا:بالطابق الثاني والثالث..اي قسم ترغبين بالذهاب اليه يا آنسة..
تحدثت وعد الى نفسها قائلة( وما أدراني انا..بأي قسم سأباشر عملي)
وأجا بته بارتباك: أظن انه قسم شؤون الموظفين..
كانت وعد تدرك ان هذا القسم مختص بتوظيف الايدي العاملة..ولهذا قد تعلم من هناك بمكان عملها..
وهنا اجابها الموظف قائلا: الطابق الثاني اذا..
شكرته وتوجهت نحو ركن المصاعد.. حيث استقلت واحدا الى الطابق الثاني وما ان وصل المصعد وخرجت منه الى الطابق حتى اصطدمت بها سيدة كانت تنوي الدخول الى المصعد وهي تحمل مجموعة من الاوراق.. وقالت تلك السيدة بلا مبالاة: معذرة..
واصلت السيدة طريقها الى داخل المصعد في حين استغربت وعد هذه الفوضى الحادثة بالطابق الثاني على عكس الطابق الأرضي الذي كان يتسم بالهدوء..شخص يدخل هنا ليخرج آخر من هناك.. وآخر يرسل أوراق الى مكتب.. ليحمل غيرها الى مكتب آخر..يبدوا ان هذا المكان سلسلة اعمال لا تنتهي.. ترى هل سأستطيع أن اندمج مع كل هذا..
سارت في طريقها بهدوء باحثة عن قسم شؤون الموظفين..وهي تدلف في احد الممرات لتتجه يمينا ومن ثم تبحث من جديد.. وأخيرا وجدته.. دلفت الى الداخل وسألت اول من وقعت عليه عيناها: من فضلك يا سيد..انا موظفة جديدة هنا.. اريد أن اعرف في أي قسم سأعمل..
التفت اليها وتتطلع اليها للحظة قبل ان يقول: بطاقتك الشخصية وقرار تعيينك هنا من فضلك..
سلمته ما يريد فبحث في سجلات الموظفين الجدد في سرعة قبل ان يقول: قسم الصفحة الرئيسية..
ارتسمت ابتسامة على شفتيها.. ستكتب بالصفحة الاولى.. يا لي من محظوظة.. وقالت : شكرا لك..
اسرع يقول: ستجدينه بعد مكتبين من هنا..
أومأت برأسها وهي تبتعد عنه.. تطلعت الى المكاتب من حولها الى ان شاهدت القسم الذي تحدث عنه ذلك الموظف.. دلفت الى الداخل وشاهدت ثلاث مكاتب فقط.. مكتب تجلس عليه سيدة تبدوا في الثلاثين من العمر.. وآخر يجلس عليه شاب منهمك في عمله حتى انها لا تستطيع ان تلمح وجهه.. وآخر مكتب كان خاليا .. وان توجد عليه بعض الملفات والأوراق المبعثرة توحي بأنه لأحدهم..
عقدت حاجبيها.. إذا أين اجلس أنا؟.. توجهت نحو السيدة لتستفسر منها الأمر قائلة: من فضلك .. انا موظفة جديدة هنا واريد ان أسألك بشأن....
قاطعتها المرأة قائلة: لا شأن لي..اسألي الاستاذ (طارق)..
مطت وعد شفتيها وتوجهت الى ذلك الشاب الذي لم يرفع عينيه حتى ليرى من القادم وقالت وهي تلتقط نفسا عميقا: من فضلك يا سيد.. لقد وظفت حديثا في هذا القسم وأريد أن أسأل اين هو المكتب الذي سأجلس عليه حتى أباشر عملي منه..
رفع رأسه عن مجموعة من الأوراق كان منهمكا بالعمل عليها.. وقال ببرود وهو يلتفت لها: وما شأني أنا..
توتر شديد أصاب وعد وهي تتطلع إلى هذا الشاب.. شعرت بجفاف حلقها واضطراب في أنفاسها ..ترى ما الذي حدث لي.. أكل هذا لأنه وسيم.. لا.. أقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه وسيم.. انه شديد الوسامة.. وخصوصا مع عينيه العسليتين اللتان تحملان برودا لم أرى مثيلا له..وشعره البني القاتم الذي يميل الى السواد..وملامحه الرجولية التي تشعر أي شخص يراه.. بحزمه وصرامته..
انتشلت نفسها من أفكارها ووجدت نفسها تقول بتوتر: ماذا تعني يا سيد؟.. اين أجلس أنا اذا؟..
عاد ليلتفت عنها ويقول: اسألي من قام بتوظيفك هنا..
عقدت حاجبيها وهي تتطلع إليه.. أيمزح.. ام انه لا يُحمل نفسه عناء الاهتمام بأحد هنا..مغرور..كان هذا هو انطباع وعد الأول عن طارق هذا..
لم تعلم ما تفعله.. وهي واقفة مكانها غير عالمة الى أي مكان تذهب..وتطلعت الى المكتب الذي يجاور مكتب طارق والذي كان خاليا وقالت متحدثة الى طارق ببرود: حسنا.. هل يمكنني الجلوس على ذاك المكتب ريثما أجد حلا لهذا..
لم يجبها..ولم يهتم حتى بالإجابة.. فمطت شفتيها في حنق...اي شاب هو هذا.. أكثر برودا من الجليد نفسه..كيف يحتمله الموظفون هنا..
اتجهت لتجلس على المكتب الخالٍ..أي يوم هو هذا.. لقد كنت سعيدة بالأمس على توظيفي في هذا المكان.. والآن أتمنى لو وظفت في أي مكان غير هذا.. انهم حتى لا يأبهون بأمر أي موظف جديد هنا..
شعرت بالملل وهي تتطلع الى ساعة معصمها بين حين وآخر.. ترى إلى متى سأظل جالسة هكذا.. ترقب الداخل والخارج..وتتطلع الى الجميع وهم يعملون ما عداها هي التي جالسة دون عمل أو...
قطع أفكارها صوت نغمة هاتفها المحمول وهو يعلن وصول رسالة.. تنهدت وهي تخرج هاتفها المحمول من حقيبتها وتتطلع إلى تلك الرسالة المرسلة من هشام..والتي كانت تقول..(ما هي آخر الأخبار؟)..
ارتسمت ابتسامة على شفتيها.. يظنها قد باشرت العمل الآن وتعلم بآخر أخبار العالم..لو يدرك انها لم تجد حتى مكتب لتجلس عليه ..
أرسلت له رسالة تقول..(قم بشراء الصحف..فلن اقوم بتسريب اية معلومات)..
وما ان فعلت حتى سمعت صوت أحد الأشخاص وهو يدلف الى القسم قائلا: لقد ظننت إنني قد استدعيت من قبل المدير حتى يخصم من راتبي لـتأخري بالأمس.. ولكن حمد لله كان أمرا مختلف تماما..لقد...
بتر عبارته عندما لمح وعد تجلس خلف مكتبه.. وقال مبتسما وهو يلتفت لها: عفوا.. من أنت يا آنسة؟
قالت في هدوء: موظفة جديدة هنا..ولا أعلم اين أجلس حتى..
اتسعت ابتسامته وهو يقول: لا عليك.. لقد تم استدعائي من قبل المدير لأجل هذا الأمر تحديدا..
قالت متسائلة: من أجل إحضار مكتب لي؟..
ضحك وقال: كلا من أجل تدريبك على العمل هنا.. وإعطائك فكرة عن المبنى..
وأردف وهو يغمز بعينه: أما عن المكتب فلا تقلقي..سأرسل احدهم في إحضار مكتب لك..
ابتسمت وقالت: شكرا لك..
لوح بكفه وقال: لا داعي للشكر يا آنسة..
واردف مبتسما: مع انني استحقه..
اتسعت ابتسامتها بالرغم منها.. فقال ذلك الشاب وهو يميل نحوها: أعرفك بنفسي..أحمد فؤاد..صحفي واكتب بالصفحة الرئيسية..
وأردف متسائلا: وماذا عنك يا آنسة.. لم تعرفيني بنفسك..
نهضت من خلف المكتب وقالت : وعد عادل.. صحفية وأكتب بالصفحة الرئيسية ايضا..
مد يده مصافحا وقال مبتسما: تشرفنا..
صافحته بهدوء فأردف قائلا: هيا.. فأمامنا تدريب طويل..
أومأت برأسها وهي تلتقط حقيبتها من فوق المكتب.. وقبل أن تغادر معه.. القت نظرة مختلسة على طارق..ذلك الشاب البارد الذي استطاع ان يجذب انتباهها له..
* * * * * *
(اعملوا بجد أكبر..لن ننتهي من موقع البناء هذا ان بقيتم متقاعسين هكذا)
قالها هشام وهو يتحدث الى العمال الذين يقومون ببناء تلك العمارة في احدى المدن الكبرى بالدولة..وأردف وهو يضع كفه عند جبينه ليحمي عينيه من الشمس: أريد الانتهاء منها قبيل الشهران القادمان..لا اريد أي تقاعس..
جاءه احد العمال وقال وهو يلتقط نفسا عميقا: سيد هشام.. نحن بحاجة للمزيد من الاسمنت..
قال هشام وهو يعقد حاجبيه: أخبر المسئول عن هذا الامر بحاجتكم من مواد البناء..
قال العامل: لقد اخبرناه.. ولكنه يرفض..
- ولم؟
- يقول اننا نستخدم المواد بكميات كبيرة..بينما موقع البناء لا يحتاج الا لنصف هذه الكمية..
قال هشام في هدوء: سأرى الأمر وأتحدث الى المسئول بهذا الشأن..
وابتعد عن المكان ليتوجه الى سيارته..واتصل بالمسئول ليناقش معه الأمر..وما ان انتهى.. حتى أغلق هاتفه وقال بملل: يا له من شخص صعب المراس..
اسند رأسه الى مسند المقعد وهو يعود للتفكير.. ومحور تفكيره هو شخص واحد أو فتاة واحدة على الأحرى.. وعد.. ترى ما الذي يجعلني أشعر بهذه المشاعر تجاهك؟.. ما الذي يجذبني اليك؟..بماذا تختلفين عن باقي الفتيات؟..هل هو عنادك؟.. ام مرحك وحيويتك؟.. رقتك أم عصيبتك؟.. لم أعد أعلم يا وعد سوى أمر واحد فقط.. حتى وان لم تكوني تفهمينه..أو حتى تقدرينه وسترينه يوما ما..انك الوحيدة التي استطاعت امتلاك اغلى ما أملك...استطاعت امتلاك تفكيري وعقلي و...قلبي...
ولكن هيهات يا وعد.. هيهات أن أخبرك بما احمله لك من مشاعر حتى ولو انطبقت السماء على الأرض..مادمت لا تفهمينها أو تشعرين بي حتى.. أعلم انك لا ترين أمامك سوى ابن عم فقط.. ابن عم ولا شيء آخر..ولكني سأنتظر.. سأنتظر حتى ترين حبي هذا وتبادلينه بحب أقوى منه يوما ما..
لن استسلم.. قبل أن أرى الحب يلمع في عينيك.. والهيام تعبر عنه شفتاك.. لن استسلم حتى تبادليني هذا الحب يوما.. هذا وعد أقطعه على نفسي.. ولن أخلف بوعدي هذا مهما حدث....
ترى أأنت محق فيما تقوله يا هشام..هل ستتمكن من أن تجعل وعد الصلبة والعنيدة تبادلك حبا بآخر؟..من جانبي فأنا ارى نسبة النجاح ضئيلة.. ولكن من يدري فلندع الايام هي من تحكم...
* * * * * *
كانت وعد تستمع الى أحمد باهتمام والذي كان يشرح لها طريقة استعمال الكاميرا لتصوير مختلف المناطق ومن مختلف الجهات..واختلاف الوقت أيضا.. وقال وهو يشير الى احد الأزرار بالكاميرا الديجتال (digital): عندما تضغطين على هذا الزر يا آنسة وعد..سوف تقوم الكاميرا بأخذ فترة معينة .. خمس ثوان مثلا..حتى تقوم بالتصوير وهذا يسمح لك بضبط وضع الصورة بطريقة افضل.. أو أن تقومي بتصوير نفسك مع ما ترغبين بتصويره..
قالت مبتسمة: هل عملي سيكون مقتصرا على التصوير؟
قال مبتسما بدوره: بالتأكيد لا .. لم نطلب في الوظيفة مصورا فوتوغرافيا..لكن تعلمين أهمية الصور مع أي خبر أو حدث..
اومأت برأسها وقالت: بلى أعلم..فقد تجذب الصورة الشخص لقراءة الخبر بالصحيفة..
- أجل ولهذا ينبغي أن تكون واضحة ومعبرة..
- أفهم هذا..
قال أحمد وكأنه لم يستمع الى عبارتها السابقة: والآن انت تعرفين بما يتعلق بالمقال الذي ستكتبينه بعد كل حدث وما يحتويه..من...
قاطعته مبتسمة وهي تكمل: من عنوان وتاريخ.. الوقت والمكان.. إضافة جميع الأمور الهامة ولكن بصورة مختصرة وغير غامضة.. أليس كذلك؟
قال مبتسما: ياه.. هل كلامي سهل الحفظ إلى هذه الدرجة؟
قالت وابتساماتها تتسع: بل أنا من لدي القدرة على استيعاب الحديث وحفظه في سرعة..
قال وهو يغمز لها: هذا واضح..
صمتت للحظات ومن ثم قالت: هل لي بسؤال؟
- بالتأكيد..
أدارت الأمر في رأسها طويلا ومن ثم قالت: أتعرف الأستاذ طارق منذ فترة؟
قال بحيرة: بلى منذ ثلاث سنوات.. لم؟
قالت وهي تعقد حاجبيها: لا لشيء.. ولكني أحسسته غريب الطباع.. هادئ بشكل كبير الى درجة تجعله اقرب الى البرود.. لا يهتم بأحد ولا يفكر إلا بنفسه..
قال مبتسما: معك حق في كل ما قلتيه.. ولكن أضيف الى هذا انه ذا قلب ابيض ومتعاون الى ابعد الحدود.. لن يتأخر على مساعدة أي احد لو طلب منه ذلك او حتى لو لم يطلب .. لكنه مع هذا صارم وحازم في تصرفاته.. تجبر الجميع على احترامه..
قالت وعد وهي تمط شفتيها: اعتقد بأنه شاب مغرور..
هز أحمد كتفيه وقال: الجميع اعتقد هذا في البداية.. ولكن صدقيني ستعرفين مع الوقت معدنه الحقيقي..
ومن ثم قال وهو يتطلع الى ساعة معصمه الفضية: هيا فلنصعد الى الطابق الأعلى.. فقد انتهى تدريبك لهذا اليوم ولنا لقاء بالغد..
قالت في هدوء: أشكرك.. ومعذرة ان كنت قد تسببت في إزعاجك..
قال مبتسما: ولو.. أنا دائما في الخدمة..
فكرة بسيطة التقطتها وعد عن أحمد.. شاب نشيط وجاد في عمله.. لكنه في الوقت ذاته يتميز بروحه المرحة التي تذيب الحواجز بينه وبين أي شخص يراه لأول مرة.. وتظن انه في الثلاثينيات من عمره أو أصغر بقليل..
وقال أحمد في تلك اللحظة مقاطعا لأفكارها وهما يستقلان المصعد: نسيت أن أخبرك.. أن طارق هو الصحفي الأكفأ تقريبا في هذه الصحيفة..
التفتت له وقالت بدهشة: أحقا؟
أومأ برأسه وقال وهو يضغط على زر الطابق الثاني: أجل.. والجميع يحاول أن يصل الى ما وصل اليه هذا الشاب الذي يلقبه الجميع هنا بـ"الجليد المتحرك"..
قالت وعد مبتسمة: حقا هو كذلك..
قال أحمد وهو يلتفت لها: صدقيني مادمت لا تعرفينه جيدا فسوف تحكمين عليه بشكل خاطئ..
هزت وعد كتفيها في لا مبالاة.. ووصل المصعد في تلك اللحظة الى الطابق الثاني..فخرجت وعد منه يتبعها أحمد.. ودلفا الى مكتب الصفحة الرئيسية..وهذا الأخير يقول: غدا سنكمل باقي التدريبات وسأعرفك على المراحل التي يمر فيها الخبر أو الموضوع قبل نشره..
أومأت وعد برأسها.. وهي تتجه لتجلس خلف مكتبها الذي كان يتوسط مكتب أحمد وطارق بينما يقابله مكتب السيدة التي تدعى (نادية)..
والتقطت قلم حبر جاف وخطت فوق إحدى الأوراق الموجودة أمامها أول شيء خطر في ذهنها.."الجليد المتحرك".. وارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها..وهي تقرأ هذه العبارة مرارا وتختلس نظرات متفرقة وغير ملحوظة الى طارق..
وبغتة..انطلق رنين هاتفها المحمول.. فأسرعت ترسم خطوطا على العبارة حتى تخفيها وتمنع أي شخص من ملاحظتها.. والتقطت هاتفها لتتطلع الى الرقم قبل أن تجيبه قائلة بابتسامة واسعة: أهلا هشام..
قال هشام ببرود: ما هذا؟ أتخشين على فاتورة الهاتف لهذه الدرجة..ان كنت كذلك فسأدفع أنا قيمة فاتورة هذا الشهر..
ابتسمت وعد بمرح وقالت: لم؟.. مع إني أرحب بفكرة ان تدفع عني أنت فاتورة هذا الشهر..
قال مستاءا: ألم اطلب منك لاتصال بي وإخباري بكل ما يستجد؟..
- أجل.. وأخبرتك أنا إني سأفعل ان وجدت الوقت الكافي..
- وما الشيء الهام الذي كان يشغل وقتك ويمنعك من الاتصال بي؟..
قالت وعد مبتسمة: أنا الآن صحفية.. وهذا يعني انني سأكون على انشغال تام.. فقد كنت أتدرب على إعداد التقارير وتصوير المناظر المختلفة...
- أحقا ؟..اذا يمكنك اعداد تقرير عن المبنى الذي وضعت الرسوم الهندسية له وأشرف على بناءه الآن..
- كلا..لا تحرجني.. لا أريد أن أكون موضع للنقد والشتم بعد أن يسقط المبنى..
قال هشام مبتسما: ولم كل هذا التفاؤل؟..
ضحكت وعد بخفة وقالت: حتى تعلم انني أخشى على مستقبلي المهني من....
(كفاك إزعاجاً هنا)
كانت هذه العبارة كافية لأن تصمت وعد وترغمها على ابتلاع كلماتها التي كانت على طرف لسانها منذ قليل..والتفتت الى مصدر الصوت لتتطلع الى ناطق العبارة السابقة.. ودُهشت..بل ذُهلت عندما شاهدت انه طارق نفسه!..
وسمعت صوت هشام عبر الهاتف وهو يقول مستغربا صمتها: وعد ألا زلت على الخط؟..وعد..
انهت وعد المكالمة دون ان ترد على هشام حتى..وأغلقت الهاتف دون ادراك منها..قبل أن تلتفت الى طارق وقالت بصوت يمتلئ بالدهشة: ماذا؟
قال طارق بصرامة وببرود شديد في الوقت ذاته : عليك ان تعلمي انه مكان للعمل.. وليس للمحادثات الشخصية..انك تزعجيننا وتمنعينا من مواصلة العمل بهدوء..
تطلعت اليه وعد ودهشتها تتفاقم من هذه اللهجة الصارمة وهذه الكلمات القاسية التي قالها لها منذ قليل..دون ان يتحلى بقواعد الأدب في الحديث معها مع انها تراه وتتحدث اليه للمرة الثانية وحسب..من يظن نفسه؟..مغرور..
وقالت وهي تنهض من خلف مكتبها: عن إذنكم..
قالتها وابتعدت خارجة من المكتب.. في حين أحس أحمد بالموقف المحرج الذي وضعت وعد فيه والذي لم يكن له أي داعي من الأساس..وقال مخاطبا طارق: لماذا تحدثت إليها بهذه الطريقة؟..
قال طارق وهو يعود للتركيز في عمله: أي طريقة؟
قال أحمد بهدوء: انها موظفة جديدة هنا.. ولم تعرف بعد الا القليل عن هذا المكان.. فلم تكون قاسيا وتتحدث اليها هكذا..
- حتى تفهم..إنها في مكان للعمل..ولن أسمح لأي شخص هنا بالاستهتار في عمله..
- ولكنها لم تعتد المكان بعد.. ثم لا عمل لديها بعد هذا التدريب الذي خضعت له هذا اليوم..
لم يعلق طارق بل اكتفى بنظرة باردة ألقاها على أحمد وعاد لمواصلة عمله..وهز أحمد رأسه اعتراضا وعاد لمواصلة عمله بدوره...
* * * * * *
أوقفت وعد سيارتها الحمراء الى جوار المنزل عند الساعة الثانية ظهرا تقريبا..والابتسامة التي كانت تحملها عندما خرجت من المنزل تحولت الى غضب وتجهم وهي تعود اليه.. دلفت الى المنزل وصعدت الى الطابق الأعلى دون أن تلقي التحية على والدتها أو والدها حتى..
وأغلقت على نفسها باب الغرفة قبل أن تستلقي على الفراش.. وتغرق بتفكير عميق..عن كل ما حدث هذا اليوم.. بدءا من بحثها عن القسم الذي ستعمل به..وانتهاءا بعودتها إلى المنزل..كل شيء كان يسير على ما يرام حتى...
حتى أحرجها ذلك المغرور أمام الجميع..كان بإمكانه أن يخبرها بأن تنهي مكالمتها بشيء من الأدب والأخلاق لا أن يتسبب في موقف كهذا لها أمام الجميع وكأنها قد فعلت ذلك متعمدة..وتعمدت إزعاجهم..تبا..تبا له..أي يوم هو هذا.. في البداية لا أجد حتى مكتب لأجلس عليه ثم يحرجني ذلك المغرور بقوله انه لا شأن له بالأمر..ويعود مرة أحرى ليحرجني أمام الجميع عندما كنت أتحدث بالهاتف.. إلا يعلم انه اليوم الأول لي بالعمل واني لم استلم وظيفتي الا منذ ساعات؟..
تقلبت على فراشها بملل.. وتذكرت بغتة أن هاتفها قد أغلقته منذ ذلك الحين.. فالتقطته من حقيبتها وقامت بفتحه لترى تلك الرسالة القصيرة المرسلة اليها..عرفت انها من هشام قبل ان تفتحها..وقرأت كلماتها في سرعة والتي كانت تقول (سترين يا وعد.. تغلقين الهاتف في وجهي.. لا تحاولي الإنكار.. أعلم بأن البطارية لم تفرغ..)..
أي شيء تفكر فيه يا هشام..أنا أفكر في ما حدث لي وأنت تفكر في هذه الأمور التافهة..
وحطم الصمت الذي غلف المكان منذ مدة صوت رنين الهاتف المتواصل..فمطت شفتيها وهي تطلع إلى رقم هشام الذي أخذ يضيء على شاشته..ورمت الهاتف على الفراش وهي تقول بعناد: لن أجيبه.. أعلم بأنه سيفتح معي محاضرة لا بداية لها ولا نهاية.. ورأسي لا يكاد يحتمل كلمة أخرى بعد كل ما حدث..
وتوقف الهاتف على الرنين.. فتنهدت وعد بارتياح وما كادت تفعل حتى عاد للرنين مرة أخرى..فتطلعت إلى الهاتف باستنكار قبل أن ترمي الوسادة عليه وتقول بحنق: لن أجيب.. يعني لن أجيب..
وكلما يتوقف الرنين للحظة.. يعود من جديد لدقائق..واستسلمت وعد أخيرا – مع انها لم تعتد الاستسلام- ولكن صوت الرنين المزعج هو ما دفعها لإجابته وهي تقول بصوت لا يخفي الضيق منه: أجل يا هشام..ماذا تريد؟..
قال هشام بسخرية: لا شيء..سماع صوتك فقط..
قالت وعد متحدثة الى نفسها بعصبية: (لا ينقصني إلا سخريتك أنت)
وأجابت على هشام قائلة: فليكن مادمت قد سمعته الآن.. الى اللقاء..
قال في سرعة: ما بالك ؟..هل أصابتك اصابة ما على رأسك في العمل ..حتى تفقدك عقلك؟..
قالت مستفزة: في الحقيقة.. كلا..
- اذا ماذا حدث لك اليوم؟..أخبريني لماذا لم تجيبي على اتصالاتي المتكررة ؟..
قالت وعد بسخرية: لأني اضع لك في هاتفي نغمة خاصة تشير الى انك المتصل..
قال بسخرية بدوره: وهل هذه النغمة تدعو الى النوم الى هذه الدرجة حتى انك ربما تكونين قد غفوت ولم تسمعيها..
قالت وعد بسخرية لاذعة: بل انها نغمة صامتة..
قال هشام ببرود: استمعي إلي يا وعد..سؤال لن أعيده.. لماذا أغلقت هاتفك اليوم وأنا أتحدث إليك صباحا؟..
قالت هازة كتفيها وهي تعود للاستلقاء على فراشها: أظنك قد أجبت على نفسك في تلك الرسالة القصيرة.. البطارية فرغت..
قال وهو يمط شفتيه: إياك والكذب فأنا اعرف كيف يكون وضع الهاتف عندما تنهين المكالمة بنفسك أو إذا فرغت بطاريته..
قالت بملل: هنيئا لي.. لدي ابن عم خبير بالهواتف وأنا لا أعلم.. كان الأجدر بك ان تعمل في متجر لبيع الهواتف.. فذلك يليق بك أكثر و..
قاطعها بحدة: أجيبي عن سؤالي يا وعد..
- هل هذا تهديد؟
- بل أمر..
قالت بسخرية: اذا لن أجيب..
قال هشام بغضب: وعد..تحدثي الي جيدا أو اقسم على ان تندمي..
قالت بضيق: ماذا تريدني أن أقول.. أغلقته بغير قصد مني..ثم ما لبثت أن أقفلته حتى لا يزعجني أحد..لأني انشغلت ببعض الأعمال..ونسيت إعادة فتحه حتى هذه اللحظة..
قال بشك: لا أصدق كلامك هذا..
- هذه مشكلتك وليست مشكلتي.. على العموم أنا متعبة وبحاجة للراحة..لذا دعني ارتح قليلا وانام. ولا تزعجني باتصالاتك..
قال هشام ساخرا: نوما هنيئا يا سمو الأميرة..
قالت بابتسامة باهتة: أشكرك.. مع السلامة..
قالتها وأغلقت الهاتف في سرعة وقالت متحدثة الى نفسها وهي تضع الهاتف على منضدة صغيرة قريبة من فراشها : )هذا أنت يا هشام لن تتغير ابدا.. ستظل تلاحقني وتلا حق كل تحركاتي خطوة بخطوة..وأنت الأعلم بمدى ضيقي بأن يُحكم الحصار حولي..تظن إن بهذا الشيء تهتم بي..لكنك على العكس تجعلني اشعر بالملل من تصرفاتك.. او بالاختناق على الأحرى)..
وأغمضت عينيها بملل ونلك الكلمة تعود لترن في اذنيها..(كفاك إزعاجا هنا)..ستندم يا هذا ... ستندم على كل ما سببته لي من إحراج..سأريك..أنت لم تعلم بعد من هي وعد..إنها كتلة من العناد والكبرياء..أقسم على أن أجعلك تتخلى عن برودك هذا وتحترم تصرفاتك وحديثك معي..سأريك يا ايها "الجليد المتحرك".. واعلم إن وعد لم تخن عهدا قط....

جنــــون 11-23-2011 01:26 AM

*الجزء الثالث*
(هل يشعر أحد بتلك المشاعر الدفينة؟)




طرقات خافتة على باب الغرفة.. أرغمت وعد على ان تفيق من نومها..وتفتح عينيها بتعب هي تقول بصوت لم يغب عنه آثار النوم بعد: من؟..
فتحت والدتها الباب وقالت باستغراب: وعد.. ألا تزالين نائمة؟..هيا انهضي..
قالت وعد وهي تعود لإغلاق عينيها: دعيني انم لدقائق فحسب يا أمي.. أنا متعبة..
قالت والدتها باستنكار: أتعلمين كم الساعة الآن..انه موعد العشاء..
فتحت وعد عينيها وقالت بدهشة: يا إلهي.. هل حقا نمت كل هذا الوقت؟..
قالت والدتها في سرعة: أجل..هيا أفيقي من نومك واغسلي وجهك وبعدها اتبعينا إلى العشاء..
قالت وعد بصوت ناعس: حسنا.. ها أنذا قادمة..
واعتدلت في جلستها وارتدت خفيها لتتوجه الى دورة المياه التابعة لغرفتها..وتطلعت إلى وجهها المليء بآثار النوم وقالت بسخرية: ها قد ظهر الوجه الحقيقي لي..
غسلت وجهها بالماء البارد الذي جعل بدنها يقشعر وأحست برجفة أطرافها خصوصا بعد الدفء الذي كان يمتلكه جسدها بنومها..وأعادت تسريح شعرها وهي تحاول ترتيب خصلاته المبعثرة من اثر النوم..وهمت بالخروج من الغرفة لولا رنين الهاتف الذي جعلها تعود أدراجها..وتقول بضيق: من هذا التافه الذي يتصل بوقت العشاء؟..
وتتطلعت الى الرقم الذي يضيء على شاشة الهاتف قبل أن تقول وهي تبتسم بزاوية فمها: كنت أعلم انه تافه..
وأجابت قائلة في سرعة: أهلا هشام.. كيف حالك.. اتصل بي فيما بعد.. فسأذهب لأتناول العشاء.. عن اذنك .. مع السلا....
قاطعها هشام قائلا بسخريته اللاذعة: على رسلك.. هوني على نفسك.. أخشى ان تنقطع أنفاسك..
قالت بملل: ماذا تريد.. الا تكف عن الاتصال بي.. سوف اقوم بتغيير رقم هاتفي بسببك..
قال باستفزاز: سأتصل على هاتف المنزل..أو هاتف والدك أو والدتك..
قالت ببرود: سأغادر البلاد حتى ارتاح منك..
- سأتبعك حيثما تكونين..
قالت بسخط: أجل ..فلا استغرب ذلك على مجنون مثلك..
قال متحدثا الى نفسه وهو يتنهد بمرارة: ( معك حق..لقد كنت مجنونا عندما أحببت فتاة لا تشعر بي ولا تقدر مشاعري)..
قالت وعد منتزعة هشام من أفكاره: اخبرني الآن ماذا تريد؟
- جيد انك قد سألت أخيرا.. فقد كدت انسى مع كل هذه المشادات التي تحدث بيننا كلما اتصل بك أو تتصلي بي..
وأردف بجدية: سأمر غدا لأخذك بعد العمل و....
قاطعته باستنكار: ماذا؟..لا بد وانك تحلم..اياك وان تأتي والا قمت بالبلاغ عنك عند حارسي الأمن..
قال بضيق: دعيني أكمل كلامي أولا.. فرح تريدك في أمر ما..أظن انه يتعلق باختيار أحد الفساتين من متجر ما..
قالت وهي تزفر بحدة : حسنا..هل من أمر آخر؟..
- كلا .. تصبحين على خير..
لم تستطع وعد منع تلك الابتسامة من الارتسام على شفاتها.. فنادرا ما يكون هشام مهذبا في الحديث معها..وقالت بابتسامة: وأنت كذلك..الى اللقاء..
قال في سرعة: وعد..
قالت متسائلة: ماذا؟
قال بحنان: اهتمي بنفسك..
قالت بملل: انا في المنزل الآن.. ليس هناك طرقا مليئة بالسيارات لأعبرها.. اطمأن..
- والاهتمام بالنفس لا يكون إلا عند عبور الشوارع.. يا لهذا الخيال الضيق..
- أشبهك في هذا..
ضحك وقال: معك حق..أتركك الآن..
- الى اللقاء..
قالتها وأغلقت الهاتف.. وسرعان ما تذكرت العشاء فمطت شفتيها وهي ترمي بالهاتف المحمول على فراشها وتغادر الغرفة على الرغم من انها لا تشعر بالرغبة في تناول أي شيء...
* * * * *
تطلعت فرح إلى هشام الغارق في أفكاره وهو يتطلع الى الهاتف في شرود بعد أن أنهى مكالمته مع وعد..وتقدمت منه في خفة وقالت وهي تطل برأسها فجأة أمامه وتتطلع الى الهاتف: هل يعرض هاتفك فيلماً شيقا الى هذا الحد؟..
قال هشام ساخرا وهو يضع الهاتف على الأدراج المجاورة له: أجل..وخصوصا وهو يعرض مشهدا عن قتل شقيق لشقيقته لأنها أزعجته..
قالت فرح مبتسمة حقا: أهذا فيلم ام هو عقلك الباطن الذي يتمنى هذا الشيء..
قال وهو يفتح أحد الأدراج: بل عقلي الواعي الذي يود فعل هذا الشيء الآن..
قالت بخبث: وماذا ذنبي أنا إن كانت وعد لا تهتم بأمرك..
تطلع إليها ببرود ومن ثم قال: من قال إنني اهتم بأمرها أساسا..
قالت بمكر: عيناك..
قال ببرود وهو يستخرج الرسومات الهندسية لمبنى: أحقا؟..وماذا تقول عيناي..
- الكثير أتود أن تسمع؟
- هيا.. كلي أذان صاغية..
تطلعت إلى عينيه بمكر شديد ومن ثم قالت وهي تعقد ساعديها أمام صدرها: أولا.. انت تشعر بالضياع..
قال مبتسما: بلى.. فقد نسيت عنوان المنزل..
قالت متجاهلة عبارته: وثانيا..أنت تميل إلى فتاة ما وهي لا تبادلك المشاعر..
شعر هشام بالضيق من كلام شقيقته وكأنها تؤكد له بأن وعد لا تهتم لأمره حقا..واستطردت فرح قائلة: ثالثا.. أنت تحاول بشتى الطرق ان تجعلها تشعر بحبك لها دونما فائدة..ورابعا..من تحبها هي فتاة قريبة منك وتراها دوما..
قال بضيق: من قال إني أحب وعد؟..
قالت بخبث: ومن تحدث عن وعد الآن.. أنا أتحدث عن فتاة تحبها وهي قريبة منك أو أنت تراها دوما..
قال وهو يتظاهر بالانشغال بالرسومات الهندسية التي أمامه: ووعد هي من تنطبق عليها هذه الصفات..
مالت نحوه فرح وقالت وهي تغمز بعينها: من قال ذلك.. ربما تكون احدى زميلاتك بالعمل..أو ابنة خالي..
قال هشام وهو يمط شفتيه: لا تذكريني بها.. تلك المدللة..
- المهم.. لم تقل كيف كانت قراءتي لعينيك..
في داخله كان هشام يهمس لنفسه..هل حقا مشاعره واضحة للعيان الى هذه الدرجة..ولكنه قال متحدثا الى فرح بعناد: أمنحك واحد بالمائة..
قالت وهي ترفع حاجباها: ولم الواحد؟.. لم انت كريم الى هذه الدرجة؟..
- نتيجة لجهدك وتعبك..والآن يا شقيقتي العرافة..هلاّ تركتيني لوحدي حتى انتهي من هذا العمل..
قالت بضجر وهي تتوجه نحو باب الغرفة: عمل في مكتبك وعمل في المنزل وعمل عندما نسافر.. ألا ينتهي عملك هذا ابدا؟..
قال مبتسما وهو يراها تغادر الغرفة: بلى.. عندما اتقاعد أو أستقيل من وظيفتي..
خرجت فرح من الغرفة وهي تقول متحدثة الى نفسها ومختلسة النظرات عبر فتحة الباب الى هشام الذي يعمل بصمت: (هشام..صدقني لا فائدة من كل ما تفعله.. وعد لا تشعر بك..ولا اظنها ستشعر بك يوما.. بصريح العبارة هي ليست لك.. عليك ان تتفهم هذا الأمر..أعلم بمشاعرك تجاهها.. ولكني في الوقت ذاته ادرك ان وعد لا تحمل لك سوى مشاعر الأخوة.. حاول ان تقدر هذا وتتفهمه.. حاول..)
وسارت مبتعدة عن المكان وهي تشعر بالألم يعتصر قلبها على شقيقها الوحيد..الذي لا يستطيع أن يتخيل أو يتقبل فكرة ان وعد قد تتزوج يوما ما من غيره..ولا أعلم – أنا نفسي- ما قد يفعله لو حدث وتزوجت وعد بشخص آخر سواه....
* * * * *
تسللت أشعة الشمس الدافئة الى كل ركن من أركان المنطقة.. معلنة بذلك صباح يوم جديد..وبداية يوم عمل جديد..ليخرج الناس من بيوتهم منطلقين الى أعمالهم في همة او نشاط او حتى كسل..
وخير دليل على هذا هو ذلك المبنى الذي تعلوه لوحة كُتبت بحروف عريضة وواضحة ..مشيرة الى انه المبنى الخاص بصحيفة الشرق..بدا ذلك المبنى وفي ذلك الوقت المبكر من الصباح في فوضى دائبة.. كما يحدث يوميا..وكأن الممرات باتت اشبه بالشوارع المزدحمة..بسبب حركة الموظفين المستمرة فيه..
وقال ذلك الشاب وهو يستند على مسند المقعد ويتنهد بحرارة: وأخيرا انتهيت..
فتطلعت اليه تلك السيدة بابتسامة: احقا؟..ومن اين توفر لك هذا الوقت لانهاء ثلاثة مواضيع كاملة.. على الرغم من انك كنت تدرب تلك الصحفية الجديدة بالأمس..؟
قال احمد مبتسما: لا تستهيني بي ابدا..
قالت السيدة نادية متسائلة: لم تخبرني..كيف كان تدريبك لتلك الآنسة بالامس؟
هز كتفيه وقال: عادي جدا..كنت اشرح لها وهي تستمع الي بانتباه تام..
صمتت لوهلة ثم قالت: وكيف تجدها؟..افضل من الصحفية السابقة التي وكلت أيضا بالإشراف عليها..
قال وهو يعيد ترتيب أوراقه: أفضل بكثير..فالآنسة وعد لها مستقبل باهر ينتظرها بالصحافة لو استمرت على هذا المستوى من الذكاء والجرأة والحيوية..
- يبدوا وانها قد حازت على اعجابك..
ضحك وقال: كصحفية فقط و...
واردف وهو يتلفت حوله بمرح: ولا تنسي اني على وشك الارتباط فلا أريد ان تحوم حولي اية شائعات..
قالت بخبث: لك هذا..
تطلع اليها وقال بجدية مصطنعة: أستاذة نادية.. لم اعهدك تفشين الأسرار..
قالت بصوت منخفض بعض الشيء: لست انا ولكن الجدران لها آذان..
قال مازحا وهو يلتفت الى طارق المنشغل بمكالمة هاتفية بخصوص مقابلة ما: بينما الاستاذ طارق لا يتمتع بأي منها..
اتسعت ابتسامة نادية وقالت: معك حق..
لم يهتم طارق بأي مما كانوا يقولونه وقال منهيا حديثه بالهاتف: حسنا اذا كما اتفقنا .. سأكون بمكتبك بالغد..الى اللقاء..
(صباح الخير جميعا..)
التفت الجميع الى مصدر الصوت والتي لم تكن صاحبته الا وعد والتي توجهت نحو مكتبها بخطوات واثقة وثابتة والتفت اليها أحمد ليقول بهدوء:صباح الخير.. واهلا بك في هذا القسم من جديد..
ابتسمت لطريقته العفوية والمرحة في الحديث وسمعت السيدة نادية تقول في تلك اللحظة: صباح الخير..كيف حالك يا آنسة وعد؟
قالت وعد مبتسمة: بخير..وانت؟..
قالت نادية وهي تواصل عملها: كالعادة.. على ما يرام..
صمتت وعد بانتظار الشخص الثالث أن يجيب على تحيتها او حتى يشير الى انتباهه لما قالته.. ولكنه بدا أشبه بالتمثال لولا انه يتنفس وهو مستمر في قراءة خبر ما احتل احد الجرائد..وأدهشها صمته هذا وجعلها لا اراديا تلتفت اليه وتتطلع اليه بدهشة.. هل هو أصم ايضا؟..
وسمعت احمد يقول لها بصوت خفيض: لا عليك يا آنسة انه لا يجيب على تحية أي منا..
التفتت الى احمد وقالت بضيق: ألم أقل لك انه شاب مغرور لا غير..
قال في سرعة: ابدا.. ولكنه اعتاد أو ربما رغبة منه ان يدع الجميع يظنون انه لا يهتم بهم .. ولكنه على العكس لا يقبل أي كلمة على أي من زملائه او زميلاته..
قالت وهي تمط شفتيها: يبدوا وانه مصاب بعقدة نفسية..
قال وهو يلتقط أوراقه من على المكتب: لا تحكمي على ظواهر الأمور وتدعي بواطنها..
مطت شفتيها بملل دون أن تهتم للأمر كثيراً..وسمعت أحمد يقول وهو ينهض من خلف المكتب: سوف أذهب إلى المدير الآن.. وأعود إليك من بعدها لننهي ما بدأناه من تدريبات..
أومأت برأسها وهي تراه يخرج من المكتب ..وظلت صامتة للحظات .. وهي بانتظار عودة أحمد..أفكار كثيرة جالت بذهنها.. تجاه طارق هذا..عن أي طيبة يتحدثون..عن أي تعاون يتكلمون..انه لا يمتلك حتى ذرة إحساس ..مجرد مغرور يرغب في أن يثير الانتباه.. او يظن انه أعلى من الجميع لذا فهو لن يهتم ويتعب نفسه بالحديث مع من هم اقل مستوى منه في ظنه..
بارد كالثلج..جامد كتمثال من الحديد..هادئ كهدوء الليل وسكونه..غامض كغموض البحر بما يخفيه من أسرار في اعماقه..غير مبالي وكأنه وحده من يحيا في هذا العالم..أحقا يوجد بشر في هذا العالم على هذا النحو؟؟..
انتشلها من أفكارها صوت رنين هاتفها المحمول..من يكون المتصل في ساعة مبكرة كهذه في الصباح..أخرجت هاتفها وتطلعت الى رقم فرح الذي يضيء على شاشتها..وكادت ان تجيبه ولكن....
(آنسة وعد.. هاتفك يرن..)
تطلعت وعد إلى السيدة نادية ناطقة العبارة السابقة وقالت وهي ترفع رأسها لها: أعلم..ولكني لا أريد إزعاج أحد هنا..
قالتها وهي تقوم برفض المكالمة وتلتفت الى طارق.. ولا إراديا رفع رأسه هذا الأخير بعد أن سمع ما قالته وفهم بذلك إنها تعنيه هو.. وتطلع إليها بنظرة باردة كالثلج وعاد لمواصلة عمله..وكان شيئا لم يكن..
وعلى الجانب الآخر عقدت وعد حاجبيها بضيق.. أي إرادة فولاذية يملك..لم يهتم حتى بالرد على ما قالته..ألا يشعر؟..بالتأكيد لا.. شخص بارد المشاعر والأحاسيس مثله كيف له أن يشعر بشيء..
وجاءها صوت أحمد لينتشلها من هذا الضيق الذي تشعر به وقال مبتسما: ها انذا جئت..هل أنت مستعدة؟..
قالت وهي تنهض من مكانها: بالتأكيد..
قالتها وابتعدت خارجة من المكان بصحبة أحمد.. وما ان فعلت حتى ارتفعت عينا طارق بهدوء شديد عما بيده ليتطلع الى النقطة التي كانت تقف بها وعد منذ لحظات...

جنــــون 11-23-2011 01:26 AM

* الجزء الرابع*
(شجار..أم مجرد سوء تفاهم؟)



زفر هشام بضجر شديد وهو يحرك أصابعه بعصبية على المقود..بعد أن أوقف سيارته في احد المواقف الخاصة بمبنى الصحيفة..
وقال بسخط وهو يتحدث إلى فرح الجالسة إلى جواره: اتصلي بها واخبريها بان هناك حمقى ينتظرونها بمواقف الصحيفة منذ نصف ساعة..
قالت فرح وهي تفتح عينيها المغمضتين من الملل: عبثا أحاول..لقد اتصلت بها خمس مرات ولا تجيب.. ربما قد وضعت هاتفها على الوضع الصامت..
قال هشام بعصبية: وأنا الأحمق الذي أخذت إجازة ساعة قبل انتهاء العمل بناء على تعليماتك..
قالت وهي تتطلع من نافذة السيارة: صدقني.. انا متأكدة من إن موعد العمل قد انتهى منذ ربع ساعة لا اعلم لم قد تأخرت..
وأشارت بسبابتها الى الخارج وكأنها تؤكد صدق ما تقول: انظر بنفسك.. لم تبقى سوى اربع او خمس سيارات فقط بالموقف..
قال بسخرية لا تتناسب مع الموقف: وربما بقية الموظفين يذهبون بسيارات الأجرة او حتى الحافلات العامة..
وأردف وهو يبتسم بسخرية لنفسه: أنا الأحمق في النهاية عندما استمع الى كلام الفتيات..
- ستصل بعد قليل..انتظر قليلا..
- اذا حان البعد قليل هذا فلتخبريني..انا الآن متعب وجائع وسوف أعود الى المنزل..لن استمع الى كلام أي فتاة مرة أخرى والا كنت أبلها..
قالت وهي تعقد ساعديها أمام صدرها: تسخر منا..أليس كذلك؟..لكنك في النهاية لن تلبث ان تقع في حب احد منا..وتتمنى لو تستطيع ان تقدم لها كل ما تتمناه و...
صمتت فرح بغتة لأنها أدركت فداحة ما قالته خصوصا مع الألم الذي ظهر على وجه هشام..كيف تقول هذا وهي الأعلم بحبه الذي لا يلقى أي تجاوب من وعد..
وتنهد هشام وقال في تلك اللحظة وهو يتطلع الى مرآة سيارته الجانبية: وأخيرا حضرت الأميرة..
وأسرعت فرح بالتطلع من النافذة لترى وعد تتقدم باتجاه سيارتها بهدوء..فأسرعت بالخروج من سيارة هشام ونادتها قائلة: وعد..
التفتت لها فرح وقالت بغرابة وهي ترفع حاجبيها: فرح ..ما الذي جاء بك الى هنا؟..
قالت فرح بحيرة: ألم يخبرك هشام؟..
عقدت وعد حاجبيها في محاولة للتذكر وقالت: يخبرني ماذا؟..
خرج هشام من السيارة بنفاذ صبر وقال: الم اتصل بك بالأمس وأخبرتك باني انا وفرح سوف نمر لأخذك والذهاب الى احد المتاجر..
قالت وعد بغتة: بلى لقد تذكرت الآن ..
قال هشام بحدة: فليكن هيا بنا اذا فقد مللت الانتظار كل هذا الوقت..
قالت وعد وهي تهز كتفيها بلا مبالاة: ولم انت غاضب هكذا لم اطلب منك المجيء ..انت من جاء لوحده..
قال هشام بعصبية: معك حق.. انا المخطأ..
قالها وهو يصعد سيارته وفرح تراقبه بدهشة فصاحت هذه الأخيرة قائلة: هشام ..ماذا ستفعل؟..
قال هشام بصوت مرتفع متحدثا الى وعد وهو يشعل المحرك: وأوصلي فرح في طريقك..
قالها وانطلق بالسيارة من فوره فقالت فرح بدهشة واستنكار: انه مجنون.. لاشك في هذا..كيف يتركني هنا؟..
قالت وعد مبتسمة وهي تصعد الى سيارتها: اصعدي الى سيارتي الآن.. قبل ان امضي في طريقي ولا تجدين من يوصلك بعدها..
قالت فرح وهي تجلس في المقعد المجاور لوعد: أتعرفين..كل ما حدث كان بسببك..
قالت وعد بابتسامة: أنت الآن معي فلا تسيئي الي.. فلا يوجد سواي ليوصلك إلى المنزل.. بعد ان تركك شقيقك ورحل دون ان يهتم لأمرك..
قالت فرح وهي تعقد حاجبيها: لست أمزح يا وعد.. لقد ترك عمله قبل ساعة وأخذني من المنزل لننتظرك هنا..فكما تعلمين عمله ينتهي بعدك بساعة كاملة..
وأردفت وهي تمط شفتيها: ومكثنا ننتظر هنا لنصف ساعة.. حتى جئت إلينا و..
قاطعتها وعد بملل: وشقيقك العزيز قام بصب غضبه على رأسي أنا..
قالت فرح بحدة: لأننا كنا ننتظرك منذ فترة وأنت لم تقدري هذا بل قابلتينا بعدم اهتمام وكأننا ....
قالت وعد بملل: أرجوك كفى يا فرح..لم انتهي من هشام حتى تظهري انت لي الآن..
قالت فرح بحنق: هشام لا يستحق ما تفعلينه معه يا وعد..
قالت وعد باستنكار: وما الذي فعلته به؟..
- تتجاهلينه..لا تأبهين لما يفعل..لا تقدرين مشاعره و...
صمتت فرح وتنهدت وهي تشيح بوجهها..فقالت وعد باستنكار شديد: أنا أتجاهله؟.. انه يتصل بي أحيانا حتى عندما أكون نائمة.. ولكن إكراماً له لا أحرجه.. شقيقك هذا- عن اذنك - مجنون..لن يكف على مراقبة تحركاتي والاتصال بي كل لحظة ليعلم اين انا..
قالت فرح وهي تتنهد: لن تقدري مشاعره ابدا...
- وماذا افعل له حتى اقدر مشاعره.. و....
بترت وعد عبارتها وقالت باستغراب: عن أي مشاعر تتحدثين.. هل اصابتك عدوى الجنون من هشام..
قالت فرح وهي تتنهد بسخرية مريرة: ربما اكون كذلك..لا تهتمي لما قلته..
صحيح ان فرح طلبت من وعد ان لا تهتم للامر.. ولكن هذا كان اشبه بالحافز لهذه الأخيرة..فقد عقدت حاجبيها وهي تطيل التفكير بالأمر طوال قيادتها.. وتمتمت لنفسها قائلة : ( ما الذي تعنيه فرح بكلامها؟..عن أي مشاعر تتحدث؟..اتعني ما تقول حقا؟..ام انه مجرد توقع من توقعاتها؟..لو كان ما تقوله صحيح فـ...يا الهي لا اتمنى ان يكون حرفا مما قالته صحيحا والا سأكون في مشكلة.. هشام يحمل لي مشاعر في قلبه..انها الطامة الكبرى ولا شك..كلا هذا غير صحيح ان فرح بدأت تهذي او ربما تتخيل اشياء في غير محلها..أليس كذلك يا فرح..أليس كذلك؟)
لم تنتبه وعد الى نقسها وهي تنطق بشكل مسموع: أليس كذلك يا فرح؟..
تطلعت اليها فرح وقالت: تحدثيني؟؟..
قالت وعد وهي تهز رأسها: كلا..دعك مني فقد اقتربنا من منزلك..
قالت فرح بهدوء: خذيني معك الى منزل عمي لا اريد ان اعود الآن الى منزلي فلا بد ان هشام لا يزال غاضبا..وسأكون افضل شخص ..يفرغ غضبه فيه..
قالت وعد بمرح: فليحاول فقط وانا سأجعله يندم لو صرخ في وجهك فقط..
قالت فرح مبتسمة: وما الذي يمكنك فعله؟..أتذكرين قبل ان تدخلي الجامعة.. طلبت منه أن يأخذك الى هذه الأخيرة حتى تلتحقي بها..ولكنه نسي الامر وبسبب ذلك لم تتمكني من التسجيل في تلك الجامعة التي كنت ترغبين بالالتحاق بها...فغضبت وثرت وفي النهاية هدأت...امام شقيقي لن يمكنك أن تفعلي شيء..
قالت وعد بابتسامة: أتصدقين شقيقك هذا لديه وسيلة غريبة في الإقناع.. على الرغم من اني كنت في ذروة غضبي.. ولم يكن لدي أي ذرة صبر او هدوء حتى استمع الى احد..ولكنه تمكن من ان يهدأ غضبي ويجعلني انسى الأمر بالمرة..
قالت فرح بلهفة: ماذا قال لك يومها؟..
صمتت وعد في تفكير ومن ثم قالت وهي تهز كتفيها: لا اذكر جيدا.. ولكنه جعلني اقتنع ان الامر مسلم به..
وأردفت في هدوء:ها قد وصلنا..هيا فلتذهبي الى المنزل ..وان حاول هشام اذيتك اخبريني.. انا له دائما بالمرصاد..
قالت فرح بمرح: سنرى من منكما سينتصر في النهاية..
واردفت وهي تفتح باب السيارة: أشكرك على توصيلي.. الى اللقاء..
اوقفتها وعد قائلة بابتسامة: والاجرة؟؟
قالت فرح وهي تغمز بعينها: تحصلين عليها نهاية الشهر..مع السلامة..
قالتها وهبطت من السيارة..وبالرغم منها أحست وعد وهي تبتعد عن منزل عمها- والد هشام- بشعور غريب يتملكها اثر كلمات فرح لها..شعور كان اقرب الى الخوف.. منه إلى الاستنكار..
*************
انشغل هشام بأخذ القياسات على المخطط الموجود أمامه لمبنى ما..ولم ينتبه إلى فرح التي طرقت باب غرفته ومن ثم لم تلبث ان فتحت الباب بعد أن يأست من أن يجيبها هشام وقالت بحيرة: هشام هل أنت نائم؟..
قال مبتسما: اجل..
تقدمت منه وقالت بضيق: أليس لديك وقت لتجلس معي قليلا .. دائما منشغل بعملك هذا..
قال في هدوء: مع الأسف لم يتم توظيفي في شركتك الخاصة حتى أتذمر من كثرة العمل..
عقدت حاجبيها وقالت: لا تسخر مني..ثم ما أدراك من أن تكون لدي شركة خاصة في المستقبل..
قال بسخرية: هل بدأت تخططين للزواج من صاحب الشركة التي اعمل بها؟..
غمزت بعينها وقالت: ما رأيك في عماد.. والده لديه شركة..صحيح ليست بالكبيرة.. ولكن في ذات الوقت تسمى شركة..وستصبح لي في المستقبل..
شعر هشام بالضيق.. ربما عندما علم بأن عماد افضل منه ماديا.. وانه زوج مناسب لكل فتاة.. وازداد ضيقه وهو يتذكر ابتسامة وعد الواسعة لعماد في ذلك اليوم..
وأيقظته فرح من شروده وقالت وهي تتطلع الى المخطط الذي يقوم بتعديله: مبنى جميل.. هل هو من تصميمك؟..
قال بغرور: بالتأكيد من تصميمي.. لم يكن كذلك حتى قمت أنا بإضافة تلك المناطق فيه..
قالت مبتسمة: أيها بالتحديد..
أشار إلى المخطط وقال: تلك النافذة التي تحتل عدة زوايا.. بالإضافة إلى هذا الباب الذي يمكن فتحه من الجانبين..وذلك الجدار المنخفض الذي يفصل غرفة عن أخرى..
قالت وهي تتطلع إليه: أفكارك ممتازة..
قال مبتسما: اعلم..
قالت متسائلة: هل لي بسؤال؟؟
قال وهو يمسك بتلك المسطرة الطويلة نوعا ما..ويعد بعض القياسات على احد النوافذ: اجل.. ولكن بسرعة..
قالت بتردد: أتذكر عندما طلبت منك وعد إيصالها إلى الجامعة قبل عدة سنوات..وغاب الأمر عن ذهنك واضطرت وعد بعدها إلى التسجيل في جامعة أخرى بسبب هذا الأمر..
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي هشام وقال: بالتأكيد اذكر..كيف لا وقد ملأت وعد الدنيا صراخا بسبب غلطتي التي لا تغتفر كما تقول..
مالت نحوه فرح وقالت: ماذا قلت لها حتى هدأت بعد ذلك واقتنعت..
عقد حاجبيه وقال وهو يترك ما بيده: ماذا قُلت لها؟؟
أومأت فرح برأسها..صمت هشام في تفكير.. وقال بعد وهلة من الصمت: اذكر يومها إني طلبت منها ان نتحدث بهدوء وبعيدا عن الآخرين ووافقت بعد جهد..
اومأت فرح برأسها وقالت مبتسمة: وبعد..
- وقلت لها ان ما حدث لم تكن غلطتي او غلطة أي شخص آخر..لذا ...
بتر عبارته وهو يتذكر كلماته جيدا ومن ثم قال وكأنه يتحدث الى وعد: لا تنظري إلى الوراء يا وعد.. الماضي ولى وذهب.. والحاضر هو الموجود لي ولك وللجميع..وأمامك سيكون المستقبل الذي تحلمين به..ربما ما حدث كان لصالحك وان تلك الجامعة لم تكن بذلك المستوى..
ضحكت فرح وقالت: لم اعهدك فيلسوفا الى هذه الدرجة.. المهم بم أجابتك وعد؟..
- أتذكر انها قالت بعصبية (المستقبل الذي احلم به كان في تلك الجامعة.. وبسببك أنت خسرت حلمي بالالتحاق بها)..
ضحكت فرح وقالت: دائما وعد هكذا.. عنيدة من الصعب إقناعها..
وأردفت باهتمام: وبعد.. ماذا قلت لها حتى اقتنعت؟..
قال هشام وهو يشرد إلى تلك اللحظة: نحن لن نستطيع تغيير الماضي مهما فعلنا.. لا نستطيع أن نعود إلى الوراء ولو للحظة..اسمعيني يا وعد قد أكون أخطأت عندما لم اتذكر هذا الأمر.. ولكن في النهاية أتمنى أن هذا قد حدث لخير لك..
قالت فرح بلهفة: وماذا حدث بعد ذلك..
قال هشام مبتسما وهو يهز كتفيه: ابدا لا شيء تطلعت الي مترددة ومن ثم لم تلبث أن اقتنعت بوجهة نظري وانه لا ذنب لي في ما حصل.. وانه ربما كان ما حصل لصالحها..وغادرت المكان..
قالت فرح وهي تغمز بعينها: لست سهلا أبدا.. اظنك تستطيع إقناع أي شخص بكل ما تريده..
قال بسخرية: اجل وخصوصا أنت عندما اقول لك..اخرجي خارجا لان لدي من العمل الكثير وقد صدعت راسي بوعد هذه..
قالت بملل: أنا صدعت رأسك بوعد..أم أنت الذي لا تصدق أن تجد أي فرصة لديك حتى تتحدث فيها إلى وعد على الهاتف..
قال هشام بسخرية لاذعة: أرجوك..كفي عن حديثك هذا والا احتجت الى النوم في مستشفى الأمراض العقلية..
عقدت حاجبيها وقالت بضيق: فليكن يا هشام سنرى من منا على حق في النهاية أنا أم أنت..
قالتها وخرجت خارج الغرفة وهي تغلق الباب في قوة.. فتنهد هشام وقال: أنت يا فرح.. أنت..
**************
غرقت وعد في تفكير عميق وهي تفكر في كل كلمة قالتها لها فرح..ترى أكانت تقول هذا وهي تقصد مشاعره تجاهها كأبنة عم ام كـ...؟
صمتت وهي غير قادرة على استيعاب أي شيء..ان كان هشام الآن يسبب لها الجنون باتصالاته المستمرة وبملاحقاته..وبسخريته المستمرة.. ماذا ستفعل ان اكتشفت انه يحبها!!.. سيزداد ما يفعله اضعاقا او ربما يتقدم لخطبتها..وهي لا تريد هذا لان مشاعرها تجاهه لا تتعدى مشاعر أخت لأخيها..
ولكن لحظة لو حقا يحبها لتقدم لخطبتها منذ فترة..فهي كما تعلم قد حصل على وظيفته واستقرت على احواله منذ ثلاث سنوات..فما الذي منعه من خطبتها.. وهي ليست بالفتاة الصغيرة ابدا...
لم تكن وعد تعلم ان هشام رافض لأن يتقدم ويخطبها وذلك بسبب تجاهلها له بالإضافة الى انه قد قرر ان لا يتقدم لها حتى تبادله هي المشاعر.. الذي أصبح واثقا انها من طرفه فقط...
أقنعت وعد نفسها بذلك التفكير الذي وصلت اليه وان مشاعر هشام لها كمشاعرها له..وتذكرت ما فعلته ظهر اليوم .. وأحست بالعطف والشفقة تجاه هشام.. وخصوصا وانه يبدوا غاضب منها فلم يتصل بها طوال اليوم..
ووجدت نفسها تضغط رقم هشام وتتصل به..وانتظرت رده وسمعته يقول ببرود بعد فترة من الرنين : نعم؟..
قالت وعد مبتسمة: أتعلم ببرودك هذا..تذكرني بشخص ما..
قال متجاهلا عبارتها: ماذا تريدين الآن.. تحدثي بسرعة فأنا مشغول..
قالت بسخرية: رويدك يا أخي..لا تتعب نفسك كثيرا..
- اشكر لك نصيحتك والآن ..ماذا تريدين؟
قالت بابتسامة: السؤال عنك..
- انا بخير.. أي شيء آخر؟..
قالت بضيق: كل هذا البرود واللامبالاة لاني قلت اني لم اطلب منك المجئ.. ماذا ستفعل لو اني طردتك من المكان؟..
قال ببرود متعمد: كنت سأجرك من شعرك الى السيارة..
قالت بسخرية: أتعلم.. أحيانا أكاد أصدقك..
قال بضيق: وعد ماذا تريدين الآن.. اخبريني انا مشغول وقد اجلت معظم وقتي في هذا الحديث معك..
قالت وهي تمط شفتيها: لقد استغربت عدم اتصالك طوال اليوم..لاني اعلم انك لن تلبث ان تتصل بي بين لحظة واخرى .. واتصلت بك لأرى....
قاطعها قائلا: عملي هو ما منعني من الاتصال..
قالت وعد بحنق: إلى اللقاء الآن.. فلا أريد ان أضيع عليك لحظاتك الثمينة..
قالتها واغلقت الهاتف في غضب وأردفت بحدة: أنا المخطأة ..لماذا اتصلت به.. انه لا يستحق ان يسأل عنه احد او حتى يكترث لأمره.. ثم قد تخلصت أخيرا من ازعاجاته الدائمة لي.. ولن يقلق احدهم نومي بعد الآن..
وعلى الطرف الآخر أحس هشام بكلماته الباردة والغير مبالية التي تحدث بها الى وعد.. يعلم انه قد زاد من الجرعة هذه المرة حتى ان وعد اغلقت الهاتف دون ان تنتظر سماع رده..وقال متحدثا الى نفسه: ( كان ينبغي ان افعل هذا يا وعد.. حتى تشعري انك بحق أصبحت تتجاهليني.. وتلتفتي إلى هذا الأحمق الذي وقع في حبك..والذي أصبحت كل شيء له في هذا العالم)...
**********
أسرع عماد يهبط درجات السلم وهو يتطلع إلى ساعته بين الفينة والأخرى.. وقال على عجل وهو يستعد للخروج: أماه أنا مغادر الآن.. أتحتاجين إلى شيء..
قالت والدته وهي تتطلع إليه: اجل انتظر لحظة..ارغب في الحديث إليك..
قال وهو يراقب ساعته للمرة الخامسة: بسرعة يا أماه..فقد تأخرت عن العمل نحو ربع ساعة..
قالت له والدته ببرود وهي تحثه على الاقتراب حيثما تجلس: لا أظن أن أحدا يستطيع ان يقول كلمة واحدة عنك او عن تأخيرك..فأنت ابن صاحب الشركة..
قال بهدوء وهو يجلس على مقعد مجاور لها: كوني ابن صاحب الشركة لا يدعوني إلى الإهمال في العمل..او ان لا أكون دقيقا في مواعيد العمل كبقية الموظفين..أليس كذلك؟..
قالت والدته بضيق: دعك من العمل قليلا وفكر في نفسك..
قال عماد بملل وضجر كبيرين: هل سنعود الى هذا الموضوع من جديد.. أخبرتك يا أماه أني لا أفكر بالزواج في الوقت الحاضر..
- متى إذا؟..
- أماه..أنا لم ابلغ الأربعين بعد حتى تلحي علي كل هذا الإلحاح..لا أزال في التاسعة والعشرين و...
قاطعته والدته وقالت بحدة: وستمضي الأيام دون ان تشعر بها.. وبعدها سيكون قطار الزواج فد فاتك..
قال عماد مازحا: سأستقل طائرة إذا.. أظن إنها الأسرع.. اليس كذلك؟..
قالت والدته بضجر: حديث لا معنى له أو تهرب من الموضوع.. هذا ما اجنيه منك كلما فتحت موضوع الزواج معك..
قال مبتسما وهو ينهض: دعي الأمر لي إذا.. وأنت أول من سأخبرها لو إنني فكرت بالزواج من إحداهن..
قالها وغادر المنزل.. لينطلق بسيارته..وسيل جارف من الأسئلة تحوم برأسه.. وأفكار كثيرة عن عدم ميله لأي فتاة حتى هذه اللحظة...
**********
سارت وعد بخطوات هادئة الى ذلك القسم.. وما ان دلفت الى الداخل حتى شعرت باستغراب..اذ ان المكان خال من أي موظف..لا يوجد احد بالمكتب..أين ذهب الجميع؟..
وقالت متحدثة بصوت خفيض: هل جئت مبكرة الى هذه الدرجة..ام ان اليوم هو يوم اجازة رسمية ولا اعلم..
( كلا..ليست إجازة مع اننا جميعا كنا نتمنى ذلك..)
التفت وعد الى صاحبة الصوت ولم تكن سوى السيدة نادية..فسألتها وعد على الفور: اين ذهب الجميع؟..
قالت نادية وهي تهز كتفيها: الأستاذ أحمد لديه تحقيق صحفي..والاستاذ طارق عند المدير..
قالت وعد بحيرة: لديه تحقيق؟؟..إذا من الذي سيقوم بتدريبي هذا اليوم..
قالت نادية بلامبالاة: ليس الأمر مهم إلى هذه الدرجة.. ما دمت قد تدربت على الأمور الأساسية والأولية في العمل..
قالت وعد وهي تزفر بحرارة: ومتى سيعود الأستاذ أحمد؟..
قالت نادية وهي تجلس خلف مكتبها: ربما اليوم..او ربما غدا..
صمتت وعد دون ان تعلق على عبارة نادية وتوجهت نحو مكتبها لتجلس خلف مكتبها..وأسندت ذقنها الى كفها بملل..ماذا يمكنها ان تفعل الآن.. في الايام الماضية.. كانت تشغل اغلب وقتها في تدريباتها مع احمد..والآن ماذا ستفعل؟..
وقالت بعد تردد: أستاذة نادية..ماذا افعل الآن؟..
قالت نادية وهي ترفع رأسها لوعد بهدوء: يمكنك فعل ما تشائين.. ما دمت لا تزالين تحت التمرين.. ولم يسند اليك أي عمل حتى الآن..
واردفت وهي تبتسم: يمكنك قراءة المجلات.. او الجرائد..او كتابة موضوع ما..
وضعت وعد سبابتها أسفل ذقنها كعادتها عند التفكير ثم ما لبثت ان قالت بابتسامة باهتة: فليكن..
التقطت إحدى الأوراق وفتحت غطاء قلمها الجاف..وبدأت بالكتابة.. أي شيء كان بذهنها حتى وان لم يكن بالمستوى المطلوب..
" في عقل كل منا..طفل..
هل شعرت يوما بالشوق لطفولتك؟..هل كنت تتمنى لو تعود الى تلك المرحلة؟..هل كنت تتمنى مشاركة الأطفال مرحهم؟..لا احد منا يستطيع انكار انه قد مر ولو لمرة واحدة باشتياق لعالم الطفولة الغامض..حيث الطفولة لها مفرداتها الخاصة التي يفهمها بعضهم البعض..
في عقل كل منا يحيا طفل.. يتمنى اللعب.. المشاكسة.. الصراخ.. يتمنى ان يتحرر من التعقيدات التي يفرضه عليه عالمه..عالم الكبار.........."
واستمرت في الكتابة والتفكير.. والوقت يسير ببطء شديد....
************
صمت تام غلف مكتب المدير.. الذي يجلس فيه هذا الاخير مع طارق..وانتظر تعليق من ما قاله له قبل قليل..وقال طارق بعد تفكير: وماذا عن أحمد؟..
قال المدير بهدوء: لديه تحقيق صحفي هام لهذا اليوم..ثم حتى وان لم يكن لديه..كنت سأختارك انت لهذا الامر..
قال طارق بهدوء: لا اعتقد انني سأستطيع تدبر الامر.. فكما تعلم انها المرة الاولى التي اذهب بها مع شخص ما في تحقيق صحفي..
قال المدير في اهتمام: انك الأكفأ هنا... واعتقد انك ستكون خير مثال وقدوة للصحفية الجديدة..ثم انك ستقوم بممارسة عملك كالمعتاد..وهي ستكتفي بالمراقبة.. وتعلم كيفية التصرف في كل تحقيق ترسل فيه في المستقبل لوحدها..
واردف قائلا: ما رأيك؟..
صمت طارق للحظات.. ثم قال ببرود: لا بأس..مع إني لا أظن إنني أصلح لهذا الأمر..
- حسنا مادمنا قد اتفقنا.. يمكنك مغادرة المكان..ومباشرة عملك..ولا تنسى اصطحاب الآنسة وعد معك..
نهض طارق من مكانه..وعلامات البرود لا تبرح وجهه..واتجه نحو القسم الذي يعمل به.. دون أن يعلم كيف سيتصرف مع الموقف الذي وضع به....

جنــــون 11-23-2011 01:26 AM

*الجزء الخامس*
(هل سيمضي الأمر على خير؟)




انشغلت وعد بترتيب الموضوع الذي أنهته منذ لحظات وبتعديل الأخطاء الإملائية ..وابتسمت برضا وهي ترى الموضوع النهائي بعد التعديلات و....
( آنسة وعد..)
صوت بارد كالثلج عرفت وعد صاحبه على الفور.. ورفعت ناظريها إليه وان كانت لا تزال تشعر بالحنق من تصرفه الأخير معها..وما أثار استغرابها هو انه قد ناداها..لا بد ان أمر ما قد حدث.. او انه يود توجيه عبارة محرجة لها..ورفعت رأسها إليه وبنظرات باردة تطلعت اليه وقالت: ماذا؟..
قال وهو يقف عند الباب: لدينا مقابلة صحفية..مع احد المسئولين.. هيا..
عقدت وعد حاجبيها باستغراب وقالت متحدثة إلى نفسها: (يقول لدينا.. بمعنى أنا وهو الذين سنقوم بتلك المقابلة الصحفية..أنا اذهب مع لوح الثلج هذا.. لابد إن أعصابي ستتحطم..قبل أن نكمل نصف الطريق فقط..)
وقال طارق ببرود اشد وهو يراها لم تبرح مكانها بعد: لا أريد أن نتأخر..أسرعي هيا..
مطت وعد شفتيها وتطلعت إليه بنظرة تقول (الم يجدوا سواك لأذهب معه؟)..
طارق الذي لم يأبه بها..مضى في طريقه بصمت وتوجه نحو المصعد ليستقله..ووعد التي تبعته بخطوات مسرعة بعض الشيء..لأنها تعلم بأنه لن يلبث أن يغادر من المكان دون أن يبالي بأحد..ففي النهاية هو ليس سوى شخص لا يهتم إلا بنفسه..
استقلت المصعد الذي صعد به منذ لحظات وهبطا الى الطابق الأرضي مع بعض الموظفين..وخرجا من المبنى الى ان وصلا الى مواقف السيارات..رأته يتوجه الى سيارته..ويتوقف عندها للحظات ..وحين شاهدها تتوجه الى سيارتها قال: الى اين؟..
قالت وهي تمط شفتيها: سأستقل سيارتي..
قال وعلى شفتيه شبح ابتسامة ساخرة: وهل تعرفين الطريق الى حيث سنذهب؟..
قالت بتحدي: سأتبعك بسيارتي..
هز كتفيه بلا مبالاة واستقل سيارته وانطلق بها..دون ان يلقي على وعد نظرة اخرى..وعلى الجانب الآخر .. كان ما يخيف وعد ان لا تكون أهل للتحدي الذي وضعت نفسها فيه منذ لحظات..وان تضيع في شوارع المدينة دون ان يكون لها العلم حتى بالمكان الذي سيذهبان اليه..
والقلق كان يرسم طريقه الى وجهها وملامحها..وهي تحاول ان تتبع سيارة طارق بدقة..وكلما فصلتها عن سيارته سيارة او أخرى يزداد قلقها اضعافا..
ومضى هذا الأمر على خير.. إذ وصلا أمام شركة ضخمة للمقاولات..وأوقفت وعد سيارتها في إحدى مواقف تلك الشركة.. وهي تشعر بالانبهار من ضخامة هذه الشركة..وخرجت من سيارتها وقالت وكأنها تتحدث الى نفسها: كبيرة جدا..
ومع ان طارق قد سمع ما قالت الى انه قال ببرود وهو يسير باتجاه المدخل: اتبعيني..
شعرت وعد بالضيق.. أيظنها سكرتيرته الخاصة حتى تتبعه.. إنها صحفية مثلها مثله.. لا يحق له التعالي عليها..وفي عناد أسرعت تسير حتى باتت تسير إلى جواره تقريبا.. ونظراتها مليئة بالتحدي.. بينما نظراته لا تختلف عن البرود الذي تحملانه..
وصعدا بالمصعد الى الطابق الثامن..وعد كانت صامتة تتحاشى حتى النظر اليه..اما هو فقد كان يقرأ ورقة ما.. ويخط عليها بضع كلمات إضافية..استغربت وعد عمله هذا وتساءلت بداخلها..ترى ماذا يفعل..ما هذا الموضوع الغارق في قراءته..والمندمج في تعديله؟..
لم تشأ سؤاله..ووصل المصعد في تلك اللحظة الى الطابق الثامن..فخرج طارق اولا وسار في طريقه دون ان يلتفت الى الوراء ويتأكد ان وعد تسير خلفه..وكأنه قد نسي وجودها تماما او ربما يتناسى..
توجه الى حيث مكتب السكرتيرة وقال : اود مقابلة المدير العام من فضلك..
رفعت السكرتيرة رأسها اليه وقالت: هل يوجد موعد سابق؟..
اومأ طارق برأسه ايجابيا فقالت السكرتيرة: حسنا..ومن يود لقاءه؟..
قال طارق وهو يناولها بطاقته المهنية: طارق جلال..صحفي من صحيفة الشرق..
عقدت وعد حاجبيها وهي تستمع الى ما قاله.. انه حتى لم يذكر اسمها..وكأنها ليست موجودة معه..او ستحضر هذا اللقاء الصحفي برفقته..اي شخص هذا..
ولم تمض بضع دقائق حتى خرجت السكرتيرة من مكتب المدير العام وقالت: تفضل يا استاذ طارق..ان المدير العام ينتظرك..
ومن ثم فتحت له باب المكتب حتى يدلف الى الداخل ومن خلفه وعد..وما ان وطئت قدما وعد المكتب..حتى رفعت حاجبيها إعجاباً بفخامة المكان..وأثاثه الراقي الذي يعكس ثراء هذه الشركة.. وشاهدت طارق يصافح المدير العام ويقول: هل نبدأ الآن يا سيد فؤاد..أم انك تود مراجعة الأسئلة أولاً..
قال السيد فواد بابتسامة دبلوماسية: كلا ابدأ الآن..لا حاجة لمراجعة الأسئلة..
وشاهدته وعد يتطلع الى تلك الورقة التي كان يخط عليها بضع كلمات قبل قليل..إذا هذه هي الأسئلة التي سيسألها للمدير العام خلال اللقاء الصحفي..
قال السيد فؤاد في تلك اللحظة وهو يشير الى الأريكة: تفضلا من فضلكما..
ثم التفت الى وعد وقال: لم تعرفني بالآنسة..
قال طارق بلامبالاة: الآنسة وعد..صحفية جديدة في صحيفة الشرق..ولا تزال تحت التمرين..
صافحها السيد فؤاد ومن ثم قال متسائلا: ماذا تفضلان ان تشربا؟..
قال طارق ببرود: نشكرك كثيرا..لكننا نود انهاء عملنا أولاً..
وأردف طارق وهو يخرج من جيب سترته جهاز تسجيل: أأنت مستعد يا سيد فؤاد؟..
- اجل..
ضغط طارق زر التسجيل وبدأ في طرح الأسئلة..ووعد تراقب ما يفعله.. تراقب كيفية طرحه للأسئلة..وكيف يمكنه تدارك موقف رفض السيد فؤاد للإجابة..وكيف يمكنه إقناع هذا الأخير بوجهة نظره..إذاً لهذا جاءت معه..حتى ترى بنفسها وتفهم كيفية التصرف مع أي شخص ستقوم بعمل لقاء صحفي معه..وكيف يمكنها السيطرة على أي موقف تواجهه..
وظلت تراقب اسألة طارق المتواصلة للسيد فؤاد..ولما وجدت الأول قد صمت للحظات..قالت: سيد فؤاد..هل لي بسؤال؟..
انزعاج واستغراب هو ما كانت تعبر عنه ملامح طارق..لقاء تدخلها في اللقاء الصحفي والذي قد يفسد الأمر..والتفت لها بملامح باردة ومنزعجة..لكن وعد قالت بجرأة: لقد سمعت ان بعض الموظفين في الشركة..يحصلون على رشوى من العملاء..اهذا الحديث صحيح؟..وما رأيك به؟..
ارتفع حاجبا طارق في استغراب من حديث وعد..انها المرة الأولى التي تأتي الى هذا المكان..هذا اولاً..وثانياً كيف تمتلك الجرأة لسؤال مباشر كهذا..
في حين تطلع اليها فؤاد وقال وهو يعقد حاجبيه: من اين سمعت مثل هذا الحديث؟..
قالت بحزم: ليس المهم المصدر.. المهم هو ان كان صحيحا ام لا..
قال السيد فؤاد بثقة: بالتأكيد لا..فالعمل هنا يسير بدقة..وهناك رقابة شديدة ولا يمكن لأي من الموظفين ان يستلم رشوى من أي عميل..
هنا قال طارق محاولا تغيير دفة الحديث: يقال انك ستزيد من ارباح شركتك لهذا العام..هل صحيح ما يقال؟..وكيف؟..
أجابه فؤاد عن سؤاله..واستمر اللقاء الصحفي..ووعد لم تحاول ان تتدخل فيما بعد وآثرت لصمت..كانت تريد ان تتأكد من مقدرتها على طرح الأسئلة ومن كونها قادرة على مواجهة أي موقف توضع فيه..وايضا..وبصراحة كانت تريد ان تتحدى طارق وتريه أي فتاة هي..وان عليه ان لا يقلل من شأنها بعد اليوم....
*********
(هشام..عد إلى المنزل..تبدوا مرهقا)..
قالها احد الموظفين..والذي يشترك مع هشام بالمكتب ذاته..فقال هذا الأخير بابتسامة باهتة: لست كذلك..لا تحاول..لا تصلح لأن تكون طبيبا..
قال زميله مبتسما: ومن قال إنني أفكر بمهنة الطب من الأساس..
وأردف بجدية: ولكن حقا يا هشام..أنت تبدوا متعبا وكأنك لم تنم بالأمس..
تنهد هشام..واسند رأسه الى مسند المقعد بتعب..ان ما يقوله زميله صحيح..هو لم ينم بالأمس..وكل هذا بسبب شجاره مع وعد..أحس بتأنيب الضمير لما قاله لها ..وكاد ان يتصل بها منتصف الليل ليعتذر عن تصرفه معها.. ولكن أمرين منعاه من ذلك..لم يكن يريد مضايقتها وإيقاظها من نومها..وأيضا لم يكن يريد إهدار كرامته..وهي حتى لم تكترث لما حدث..ولكنها اتصلت به..وحاولت ان تجعله ينسى المشادة التي حصلت لهما بالأمس..و...
وعد..وعد..وعد..الا توجد فتاة في العالم غير وعد ليفكر فيها..كيف لا..وهو يحبها...لا بل يعشقها.. لقد فتح عينيه على الدنيا ليجدها الى جواره..تلعب وتضحك..تدرس وتبكي..كل هذا أمام عينيه..انه يعرف وعد أكثر من نفسه..يعرف ما يغضبها..وما يفرحها..ما يحزنها..وما....
ابتسم ابتسامة مريرة وساخرة لنفسه..الآن هو يحمل نفسه ذنب انه قد تشاجر معها بالأمس..وهي لا بد انها قد نست الأمر تماما ولم تهتم إن كان يحدثها أم لا..على العكس ستشعر بالسعادة لأنها سترتاح من اتصالاته المتكررة لها..
خطر في رأسه بغتة أن يرسل لها رسالة قصيرة..على الأقل بديلا عن الاعتذار الذي لا يستطيع ان ينطق به..أخرج هاتفه المحمول من جيبه وكتب رسالة قصيرة لوعد تقول (أتعلمين منذ ان علمت انك تعملين بجريدة الشرق..توقفت عن شرائها)..
تردد في إرسالها..ربما يزيد النار حطبا هكذا..او ربما تتضايق من رسالته..او...
ابعد هذه الأفكار عن رأسه وأرسل الرسالة القصيرة في سرعة..قبل أن يتردد مرة أخرى ولا يرسلها..ترى استفهم وعد ما بين السطور و الاعتذار الذي أرسله مع هذه الرسالة ؟؟..
**********
سار طارق ووعد خارجين من الشركة..وتلك الأخيرة كانت تشعر ببعض التعب..فتطلعت الى ساعتها وشاهدت ان موعد العمل لم ينتهي بعد..وبقي على انتهاءه حوالي الساعتين..تريد ان تعود الى المنزل في سرعة حتى ترتاح قليلا و...
(كيف تسألينه مثل هذا السؤال؟..)
انتبهت على طارق الذي وقف للحظات والتفت عليها ليسألها السؤال السابق..وتطلعت إليه للحظات للتأكد ما اذا كان منزعج مما فعلته..أم متقبل الأمر على الأقل..
لكن ملامحه كانت أكثر جمودا من أن توضح أي شيء بداخله..وقالت أخيرا وهي تهز كتفيها: خطر بذهني..وأردت ان اسأله هذا السؤال..
قال طارق وهو يعقد حاجبيه: ومن أين علمت بأمر الرشوى تلك؟..
ابتسمت بالرغم منها وقالت: كان الأمر مجرد حيلة لا أكثر لاستدراجه في الحديث..
صمت طارق وسار مبتعدا عنها الى سيارته..وأحست بأنه على الأقل غير رافض لما فعلته..وانه قد تقبل الامر..ثم عليه ألا ينسى إنني صحفية مثلي مثله ومن حقي توجيه الأسئلة خلال أي مقابلة صحفية..
دلفت الى سيارتها وكادت ان تنطلق بها لولا ان سمعت صول نغمة وصول الرسائل بهاتفها المحمول..من سيرسل لها رسالة في هذا الوقت..بالتأكيد فرح..فهشام قد تشاجرت معه بالأمس و...
التقطت هاتفها المحمول من جيبها..وفتحت الرسالة والتي كانت من هشام..استغربت كون ان هشام قد ارسل لها رسالة وخصوصا وإنهم بالأمس فحسب قد تشاجرا..ربما يكون قد نسي الأمر..أو ما عاد يهمه..قرأت الرسالة بسرعة..ثم لم تلبث ان ابتسمت..هشام هو هشام..لن يتغير ابدا..أتجيب على رسالته ام لا..أليست غاضبة مماحدث بالأمس ومن اسلوبه في الحديث معها؟..حسنا لا بأس.. هي أخطأت وهو أخطأ..لقد تعادلا اذا..فلم الغضب؟..
اتسعت ابتسامتها وهي تترسل له رسالة تقول (أفضل..)..ولم تلبث ان انطلقت بالسيارة.. في طريقها للعودة الى مبنى الصحيفة..
********
فتح عماد باب المنزل في هدوء ودلف الى الداخل..وصعد الى الطابق الأعلى حيث غرفة نومه ..دلف الى داخل غرفة النوم وخلع ربطة عنقه..وما ان فعل حتى سمع صوت طرقات على الباب..التفت الى حيث الباب ..وتوجه اليه ليفتحه قائلاً: ما الأمر اماه؟..
قالت له والدته وهي تمنحه فاتورة ما: لقد قمت بشراء فستان من متجر (رونق)..ولكنه كان بحاجة الى بعض التعديلات..لذا تركته هناك حتى استلمه اليوم..هل لك ان تذهب الى هناك وتستلمه بدلا مني؟..
التقط الفاتورة منها وقال بابتسامة هادئة: بالتأكيد..
وخرج خارج الغرفة..ليتوجه نحو الطابق الأسفل ومن ثم نحو سيارته لينطلق بها..وفي ذلك الشارع المجاور للمتجر..كان هناك ازدحام للسير..وقال مستغربا: هل هناك مناسبة ما..هذا الأسبوع وأنا لا اعلم..
و بالكاد وبعد ربع ساعة تقريبا استطاع العثور على موقف لسيارته..وكاد ان يوقف سيارته به..لولا ان شاهد سيارة أخرى تهم بالدخول في الموقف ذاته..فرفع حاجبه وقال مستنكرا: أبحث عن موقف لمدة ربع ساعة..لأترك هذه السيارة تدلف اليه..هذا ما ينقصني الآن..
شاهد صاحبة السيارة والتي لم يتبين ملامحها جيدا تشير له بأن يتراجع للوراء..حتى توقف سيارتها هي بالموقف..فقال باستهزاء: وأيضا تظن ان لها الحق في ان توقف سيارتها في هذا الموقف..
وسمعها تطلق بوق سيارتها ليتراجع..لكنه بدوره اطلق بوق سيارته حتى تتراجع هي..رفعت تلك الفتاة حاجبيها بدهشة وقالت: إلى متى سيستمر الوضع هكذا؟..فليبتعد..أريد إيقاف سيارتي..
أطلقت بوق السيارة من جديد..ولما وجد عماد ان الوضع هكذا خاطئ وخصوصا وان السيارات التي خلفه بدأـ تطلق صيحات الانزعاج..قرر الابتعاد والبحث عن موقف آخر..وتراجع للوراء ليواصل السير في ذاك الشارع..في حين أوقفت تلك الفتاة سيارتها بالموقف وهي تقول براحة: وأخيرا..
وعلى الجانب الآخر استغرق عماد عشر دقائق اضافية حتى عثر على الموقف..وأوقف سيارته به وقال بسخرية وهو يخرج من السيارة: هذا ضريبة كوني رجلا..وشهما مع الفتيات اللاتي لا يستحقن..
توجه نحو المتجر ودلف اليه..وما ان وطأت قدماه المتجر حتى رآها..نفس الفتاة التي كانت بتلك السيارة..صحيح انه لم يرى ملامحها بوضوح..ولكنه متأكد من انها هي..خصوصا مع تلك النظارة الشمسية التي ترفع بها خصلات شعرها البني الناعم..
ابتسم بسخرية بينه وبين نفسه لهذه الصدفة الغريبة..وتوجه نحو البائعة ليقول بصوت هادئ وهو يقدم اليها الفاتورة: من فضلك يا آنسة..هذه فاتورة لفستان قمنا بشرائه بالأمس..وقد احتاج بعض التعديلات..هل هو جاهز؟..
التقطت البائعة الفاتورة منه..وتطلعت اليها للحظة ومن ثم قالت: آه..أجل..لحظة واحدة فقط..سأرسل من يحظره لك من متجر الخياطة المجاور..
أومأ عماد برأسه بهدوء..وأرسلت البائعة احد موظفيها الى هناك..ولم ينتبه عينا تلك الفتاة التي كانت تختلس نظرات متفرقة اليه..كانت تتحدث الى نفسها قائلةانه هو..ذلك الشاب الذي رفض الابتعاد عن الموقف..ثم لم يلبث ان ابتعد وترك المجال لي..انا متأكدة..)
ثم لم تلبث ان اختارت احد الفساتين و توجهت الى حيث البائعة وقالت: كم سعر هذا الفستان يا آنسة؟..
تطلعت البائعة الى البطاقة الصغيرة المعلقة بالفستان وقالت: مئة وأربعون قطعة نقدية..
قالت الفتاة: أعني بعد التخفيض..
أخذت البائعة بحساب المبلغ باستخدام الآلة الحاسبة ومن ثم قالت: تسعون قطعة نقدية..
قالت الفتاة وهي تخرج من محفظتها بطاقة ائتمانية: وهل تقبلون البطاقات الائتمانية؟..
قالت الموظفة في هدوء: كلا..
صمتت الفتاة للحظات ثم قالت: حسنا سأذهب وسأعود بعد دقائق..
قالتها وغادرت المتجر..في حين تقدم عماد من البائعة وقال: ألم يصل الفستان بعد؟..
قالت البائعة بابتسامة: لحظات ويصل يا سيدي..
لمح في تلك اللحظة الفستان الذي تركته الفتاة..لم يجدها في المتجر وعلم انها قد غادرت..لهذا التقط الفستان من على الطاولة الموجودة أمام البائعة..وتطلع اليه..انه ينم عن ذوق جميل..يبدوا فستانا انيقا وجميلا..بالإضافة الى انه هادئ الألوان..سوف يقوم بشرائه من أجل وعد..فعيد ميلادها لم يتبق له الكثير..
وقال متحدثا إلى البائعة: سوف أقوم بشرائه..
قالت بلامبالاة: تسعون قطعة نقدية من فضلك..
وشاهدت ذلك الموظف الذي ارسلته منذ دقائق الى محل الخياطة..وهو مقبل عليهما وفي يده كيس..التقطت البائعة الكيس من عند الموظف وقدمته لعماد الذي اخذه وقال: شكرا..وماذا عن الآخر..
قالت بابتسامة باهتة: ان كنت تريده فسأضعه في الكيس..
أومأ برأسه وقدم لها النقود..وما كاد أن يلتقط الباقي منها..حتى سمع صوت تلك الفتاة وهي تقول: لقد أحضرت النقود المطلوبة..هل يمكنني استلام الفستان الآن؟..
التفت عماد إليها وعلم إنها تعني بذلك الفستان الذي قام بشرائه قبل قليل.....
**************
الجميع قد غادر القسم منذ نصف الساعة إلا طارق الذي انشغل بإعداد التقرير للقاء الصحفي..وما ان انتهى حتى تنهد بهدوء ثم حمل الأوراق والملف معه ونهض من على مكتبه..استعدادا للمغادرة..
وما ان سار مبتعدا عن المكتب بضع خطوات حتى عاد أدراجه..بعد ان لمح ورقة على المكتب الخاص بوعد..عقد حاجبيه باستغراب والتقطها من على المكتب..والتهمت عيناه الكلمات في سرعة ..وما ان انتهى منه حتى قال بهدوء: جيد..
ووضعه بين أوراقه وغادر القسم بخطوات هادئة..
**********
التفت عماد على تلك الفتاة والتي ظن انها ستغادر المتجر ولن تعود..وهاهي قد عادت..وهو قام بشراء الفستان الذي اختارته..ما الذي ستفعله الآن؟..
هز كتفيه وقال بلامبالاة محدثا نفسه: (وماذا يهمني أنا؟..لم يطلب احد منها المغادرة..)
وتوجه ليغادر المتجر..وسمع تلك الفتاة تقول باستنكار قبل ان يغادره : ماذا قام بشرائه؟..
- اجل..
قالت الفتاة في سرعة: حسنا..أليس لديك فستان آخر غيره؟..
- كلا.. انه الأخير..
قالت الفتاة وهي تعقد حاجبيها: أمتأكدة؟..
أومأت البائعة برأسها ايجابيا..فتنهدت الفتاة بحنق وأسى على الفستان الذي ناسب اختيارها اخيرا بعد عشرات المحلات التي دلفت اليها ولم يعجبها أي منها..
واستدارت مغادرة..وهنا استطاعت ان تراه..هو من قام بشرائه..ربما لو تحدثت اليه يقبل ان يتنازل عنه ويبيعني اياه..ولكن...ألا يعد هذا جرأة مني...
قالت الفتاة مبتسمة بمكر وهي تتحدث الى نفسها ومن قال اني لست كذلك؟..)
وأسرعت إلى حيث يقف عماد ونادته قائلة بصوت مرتفع بعض الشيء: لحظة واحدة من فضلك يا سيد..
التفت اليها عماد..وعقد حاجبيه بغرابة وقال: هل من شيء؟..
قالت الفتاة بارتباك وتردد: الفستان الذي قمت بشرائه..
قال وهو يتطلع الى الكيس الذي بيده: ما به؟..
قالت وهي تزفر بحدة: لقد قمت باختياره..وقررت شرائه قبلك..أليس كذلك؟..
رفع حاجباه باستنكار وقال: وبعد؟..
قالت بتردد أكبر: هو الأخير في هذا المتجر..ولم يبقى سواه.. ومنذ مدة أبحث عن فستان كهذا..هل..هل بإمكانك بيعي إياه؟..
قال وعيناه تتسعان استنكارا: لا بد وانك تمزحين..
قالت في سرعة: استمع إلي..سأقوم بدفع مبلغ أكبر من المبلغ الذي قمت بدفعه انت لشراء هذا الفستان..ما رأيك؟..
قال مستهزئا: أتظنين إنني أفكر بفتح متجر للملابس..ام إنني محتاج لنقودك هذه؟..
فكرت قليلا ثم قالت برجاء: انني احتاجه للغد..لم يعد لدي الوفت الكافي للبحث عن آخر..
قال وهو يمط شفتيه: ليست مشكلتي..
قالت بسرعة وهي تلتفت للبائعة:حسنا انتظر قليلا..
وقالت متحدثة الى البائعة: متى ستحضرون مثل هذا الفستان مرة اخرى..
قالت البائعة في هدوء: ربما بعد اسبوع..
عادت الفتاة لتلتفت الى عماد وقالت: أتحتاجه قبل هذه الفترة يا سيد؟..
هز عماد رأسه نفيا بهدوء..فأسرعت الفتاة تقول: حسنا ما دام الأمر كذلك..سأقوم بشرائه منك...ويمكنك ان تأتي الى هنا بعد هذا الأسبوع لتشتري آخر..
قال وهو يعقد حاجبيه: وما الذي يضطرني الى هذا؟..
هزت الفتاة رأسها وقالت: لا شيء..لكن انت لن تخسر شيئا لو تنازلت لي عنه..اما انا فسأخسر الكثير..
صمت عماد لفترة ..فقالت الفتاة برجاء: لن يضرك ان تعود الى المتجر مرة أخرى بعد اسبوع..سأقوم بشراءه منك بالمبلغ الذي تريده..
تحدث عماد أخيرة بعد دقيقة من الصمت وقال: حسنا..يمكنك أخذه..
قالت بسعادة: احقا..أشكرك كثيرا ياسيد..صدقني لن انسى جميلك هذا ابدا..
قدم لها عماد الكيس بهدوء وكاد ان يغادر فقالت بسرعة: انتظر..لم أمنحك النقود بعد..
- لا يهم..
عقدت الفتاة حاجبيها وقالت بضيق: لست معتادة ان اقبل هدايا من أشخاص لا اعرفهم.. اما ان تأخذ النقود..او تعيد أخذ الفستان..
قال عماد بسخرية: فليكن..أعطني اياه اذا..
قالت الفتاة بارتباك: اتمزح؟..
ابتسم عماد لأول مرة منذ ان حدث هذه الفتاة وقال: لا لست أمزح..
رفعت له يدها بالكيس وقالت : فليكن ..خذه..
اتسعت ابتسامته وقال: أين النقود؟..
شعرت الفتاة بالسعادة..لأنها فهمت انها كان يمزح معها لاغير..وأسرعت تقدم له المبلغ وتقول بابتسامة واسعة: لا اعلم ماذا اقول..ولكنك كنت شهما معي..اشكرك كثيرا يا سيد..
قال عماد وهو يلتفت عنها: عن اذنك..
ومضى في طريقه مغادرا المتجر..دون ان يدرك انه قد ترك الأثر الكبير في نفس هذه الفتاة..

جنــــون 11-23-2011 01:27 AM

*الجزء السادس*
(كيف سيكون وقع مثل هذا الخبر؟)


أفكار كثيرة أرغمت وعد على الابتعاد بعقلها عن المكان..كانت متناقضة في ما بينها ..ولكن لا شيء كان يهمها في هذا التناقض سوى تفكيرها المستمر بذلك المغرور المدعو طارق..في البداية ظنت انه شاب كغيره من الشباب..ولكنها وبعد ثلاثة ايام ادركت انه أكثر الأشخاص برودا..ولا مبالاة..ومع هذا لا زالت تفكر به و...
(وعد..هل أضع لك المزيد؟)
انتبهت وعد الى والدتها ناطقة العبارة السابقة..وقالت وهي تلتفت الى والدتها التي كانت تهم بوضع المزيد من الأرز في طبقها: كلا..لقد شبعت..
سألها والدها قائلا: لم تخبريني..كيف حال العمل معك؟..
التفت الى والدها وقالت: لم أقم بشيء يسمى عمل إلى الآن..
ابتسم والدها وقال: ماذا تعنين؟..
هزت كتفيها وقالت: التعرف على أقسام الصحيفة..ثم تدريب..وفي النهاية اكون بمثابة مستمعة وحسب..
قال والدها وهو يلتقط احد الصحف من على طاولة الطعام ويبدأ بقراءتها: بالتأكيد ستكونين كذلك فلا تزالين تحت التمرين..لا يمكنهم ان يدعوك تعملين هكذا فجأة منذ ان يتم توظيفك..
قالت وعد بضيق: لا تزد إحباطي يا والدي..اذهب الى هناك يوميا منذ الساعة الثامنة ولا أجد شيء ليشغل وقتي الا لساعة او اثنتين..
- ولم لا تقومين بكتابة المواضيع؟..
- كتبت واحدا فعلا ولكني لست مقتنعة به.. لا اظن انه بذلك المستوى الذي يستحق النشر..
وأردفت وهي تتطلع الى والدها بدهشة مصطنعة: ابي..ما هذا؟..الآن أنا اعمل في صحيفة الشرق..وعليك ان تقوم بتشجيعها.. أي تشتري صحيفة الشرق يوميا بدلا من هذه..
قال والدها مبتسما: اترك صحيفة قمت بالاعتياد على قراءتها من أجل تشجيعك..لا بد وانك تهذين..
قالت وعد بمرح: وماذا في هذا..ألـسـ...
قاطعها صوت والدتها وهي تقول: وعد هلا كففت عن عبثك هذا..أريد التحدث اليك..
التفتت وعد الى والدتها وقالت: ها انذا استمع..
صمتت والدتها للحظات ومن ثم قالت وهي تحاول انتقاء كلمات مناسبة لما ستقوله:كم عمرك الآن يا وعد؟..
ضحكت وعد وقالت: هل تتحدثين بجدية يا أمي؟..
قالت والدتها بحزم: أجل أتحدث بجدية..
ابتسمت وعد وقالت: حسنا في الثالثة والعشرين..
واردفت وابتسامتها تتسع: استغرب احيانا..كيف لأم ان لا تعرف عمر ابنتها الوحيدة..
قالت والدتها متجاهلة عبارتها: هذا يعني انك كبرت..ومن الممكن بين يوم وآخر ان يأتي أحدهم ويخطبك..
قالت وعد بملل: وهل جاء احد هؤلاء الذين تتكلمين عنهم؟..
قالت والدتها بهدوء واهتمام: ما رأيك بعماد؟..
قالت وعد وهي تلعب بالملعقة في الطبق: ابن خالي..طيب ..هادئ ورزين..
قالت والدتها وهي تتطلع اليها: وأيضا؟..
قالت وعد وهي تتنهد: و أيضا.. ذو أخلاق عالية..يحترم الجميع والجميع يحترمه..
قالت والدتها وهي تتفحص ملامحها مما ستقوله: وما رأيك فيه كزوج؟..
توقفت وعد عند هذه النقطة..وتغيرت معالم وجهها لتترك الملعقة تسقط في الطبق..وتزفر بملل..اذا كل تلك لم تكن الا مقدمات لا غير..لقد كنت اعلم منذ البداية ان هذا الاستجواب وراءه أمر ما..
والتفت وعد الى والدتها وقالت ببرود: زوج؟..ولم هل تقدم لخطبتي؟؟..
قالت والدتها متداركة الموقف: ليس هكذا..لكنه يفكر بالزواج.. ففكرت ان آخذ برأيك..
قالت وعد بملل: ابحثي عن غيري يا أمي..
قالت والدتها باستنكار: ولماذا؟..ما الذي يعيب عماد؟..
قالت وعد وهي تلوح بكفها: لا شيء.. ولكني لا اشعر تجاهه بأي شيء على الإطلاق..
مطت والدتها شفتيها وقالت: عماد شاب وسيم وطموح وثري..لا تتركيه يضيع من بين يديك من أجل أعذار واهية..وغدا ثروة اخي ستتجه لأشخاص غرباء..
(يكفي هذا.. لا ترغميها مادامت رافضة للامر)
قالها والد وعد بحزم..فقالت والدتها برجاء: ولكنه شاب ممتاز فلم ترفضه..
قال والد وعد بهدوء: ما دامت لا تفكر به كزوج..فدعيها وشأنها...
ابتسمت وعد ابتسامة باهتة لانتهاء هذا النقاش.. وأسرعت تنهض من على طاولة الطعام ومتوجهة الى الطابق الاعلى..في حين قالت والدتها وهي تهز رأسها بأسف: ستندم لأنها رفضت شاب مثل عماد..
وعادت لتتنهد..وهي تشعر بالأسى لرفض وعد لمثل هذه الزيجة...ترى أكان رفض وعد في محله؟؟....
***********
(ما هذه المسائل الصعبة؟)
قالتها فرح بعصبية وهي تحاول حل إحدى المسائل الخاصة بمادة ما..وهي تجلس عل طرف فراشها..وتعيد الحساب بالآلة الحاسبة مرارا وتكرارا..
وقالت بسخط: تبا..من اخترع هذه المسألة؟..ثم انه هو نفسه لم يعرف كيفية حلها ..أثق في هذا..
وبغتة اقتحم جو الغرفة المتوتر صوت رنين الهاتف المحمول..التي تضعه فرح على نغمة هادئة جدا..وتطلعت الى الرقم للحظات قبل ان تقول: أهلا بمن لا يسأل..
ضحكت وعد وقالت: رويدك علي..ألم نكن معا بالأمس؟..
- بلى ولكن هذا لا ينفي عنك التهمة..
- حسنا إن لم أسأل أنا أو اتصل ..اتصلي أنت..لا أظن اني الوحيدة في هذا الكون التي امتلك خدمة الاتصال بالهاتف..
ابتسمت فرح وقالت: في هذا معك حق ولكن الجامعة لا ترحم..وأظنك قد قمت بتجربتها قبلي..
وأردفت بتساؤل: والآن ما سر اتصالك بي؟..
تنهدت وعد وقالت: اذا فهمتي انني قد اتصلت لسبب ما..
- ابنة عمي وأعرفك أكثر من غيري..
قالت وعد بعد ان زفرت بحدة: عماد..يبدوا وانه حدث أمي بأمر رغبته بالارتباط..
قالت فرح بحيرة: وماذا في هذا؟..
قالت وعد وهي تسير في غرفتها وتتطلع من نافذتها بشرود: وكأنك لا تعلمين.. اني سأكون المرشحة الأولى لهذه الزيجة..
قالت فرح بعد تفكير: ولكن يا وعد..عماد بالفعل شاب جيد..فلم ترفضينه..
قالت وعد وهي لا تزال على شرودها: فرح..ان كنت لا تعلمين فأنا سأخبرك بأن حلم حياتي ان أتزوج بشخص أحمل له المشاعر في قلبي..وهو بدوره يبادلني هذه المشاعر..اي أحبه ويحبني..أفهمت؟..
قالت فرح وهي لا تزال على حيرتها: ولكنك لم تندمجي مع عماد بما يكفي.. انك لا تعرفين عنه إلا القليل بحكم زياراته القليلة لكم..
- ولو..هذا لا يعني إنني لا اعلم بأي مشاعر تربطني به..إنها القرابة ليس إلا..
قالت فرح باهتمام:اسمعي يا وعد..أنت الآن في الثالثة والعشرين..أي فكري جيدا بمن سترتبطين به بعقلك لا بقلبك..وأنت اعلم من أن أخبرك..
- لا أظن أن عماد مناسب لي..
- كما تشائين يا وعد وهذه حياتك في النهاية..ولكن فكري قبل ان ترفضي..
قالت وعد بابتسامة شاحبة: لقد رفضت وانتهى الموضوع..
ابتسمت فرح وقالت: يا لك من فتاة..
قالت وعد مبتسمة: حسنا أتركك الآن فغدا لدي عمل وعلي أن أنام مبكرة بعض الشيء..إلى اللقاء..
- إلى اللقاء..
قالتها فرح وأنهت المكالمة..وتنهدت بهدوء.. وتمتمت بصوت خفيض: من كان يصدق..وعد قد تتزوج و..
لم تكمل عبارتها والتفتت الى حيث كتبها..وهنا فقط شاهدت هشام الواقف عند باب غرفتها..وملامح جامدة وغامضة على وجهه.....
*************
تطلع عماد بصمت وشرود من نافذة غرفته الى الشارع التي تطل عليه..كان يلمح السيارات القادمة والذاهبة..ويتابعها ولكن عقله لم يكن معه..ربما لا تصدقون.. ولكنه كان يفكر بتلك الفتاة..ولم لا؟..
انه ولأول مرة يرى فتاة بجرأتها وبطريقة تفكيرها الغريبة..تبدوا جريئة وفوق هذا تظن ان لها الحق في كل شيء تظن انه ملكا لها..وهذا ما جعلها محط تفكير عماد..
أعاد شريط ما حدث اليوم معها في رأسه العديد من المرات..كلماتها لا تزال تتردد في ذهنه..وملامحها لا تزال عالقة فيه..عباراتها لا تزال تُعاد في رأسه المرة تلو الأخرى..والغريب في الأمر انه كان يفكر في البحث عن أسم مناسب لتلك الفتاة..
العديد من الأسماء مرت بذاكرته ولكن أي منها لم يكن يشعره بأنه مناسب لها..لكن يا ترى ابعد هذا التفكير من فائدة؟..انه حتى لا يعرف من تكون..فتاة رآها بالصدفة وافترقا بعدها..لم يشغل نفسه بالتفكير الآن..
أجل لم التفكير؟..عليه ان يبعدها عن ذهنه تماما....
**************
صمت تام خيم على الغرفة...وكأن الصورة قد تجمدت فيها ولم تعد تتحرك..لكن صوت الأنفاس المتردد في صدريهما اثبت عكس ذلك..وأخيرا تحركت عينا فرح وهربت بعيناها بعيدا عن هشام..وسؤال واحد أخذ يتردد في ذهنها..منذ متى وهو يقف هنا؟..
وعادت لتلفت إلى هشام لتجده وقد اقترب بعض خطوات وقال بصوت حاول ان يجعله هادئاً: هل صحيح ما سمعته؟..
قالت فرح بابتسامة مفتعلة: وماذا سمعت بالضبط؟..
قال وهو يتطلع اليها بنظرة متفحصة: كل ما قلتيه..تقريبا..
ارتبكت فرح وقالت: بالتأكيد صحيح والا ما كنت قلته..
قال بجمود: اذا وعد ستتزوج..
اتسعت عينا فرح وقالت بسرعة: كلا ليس المعنى الذي فهمته..عماد يفكر بالارتباط وقد رُشحت له ليس الا..
قال هشام متسائلا باهتمام حاول جاهدا ان لا يظهره: وماذا كان ردها؟..
قالت فرح وهي تلتفت عنه: هي رافضة للأمر..ولكن يبدوا وانها ستفكر فيه خصوصا وان والدتها تحبذ عماد كزوج لها وبالتأكيد لن يُغلق الموضوع على رفضها..
قال هشام بسخرية مريرة: وأنت لم تكذبي خبرا فأسرعت بحثها على التفكير في امر هذا الزواج وعدم رفضه..
قالت فرح وهي تمط شفتيها: هشام..انت لا تتحدث الا من منطق مشاعرك انت..ولكن ماذا عن مشاعرها هي..ماذا عن طموحاتها..وأحلامها..ألا يجوز أن يكون عماد هو الشخص المناسب لها؟..
قال بعصبية: وبأي حق يكون الأنسب لها..هل يعرفها؟..هل قضى حياته بجوارها؟..هل شاركها اللعب والدراسة؟..هل حاول مرة ان يخفف من آلامها؟..هل كان يذهب للانتقام ممن كانوا يؤذونها وهي طفلة؟..أجيبيني هل كان يفعل أي شيء لها؟..اننا حتى لم نكن نراه..لا يأتي لزيارتنا إلا نادرا..ولا يشاركنا في أي شيء..هادئ ومنطوي على نفسه طوال الوقت..هل هذا هو الشخص الأنسب لوعد يا فرح؟..هل هذا هو؟..
شعرت فرح بالألم يقطر من كلمات هشام وهو يذكر لها كل ما جمعه بوعد منذ أيام طفولتهما حتى الآن ويقارن به عماد..وأحست بالأسى لما يعانيه شقيقها ولكن ليس بيدها ما تفعله..وتنهدت بمرارة قبل ان تقول: الحب لا يأتي بالمشاركة يا هشام..ربما يكون حب الأهل والأقارب هو ما يأتي على هذا النحو..ولكن حب فتاة لشاب لا..الفتاة تبحث عمن يشاركها أفكارها وطموحاتها..من يحسسها باهتمامه..من تشعر انه متوافق معها وتشعر به قريب منها..يحسسها بمشاعر تولد داخلها كلما رأته أو سمعت صوته..
عقد هشام حاجبيه بغضب وكاد أن يهم بقول شيء ما ولكنه تراجع..وأحست فرح بغضبه ولكنها لم تحبذ أن تتحدث اليه وهو على هذه الحالة لأنه سينفجر في وجهها بكل تأكيد..وأشاحت بوجهها عنه متطلعة الى الدفتر الذي كانت تقوم بحل المسألة فيه قبل قليل..وظلت لدقيقة والصمت يغلف الغرفة..
وعندما عادت ورفعت ناظريها للمكان الذي يقف به هشام منذ لحظات..كان هذا الأخير قد اختفى من الغرفة...
***********
ابتسمت وعد بهدوء وهي تدلف الى القسم الذي تعمل به وتقول: صباح الخير جميعا..
وسمعت نادية تقول: صباح الخير آنسة وعد..كيف العمل معك؟..
اتسعت ابتسامة وعد وقالت: لم أباشر أعمالي بعد..ليتني أستطيع البدء بها..مللت من هذا الروتين المتواصل..
قال احمد بابتسامة مرحة: أتبادلينني؟..
ضحكت وعد بخفة وقالت: ان كنت ترغب في ذلك حقا..فأنا موافقة..
قال احمد بابتسامة واسعة: ليتني استطيع..لكنت تخلصت من العمل الشاق في هذه الصحيفة..
قالت نادية مستنكرة: لا ترعب الفتاة..انها الأيام الاولى لها هنا..
قالت وعد مبتسمة وهي تلتفت الى نادية: لا عليك يا استاذة نادية..انا أحب العمل بالصحافة ولن يهمني ما قد يقال عنها حتى وان كان صحيحا..
ولا تعلم ما الذي جعلها تلتفت الى طارق..منذ ان دخلت وهو لم ينطق بكلمة.. بصراحة انه لا يفعل الا قليلا وفي فترات الضرورة فقط..بالأمس فقط كانت معه باللقاء الصحفي وتتذكر نظرات الاستنكار في عينيه عندما....
(أهلا بك يا سيد..هل من خدمة نقدمها لك؟..)
انتشلها صوت أحمد من شرودها..والتفت لتتطلع الى الداخل الى القسم..وما ان فعلت حتى ارتفع حاجباها واتسعت عيناها بذهول..ثم ما لبثت ان قالت بدهشة واستغراب وعينيها معلقتان بذلك الشاب الواقف عند باب القسم: هشام..
قال أحمد متسائلا: هل تعرفينه يا آنسة وعد؟..
القى هشام عليه نظرة صامتة..وعاد ليلتفت إلى وعد التي قالت ودهشتها لم تفارقها بعد: أجل انه ابن عمي..
وأردفت متسائلة: ما الذي جاء بك الى هنا يا هشام؟..وكيف سمحوا لك بالدخول الى هنا؟..
تقدم هشام بضع خطوات من مكتبها وقال: لقد أخبرتهم بأنني ابن عمك وأود الحديث اليك في موضوع هام ولا يحتمل التأجيل..وبعد أن تأكدوا من هويتي..سمحوا لي بالدخول..
وأردف بحزم: هل لي ان أتحدث معك على انفراد قليلا يا وعد؟..
قالت وهي تعقد حاجبيها بتساؤل: هل الأمر مهم الى هذه الدرجة؟..
أومأ برأسه ايجابيا..فقالت بابتسامة باهتة: فليكن..انتظرني هنا ريثما أطلب من رئيس التحرير منحي اجازة لمدة ساعة..
ونهضت من خلف مكتبها..لتتجه نحو خارج القسم..وما لبث أن ناداها هشام..فالتفتت اليه قبل ان تخرج بحيرة فقال وهو يزفر بحدة: اجعليها ساعتين..
هزت كتفيها وقالت: هذا اذا وافق رئيس التحرير على الاجازة..
وأردفت متحدثة الى أحمد: أستاذ أحمد اطلب قدح من القهوة لابن عمي هشام على حسابي ريثما أعود..
قالتها وغادرت المكان..في حين التقط احمد سماعة الهاتف ليقوم بطلب القهوة لهشام..أما هذا الأخير فقد جلس على مقعد مواجه لمكتب وعد..وتطلع حوله بهدوء..هناك شابان وسيدة..أحد الشابين ذا ملامح وسيمة والآخر مع انه يفوق الأول لمرات بوسامته الا انه يبدوا عليه البرود من تصرفاته ونظراته..التي لم تكن تتعلق الا بما على مكتبه..حتى انه لم يتطلع اليه منذ أن دخل..
التفت ليتطلع الى أحمد..لا يبدوا مرتبطا على الرغم من انه يبدوا في الثلاثين من عمره..فأصابعه لا تحتوي على خاتم زواج أو خطوبة..والآخر كذلك..اي قسم أقحمت به وعد الملئ بالشباب العازبين؟..فتاة مثلها يمكن أن تأسر أي شخص بمرحها وحيويتها..بشخصيتها الفريدة..وبابتسامتها العذبة التي ...
ابعد الافكار عنه وهو يلمح ذلك العامل وهويضع قدح القهوة أمامه..وقال وهو يلتقطه: شكرا..
ابتعد العامل عنه مغادرا القسم..وقال أحمد في تلك اللحظة محاولا تحطيم الصمت الذي غلفهما نظرا لشخصيته العفوية ببدء الحديث: سيد هشام..أهنئك على ابنة عمك..فلها مستقبل باهر بالصحافة..
لم يعلم أحمد انه بكلماته تلك انما يزيد الطين بلة..وقال هشام ببرود شديد: أشكرك على المجاملة..
سأله أحمد قائلا: وماذا تعمل أنت يا سيد هشام؟..
ارتشف هشام القهوة ثم قال: مهندس في إحدى شركات المقاولات..
وجاءت وعد في تلك اللحظة..فقال هشام في سرعة: هل نمضي؟..
أومأت برأسها..فغادر معها القسم..وتوجها نحو قسم المصاعد وسألته وعد قائلة بفضول: أي امر مهم لهذه الدرجة جعلك تتكرم وتقوم بزيارتي في عملي؟..
قال هشام وهو يدلف الى داخل المصعد: ستعرفين بعد قليل..
شعرت بالقلق وقالت وهي تدلف خلفه الى المصعد: هل حدث أمر ما لفرح؟..
قال وهو يهز رأسه نفيا والمصعد يهبط بهما الى الدور الأرضي: الجميع بخير..لا تقلقي..
- اذا ماذا هناك؟؟
قال وهو يتنهد: اريد الحديث معك في موضوع ..هذا كل ما في الأمر..
قالت بعصبية بالرغم منها: وهل هذا يستدعي اخراجي من العمل ..وعدم ذهابك انت بدورك لعملك..لقد ظننت ان امرا سيئا قد حدث..
- كنت أود الحديث معك على انفراد..
- ألا ينتظر هذا الأمر للغدأو بعد ان انتهي من عملي؟..
وصل المصعد في تلك اللحظة الى الدور الأرضي..فالتزما الصمت حتى وصلا الى مواقف الصحيفة..فقال حينها: لقد حاولت تأجيله ولكن...
صمت دون أن يكمل..فقالت وعد وهي تلتفت له: ولكن ماذا؟..
تنهد مرة أخرى وقال: لاشيء..تعالي معي في سيارتي..سنذهب الى احد الأماكن لنتحدث بهدوء..
أوقفته وعد بأن أمسكت بذراعه بهدوء وقالت بقلق: هشام..انت لا تبدوا طبيعيا..اخبرني الحقيقة هل حدث شيء لأحد من أهلي ..
التفت لها وقال بابتسامة شاحبة: اقسم انه لم يحدث لهم شيء..ولكني متعب فقط ..لا تقلقي..
وتوجه الى سيارته ليحتل مقعد القيادة..واحتلت وعد المقعد المجاور له ..وما ان انطلقت بهما السيارة حتى قالت وعد: والآن ما الأمر؟..
ظل صامتا ولم يجبها..فقالت وعد وهي تلتفت له بحيرة: هشام..هل هو أمر يتعلق بي أم بك؟..أخبرني بهذا على الأقل..
أوقف السيارة بغتة على جانب الطريق الرملي..وقال وهو يلتفت لها: يتعلق بكلانا..
أحست بالدهشة مما يقوله وقالت: تحدث اذا لا تظل صامتا هكذا..وأحاول جاهدة جعلك تتحدث..
عقد حاجبيه بغتة وقال مباشرة: هل صحيح انك ستتزوجين؟..
ارتفع حاجباها بغرابة وقالت: من قال هذا؟..
احتد وقال: الم يتقدم عماد لخطبتك؟..
قالت وهي تلوح بكفها: ابدا..لم يحدث هذا..كل مافي الأمر..انه يفكر بالزواج..وأمي اخذت رأيي بالأمر..وقد رفضت وانتهى الأمر..
سألها قائلا: ولماذا ترفضين شاب ثري ووسيم وطموح مثل عماد؟..
التفتت عنه لتتطلع من النافذة وقالت: لانني وبكل صراحة لا أحمل له أي مشاعر خاصة..لا شيء يربطني به سوى القرابة..انني حتى لا اعرفه جيدا..كنت اراه لفترات بسيطة عندما يأتي لزيارتنا..كيف اقبل بشاب لا اعرف عنه الا اقل القليل؟..
ارتخت عضلات هشام واحس بالراحة لكلماتها..فإن رفضها هذا يعني انه لا مجال للتراجع عنه..وهو يعلم كم هي عنيدة ومن الصعب ردعها عن قرار اتخذته..
وسمع وعد تسأله في تلك اللحظة: ولكن كيف علمت بالأمر؟..
- سمعت فرح وهي تتحدث اليك عن طريق الصدفة..
ابتسمت وعد وقالت: الصدفة ام انك كنت تسترق السمع؟..
قال وقد عادت له سخريته: لن استرق السمع من أجل امر تافه كهذا..
قالت بسخرية بدورها: أمر تافه..وأخرجتني من العمل لأجله..
وأردفت باهتمام: ولكن حقا أنت ايضا لم تذهب لعملك اليوم..امن اجل هذا الأمر..
- قمت بأخذ اجازة لساعتين..
قالت متسائلة بتردد وقد عادت اليها كلمات فرح لها بشأن مشاعر هشام تجاهها: و هل هذا الأمر يهمك الى هذه الدرجة؟..
هز كتفيه وقال: بالتأكيد..ألست ابن عمك؟..
ابتسمت وعد وقالت: ابن عمي ولست والدتي لتهتم ان كنت قد خطبت أم لا..
ولما لم يعلق على عبارتها قالت: ما بالك متجهم هكذا..لم ارى ابتسامتك منذ أن خرجنا..
شرد هشام وحدث نفسه قائلا تريدين ان ترين ابتسامتي يا وعد..كيف للحزن والسعادة ان يلتقيا ..ليتك فقط تفهمين معنى كل ما افعله..ولكنك اما تتجاهلين الأمر ولا تهتمين له..او ربما لا تفهمينه حقا)..
عقدت وعد ساعديها امام صدرها لما شاهدته على شروده وقالت: اعدني الآن الى الصحيفة..
قال وهو يلتفت لها: لم تنتهي اجازتك بعد..
- اعلم ولكنك صامت أو شارد طول الوقت..هل تريدني ان اتحدث مع الحائط..
قال بابتسامة: لا يوجد حائط بالسيارة ..ركزي على ما تقولين..
ارتبكت وقالت: فليكن..المهم أريد ان اعود الى الصحيفة..
مال نحوها قليلا وقال: ما رأيك ان ادعوك على شيء تحبينه..
- ماذا تعني؟..
- الكعك الذي تحبين..
ابتسمت وقالت: ان كان الأمر يتعلق بالكعك فأنا موافقة..
- ولكن حاذري ان لا تصابي بالسمنة..
قالت بنظرة حانقة: اصمت..
ضحك وقال وهو يدير مقود القيادة وينطلق بالسيارة: لا داعي للغضب..يمكنك عمل حمية بعد أن تصابي بالسمنة..
لم تجبه وعد وهذا ما أثار استغرابه..فقال مبتسما: ما الامر ألم تغضبك كلماتي..أأنا خفيف الدم الى هذه الدرجة..
- بل ثقيله..والى أقصى درجة ايضا..
وأردفت بابتسامة رقيقة:ولكني أشعر بالسعادة لأنك عدت الى طبيعتك..فهذا هو هشام الذي أعرف..
خفق قلب هشام في قوة ..منذ متى وانت رقيقة معي يا وعد..منذ متى وانت تتحدثين الي بهذه الطريقة الحانية..ربما لأننا لوحدنا فقط..وربما لأني لم أحاول اثارة غضبك..وربما لأني اعني لك شيئا على الأقل..
وقال بابتسامة حانية: ومن لا يستطيع ان لا يعود الى طبيعته..وأنت معه..
وانطلق بالسيارة وكلمات وعد له تتردد في اذنه..وتجعله يحيا في عالم من الأحلام..وربما لن تلبث أن تتحطم على صخرة الواقع..أقول ربما..ولا أحد يعلم ما قد يخفيه القدر لأي منهم....

جنــــون 11-23-2011 01:27 AM

*الجزء السابع*
(أريد أن أعلم..من أنت؟)

أوقف هشام سيارته بجانب مبنى الصحيفة وقال: لا تفرحي كثيرا.. فلن آخذ إجازة من عملي كل يوم حتى أخرجك معي في نزهة ما..
قالت وعد بسخرية: كل هذا لأنني قلت لك أنني سعيدة اليوم..وما يدريك انني سعيدة لخروجي معك..ألا يحتمل أن ما أسعدني هو شيء حصل معي بالصحيفة..ثم من قال انني كنت أفكر بالخروج معك من الأساس..أنت من دعوتني..
التفت لها وقال مبتسما: لتمضية الوقت لا أكثر..
ابتسمت وقالت: حسنا لذا..أراك بخير ..إلى اللقاء..
قالتها وفتحت باب السيارة..فأسرع هشام يهتف بها قائلا: وعد..
التفتت له بحيرة فقال بابتسامة حانية: اهتمي بنفسك..
قالت وهي ترفع حاجبيها: ألا تغير هذه الجملة ابدا؟..أسمعها منك في اليوم الواحد أكثر من ثلاث مرات..
قال بسخرية: قبل الطعام أم بعده..؟
أخرجت له لسانها وقالت: سخيف..
تابعها بنظراته وهي تغادر سيارته وتتوجه نحو المبنى..وقال هامسا: لو تعلمين فقط كم أحبك..وكم أتمنى أن أرى نظرة حب في عينيك لأجلي..
وتنهد وهو ينطلق بالسيارة مبتعدا عن المكان..وعلى الطرف الآخر..كانت وعد قد وصلت في هذه اللحظة إلى القسم الذي تعمل به..وما ان دلفت حتى قال أحمد مازحا: أهذا الشاب الوسيم هو ابن عمك حقا؟..
قالت مبتسمة: هل أحضر لك بطاقته الشخصية لتتأكد؟..
قال مبتسما: كلا..وإنما اعني انه ابن عمك فقط؟..
اتسعت ابتسامتها وقالت:وأنا ابنة عمه ايضا..
ضحك أحمد بمرح وقال: أحقا؟..يا للمصادفة..
ضحكاتهم..وحديثهم المرح..جعلت طارق يترك ما بين يديه للحظات ..ويتطلع اليهم..والى الفتاة التي اقتحمت هذا المكتب لتضفي جو من المرح عليه بعد أن كان هادئا وساكنا منذ دقيقة وحسب..
وسمع وعد تقول في تلك اللحظة: أستاذ أحمد..ألديك جريدة اليوم؟..سأمضي الوقت بقراءة شيء ما..أفضل من الشرود أو كتابة مواضيع لا معنى لها..
التقط أحمد الصحيفة من فوق مكتبه وقال: بلى لدي.. ويمكنك الحصول على واحدة ان أردت..
أخذت الصحيفة منه وقالت: لا داعي..فلا أريد قراءة شيء مهم..سأقرأها وأعيدها إليك..
- ويمكنك أخذها إن أردت..
- كلا شكرا لك..
وبدأت بقراءة الصفحة الأولى..أول ما فكرت به وهي تتطلع الى هذه الصفحة ان ترى المواضيع التي يكتبها طارق..تريد أن ترى طريقة كتاباته..أهي باردة مثله؟..أم إنها ذات أسلوب خاص..
جذبها ذلك العنوان والذي أشار إلى موضوع يتعلق بمن التقت هي وطارق به بالأمس..العنوان كان غريبا قليلا..ولكنه بكل تأكيد يمكن أن يجذب القارئ المهتم بمثل هذه الأمور.."نحو الأفضل"..هذا هو العنوان الذي اختاره طارق للموضوع المتعلق بالمقابلة مع المدير العام لتلك الشركة الفخمة..
اختطفت الكلمات في لهفة..أسلوبه لا يبدوا باردا أبدا..على العكس منه يبدوا سلساً وبسيطاً ولا تعتريه أي تعقيدات..وحتى طريقة طرحه للموضوع تبدوا منظمة ومميزة..
وواصلت قراءتها للموضوع..وبغتة..تعلقت عيناها بأحد السطور..وأعادت قراءته لتتأكد منه وان قراءتها للسطر لم تكن خاطئة أو غير صحيحة..انه سؤالها..سؤالها الذي طرحته على المدير العام..ها هي ذي ترى إجابته في الموضوع..بعد أن اعاد طارق صياغته..هل اهتم بسؤالها حقا؟..هل كان سؤالها جيدا وفي محله؟..أنها لا تذكر غير نظرات الاستنكار التي رأتها في عينيه بعد أن قامت بطرح السؤال..وتذكر أيضا لهجته التي تدل عن الانزعاج عندما سألها عند المواقف عن كيفية طرح مثل هذا السؤال الجريء..ظنت إن الأمر سيمضي ولن يضع لسؤالها أي اهتمام..لكن هاهي ذي ترى إجابة المدير العام عليها في الموضوع..
يا ترى هل هو سؤالي الذي ربما يكون جيدا قد دفعه لوضع إجابته بالموضوع..أم انه قد وضعه هكذا دون اهتمام؟..لا أظن.. فهو لن يضع كلمة واحدة في احد مواضيعه دون اهتمام..إنها تذكر ما قاله أحمد بأن طارق هو الصحفي الأكفأ بالصحيفة..فكيف له أن يضع كلمة أو جملة في الموضوع غير مهتم لوجودها فيه..
والتفتت الى طارق وقالت بشرود وهي تتحدث الى نفسها: (أريد أن أعلم..أريد أن أفهم..ما معنى تصرفاتك؟..ومن أنت؟)..
*********
انشغل عماد بقراءة احد الملفات والتوقيع عليه ..وانتزعه صوت رنين هاتفه المحمول من اندماجه في العمل..فتنهد والتقطه من جيب سترته قبل أن يتطلع إلى رقم الهاتف الذي أخذ يضيء على شاشته..وقال بابتسامة وهو يجيبه: أهلا (عمر)..كيف حالك؟..
(عمر صديق عماد منذ ايام الجامعة..شاب طيب وذا أخلاق عالية..وافترقا بعد تخرجهما حيث عمل عماد بشركة والده وعمل عمر بأحد البنوك التجارية)..
قال عمر بابتسامة: بخير..وأنت..ماذا عنك؟..
- في أحسن الأحوال..
قال عمر وابتسامته تتسع: في الحقيقة لقد اتصلت بك..قاصدا منك خدمة..
قال عماد بهدوء: اطلب ما تشاء يا عمر..ولا تخجل..
قال عمر وهو يحاول انتقاء كلماته: بالأمس فقط تعطلت سيارتي..واضطررت ان آتي هذا الصباح مع أحد الزملاء الى البنك.ولكنه للأسف لديه عمل لوقت إضافي وسيستمر لساعتين إضافتين...
قال عماد مازحاً: حسنا وماذا في هذا.. انتظره..انها ساعتين لا أكثر..
قال عمر بضيق: أتمزح يا عماد؟..إن كنت تستطيع إيصالي إلى المنزل فتعال إلى البنك..أظنك تعرف العنوان..
- بلى اعرف..ولكن ماذا إذا لم أكن أستطيع إيصالك؟..
قال عمر بغيظ: ابقى في مكتبك إذا..ولا تتحرك..
ضحك عماد بهدوء وقال: أنا قادم يا عمر..أهم شيء راحتك عندنا..
قال عمر بتعالي مصطنع: وأسرع من فضلك..
- أظن إنني سأبقى في المكتب أفضل لي...
أسرع عمر يقول: إنني امزح.. حذار إن لا تأتي..
قال عماد وهو ينهض من خلف مكتبه: مسافة الطريق وأكون عندك..مع السلامة..
قال عمر مبتسما: أشكرك..إلى اللقاء..
وغادر عماد مكتبه ليقول متحدثا إلى السكرتيرة: أي اتصالات تأتي على المكتب..اعتذري بالنيابة عني..وان كانت هامة اطلبي منهم الاتصال على هاتفي المحمول..
أومأت السكرتيرة برأسها ايجابيا..فواصل طريقه مغادرا مبنى الشركة..ومنطلقا بسيارته متوجها الى البنك..وما ان وصل حتى أوقف سيارته واتصل بصديقه عمر حتى يطلب منه الخروج..
ضغط رقم هاتف عمر وانتظر سماع رده..وما ان أجاب هذا الأخير حتى قال عماد: أنا بأحد مواقف البنك الآن..انتظرك..
قال عمر بهدوء: أيمكنك الدخول للدقائق؟..فقد اتأخر قليلا..فلم أتوقع أن تصل بهذه السرعة..
قال عماد وهو يدس أصابعه بين خصلات شعره: أكاد لا أفهمك..ما دمت لم تنهي أعمالك فلم قمت بالإتصال بي..
قال عمر بابتسامة: توقعت ان انهيها ريثما تصل..ولكنك جئت في وقت قصير..كم كانت سرعة السيارة وأنت قادم؟..
قال عماد بسخرية: عشرون..
ضحك عمر وقال: حقا..لم أكن اعلم ان شركتك مجاورة للبنك الذي أعمل به..
قال عماد بجدية: أخبرني الآن كيف أدخل الى البنك؟..
قال عمر وهو يهز كتفيه: كما يدخل البقية..ادخل الى البنك وسأكون بانتظارك..
قال عماد بضجر: فليكن..ولكن لا تتصل بي مرة أخرى قبل أن تنهي أعمالك..فلا أحب الانتظار لفترات طويلة..
قال عمر بمرح: حسنا..المعذرة..لن أعيدها مرة أخرى..الى اللقاء..
أغلق عماد الهاتف وهبط من السيارة ليتوجه إلى البنك..دلف من البوابة الالكترونية عابرا إلى داخل البنك..وهناك سار بخطوات هادئة وهو يلمح المكان الذي يسير فيه..كان يحتوي على مقاعد..نباتات للزينة..ركن صغير نسبياً للاستقبال..وبعض المكاتب الذي يفصلها عن الخارج نافذة من زجاج تحتوي على فجوة صغيرة تكفي لتسليم المال..أو استلامه..
(عماد..من هنا..)
لمح عمر وهو يلوح له بيده من مسافة بسيطة..فابتسم وهو يقترب منه ويصافحه قائلا: ألا نراك يا عمر إلا في الظروف الطارئة؟..
قال عمر مبتسما: مرحبا بك أولا..وثانيا..أنت الذي لم تعد تتصل..
رفع عماد حاجبيه وقال: أنا أم أنت الدائم الانشغال..
ضحك عمر وقال: تعال معي الآن..قبل أن نتشاجر..
سار عماد بجواره تقريبا الى ان وقفا أمام باب في زاوية من زوايا الممر..فأخرج عمر بطاقته الخاصة وفتح به الباب..فابتسم عماد وقال: من الجيد انني عرفت انك تملك بطاقة كهذه..حتى أستعيرها منك ان احتجُت للمال..
قال عمر بسخرية: بلى سأفعل..ان كنت ترغب في موتي..
قال عماد بسخرية: لن يقتلوك..مجرد فصل من العمل لا أكثر..
- وثلاث شهور في السجن..
- ستمضي سريعا..لا تقلق..
قال عمر وهو يلتفت له بضيق: هل لك أن تصمت ريثما أقوم بإنجاز أعمالي؟..
قالها عمر وتوجه ليجلس على مقعد مواجه لذلك المكتب الذي يواجهه تلك النافذة الزجاجية ذات الفجوة..فسأله عماد وهو يقترب منه ويجلس على مقعد مجاور له: كيف عملك هنا؟..
قال عماد وهو يسرع بقراءة أحد الأوراق: جيد..لا بأس به..
- ما رأيك بالعمل معي ..بالشركة..
- لا أريد أن أكون تحت أمرتك..
ضحك عماد وقال: لم؟..أتخشى أن أكلفك بعمل إضافي..
ابتسم عمر وقال: كلا..ولكن دعني اعمل هنا افضل لي..ولك..
قال عماد بجدية: أـظن ان العمل سيؤثر على صداقتنا يا عمر..تكون مخطئ ان فكرت هكذا..
قال عمر بهدوء: عملي جيد وليس به ما يرهق..أفضل العمل هنا وببنك..من العمل في شركة..
قال عماد وهو يزفر بحرارة: كما تشاء..ولكن في أي وقت تغير رأيك فيه..اتصل بي..
أومأ عمر برأسه ايجابيا وواصل العمل..وبعدعشر دقائق من الانتظار..قال عمر أخيرا:ها قد انتهيت.. سأذهب لوضع هذه الورقة بالملف ..وأعود لنغادر..
قالها ونهض من خلف مكتبه ليتوجه نحو الأدراج التي بنهاية المكتب..تاركا عماد جالسا على المقعد المجاور لمقعده..
( من فضلك يا سيد؟..)
التفت عماد إلى مصدر الصوت نحو النافذة الزجاجية..وقال بهدوء: هل من شيء؟..
وما ان قالها حتى اعترت الدهشة ملامحه ..وتطلع الى تلك الفتاة الواقفة امامه..وهذه الأخيرة لم تكن بافضل حالا منه..فقد اتسعت عيناها وهي تقول بدهشة: هذا أنت..!!
كانت من تقف أمامه..تلك الفتاة التي رآها في ذلك المتجر..وقد تحدثت معه بشأن أن يبيعها الفستان..بالتأكيد لم تنسوها بعد..
وقبل أن يجيبها عماد قالت بعصبية: إذا أنت تعمل هنا..لكن هذا لا يهمني..أريد أن افهم يا سيد ما سبب هذه الفواتير الخاطئة ..لقد قمت بالسحب قبل اسبوع من الجهاز الآلي مئة قطعة نقدية..والآن عندما قمت بالسحب خمسون فحسب..شاهدت ان حسابي ينقصه مائتي قطعة نقدية..أريد أن افهم سبب مثل هذه الأخطاء..ومثل هذا الإهمال من الموظفين..
كان عماد يستمع إليها وشبح ابتسامة ترتسم على شفتيه..وقال عندما أنهت حديثها وابتسامته تكاد ترتسم على شفتيه: إنهم لا يهملون في عملهم..ربما يكون هناك خلل في الجهاز..
قالت بحدة: هذا ليس ذنبي..إن استمر الأمر على هذه الحال فسأجد رصيدي بعد شهر قد أصبح صفرا..
قال عماد بهدوء: حسنا سيرون مشكلتك..اهدئي انت فقط..
قالت بحدة أكبر: لن أتحرك قبل ان تتصرف وتجد لي حلا..ألست موظفا هنا؟..
ارتسمت ابتسامة على شفتيه والتفت الى الوراء ليقول: عمر..هناك عميلة لديها مشكلة وترغب بالمساعدة..
سألته وهي تعقد حاجبيها: ما الأمر؟..لماذا لا تقوم انت بالمساعدة؟..ألست تعمل هنا؟..
أجابها عمر الذي جاء لتوه وقال: كلا يا آنسة..انه صديقي ولا يعمل هنا..والآن ما هي مشكلتك؟..
أحست الفتاة بإحراج كبير وخصوصا للطريقة التي تحدثت بها مع عماد..وعلى الرغم من انه لا يعمل بالبنك..إلا انه لم يحاول إحراجها..على العكس ظل صامتا..انه يشعرها بالذنب وبتأنيب الضمير خصوصا مع هدوءه هذا الذي يواجه به تصرفاتها المندفعة..
تحدثت إلى عمر بهدوء على عكس عصبيتها السابقة..ولا تلبث بين الفينة والأخرى إلا ان تختلس النظرات الى عماد..يا ترى ماهو رأيه بي الآن...وخصوصا بعد أن رآني بجميع حالاتي العصبية والمندفعة..في كل مرة أراه لابد وأن يحدث شيء ما..لم؟.. اريد ان افهم..
وصمتت بغتة وهي ترى عماد ينهض من مقعده ويقول متحدثا الى عمر: سأغادر الآن..اذا انهيت اعمالك اتبعني الى السيارة..
قال عمر في سرعة: حسنا..
والتفت الى الفتاة ليقول: أكملي يا آنسة..
تابعت عيناها عماد وهو يغادر المكتب وقالت بكلمات سريعة: هذا ما حدث يا سيد..هناك خطأ بالفواتير..وكلما حاولت سحب مبلغ ما..ارى رصيدي قد انخفض..
قال عمر وهو يتطلع الى الفواتير: سأرى المشكلة..من فضلك هلا مررت بالغد؟..لأن دوام العمل قد انتهى الآن..ومعذرة فعلي أن اغادر..
- لا بأس..
قالتها وأسرعت عيناها تتطلعان باتجاه بوابة الخروج لترى ان كان عماد قد غادر ام لا..عليها على الأقل ان تعتذر منه لأسلوبها الفظ معه..
أخذت عيناها تبحثان عنه..وأخيرا شاهدته وهو يهم بالخروج من البوابة..اسرعت بخطواتها متجهة اليه ونادته قائلة ولم يعد يفصلها عنه غير ثلاثة امتار: من فضلك يا سيد؟..
استغرب عماد ندائها له..والتفت لها وقال بحيرة: ما الأمر؟..
توقفت ومن ثم قالت بقليل من الارتباك: كنت أود ان اعتذر منك..
قال عماد وهو يرفع حاجبيه: ولم؟..ما حدث معك أمر طبيعي..يمكن ان يحدث مع أي شخص آخر..ولست منزعجا ابدا مما حدث..ثم انها أموالك ومن حقك ان تخشي عليها..
قالت بابتسامة مرتبكة: لقد كنت شهما معي دائما..ولم يكن علي أبدا ان أبدي مثل هذه العصبية والغضب وانا اتحدث اليك..أنا آسفة..لم أكن أعلم بأنك لست موظفا هنا..
ابتسم عماد وقال: لا داعي للاعتذار..لم يحدث شيء أبدا..وبصراحة انا سعيد لأنني التقيت بك مرة أخرى..
قالت بإحراج: ولقاء حاد جدا..
صمت وهو يتطلع اليها..هاهي ذي نظراتها الشمسية ترفع بها خصلات شعرها البني..تبدوا جميلة ورائعة و...
وجد نفسه يسألها قائلا: حسنا ما دمنا قد التقينا الآن..وحدث بيننا سوء تفاهم لا معنى له..هل تسمحين لي ان أسألك عن اسمك؟..
حنت رأسها قليلا وقالت: (لــيلـى)..والآن هل تسمح لي بأن اسألك السؤال نفسه؟..
ليلى..ليلى..لقد كان يبحث عن أسماء كثيرة تناسبها..لكن ابدا لم يخطر هذا الاسم في ذهنه..
واجابها قائلا وهو يمد يده مصافحا: عماد..وتشرفت بمعرفتك يا آنسة ليلى..
قالت وهي تصافحه: بل انا من لي الشرف يا سيد عماد..
وأردفت بابتسامة: الى اللقاء الآن..وأظن ان الصدف لن تدعنا وشأننا وسنلتقي مرة أخرى..
قال عماد بدهشة: وما يدريك؟..
اتسعت ابتسامتها وقالت: مجرد حدس..
قالتها ومضت في طريقها مغادرة المكان..في حين قال عماد بصوت هامس وهو يراها تتوجه نحو سيارتها: اتمنى هذا..
وبغتة شعر بكف توضع على كتفه وصوت صاحبها يقول: هيا بنا الآن يا عماد..
اومأ عماد برأسه وهو يتوجه نحو سيارته..وتفكيره بات مقتصرا على تلك الفتاة التي فارقها منذ دقائق..
************
يوم جديد لوعد بالعمل كسابقه..وهاهي ذي نراها
تزفر بملل وهي تراقب كل من حولها منشغلين بالعمل وكعادتها هي ..ليس لديها ما يشغلها سوى الورق والأقلام..ماذا تكتب؟..لا شيء مهم يطرأ في ذهنها في هذه اللحظة..أمسكت بالقلم وكتبت أول ما جال بذهنها..
" برودك يغيظني..
تجاهلك يثير حيرتي..
أخبرني اي شخص هو أنت..
لا ..بل من أنت؟..
لم اشعر بكل هذا الاهتمام؟..
وأنت لا ترفع رأسك وتنظر الى الأمام..
إلي..
انظر إلي..
حقاً أريد أن أراك..
أريد أن اعلم أي شخص هو أنت..
برود وصمت..
ام اهتمام خلف قناع من ثلج؟..
أحقا تشعر كباقي البشر..
أم بت صلبا كالصخر..
بالله عليك كرهت هذا الصمت..
تحدث واخبرني...من أنت؟.."
ابتسمت بسخرية بعد أن انتهت..أي سخافات كتبتها وهي تفكر بذلك الجليد الجالس إلى جوارها..كيف تفكر به..وهو إلى الآن لم يجب حتى على تحيتها..يا للتفاهة..
أمسكت بالورقة..وطوتها بقبضتها بقوة.. قبل ان ترميها بأحد أدراج مكتبها بإهمال..يا للسخف..كيف لي ان أفكر بشخص كهذا..هل انتهى جميع من بالعالم حتى أفكر بمن أحرجني يوما أمام الجميع..
وقالت وهي تلتفت الى أحمد: من فضلك يا أستاذ أحمد..هلا أعطيتني الصحيفة؟..
التقط أحمد الصحيفة من على مكتبه وسلمها لها قائلا بابتسامة: تفضلي..
التقطتها منه وقالت بابتسامة واسعة: اشكرك..
وتطلعت الى الصفحة الأولى..تريد أن ترى ما يكتب..أيضا!!.. تريدين أن تقرأي له يا وعد ..كلا لن أهتم..
وبلامبالاة..تصفحت الجريدة..وهي تقرأها لتمضية الوقت ليس الا..وتوقفت عيناها أمام أحد العناوين بها..كان موضوع بالصفحة ما قبل الأخيرة..وهو يحتل أحد زوايا الصفحة..عنوان ذلك الموضوع كان..(في عقل كل منا..طفل)...

جنــــون 11-23-2011 01:27 AM

*الجزء الثامن*
(هل من الممكن أن يتحطم الجليد؟..)



تعلقت عينا وعد بتلك السطور بالصحيفة..والتي كانت تنشر لها موضوعا تذكر إنها كتبته قبل يومين ..وتركته بإهمال على المكتب ..لأنها شعرت بأنه غير صالح للنشر...
ولكن مادامت لم تقم بإرسال الموضوع الى رئيس التحرير حتى يقوم بنشره فمن فعل؟..إنها لا تذكر انها قد طلبت من أحد ذلك..أو إن احدهم تحدث إليها بشأن نشر هذا الموضوع..إذاً من نشر هذا الموضوع وكيف؟؟..
وقفزت تساؤلاتها إلى لسانها لتقول بصوت مسموع: انه موضوعي..كيف نُشر بالصحيفة ومن قام بنشره؟..
انتبه لها أحمد وقال وهو يلتفت لها: أتقولين بأن موضوعك قد نُشر..هذا أمر جيد بالنسبة لصحفية تحت التمرين مثلك..
قالت وهي تهز رأسها: ليست المشكلة في أن الموضوع قد نشر أم لا..المشكلة اني لم آخذه للنشر..وها انذا..اراه قد نشر في صفحات هذه الجريدة..فمن يكون قد فعل وقا....
(أنا..)
الصوت البارد كالثلج الذي جعلها تلتفت بغرابة ودهشة الى صاحبه..وتتطلع الى طارق بحيرة ..قبل ان تتمتم بعدم تصديق: أنت من قام بنشر موضوعي؟..
قال طارق وهو يمسك بقلمه و يتطلع اليها بنظرة باردة: أجل..أنا..
ظهرت نظرات التشكك وعدم التصديق في عيني وعد..أي شخص آخر سواه كانت ستصدق الا هذا الجليد..ثم كيف يقوم بنشر موضوعها دون ان يستشيرها حتى...
إحراج طارق لها في أول يوم لها..وتجاهله لها..وتصرفاته الباردة والغير مبالية معها..كل هذا جعلها تقول من باب الانتقام: ومن سمح لك بنشر الموضوع؟..
حرك طارق القلم بين إصبعيه بلامبالاة وقال: أظن إن اسمك الموجود بنهاية الموضوع وليس اسمي..أو اسم أي شخص سواي..
اختطفت نظرة سريعة الى الموضوع لتتأكد من ما قاله..وعندما تأكدت من صدق ما قاله..قالت باستنكار وحدة: ولو..لم يكن من المفروض ان تنشر موضوع يخصني..دون ان تخبرني بالأمر..ربما لم أكن ارغب بنشره أو إنني أريد إضافة بعض التعديلات اليه..
قال طارق وقد أحس بالضيق من حديثها..وخصوصا من انه فكر في إسداء خدمة لصحفية جديدة في بداية حياتها المهنية..وهي بالمقابل تقابل تصرفه بالعصبية..واختفت النظرة الباردة من عينيه لتحل محلها نظرة منزعجة وقال: لقد قامت لجنة التدقيق والتصحيح اللغوي والإملائي بالتعديلات اللازمة..
قالت بحدة اكبر وكأنها تريد ان تتحداه وتحرجه كما فعل هو معها يوما: ولكني لم ارغب بنشره وهذا شأني انا..ليس من حقك ان تنشره بدون ان تخبرني او ان تأخذ رأيي بالأمر على الأقل..لقد...
قاطعها طارق بعصبية تراها عليه وعد للمرة الأولى: موضوعك هذا..كان مرمي بإهمال على مكتبك.. والجميع قد غادر المكتب في تلك الأثناء..كان بالتأكيد سيصل الى سلة المهملات..عندما يحضر العامل في نهاية الدوام..لقد قرأته ووجدته جيد ويستحق النشر..واعتقد أن أمر نشره لا يتوجب كل هذا الغضب..لأني فكرت بإسداء خدمة..ولم اعلم بأنها قد كانت جريمة في نظرك...
خيم الصمت على المكان بعد ما قاله طارق..كانت وعد تتطلع إليه وهي في دهشة من أمرها..يا ترى هل تحطم الجليد؟..شعرت بالذهول من غضبه وعصبيته التي تتناقض مع بروده..ترى هل ما قالته استفزه الى هذه الدرجة..ام ان كلماتها كانت بالفعل في غير محلها..لقد سيطر عليها الرغبة في الانتقام وهي تتحدث اليه..ولكن الآن ..يبدوا انه هو من أعاد الكرّه..وأحرجها للمرة الثانية أمام الجميع..إنها تشعر الآن بسخف ما قالته حقا...
لم تعلم بم تجيب..وخصوصاً وان كلماته قد أخرستها تماما..لم تكن ترغب بقطع هذا الصمت وهي تتحاشى النظر الى طارق الذي كان يحر ك القلم بين أصابعه بعصبية..
طارق الذي عرف ببروده أغلب الأوقات..كيف لفتاة أن تستفزه بكلماتها..كيف له ان يهتم بما قالته أصلا ..لقد فكر في تقديم خدمة وهي من رفض..وهي من ستخسر في النهاية..فلم أبدى كل هذه العصبية..ما الذي دعاه ليهتم بالرد على ما قالته...
( استاذ طارق..رئيس التحرير يطلبك)
قالها أحد العاملين بالصحيفة..وهو يقف عند باب القسم..فقال طارق وهو ينهض من خلف مكتبه: حسنا..سأذهب اليه بالحال..
ولم يلبث أن غادر القسم..وقال أحمد في هذه اللحظة محاولا تلطيف الجو: أهنئك يا آنسة وعد لقد حطمت القاعدة أخيرا..فمن المستحيل أن تري الأستاذ طارق عصبيا الا مرة في الشهر..وها انذا أراه للمرة الثانية لهذا الشهر..
قالت بصوت خفيض بعض الشيء: لم يكن علي ان اقول ما قلت له..
هز أحمد كتفيه وقال: على العكس..انه حقك..ولم يكن ينبغي ان يقوم طارق بنشره دون ان يأخذ الاذن منك..
قالت وعد بتردد: ولكني أظن اني زدت بالجرعة في الحديث معه..وحديثه كان صحيحا فلو لم يقم بنشره..لرُمي بسلة المهملات..دون ان يهتم أحد به او بما كتبت..
التفت احمد لها وقال: ولكنها رغبتك في النهاية..ولم يكن على طارق التدخل في هذا الأمر..
صمتت وعد دون أن تعلق على عبارة أحمد..وغرقت في تفكير عميق ..وفي النهاية قالت متحدثة الى نفسها: ( يا ترى كيف أتصرف تجاه ما بدر مني؟..)
وكأن احمد قد قرأ أفكارها فقال: وعلى فكرة فطارق لا يهتم بهذه الأمور أبدا..تجدينه الآن قد نسى الأمر برمته..وسيأتي ليتحدث معنا بشكل طبيعي عندما يعود وكأن أمرا لم يكن..
قالت وعد وهي تطرق برأسها: حتى وان لقد أخطأت بتصرفي..وعلي أن أتحدث معه حيال ذلك..
قال أحمد وهو يعود الى عمله: افعلي ما ترينه مناسبا..
قالها واستمر في عمله..تاركا وعد في حيرة من أمرها..
**********
أحس طارق بالحنق من نفسه..كيف؟..كيف تثير أعصابه مجرد فتاة؟..فتاة لم يمضي على وجودها هنا غير أسبوع..لا بل اقل..خمسة ايام لا أكثر..منذ اليوم الثاني لها وهي تتعمد استفزازه..وإثارة أعصابه..وبالتأكيد هي تفعل ذلك حتى تعيد له الكرّه عندما وجه لها تلك العبارة أمام الجميع في اليوم الأول لها بالصحيفة..
وقال بشرود وكأنه قد عاد بالزمن الى الوراء: ولكن.. ولكنها تشبهها..كثيرا..
************
طرقات سمعها هشام على باب غرفته جعلته يقول بصوت هادئ: من..؟
قالت فرح وهي تفتح الباب: الآنسة الجميلة فرح..هل يمكنني الدخول؟..
قال هشام بسخرية: لقد دخلت لوحدك الآن..فلا يمكنني ان اطردك..
قالت فرح باستنكار وهي تتقدم منه: وهل كنت تفكر بطردي لو لم أدخل لوحدي..
- ولم لا؟..
قالت فرح بابتسامة ماكرة: فليكن..هذا افضل..حتى لا أخبرك بما جئت لأقوله لك..وسأخرج وحدي حتى احفظ كرامتي..
قال هشام متسائلا: وما الذي جئت لتقولينه لي؟..
قالت فرح بخبث وهي تبتعد وتتجه الى الباب: لقد جئت لأخبرك بأمر يخص وعد..ولكني أراك غير متقبل لأي شيء لذا سأغادر الغرفة وأتركك بهدو...
قاطعها هشام وهو ينهض من خلف لوحة الرسم الهندسية ويسرع نحوها: أي كلام تقولينه..أخبريني ماذا بها وعد؟..
قالت فرح بتعالي: أولا اعتذر عما قلته..
قال بسخرية: لا تحلقي بأحلامك كثيرا..
قالت وهي تفتح باب غرفته: حسنا اذا سأغادر..
قال وهو يعقد ساعديه أمام صدره: أتتوقعين أن أترجاك حتى تتحدثي..كلا لا تحلمي..اذهبي وأغلقي الباب خلفك..
رفعت حاجبيها وقالت: ما هذا التطور..هشام لا يرغمني على الحديث لأمر يخص وعد...
قال وهو يبتسم بزاوية فمه: ولم أتعب نفسي؟..سأتصل بوعد نفسها لتخبرني بالأمر برمته..
قالت فرح وهي تبتسم بمكر: انها لا تعلم بالأمر بعد..
- فرح..اخرجي خارجا من فضلك..لقد ازعجتيني كثيرا..
- تريد ان تتحدث اليها على انفراد..اليس كذلك؟..
قال بضيق: اجل..والآن هلا خرجت..
قالت وهي تخرج خارج الغرفة: سأخرج ولكن لا تتوقع ان تفيدك وعد فهي لا تعلم بالأمر بعد..
انتظر هشام حتى خرجت فرح من الغرفة..ثم لم يلبث ان ضغط رقم وعد وأعقبه بالضغط على زر الاتصال..وهو ينتظر إجابتها بلهفة..وما ان أجابت على الهاتف حتى أسرع يقول: أهلا وعد..كيف حالك؟..
قالت وعد وهي تزفر بحدة: بصراحة متعبة..
قال متسائلا: بسبب العمل؟..
- اجل..
- قدمي استقالتك اذا..
ضحكت وعد قالت: أحقا..لقد قدمت لي الحل فعلا.. أشكرك..
ابتسم وقال: فليكن..سأعطيك حلا آخر..ابتلعي أقراصا مهدئة..
قالت بعصبية: اوتظنني مجنونة؟..
قال بابتسامة أوسع: أهدئي..أنا امزح..اسمعي.. الا تعلمين شيئا مما يحدث من حولنا؟..
قالت بغرابة وحيرة: ماذا تعني؟..
قال وهو يتجه ليجلس على مقعد الحاسوب المتحرك: بصراحة لا اعلم..فرح جاءت الي وقالت ان هنالك شيء تود قوله لي يخصك أو يخص عائلتك..قبل ان اطلب منها مغادرة الغرفة..لذا فهي رافضة لإعلامي بالأمر الا بعدان اقدم تصريح الاعتذار لها..
قالت وعد بمرح: قدمه..والا سيتم إصدار حكم بالأشغال الشاقة عليك..
- لا أريد تخييب ظنها ..ولكنها تحلم بجموح..
قالت وعد بابتسامة: وما المطلوب مني..فإن كنت تصدق فأنا نفسي لا اعلم بهذا الأمر الذي قد يكون يخصني..
وأردفت: اسمع..مع إني في صف فرح دائما ولكن هذه المرة فقط سأكون في صفك..لأنني انا نفسي اصبت بالفضول لمعرفة هذا الشيء الذي يخصني ولا اعرفه..لذا سأتصل بها وأتحدث اليها وأحاول جرها في الحديث الى ان تبلغني بالامر..وبعدها اتصل بك وابلغك..هه ما رأيك؟..
- أمتأكدة من انك لم تعملي مع المقدم سالم قبل الآن؟..
ضحكت بمرح وقالت: مع اني لا اعلم من هو سالم هذا..لكن تأكد اني لم أعمل قبل الآن غير مهنة الصحافة..
واستطردت قائلة: والآن الى اللقاء..سأتصل بك فيما بعد..
- الى اللقاء..
وما إن أغلق هاتفه..حتى انتظر بلهفة اتصال وعد..تتطلع الى ساعة يده بين اللحظة والأخرى ..وهو يجلس بانتظار اتصالها..ولما شعر بالملل..فتح جهاز الحاسوب ..وتسلى بالدخول الى عدد من المواقع على الانترنت..
ولما شاهد ان نصف ساعة قد مضت دون ان تتصل وعد..قرر ان يتصل بها..التقط هاتفه وضغط على زر الاتصال..وانتظر إجابتها لكنها لم تجب..أعاد الاتصال لثلاث مرات أخرى ولما شعر باليأس من إجابتها..عاد ليبحر في عالم الانترنت....
**************
قال عمر وهو يضحك متحدثا الى عماد بذلك المطعم: أتتحدث عن نفسك أم عن فيلم أجنبي..
قال عماد بابتسامة: هذا ما حدث صدقني..يبدوا الأمر غريبا فعلا..في البداية أمر الموقف ذاك الذي اوقفت سيارتها به على الرغم من انه كان من حقي انا التوقف به..ثم أمر المتجر..وبالأمس ذاك الموقف الذي حصل بالبنك أمام عينيك..
قال عمر مازحا: واين سيكون المشهد التالي؟..
قال عماد بسخرية: في قاع البحر..
قال عمر وهو يضحك: لم ؟..المشهد القادم سيكون مع حورية ام سمكة..
قال عماد بضيق: توقف عن ضحكك يا عمر لقد اخبرتك بالأمر لأني اثق بك وأريد رأيك بالموضوع..
قال عمر وهو يهز كتفيه: رأيي في ماذا؟..في فتاة لا تعرف عنها شيئا غير ان اسمها ليلى..وما الذي سيفيدك اسمها..انك لا تعرف من تكون..ومن أي عائلة..واين تسكن..وما هي صفاتها وشخصيتها..
قال عماد بهدوء: الفتاة سيطرت على تفكيري ليس الا..ولم اقل اني أفكر بالارتباط بها..
- ولو..فكر بالأمر بجدية..اين يمكن ان تلتقيها..لقد جمعتكما الصدفة فقط..انك لا تعرف رقم هاتفها حتى تتحدث اليها حتى وتطلب منها مثلا لقائك في مكان ما..
- أنت تعلم إنني لست من هذا النوع من الشباب..
قال عمر بجدية: اسمعني..إذا كنت جادا بالأمر وتفكر بالارتباط بها..فليس هناك ما يعيب حديثك معها أو لقاءك بها..
قال عماد وهو يرفع حاجبيه: رويدك..أنا لم اقل إلا انني أعجبت بها..هل سأرتبط بها هكذا..ثم من قال اني أفكر بالزواج؟..
مال نحوه عمر وقال: اسمعني..ما دامت فتاة قد نالت على إعجابك أخيرا فلا تضعها من بين يديك..انت لن تجد فتاة تنال إعجابك كل يوم..فذوقك صعب جدا..
ابتسم عماد وقال: لا تخشى شيئا..لست مريضا نفسيا..حتى اكره جميع الفتيات..يمكن ان تقول انني لم اجد بعد الفتاة التي رسمتها بذهني واحاول ان اطابقها مع احدى فتيات الواقع..
قال عمر باهتمام: وتلك الفتاة..
قال عماد وهو يزفر بحدة: تطابقت معها ..تقريبا...فأنا لم ارى سوى الشكل الخارجي بعد..لم اعرف بعد من هي تلك الفتاة فعلا..ما هي طباعها.. طموحها .. تصرفاتها.. أتفهمني يا عمر؟..
قال عمر بابتسامة: كيف لا افهمك يا عماد..ما تقوله صحيح أنت لم ترى غير الشكل الخارجي بعد..ولكن كيف ستتعرف على شخصيتها؟..انت لا تعرف من تكون حتى..
قال عماد بشرود: دع هذ للأيام فكما جمعتنا يوما..قد تجمعنا مرة أخرى من جديد...
**********
غرق هشام في تصميمه الذي صممه على حاسوبه.. تصميم لمنزل من طابقين..الطابق الأول يتكون من ردهة واسعة..وغرفة معيشة..واخرى للجلوس..ودورة المياه ومطبخ واسع..
أما الطابق الثاني فكان يحتوي على ثلاث غرف للنوم..وكل واحدة منها تحتوي على دورة مياه تابعة لها..وردهة صغيرة ومطبخ صغير تابع للردهة..
وابتسم بشرود وهو يتطلع الى المنزل الذي صممه..لو انه اشرف على بناء هذا المنزل الذي رسم له هذا التصميم الهندسي..ليكون هذا المنزل له ولوعد..هما فقط.. يشرفان على بناءه ويختاران الألوان لكل غرفة منه..ومن ثم يضعان الأثاث في كل غرفة..وثم يسكنانه..
أحلام كثيرة شغلته..وأحس بالمرارة منها..ترى هل يمكن ان يتحقق حلمه بأن تكون وعد شريكة حياته..انها لا تشعر به حتى و....
شعر بغتة بيدان تغلقان عيناه فقال بضجر: فرح ازيلي يديك عن عيني والا كسرتهما لك..
سمع صوت فرح وهي تقول له: تكسر يداي مرة واحدة..يالك من شرير.. حمدلله اذا ان هاتين ليستا يداي أنا..
استغرب من كلامها..وشعر باليدين تنزاحان عن عينيه..وصوت ضحك ينطلق من خلفه..فالتفت وراءه وقال بابتسامة واسعة: وعد...
واسرع ينهض من خلف مقعده وقال: اشتقت إليك..
قالت وعد بمرح: يا لك من كاذب..بالأمس فقط كنا معا..
كاد ان يهم بقول شيء ما حين سمع صوت ضحك فرح..والتفت اليها مستغربا ..ولم تلبث وعد ان شاركتها الضحك..فقال وهو يعقد ساعديه امام صدره: هل لي ان اعرف ما الذي يضحككما..فلست مهرجا حسبما اعلم..
قالت وعد وهي تتوقف عن الضحك: بصراحة عندما اتصلت بي كنت اعلم ما هنالك وماذا أرادت فرح قوله لك..ولكننا اتفقنا انا وفرح على عدم إخبارك..حتى عندما حاولت الاتصال بي كنت اتعمد عدم الرد..
قال هشام بسخرية: اذا كان مقلبا..لقد اخترتما الشخص الخطأ يا آنسات..لأني سأعيد لكما الصاع صاعين..
واردف متسائلا: ولكن ماذا هناك فعلا..ما الأمر الذي لا اعلمه أنا الى الآن ويعلمه الجميع..
قالت فرح بابتسامة مرحة: الم تعلم بعد..يكفي وجود هذه الآنسة الجميلة في منزلنا حتى نخفي الأمر عنك..
قال هشام بسخرية: لقد ظننت ان الأمر مهم حقا..فما الذي يُدهش لو قامت وعد بزيارتنا..انها تقوم بذلك كل اسبوع..
قالت وعد وهي تجذب فرح من كفها: هيا يا فرح يبدوا ان الأخ يشعر بالملل مني..فلنذهب الى غرفتك..
قالت فرح وهي تتوقف في مكانها وتلتفت الى هشام: انه ليس اليوم المعتاد لزيارة عمي الى منزلنا..لكن هناك بعض الأمور الذي دعته ليقوم بهذه الزيارة..لذا فهذا يعني انهم سيحضرون الى منزلنا يومين بالأسبوع..أفهمت الآن؟..
ومع ان هشام شعر بالسعادة لهذا الا انه قال: هذه ليست مفاجأة حتى تخفياها عني..
قالت فرح: اذا ماذا تكون؟..
قال هشام بسخرية: كارثة..
قالت وعد وهي تخرج لها لسانها بحركة طفولية: مضحك جدا..
وبغتة سمعا صوت نداء والدة هشام وهي تنادي فرح..فقالت هذه الأخيرة : لا اعلم ماذا تريد أمي..سأذهب لأراها..
قالت وعد في سرعة: سآتي معك..
وتوجهت خلف فرح في سرعة..وقبل ان تخرج سمعت هشام يناديها فالتفتت اليه بحيرة وقالت: ماذا؟..
قال مبتسما وهو يتقدم منها: كيف حال العمل معك؟..
هزت كتفيها وقالت: لا بأس به الى الآن..
قال وهو يشير اليها نحو جهاز الحاسوب: تعالي سأريك تصميم لمنزل..واخبريني برأيك به..
قالت وهي تتوجه نحو جهاز الحاسوب وتجلس على المقعد الخاص به: أهو من تصميمك؟..
قال وهو يجذب له مقعدا ويجلس الى جوارها: بالتأكيد..
تطلعت وعد باهتمام الى التصميم ومن ثم قالت بابتسامة: جميل..ولكن ينقصه شيء..
قال متسائلا: ما هو؟..
- الحديقة الأمامية والخلفية..الا ترى انه سيكون أجمل بهما..
تطلع الى التصميم ومن ثم قال: بلى..معك حق..
قالت وهي تنهض من على المقعد: عليك ان تعرف انك لست وحدك من لديه أفكارا جيدة..والآن الى اللقاء..
تطلع اليها وهي تغادر غرفته..وما ان فعلت حتى قال بحب: لو تعرفين يا وعد..انك قد أضفت فكرتك هذه لما أتمناه ان يكون منزلنا المشترك..لو تعلمين فقط...
*************
قالت فرح بملل وهي تعد الأطباق بالمطبخ: دائما فرح..لا يوجد غيرها بالمنزل ليطلبوا منه العمل..وكأنني أعمل خادمة هنا..
ضحكت وعد وقالت: للأسف الخادمة أفضل منك..فهي تحصل على راتب شهري..
قالت فرح بضيق: معك حق..حتى الخادمة باتت أفضل مني..
ابتسمت وعد وهي تقترب منها وتضع بعض الكعك في الطبق: ولم انت غاضبة هكذا..ها انذا اساعدك..
قالت فرح وهي تقلد وعد بسخرية: ها انذا اساعدك..لقد مرت ساعة وانت تضعين هذا الكعك فقط بالطبق..
قالت وعد بمرح: لم تصبح ساعة بعد..انها ساعة الا دقيقتين..
قالت فرح بضجر: اسمعي اتركي هذا الكعك..واذهبي لاعداد العصير..
قالت وعد وهي تبتسم بمرح: أمرك سيدتي..
وتوجهت الى تلك الخزانة العلوية بالمطبخ..وقالت وهي تقتح بابها: فرح أي علبة هي علبة مسحوق العصير..
قالت فرح وهي تزفر بحدة: الا تعرفين القراءة؟..
- بلى ولكن هناك عدة انواع..اي نوع استخدم..
- أي شيء..
قالت وعد وهي تلتقط علبة مسحوق عصير التفاح: اذا سأقوم باعداد عصير التفاح لاني اعلم انك لا تحبينه..
قالت فرح بابتسامة وهي تلتفت اليها: ولم كل هذا الكره..
همت وعد بقول شيء ما ..عندما شاهدت رنين هاتفها المحمول..والتقطته لتشاهد انه رقم مجهول..عقدت حاجبيها ومن ثم أجابت قائلة: الو..من المتحدث؟..
جاءها صوت امرأة تقول: أأنت الآنسة وعد عادل؟..
- اجل انا هي..ما الأمر؟..
- أنا أتحدث إليك من صحيفة الشرق..وهم يطلبونك الآن..
قالت وعد بغرابة: الآن؟؟..
- اجل..احرصي على ان لا تتأخري..
- حسنا.. الى اللقاء..
أغلقت وعد الهاتف وهي في حيرة من أمرها فقالت فرح بحيرة وهي تتطلع اليها: ماذا هناك يا وعد؟..
قالت وعد وهي تتنهد: يطلبوني في الصحيفة الآن..
قالت فرح بدهشة: الآن؟..لم؟..
- لست اعلم..سأذهب وارى الأمر..
- ألا يمكنك الاعتذار عن الذهاب؟..
- ولم افعل؟..سأذهب وارى الأمر..وأتركك لوحدك تعملين..حتى تعرفي قيمتي..
قالت فرح مبتسمة: سأعرف انك لا تعملين شيئا من الأساس..
قالت وعد وهي تلوح بكفها: الى اللقاء الآن..اراك بخير..
قالت فرح في سرعة: مع السلامة..وحاولي ان تحضري الى منزلنا بعد انتهاء عملك..
- سأحاول..
قالتها وعد وتوجهت الى باب المنزل الرئيسي فاستوقفتها والدة هشام قائلة: الى اين يا وعد؟..
قالت وعد في سرعة وهي تلتفت إليها: يطلبونني في الصحيفة..سأرى ما الأمر وأعود سريعا..الى اللقاء..
قالت والدة هشام بهدوء: صحبتك السلامة يا وعد..وقودي بتمهل ولا داعي للعجلة..
ضحكت وعد وقالت: حسنا سأفعل..مع السلامة..
وأكملت طريقها نحو خارج المنزل..وهي تستغرب انهم قد طلبوها لأمر ما خارج وقت العمل وهي تقريبا لا تقوم بأي عمل في الصحيفة و...
(الى أين؟..)
انتفضت وعد عندما شعرت بكف على كتفها.والتفتت لترى صاحب الصوت..وقالت بملل: من اين تخرج انت؟..
ضحك هشام وقال: من الباب..شاهدتك تغادرين فتبعتك..والآن اخبريني الى اين انت ذاهبة؟..
- الى الصحيفة..
قال هشام باستنكار: الآن؟؟؟..
قالت وعد وهي تسرع مبتعدة عنه نحو سيارتها: كلا غدا..والآن مع السلامة..
قال بحدة: انتظري يا وعد..لم انهي حديثي بعد..
قالت وعد بضجر:عندما أعود سأجيب عن جميع أسألتك..سأذهب الآن حتى لا أتأخر..
قالتها وانطلقت بالسيارة متوجهة الى الصحيفة..ترى ما الذي ينتظرك يا وعد هناك؟..

جنــــون 11-23-2011 01:27 AM

*الجزء التاسع*
(هل بدأت الأمور تتحسن؟)


توقفت وعد بسيارتها في المواقف الخاصة بالصحيفة وهي لا تزال تشعر بغرابة ان يطلبوها في الصحيفة في مثل هذا الوقت..هبطت من سيارتها الرياضية الحمراء وتوجهت الى داخل المبنى....
وعلى الطرف الآخر..كان طارق يقف عند باب القسم ويقول متحدثا الى أحمد: ألم تصل بعد؟..
قال أحمد نافيا: ليس بعد..ولكنها ستصل عما قريب..
قال طارق وهو يتطلع الى ساعة معصمه: سوف نتأخر هكذا..
قال أحمد بهدوء: هم لم يبلغوها إلا منذ ربع ساعة..لذا فهي بحاجة لبعض الوقت حتى تصل إلى الصحيفة و...
صمت أحمد ولم يكمل عبارته عندما شاهد طارق يلتفت عنه ويتطلع الى يساره ويقول: هيا يا آنسة وعد..لا نريد أن نتأخر..
كانت وعد قد وصلت لتوها الى القسم...لترى طارق يقف عند بابه..ويوجه لها عبارته السابقة ..فقالت بحيرة: لحظة واحدة لم افهم شيئا بعد..هلاّ افهمني أحدكم..
سار طارق في طريقه متوجها نحو المصاعد وقال: سنقوم بعمل مقابلة صحفية مع أحد الوزراء..
قالت بغرابة: وألا يمكن الانتظار حتى الغد لعمل هذه المقابلة؟..
قال طارق ببرود دون ان يلتفت لوعد التي تسير خلفه: لم نجد غير هذا الموعد للقاؤه..وهو على اية حال وزير ومنشغل دائما لذا فمن الصعب أن نحصل على الموعد حسبما نريد نحن...
أحست وعد ان هذه فرصتها لتلطف الجو قليلا خصوصا بعدما فعلته معه هذا الصباح..وقالت بابتسامة وهي تسرع في خطواتها قليلا: لقد نسيت أحد مواضيعي على مكتبي..هل أستطيع العودة له..فأخشى ان ينشر أحدهم الموضوع دون ان اعلم..
توقف طارق للحظات عن السير والتفت لها ليقول ببرود اكبر: الآن فقط صدقت المثل القائل..(افعل خيرا..وارميه بالبحر)..
اتسعت ابتسامة وعد بالرغم منها وقالت: كلا لا اقصد شيئا..على العكس كنت أفكر بالاعتذار عما قلته لك هذا الصباح..
قال طارق بلامبالاة: لا داعي..فأولا كان ذلك شأنك أنتِ..وثانيا أنا نسيت الأمر برمته..
صمتت دون ان تنبس ببنت شفة..وهي تفكر فيما قاله..على الأقل ان الأجواء بينهما لم تعد متكهربة الآن..وهاهو الهدوء يعم بينهما أخيرا..ولكن هل هو هدوء ما قبل العاصفة يا ترى؟..
وها نحن نرى طارق ووعد يخرجان من مبنى الصحيفة ..وتلك الأخيرة تقول قاطعة الصمت الذي خيم عليهما لفترة: أي وزير سوف نلتقي به لعمل المقابلة الصحفية معه؟..
قال طارق بهدوء: وزير التربية والتعليم..
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي وعد وقالت: أتعلم ..عندما كنا صغارا كنا نتمنى ان نلتقي به..ولكن لقتله وليس لعمل مقابلة صحفية معه..وذلك لتلك المناهج التي كنا ندرسها..
قال طارق بهدوء: ونحن ايضا كنا نتمنى المثل..وكأننا نظن انه اذا رحل وزير ما لن يجلبوا غيره..
استغربت وعد تجاوب طارق معها بالحديث.. تذكرت كلمات أحمد في هذه اللحظة..انها لن تعلم معدن طارق الحقيقي الا بعد فترة من الوقت..و...
(ستغادرين بسيارتك؟..)
قالها طارق قاطعا أفكارها وهو يراها تتوجه نحو سيارتها..فأجابته قائلة: اجل..
قال طارق بهدوء: حسنا إذاً..إذا أضعت الطريق فعودي الى هنا..
أومأت برأسها وهي تدلف الى السيارة وتغادر بها خلفه..وطوال الطريق كانت الأفكار تتسلل الى ذهنها..انه يبدوا مختلفا..يتجاوب معها بالحديث ولا يتجاهل ما تقوله..يتحدث بهدوء اكثر منه برود..ترى هل أصبح يحترم وجودها على الأقل؟..
وصلت الى حيث مبنى الوزارة وأوقفت سيارتها بالمواقف الموجودة بجانب الشارع الرئيسي..وخرجت من سيارتها ووجدت طارق يخرج من سيارته بدوره..تقدمت منه وتساءلت قائلة: ما اسم الوزير الذي نقوم بمقابلته؟..
قال طارق بهدوء وهو يسير الى حيث الشارع: صالح سالم..
- وكم ستستغرق المقابلة؟..
قال طارق بضجر: ساعتين..
لم تنتبه وعد لرنة الضجر في صوته..فقالت: هل قمت بعمل مقابلة معه من قبل؟..
التفت لها طارق وقال بملل: أي اسألة سخيفة تسألين؟..
اتسعت عينا وعد استنكارا..وصمتت وهي تشعر بالحنق منه..ها قد عاد بأسرع مما كانت تتوقع الى شخصيته المغرورة..وقالت بسخط: اسألني انا السخيفة..ام طريقة حديثك هي السخيفة..
والتفتت عنه لتعبر الشارع..فأسرع طارق يقول: انتظري لا تزال هناك سيارات بالطريق..
قالت بحنق دون ان تلتفت له: لست طفلة..
وتبعت عبارتها بعبور الشارع..وهي تشعر بالغضب من تصرفه معها..عندما شعرت ان الأمور تحسنت معه..عاد لطبيعته الباردة واللامبالية..من يظن نفسه لوح الثلج هذا..انه مغرور..مجرد شخص مغرور..يظن انه الافضل دوما و...
استيقظت من أفكارها عندما شاهدت طارق يقف أمامها على الطرف الآخر من الطريق وهو يقول بصرامة: في المرة القادمة..لا تتصرفي تصرفات الأطفال هذه وتعبري الطريق من دون اهتمام..فلو حدث لك شيء سوف أكون انا المسئول..لا أريد أية مشاكل يا آنسة ..هل هذا مفهوم؟..
تطلعت له وعد باحتقار..تتمنى لو تستطيع ان تقول له..انه ليس سوى مغرور متعالي..وانه شخص لا يرى سوى نفسه في هذا العالم..ويرى الجميع على انهم اقل مستوى منه حتى وان كانوا افضل منه..متكبر..تافه..
وسمعت طارق يقول بصرامة اكبر: لم تجيبي..هل فهمت ما قلته أم أعيده؟..
قالت بحدة: فهمته ولا حاجة لأن تعيده..ولكني أظن ان ليس من حقك لعب دور الرئيس علي فأنا صحفية مثلك تماما ويتوجب عليك احترامي على الأقل وعدم التقليل من شأني او إهانتي..
قال طارق ببرود: أولا أنت لست صحفية الى الآن..لأنك لا تزالين تحت التمرين..وثانيا..انا لم اقلل من شأنك او أهينك..
قالت بعصبية: إذاً ماذا تسمي الذي تفعله؟..
قال بعدم اهتمام: اسمعيني جيدا يا آنسة..نحن هنا من اجل عمل..وعمل فقط..ولا داعي أن تؤثر أمور شخصية على العمل الذي جئنا من اجله..
قالت وعد بغضب حاولت ان تخفيه: معك حق..فهذه الأمور الشخصية لا تستحق الاهتمام..
لم يعلق على ما قالته..ودلف الى مبنى الوزارة..ووعد دلفت من بعده..وهي تشعر بغضب شديد تجاه طارق وما يفعله..
************
قال هشام بعصبية وهو يرمي بهاتفه على الأريكة: لماذا لا تجيب على اتصالاتي؟..انها المرة العاشرة التي اتصل بها..ولا تجيب..ماالذي يحدث؟؟..
قالت فرح بملل: هشام يكفي..وعد ليست طفلة ..والداها لم يقلقا عليها الى هذا الحد..لقد ذهبت في عمل وستعود منه قريبا..
تطلع الى ساعته وقال: لقد مضت ساعتان ونصف منذ ان غادرت..ربما قد حدث لها أمر ما..
قالت فرح وهي تزفر بحدة: ولماذا تتشاءم..إنها بكل تأكيد بخير..ولكنها ربما لا تجيب على اتصالاتك لأنها تكون بمقابلة صحفية وقد وضعت هاتفها على الوضع الصامت..
قال هشام بعصبية: تبا..تبا...لم اعد احتمل..سأذهب لها..
قالت فرح بحدة: هشام لا تضخم الأمور هكذا..وعد ليست طفلة ولا داعي لان تعاملها على انها كذلك..لو حدث معها شيء ستتصل بنا..فقط اجلس انت..او اذهب الى أصدقائك..
قال وهو يدس أصابعه بين خصلات شعره بعصبية: أتظنين انني سأتمكن من الذهاب الى مكان وانا لا اعلم ما الذي حدث معها..ولماذا لا تجيب على اتصالاتي؟..
قالت فرح بغضب: لقد طفح الكيل يا هشام..هي لم تذهب لتقاتل في الحرب حتى تخشى عليها هكذا..انتظر وستصل..
قال هشام وهو يلتفت عنها: لن تفهميني يا فرح..لا احد منكم سيفهمني ابدا..
- بل أفهمك..واعلم انك تحبها ولا تحاول الإنكار..لا يقوم بتصرفات كهذه غير شاب يحب..
صمت هشام ولم يجبها..يعلم ان خوفه مبالغ فيه..وقلقه كذلك..ولكنه لا يملك شيء حيال ذلك..لقد شعر بالاضطراب والتوتر وهو لا يراها تجيب..ويخشى أن أمرا سيئا قد حدث لها..
وسمع بغتة رنين هاتف فرح..وتطلعت هذه الأخيرة الى الرقم وقالت وهي ترفع عيناها الى هشام: انها وعد..هل انت مرتاح الآن..لم يحدث لـ....
لم تستطع فرح إكمال جملتها..لأن هشام قد اختطف الهاتف من كفها وأسرع يجيبه قائلا: وعد اين انت الآن..ولماذا لم تجيبي على اتصالاتي؟؟؟..
ضحكت وعد وقالت: هل أخطأت بالرقم ولا اعلم..أظن إنني قد اتصلت على هاتف فرح..
قال هشام وهو يحاول تمالك أعصابه:وعد..لست في مزاج يسمح لي بالمزاح..
قالت وعد بهدوء: ما بك يا هشام؟..إن كنت تشعر بالغضب على عدم الرد عليك فقد كنت بالمقابلة الصحفية..ولم استطع إلا أن اترك الهاتف على الوضع الصامت..وها انذا قد خرجت من المقابلة قليلا من اجل ان أطمأنكم على أحوالي وإنني بخير..لا تقلق..والآن مع السلامة..
تساءل هشام قائلا: متى ستعودين؟..
- اظن بعد نصف ساعة..
- فليكن اذا اهتمي بنفسك..الى اللقاء..
ولم يلبث ان اغلق الهاتف..فقالت فرح وهي تعقد ساعديها امام صدرها: اخبرني ..هل ارتحت الآن؟..
قال هشام بابتسامة: كثيرا..
قالها واتجه الى الطابق الاعلى وفرح تتابعه ببصرها..يا ترى يا هشام الى متى ستظل متعلق بأمل واه؟..الى متى؟..
************
وفي الطرف الآخر..دلفت وعد الى داخل غرفة المكتب التي كانت تضم طارق ووزير التربية والتعليم..لقد خرجت منها بعد ان شاهدت اتصالات هشام المستمرة..وأحست بالشفقة والعطف تجاهه..بالتأكيد هو يظن ان امر ما قد حصل لها..وخصوصا انها لا تجيب عليه..ولهذا استأذنت خارجة من المكان..لتتحدث الى هشام..ولكنها تدرك يقينا انه لن يكتفي بالأسألة لهذا قررت الاتصال بفرح لتطمأنهم على حالها فقط.. وما جعلها تشعر بالرغبة بالضحك بحق هو ان من أجابها هو هشام في النهاية...
ومن جهة أخرى لم تحاول التدخل بالمقابلة ابدا..او حتى التعليق على أي شيء واكتفت بالصمت..فهي لا تزال تشعر بالغضب من تصرفات طارق معها..وفوجئت بطارق يقول وهو يلتفت لها بعد انتهاء المقابلة الصحفية تقريبا: أليس لديك سؤال ما؟..
هزت رأسها نفيا بصمت..فأردف بصوت هامس بعض الشيء وهو يميل نحوها: ولا حتى سؤال عن رشوى مصطنعة..
وجدت وعد نفسها تبتسم مما قاله..لا تعلم لم؟ ..كلماته أشعرتها بأنه يريد أن ينسيها ما حصل منه..او ربما يحاول تلطيف الجو على الأقل..وقالت بهدوء: ولا حتى هذا..
التفت طارق الى الوزير وقال: حسنا اذا سنغادر الآن..سعدنا بلقاؤك يا سيد صالح..
قال السيد صالح باقتضاب: وانا كذلك..
صافحه طارق وغادر المكتب برفقة وعد..والتي ظلت مصرة على صمتها..ولم تنطق بحرف وحد..وقال طارق عندما طال الصمت بينهما: لا أراك تتحدثين..أو تسألين أية أسئلة..
قالت ببرود متعمد: أليس هذا ما تريده؟..
قال طارق بهدوء: أن تظلي صامتة؟..كلا ليس ما أريده ان تصمتي..
قالت وهي تتنهد: ان تحدثنا استهزؤوا بنا..وان صمتنا قالوا لم تصمتون ولا تتحدثون..
قال طارق باهتمام مصطنع: من هم؟..
قالت وعد بسخرية: أصحابي..
قال طارق مبتسما بهدوء: أرسلي سلامي لهم اذا..
وعد التي تطلعت الى طارق وهي تشعر بحيرة من امرها..يا الهي أي شخص هو هذا..منذ قليل كان في قمة البرود..والآن أراه يتحدث بشكل طبيعي ويمزح كذلك..سيصيبني بالجنون بكل تأكيد..إن استمريت بالذهاب معه في أي لقاءات قادمة..
قالت وعد بعد فترة من الصمت وهي تغادر مبنى الوزارة برفقة طارق: هل يمكن ان اسأل سؤالا؟..ام اصمت فربما يكون سخيفا بالنسبة لك..
قال بعدم اهتمام: اسألي..
- هل هناك أي لقاءات قادمة؟..
- لست اعلم..
قالها وصمت..طارق الذي كان يعيش في حيرة تزيد على حيرة وعد أضعافا..ما الذي يدفعني للتجاوب معها..للحديث إليها والمزاح أيضا..إنني استغرب شعوري بالضيق عندما شاهدتها صامتة طوال الوقت وحاولت الحديث اليها..علّي أُحسن الامور بيننا قليلا..
وبغتة شعر بصوت من اعماقه يقول: (استيقظ يا طارق من امامك هي فتاة تدعى وعد..لا (مـايـا )..)
وعاد ليجيب على نفسه قائلا: (ولكنها تشبهها بعفويتها ..بمرحها..وبعصبيتها..انها لا تلبث ان تذكرني بها بين لحظة وأخرى..)

(أستاذ طارق..)
استيقظ طارق من شروده والتفت الى وعد ناطقة العبارة السابقة..وقال: ماذا هناك؟..
قالت مبتسمة: لا شيء ولكنك تجاوزت سيارتك فحسب..
التفت طارق الى ما وراءه ليكتشف صحة ما قالته..وابتسم لا اراديا وتوجه ليصعد سيارته..ولا يزال عقله الباطن يردد ..انها ليست مايا..ليست هي..
تريدون ان تعلموا من هي مايا..وما هي حكايتها مع طارق..ستعلمون ولكن ليس الآن..فقط عندما يقرر طارق ان يعود بالزمن للوراء ويحدثنا عن الماضي قليلا..
***********
وصلت وعد الى مبنى الصحيفة..ولكنها لم توقف سيارتها بالمواقف الخاصة بل فتحت النافذة الجانبية لها..وهتفت منادية طارق الذي غادر سيارته منذ لحظات: استاذ طارق..
التفت لها واقترب من السيارة قليلا فقالت: سأغادر انا الآن..
تساءل قائلا: الا تريدين تعلم كيفية اعداد التقرير للمقابلة الصحفية؟..
قالت بهدوء: مرة اخرى..أنا مستعجلة الآن..فأهلي قلقون على تأخري..
قال طارق ببرود: كما تشائين..مع السلامة..
قالت مبتسمة: اراك بخير..الى اللقاء..
قالتها وانطلقت بالسيارة..لا تستطيع الإنكار ان وسامته لا تزال توترها..كلماته تربكها..نظراته الباردة تسرع نبضات قلبها..ترى ما الذي حدث لي؟..أليس هذا من أفكر بالانتقام منه على ما يفعله بي؟.. اني اشعر بشيء غريب يتسلل الى اعماقي..كلما اتذكره..يا الهي أي شيء يحدث لي..أي شيء؟..
وصلت في تلك اللحظة الى منزل عمها فأوقفت السيارة وهبطت منها..واستدارت لتغلق بابها..وهي لا تزال غارقة في أفكارها..أيعقل ان لوح الثلج هذا قد بات يسيطر على أفكاري..من المستحيل ان اهتم بشخص مثل ذاك..شخص غامض..مغرور..بارد..وبه شيء ما مميز..لا اعلم ما هو..لكني اشعر بأنفاسي المتوترة كلما تذكرته..و...
أحست بغتة بشخص يقف خلفها..وكادت ان تلتفت لولا انه قد وضع يده على كتفها..فشهقت بقوة وهي تلتفت له..وقالت وهي تزفر بحدة وتطلع الى هشام الواقف امامها: لو توقف قلبي يوما..ستكون انت السبب..
قال مبتسما: لا تخشي شيئا..لن يصيبك شيء..
واردف قائلا: والآن..لماذا تأخرت؟..
قالت بضجر: اقسم بأنني قد جئت من الصحيفة مباشرة الى هنا..لم ذهب للتسوق او لزيارة صديقاتي..
واردفت وهي تلتفت له: هشام أأطلب منك شيء؟..
التفت لها متسائلا فقالت: قلل من محاصرتك لي..فإن كنت لا تعلم..فهي تضايقني..والداي لا يفعلان ما تفعله معي..
قال بسخرية: ربما لأنك لست مهمة لديهم..
قالت ساخرة: ان لم اكن انا مهمة لديهم..وانا الفتاة الوحيدة لهم..فمن سيكون..انت؟..
قال مبتسما: ولم لا؟..
قالت وهي ترفع حاجبيها باستخفاف: لان بكل صراحة ..رجل في السادسة والعشرين من عمره..لا يحتاج للرعاية او الاهتمام..
قال ساخرا: وفتاة في الثالثة والعشرين من عمرها يجب عليها ان تكون محط اهتمام الجميع..
رفعت حاجبيها في استخفاف قائلة : الجميع لا المتطفلين..
رفع حاجبيه باستنكار قائلا : من المتطفل ؟؟..
ابتسمت بسخرية قائلة : شخص تراه في المرآة يوميا ..
قال ساخرا : و أنا أسرح شعري..
قالت في سخرية : كلا و أنت تفرش أسنانك ..
مط شفتيه قائلا : سخيفة..
قالت في سرعة : على الأقل لست بحجم السخافة التي لديك..
قال هشام بسخرية لاذعة: حقا..اذا البشرية في خطر..
هتفت بمرح: بالتأكيد..إذا كنت أنت احدهم..
قالتها وانطلقت إلى الداخل..متوجهة الى المطبخ..ولكنها لم تشاهد فرح فقالت مبتسمة: بالتأكيد لن أجدها هنا..أظننت انها ستبقى في المطبخ لثلاث ساعات متواصلة؟..
وسمعت من خلفها صوت هشام يقول لها: فرح بالأعلى ان كنت تريدينها..
قالت وهي تخرج منم المطبخ وتسرع بصعود السلالم: أشكرك يا ايها المتطفل..
قال بسخرية: العفو يا أيتها السخيفة..
توقفت على السلالم للحظة والتفت الى هشام لتقول وهي تخرج له لسانها: سخيف ومتطفل..وتصلح حارسا للسجن..
ابتسم وقال: لم؟..
قالت وهي تكمل صعود السلالم: لأنك لا تكف عن ملاحقتي..وإحكام الحصار علي..صدقني لو قدمت أوراقك المهنية لديهم بالإضافة إلى خبرة عشر سنوات من إحكام لحصار علي..ْ سيتم قبولك على الفور ودون الحاجة لأية شهادة..
وابتعدت عنه الى الطابق الأعلى..فقال وهو يتطلع الى النقطة التي كانت بها منذ لحظات: (احبك..كل خلية في جسدي تشهد بحبك..كل نبضة من نبضات قلبي تهتف باسمك..اخبريني ألا تشعرين؟..أليست لديك مشاعر كباقي البشر لتشعري بكل هذا الحب الكبير الذي احمله لك؟..لم اعد احتمل..أريد ان اصرخ وأقول بدون خوف..أحبك يا حلم حياتي)..
**************
صعد عماد الى سيارته وقال مبتسما: وأخيرا سأعود الى المنزل..
فبعد ساعات من العمل المتواصل بالشركة..ومراقبة مختلف الطلبيات للشركة..حان الوقت أخيرا ليعود الى منزله..انه يشعر بالتعب وبالإرهاق..ويتمنى ان يصل سريعا الى المنزل..ليحصل على حمام دافئ ومن ثم يرمي بجسده المتهالك على الفراش ليستغرق في النوم..يشعر انه بحاجة للنوم لأيام وربما لأسابيع حتى يسترد بعضا من نـ....
استيقظ من شروده اثر الحادث الذي كان بالطريق.. والذي دفعه للانتظار بصف السيارات الطويل..والتفت ليتطلع الى الحادث الحاصل بالطريق..كان الحادث بين سيارتين احداهما رياضية والأخرى اعتيادية..ويبدوا ان الخطأ كان على صاحب السيارة الرياضية..
تقدم صف السيارات قليلا وهذا ما مكنه من مشاهدة رجل المرور..ورجل في الثلاثينيات من عمره تقريبا يقف إلى جواره..بالإضافة إلى..إلى فتاة..إنها ليلى!..من تقف أمامه الآن هي ليلى..انه لا يتخيل..يا لمصادفات هذا القدر!!..
فها قد جمعهما من جديد بعد يومين فحسب من افتراقهما.. ويبدوا إنها هي المخطأة وقد تسببت في الحادث..ليس عليه ان يصمت ويتطلع اليها فحسب دون ان يفعل شيء..على الاقل يعرض مساعدته ومن حقها ان تقبل او ترفض هذه المساعدة..
أوقف سيارته الى جانب الطريق..وهبط منها ليعبر الطريق الى الجهة الأخرى منه..وما ان اقترب منها حتى هتف قائلا: آنسة ليلى..
استغربت ليلى هذا الصوت وظنت انه تشابه بالصوت ليس إلا..ولكن عندما التفتت له تجمدت في مكانها.. ولم تستطع ان تنبس ببنت شفة وهي تشعر بغرابة وجوده معها الآن وفي هذا المكان..
في حين قال هو: هل يمكنني أن أساعد في شيء؟..
قالت بدهشة وكأنها لم تستمع الى عبارته السابقة:سيد عماد..ما الذي جاء بك الى هنا؟..
قال مبتسما: كنت مغادرا الى المنزل وشاهدت هذا الحادث..اخبريني هل يمكنني المساعدة؟..
قالت وهي تهز رأسها نفيا: كلا شكرا لك..
قال متسائلا: ولكن يبدوا انك أنت من تسبب بالحادث ..وبحاجة لمن يستطيع التفاهم مع الشخص الذي صدمت سيارته..
قالت بابتسامة: لا عليك..لدي تأمين على السيارة ..وسيتم إصلاح سيارته على نفقات شركة التأمين..
قال عماد وهو يهز كتفيه: لا بأس ولكن هل تسمحين لي أن أتفاهم معهم حتى ينتهي الأمر..
قالت بارتباك: أشكرك لا داعي..لا أريد إزعاجك وإقحامك معي في مشاكلي..
قال بابتسامة: لا عليك..لن يكون هناك أي إزعاج ..ارتاحي أنت..وسأقوم انا باللازم وأتفاهم معهما..
قالت في سرعة: أشكرك كثيرا ولكن...
قاطعها قائلا: صدقيني يا آنسة ليلى لن يزعجني الأمر..
صمتت باستسلام..ورأته يقترب من شرطي المرور وذلك الرجل الذي صدمت سيارته..ورأته كيف يتحدث اليهما ويحاول ان ينهي الأمر بهدوء..
وارتسمت ابتسامة إعجاب على شفتيها..وهي تشعر بالفخر لأن عماد الى جوارها الآن..على الرغم من ان المشاكل هي التي تجعله يقف الى جوارها..وصحيح ان ما جمعهما الآن هي المصادفة..لكنها تمنت ان تتكرر هذه المصادفات..حتى يتجدد لقاءها به وتراه مرة أخرى...

جنــــون 11-23-2011 01:28 AM

*الجزء العاشر*
(اية مشاعر تلك التي اشعر بها تجاهك؟)

ربما كان ما فعله عماد عاديا..واي شخص في مكانه كان سيفعله لو تعرف على ليلى من قبل..لكن هذه الأخيرة اعتبرت ما قام به عماد كبيرا جدا..وانه جميل لن تنساه له ابدا..وقالت بابتسامة واسعة وهي تراه يلتفت لها: اشكرك جزيل الشكر يا سيد عماد على ما قمت به لأجلي..لن أنسى جميلك هذا ابدا..
قال عماد بابتسامة شاحبة اثر تعبه: عن أي جميل تتحدثين؟..لم افعل غير الواجب..وما يمليه علي ضميري..
قالت وهي تتطلع إليه: أتعبتك معي كثيرا..
- أبدا..لقد سعدت بمساعدتك..
وأردف قائلا: ألا تحتاجين لأي مساعدة اخرى؟..
هزت رأسها وقالت: كلا شكرا جزيلا لك..
ابتسم وقال: العفو يا آنسة..
قالها ومضى في طريقه الى حيث سيارته..وما ا دلف اليها..حتى زفر بقوة..وهو يسند رأسه الى مسند المقعد..شعر بحبيبات العرق تتصبب على جبينه.. وبإرهاقه يتضاعف..ترى هل سيتمكن من القيادة الى المنزل؟..يتمنى هذا..
قاد سيارته بهدوء في شوارع المدينة..حتى لمح المنزل يتراءى له من بعيد..فزفر بحدة وهو يقترب من المنزل أكثر..واخيرا يوقف سيارته الى جواره..ليهبط من السيارة ويتوجه اليه..ودون ان ينبس ببنت شفة..او حتى يلتفت ليرى ان كان أحد موجود بالردهة صعد الى الطابق الأعلى متوجها الى غرفته..وما ان وصل اليها حتى القى بجسده على الفراش بتعب..
وارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيه أمحت آثار التعب الذي كانت مرتسمة على ملامحه منذ لحظات..وهمس لنفسه قائلا: (لا اعلم ماذا يحدث لي؟..ولكني اشعر انني منجذباً اليك بالرغم مني..ترى هل هو اعجاب..ام ميل..ام هو الحب يا ترى؟..)
************
رنين مستمر..أزعج وعد..وجعلها تفيق من نومها بالرغم منها..والتفت الى جوارها لتغلق المنبه وتصمت رنينه المزعج..وتنهض من فراشها..توجهت في سرعة الى دورة المياه..لتغسل وجهها وتستعد للذهاب للصحيفة..وليوم عمل جديد..
ولم تمضِ نصف ساعة حتى كانت وعد قد جهزت تقريبا..بعد ان ارتدت بنطال ازرق من نوع (الجينز) ..وقميص ازرق فاتح بأكمام طويلة..ارتدت فوقه سترة طويلة تصل الى ما فوق الركبة من غير أكمام زرقاء ومن نوع الجينز ايضا..
كانت تبدوا بسيطة بهذه الملابس وانيقة في الوقت ذاته..ملابسها جعلتها تبدوا بمظهر ناعم وهادئ..
وأسرعت لتختطف حقيبتها وتخرج من الغرفة نحو الطابق الأسفل..وما ان وصلت نحو طاولة الطعام التي كانت بإحدى زوايا الردهة حتى قالت: ابي..امي..سأغادر الآن..مع السلامة..
هتف بها والدها: تعالي يا وعد قليلا ارغب في الحديث معك..
توجهت الى والدها وقالت متسائلة: ماذا هناك يا ابي؟..
قال والدها بهدوء: اشربي كأس من العصير قبل ان تخرجي..
ابتسمت وعد وقالت: اظن ان الدعوة للطعام هي من اختصاص امي..
أمسك والدها باذنها مداعبا وقال مبتسما: من اختصاص امك او من اختصاصي لا فرق..اهم شيء ان تتناولي شيئا قبل خروجك..
ضحكت وعد وقالت: حسنا يا ابي سأفعل..ولكن اترك اذني اولا..
قال وهو يترك اذنها ويشير بيده نحو المقعد: هيا اجلسي..
جلست في سرعة وقالت: لقد جلست لأجلك فقط..ولكن علي الإسراع فأخشى ان أتأخر..
وأسرعت بتناول بعض قطع البسكويت..وشُرب كأس العصير ومن ثم قالت وهي تنهض من مقعدها: والآن انا ذاهبة..أتريدان شيء قبل ان اخرج؟..
قالت والدتها بهدوء: سلامتك..فقط قودي بتمهل..
قالت وعد بمرح: لن اصل الى الصحيفة إلا بعد ساعتين اذا..
واردفت وهي تتوجه نحو الباب الرئيسي: مع السلامة..
ولم تلبث ان غادرت المنزل وانطلقت بسيارتها متوجهة الى الصحيفة..وهناك أوقفت سيارتها الرياضية الحمراء بأحد المواقف..وغادرتها متوجهة نحو مبنى الصحيفة..وابتسمت بهدوء وهي تتذكر اول مرة دلفت فيها الى هذا المبنى.. وحتى عندما صعدت بالمصعد نحو الطابق الثالث تذكرت اصطدامها بتلك السيدة عندما كادت ان تخرج منه..يا الهي هل الأيام تمضي سريعا هكذا؟..وهل هذا اليوم هو اليوم السابع لي بالصحيفة؟..اشعر وكأن شيئا لم يتغير وان...
قطعت حبل أفكارها اثر وصولها الى جوار قسم الصفحة الرئيسية ودلفت اليه وهي تقول بابتسامة واسعة: صباح الخير جميعا..
لم تنتظر سماع رد لتحيتها..وكانت عيناها تتطلعان الى مكتب ما..مكتب يجاور مكتبها تقريبا..وما ان فعلت حتى اختفت ابتسامتها من على وجهها..فقد كان مكتب طارق فارغا..يبدوا وانه خرج من القسم..لا تعلم لم شعرت بالضيق من كونه غير موجود بالمكتب..اعتادت وجوده يوميا كلما جاءت صباحا..ولكن حقا لم تشعر بالضيق؟..ما دخلها هي؟..
أكملت طريقها الى حيث مكتبها حتى لا يشعر أحد بضيقها..وطارق لا يزال محور تفكيرها..لم تشعر بالضيق لعدم وجوده؟..لم تتلهف أحيانا لرؤيته؟..يالها من بلهاء..لم تفكر به وهو الى الآن لم يبادلها الا بضع كلمات داخل نطاق العمل..لقد استحوذ على تفكيرها منذ اليوم الأول..ربما لغموضه..او لبروده المضاعف..او ربما لأنها..لأنها...
(آنسة وعد..)
التفتت الى صاحبة الصوت ناطقة العبارة السابقة وقالت: أجل..ما الأمر يا أستاذة نادية؟..
قالت نادية بهدوء:رئيس التحرير يطلبك..
قالت وعد بدهشة: أنا؟..
اكتفت نادية بهز رأسها ايجابيا..فقالت وعد وهي تنهض من خلف مقعدها: سأذهب لأرى ما يريد اذا..
وغادرت القسم لتسير بالممرات وعندما وصلت الى مكتب رئيس التحرير..توجهت الى مكتب السكرتيرة اولا وقالت: من فضلك؟..أنا الصحفية وعد عادل..ورئيس التحرير أرسل بطلبي..هل استطيع الدخول؟..
قالت السكرتيرة وهي تنهض من خلف مكتبها: اجل..فقد طلب مني ان أدخلك على الفور اذا حضرت..
وتوجهت لتفتح لها باب المكتب..واستغربت وعد الارسال في طلبها من رئيس التحرير..وثانيا ادخاله لها على الفور وكأن الأمر مستعجل ويحتاجها..و...
انقطع حبل أفكارها..لا لشيء..ولكن لأن طارق كان يقف أمامها..في مكتب رئيس التحرير أيضا..وبعد ان كانت تسير بخطوات واثقة..باتت تسير بخطوات بطيئة ومضطربة بعض الشيء..وقالت عندما وصلت الى حيث مكتب رئيس التحرير..وهذا الأخير يجلس خلفه: هل ارسلت في طلبي يا سيد نادر؟..
تطلع اليها رئيس التحرير ومن ثم قال سريعا: في الحقيقة لقد كنت أفكر بإرسالكما لعمل تقرير عن مؤتمر سياسي..ولكن حدثت ظروف دفعتني لتغيير هذا القرار..وإرسالكما لعمل تقرير عن حادث مروري..
قالت وعد متسائلة: واين وقع هذا الحادث؟..
تطلع اليها رئيس التحرير بحزم على مقاطعته وقال: لم انهِ كلامي بعد..
واردف قائلا: لقد وقع الحادث بالشارع الثاني في المنطقة الخامسة..أريدكما ان تسرعا في عمل التقرير قبل ان تسبقنا أي صحيفة اخرى..
أومأ طارق برأسه ايجابيا وقال : هل من أمر آخر يا سيدي؟..
قال رئيس التحرير في سرعة: كلا يمكنكما المغادرة..
التفت طارق الى وعد وقال ببرود: هيا بنا اذا يا آنسة وعد..
قالها ومضى في طريقه نحو باب المكتب ووعد تتبعه بخطوات سريعة محاولة اللحاق بخطواته الواسعة..وما ان صعدا المصعد وضغط على زر الطابق الارضي حتى قال طارق: هل أحضرت الكاميرا؟..
هزت وعد رأسها نفيا وقالت: كلا..
قال طارق وهو يشير بأصبعه: اذا هذا هو الخطأ الأول لك..
عقدت حاجبيها وقالت محاولة الدفاع عن نفسها: اولا.. لم اكن اعلم السبب الذي دعا المدير للارسال في طلبي..وثانيا انت لم تمنحني الفرصة للعودة..
قال طارق وهو يلتفت عنها: كان بإمكانك ان تطلبي مني التوقف..انا لم أجبرك على اللحاق بي..
ازداد انعقاد حاجبي وعد..ايتعمد استفزازها أم ماذا؟..وقالت ببرود مماثل لبروده: سأقوم بالتصوير بواسطة هاتفي..لا مشكلة..
لم يعلق طارق على عبارتها ووصل المصعد في تلك اللحظة إلى الطابق الأرضي..فخرجت منه وعد اولا وهي تشعر بالسخط من تصرفاته..لن يتغير..مهما ظنت انه قد غير طريقة تعامله معها يعود الى بروده..والى استفزازه لها..تشعر احيانا برغبة بداخلها تدفعها الى الرد عليه..والصراخ في وجهه حتى يتوقف عند بروده الذي يكاد يحطم أعصابها..أو حتى....
(آنسة وعد أسرعي..سنذهب بسيارتي)
قالها طارق بحزم وبلهجة من لا تقبل النقاش..ولكن وعد قالت باستنكار: سأذهب بسيارتي فلا أريد ان...
قاطعها طارق قائلا بحزم: ليس لدي الوقت الكافي لتضييعه معك..استمعي الي..ان الطرق مزدحمة هناك ولن تتمكني من اللحاق بي..
رفعت وعد حاجبيها للحظة ومن ثم عادت لتخفضهما..لم تعلم لم وجدت نفسها تتقدم من سيارته وتدلف اليها..ربما لصدق ما قاله..او ربما لأنها أحست ان ليس هناك أي داع للاعتراض..فهي ستذهب معه في مهمة خاصة بالعمل..
وطوال الطريق لم يتبادلا كلمة واحدة ..كان طارق صامت ومنشغل بالقيادة..اما وعد فكانت تتطلع من النافذة بشرود..وما ان اوقف طارق السيارة حتى قال: المكان مزدحم جدا..حاولي ان تتبعيني..
التفتت لتتطلع الى جماعات الناس التي تجمعت حول الحادث وشرطة المرور تحاول منعها بشتى الطرق..وأسرعت بالنزول من السيارة.. لترى طارق قد أسرع باتجاه الازدحام..فأسرعت بدورها خلفه..
اقتحم طارق جماعات الناس بمهارة يثبت بذلك انه اعتاد على مثل هذه الامور..ولكن ماذا عن وعد التي وُضعت في هذا الموقف للمرة الأولى..كانت تحاول اقتحام افواج الناس من دون فائدة..وتطلعت الى طارق الذي اكمل طريقه دون ان يلتفت لها حتى..
وقال طارق عندما وصل عند احد شرطة المرور وهو يخرج بطاقته المهنية من جيبه: من فضلك؟..انا صحفي وارغب بتصوير الحادث..اسمح لي بالمرور..
تطلع شرطي المرور الى بطاقته ثم قال بسرعة: أسرع..قبل ان يدلف خلفك احد من الناس..
التفت طارق الى الخلف وقال: هيا بنا يا....
بتر عبارته وعقد حاجبيه بغرابة..وعد ليست خلفه..لم تتمكن من اقتحام جماعات الناس..وقال وهو يلتفت لشرطي المرور مرة اخرى: سأذهب لأرى زميلتي واعود..لحظة واحدة..
لم يهتم شرطي المرور بالإجابة على عبارته..او التعليق عليها..في حين عاد طارق أدراجه باحثا عن وعد..تلفت حوله مرارا اين هي؟..لهذا يكره ان يكون معه شخص ما..لكي لا يقع في مثل هذا الموقف؟..وهتف اخيرا بصوت عالٍ: آنسة وعد..هل تسمعيني؟..وعد..
شاهدها اخيرا وهي تحاول المرور بين جماعات الناس دونما فائدة..فتوجه اليها وقال: هيا اسرعي ..حاولي المرور..
قالت وهي تزفر بحدة: لا استطيع..
عقد حاجبيه..ثم لم يلبث ان عاد ادراجه قليلا..ليمسك بمعصم وعد ويخرجها من بين جماعات الناس بسرعة..وقال: يجب عليك ان تعتادي مثل هذه الامور..فمستقبلا ستكونين وحدك..
قالت وهي تحاول اللحاق به: وعليك انت ايضا ان لا تمضي في طريقك دون ان تتأكد من وصول من يرافقك ايضا.. فستوضع في هذا الموقف مستقبلا..
قال طارق بسخرية وهما يخرجان اخيرا من بين صفوف الناس: اشكر لك نصيحتك..
قالت وعد وهي تلهث: على العموم..شكرا لك..
التفت طارق عنها دون ان يعلق على عبارتها..وتحدث الى شرطي المرور الذي سمح له بالمرور مع وعد..وبالنسبة لوعد فقد كان هذا اليوم حافلا.. ومرهقا.. و... مميزا...
************
ابتسمت وعد بسعادة وهي تتطلع الى الصور التي التقطوها للحادث وقالت: انها صور مميزة جدا..ونادرة ايضا..لن يتمكن أي صحفي من التقاط مثل هذه الصور التي تعطي صورة مكتملة عن المكان..
قال طارق بهدوء: هل قمت بسؤال احد من اللذين شاهدوا الحادث؟..
أومأت وعد برأسها ايجابيا وقالت: بلى فعلت..وماذا عنك هل قمت بسؤال شرطة المرور؟..
لم يعلق على عبارتها بل قال مغيرا دفة الحديث: فلنعد إذاً..
هزت وعد كتفيها بلامبالاة وتبعته الى حيث السيارة.. وقالت محاولة تلطيف الجو قليلا:انتبه للطريق والا لن يكون حالنا افضل من حال ذلك الحادث..
التفت لها طارق وقال: أتظنين انها السنة الأولى التي اقود فيها؟..
قالت وعد بحنق: لم اعني شيئا..كنت أريد تلطيف الجو بعد هذا العمل الشاق..
مضى طارق في طريقه مبتعدا..ووعد تشعر بأنها ستنفجر في وجهه في اية لحظة.. مغرور ..بارد ..تافه .. كلما تقضي فترة أطول معه كلما تشعر بالاستياء والغضب من تصرفاته..لا تراه يستفز أحد سواها ببروده هذا..او ربما هي الوحيدة التي تشعر بالغضب من تجاهله..اما البقية فقد اعتادوا عليه..
دلفت وعد إلى السيارة بصمت..وانطلق طارق بالسيارة عابراً شوارع المدينة..وقال وهو يختلس النظر إليها: ستتعلمين كيفية اعداد التقارير هذا اليوم..
قالت ببرود متعمد: وأنت من سيقوم بتعليمي؟..
رفع طارق أحد حاجبيه وقال: أجل أنا..ألست أهلا لذلك؟..
قالت وعد وهي تزدرد لعابها: لم أقل ذلك ولكنك هادئ أكثر من اللزوم..بمعنى آخر بارد في تصرفاتك معي..هل لي ان اعلم السبب؟..
صمت طارق لدقيقة كاملة حتى ان وعد ظنت انه لن يجيب على استفسارها..ولكنها سمعته يقول بعد فترة: أنا هكذا مع الجميع..ولست معك فقط..
قالت وعد وهي تلتفت اليه: اعلم..ولكن تصرفاتك.. وكتاباتك لا تبدوا متطابقة..بمعنى ادق كتاباتك لابد ان تعكس شخصيتك..وأنا ارى كتاباتك مختلفة تماما..وهذا يعني انه ربما يكون برودك هذا مجرد قناع تخفي به طبيعتك الحقيقية..
شعر طارق بالإعجاب أكثر منه اندهاش..كلماتها كانت لها الأثر الكبير في نفسه..وخصوصا وهي تلمس شيئا من الحقيقة التي يحاول إخفاءها..لقد تمكنت من ان تفهمه وان تفهم ما لم يفهمه الجميع طوال هذه السنوات..من هي هذه الفتاة؟..تبدوا مرحة..هادئة..جريئة وذكية..و...
التفت لها ..وقال وهو يتطلع اليها: لن أتمكن من إجابة مثل هذا السؤال.. اعذريني..
همت بأن تقول شيء ما ولكنها وجدته يردف: ليس في الوقت الحالي على الأقل..
ابتسمت وعد في قرارة نفسها..هذا يعني انه سيجيبها على مالديها من اسألة..لا يهم متى..المهم ..انه سيجيبها يوما ما..تتمنى أحيانا لو تستطيع سبر أغواره..وقراءة ما يخفيه في اعماقه..أحيانا تشعر بأنه كالبحر في غموضه..وهدوء أمواجه..وأحيانا اخرى تشعر انه كالريح العاتية التي تستطيع ان تزيح كل ما أمامها..وخصوصا عندما يغضب..
وصلا في تلك اللحظة الى مبنى الصحيفة..فهبطا من السيارة وتوجها الى المبنى..ومن ثم إلى القسم الذي يعملان به..وما ان وصل الى داخل القسم حتى قال في سرعة:أسرعي بإعداد المسجل..والأشرطة..سنستخدمها في إعداد التقرير..
قالت وهي تدخل الى القسم: فليكن..هل من شيء آخر؟..
هز طارق رأسه نفيا وقال: كلا..
أعدت الأشرطة بالمسجل وقامت بتشغيله..وأخذ طارق يستمع اليه بانتباه واهتمام..ويسجل المعلومات الأساسية والمهمة فقط..التي ستفيده في تقريره..ثم لم يلبث أن أغلق جهاز التسجيل وقال في سرعة: الآخر..
أومأت وعد برأسها وهي تناوله الشريط الآخر فقال وهو يضعه بداخل جهاز التسجيل: شكرا..
ابتسمت وعد بسرور..انه يبدوا مهذبا..لم تعتد ان يشكرها على أي شيء تقوم به...ولكن هاهو ذا يفعل الآن..انه شاب غريب لن تفهمه أبداً..واستيقظت من شرودها على صوت طارق وهو يقول: والآن عليك ان تختاري الجمل المناسبة لوضع هذه المعلومات فيها ..فمثلا ..وقت الحادث ..يمكنك ان تضعيه في جملة تشمل الوقت والمكان معا..هل فهمت ما أقوله؟..
قالت مبتسمة: بالتأكيد..
قال مستطردا وكأنه لم يسمع إجابتها: وأريد أن يكون مفهوما..غير معقد..ومختصرا..ويحتوي في الوقت ذاته على كل ما يهم..
قالت وعد وهي تتنهد: حسنا فهمت..هل أستطيع العمل الآن؟..
قال طارق بهدوء: تستطيعين.. واستخدمي هذه المعلومات التي قمت بتدوينها في هذه الورقة..
قالها وسلمها الورقة..وكادت ان تبتعد الى حيث مكتبها لكنها سمعته يقول مناديا باسمها: وعد...
تسمرت قدما وعد بالمكان..انه يقول اسمها مجردا من أي القاب..لم؟..ومن ثم لماذا هتف بي مناديا؟..ولماذا نبضات قلبي تسارعت؟..يا الهي أي شعور ينتابني كلما اسمع صوتك..
والتفتت اليه..وهنا فقط التقت نظاراتهما..وأحس كلاهما بشيء غريب يجذبه نحو الآخر..أحست وعد بغموض عينه وسحرهما والدفء الذي تراهما فيها..وشعر طارق بجمال عينيها ومرحها وحنانها..أحس في هذه اللحظة بشيء غريب يتسلل الى أعماقه..
وظلا صامتين ..وكلاهما يكتفي بلغة العيون التي دار بينها حوار طويل..وأفسد هذه اللحظة التفات طارق عنها وقال بصوت مرتبك بعض الشيء: اعتذر ان كنت قد أحرجتك ذات يوم..
أذناها لا تصدقان ما تسمعان..طارق يعتذر لها..لقد بت اشعر بالحيرة لا بل بالذهول..لم اعد أدرك..من انت حقا؟..إنسان بارد جامد المشاعر..أم انسان هادئ ومهذب..أم انسان متفائل وسعيد..عيناك تحملان شجنا عجيبا لم المحهما في عيني أي شخص آخر..
وقالت بعد وهلة من الصمت: لا بأس..لم يحدث شيء..
قالتها وانطلقت الى مكتبها مسرعة..قبل ان يكشفها توترها..ونبضات قلبها..التي باتت تخشى ان كانت مسموعة لدى الجميع الآن..وبدون ان تشعر تمتمت متحدثة الى نفسها وهي تطلع اليه بين لحظة وأخرى: ( اعترف بأنك قد بت جزءاً لا يتجزأ في حياتي..وانك أصبحت شخصا مهما فيها)..
*************
توجه هشام بخطوات مترددة الى غرفة فرح وطرق بابها قائلا: فرح..هل يمكنني الدخول؟..
قالت فرح وهي تفتح باب الغرفة له: بالتأكيد..ماذا هناك؟..
قال هشام مبتسما: جئت للسؤال عن أحوالك؟..
قالت فرح مبتسمة: ليس من عادتك ذلك..على العموم..انا بخير..هل من أسألة أخرى؟..
قال هشام وهو يومئ برأسه: بلى..وما أخبار الجامعة معك؟..
قالت فرح وهي تطلع اليه بملل: هشام اختصر الطريق..وقل ما جئت لتقوله..لا داعي لكل هذه المقدمات..
صمت هشام لفترة ومن ثم قال: حسنا سأقول..لكن من دون سخرية او استهزاء..
قالت فرح بمكر: لقد سخرت مني دوما..ومن حقي الآن الانتقام..
قال هشام بجدية: بصراحة يا فرح..أنا..أنا..
قالت فرح مستحثة هشام على الحديث: أنت ماذا؟..
قال وهو يشيح بوجهه: بصراحة..انا أحب وعد..
وعاد ليلتفت لها ليعرف ردة فعلها على ما قاله..ووجدها تقول مصطنعة اللامبالاة: حسنا..هذا خبر قديم..هل لديك شيء جديد؟..
تطلع اليها هشام وقال: أنا لا أمزح..أنا احبها وأتمناها زوجة لي..فما رأيك؟..
قالت فرح مبتسمة: ان اردت رأيي وعد فتاة رائعة..يتمناها أي شاب..
قال هشام وهو يزدرد لعابه: أعلم ولكن ليس هذا هو بيت القصيد..أريد ان أعلم هل يوجد شخص ما في حياتها؟..
قالت فرح وهي تهز كتفيها: بصراحة لا أعلم..ولكن أشياء كهذه لا أظن أنها تفكر بها في الوقت الحالي..
قال هشام باهتمام: متأكدة؟..
أومأت فرح برأسها بهدوء..فصمت هشام وهو يفكر..هذا يعني انها لا تهتم لأمره هو كذلك..هو ليس فارس الأحلام الذي تفكر فيه..ولكن من يدري ربما وعد لا تتحدث عن هذه الأمور امام فرح..وربما تفضل اخفاء مشاعرها..يا ترى هل يمنح نفسه أملا لا أساس له..ام انه يعيش نفسه في حلم قد يتحقق يوما ما..
وقال وهو يميل الى فرح: هل اطلب منك طلبا؟..
مطت فرح شفتيها وقالت: ماذا؟..
قال بابتسامة هادئة: هل تعرفين لي ان كانت تفكر في شاب ما ام لا؟..
قالت فرح باستنكار: هل جننت؟..تريدني ان اسألها ان كانت تفكر في ....
قاطعها قائلا: لم اقل اسأليها..بل قلت اعرفي لي..اي حاولي جرها في الحديث..او معرفة ما تخفيه..
- وما الذي ستستفيده؟..
- أريد ان اعرف ان كانت تفكر في شاب ما اولاً قبل ان...
صمت لفترة ومن ثم قال بحزم واصرار: قبل ان اعترف لها بمشاعري..
وابتسمت فرح بخوف ..فما تخفيه وعد بداخلها..قد يهد جبال الامل الذي يعيش عليها هشام الآن..

جنــــون 11-23-2011 01:28 AM

*الجزء الحادي عشر*
(من سينتصر في حرب الأعصاب هذه؟)



تحدث عماد الذي كان يجلس بالمكتب الى عمر عبر الهاتف وقال: حسنا يا عمر لقد فهمت..سآتي لأخذك بعد انتهاء موعد العمل ولكن لا تفعل مثل المرة السابقة وتطلب مني المجيء قبل ساعة من انتهاء عملك..
قال عمر بابتسامة: لا تقلق لن افعل..
- فليكن إذاً أراك بخير..إلى اللقاء..
وما إن أغلق الهاتف حتى تنهد وهو يسند رأسه الى مسند المقعد..تلك الفتاة ليلى..لا تكاد تفارق ذهنه..كلما خلى بنفسه قليلا او شرد ظهرت صورتها امام عينيه..وسمع صوتها يرن في اذنيه..لها تأثير غريب عليه ..على الرغم من انه لم يرها الا صدفة..ولا يعرفها جيدا..يا ترى هل هذا هو الحب؟..
قطع سكونه صوت طرقات على باب المكتب..فقال وهو يعتدل في جلسته: ادخل..
دلفت السكرتيرة الى المكتب وقالت وهي تقدم له عدد من الملفات: هذه عدد من الطلبات للوظيفة الجديدة..
قال عماد بهدوء: حسنا..يمكنك الانصراف..
وما ان غادرت السكرتيرة المكتب حتى تصفح الملفات التي بين يديه باهتمام..تقريبا جميع من قدموا للوظيفة مناسبون لها..نظرا لمطابقتهم لمواصفات الوظيفة..ولكن عليه اولا ان يلتقي بهم ويحدد من بينهم من....
اتسعت عينا عماد بغتة وهو يتطلع الى الملف الأخير..ازدرد لعابه في توتر وهو يتطلع الى صورة مقدم الطلب او مقدمة الطلب على وجه التحديد..يا الهي أي صدف غريبة وعجيبة تجمعنا..انها ليلى إحدى مقدمين الطلب لهذه الوظيفة..يا لعجائب القدر!!..
تطلع الى ملفها باهتمام وهو يقرأ كل ما احتواه بدقة..التهم سطور الملف وهو يتمنى ان تكون هي احدى الموظفات بالشركة..فهذا سيسمح له ان يراها يوميا و...
هل حقا هو يتلهف الى رؤيتها الى هذه الدرجة؟..ولكن لحظة.. عليه ان يقابل جميع مقدمي الطلب للوظيفة حتى يكون عادلا بقبول الموظف فربما يكون هناك من هو افضل منها في الخبرة او الصفات للوظيفة..
ضغط على زر الاتصال الذي بينه وبين مكتب السكرتيرة وقال:فلتحضري الى المكتب للحظة يا آنسة؟..
قالت السكرتيرة عبر جهاز الاتصال: حاضر..
طرقت السكرتيرة باب المكتب قبل ان تدلف الى داخل المكتب وتتقدم من عماد الذي سلمها أربع ملفات وقال بهدوء: اتصلي بهؤلاء من اجل المقابلة الشخصية للوظيفة..
استلمت السكرتيرة منه الملفات وقالت: هل تأمرني بشيء آخر يا سيدي؟..
- كلا يمكنك الانصراف..
وما ان غادرت السكرتيرة حتى عاد عماد ليغرق في بحر الأحلام...
************
ما إن دلفت وعد إلى القسم في ذلك اليوم حتى قالت: صباح الخير جميعا..أين صحيفة اليوم؟..
ابتسم احمد وقال وهو يلوح لها بالصحيفة: هاهي.. وموضوعك مع طارق بالصفحة الأولى بكل تأكيد..
اختطفت الجريدة في سرعة وهي تتطلع الى الصورتين التي تم اختيارهما للحادث..والتقرير الذي كان مشتركا بينها وبين الأستاذ طارق..وقالت مبتسمة بسعادة: اشعر بالفخر لأنني أرى موضوعا كتبته بالصفحة الاولى..
والتفتت لترى طارق الذي كان يتطلع الى ذات الموضوع بالصحيفة وقالت بابتسامة: ما رأيك يا أستاذ طارق؟..انه أمر رائع أليس كذلك؟..
رفع طارق اليها عينيه وقال: وما الرائع بالأمر؟..انت تعملين بقسم الصفحة الرئيسية ولابد ان ينشر موضوعك بالصفحة الاولى..
تلاشت ابتسامتها من على شفتيها..وتحولت سعادتها التي كانت تشعر بها منذ لحظة إلى حنق..وقررت في هذه المرة أن لا تصمت على ما يفعله فقالت: اعلم انني اعمل بالصفحة الرئيسية لم انس ذلك بعد..ولكني شعرت بالسعادة لنشر الموضوع..معذرة ان كنت قد طلبت رأيك منذ البداية..
شعر احمد بتوتر الجو بينهما فقال محاولا تغيير دفة الحديث: من التقط هذه الصور؟..تبدوا جيدة جدا..
التفتت له وعد وقالت: لقد التقطت الأولى..اما الأستاذ فقد التقط الأخرى..
- أتعلمين كلاهما جيد..انت موهوبة يا آنسة وعد..
قالت وعد بابتسامة باهتة: أشكرك..
قالتها وجلست خلف مكتبها..لن تهتم لأمره بعد الآن..لن تهتم لما يقوله ستتجاهله تماما..كما يفعل هو معها..ان حاول ان يستخف بها ستدافع عن نفسها ولن تصمت..لقد ملت ما يفعله..عليها ان تنتصر في حرب الأعصاب هذه..فبدلا من ان يستفزها ستستفزه هي..وإذا حاول الاستخفاف بها ستفعل المثل..
التقطت إحدى الأوراق وأمسكت بالقلم لتخط عليه فكرة لموضوع جالت بذهنها..وبينما هي كذلك ومنشغلة بالكتابة سمعت صوت رنين هاتفها المحمول ..ولتغيظ طارق قررت الإجابة عليه في القسم متعمدة استفزازه..وقالت ما ان سمعت اجابة الطرف الآخر: اهلا فرح كيف حالك؟..
قالت فرح مبتسمة: بخير وأنت؟..
- على ما يرام..
قالت فرح مباشرة: بصراحة أود الحديث إليك..متى تنتهين من عملك؟..
- الساعة الثانية..
- حسنا ما رأيك ان يأتي هشام لأخذنا جميعا لنجلس في مكان هادئ..كالمطعم مثلا..
ابتسمت وعد وقالت: هشام مرة أخرى الا يكفيك شجار تلك المرة تريدين ان لا نتحدث ابدا..
قالت فرح بابتسامة باهتة: اسمعي ..لا تهتمي لعصبيته ولا تقابليها بالمثل..وعندها لن تتشاجرا..
قالت وعد وهي ترفع حاجبيها: اجل.. اتركه اذا ليسخر مني كيفما يشاء واصمت..
- وعد أرجوك..من اجلي..
- حسنا..من أجلك فقط..
قالت فرح بابتسامة واسعة: أشكرك..نلتقي على الساعة الثانية..إلى اللقاء..
قالت وعد بهدوء: الى اللقاء..
قالتها وأغلقت الهاتف..ولم تلبث ان التفتت الى طارق وتطلعت اليه بنظرة تحدي قبل ان تكمل كتابة موضوعها..وبالنسبة لطارق فقد أثارت نظرتها استغرابه وعلم ان ما يفعله معها هو خاطئ الى ابعد الحدود..وعليه إصلاح ما افسد..
**********
زفرت ليلى بحرارة وهي تجلس على أحد المقاعد المواجهة لمكتب السكرتيرة..لقد قدمت لتقديم طلب الوظيفة وهي تتمنى ان يتم قبولها..ولكن يبدوا ان فرصتها قد تراجعت فهاهم ثلاثة غيرها وربما يكونون افضل منها قد قدموا للوظيفة نفسها..
والتفتت للسكرتيرة لتسألها للمرة الثانية: متى سيحين دوري للمقابلة..؟
قالت السكرتيرة بهدوء: بعد الآنسة التي دخلت منذ قليل..
شعرت ليلى بالتوتر لم يبق شيء إذاً..ستدخل للمدير بعد قليل..وأكثر ما يخيفها ان تفشل فيها..التقطت نفسا عميقا وهي تحاول تمالك نفسها وإخفاء توترها..وسمعت صوت السكرتيرة تقول بصوت هادئ وهي تشير نحو باب مكتب المدير: دورك يا آنسة ليلى..
ازدردت ليلى لعابها وهي تنهض من على المقعد لتتوجه الى باب المكتب وتطرقه عدة طرقات قبل ان تدلف الى الداخل..وسارت بخطوات هادئة حتى المكتب وقالت بهدوء: صباح الخيـ...
لم تتمكن ليلى من اتمام جملتها..فقد اتسعت عيناها بدهشة وهي تتطلع الى الشخص الجالس خلف مكتب المدير وسمعته يقول بهدوء: صباح النور..تفضلي..
تمتمت ليلى بدهشة: مستحيل..اي صدف هذه؟..
قال مبتسما: اجلسي اولا وبعدها نتحدث..
جلست على المقعد والدهشة لا تكاد تفارقها..انها المرة الرابعة التي تلتقي به..وبالصدفة ايضا..لقد جاءت لتقديم اوراقها هنا دون ان تعلم ان كان يعمل موظفا هنا ام لا..وهو..هل قام بالموافقة على عمل لقاء معه من اجل الوظيفة لانه يعرفها والتقى بها مرارا ام لخبرتها و...
(ماذا تريدين ان تشربي؟)
قاطعها صوت عماد من افكارها فقالت وهي تلتفت له: لا اريد..شكرا لك..
- سأطلب عصير ليمون لتهدئي أعصابك قليلا..فتبدين متوترة..
قالها وضغط على زر الاتصال قائلا: احضري كأس عصير ليمون..
أجابته السكرتيرة قائلة: حاضر..
اغلق عماد جهاز الاتصال وقال: انا ايضا دُهشت عندما وجدت ملف طلب الوظيفة الخاص بك..
قالت ليلى متسائلة: وهل قمت بالموافقة على عمل لقاء معي لانك تعرفني من قبل ام....
قاطعها قائلا: قد أساعدك لأني أعرفك ولكن ابدا لن أقوم بالموافقة على عمل لقاء معك اذا كنت لا تصلحين للوظيفة..بمعنى أدق أنا لا أجامل أحدا او أقوم بعمل الوساطة لهم..
قالت بابتسامة متوترة: ولكن امر غريب فعلا ان تجمعني كل هذه الصدف بك..
قال عماد مبتسما: ربما هذا ما يريده لنا قدرنا ان نلتقي دائما..حتى وان كان عن طريق المصادفة..
همت بأن تقول شيء ما..لكن طرق الباب جعلها تتراجع عن ذلك..ووجدت السكرتيرة تتقدم منها وتضع كأس العصير على الطاولة الصغيرة المواجهة لها..ومن ثم تقول لعماد: هل تأمر بشيء آخر يا سيدي؟..
اجابها عماد: كلا شكرا لك..
اومأت السكرتيرة برأسها ومن ثم غادرت المكتب ..فالتقطت ليلى كأس العصير لترتشف منه قليلا ثم تعيده الى مكانه..فقال عماد متسائلا: هل ابدأ الآن بطرح الأسألة؟..
أومأت ليلى برأسها ..فقال عماد متسائلاً: لماذا تقدمت لطلب هذه الوظيفة؟..
صمتت ليلى للحظات ومن ثم قالت: بصراحة لقد وجدت ان هذه الوظيفة تناسب ميولي وخبراتي..وكذلك وجدت ان الصفات المطلوبة في مقدم الطلب موجودة لدي.. والراتب الذي تقدمه الشركة جيد جدا كذلك..
- حسنا وما الخبرات المتوافرة لديك؟..
أجابته ليلى بهدوء..واستمر اللقاء الشخصي حوالي نصف الساعة وبعدها قال عماد منهيا اللقاء: حسنا يا آنسة ليلى سعدت بالحديث معك..وأتمنى ان تكون الوظيفة من نصيبك..احضري بالغد للامتحان النظري..
قالت ليلى مبتسمة: وأنا كذلك أتمنى المثل..عن اذنك..
قالتها ونهضت من مقعدها ..فقال هو: سنتصل بك بعد الامتحان النظري لتعلمي ان تم قبولك ام لا..
أومأت برأسها وهي تبتسم ابتسامتها الجذابة..قبل ان تغادر مكتب عماد بخطوات هادئة..وهي لا تعلم الى الآن ان عماد هو ابن صاحب الشركة..
وبالنسبة لعماد فقد شعر بسعادة غريبة تسري في جسده ..يشعر ان هذه الفتاة قد باتت مسيطرة على كيانه..انها تحتلف عن أي فتاة شاهدها من قبل .. وقال بابتسامة حالمة وهو يتحدث الى نفسه: (يا لها من فتاة..رائعة)..
**********
استراحة لمدة نصف ساعة فقط يحصل عليها الصحفيين بالصحيفة بعد ثلاث ساعات من العمل المتواصل..وفي ذلك القسم الخاص بالصفحة الرئيسية قال احمد وهو يزفر بحدة: وأخيرا..يا الهي لقد ظننت ان فترة الاستراحة لن تأتي ابدا..
والتفت الى وعد ليقول: ألم تقولي انك ترغبين في مبادلتي ..حسنا انا موافق الآن..
ابتسمت وعد وقالت: حسنا ولكن ماذا عن...
قاطعها قائلا: لا تقولي انك قد تراجعت عن ما قلته..
ضحكت وعد وقالت: كلا ابدا..ولكن ماذا عن عدم خبرتي الكافية..اظن انني سأفسد كل عملك..
قال أحمد مبتسما: لا يهم..اخبريني أتريدني ان احضر شيء لك معي سأذهب الى كافتيريا الصحيفة بعد قليل؟..
قالت وعد وهي تهز رأسها نفيا: سأذهب بنفسي..
قالتها ونهضت من خلف مكتبها..ونهض أحمد بدوره ليغادر القسم قبلها..وسارت هي خلفه مغادرة القسم ولتسير في الممرات و...
(آنسة وعد..)
التفتت وعد الى طارق ناطق العبارة السابقة وقالت بعدم اهتمام: ماذا؟..
قال طارق بجدية: ارغب في التحدث اليك..
قالت وهي تلتفت عنه: فيما بعد..
قال بحزم: بل الآن..
التفتت له مرة اخرى وقالت وهي ترفع حاجبيها باستخفاف: وهل سترغمني على هذا؟..
قال طارق بهدوء: لقد كنت افكر بتأجيل الأمر حتى يحين موعد انتهاء العمل..ولكني فهمت من محادثتك الهاتفية انك ستغادرين في ذلك الوقت..
صمتت وعد للحظات ومن ثم قالت: حسنا..وبشأن ماذا ترغب في الحديث إلي؟..
- لقد سألتيني بالأمس لماذا انا شخص بارد المشاعر..واليوم انا مستعد لإجابة سؤالك هذا..
تطلعت اليه وعد بشك وقالت: ستجيبني بهذه البساطة..
صمت طارق للحظات ومن ثم قال: ربما لا تعلمين انك تذكريني بشخص عزيز على نفسي..ولهذا فكرت طويلا قبل أن أقرر إخبارك بالأمر والإجابة على سؤالك..
قالت وعد بابتسامة: حسنا موافقة..ولكن من دون ان تتسبب في إحراجي..
قال طارق بابتسامة شاحبة: لن افعل..أعدك بذلك..
قالت وعد بهدوء: وأنا يكفيني وعدك هذا..
اتسعت ابتسامة طارق وقال: اذا فلنذهب الى مكان نستطيع الحديث فيه..
أومأت وعد برأسها ايجابيا وهي تتبع طارق إلى الكافتيريا ..حيث قد قرر أخيرا ان يكشف ن جزء مما يخفيه خلف قناع البرود هذا..
ترى أي أمور يخفي؟..وهل ستؤثر هذه الأمور على علاقته بوعد؟؟...

جنــــون 11-23-2011 01:28 AM

*الجزء الثاني عشر*
(هل سينكشف ما يخفيه أخيرا؟..)

سارت وعد خلف طارق الى تلك الكافتيريا التابعة للصحيفة وقال طارق وهو يلتفت لها: ماذا تريدين ان اطلب لك؟..
قالت وعد وهي تهز رأسها: سأختار بنفسي لا تزعج نفسك..
قال طارق بلامبالاة:كما تشائين..
وقام طارق باختيار ما يرغب من طعام وشراب..وتوجه ليحتل إحدى الطاولات هناك..وما إن انتهت وعد من اختيار طعامها وشرابها..حتى توجهت إلى الطاولة التي يحتلها طارق وجذبت لها مقعدا لتجلس عليه..وهنا تطلع إليها طارق وقال بادئاً الحديث: سأبدأ بقول كل شيء منذ البداية..وارجو ان لا تشعري بالملل او ان تنزعجي..
هزت وعد رأسها نفيا وقالت: أبداً..على العكس انا متشوقة لسماع ما تود قوله..
ابتسم طارق وقال وهو يعود بذهنه الى الوراء: حسنا ان الحكاية بدأت منذ ثمان سنوات مضت..
كان يوما صاخبا من أيام الجامعة ..هو يوم إعلان النتائج وكما يعلم الجميع الكل متلهف ليعرف نتيجته..وان كان قد استطاع ان يحصل على النجاح وينتقل للسنة القادمة ام انه سيضطر لاعادة مادة او اثنتين..المهم انني كنت طالبا ضمن مجموعة من الزملاء والزميلات..كنا على ما اذكر ثلاث شباب وثلاث فتيات..وقد كنت اعتبرهم جميعا كأخوة لي..
ولكن (مايا ) كانت مختلفة..كانت مرحة ورقيقة وترسم الابتسامة على شفتي كل من يراها..ولكنها كانت عصبية بعض الشيء..
صمت طارق قليلا عن سرد روايته ومن ثم التفت الى وعد وقال: وهي تشبهك كثيرا في هذا..
ابتسمت وعد وقالت: هل اعتبر هذا مدحا ام ذما؟..
ابتسم طارق وقال: اعتبريها ما شئت..
وواصل روايته قائلا: المهم ان مايا كانت محط إعجاب جميع من بالمجموعة..وقد كان يسعدها هذا كثيرا خصوصا وهي تشعر بكل هذا الاهتمام من زملائها..ولكن منذ ان انضممت الى المجموعة عن طريق احد اصدقائي الذي رحب بوجودي بينهم..قل اهتمامهم بها..وهذا ما أثار سخطها علي..وحدوث العديد من المشادات بيننا لأتفه الأسباب..
قالت وعد مقاطعة طارق: أخبرني يا استاذ طارق..هل كانت هذه هي شخصيتك بالجامعة؟..اعني هادئ اكثر من اللزوم..
ابتسم طارق وقال وقد فهم ما تعنيه: كلا لم أكن شخصا بارد وغير مبالي..على العكس لقد كنت شابا مرحا حيويا واجتماعيا..أشارك في كل نشاط بالجامعة تقريبا..
وأردف قائلا وهو يلتقط نفسا عميقا: وبصراحة لقد حازت مايا على إعجابي منذ الوهلة الأولى التي رأيتها فيها..ولكن يبدوا ان هذا لم يكن شعورا متبادلا فقد كانت تنظر الي دائما بغضب.. وحقد أحيانا..لأنني قد سرقت اهتمام الجميع منها..المهم ان في يوم اعلان النتائج كان الجميع متلهف لمعرفة ان كانت النتائج قد اعلنت ام لا وقال أحد زملائي لي: اذهب يا طارق واعلم ان كانت قد اعلنت النتائج ام لا..
التفت له وقلت باستنكار: ولم لا تذهب انت؟..
فقال لي مبتسما: هيا اذهب..ألست رئيس مجموعتنا؟..
فقلت له وانا التفت عنه: بصراحة لا اذكر انني قد عينت في هذا المنصب..
مايا التي كانت تشعر بالغضب من اهتمامهم بي قالت بحنق: سأذهب انا لأرى وأعلم ان كانت النتائج قد اعلنت ام لا..
فقال احد الزملاء بمرح: تحيا زميلتنا الرائعة مايا..
هنا فقط استطعت ان المح ابتسامتها المرحة التي اختفت منذ فترة ..وكل ذلك بسببي..لم أكن اعلم ان وجودي بالمجموعة سيثير في نفسها كل هذا الكره لي..والا لما كنت انضممت منذ البداية..
وشاهدتها تتوجه نحو أحد المكاتب بالجامعة لتسأل عن النتائج..وبعد فترة عادت الينا وجميعنا متلهف لسماعها وقلت انا متسائلا: هل أعلنت النتائج ام لا؟..
تعمدت مايا تجاهلي لحظتها ولم تجب فسألتها إحدى الزميلات بتوتر: هيا يا مايا تحدثي..لقد انشدت اعصابي بما يكفي..
قالت مايا مبتسمة وهي تتطلع الى زميلتها: هل حقا اعصابك مشدودة الى ذلك الحد؟..
فقالت زميلتها في ضجر: هيا تحدثي يا مايا ولا تتلاعبي بأعصابنا..
قالت مايا بهدوء: حسنا لم يتم اعلانها..
قال احد الزملاء بشك: أتقولين الصدق؟..
قالت بابتسامة واسعة: لم يتم اعلانها وحسب بل تم اعلان جميع الدرجات التي حصلنا عليها بالمواد وقد عرفت درجاتنا جميعا..
قال احد الزملاء: ماذا عني انا؟..فأعلم اني قد قمت بالتأليف في الامتحانات..
ضحكت مايا وقالت: لا تقلق لقد نجحت ولكن بنسبة متوسط..
قال بسعادة: لا يهم المهم انني قد نجحت وسأنتقل الى السنة القادمة اخيرا انها المرة الثانية التي اعيد هذه المواد..
سألت احدى الزميلات مايا وقالت: وماذا عنك.. يا مايا؟..
قالت مايا بفرحة: لقد نجحت وبتقدير جيد جدا..
قالت زميلتها بسعادة: مبارك يا مايا..
شعرت بالسعادة لحصولها على هذا التقدير فقلت وانا التفت لها بابتسامة واسعة وسعيدة: مبارك يا مايا..انت تستحقين هذه التقدير..بل تستحقين الأفضل دائما..
تطلعت الي مايا وقالت ببرود: شكرا لك..اعلم انني استحق هذا التقدير..لم اطلب رأيك..
بصراحة شعرت وقتها ان مشادة أخرى ستحصل بيننا فقررت الانسحاب وقلت وأنا التفت عنهم: عن اذنكم سأذهب لأرى نتيجتي...
ولكن الغريب في الأمر ان مايا أوقفتني وقالت: لا داعي لقد شاهدتها..وكنت أفضلنا..لقد نجحت بأعلى نسبة بيننا وبتقدير جيد جدا..
وقتها لم اشعر بنفسي الا وانا التفت لها واقول بسعادة كبيرة: حقا..أشكرك يا مايا..أشكرك كثيرا يا ايتها الرائعة..
اتذكر وقتها ان الجميع قد اندهش من ممما قلته وخصوصا وهم يعلمون بالخلافات الكثيرة التي بيننا واننا لم نكن نتحدث الا لفترات قصيرة وللضرورة فقط..ولكني بصراحة لا اعلم ما حدث لي..لقد شعرت بسعادة فائقة ونطق لساني بكلمات الاعجاب دون ان اشعر والتي كنت اتمنى ان اقولها لها دائما..
ولم تكن مايا بأفضل حال منهم فقد كانت تتطلع الي بذهول..عيناها كانتا متسعتان بدهشة كبيرة وهي تتطلع الي وتستغرب نطقي لمثل هذه الكلمة و...
توقف طارق عن سرد الحكاية بغتة..فقالت وعد مستحثة اياه على الحديث: لماذا توقفت؟..أكمل..
قال طارق مبتسما: ألا تلاحظين اننا وحدنا من بقي بالكافتيريا..
تطلعت وعد حولها قبل ان تقول بابتسامة مرحة: هذا صحيح..لم انتبه الى هذا..لقد مضى الوقت سريعا ونحن نتحدث..
قال طارق وهو ينهض من على مقعده: حسنا إذاً.. فلنعد الآن الى القسم..
قالت وعد باستنكار وهي تنهض من مكانها: اخبرني بتتمة الحكاية..أريد ان اعرف ماذا حصل بعدها..
قال طارق بهدوء: أعدك أن أكملها لك غدا..
رفعت وعد حاجبيها وقالت: لن احتمل ان انتظر الى الغد..فلتخبرني بقية الحكاية بعد انتهاء العمل..
قال طارق وهو يسير مغادرا الكافتيريا: أنسيت انك ستغادرين بعد انتهاء العمل؟..
قالت وعد وهي تسير في الممرات: صحيح..اذا ما العمل؟..
التفت لها وقال بابتسامة باهتة: تنتظرين الى الغد..
هزت وعد كتفيها وقالت: حسنا لا بأس..ما باليد حيلة..
وأردفت بابتسامة وهي تلتفت له: ولكن صدقني..سأظل أفكر بالتتمة بكل لحظة..
لم يعلق طارق على عبارتها واكتفى بابتسامة هادئة ..ولكنه كان يشعر بشعور مختلف كلما لمح ابتسامتها..او سمع ضحكتها..كان كل شيء في وعد تقريبا يذكره بمايا..والتفت في هذه اللحظة الى وعد..وتطلع اليها لفترة أثارت استغراب هذه الأخيرة فقالت: أستاذ طارق ما الأمر؟..هل هناك شيء؟..
قال نافيا: أبدا.. لم؟..
قالت بحيرة: إذا لم كنت تتطلع إلي ؟..
واردفت بمرح: هل انا جميلة الى هذه الدرجة؟..
أعماقه كانت تصرخ..نعم..انت جميلة..رائعة الجمال..تأسرين كل من يتطلع اليك بابتسامتك الرائعة والساحرة..مرحك يشعرني بأن قلبي عاد ليخفق من جديد..ترى هذا لأنك تشبهينها..أم انني قد...
( أستاذ طارق..إلى أين شردت؟..)
قال طارق وهو يلتفت الى وعد: لقد اعدتيني بالزمن الى الوراء..إلى أيام كادت ان تغيب عن ذاكرتي..
قالت وعد مبتسمة: من المستحيل ان تغيب عن ذاكرتك ..وإلا لما كانت جزء من حياتك ذات يوم..
قال طارق مبتسما بامتنان: معك حق..
وعاد ليختلس النظرات إليها وهو يشعر بخفقات قلبه التي أخذت تخفق بقوة..ان هذه الفتاة جذبت انتباهه منذ اليوم الأول لها ..وها هي ذي تشعره بخفقات قلبه كلما تحدث اليها..ان وعد تختلف عن مايا..على الرغم من انها لا تزال تذكره بها بين اللحظة والأخرى...
************
( فرح ..هيا بنا..)
صاح هشام بهذه العبارة من أسفل السلم مناديا فرح التي قالت بصوت عال من الطابق الأعلى: قادمة يا هشام..لا تلح هكذا..
قال هشام بحنق: اريد ان افهم .. ماذا تفعلين كل هذا الوقت؟..
قالت فرح وهي تهبط على درجات السلم: اسرح شعري وارتدي ملابسي..
قال هشام بسخرية: حقا؟..لقد ظننت انك تألفين كتابا ..
قالت فرح وهي تشير له بإصبعها: بدون سخرية من فضلك والا عدت من حيث أتيت..
قال هشام وهو يعقد حاجبيه: أأسمي هذا استغلالا؟..
- اجل انه استغلال..فعندما طلبت مني ان أتحدث الى وعد واطلب منها ان نخرج معها لم اسخر منك..
قال هشام بسخرية: البتة..لم تسخري ابدا..
قالت فرح وهي تهز كتفيها: حسنا لقد سخرت من مطلبك..ولكن ليس كسخريتك انت..
قال هشام بضجر وهو يسير بخطوات سريعة: فرح انها الثانية الا خمس دقائق..سنتأخر بسببك وبسبب محاضراتك..
قالت فرح مبتسمة بخبث: كل هذا من أجل وعد..هدئ من أعصابك قليلا..
قال هشام وهو يرفع حاجبيه بسخرية: لا ليس من أجلها بل من أجلي..فلست بمزاج يتحمل الشجار..
قالت فرح وهي تفتح باب المنزل ليخرجا منه: أتخشى اغضابها ايضا؟؟..يا لرجال هذه الايام..
قال هشام وهو يتطلع الى فرح بضيق: الى الآن لم تثيري غضبي ..حاولي استفزازي وستصلين الى المشفى بعد قليل..
غمزت فرح له بعينها وقالت: ولم تغضب؟..انها من تحب وبالتأكيد لا تقبل ان تحزنها او تثير غضبها..
قال هشام وهو يدلف الى السيارة: اتعلمين اول مرة اعلم انك ثرثارة الى هذه الدرجة..
قالت فرح وهي تدلف الى سيارته بدورها: وأول مرة اعلم انك لا تتقبل ما اقول على سبيل الاستهزاء والسخرية مني..
قال بسخرية: كما تريدين..فقط ان اسخر مما تقولينه..
قالت فرح بغتة بجدية وهي تراه ينطلق بالسيارة: اسمعني يا هشام..الى الآن لم افهم ما علي قوله لوعد جيدا..
التفت لها وقال: هل فهمك بطيء الى هذه الدرجة؟..
قالت فرح وهي تلتفت له: لا ليس بطيئا ولكنك طلبت من ان اسألها ان كان شخصا ما في حياتها أم...
قاطعها هشام قائلا: كم مرة علي افهامك..ان تعرفي لي..لا ان تسأليها..
- أجل..أجل..فهمت ان اعرف لك ولكن كيف؟..
- هذا من اختصاصك انت..
فكرت فرح قليلا ومن ثم قالت: تعني ان احاول جرها بالحديث الى ان افهم منها ما اريد..
- واخيرا وصلتك المعلومة..
قالت فرح متسائلة: وماذا عنك؟..
رفع هشام حاجبيه بحيرة وقال: ماذا عني؟..
قالت فرح وهي تشبك اصابع كفيها: اعني كيف سأسألها وانت موجود معنا؟..
قال مبتسما: ومن قال انني سأكون معكم ..سأوصلكم ..ومن ثم اعود لأخذكم..
أوقف هشام في تلك اللحظة سيارته عند مبنى الصحيفة فقالت فرح متسائلة: والى اين ستذهب؟..
- ليست بمشكلة..استطيع ان اتسوق قليلا..فكما تعلمين عيد ميلاد وعد بعد اسبوع وحسب..
قالت فرح بدهشة: بعد اسبوع؟؟..اتصدق لم انتبه الى هذا الا الآن..
واردفت مبتسمة: وهديتك انت بالذات يجب ان تكون مميزة..
قال هشام مبتسما: صدقيني ستكون مميزة جدا..
واعقب قوله بأن أخرج هاتفه المحمول من جيبه واتصل بوعد..التي كانت تستعد للمغادرة من القسم..وسمعت صوت رنين هاتفها فتطلعت الى رقم الهاتف الذي يضيء على شاشتها قبل ان تجيبه قائلة بابتسامة واسعة: اهلا هشام كيف حالك؟..
قال هشام بابتسامة: أنا بخير..ماذا عنك؟..
- على ما يرام..
- منعا للمقدمات..نحن ننتظرك بالأسفل..
قالت وعد بهدوء: حسنا..دقائق واهبط لكما..
قال هشام بابتسامة حانية: حسنا اذا اهتـ...
قاطعته وعد وقالت لتكمل على عبارته:حسنا اذا اهتمي بنفسك ..لقد حفظت هذه العبارة اكثر من اسمي..اريد ان اسألك..كم مضى من الزمن وانت تقولها لي؟..
قال هشام مبتسما: ربما عشرة أعوام..
- لا اظن..اظن انك كنت تقولها لي منذ كنت في الثانية من عمري.. ولو كنت افهم ما تقوله ساعتها..لعبرت لك عن ضجري بهذه العبارة..
قال هشام بسخرية: أأخبرك بشيء؟..لا تستحقين ان اقول لك حتى الى اللقاء قبل ان أغلق هاتفي..
قالت وعد بسخرية بدورها: قل اذا مع السلامة..
- ظريفة جدا..
- وانت سخيف جدا..
- صدقيني لن تكبري ابدا..
- وصدقني لن تكف عن جنونك هذا ابدا..
قال هشام مبتسما: يسعدني استفزازك..
قالت وعد بسخرية: ويسعدني اثارة غضبك قليلا..والآن الى اللقاء والا سأترككما تنتظرونني لساعة اخرى..حالما اجهز..
قال هشام مبتسما: حسنا الى اللقاء..
اغلقت وعد الهاتف واسرعت بترتيب الاوراق ووضعهم في درج المكتب..والتفت الى طارق الشخص الوحيد الذي لايزال بالمكتب الى الآن –غيرها بالتأكيد- وقالت: سأغادر الآن..أراك بخير.. الى اللقاء..
قال طارق متسائلا وكأنه لم يستمع الى عبارتها: هل من حدثك الآن هو نفسه ابن عمك الذي جاء لزيارتك قبل ايام؟..
أومأت وعد برأسها وقالت: بلى.. لم؟..
قال طارق بهدوء: لا لشيء..مجرد سؤال عابر..
واردف قائلا: ستغادرين الآن؟..
عادت وعد لتومئ برأسها فقال طارق وهو يعود للكتابة في احد الاوراق: الى اللقاء اذا..
رفعت وعد حاجبيها وقالت وهي تتطلع الى طارق بدهشة: ماذا قلت؟..
رفع طارق رأسه لها وقال: ماذا بك؟..قلت الى اللقاء..
ابتسمت وعد وقالت: لقد قلت الى اللقاء..لم اسمعك تودع أي احد او ترحب به ابدا..انها المرة الاولى..
ارتفع حاجبا طارق..صحيح كيف لم ينتبه الى هذا..انها المرة الاولى منذ فترة الذي يهتم بتوديع احد قيه..يبدوا وان وعد قد اثرت عليه وغيرت اشياء كثيرة فيه..حقيقة يا وعد انت تكادين ان تذيبي الجليد الذي احيط به نفسي ومشاعري منذ زمن..
وقال مبتسما: جيد انك نبهتيني الى هذا..كانت زلة لسان لا أكثر..
ضحكت وعد بمرح وقالت: حقاً؟..إذاً لا تنسى مثل هذه الاشياء المهمة في المرة القادمة..
ولوحت له بيدها قبل ان تغادر القسم..وعينا طارق لا تكادان تفارقانها ..واسرعت الاولى واستقلت المصعد لتهبط به الى الطابق الارضي..ومن ثم الى موقف السيارات وما ان شاهدتها فرح حتى فتحت لها نافذة السيارة وقالت: وعد.. اصعدي معنا..
قالت وعد وهي تتقدم من نافذة السيارة وتميل باتجاه فرح: سأتبعكما بسيارتي..فكيف اتركها هنا؟..
أجابها هشام قائلا: لا بأس سأعيدك الى هنا بعد ان نعود من المطعم..
قالت وعد مبتسمة: حسنا موافقة ولكن انت من سينزعج..
اسرع هشام يقول: ابدا..
فتحت وعد باب السيارة الخلفي ودلفت اليها وهي تقول بمرح: هيا تحرك ايها السائق الى افخر مطعم في المدينة..
قال هشام بسخرية: حسنا اذا يا آنسة..ستصلين عما قريب الى مطبخ منزلكم..
قالت وعد مبتسمة: معك حق..فألذ اطباق الطعام لا تتذوقها الا في منزلنا..
قالت فرح مؤيدة: بكل تأكيد..
قال هشام بسخرية وهو ينطلق بالسيارة: والدتها التي تطهو كل شيء..اما هي فلا تتعب نفسها باعداد العصير حتى..
ضحكت وعد وقالت متحدثة الى فرح: فرح.. الم أعد ذلك اليوم العصير لكم؟..
ضحكت فرح وقالت: بلى..
قال هشام مستهزءا: بكل تأكيد..فتيات وستؤيدون بعضكم البعض..
قالت وعد وهي تغمز لفرح: وهل هناك ما يضايقك في هذا؟...
قال هشام مبتسما: اخشى ان اقتل بين ايديكم.. ان قلت نعم..
قالت فرح مبتسمة وهي تلتفت له: لا تقلق لن نفعلها..أليس كذلك يا وعد؟..
والتفتت الى الخلف لتتطلع الى وعد التي شردت قليلا وهي تفكر في كل ما حكاه لها طارق اليوم..وفي الحكاية التي اختارها هي بالذات لتستمع لها..ربما لانها تذكره بشخص عزيز عليه..وهذا الشخص هو ..مايا..تلك الفتاة التي نالت اعجاب طارق منذ ان رآها اول مرة..لكن أسألة كثيرة لا تزال تدور في ذهنها..دون ان تجد لأي منها اجابة..ولم العجلة؟..غدا ستعلم بكل شيء..
تنهدت وهي تطلع من نافذة الطريق..وعبارات عديدة تتردد في ذهنها..(( ولكن مايا كانت مختلفة))..(( وهي تشبهك كثيرا في هذا))..(( لقد حازت مايا على إعجابي منذ الوهلة الأولى التي رأيتها فيها))..(( ربما لا تعلمين انك تذكريني بشخص عزيز على نفسي))..
هذه العبارات كانت تقذفها يمينا ويسارا..فأحيانا تشعر بالابتسامة ترتسم على شفتيها وبمشاعر رقيقة تتحرك بداخلها وتجعل قلبها يخفق بقوة..وأحيانا اخرى تشعر بالضيق وبشيء يجثم على صدرها..أي جنون هو هذا؟..لم تشعر بالسعادة او بالضيق؟..ايعقل ان مشاعرها بدأت تتحرك تجاه طارق؟..أيعقل هذا؟..كلا لا يمكن..لم لا تقولينها يا وعد وتريحي نفسك..لقد اعجبتِ بطارق منذ اليوم الاول لك بالصحيفة..وكنت تتعمدين استفزازه حتى تلفتي انتباهه لك..ومشاعرك هذه ليست الا مشاعر ميل تجاهه..لا تحاولي الانكار يا وعد..انتِ...
نفضت وعد أفكارها عن ذهنها..وهي تشعر بأن حقيقة ما ستنكشف امامها..حقيقة لا ترغب في ان تعترف بها لنفسها..وسمعت صوت هشام في تلك اللحظة وهو يقول لها: هل نمت ام ماذا؟..نحن نحدثك منذ فترة؟..
قالت وعد بابتسامة باهتة: حقا؟..لم انتبه..
قال هشام: لقد كنا نسألك ان كان مطعم النور يعجبك ..ولكن الآن لا يهم فقد وصلنا اليه..
قالت وعد وهي تفتح باب السيارة: لا بأس..
وتساءلت وهي تراه لم يهبط من السيارة: ألن تأتي معنا؟..
- كلا..لدي بعض الاعمال..سأنجزها وأعود اليكم..
- كما تشاء..
والتفتت الى فرح لتقول: هيا بنا نحن..
قال هشام وهو يلتفت لهم : اهتموا بأنفسكم..الى اللقاء..
اومأت فرح برأسها ايجابيا..وشاهدته ينطلق بالسيارة مغادرا ..فتوجهت برفقة وعد الى داخل المطعم ودلفوا اليه قبل ان يحتلوا احدى الطاولات..وقالت فرح مبتسمة وهي تمسك بقائمة الطعام: ما رأيك ؟..ماذا نطلب؟..
قالت وعد بهدوء: لن نطلب شيئا..فقط العصير ..لأني ارغب في تناول الغذاء بالمنزل..
هزت فرح كتفيها وقالت: كما تشائين..
وطلبت من النادل ان يحضر لهما كأسين من عصير البرتقال ..وما ان ابتعد عن طاولتهما حتى قالت وعد: والآن ما الشيء المهم الذي دعاك لدعوتي في المطعم..
قالت فرح بارتباك: حسنا انه موضوع يتعلق بك..
قالت وعد باهتمام: اكملي..
فرح التي كانت تقول متحدثة الى نفسها في هذه اللحظة: (لقد وضعتني في موقف محرج جدا يا هشام..لا اعرف حتى كيف ابدأ بالحديث معها)..
وقالت متحدثة الى وعد: بصراحة اريد ان اسألك..لم رفضت عماد؟..
قالت وعد باستغراب: كم مرة سأعيد هذا يا فرح ..أخبرتك باني لا اشعر بأية مشاعر تجاهه..ولهذا رفضته ..اخبريني اكنت تفكرين بعماد؟..
هزت فرح رأسها وقالت: ابدا..ولكنه مجرد سؤال..حسنا اخبريني انت ..هل هناك شخص معين برأسك دعاك لرفض الزواج من عماد؟..
قالت وعد مبتسمة: أي اسألة تسألين؟..تبدين غريبة اليوم يا فرح..كلا لا يوجد شخص معين في رأسي..
صمتت فرح للحظة ومن ثم قالت وهي تضغط على حروف كلماتها: حسنا اذا..سأسألك سؤالا..مثلا لو لم يكن عماد هو من تقدم لخطبتك..بل هشام..ماذا سيكون جوابك؟..
وارتفعا حاجبي وعد بدهشة..فهذا هو آخر سؤال كانت تتوقع ان تسأله فرح لها..وفي الحقيقة هذا هو السؤال الوحيد الذي تخشى وعد الاجابة عليه....

جنــــون 11-23-2011 01:28 AM

*الجزء الثالث عشر*
(لم يا وعد؟؟)



ظلت وعد صامتة تتطلع الى فرح التي تنتظر اجابتها وتخشاها في الوقت ذاته..ففرح تعلم تقريبا ان وعد لا تحمل اية مشاعر خاصة لهشام..ولكنها في الوقت ذاته لا تعلم نوعية المشاعر التي تحملها له في الوقت الحاضر..تشعر بأنها مجرد مشاعر أخوة..لكنها غير متأكدة من ذلك تمام التأكيد..
وارتسمت ابتسامة على شفتي وعد..ابتسامة اقرب ما تكون الى الشحوب وهي تقول: لم تسألين هذا السؤال يا فرح؟..
قالت فرح متلعثمة: انه..مجرد سؤال..لا أكثر..
قالت وعد وابتسامتها الشاحبة تتسع قليلا: لا تعرفين الكذب يا فرح..في البداية كنت اظن ان ما يحمله لي هشام مجرد مشاعر قرابة وأخوة نظرا لاننا قد تربينا سويا..وبعدها بدأت اشك في انها مشاعر اهتمام واعجاب بعد ان تحدثت ذلك اليوم عن مشاعر يحملها لي.. والآن اتأكد من انها ليست سوى مشاعر ميل و..حب.. أليس كذلك يافرح؟..
رفعت فرح حاجبيها بدهشة..وظلت صامتة لفترة..قبل ان تقول بارتباك: لست أعلم..لم يخبرني هشام بشيء..
قالت وعد وهي تميل نحوها: حقا لم يخبرك بشيء؟..
لم تجبها فرح وظلت صامتة وهي تشعر بأن وعد ستكشف بأنها لم تحضرها الى هنا الا لتعلم منها حقيقة مشاعرها تجاه هشام ..واحترمت وعد صمتهافصمتت بدورها وهي تفكر فيما عليها قوله..وقطع هذا الصمت الذي يغلفهما صوت النادل وهو يضع العصير امامهما ويقول: هل من خدمة اخرى؟..
أجابته وعد قائلة: كلا..شكرا لك..
انصرف النادل مغادرا فارتشفت وعد قليلا من العصير الذي أمامها ومن ثم قالت وهي تعتدل في جلستها: فرح هشام هو شقيقك وأعلم انك تتمنين له ان يحيا سعيدا وان يتحقق كل ما يحلم به..وأنا كذلك اتمنى ان أراه سعيدا دائما..لا اقبل ان اراه حزينا يوما..هشام هو الوحيد الذي كان يقف معي في كل مشاكلي ويساعدني على ان اتخطاها..لهذا...
صمتت وعد للحظة ومن ثم اردفت بحزم: لهذا ان تقدم هو لخطبتي..فسأرفض بالتأكيد..
قالت فرح باستغراب ودهشة: ولم؟..ألم تقولي لتوك انك تتمنين له السعادة وانه ....
قاطعتها وعد قائلة: لهذا سأرفض..لاني اتمنى له السعادة..صدقيني أنا لا اصلح لاكون زوجة له..انا لن اسعده..انت تعلمين ان هشام كما هو شقيقك هو شقيقي وربما اكثر منك..أنسيت اننا قد ترعرعنا معا..انا وهو كنا نظل طوال الوقت معا..واكثر من بقاءه معك لانك كنت صغيرة وقتها..لقد كنت أحيانا اظن احيانا انه شقيقي فعلا..اتتوقعين ان أقبل أن أتزوج من شاب أحمل له مشاعر كهذه..لو كان هو يقبلها على نفسه..فأنا لا اقبلها عليه..لن استطيع ان امنحه حبا حقيقيا..أتفهميني يا فرح؟..
لم تعلم فرح بما تجيب..فمن جهة حب هشام الكبير لوعد..وحزنه على انه قد لا تكون له..ومن جهة أخرى مشاعر الاخوة التي تحملها وعد تجاه هشام والتي لا تستطيع ان تغيرها مهما حدث..كلا الطرفين تشعر ان وجهة نظره مقنعة وصحيحة.. ولكن..هذا سيخلف جريحا واحدا وهو هشام..وعد لن تخسر شيئا اذا لم تبادله المشاعر..اما هشام هو الذي سيخسر الكثير اذا علم بهذه الحقيقة..
تنهدت فرح بحرارة ومن ثم قالت:أفهمك يا وعد..ولكن ما افهمه أكثر ان هشام يحبك بصدق وبكل مشاعره..
ابتسمت وعد وقالت: أنت تعترفين اذا..
وضعت فرح كفها على شفتيها وقالت بارتباك: يا لحمقاتي ..ما الذي قلته؟..
قالت وعد وهي تهز كتفيها: وما المشكلة في هذا..اتعتبرين الحب جريمة؟..
قالت فرح بابتسامة: كلا ولكن هشام هو من سيرتكب بي جريمة ان علم اني قد اخبرتك بأمر مشاعره تجاهك..
قالت وعد وهي ترفع أحد حاجبيها: ولم؟..هل يعتبر مشاعره لي جريمة..ام انها عار له..
قالت فرح بابتسامة باهتة: نوعا ما..فما فهمته منه..انه لن يفصح عن مشاعره قبل ان يرى تجاوبا منك..وهو يرى ان المشاعر ما دامت من طرف واحد فهي ذل له..
قالت وعد بهدوء: لا اعتقد هذا ابدا..فمشاعره ملك له..وليست عارا اوذلا ابدا..ستكون كذلك لو استخدم مشاعره في الاستغلال او تحقيق مصالحه الشخصية..
قالت فرح بعد وهلة من الصمت: ما افهمه منك الآن..انك ترفضين ان يكون هشام زوجا لك..
قالت وعد بابتسامة حانية: هشام شاب وسيم يعمل في وظيفة ممتازة..ويمتلك شخصية رائعة ومتميزة..آلاف الفتيات يتمنونه..وان كانت احداهن تحبه بصدق فستسعده بكل تأكيد..انا لن أسعده صدقيني..
قالت فرح بابتسامة شاحبة: آلاف الفتيات يتمنونه..ريما يكون هذا صحيح..ولكنه يتمنى واحدة فقط..واحدة لا تبادله المشاعر وترفضه..
زفرت وعد وقالت: هل المشاعر بيدي يا فرح..هل املك حيالها أي شيء؟..انني لا استطيع ان اوافق الا على من يختاره قلبي..
- احيانا القلب يخدع..يجب ان تحكمي عقلك كذلك..
- هذا صحيح ..وعقلي يقول ايضا انه لا يجب علي ان اتزوج من شخص وانا اعتبره كأخ لي لا أكثر..ان لم يكن لأجلي فلأجله هو..لم أظلم هشام معي..أنا احب هشام وربما أكثر منك كذلك..ولكن كأخ..
قالت فرح بشحوب: بصراحة لا اعلم ماذا اقول لهشام اذا سألني عن ردك..
قالت وعد وهي تتنهد: أخبريه ما اخبرتك به تماما..واظن انه سيتفهم الامر..
قالت فرح بألم: لا اظن انه سيتفهم الامر..بل انه سيتألم ياوعد..وبأكثر مما تتصورين..
صمتت وعد وهي لا تجد جوابا لفرح..يا ترى ايهما الصحيح؟ ..هل عليها ان تسعد نفسها وتنسى آلام الآخرين..ام تنسى نفسها وتسعد غيرها ؟..لم تعد تعلم..لم تعد تعلم ابدا....
************
كان الصمت هو سيد الموقف في سيارة هشام..بعد ان حضر هذا الاخير الى المطعم من اجل ان يصحبهم..ويوصل وعد الى الصحيفة حيث سيارتها..
كان هشام يشعر بالتوتر وهو يريد ان يعرف من فرح بما اخبرتها به وعد..وما جوابها على كل الاسألة التي تدور في ذهنه ..لكن فرح لم تنطق بحرف واحد فمنذ ان دخلت الى السيارة وهي صامتة..بالتأكيد هي تنتظر أن اوصل وعد وبعدها ستتحدث بحرية..ولكنه يشعر ان هناك شيء ليس على ما يرام وعد وفرح لم تنطقا بكلمة واحدة طوال الطريق..هل تشاجرا ام ماذا؟..
ولم يلبث ان توقف بجوار مبنى الصحيفة وقال: ها قد وصلنا يا وعد..
قالت وعد بابتسامة باهتة: حسنا اذا..الى اللقاء..أراكم بخير..
قالتها وهبطت من السيارة متوجهة الى حيث سيارتها بالمواقف ..وتطلع اليها هشام للحظة قبل ان يلتفت الى فرح ويقول: ماذا حدث بينكما؟..لم تتحدثا طوال الطريق..
قالت فرح وهي تستند الى مسند المقعد: لم يحدث بيننا شيء..
قال هشام وهو ينطلق بالسيارة: ليس من عادتكما الصمت دون ان تزعجاني بصوتيكما..
قالت فرح بابتسامة شاحبة: وها قد ارتحت من ازعاجنا لك..
قال هشام بغتة: ماذا كان جوابها يا فرح؟..
ارتبكت فرح وقالت: جوابها عن ماذا بالضبط؟..
قال هشام وهو يختلس النظرات الى فرح: عن اذا كان هناك شخص ما في حياتها ام لا..
قالت فرح في هدوء: لقد قالت لي انها لا تفكر بأي شاب على الاطلاق في الوقت الحاضر..
ازدرد هشام لعابه ليبتلع تلك الغصة التي امتلأ بها حلقه..وقال مترددا: حسنا..وماذا قالت بشأني؟..
قالت فرح وهي تتحاشى النظر اليه: بشأن ماذا يالضبط..انت لم تطلب مني الا ان اعرف منها ان كانت تفكر في شاب ما ام لا..
قال هشام مستنكرا: وطلبت منك ان تعلمي منها من انا بالنسبة لها..
قالت فرح وهي تلتفت عنه وتطلع عبر النافذة متاحشية ردة فعله: أنت ابن عم بالنسبة لها..
قال هشام باهتمام: حسنا وبعد..
قالت فرح وهي تلتقط نفسا عميقا: لقد تربيتما سويا وكنتما معا طوال الوقت..لهذا فهي تعتبرك مثل اخ لها تماما..
اتسعت عينا هشام وقال بذهول: أخ لها؟..أتعتبرني وعد مجرد اخ لها فحسب؟؟؟..
واردف وهو لا يزال غير مستوعب لما يسمعه: هذا مستحيل ..انها لا تعلم بحقيقة مشاعري تجاهها لهذا تعتبرني مجرد اخ لها لا اكثر..أليس كذلك؟..
لم تجبه فرح فصاح قائلا بعصبية: اليس كذلك يا فرح؟ .. اجيبي ..
قالت فرح وهي تلتفت له: أعلم بأن هذا صعب عليك ولكنها الحقيقة..حتى وان لم تكن كما نتمناها..
قال هشام بغضب: أنت لا تفهمين..لا تفهمين ماذا تعني وعد بالنسبة لي..وعد ليست مجرد فتاة احببتها وانتهى الامر..انها النبض الذي ينبض به قلبي..كيف احيا من دونها..وهي تملك قلبي كيف؟..لا استطيع..هذا مستحيل..سأذهب لها واخبرها بحقيقة مشاعري وعندها...
قاطعته فرح بألم: لا فائدة يا هشام..وعد ليست لك..
قال هشام بمرارة وهو يضرب بقبضته على المقود: أي شيء سوى هذا..انها الحلم الذي احلم به منذ صغري..لقد كبرت امام ناظري..كل سنة تمضي من عمرينا كنا نقضيها معا..وكان حبي لها يزداد ويتضاعف..انها حلم حياتي الا تفهمين؟؟؟..
قالت فرح وهي تتنهد: وعد ايضا لها احلامها ولها امنياتها..دعها تحيا كما تتمنى وكما تحلم هي..وليس كما تحلم انت..
التقط هشام نفسا عميقا وظل صامتا يتجرع كأس الألم والمرارة ..الحلم الوحيد الذي كان يغذيه بكل لحظة من عمره تحطم امام عينه..وعد قتلت حلمه من دون رحمة..لم تأبه بكل ما يحمله لها من مشاعر..داست على حبه..على مشاعره..لم يا وعد؟؟..ألا تعلمين انك حياتي كلها ..وبأنك اسمى امنياتي؟؟..
ولكن لا..لن ييأس او يستسلم لهذا الامر..لقد عاهد نفسه يوما..انه سيجعل وعد تبادله المشاعر والاحاسيس ..وهذا ما سيحدث بكل تأكيد..
وقال في تلك اللحظة بلهجة واثقة وحازمة: ستكونين لي يا وعد..لي انا..أقسم على هذا...
*************
بدا عماد سعيدا على غير عادته الهادئة كلما يدلف إلى مكتبه كل صباح..وقال بابتسامة واسعة متحدثا إلى السكرتيرة: صباح الخير..
قالت السكرتيرة بهدوء مستغربة ابتسامته الواسعة: صباح النور يا سيدي..
دلف عماد إلى المكتب وقال: سيكون اليوم الامتحان النظري لقبول الوظيفة..اخبريني بأسماء الناجحين فيه فور أن يتم معرفتهم...
قالت السكرتيرة باستغراب: حسنا يا سيدي..
لم يكن سؤال عماد عن اسماء الناجحين من عادته فهو لم يكترث يوما بمن يتم توظيفه..اكثر ما يهمه ام يكون ذو خبرة..انه يبدوا غريبا منذ ان تسلم ملفات المقدمين للوظيفة..
ربما كان تصرف عماد غريبا للسكرتيرة ولكنه ليس غريبا لمن يعلم سبب سعادته..فاليوم قد تكون ليلى احدى موظفات هذه الشركة..وهذا الشيء وحده كفيل بأن يرسم هذه الابتسامة الواسعة والسعيدة على شفتي عماد..
ظل عماد منشغلاً ببريد الشركة للساعات التالية وان لم تغب ليلى عن تفكيره لحظة واحدة..في كل لحظة كانت لهفته تزداد لمعرفة نتائج الامتحان النظري..وان كانت ليلى قد باتت من...
قطع تفكيره صوت طرقات على باب مكتبه فقال بهدوء: ادخل..
دلفت السكرتيرة الى مكتبه ..وقالت وهي تتقدم منه وتقدم له احدى الاوراق: هذا كشف باسماء الناجحين..
قال عماد مبتسما: انهم اربع اشخاص فقط..لا يحتاج الامر الى كشف..
ومن ثم التقط الكشف من السكرتيرة واختطف اسماءهم في سرعة..كان لشخصين ممن قدموا لطلب الوظيفة..والذين استطاعوا اجتياز الامتحان النظري.. وكانت ليلى احداهما..وهذا ما جعل عماد يبتسم ابتسامة نصر وسعادة وهو ينهض من خلف مكتبه..فقالت السكرتيرة باستغراب: الى اين يا سيدي؟..
تساءل عماد باهتمام قائلا: هل غادر الممتحنين من الشركة؟..
- كلا يا سيدي انهم ينتظرون معرفة ان كانوا قد قبلوا في الوظيفة ام لا..
- اذا سأذهب لهم..
قالت السكرتيرة باستغراب: الى مقدمي الوظيفة؟؟..
قال عماد بهدوء: هل الامر غريب الى هذه الدرجة؟..
أحست السكرتيرة بالاحراج من تدخلها فيما لا يعنيها وقالت معتذرة: معذرة يا سيدي...
لم يهتم عماد بما قالته السكرتيرة وانطلق مغادرا مكتبه متوجها الى قسم المصاعد..ليهبط به الى الطابق الثاني..وهناك أخذ يبحث في لهفة عن ليلى..وشاهدها اخيرا تجلس على احدى طاولات كافتيريا الشركة..فتوجه لها وقال مبتسما: كيف حالك يا آنسة ليلى؟..
رفعت ليلى عينيها الى عماد الماثل امامها..لم تصدق اذنيها عندما سمعت صوته..مدير الشركة يقف امامها..هذا غير معقول..مدير الشركة يتواضع ويأتي لمجرد مقدمة طلب لوظيفة للسؤال عنها..وقالت وهي تتطلع الى عماد بحيرة: بخير..
قال وهو يشير الى المقعد المواجه لها: هل يمكنني الجلوس؟..
قالت في سرعة: بالتأكيد..
قال وهو يجلس ويتطلع اليها بابتسامة: لدي خبر لك..
اشارت الى نفسها وقالت متسائلة: لي انا؟..وما هو؟..
قال عماد وابتسامته تتسع: لقد تخطيت الامتحان النظري واصبحت احدى موظفات هذه الشركة..
قالت ليلى بعدم تصديق: أنا ؟..اواثق من هذا يا سيد عماد؟؟..
قال عماد وهو يومئ برأسه: بالتأكيد والا لما جئت لأخبرك..
ارتسمت ابتسامة واسعة وسعيدة على شفتي ليلى وقالت: أشكرك كثيرا على إخباري..لو تعلم كم اشعر بالسعادة لحصولي على وظيفة كهذه..لقد بحثت طويلا حتى وجدتها..الحمد لك يا رب..
قال عماد مبتسما: كنت أعلم إن خبرا كهذا سيفرحك لهذا جئت لإخبارك..
قالت ليلى بامتنان: اشكرك جزيل الشكر يا سيد عماد..اتعبت نفسك بالمجئ الي..
قال عماد بهدوء: ابدا..اهم شيء ان اراك سعيدة..
توترت ليلى لحظتها..ماذا يعني؟..احقا تهمه سعادتها ..لم؟ ..وقالت بمزيج منالتوتر والخجل: شكرا ..
قال عماد وهو يسند ذقنه الى كفه: لا داعي للشكر..على العموم ستبدئين العمل غدا بقسم المبيعات..موافقة؟..
قالت ليلى باستغراب: بالتأكيد موافقة..من أنا حتى ارفض عرضا كهذا؟..
قال عماد مجيبا بابتسامة وهو ينهض من على المقعد: ليلى..
قالت وهي تتطلع اليه بحيرة: ماذا تعني؟..
قال وهو يلوح لها بيده ويبتعد عنها: لا شيء..عن اذنك..
تابعته ليلى بنظرها وهي تشعر باضطراب كبير في مشاعرها..وصحيح انه قد غادر ولكنه ترك اكبر اثر في نفسها..تشعر بان عماد قد سلبها تفكيرها تماما...
************
سارت وعد في ممرات مبنى الصحيفة بخطوات هادئة وسمعت احد الموظفين يقول وهو يمر من جوارها: صباح الخير..
التفتت له وعد وقالت: صباح الخير..
وواصلت سيرها الى حيث قسم الصحيفة وقالت وهي تدلف اليه: صباح الخير جميعا..
قالتها ثم رفعت حاجبيها بحيرة وهي تتطلع الى المكاتب الفارغة الا مكتب طارق..الذي كان يجلس خلفه هذا الأخير..وقالت متسائلة: اين ذهب الجميع؟..
قال طارق وهو يرفع عيناه اليها: احمد لديه مهمة صحفية ..والاستاذة نادية لم تستطع الحضور اليوم..
قالت وعد وهي تتوجه الى مكتبها وتجلس خلفه: ولم؟..
قال طارق ببرود: وكيف لي ان أعلم؟..
تجاهلت وعد عبارته وقالت: حسنا اذا..هل استطيع أن اطلب منك انهاء الحكاية لي؟..
صمت طارق للحظات ومن ثم قال: ولكن لدي موضوع يتوجب علي انهاءه..
قالت وعد بابتسامة: نصف ساعة لن تضر..
قال طارق وهو يهز كتفيه: فليكن..الى اين وصلت في السرد؟..
قالت وعد في سرعة: الى ان تطلعت اليك مايا بذهول بسبب...
قاطعها طارق قائلا: أجل لقد تذكرت..حسنا..كانت مايا تتطلع الي بذهول لحظتها وذلك بسبب ما قلته بشأنها..وهي مستغربة أن اصفها بالرائعة..على الرغم من عدم وفاقنا والعلاقة المتوترة بيننا..ولم تستطع الا ان تقول بارتباك: لم افعل شيءيستحق الشكر..لقد عرفت نتيجتك..كما عرفت نتيجة بقية زملائي..
صمت وانا اشعر بارتباك ربما يفوق ارتباكها..ووجدتها تخبر الجميع بنتائجهم والكل يشكرها بحرارة وسعيد لنجاحه..ووجدت أحد زملائنا يقول في تلك اللحظة: بمناسبة نجاحنا جميعا يا رفاق..ما رأيكم ان نذهب جميعا الى النادي؟..
جميعنا تقريباً أيدنا الفكرة ما عدا مايا التي ابدت اعتراضها ..فقلت انا مستنكرا: ولم ترفضين المجئ معنا؟..
تطلعت الي بتحدي وقالت: اظن ان هذا شأني وحدي..
صمت طارق قليلا عن السرد وقال وهو يتطلع الى وعد: أتعلمين يا وعد..نظرتك لي في ذلك اليوم التي تحدثت فيه عبر الهاتف في القسم عن عمد وذلك لتستفزيني وتتحديني..كانت تماما كنظراتها المملوءة بالتحدي لي دائما..
توترت اطراف وعد لقاء ما قاله..انها المرة الثانية التي يناديها باسمها مجردا من دون القاب..ماذا هناك؟..هل هي زلة لسان لا أكثر..وقالت وهي تزدرد لعابها لتخفي توترها: ومن قال إني قد فعلت ذلك عن عمد لأستفزك أو لأتحداك؟..
قال طارق بابتسامة باهتة: الم أقل لك بأنك تشبيهنها كثيرا؟..
قالت وعد بحيرة: ماذا تعني؟..هل مايا تشبهني الى هذه الدرجة؟..
قال طارق بهدوء: بالتصرفات فقط..المهم..انها قالت عبارتها بتحدي لي..فقررت ان افعل المثل فقلت بتحدي اكبر: أنت لا ترغبين في المجيءمعنا الى النادي لانني سأذهب ايضا ..اليس كذلك؟..
قالت مايا بعصبية: من قال هذا؟..
قلت متعمدا استفزازها: إذا لم تصرين على عدم المجيء؟ ..الجميع سيذهب فيما عداك أنت..
قالت مايا بحدة: لقد كنت مشغولة بعض الشيء ولهذا لم اكن ارغب في المجيء..ولكن ما دمت تظن اني لا ارغب في المجيء لانك ستكون هناك فسآتي وأثبت لك العكس ..وحتى لا تحلم بأشياء لا حقيقة لها..
وقتها ابتسمت في سري فها انذا انتصر عليها..وأتمكن من ردعها عن قرار اتخذته..على الرغم من إنها معروفة بمجموعتنا بأنها من المستحيل أن تتراجع عن أي قرار اتخذته..

في هذه اللحظة ادركت وعد مقدار التشابه بينها وبين مايا..فها هي ذي تجد أكثر صفاتها في هذه الفتاة التي تدعى مايا..حقيقة انها تشبهها في أغلب صفاتها وتصرفاتها..
في حين قال طارق مكملا: وانطلقنا جميعا الى النادي ونحن نتمنى قضاء وقت ممتع فيه..جميعنا كان يشعر بالسعادة ما عداها هي..كانت ترى الجميع يشاركوني الحديث والضحك فتزداد غضبا وغيظا..ووجدناها تبتعد عنا فجأة وهي تشعر بالغضب من الجميع..واعتقد انها كانت تشعر بالحقد نحوي كذلك..
استغربنا جميعا ابتعادها عن المجموعة..وكادت احدى زميلاتنا ان تتبعها وترى ما بها..ولكني اوقفتها وقلت بهدوء: سأذهب لأراها أنا..
قال أحدهم: ولكن يا طارق انت أعلم بنوعية العلاقة التي بينكما..لن تستمع لما ستقوله وستغضب اكثر لو ذهبت لها..نحن بحاجة لمن يهدئها..
قلت بحزم: انها غاضبة بسببي انا..لهذا سأحاول ان اعالج الامر بنفسي..
قال احد الزملاء باستغراب: بسببك انت؟.. ولم؟..انت محبوب من الجميع هنا..
قلت بابتسامة ساخرة بعض الشيء: وهذا هو السبب..
قلتها وابتعدت عنهم..لا بحث عن مايا في كل ارجاء النادي..وقد ادركت انني ان لم اعالج الأمر واحاول اصلاح الامور بيننا اليوم..فلن استطيع اصلاحها ابدا....

جنــــون 11-23-2011 01:29 AM

*الجزء الرابع عشر*
(هل سيعترف لها بمشاعره؟)


قال طارق مواصلا سرد حكايته: أخذت ابحث عنها في جميع ارجاء النادي..وبكل اصرار وحزم..ومضى من الوقت ساعة تقريبا حتى شاهدتها أخيرا..كانت تجلس في كافتيريا النادي بصمت وشرود..وعيناها لا تريان ما امامها..كانت غائبة عماحولها..تفكر في امر ما باهتمام..بصراحة لقد خشيت وقتها من ردة فعلها وأنا اقترب منها واقف في مواجهتها تقريبا وأقول بصوت حاولت أن اجعله هادئا قدر المستطاع: مايا..هل يمكنني ان اتحدث معك لدقائق؟..
انتفضت مايا والتفتت لي بحدة اثر شرودها..وقالت بتوتر: لماذا لحقت بي؟..
قلت بهدوء: ارغب في الحديث اليك قليلا..
التفتت عني مايا لحظتها وقالت ببرود: تحدث أنا أسمعك؟..
قلت وانا اتطلع الى المقعد المواجه لها: حسنا هل يمكنني الجلوس اولا؟..
قالت مايا بسخرية: لو قلت لا..هل ستظل واقفا؟..
قلت بحزم: بالتاكيد..
تطلعت الي مايا بحيرة وقالت: اجلس وقل ما جئت لاجله..ثم غادر لانني اريد الجلوس لوحدي..
جلست وقلت دون مقدمات: أعلم بأني وجودي في المجموعة يضايقك ويزعجك..واعلم جيدا انك تكرهيني لاني قد بت محبوبا من الجميع وقداصبحوا يتحدثون معي طوال الوقت هاملين وجودك تقريبا بعد ان كنت انت مصدر اعجابهم واهتمامهم..لهذا...
قاطعتني مايا وقالت: ولم اتضايق أو انزعج من شخص مثلك؟..
قلت مردفا متجاهلا ما قالته: لهذا قررت الانسحاب من هذه المجموعة..وان اردت الدقة سأبتعد عن جميع من بالمجموعة حتى تعودي انت مصدر اهتمامهم ..ولا اسبب لك أي ازعاج او ضيق..او ازيد من كرهك نحوي..
قالت بدهشة: اتعني ما تقوله؟..
قلت وانا ازفر بحدة: بالتأكيد..
ظلت صامتة لم تنبس ببنت شفة..طوال الوقت ارى عدم التصديق في عينيها..والشك في ملامحها..فقلت بجدية: اسمعيني يا مايا..سأقول لك هذا لاول مرة وربما لآخر مرة..عندما رأيتك لأول مرة أعجبت بك..لا لم يكن اعجابا..لقد شعرت بمشاعر تتولد بداخلي..اصبحت اتعجل اللحظات حتى اراك واتلهف للقاءك..ولكني لم ارى منك الا الكره والحقد نحوي..انا لا اعاتبك..انها مشاعرك وانت حرة بها..ولكني اردت ان اقول ان كل ما اتمناه هي سعادتك..وان ارى الابتسامة تضيء وجهك من جديد..
في تلك اللحظة شاهدتها تبتسم..ربما كنت اتخيل ..ولكنها حقا ابتسمت..ابتسامتها كانت مليئة بالخجل ..ووجنتيها توردتا بشكل ضاعف من جمالها..وربما النظرة التي رأيتها في عينيها لحظتها ولم استطع ان افسرها كانت نظرة ندم..ربما..وظلت على صمتها لفترة اخرى قبل ان تقول وهي تزدرد لعابها بارتباك وتلعثم شديدين: بصراحة لا اعلم ما اقول..ولكني اشكرك..
قلت وانا انهض من على المقعد: بل انا الذي اشكرك لانك سمحت لي بهذه الدقائق من وقتك لاتحدث لك..
ومددت يدي نحوها وقلت بابتسامة شاحبة بعض الشيء: حسنا هل تسمحين بأن اودعك؟..
مدت يدها هي الأخرى وصافحتني لتقول: بالتأكيد انت زميل لي قبل كل شيء..
قلت مبتسما: هل اعتبر حديثك هذا معاهدة صلح بيننا؟..
كانت اجابتها لي هي ابتسامة ..ولكنها كانت تكفيني واكثر..ثم قلت متسائلا: وهل استطيع ان اطلب منك شيئا ما دام هذا لقاءنا الأخير؟..
ترددت قليلا ومن ثم قالت: ان كنت استطيع تلبية طلبك هذا..فلن اتأخر..
قلت وانا اتطلع لها: لقد سمعت انك تتمنين ركوب الخيل..اهذا صحيح؟..
رفعت حاجبيها باستغراب وقالت وهي تومئ برأسها: بلى..
- هل تسمحين لي اذا ان اعلمك ركوبه؟..
- وهل ركبت خيلا من قبل؟..
- لقد اشتركت لفترة في قسم الفروسية في النادي ولكني تركته بعدها بفترة..
- ولم؟..
استغربت سؤالها لي وقتها ..لا بل استغربت من محادثتنا معا ..لقد توقعت ان تصرخ في وجهي ..ان ترفض الاستماع لي منذ ان جئت للحديث لها..ولكن يبدوا انني كنت مخطأً ..مايا انسانة مرهفة المشاعر والاحاسيس ولهذا لم ترفض الاستماع الى شخص طلب الحديث اليها...
قلت مجيبا على سؤالها: بسبب ضغط الدراسة والامتحانات التي واجهتني في بداية دراستي بالجامعة..
واردفت في سرعة: والآن مارأيك؟..هل توافقين؟..
اطرقت برأسها يصمت ومن ثم قالت: ليس الآن..ربما في يوم آخر او وقت افضل من هذا..
قلت بابتسامة: أأعتبر هذا وعداً منك على تلبية طلبي يوما؟..
قالت بابتسامة باهتة: يمكنك ان تعتبره كذلك..
قلت وانا ادير ظهري لها: اذا اودعك الآن..على امل ان القاك مستقبلا..وان تفي بوعدك هذا يوما..
وسرت مبتعدا عن مايا..الفتاة التي تمكنت من امتلاك مشاعري قي يوم ..وبات لقاءنا حلم اتلهف لاجله في كل دقيقة وكل ثانية...
صمت طارق بغتة..وتوقف عن السرد..فقالت وعد بدهشة: لماذا توقفت؟..هل هذه هي نهاية الحكاية؟..
هز طارق رأسه نفيا وقال: لا لم تحن النهاية بعد..
- اذا لم توقفت عن السرد؟..
قال طارق بابتسامة باهتة: لقد طلبت نصف ساعة لأحكي لك تتمة الحكاية..وقد مضت الى الآن ساعة كاملة تقريبا..
قالت وعد بدهشة: أحقا؟..لم انتبه..المعذرة ان كنت قد اضعت وقتك..
قال طارق بهدوء: لا عليك..
وعاد لمواصلة كتابته للموضوع..ووعد تتطلع اليه دون ان ينتبه لنظراتها..كانت نظراتها له في هذه المرة تختلف..تختلف عن كل مرة..لم تكن نظرة اعجاب او فضول او اهتمام ..لقد كانت نظرة فتاة لفارس احلامها..
*********
ربما كان السبب الذي حرم هشام من لذة النوم هو تفكيره المتواصل بوعد..او ربما لقاء ما قالته تجاهه وعن علاقتها به..وانها لا تعتبره الا مجرد أخ..او ربما تفكيره المتواصل بكيفية جعل وعد تبادله المشاعر..المهم الآن..ان عيناه لم تذوقا طعم النوم ابدا..
تطلع الى ساعته التي تشير الى العاشرة صباحا ..لم يذهب الى العمل اليوم..اتصل لأخذ اجازة من العمل..ثم يوما واحدا لن يضر أحد..ولكن ما الذي عليه فعله لجعل وعد تبادله المشاعر هل يعترف لها بما يجول في صدره..هل يخبرها بحبه الكبير لها؟..هل....؟؟؟
افكار كثيرة وتساؤلات اكثر جالت بذهنه..وهو يحاول الوصول الى طريقة او وسيلة توصله الى قلب وعد..وتحرك مشاعرها تجاهه..لكن كيف؟..هل المشاعر تتحرك لشخص ما حسبما نريد نحن ام حسبما يريد هو؟..تنهد بحرارة والتقط هاتفه المحمول..عليه ان يتحدث الى وعد ..يتناقش معها على الاقل ..يفهم منها لم تعتبره مجرد اخ لا اكثر على الرغم من كل ما يفعله لاجلها..الا تشعر به؟..
ضغط رقم هاتفها في سرعة واستمع الى الرنين المتواصل ..وعقد حاجبيه..لا جواب..أتتعمد عدم الاجابة عليه ام ماذا؟..حسنا اذا كما تفعل معه سيفعل..انها تتجاهله ..لهذا سيتجاهلها هو ايضا..ولم يلبث ان رمى الهاتف على فراشه بعصبية..
لم تمض دقائق حتى انطلق هاتفه بالرنين ..تطلع الى الرقم..انها وعد..لن اهتم ولن اجيبها..ولتتصل الى الغد حتى..وتوقف الهاتف عن الرنين بغتة كما انطلق..وهنا شعر بالندم..انها لن تخسر شيئا او تهتم اذا لم يجب على اتصالها..ولكن هو من سيخسر في النهاية..انه من....
عاد الهاتف الى رنينه من جديد..فلم يكذب هشام خبرا واسرع في الاجابة قائلا: اهلا وعد..
قالت وعد باستغراب: هشام..ماذا هناك لقد اتصلت بك قبل لحظة ولم تجب؟..
قال هشام بهدوء: لا شيء..
قالت مبتسمة بمرح: لا تقل انك كنت تريد اعادة الكرّه لي..فعندما لم اجب عليك..لم تجب انت كذلك..
ابتسم هشام لا اراديا وقال : من الجيد ان لديك بعض الذكاء الذي يُمكنك من فهم الامور على شكلها الصحيح..
- مضحك جدا لو لم اكن املك ذكاءا فائقا لما كنت اجلس الآن على مكتبي..والآن ماذا تريد؟..
قال هشام بسخرية: سيارة آخر طراز..
اتسعت ابتسامة وعد وقالت: لا تكن سخيفا..أخبرني ماذا تريد هيا؟..
قال باستنكار مصطنع: اتستخسرين شراء مجرد سيارة لي..يا للبخل..
قالت وعد بسخرية مماثلة: سأذهب واشتريها لك..ولكن امنحني ثمنها اولا..
قال مبتسما: على العموم لا احتاج لصدقاتك..اخبريني يا وعد هل لديك ارتباطات لهذا اليوم؟..
قالت وعد ساخرة: بلى.. لدي مؤتمر علي الذهاب له..وندوة صحفية وحفل زفاف وحفل عيد ميلاد وكذلك سأزور احدى الشركات وأحد المطاعم و....
قاطعها هشام بسخرية: والمقبرة الن تذهبي لزيارتها هي ايضا؟..من المؤسف ان لا تزوريها..
قالت وعد باستخفاف: كلا لن اقوم بزيارتها لان زيارتها تناسبك انت اكثر..
قال هشام بغتة بجدية: افكر في دعوتك على الغداء ما رأيك؟..
قالت وعد وهي تفكر: لا بأس..تعال الى الصحيفة الساعة الثانية والنصف تقريبا..
قال هشام بسعادة: حسنا سأكون هناك قبل الثانية والنصف.. اراك بخير وا...
قاطعته وعد قائلة : واهتمي بنفسك..لقد حفظتها اقسم على ذلك..
- حسنا اذا كم مرة قلتها هذا الاسبوع؟..
ضحكت وعد وقالت: اظن انها مائة مرة..ماهي جائزتي؟..
- لا شيء فاجابتك خاطئة..
قالت مبتسمة: افضل..والآن الى اللقاء..وسأهتم بنفسي لا تقلق..
- الى اللقاء يا وعد..
قالها هشام واغلق الهاتف..التقط نفسا عميقا قبل ان يتوجه الى احد ادراجه ليفتحه ويتتطلع الى تلك العلبة المتوسطة الحجم التي بداخله ويقول بابتسامة حالمة: يا ترى هل ستكون هديتي لك هي الهدية المميزة في حفل عيد ميلادك يا وعد؟..
**********
لم يتمنى عماد ان ينتهي وقت العمل سريعا في حياته..قدر ما تمناه ذلك اليوم..كان يتمنى أن ينتهي دوام العمل حتى يرى ليلى..حتى وان كان سيراها من بعيد فحسب..لهذا ما ان اعلنت عقارب الساعة الثانية ظهرا تماما تقريبا..حتى اسرع بوضع الاوراق المهمة في حقيبته..قبل ان يغادر المكتب في سرعة..
استقل المصعد الذي في نهاية الممر وضغط على زر الطابق الارضي..وانتظر في لهفة وصوله..وتوقف المصعد عند الطابق الثاني حتى يصعد موظفوا هذا الطابق ليغادروا بدورهم ..ومن بينهم كانت هي..ليلى..
ارتسمت ابتسامة على شفتي عماد..يبدوا ان القدر لا يزال مصرا على ان يكونا سويا..وانتبهت ليلى الى نظرات عماد التي تراقبها..فالتفتت له بحيرة..وهنا شاهدت ابتسامته وهو يتطلع لها بنظرات اعجاب واهتمام غريبين..فقالت بهمس: هل هناك شيء يا سيد عماد؟..
قال عماد وهو يهز كتفيه: لا ابدا..
صمتت وهي مستغربة من نظراته..يا ترى هل سيفكر مدير الشركة في مجرد موظفة..ولم لا؟..انه يعرفها قبل ان يعلم من تكون..وهي تعرفه كذلك قبل ان تعلم من يكون ..وما هي وظيفته..
ظلت صامتة حتى وصل المصعد الى الطابق الارضي وغادره الجميع الى الاستقبال ومن ثم الى المواقف الخاصة بالشركة ..ولم يجد عماد فرصة افضل من هذه حتى يتحدث فيها الى ليلى..لهذا تبعها بخطوات سريعة بعض الشيء وهو يقول: آنسة ليلى..
التفتت له ليلى بتساؤل..فقال وهو يبتسم: أتمنى ان تكون الوظيفة قد حازت على رضاك واعجابك..
قالت ليلى وهي تومئ برأسها: بكل تأكيد..
قال عماد بهدوء: سعيد لسماع هذا..
واردف ببعض التردد: آنسة ليلى..هل استطيع دعوتك على كأس من العصير؟..ارغب في الحديث اليك بخصوص أمر هام بعض الشيء..
تطلعت اليه ليلى باستغراب قبل ان تقول بدهشة: تدعوني انا؟..
قال عماد وهو يتنهد: ان كان هذا يزعجك فليس هناك أي داع للامر من الاساس..
قالت ليلى وهي تزيح بعض من خصلات شعرها خلف اذنها بتوتر: ابدا ولكن...لكني لم اظن ان مدير في شركة سيدعو مجرد موظفة لديه في...
قاطعها عماد قائلا باستنكار: أي قول تقولينه يا آنسة ليلى..هل اصبحت المناصب هي التي تحرك البشر الآن؟..هل أصبح من الواجب على الامير الا يعرف سوى الامراء كما كان يحدث في الماضي؟..لقد تطور العالم بأكمله..وحتى لو لم يتطور تفكير البشر بعد..فإن العواطف والاحاسيس ليس لها أي دخل بالمناصب او المال..المشاعر هي تحرك البشر وتوفق بين الناس..وليس المال والنفوذ والسلطة...
تطلعت اليه ليلى بدهشة كبيرة..كلماته الرائعة استطاعت ان تبعث الارتياح في نفسها..لديه منطق رائع بالحديث..هذا بالاضافة الى انه كان يتحدث عن المشاعر والاحاسيس.. ترى ايعنيها هي؟..هل تحركت مشاعره تجاهها كما تحركت مشاعرها تجاهه؟..
ازدردت لعابها في توتر قبل ان تقول: معك في كل ما قلته يا سيد عماد..
قال مبتسما: لم تخبريني بعد..هل توافقين على دعوتي لك؟..
قالت وهي ترفع رأسها له وتبتسم: بكل سرور..
اتسعت ابتسامة عماد وقال وقد انفرجت اساريره : اشكرك كثيرا يا آنسة ليلى..وارجو ان لا يكون ذلك قد ازعجك..
اسرعت تقول: ابدا..ولكن اي مطعم هو؟..
قال عماد بتفكير:مطعم العاصمة..
قالت وهي تومئ برأسها: حسنا سأكون هناك..عن اذنك..
قالتها واسرعت باتجاه سيارتها لتصعدها وتنطلق بها الى حيث المطعم..وتوجه عماد الى سيارته بدوره ليركبها وينطلق بها..وهو يشعر بالرضا والارتياح لأنه قد قام بالخطوة الاولى تجاه علاقته بليلى اخيرا....
**********
نهضت وعد من خلف مكتبها مع رنين هاتفها الذي انطلق معلنا ان هشام قد وصل..وهو ينتظرها بالاسفل..وقالت في سرعة وهي تدخل حاجياتها في ادراج المكتب: اراكم غدا..الى اللقاء..
واسرعت بمغادرة القسم..وطارق يتابعها بناظريه..وبغتة قاطعه من شروده صوت أحمد وهو يقول: لم تخبرني ..ما الذي بينك وبين الآنسة وعد؟..
قال طارق متعمدا البرود في حديثه: زمالة عمل..
مال نحوه أحمد وقال وهو يبتسم: أعلم انها زمالة عمل..لست أحمقا..ولكني اقصد ما هو أكثر من ذلك..
قال طارق وهو يهز كتفيه: لا شيء أكثر من ذلك..
قال احمد وهو يرفع حاجبيه: أتحاول الكذب علي..لقد شوهدت يا صديقي العزيز طارق معها بالكافتيريا..
قال طارق بسخرية: صحيح..وبعد؟..
- لا شيء..
قال طارق بلامبالاة: اذا اصمت ولنغادر نحن ايضا..
قال أحمد وهو يفكر: لا تحاول اخفاء الامر عني..أعلم انك تحمل لوعد مشاعر ما..
قال طارق ببرود: بلى..مشاعر الزمالة..
- وهل توجد مشاعر بالعالم تسمى مشاعر الزمالة؟..انت معجب بها ومهتم لأمرها..اليس كذلك؟..
- لا ليس كذلك..
قال أحمد وهو يجذب له مقعدا ويجلس عليه في مواجهة طارق: اذا ماذا تسمي متابعتك لها بنظراتك دائما..وماذا تسمي جلوسك معها بالكافتيريا بالأمس..
قال طارق بضجر: لا اظن ان الحديث مع أحدى الزميلات قد بات جريمة هذه الايام..
مال نحوه أحمد وقال وهو يغمز له بعينه: اعترف وارح نفسك..
- لا يوجد ما اعترف به..
قال أحمد وهو ينهض من على المقعد: حسنا يا طارق..كما تشاء..ولكن صدقني سأثبت لك يوما انك مهتم جدا بهذه الفتاة..
ابتسم طارق ابتسامة باهتة وقال: سأنتظر هذا اليوم الذي لن يأتي ابدا..
قال أحمد بابتسامة: سنرى..
وتوجه أحمد الى حيث مكتبه...حتى يجمع حاجياته ويغادر هو الآخر..بينما شرد طارق قليلا ليفكر في كلمات أحمد..وفي المشاعر الغريبة التي باتت مسيطرة عليه تجاه وعد..ترى هل تحقق المثل القائل " الحب لا يأتي الا بعد عداوة".. ترى اهذا صحيح؟..هل مشاعره تجاه وعد تصل الى درجة الحب؟..لا يظن..وتحدث الى نفسه قائلا ببعض السخرية: ( لا تظن..أم انك..لا تريد ان تعترف..ان هذه الفتاة استطاعت ان تحرك مشاعرك تجاهها دون ان تشعر بذلك)..
***********
ابتسمت وعد وهي تصعد سيارة هشام وتقو ل يلهجة آمرة مصطنعة: هيا تحرك..
قال بسخرية: كنت سأفعل لولا ان تحدثت..
قالت وعد وهي تلتفت له بغضب مصطنع: أتعني ان اوامري غير مستجابة..سوف اقوم بطردك ايها السائق المتمرد..
قال هشام بسخرية أكبر: أي وظيفة افضل من ان اعمل عند فتاة حمقاء مثلك..
قالت وعد بابتسامة: لم يطلب احد منك ان تدعو فتاة حمقاء على الغداء..
انطلق هشام بالسيارة لحظتها وقال مبتسما: في الحقيقة الامر لم يكن بيدي..هناك امر هام علي قوله لك..ولهذا اضطررت لدعوتك..
قالت وعد وهي تتطلع من نافذة السيارة: يمكنك ان تتراجع عن قرارك ان اردت..
قال هشام متحدثا الى نفسه وهو يختلس النظرات اليها: (أمجنون انا لاتراجع عن قرار كهذا؟..أمجنون لأتخلى عن أي لحظة تجمعنا سويا؟..سأجن فعلا يا وعد لو انك لم تكوني لي أنا..أنا مجنون بك يا وعد..أحبك أنت..الا تفهمين؟)..
تمنى هشام لو يستطيع ان ينطق بكلمة مما جال بذهنه..لكنه لم يفعل..خشى من صد وعد له..او ان تحطم آماله التي عاش عليها طويلا..أيهما الافضل ان تعيش على امل سعيد واه..أم تعيش في واقع مرير؟..
وأيقظته وعد من شروده وهي تقول: هشام..توقف هنا..
قال هشام بحيرة: ولم؟..
قالت وعد باصرار: قلت توقف هنا..
توقف هشام كماطلبت منه وعد..فقال متسائلا: ها قد توقفت..والآن ما الأمر؟..
قالت وعد مبتسمة: اهبط من السيارة..
قال هشام بسخرية: هل هذه أعمال احدى العصابات؟..
- لا ..لا تقلق..هيا اهبط..
هبط هشام وهو في حيرة من أمره..فلم يكن بجوارهما سوى حديقة عامة..وبعض المحال البسيطة..مما جعله يقول: اترغبين بشراء شيء من هنا؟..
قالت وعد وهي تهز رأسها نفيا: بل أرغب في السير قليلا في هذه الحديقة..هل تمانع؟..
هز هشام كتفيه وقال: ابدا..
أمسكت وعد بكف هشام وجذبته معها لتقول بابتسامة: اذا هيا..
ارتفع حاجبا هشام للحظة ولكنه عاد ليخفضهما وهو يبتسم بسرور..وسارا في تلك الحديقة لبضع دقائق وهما ملتزمين الصمت..كلاهما شارد ويفكر في أمر مختلف..فمن جهة كانت وعد تفكر في طريقة لتفهم هشام الأمر دون ان تجرح مشاعره او تحزنه..ومن جهة أخرى كان هشام يفكر في طريقة لجذب مشاعر وعد تجاهه..وأخيرا قطعت وعد الصمت وقالت: أتذكر يا هشام عندما كنا صغارا كنت اناديك أحيانا بكلمة أخي..كنت أظنك أحيانا شقيقي فعلا..
تطلع هشام اليها..لم تقول مثل هذا؟..هل تتعمد ان تنبه ان علاقتهما لا تتعدى كونها الأخوة..لا وألف لا..وقال : بلى أذكر..وأحيانا كنت أغضب و أخبرك بأنني لست شقيقك ...ولكنك تصرين على ذلك..وتقولين انني احاول الكذب عليك فقط و انني شقيقك وانت شقيقتي..
تنهدت وعد..وهي تبطء من خطواتها قليلا..لقد تعمدت فتح هذا الموضوع بالذات..وقد تعمدت ان تنبهه بأنها لم تعتبره في صغرها الا شقيقا..ولازالت تعتبره كذلك..لا تريده ان يحيا في أوهام لا حقيقة لها..عليه أن ينساها..ويبحث عن فتاة تحبه بحق..
قال هشام بغتة بجدية: وعد هل يمكنني ان اتحدث اليك بكل صراحة؟..
أدركت وعد ما سيقوله لذا قالت محاولة اضفاء بعض المرح: لا..لا يمكنك..
قال هشام وهو يمسك بمعصمها ويوقفها عن مواصلة سيرها: وعد..هناك أمر هام عليك أن تعلميه..
توترت وعد..وازدردت لعابها بصعوبة..لا تريد ان تجرح هشام بكلماتها..وفي الوقت ذاته لا تريده أن يحيا على آمال زائفة..فما الذي تستطيع ان تفعله؟..
وتطلع هشام الى عينيهاالعسليتين بعمق..نظرة اربكتها ..وجعلتها تشيح بعينها بعيدا.. ومن ثم قال بحنان: أتعلمين سبب عصبيتي معك أحيانا..وخاصة عندما تفكرين بالخروج الى مكان ما..أو حين تجالسين عماد؟..
قالت وعد بمرح مصطنع: ربما لأنك تكره عماد..
قال هشام وهو يهز رأسه نفيا: لا..بل لسبب مختلف..
اصطتعت وعد التفكير وهي تضيع سبابتها اسفل ذقنها ومن ثم قالت: ربما لأنك تحب التشاجر معي واستفزازي..
ابتسم هشام ابتسامة خافتة وحانية..ومن ثم انزل كفها عن ذقنها ليقول: وليس لهذا السبب ايضا..
تضاعف توتر وعد اضعافا..هاهو هشام سيخبرها بما يكنه لها من مشاعر وهي لا تستطيع سوى ان تقف كالتمثال أمامه ..لا تستطيع ان تنطق ببنت شفة أو تتهرب مما سيقوله..فلو تهربت اليوم فلن تستطيع ذلك غدا..ثم انه كلما كانت معرفته بالحقيقة في وقت اسرع كلما كان ذلك أفضل..
ووجدت هشام يمسك بذقنها ليرفع رأسها له..ويجبرها على النظر اليه ويقول بنظرات مملوءة بالحب: بل لأني أحبك أنت يا وعد..أحبك..
سرت رعشة في جسد وعد وهي تسمع كلمات هشام لها ..كانت رعشة خوف مما قاله..ومن مشاعره الصادقة تجاهها ..ترى هل ستستطيع قتل حلمه لتحيا هي..أم تنسى أحلامها لتسعد شخصا يحبها بكل صدق واخلاص..لا تعلم..لا تعلم..رأسها يوشك على الانفجار وهي تلمح نظرات الحب والحنان التي يغمرها بها هشام وهو ينتظر سماع رد منها..اي رد...

جنــــون 11-23-2011 01:29 AM

*الجزء الخامس عشر*
(ماذا أفعل؟)


كان هذا اصعب موقف تمر به وعد في حياتها..أصعب امتحان لها..ونطقها للكلمات التالية ستحدد مصيرها ولن يكون لها رجعة..اما احلامها هي او احلام هشام..أحست بشلل تفكيرها لا يمكنها ان تتحدث وهي ترى نظرات الحب والحنان التي يغمرها بها هشام..تشعر بأنها ستكون انانية لو رفضت حب شاب أحبها بكل اخلاص..وتتسبب في جرح مشاعره من أجلها هي..أليست هذه انانية منها..ان تسبق سعادتها على سعادة غيرها؟..
ولكن لا..انها حقا تفكر في سعادة هشام ايضا..فلو انها تزوجت شخصا وهي لا تحبه سيكون هذا ظلم وتعاسة له..لن تحقق له السعادة التي يتمناها لو انها لا تبادله المشاعر ..ثم ماذا عن طارق؟..
طارق؟؟..ما الذي أتى بطارق في ذهني الآن..ما الذي يربط بين طارق وبين هذا الموضوع؟..أحقا افكر انني سأتخلى عن طارق ومشاعري تجاهه لو انني تخليت عن احلامي ومشاعري ..وحققت احلام هشام؟..يا الهي أي حيرة هي هذه؟؟..
وعندما شعر هشام بأن صمت وعد قد طال أكثر من اللازم..قال بلهفة واهتمام: اجيبيني يا وعد..تحدثي..قولي أي شيء..لا تظلي صامتة هكذا..فصمتك هذا يكاد يقتلني..
توترت وعد وهي تتطلع الى هشام..والتقطت نفسا عميقا قبل ان تزيح كفه عن ذقنها بهدوء وتقول بشحوب: حسنا..انا اعلم انك تحبني منذ زمن..
قال هشام بذهول وهو يتتطلع اليها: تعلمين؟؟..
قالت وهي تحاول ان تبدوا لهجتها طبيعية: أجل ..أعلم ..كما أحبك انا تماما ..
كاد قلب هشام ان يرقص فرحا..كاد ان يقفز من شدة سعادته..كاد ان يحلق بالهواء وهو يسمع عبارتها السابقة ..لولا ان اردفت: كأخ لي تماما..
تطلع اليها هشام كالمصعوق ومن ثم قال: كأخ؟؟..ومن قال اني أحبك كأخت لي..أنا احبك يا وعد..وأتمناك شريكة لحياتي ..الا تفهمين؟؟..
قالت وعد بابتسامة مصطنعة: ولكنك أخي..
قال هشام بغضب: أنا لست أخاك..الا زلت تظنين ذلك؟..ألا زلت تلك الطفلة الحمقاء التي تظنني أخاها؟؟..
قالت وعد بهدوء: بل انت أخي..انت وفرح شقيقاي التي لم تلدهما والدتي ..لقد عشنا سويا..ترعرعنا معا..كأخوة تماما..
أمسك هشام بكتفيها بحدة وقال بعصبية: وعد..لا تثيري جنوني أكثر من هذا..أنا لست شقيقك ولن أكون..الا تفهمين؟..أنا أحبك بكل ما أملك من مشاعر..واتمناك لترافقيني بقية حياتي..اتمناك ان تكوني الى جواري الى الابد..أنا احبك يا وعد..لم لا تصدقين؟..
قالت وعد وهي تتطلع الى هشام: اصدقك يا هشام..ولكن لكل منا امنياته واحلامه التي يتمنى تحقيقها..أنا لن احقق لك السعادة التي تتمناها صدقني..لاني سأظل أحبك كأخ طوال عمري..هل تقبل ذلك يا هشام؟..ان تتزوج فتاة وهي تعتبرك كأخ لها..وحتى ان قبلتها انت..أنا لن اقبلها..لانك عزيز علي كثيرا..
صمت هشام وهو يشعر بغضبه يتضاعف..وبآلامه تزداد ..كيف يتركها وهي حبيبة قلبه..أغلى انسانة لديه في هذا الوجود..بدونها يشعر انه تائه.. ضائع في عالم لا يعرفه ..يشعر انه انسان لا معنى له .. بقربها يشعر بالسعادة وبالحنان ..وبأن الحياة هي نبضات قلبها والسعادة هي ابتسامتها والدفء هي لمسة من كفها ..ان نبضات قلبه تهتف باسمها ..انفاسه تشهد بحبه لها ..انها من عاش بقربها سنوات عمره التي مضت ..تضاعف حبه لها كلما رآها تكبر أمام عينيه ..ولكنها لم تشعر به ابدا..وحتى عندما أعلن لها بمشاعره رفضت مشاعره..لا يستطيع ان يتخلى عنها او ينساها مهما فعلت..انها وعد..حبه الوحيد..حلمه الذي عاش ليالي من الألم لأجله..انها حلم حياته..
وشعرت وعد في هذه اللحظة بالمرارة التي يتجرعها هشام .فقالت وهي تتنهد: هشام..هل اسألك سؤالا؟..
لم يجبها واكتفى بنظرة لوم وعتاب..فقالت وهي تتحاشى نظراته: لو ان الوضع قد اختلف..وانت من كان يعتبرني مجرد أخت له..هل كنت ستتخلى عن أحلامك وحياتك لأجلي؟..
ظل هشام صامتا..فالتفتت له وعد وقالت: ارجوك أجبني..لو كنت انا من يحبك..هل ستتخلى عن كل شيء لأجلي؟..
قال هشام بعصبية: لا استطيع التفكير في شيء..ارجوك يا وعد اصمتي..
قالت وعد وهي تعقد ساعديها امام صدرها: لا لن اصمت ..عليك ان تفهم الموقف على شكله الصحيح ..ولا تظن انني اظلمك ..على العكس انا بهذا افعل ما هو في صالحك ..لو تجاهلت مشاعري تجاهك اليوم..فلن استطيع ذلك غدا او بعد غد ..اريدك ان تفهم يا هشام..انك اكثر من أخ بالنسبة لي ..انك الشخص الوحيد الذي اثق به.. واطلعه على جميع مشاكلي..لهذا لا اريد ان اكون سببا في آلامك ..هشام انا اتمنى ان تتزوج من فتاة تحبها وتحبك هي بكل صدق وبكل مشاعرها واحاسيسها..فعندها فقط تستطيع ان تحقق لك احلامك والسعادة التي لطالما تمنيتها..
قال هشام بسخرية مريرة: أجل صحيح انت لاتظلميني ابدا..ولن تسببي لي أي الم او مرارة بكلماتك هذه..انك تقتليني ببطءيا وعد ان كنت لا تشعرين بذلك الى الآن..
قالت وعد وهي تتنهد مرة اخرى بحرارة: قد تكون كلماتي لك قاسية الآن او جارحة..ولكنها ليست كلمات خادعة..على الاقل ان اخبرك بالحقيقة التي ستجعلك تحيا حياتك من دوني..ولا ادعك تحيا في خديعة..لن تلتئم جراحها طوال الدهر كله..
قال هشام وهو يشعر بقبضة باردة تعتصر قلبه و يحاول ابتلاع تلك الغصة المريرة التي امتلأ بها حلقه : بل ان كلامتك لي الآن هي التي ستظل جراحا لن تلتئم ابدا يا وعد..
قالت وعد وهي تتطلع اليه برجاء: ماذا تريدني ن افعل يا هشام؟ ..اخبرني ارجوك..اتريدني ان اخدعك؟..ان اكذب واقول اني أحبك واني اوافق ان اكون شريكة لحياتك ..اتريدني ان اجعلك تكرهني وتكره حياتك معي وانت لا ترى مني أي مشاعر او تجاوب معك في كل هذه المشاعر الكبيرة التي تحملها لي..اتريدني ان أكون سببا في آلامك طوال عمرك..وانت الذي لم تتسبب في آلامي يوما..لهذا لا اريد ان اؤذيك..لا اريد ان اخدعك..هل فهمت ما قلته يا هشام؟..
طعنات كالخناجر كان يشعر بها هشام في صدره وقلبه كلما واصلت وعد كلماتها..لماذا لا تصمت؟..الا تعلم ان كل حرف تنطق به كالسكين التي تغرز في قلبه..الا تعلم ان نبتة حبه لها التي اخذ يسقيها طوال عشرون عاما لتنمو تكاد تذبل بكل برود بكلماتها القاتلة له ..فالتكذب ..فالتخدعه..ولكن لا تقول انها لا تحبه و لا تفكر به..وانه لاشيء في حياتها..سوى اخ...أخ...
شعر بالدماء تكاد تنفجر من عروفه..وتلك الكلمة تتردد في ذهنه..لم تفعلين بي هذا يا وعد؟..اتفرحين وانت تريني أنهار امام ناظريك؟..وسمع صوت وعد في تلك اللحظة تقول وهي تضع كفها على كتفه بهدوء: لا اريد ان ارى هذه النظرة في عينيك يا هشام..لقد كنت صلبا دائما..ولا تزال..ازل هذه النظرة من عينيك وانسى فتاة حمقاء تدعى وعد ..اتفقنا؟..
قال هشام وهو يزيح كفها عن كتفه بخشونة ويلتفت عنها: فلنعد الى المنزل الآن..فلاداعي لمكوثنا هنا وقت اكبر ..فكل شيء قد انتهى..
سارت وعد خلفه وهي تعلم بالألم الذي خلفته في قلب هشام..ولكن هذا هو الواقع..وعليه ان تأخذ الامور مجراها الصحيح..
في رأيكم انتم..اتعتبرون مافعلته وعد صحيحا ام خاطئا؟..هل اخطئت عندما جرحت مشاعره وآذته بكلماتها؟..ام فعلت الصواب عندما قررت ان لا تخدعه بمشاعر زائفة ؟...
*********
لم يعرف عماد بم يبدأ الحديث وهو يجلس في ذلك المطعم مع ليلى..يشعر انه قد تسرع أكثر من اللازم في دعوتها..وانه لم يتوجب عليه ان يدعوها وهو لا يعرف عنها شيئا بعد..ترى هل أخطأ بذلك؟..لم يُعرف يوما بالتسرع...فلماذا قد تسرع الآن؟..هل هي اللهفة لمحادثة ليلى؟..أم كان الخوف من مغادرتها للشركة دون ان يحظى ولو بدقائق لمحادثتها؟..
ولم يجد ما يقوله لها وهو يراها تشرب العصير بهدوء سوى : هل أعجبك المطعم؟..
يعلم انه سؤال سخيف لبدء الحديث بينهما..لكنه لم يجد غيره..فقالت ليلى وهي رفع رأسها اليه: أجل..انه مطعم جيد جدا..
قال عماد بابتسامة خافتة: سعيد انه قد نال اعجابك..
دقيقة صمت مرت بينها وكلاهما مكتف بالنظر لما تحويه الطاولة او لما حوله..وشعر عماد بالضيق من هذا الصمت الذي غلفهما..هل جاءا الى هنا ليتطلعا الى محتويات هذا المطعم؟..
وقال محاولا قطع هذا الصمت مرة أخرى: مصادفة غريبة ان نكون نحن الأثنين نفضل عصير الليمون..
قالت ليلى موافقة: صحيح..
مرة أخرى يعود الصمت ليغلف المكان..ولكن في هذه المرة قطعته ليلى وهي تقول: لقد تأخرت..وأرغب في العودة..
قال عماد بخيبة أمل: كما تشائين..فلننهض..
قالها ونهض من مكانه..وهو يشعر بسخف موقفه معها..ماذا يدور في ذهنها الآن عنه..ياله من أحمق..غبي..كل ما استطاع فعله طوال جلوسه معها هو النظر الى ارجاء المطعم..عليه ان يفعل شيئا..أن يصلح من موقفه معها على الأقل..أجل ..عليه ان يعبر لها عن مشاعره ولو بشيء ضئيل...
**********
طرقات على باب غرفة هشام..سمعها هذا الأخير وهو يستلقي على فراشه ويستعيد كل لحظة قضاها مع وعد..منذ عشرون عاما حتى اللحظة..يشعر انه طوال عشرون عاما لم يتمسك الا بالهواء..ظن انه قد امسك بحلمه..تمسك ولو بالقليل منه..لكنه لم يكن يمسك طوال الوقت الا بالهواء..بذرات الغبار التي تسربت من بين اصابعه لتحلق مع حلمه في هذا الفضاء..تبا للحب..تبا لقلبي الذي لم يتعلق الا بفتاة حطته دون ان تكترث..
وعادت الطرقات على بابه..فقال بصوت عصبي بعض الشيء: من؟..
قالت فرح بصوت قلق: هشام ماذا هناك منذ ان خرجت وعدت وانت تقفل على نفسك الباب..ما الذي حدث؟..
قال هشام بعصبية أكبر: دعيني وحدي الآن يا فرح..ارجوك..
قالت فرح برجاء: لكن ما الذي حدث لكل هذا؟..أخبرني..
- لم يحدث شيء..فقط دعيني وحدي..
قالت فرح وهي تتعمد الضغط على كلماتها: هل ذهبت لوعد؟..
صمت هشام ولم يعلق..فأستطردت فرح قائلة: افتح الباب وأخبرني بما حدث بينكما..ربما استطيع ان افعل شيئا..
تنهد هشام وقال: لن يمكنك فعل شيء..فقط غادري ودعيني وحدي..
قالت فرح بألأم لحالة شقيقها: والى متى ستظل تسجن نفسك في غرفتك و تر...
قاطعها هشام قائلا بنفاذ صبر: ارجوك يا فرح يكفي..دعيني وحدي ..ولأمت ان كان هذا سيريحك..
شعرت فرح انه لافائدة ترجى من هذا النقاش..وابتعدت عن غرفته وهي تشعر بغصة في حلقها..ترى هل تستطيع ان تفعل شيء ما لتعيد هشام الى حالته الطبيعية؟..هل تستطيع أن تعيد ابتسامته المرحة التي لطالما رافقته أينما يكون؟..أم ان المرارة هي التي سيظل يتجرعها طوال عمره ؟..
**************
شردت وعد بذهنها بعيدا وهي تجلس على مكتبها بالصحيفة تتذكر أحداث الليلة الماضية..عندما اتصلت بها فرح حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف وقالت هذه الأخيرة بقلق: اهلا وعد..
قالت وعد وهي تتثائب اثر تعبها: ماذا هناك يا فرح؟..ما الذي دعاك للاتصال بي في وقت كهذا؟...
قالت فرح برجاء: ما الذي حدث بينك وبين هشام؟ ..اخبريني ..اتوسل اليك ..
رفعت وعد حاجبيها بدهشة ومن ثم قالت: ما الذي دعاك للظن ان هناك شيئا ما حدث بيني وبين هشام؟..
قالت فرح بتوتر: منذ ان أخبرته بجوابك..وانك لا تعتبرينه سوى اخ كما قلت لي..حتى تغيرت احواله تماما وقال لي انه سيفعل أي شيء لتكوني له..اخبرته انه لا فائدة مما يفعله..ولكنه لم يستمع لي..واليوم اراه يغادر المنزل ظهرا ويعود له وحالته قد انقلبت رأسا على عقب..اختفى الاصرار من عينيه ولم ارى فيهما سوى اليأس والمرارة..ثم لم يلبث ان دخل الى غرفته واغلق على نفسه الباب..ولم يخرج منها حتى الآن..
قالت وعد وهي تزدرد لعابها بقلق: ربما كان مشغولا..او يرغب في الجلوس لوحده قليلا..
قالت فرح باصرار: بل هو يتألم بسببك..أخبريني ماذا قلت له؟؟..
قالت وعد بحيرة: فرح ماذا جرى لك؟..لماذا تحدثيني هكذا؟..
- لان شقيقي يتعذب بسببك وانت لا تشعرين به..اراه يقتل نفسه لأجلك وانت لا تملكين ذرة احساس لما يفعل..وأخيرا اراه على هذه الدرجة من الانهيار بسببك..ولهذا علي ان افعل أي شيء لاجل شقيقي..اتفهمين يا وعد؟؟..
ألجمت الدهشة لسان وعد للحظات قبل ان تلتقط انفاسها وتقول: لم يحدث شيء سوى انني فضلت ان اخبره بالحقيقة على ان أخدعه ..فضلت ان اخبره بأنني اعتبره كأخ لي تماما.. لا بل اكثر من اخ..على ان اجعله يندم ويكرهني طوال عمره لأنني خدعته بمشاعر لا وجود لها..افهمت ما فعلته؟ ..أخبريني انت ايهما الصحيح في نظرك ..أخدعه ام اصارحه بالحقيقة؟..
قالت فرح بحنق: لا افهم سوى ان شقيقي يتألم بسببك انت..
- فرح..ماذا جرى لك؟..الم تعودي تنظرين الى الامور على شكلها الصحيح؟..انني لا اصلح لشقيقك ابدا..ايعجبك ان اكذب عليه اذا ؟.. ام يعجبك ان اقتل احلامي من أجله؟ ..از ربما ان اعيشه في ندم طوال عمره لانه اختار فتاة لن تبادله مشاعره حتى وان اصبحت زوجته يوما؟..أخبريني أي الحلول تفضلين؟..
قالت فرح بعصبية: لا اريد الا ان ارى اخي بخير واراه يمرح ويبتسم كعادته دوما ..لو حدث لشقيقي شيء يا وعد ..فلن اسامحك ..اتسمعين..لن اسامحك ابدا....

(وعد..وعد..)
انتفضت وعد وهي تستفيق من شرودها وتلتفت الى ناطق العبارة السابقة..انه هو..طارق..لا يزال مصرا على منادتها بأسمها مجردا من أي القاب..ورفعت رأسها اليه لتقول: ماذا؟..
- انا اناديك منذ مدة..مالامر؟..
قالت وعد وهي تبتسم ابتسامة باهتة: صحيح..لم انتبه..كنت شاردة الذهن..
تطلع اليها طارق وقال: يبدوا ان هناك امرا هاما يشغل ذهنك..
قالت وعد بهدوء: شيئا كهذا..
قال طارق وهو يصطنع اللامباة : حسنا اذا استعدي فلدينا مهمة صحفية الآن..
قالت وهي تنهض من خلف مكتبها: لقاء صحفي ام حادث؟..
قال طارق وهو يغادر القسم: لقاء صحفي..
اسرعت تسير مغادرة القسم برفقة طارق الذي قال وهو يراها صامتة: هل الأمر الذي يشغل تفكيرك يسبب لك كل هذا الحيرة والقلق اللذان اراهما في عينيك؟..
ابتسمت وعد وقالت: لم اكن اعلم من قبل ان عيناي تصفان حالتي النفسية للجميع..
قال طارق بابتسامة وهما يدخلان الى المصعد: ليس للجميع..لمن يعرف لغة العيون فقط..
قالت وابتسامتها تتسع: ومن يعرف مثل هذه اللغة الغريبة؟..
قال طارق وهو يشير لها بسبابته: لا يفهمها الا من يهتم بصاحبها..
ارتفع حاجبا وعد في تلك اللحظة باستغراب وحيرة شديدين..( لا يفهمها الا من يهتم بصاحبها)..هذا لا يعني سوى امرا واحدا ان طارق مهتما بي..أحقا؟..يهتم بي انا..لااظن..انه لا يقوم بأي شيء يثبت اهتمامه بي ...ولكن ..المشاعر تُحس يا وعد ولا تُقال..فما فائدة المشاعر ان نطقت بها الشفاه ولم ينبض بها القلب..ألا تشعرين بأنه يبدي بعضا من الاهتمام نحوك؟..ثم حكايته مع مايا لماذا يخبرها لكِ؟..لمجرد انك تشبهينيها في تصرفاتها..لا هناك سببا آخر بكل تأكيد خلف اخباره لي حكاية مثل هذه..
والتفتت له لتترجم افكارها الى سؤال نطقت به شفتاها وهما يغادران المصعد الذي وصل لتوه للطابق الارضي: استاذ طارق..اريد ان اسألك..لم تخبرني بحكايتك مع مايا؟..ألمجرد انني اشبهها بشخصيتها وتصرفاتها؟..
هز طارق رأسه نفيا وقال: لا.. هناك سبب آخر ايضا..
قالت وعد متسائلة: هل لي ان اعرفه؟..
- ستعرفينه..عندما تنتهي الحكاية..
وظلا صامتين حتى غادرا مبنى الصحيفة الى حيث سيارة طارق وصعد اليها هذا الأخير وقال متسائلا عندما رأى وعد تقف في مكانها ولم تصعد: لم لا تصعدين؟..نحن ذاهبان في مهمة عمل ليس الا..
فتحت وعد باب السيارة بتردد قبل ان تصعد اليها..وقال طارق في تلك اللحظة: هذا وقت مناسب لاكمال الحكاية اليس كذلك؟..
قالت وعد وهي تلتفت له بابتسامة: بكل تأكيد..
قال طارق بهدوء بعد ان انطلق بالسيارة وهو يحاول العودة بذاكرته الى احداث مضت عليها ثمان سنوات تقريبا : ولقد فعلت ما وعدت به مايا تماما..لم احاول العودة الى صفوف تلك المجموعة من جديد..او الاقتراب من أي منهم..لم يكن يألمني شيء بالأمر برمته..سوى انني قد ابتعدت عن مايا..لم اعد اراها الا للحظات قليلة او في قاعات الدراسة عندما بدأ العام الجديد لنا بالجامعة..
وقد استغرب عدد من الزملاء ابتعادي المفاجئ عنهم ..ولكني تعللت بالانشغال ..وبالدراسة..ولكنهم ظلوا يصرون ان هناك امرا اخفيه عنهم..وانني لم اكن لابتعد عنهم الا لسبب طارئ جدا..
كنت اقضي طوال وقتي بمكتبة الجامعة..افعل أي شيء حتى لا التقي بهم..ولم اكن اعلم يومها بأن مايا قد ندمت على ما فعلت وعلى انها طلبت مني الابتعاد عنهم.. لم اكن اعلم انها تشعر بتأنيب الضمير وبالافتقاد لي..وخصوصا وانني كنت محبوبا من الجميع في المجموعة..وكان الجميع يشعرون بالافتقاد لحسي المرح ويعتقدون ان شخصا ما من المجموعة قد ضايقني ودفعني للابتعاد عنهم..لم اعلم كل هذا الا في وقت متأخر .. وبعد ست شهور تقريبا من بداية الجامعة عندما جاءت الي...
رأيتها تقف أمامي وانا اغادرالمكتبة..لم اصدق عيني ..لقد ظننت انه مجرد حلم وسأفيق منه قريبا..ولكنني سمعتها تقول بابتسامة شاحبة: هل يمكن ان نتحدث؟..
قلت بلا تردد: بالتأكيد..
وذهبنا سويا الى كافتيريا الجامعة وطوال جلوسنا حول احدى الطاولات لم تتحدث..وقد استغربت صمتها هذا فقلت بحيرة: مايا ماذا بك؟..هل ضايقك احدهم؟..ام وقعت بمشكلة ما؟..
رايتها تتطلع الي وتقول: بل انا من ضايق احدهم واوقعته بالمشاكل..
قلت باستغراب: ان كنت تعنيني انا..فلا تعتقدي اني قد تضايقت ابدا..فأنا من وعدك بالابتعاد..وانت لم تطلبي مني أي شيء..
قالت وهي تعض على شفتيها بمرارة: بل انا كنت سبب ابتعادك..لو لم اتضايق من وجودك بيننا لما ابتعدت عنا..لقد كنت انانية وسأظل انانية دوما ..لا افكر الا في نفسي ..قررت ابعادك عنا لمجرد انك كنت محبوبا من الجميع ..ارأيت فتاة اكثر انانية مني؟..
تطلعت اليها وقلت مبتسما: انا لا اعتبرها انانية..لانني قد دفعت الجميع لاهمال وجودك بعد ان كنت تحاطين بكل الاهتمام منهم..ولهذا كان من حقك ان تتضايقي من شخص اقتحم عليك حياتك وافسدها..
قالت مايا وهي تشعر بغصة في حلقها: أرأيت..انا المخطأة في كل شيء وعلى الرغم من هذا تحمل نفسك مسؤولية كل شيء..انا احتقر نفسي في كل ثانية وانا اراك تقول مثل هذا..
واردفت بصوت متحشرج: لم اشعر بالندم في حياتي..مثلما شعرت به عندما وجدتك تبتعد عنا..ولهذا جئت اليك اليوم..لاعتذر..واطلب منك العودة الينا من جديد..وان تطوي صفحة الماضي..ونبدأ معا حياة جديدة..
ظللت صامتا للحظة وانا افكر في كل ماقالته..لقد جاءت لتعتذر..لكن لماذا؟..ما الذي دعاها للاعتذار.شعورها بالندم..أم بتأنيب الضمير..ام انني قد اثرت شفقتها؟..وقلت وانا اعقد ساعداي امام صدري: هل هي شفقة منك؟..
قالت مايا في سرعة: ابدا..اقسم لك..
ظللت افكر في كل شيء دار بيننا منذ ان رأيتها لاول مرة..الى ان قررت الابتعاد عنهم..ومن ثم الآن..وهي تعتذر لي..وظنت هي ان صمتي تردد مني فقالت برجاء: أنا آسفة حقا..لم اقصد أن اتسبب لك بكل هذه المـ...
قاطعتها وانا أضع سبابتي على شفتي واقول: هذا يكفي يا مايا..انت زميلة عزيزة علي..ولا داعي للاعتذار..
رأيتها تطرق برأسها وتقول: هل هذا يعني انك ترفض ما طلبته منك؟..
قلت مبتسما: بل اوافق..
تطلعت الي بعينان متسعتان ومن ثم قالت بابتسامة واسعة: توافق؟؟..حقا؟؟..هل ستعود الى المجموعة من جديد..لقد افتقدتك كثيرا..
ورأيتها ترتبك وتردف في سرعة: اعني افتقدناك جميعا..
قلت مبتسما: واتمنى ان لا تندموا على افتقادكم لي بعد عودتي اليكم..
قالت مايا بسعادة او هذا ما هُيأ لي وقتها: بل جميع الزملاء سيفرحون بعودتك..
ومنذ ذلك اليوم وقد تغيرت حياتي كليا مع مايا...
صمت طارق للحظة فقالت وعد باصرار: حسنا وبعد..أكمل..
ابتسم طارق وقال وهو يلتفت لها: لقد وصلنا..
قالت وعد بضيق: الا تصل الا في لحظة مهمة كهذه؟..
اتسعت ابتسامة طارق وقال: اخشى ان تشعري بالملل من ما احكيه بعد فترة..
- على العكس لقد بت احيانا اتمنى ان يأتي الغد..لأسمع تتمة الحكاية..
قال طارق بهدوء: حسنا سأكملها لك بعد ان ينتهي اللقاء الصحفي..أعدك..
قالت وعد بابتسامة: اشكرك..
قالتها وهبطا من السيارة الى ذلك المصنع..ليبدآ بعمل اللقاء الصحفي...
ترى هل حقا تحركت مشاعر طارق تجاه وعد؟..
وما مصير هشام وحبه الكبير لوعد؟..
وماذا عن طارق ومايا؟..
كلها اسألة ستعلمون اجوبتها مع مرور الأيام..

جنــــون 11-23-2011 01:29 AM

* الجزء السادس عشر*
(هل تجسدت احلامها على ارض الواقع؟)




قال طارق بغتة وهما في طريقهما الى المصنع: اسبقيني الى المصنع ريثما أحضر الكاميرا من السيارة..
قالت وعد وهي تومئ برأسها: حسنا..
عاد طارق الى حيث السيارة في حين استمرت وعد في سيرها باتجاه المصنع..عندما سمعت احد الاشخاص يهتف بها قائلا: من فضلك يا آنسة..
التفتت وعد الى صاحب الصوت وعقدت حاجبيها وهي تراه شابا يبدوا في العشرين من عمره ويضع كفه بداخل جيب بنطاله باستهتار..كانت الوقاحة واضحة على ملامحه..وهذا ما دعا وعد لعدم شعورها بالراحة من سؤاله فقالت ببرود: هل ناديتني؟..
قال الشاب بابتسامة صفراء: بلى..اريد ان أسألك.. كم الساعة الآن؟..
تطلعت له وعد باستخفاف ومن ثم قالت بسخرية: وما فائدة الساعة التي ترتديها حول معصمك اذا؟..
عقد الشاب حاجبيه وشعر ببعض الغضب من سخرية فتاة منه وقال وهو يلوح بكفه: انها معطلة..
قالت وعد بسخرية أكبر: اذاً ينبغي عليك استخدام الساعة الشمسية كما كان يحدث في العصور البدائية..
ازداد انعقاد حاجبي الشاب وهو يشعر بالغضب من كلمات وعد الساخرة له..في حين ابتعدت وعد عنه بلامبالاة..فهتف بها قائلا: ستندمين ايتها الجميلة..
لم تهتم وعد بما قال بل فضلت تجاهله وهي تتوجه الى المصنع ..وبغتة سمع ذلك الشاب صوتا صارما يأتي من جواره وصاحبه يقول: بل انت من سيندم ان تعرضت للآنسة مرة أخرى..
قال الشاب بابتسامة وقحة: حقا؟.. ومن انت؟..
قال طارق بسخرية: شخص سيسعده تحطيم اسنانك ان لم تصمت..
قال الشاب وهي يبتسم بسخرية: هيا ارني ما لديك اذا..
قال طارق وهو يكور قبضة يده: بكل سرور..
وهم بأن يلكم الشاب وتحقز هذا الأخير لتصدي لكمة طارق..ولكن كف وعد امسكت بمعصم طارق بغتة وهي تقول بهدوء: لا نريد أي مشاكل يا استاذ طارق فلنغادر ..ولا تهتم لأمر شاب مثله..
تطلع طارق الى الشاب بنظرات صارمة قبل ان يقول: حسنا ..هيا بنا ..
والتفتا عن الشاب ليسيرا في طريقهما وسمعاه يقول من خلفهما: يالك من جبان يا هذا..
قالت وعد وهي تلتفت لطارق: انه مجرد شاب طائش..دعه عنك..ولا تسبب أية مشاكل لك بسببه..
لم يعلق طارق على عبارتها ودلفا سويا الى حيث المصنع ثم استقلا المصعد الى الطابق الأخير..حيث مكتب المدير العام للمصنع..وسارا الى حيث مكتب السكرتيرة وشرح طارق لهذه الأخيرة سببب مجيئهم فقالت: حسنا ..يمكنكما الانتظار في مكتبه ريثما ينتهي الاجتماع..
قال طارق بتساؤل: ومتى سينتهي الاجتماع؟..
قالت السكرتيرة بعدم اهتمام: ربما بعد خمس عشرة دقيقة..
- شكرا لك..
نهضت السكرتيرة من خلف مكتبها.. لتفتح لهم باب مكتب المدير العام وهي تقول: تفضلا الى الداخل..
دلف طارق برفقة وعد الى الداخل وتطلع كلاهما الى هذا المكتب الذي اقل ما يقال عنه انه قمة في الفخامة والرقي والذي يبدوا مالكه من أثرياء الدولة..وقالت وعد وهي تهمس لطارق بصوت خفيض: مجرد مدير عام..لديه مكتب فاخر كهذا..
قال طارق بتفكير: يثير حيرتي هذا الامر حقا..
وقالت السكرتيرة وهي تشير لهما بالجلوس في ركن من المكتب والذي يحتوي على اريكة ذات جلد أحمر فخم..ومقعدين آخرين من نفس لون ونوع الجلد: تفضلا للجلوس من فضلكما..
جلس طارق على الأريكة.. بينما اختارت وعد الجلوس على أحد المقعدين..وعادت السكرتيرة لتقول: ماذا تشربان؟..
قال طارق بهدوء: قهوة من فضلك..
وقالت وعد وهي تسترخي قليلا: عصير البرتقال لوسمحت..
اومأت السكرتيرة برأسها وهي تتجه مغادرة المكتب بخطوات هدئة ..وما ان اغلقت باب المكتب خلفها..حتى قال طارق وهو يتطلع من حوله: لا اظن ان مجرد مدير عام لديه المقدرة المالية على تأثيث مكتب بمثل هذا الأثاث الفاخر..
قالت وعد موافقة: والشيء الاهم من هذا..انه بكل تأكيد قد استغل رأسمال هذا المصنع لتأثيث مكتبه ..وهذا ما سيدفع مصنعا كهذا للتراجع وربما الخسارة المالية..
التفت لها طارق وقال بمكر: ما رأيك بسبق صحفي مثير اذا؟..
قالت وعد مبتسمة وقد فهمت ما يعنيه: اتعني الكتابة عن امثال هذا المدير العام؟..
اومأ طارق برأسه ومن ثم قال: أجل والاهم من هذا اننا سنقرنها بالصور..
وناولها كاميرته الشخصية وهو يردف: هيا هلمي..والتقطي الصور لكل ركن في هذا المكتب..
ابتسمت وعد وقالت وهي تتناول الكاميرا منه: سأفعل بكل تأكيد..
واسرعت بالتقاط الصور لأرجاء لمكتب..وللتحف واللوحات الفنية الراقية والتي تدل على ارتفاع ثمنها..وسمعت طارق يقول في تلك اللحظة: أظن ان سبق صحفي كهذا سيمنحك حق ان تكوني صحفية حقيقية لجريدة الشرق..
قالت وعد وهي تلتقط صورة اخرى: اتمنى هذا..
صمت طارق قليلا ومن ثم قال: هذا يكفي يا وعد..لا نحتاج لكل هذه الصور..
قالت في سرعة: صورة واحدة اخرى فحسب..
واسرعت تلتقط تلك الصورة وتعود الى مكانها حيث كانت تجلس..وناولت طارق كاميرته..فقال هذا الاخير: حاولي طرح الاسألة المتعلقة بهذا الموضوع ولكن بطريقة غير مباشرة ..طبعا انت تفهمين ما اعنيه..
- بالتأكيد فلا تظن انني سأتخلى عن سبق صحفي كهذا ابدا..سأفعل أي شيء لأكون صحفية بالفعل بينكم..
قال طارق بهدوء: ونحن نرحب بك بيننا..
قالت وعد بابتسامة: وهذا يسعدني..
قالتها وشردت بذهنها قليلا..وهي أفكار كثيرة تدور في ذهنها تجاه طارق .. الشاب الوحيد الذي تمكن من السيطرة على تفكيرها على هذا النحو..والأهم..انه الوحيد الذي تحركت مشاعرها تجاهه.. .
**********
ضحك عمر ضحكة طويلة متواصلة وهو يجلس مع عماد بأحد المطاعم وقال وهو يحاول التوقف عن الضحك: أحقا احضرتها الى هنا..لتتفرجا على ارجاء المطعم..لِم لَم تسألها بعد انتهائكما ان كان تنسيق المطعم قد نال اعجابها؟..
قال عماد بعصبية: كف عن سخريتك يا عمر..انا لم اخبرك بهذا حتى تسخر من تصرفي..انا اريد ان افعل لها أي شيء لاصلح الامور..وأعوضها عن سخافة الموقف الذي وضعتها فيه..
قال عمر ضاحكا: كدعوتها الى مطعم مثلا..
قال عماد بغضب: لقد كنت مخطأ عندما أخبرتك بكل شيء منذ البداية..
قال عمر وهو يتوقف عن الضحك: حسنا انا آسف..لم اقصد السخرية..ولكن ما فعلته يثير في نفسي الضحك والغرابة في الوقت ذاته..فكيف تسمح لنفسك باضاعة فرصة من ذهب للحديث اليها على انفراد؟..
زفر عماد بعصبية وقال: هذا ماحدث..
قال عمر وهو يميل نحوه: وتريد مني ان أخبرك بطريقة لتصلح الامور اولا..ولتتحدث اليها ثانيا..اليس كذلك؟..
- بلى ..كذلك..
فكر عمر قليلا ومن ثم قال: حسنا..سأخبرك بطريقة .. قد تكون قديمة بعض الشيء..ولكن اظن انها مضمونة..
وأخذ يحدثه عن طريقته..وعماد يستمع اليه باهتمام وانصات شديدين..
**********
( الا يبدوا انه قد تأخر؟)
قالتها وعد وهي تتطلع الى ساعة معصمها..ومن ثم ترفع رأسها الى طارق منتظرة اجابته..فقال هذا الاخير: أجل..لقد تأخر ما يقارب النصف ساعة عن موعدنا معه..
قالت وعد وهي تسند رأسها الى مسند المقعد: هل تظن انه قد نسي أمرنا؟..
قال طارق بهدوء: لقد اعتدت مثل هذه الامور..ان بعض من اصحاب الشركات او رجال الاعمال لا يمنحون الصحافة أي اهمية..بل انهم يحاولون تحاشيها على الارجح..
قالت وعد متسائلة: ولم؟؟..
- لانهم يكرهون ان تطرح عليهم اسألة من النوع الذي يتدخل في اعمالهم وخصوصياتهم..و لا يريدون ان تنتشر اعمالهم على الملء..وتعلمين ان بعض هذه الاعمال ربما لا تكون قانونية..
تسائلت وعد مرة أخرى: وماذا لو تم نشر ما لا يرغب رجل الاعمال مثلا بنشره..ماذا سيفعل حينها هذا الاخير؟..
هز طارق كتفيه وقال: ربما ينشر تكذيب لما نُشر....او ربما يثبت خطأ ما نشر بدليل وهمي.. أو يتخذ اجراءات أخرى ..تدفع الصحفي الى تغيير اقواله..
قالت وعد وهي تعقد حاجبيها: تعني ان يغريه بالمال مثلا؟..
قال طارق بهدوء: ربما يحدث هذا احيانا..
صمتت وعد قليلا ومن ثم قالت: انت تعمل منذ ثلاث سنوات بالصحيفة..أليس كذلك؟..
قال طارق مصححا: بل اربع..
قالت وهي تزدرد لعابها: حسنا اذا ما رأيك بي كصحفية مبتدأة؟..هل اصلح لكي استمر في هذا المجال؟..
قال طارق وهو يتطلع لها: لو كنت تحبين عملك..ستواظبين عليه بكل جد..وأنا اراك كمبتدأة ....
بتر طارق عبارته للحظة ومن ثم اضاف وهو يبتسم: ممتازة..
قالت وعد وحاجباها يرتفعان بسرور: أحقا؟..هل أنا جيدة في مجال الصحافة..
قال طارق وهو يعقد اصابع كفيه: انت أفضل من التحق بالصحافة كمبتدأة بدون ادنى مجاملة..لديك طموح كبير..واستعداد للعمل المتواصل..كما تتمتعين بالذكاء أحيانا..
قالت وعد بحيرة: ماذا تعني بأحيانا هذه؟..
قال طارق مازحا: أحيانا تكونين على مستوى من الذكاء واحيانا لا..
قالت وعد بضيق: هل اعد كلامك هذا سخرية مني؟..
ابتسم طارق بخفوت: بل انني امزح لا اكثر..
- لا تمزح معي بمثل هذا النوع من المزاح مرة أخرى..
قال طارق بسخرية: أظن انني انا من يملك الحق فقط في اعطاء الاوامر..
همت وعد بقول شيء ما..حينما سمع كلاهما صوت تحرك مقبض الباب..والتفتت وعد لتتطلع الى من سيدخل.. كان رجلا في الاربعينيات من عمره تقريبا ضخم الجثة الى حد ما..ويرتدي حُلة فاخرة..وقال وهو يقترب منها ويجلس على المقعد الآخر: هل تركتكما تنتظران طويلا؟..
تطلع اليه طارق للحظة ومن ثم قال: ليس هذا مهما..أخبرني..هل نستطيع بدأ اللقاء الصحفي الآن يا سيد (أيمن)؟..
قال أيمن ببرود: ولكن اسرع فلدي من العمل الكثير..
قال طارق وهو يلتفت عنه ويخرج جهاز التسجيل من جيب سترته..ويضعه أمامه: حسنا..فالنبدأ اذا..
وغمز لوعد بشكل خفي..ففهمت على الفور ما يعنيه..واستمر طارق في طرح الأسألة حتى قالت وعد بعد ان توقف طارق عن سؤاله بغية ان تطرح عليه وعد الأسألة الآن : لدي بعض الأسألة التي سأطرحها عليك يا سيد أيمن..هل تسمح لي؟..
قال أيمن وهو يلتفت لها ويلوح لهابكفه بملل: حسنا..ولكن سؤالان فقط..لان لدي بعض الارتباطات بعد قليل..
قالت وعد وعلى شفتيها شبح ابتسامة: لا بأس..كنت ارغب في سؤالك..غرفة المكتب هذه شديدة الفخامة..وقد تم انتقاء الأثاث بشكل ممتاز..ولا اظن ان ميزانية المصنع تسمح بشراء اشياء كمالية بهذا السعر..ما رأيك فيما قلته؟؟..
صمت أيمن للحظات ومن ثم قال وهو يرمقها بنظرة متفحصة: في الحقيقة تم استبدال غرفة المكتب القديمة بهذه..وقد تم شارؤها بالتقسيط..لهذا لن تتأثر ميزانية الشركة كثيرا..
قالت وعد وهي تتطلع الى احدى اللوحات: وماذا عن مثل هذه اللوحات والتحف الفنية..هل يتم شراؤها بالتقسيط ايضا؟..
تطلع اليها أيمن بغضب وهو يعقد حاجبيه..ومن ثم قال محاولا تمالك اعصابه: انها بعض اغراضي الشخصية التي أحببت وضعها في المكتب..
ومن ثم قال منهيا النقاش: حسنا..كان بودي اكمال الحوار لاصحفي معكم..ولكني مشغول كما أخبرتكما..
قال طارق وهو يغلق جهاز التسجيل: بالطبع يا سيد أيمن.. نعلم مدى انشغال اشخاص مثلكم..
واردف وهو ينهض من على مقعده: سررنا بمقابلتك..هيا يا آنسة وعد..
نهضت وعد من مكانها..في حين تطلع اليها أيمن بنظرات ضيق شديد..ولم تعر نظراته هذه انتابهاً..وغادرت المكتب برفقة طارق..وقالت بعد أن خرجا من المكتب: أظن انني قد أثرت ضيقه كثيرا..
قال طارق وهو يهز كتفيه: لا عليك..أمثال هذا ..ينبغي تقديمهم على حقيقتهم للناس وبتر جذورهم من المجتمع..وهذه هي مهنة الصحفي منا..
اومأت وعد برأسها ايجابيا وقالت مبتسمة: معك حق..هذه مهنة الصحفي..أو صحفية مثلي..
ابتسم طارق بهدوء وهو يتطلع لها للحظة..قبل ان يكملا سيرهما مغادران المصنع...
***********
غادرت ليلى قسم عملها بالطابق الثاني..وتوجهت نحو قسم المصاعد لتستقل احدها..ولتهبط به الى الطابق الارضي ومن ثم تغادر الشركة..
سارت بخطوات هادئة نحو سيارتها القابعة بأحد مواقف الشركة..وأخرجت مفاتيح السيارة لتفتح الباب وتدلف اليها..ولكن شيئا ما لفت انتباهها..كانت ورقة مطوية وقد وضعت على نافذة سيارتها الامامية..
ظنت انها احدى الاعلانات التي توزع في العادة على مختلف السيارات..والتقطته لتفضه ومن ثم تقرأ تلك الكلمات التي خطت فيه..وتملكتها الدهشة وهي ترى انها ليست سوى رسالة..ازدردت لعابها واخذت تقرأ كلماتها بصوت هامس قائلة:
(( العزيزة ليلى وبعد...
أعلم ان ارسالي مثل هذا الخطاب سيكون بمثابة تصرف طفولي مني..وخصوصا وانه لم يدم على معرفتنا سوى اسبوعين لا أكثر ..ولكني كنت اريد ان اعتذر ..أجل أعتذر عما بدر مني في لقاءنا الأخير ..وعلى سخافة موقفي معك..وكيف انني لم استطيع ان اتحدث اليك ولو بكلمة ..ولكن صدقيني كنت اعد حديث طويل جدا لنتحدث فيه سويا ..ولكن لا اعلم ما حدث لي..فمنذ ان وجدتك معي في المطعم..وان الفرصة سانحة لي لكي اتحدث بحرية ..حتى هربت الكلمات من على لساني..
اعرف انك لن تصدقي مثل هذا الكلام الذي ربما تعتبرينه أحمقا وتافها..ولكن هذا ما حدث حقا..لقد كنت اشعر بشعور غريب طوال جلوسنا معا يمنعني من التفوه بأي كلمة..واليوم انا اتسائل بيني وبين نفسي..ماذا ظنت بي؟..أكانت تظن انني قد دعوتها لاتسلى او ربما لأسخر منها؟..وها انذا سأخبرك بالاجابة..فربما يكون الخطاب خير وسيلة لايصال ما اود قوله لك شخصيا..
أريد ان أخبرك..بأنني ابدا لم افكر في السخرية أو ان اتسلى بأي أحد يوما..فكيف اذاكان الامر متعلق بك أنت..لست أكذب ان قلت ان المصادفات التي جمعتنا قد قربتني منك كثيرا..لقد بت اشعر احيانا بضيق كبير لو لم ارك ولو للحظة في الشركة..وأحيانا أفكر في زيارة اقسام الشركة فقط لأراك..ولكني اتراجع وأظن ان تصرف مثل هذا سيجعلني ابدوا أحمقا في نظرك..
أريد ان أطلب منك أن تقبلي اعتذاري عن تصرفي السخيف معك في ذلك اليوم..وارجو ان تعذريني لاني ارسلت لك خطابا بهذه الطريقة..ولكني لم اجد أي وسيلة للاتصال بك سوى هذه..ولم أرد التطفل على أي من معلوماتك الشخصية التي لدي بالشركة.. فربما كان ذلك سيضايقك..
وأخيرا اريد ان أسألك..ماذا أعني بالنسبة لك؟..لست أطلب منك اية أجابة..ولست أسألك لاني ارغب بان تخبريني بأي شيء..ولكني ارغب في ان تفكري بالأمر جيدا..وان كنت قد ظننت ان الامر سيختلف ان كنت رئيسا وانت موظفة لدي..فسأجيب بقول لا.. ابدا لا تهمني المناصب او الأموال أو حتى الأسرة التي تنتمين اليها..كل ما يهمني انك أنت..أنت يا ليلى ولست أي شخص آخر...
بكل اخلاص
عماد ))
طوت ليلى الخطاب بعد ان انتهت من قرائته وهي في ذهول حيرة من أمرها..أفكار عديدة تصارعت بذهنها ..الخطاب ..عماد ..ومشاعره التي تحدث عنها ..وتفكيره بها ..واهتمامه بأمرها..كل هذا لا يعني سوى ان عماد يميل لها...
هل هي تحلم؟..هل قرأت هذا الخطاب حقا قبل قليل؟..أم كانت تتخيل ان أحلامها قد اصبحت مجسدة على ارض الواقع؟..هزت رأسها بعنف..لتعود لقراءة الخطاب من جديد..وكأنها تريد التأكد من ان مرسله عماد حقا..أو ان الكلمات التي قرأتها لم تكن من وحي خيالها..
طوت الورقة بهدوء..وهي تشعر بالنشوة..وكأنها في حلم جميل لا تريد الاستيقاظ منه ابدا..ووضعتها في حقيبتها قبل أن تفتح باب السيارة و...
(أظن انك قد قبلت اعتذاري الآن..أليس كذلك؟..)
التفتت ليلى الى ناطق العبارة السابقة..ولم تستطيع كتمان تلك الدهشة التي ارتسمت على ملامحها..أو منع تلك الشهقة التي اصدرت من بين شفتيها..وهي تتطلع الى عماد الماثل امامها وهو يتطلع لها بهدوء وفي يده باقة من الورود الحمراء..
وسمعته يقول في تلك اللحظة: هل أخفتك؟؟..
هزت ليلى رأسها نفيا وقالت: لا..ولكني شعرت بالدهشة لوجودك بالقرب من هنا..
قال في هدوء: في الحقيقة كنت أعد الدقائق حتى تخرجي من الشركة..فقد مللت وقوفي هنا لفترة..
واردف وهو يمد له يده بباقة الزهور: أعبر عن اعتذاري مرة أخرى..وأرجو ان تخبرك الزهور بما عجزت أنا عن قوله..
قالت ليلى بدهشة: صدقني لم يكن هناك أي داع لكل هذا..لم يحدث شيء ابدا يستدعي كل هذا..
ابتسم عماد وقال: حسنا اقبلي مني هذه الزهور كهدية اذا..
ترددت قليلا قبل ان تمد يدها وتلتقط الباقة منه ثم تقول بابتسامة ووجنتيها قد توردتا من شدة الخجل: اشكرك..انها هدية عزيزة جدا علي..
قال عماد بابتسامة واسعة: اسعدني سماع هذا منك ..والآن انا مضطر لافارقك..الى اللقاء..
قالت ليلى وهي تشتم عبق الزهور الندي: الى اللقاء..
القى عليها نظرة أخيرة قبل ان ينصرف متجها الى سيارته ..في حين دلفت ليلى الى سيارتها وقالت هامسة لنفسها: يا أروع من عرفت في حياتي...

جنــــون 11-23-2011 01:29 AM

*الجزء السابع عشر*
(هل يمضي الوقت سريعا حقا وانا معك؟)

ما ان استقر بهما المقام في السيارة..حتى قالت وعد مبتسمة وهي تلتفت له: والآن ..أكمل..
قال طارق مبتسما وهو يشعل المحرك وينطلق بالسيارة: رويدك يا وعد..دعيني التقط انفاسي على الأقل..
ها هو ذا يناديها باسمها مجردا مرة اخرى..يبدوا انه قد اعتاد هذا الأمر..فلم يعد يهمه أن يناديها بلقب آنسة بحكم زمالتهما في العمل..انه يحدثها وكانه يعرفها منذ قنرة أو انها شخص قريب منه و...
ابعدت تلك الافكار عن رأسها وقالت: بصراحة لا املك مزيدا من الصبر..اريد أن أعلم ما حدث بعدها..
قال طارق بهدوء: حسنا دعيني اتذكر قليلا..لقد أخبرتك الى أن تغيرت حياتي مع مايا..أليس كذلك؟..
أومأت وعد برـسها فقال: حسنا..سأخبرك ما حدث بعد أن طلبت مني العودة الى المجموعة..ولقد فعلت نهضت من مكاني على الفور لأسير برفقتها الى حيث باقي المجموعة ..وسمعت أحد الرفاق يهتف بابتسامة واسعة: يا اصحاب ..لقد جاء طارق..
التفت الجميع نحوي وقالت احدى الزميلات: لم لم نعد نراك يا طارق.. لقد افتقدناك كثيرا..
ابتسمت وقلت وانا اختلس نظرة الى مايا: لن تفتقدوني بعد الآن مطلقا..
قالت تلك الزميلة متسائلة باهتمام: ولم؟..
في حين قال آخر في سرعة: اتعني انك ستعود الينا أخيرا؟..
تطلع الي الجميع في لهفة منتظرين اجابتي..فقلت بابتسامة: هذا اذا كنتم ترحبون بي بينكم من جديد..
صاح عدد منهم في صوت واحد: بالتأكيد يا طارق..انت أكثر من أخ بالنسبة لنا جميعا..
قلت وانا التفت لمايا وابتسامة حانية تعلو شفتي: عليكم ان تشكروا مايا فهي من اقتعنتني بالعودة..
التفت اليها أحدهم وقال بحيرة: أحقا؟..كيف تمكنت من اقناعه؟..جميعنا تقريبا حاولنا معه دون فائدة..
قلت وانا أغمز لمايا بعيني: ربما لأن لديها طرقها الخاصة..
لمحت في تلك اللحظة ابتسامة واسعة تعلوا شفتيها ..وكم شعرت بالسعادة وأنا ألمح تلك الابتسامة على شفتيها والتي تدل على سرورها بعودتي مجددا بينهم ..وتطلعت لها لفترة قبل ان ابادلها الابتسامة..
وربما ما أثار حيرة وغرابة الزملاء في الايام التالية هو ان علاقتي بمايا قد اختلفت تماما..لم تعد تشعر بالغضب لاهتمام باقي الزملاء بي ..وانا بدوري كنت احاول ان اجعلها موضع اهتمامهم معي..بالفات النظر اليها..وانتهى الامر بأن اصبحنا اغرب ثنائي في الجامعة..فكما تعلمين شخصية كل منا تختلف عن الآخر..وعلى الرغم من ذلك استطاع كلانا ان يتوافق مع الآخر..
وكم كنت اشعر بالسعادة عندما اشاهدها تنتظرني بعد انتهاء محاضرتي..كنت اشعر باهتمامها نحوي الذي أخذ يزيد مع الأيام..الى ان شعر كلانا بحاجته الماسة تجاه الآخر.. وانه قد اصبح شخصا مهما في حياته ..وازداد هذا الشعور لاشعر بحبي نحو هذه الانسانة التي امتلكت كياني وتفكيري وقلبي..ولكن لم اكن انا اعلم بنوعية مشاعرها لي..كنت اشعر باهتمامها ..باعجابها ..وحنانها في لحظات نادرة..ولكن لم اكن اعلم ان كانت تبادلني المشاعر وقلبها ينبض لاجلي..وظل ...
قاطعته وعد بغتة وهي تحاول اخفاء رنة الضيق من صوتها قائلة: لحظة واحدة..انت تقول انك قد احببت مايا..أليس كذلك؟..وانك كنت تشعر باهتمامها الشديد نحوك..فما الذي منعك من مصارحتها بمشاعرك تلك؟..
قال طارق مجيبا: اشياء كثيرة..فأولا انا لا ازال طالبا في الجامعة..وقد خشيت لو اعترفت لها بحبي ان تتعلق بي..وبعدها يكون من الصعب على اهلها القبول بشخص مثلي كزوج لها..لهذا فظلت الصمت..لأحتمل بألم البعد وحدي على ان نحتمله سويا..
قالت وعد متسائلة: وايضا؟..ما الذي منعك من مصارحتها غير هذا الامر؟..
- لم اكن اعلم بمشاعرها نحوي كما اخبرتك ..وخشيت ان اخسر كل ما يربطني بها لو انني اعترفت لها بهذا الحب..
قالت وعد وهي تعقد ساعديها : لست معك في هذا ..فأولا من الصعب على الفتاة ان تعبر عن مشاعرها تجاه شاب ما..بينما يسهل على الشاب ذلك..فربما كانت تنتظرك ان تقوم انت بالخطوة الاولى..وثانيا دراستك ليست بمشكلة يمكنك ان تخطبها مثلا ريثما تكمل دراستك وتحصل على عمل..
ابتسم طارق وقال: كنت أفكر في هذا الأمر طويلا ..لكني لم احسم قراري وقتها..ولم اجد أحد يقدم لي النصح كما تفعلين الآن..
قالت وعد متسائلة: هل لي بسؤال آخر؟..
قال طارق بهدوء: نفضلي..
قالت وعد وهي تعقد حاجبيها بحيرة: اين هي مايا الآن؟.. وماذا حدث لها؟..واسمح لي بهذا..انا لا ارى في اصبعك أي خاتم زواج او خطوبة ..
ظل طارق صامتا لفترة من الوقت ومن ثم قال بلامح جامدة: لماذا تستعجلين الامور؟..ستعلمين بكل شيء عندما انتهي مما احكيه..
قالت وعد بهدوء: لم اقصد شيئا..ولكن انتابني الفضول لمعرفة مصير علاقتك بمايا فقط..
- حسنا..هل تريدين سماع باقي ما حدث ام اصمت؟..
استغربت وعد عصبيته وقالت وهي تمط شفتيها: اكمل..انا اسمعك..
التقط طارق نفسا عميقا وزفره بقوة قبل ان يقول: المهم ان علاقتنا انا ومايا كانت محصورة على الصداقة فقط طوال سنتين..ولم احاول ان اجعل علاقتي بها ما هو اكثر من ذلك ..ولكني كنت اشعر بأنها تشعر بي وبما احمله لها من مشاعر ..وخصوصا وانني قد اخبرتها بأنني احمل لها مشاعرخاصة في ذلك اليوم الذي قررت الانسحاب فيه من المجموعة ...
وجاء موعد اعلان النتائج من جديد..وقد نجحنا انا ومايا و جميع الزملاء كذلك بفضل الله..ويومها قلت لمايا بابتسامة واسعة: ما رأيك ان نذهب الى النادي مع باقي الزملاء؟..
قالت مبتسمة: بالتأكيد موافقة..
قلت وأنا أميل نحوها: وستفين بوعدك لي..
قالت بدهشة: أي وعد؟؟..
غمزت بعيني وقلت: تدريبك على ركوب الخيل..
قالت وهي تبتسم من جديد: الا زلت تذكر؟..
قلت وانا اتطلع اليها بنظرة حنان: وكيف لي ان انسى وعدك لي؟..
ظهر التردد قليلا في عينيها ومن ثم قالت: طارق كنت اريدان اخبرك بأمر ما..
قلت وانا اتطلع لها باهتمام وقد شعرت باهمية ما ستقوله: تفضلي..
همت بقول شيء ما..لولا ان اقترب احد الزملاء في تلك اللحظة وقال بمرح: انتما..الى متى ستظلان تتحدثان؟ ..الن نذهب الى النادي كما اتفقنا؟..
قلت وانا التفت له بابتسامة: بالتأكيد..فقط انتظرونا للحظات..
والتفت الى مايا من جديد..ولمحت خيبة أمل على ملامحها ..فقلت بعد ان شاهدت زميلنا يبتعد: تحدثي انا اسمعك..
لوحت لي بكفها وابتسمت ابتسامة مصطنة وقالت: لا داعي..فليس الامر مهما على الاطلاق..فلنذهب الى النادي مع باقي الزملاء..
تطلعت الى عينيها بنظرة شك وقلت: امتـاكدة بأن ليس لديك ما تقولينه؟؟..
اسرعت تشيح بعينيها بعيدا وقالت: اجل بالتأكيد ..هيا..
لم اصدق حرفا مما قالته يومها..لقد كانت ترغب باخباري بشيء ما ..وشيء مهم ايضا ولكنها تراجعت في اللحظة الاخيرة..لم اعلم لم ..ربما كانت متخوفة من قوله لي او تخجل من ان تقوله..
وذهبنا جميعا الى النادي مرة أخرى..بعد سنتين كاملتين ..بالطبع انت تذكرين المرة الاولى الذي ذهبنا فيها جميعا الى هناك..ولكن الوضع كان مختلفا هذه المرة..لم نكن انا ومايا متشاجرين ..على العكس من يرانا لا تأتي في ذهنه سوى فكرة ان كلينا يحب الآخر ..وربما مخطوبان ايضا .. لقد أحسست باندفاع في مشاعري يومها..وانا اسير الى جوارها حيث قسم الفروسية بالنادي..وقلت وانا اتطلع لها بحب: تبدين جميلة جدا هذا اليوم..
توردت وجنتيها بخجل شديد وقالت بصوت متلعثم: اشكرك..
قلت وأنا لا ارفع عيناي عنها: اتمنى لو ان عقارب الساعة تتوقف عن الدوران لأحظى بقربك اطول فرصة ممكنة..
التفت لي وقالت بارتباك محاولة تغيير دفة الحديث: الديك فرس في قسم الفروسية هنا؟..
نظرت لها بضيق وقلت: لا ليس لدي..اخبريني هل يزعجك حديثي الى هذا الحد حتى تغلقينه كلما فتحته معك؟..
قالت في سرعة: مطلقا ولكن...
صمتت بغتة..وحاولت اكمال عبارتها لكنها عادت لتطبق شفتيها وهي تركل حجرا صغيرا بحذائها في عصبية..فقلت مستحثا اياها على الحديث: تحدثي..ولا تخشي شيئا..
تطلعت الي بنظرة غامضة..تحمل ما بين الرجاء ..والتوتر ..والخوف ..فقلت بهدوء وانا احاول ان نبتعد عن هذا الموضوع قليلا: حسنا..فلنذهب الى قسم الفروسية الآن..
رأيتها تومئ برأسها باستكانة..وتتبعني الى حيث اذهب .. ووجدت هي اننا قد وصلنا الى الاسطبل..فقالت متسائلة: كيف ستستخدم حصانا وهو ليس ملكا لك؟..فكما تقول انت لا تملك احدها..
أجبتها قائلا: هناك حصان في هذا النادي وهو ملك لأحد معارفي..
وأخذت اتلفت بحثا عن ذلك الخيل..الى ان وجدته ..كان حصانا ذا لون بني قاتم تبدوا عليه علامات الصلابة ..فقلت مبتسما وانا اشير للحصان: هذا هو..ما رأيك به؟..
تطلعت اليه للحظة ومن ثم قالت وهي تقترب من الحصان: يبدوا جيدا..اريد ان اجربه..
قلت وانا امسك بلجام الحصان وافتح باب الاسطبل لأخرجه: حسنا اسبقيني انت الى الخارج..
نفذت ما طلبته منها واسرعت تغادر بخطوات سريعة بعض الشيء..في حين اخرجت انا الحصان الى الخارج..وقلت مبتسما: هاهوذا يمكنك تجريبه..
تطلعت الي ومن ثم الى الحصان في حيرة وقالت متسائلة: وكيف امتطيه؟..
ضحكت بمرح وقلت: هذه مشكلتك..
تطلعت الي باستغراب فقلت وانا الوح بكفي بابتسامة: أنا امزح..بامكانك امتطائه باستخدام هذا الدرج..
قلتها وانا التقط السلم القصير الذي يتكون من درجتين وهو خاص بامتطاء الخيل..ووضعته بجانب الخيل وقلت: هيا جربي امتطاءه..
ازدردت لعابها وقالت: وماذا لو سقطت؟..
قلت بابتسامة حانية: لا تقلقي لن اسمح لذرة غبار بأن تؤذيك..
امتطت مايا ظهر الجواد ومن ثم قالت:...

صمت طارق عن مواصلة السرد..فقالت وعد بعصبية: لا تقل اننا وصلنا وانك ستتوقف عن السرد الآن..
التفت لها طارق وقال مبتسما: لقد وصلنا ومنذ فترة ايضا ..ولكنك لم تنتبهي الى ذلك..وانا اوقف السيارة واستمر في السرد..
قالت وعد وهي ترفع حاجبيها في دهشة غير مصدقة: احقا ما تقول؟؟..
هز طارق كتفيه وقال وهو يفتح باب السيارة: اجل.. فلن اكذب من اجل شيء تافه كهذا..
قالت وعد وكأنها قد اعتادت اسلوبه المستهزئ في الحديث فلم تعر ما قاله اهتماما وخرجت من السيارة بدورها: ان الوقت يمضي سريعا حقا كلما تحدثنا..
قال طارق بهدوء وهو يدور حول مقدمة السيارة ويسير برفقتها الى داخل الصحيفة: ربما لأن اللحظات السعيدة بالنسبة لك تمضي سريعا لانك لا تتمنين ذلك..وتتمنين ان تدوم.. بينما اللحظات الحزينة تمضي ببطء شديد لأنك لا تريدين ذلك..وتشعرين بها كالساعات..
قالت وعد بابتسامة: ربما كان ما تقوله صحيحا..وربما لاننا نحن نشعر بها كذلك..فبمجرد الشعور يتولد في عقلنا احساسا بأن ما نقضيه من وقت قد يكون اكبر او اقل على الرغم من تساوي كلا الوقتين..
التفت لها طارق وقال بابتسامة اعجاب: لاول مرة اعلم انك قد بت فيلسوفة..
- اتسمي ما قلتها انا فلسفة.. ماذا عن ما قلته انت..لا بد ان يطلق عليه اسم محاظرة علمية..
قال طارق وابتسامته تتسع: اظن ان علينا ان ننتقل للعمل في الابحاث العلمية قريبا..
ابتسمت وعد بمرح وقالت: فكرة جيدة..ولكن اخبرني اولا أي الرواتب أكبر؟..
- العمل في الابحاث العلمية بكل تأكيد..
ضحكت وعد وقالت: لولا انني امتلك شهادة في الادب..لفعلتها وانتقلت الى تلك الابحاث..
قال طارق مداعبا: ليتك تفعلينها..
قالت وعد وهي ترفع حاجبيها باستنكار: هل بدأتم تشعرون بالملل مني بهذه السرعة؟..
مال طارق نحوها وقال: وبأكثر مما تتصورين..
قالت وعد وهي تعقد ساعديها امام صدرها: الا تعرف المجاملة ابدا؟..
- بل لا اعرف الكذب..
هزت رأسها وقالت: ليكن اذا..سأرى ان انتقلت انا الى قسم آخر فقط..كيف ستجدون صحفية مثلي؟..
قال طارق بغتة وكأنه قد تذكر امر ما: صحيح لا تنسي امر ذلك الموضوع الصحفي..
قالت متسائلة: تعني عن ما يتعلق بأمر ذلك المدير العام..أليس كذلك؟..
اومأ برأسه وقال: حاولي الاسراع في اعداده واي مساعدة تحتاجينها..لا تترددي في طلبها مني..
قالت وعد وهي تضع سبابتها تحت ذقنها وتتطلع اليه بسخرية: ولكني احسب انك قد اصبحت تشعر بالملل من وجودي..
قال طارق بابتسامة هادئة: لانك بلهاء.. لا تفهمين المزاح..
اشارت الى نفسها وقالت بضيق شديد: أنا بلهاء..
اتسعت ابتسامة طارق وقال: اجل عندما لا تفهمين ما اعنيه..
والتفت مبتعدا عنها ليواصل طريقه..ووعد تتابعه بعينيها وابتسامة حالمة وسعيدة تتراقص على شفتيها..وهي تفكر في فارس احلامها الذي سيطر على كيانها ومشاعرها بشكل اذهلها هي نفسها والذي يمتلك اغرب شخصية في هذا الكون بأكمله..
*********
لنرحل قليلا عن مبنى الصحيفة ولنتجه الى ذلك المنزل..والى تلك الغرفة بالذات..الذي جلس صاحبها على طرف فراشه وهو يتطلع الى علبة ما متوسطة الحجم في يده ..ويتمتم محدثا نفسه: (لم اكن اعلم انك تكرهيني الى هذا الحد يا وعد..الى درجة حتى تمنعك من الاتصال بي بعد آخر لقاء بيننا..أنا لااريد ان ابدء الحديث حتى لا اهدر كرامتي اكثر من ذلك..كنت اتوقع ان تتصلي بي او على الاقل ترسلين رسالة قصيرة لتطمأني على احوالي..ولكن يبدوا انني قد بت لا شيء في حياتك ..لا شيء..)
وترك هشام ما بيده ليضعه على طاولة صغيرة مجاورة واردف وهو لا يزال يتحدث الى نفسه: ( لكني لن اييأس..مهما حدث او سيحدث..مهما فعلتِ..فأنت تعلمين الآن بأني احبك..واني مستعد للنضحية بأي شيء في سبيل ان تبادليني مشاعري..لن اظل مكتوف اليدين حتى يأتي احدهم ويأخذك مني امام ناظري..لن اسمح بحدوث هذا مطلقا وان كان علي التضحية بأغلى ما املك..فما دمت ترفضين الزواج بي..فلن اسمح لك بالزواج من غيري ..اتفهمين ..لن اسمح بأن تتزوجي شخصا آخر سواي ..حتى وان كان هذا غرورا او انانية مني..لكنك لا تفهمين اني احبك ولا احتمل رؤيتك مع سواي ولو للحظة..لا تفهمين)..
ودفن وجهه بين كفيه في مرارة..وهو يحاول السيطرة على مشاعره وعلى الغضب الذي اخذ يجتاحه..وشرد بعقله بعيدا وهو يحلم بعالم ملئ بالأحلام..تتحقق فيه الاماني دون أي تعب او مشقة..عالم يكون فيه هو ووعد فقط..ولا شخص آخر...
*********
تطلعت ليلى بابتسامة حانية الى مجموعة الزهور الحمراء التي اهداها اياها عماد بالأمس والتي احتلت احدى الزهريات في غرفتها..وقالت وهي تميل نحوها وتتنسم عبيرها: صباح الخير..كيف حالكم جميعا؟..
ومن ثم انتظرت قليلا وكأنها ترغب في سماع رد الزهور ..قبل ان تقول: ها نذا ذاهبة اليه..لكن اتمنى ان اراه وان لا يحدث مثل كل مرة..اذهب انا قبله او هو قبلي الى الشركة..
والتقطت احدى الزهرات لتقول بابتسامة واسعة: هه..ما رأيك؟..هل يحبني الآن كما احبه؟..
وعادت لتقول وهي تعيد الزهرة الى الزهرية من جديدوتتنهد بحرارة: هل اظن ايضا انه يحبني؟..يالي من واسعة الافق ..واحلق كثيرا في عالم الاحلام..
والتقطت حقيبتها على عجل واسرعت تغادر المنزل وتنطلق بسيارتها الى حيث الشركة..وما ان اوقفت سيارتها في احد المواقف حتى قالت بسخرية مريرة: ها قد صدق حدسي..فهاهي ذي سيارته تحتل أحد المواقف الخاصة..
وهبطت من السيارة وهي تهز كتفيها محاولة اصطناع الامبالاة واكملت سيرها الى حيث الشركة..و...
(صباح الخير يا آنسة ليلى..)
التفتت الى مصدر الصوت وقالت بابتسامة واسعة متحدثة الى صاحبه: صباح النور..هل جئت انا اليوم مبكرة ..ام انك انت من جاء متأخرا على غير عادتك يا سيد عماد؟..
قال عماد بهدوء: اولا لا تناديني بلقب سيد الا في وقت العمل.. وثانيا لا هذا ولاذاك.. فقد كنت انتظر مجيئك..
تطلعت اليه باستغراب وقالت: مجيئي انا؟؟..
قال بابتسامة واسعة: اجل وما الغريب في هذا؟..
صمتت دون ان تعلق على عبارته..وهي تشعر ببعض الاضطراب من وقوفهما معا هكذا..وشعر عماد باضطرابها فأسرع يقول: حسنا كل ما كنت اود قوله لك..هو انني اريد تعويضك ما حدث..
رفعت حاجبيها بدهشة وقالت: لا تقل لي بأنك تعني ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه الى....
قاطعها قائلا: اجل اعنيه هو..
قالت وهي تتطلع اليه: صدقني انني لم افكر في الأمر حتى ..لقد سعدت بدعوتك لي.. حتى وان كان الصمت هو حوارنا طوال الوقت..
قال عماد وهو يتطلع اليها بنظرة تحمل بعضا من الرجاء: وماذا لو طلبت منك ان تقبلي دعوة اخرى مني..هل توافقين؟..
ظلت صامتة للحظة ومن ثم قالت وهي تبتسم: بالتأكيد يا سيد عماد..وهل ستتاح لي الفرصة لأن يدعوني مدير الشركة كل يوم؟..
قال عماد وهو يبتسم بدوره: بدون سيد من فضلك.. وبدون ذكر مناصب..
قالت مداعبة: حاضر يا سيدي..
تطلع اليها للحظة واتسعت ابتسامته بشكل اكبر.. قبل ان يقول : حسنا اراك اذا بعد انتهاء فترة العمل.. اتفقنا؟..
أومأت برأسها بهدوء..ومن ثم تبعته الى داخل الشركة وهي تشعر بسعادة كبيرة..فها هو ذا عماد يثبت لها انه مهتم بها بأكثر مما كانت تتصور....

جنــــون 11-23-2011 01:30 AM

*الجزء الثامن عشر*
(لم خطت تلك الكلمات؟)


تطلعت وعد الى الصور التي بين يديها ومن ثم قالت متسائلة وكأنها تحدث نفسها: أي الصور اضع للموضوع؟..جميعها تبدوا جيدة..
التفت لها أحمد وقال وهو يمد يده لها: دعيني اراهم..
قدمت له الصور فأخذ يتطلع لهم.. ومن ثم قال وهو يصدر من بين شفتيه صوتا اشبه بالهمهمة: اعتقد ان هاتين الصورتين مناسيتين للموضوع..
التقطت منه الصورتين الذي يقصدهما بحديثه ومن ثم قالت: تبدوان جيدتان ولكني اظن ان الموضوع بحاجة الى صور تعبر اكثر عن فخامة ذلك المكتب..
قال طارق بغتة وقد انتبه لحديثهم: دعيني ارى كل الصور التي بحوزتك..
عادت لتجمع الصور من جديد مع بعضها وتسلمها لطارق.. الذي تطلع الى الصور باهتمام ومن ثم قال بعد تفكير: هذه غير مناسبة كثيرا.. الموضوع يحتاج الى صور تشمل أكثر المناطق بالمكتب وتدل على فخامته المبالغ فيها في الوقت ذاته..
ثم توقف عند احدى الصور.. وقال وهو يشير الى الصورة بقلمه: كهذه الصورة تماما..
تطلعت الى الصورة وقالت وهي تبتسم: هذه الصورة الاخيرة التي قمت بتصويرها والتي كدت ان تمنعني من ان احصل عليها..
قال بهدوء وهو يعيد لها الصورة : حسنا خذي الموضوع الذي قمت بكتابته بالاضافة الى هذه الصورة .. للطبع..
اومأت برأسها وقالت: حسنا ها انذا ذاهبة..وشكرا لك على المساعدة على اية حال..
ونهضت من خلف مكتبها لتغادر القسم بخطوات هادئة..وما ان تأكد أحمد من ابتعادها حتى قال: ما هذا التطور؟..
رفع له طارق عينيه وقال بعدم اهتمام: قل ما تعني علىالفور ولا داعي للمقدمات..
قال احمد وهو يغمز بعينه: اعني علاقتك بوعد بالتأكيد..لقد تطورت كثيرا حتىانك اصبحت تعرض المساعدة عليها دون ان تطلبها هي..
قال طارق وهو يهز كتفيه: ذلك لانها جديدة هنا.. وقد رغبت في مساعدتها لا اكثر..
قال احمد بخبث: حقا؟..هل هي مجرد مساعدة بالفعل؟..
قال طارق بضيق: كف عن مثل هذه الافكار.. انها مجرد صحفية هنا لا اكثر ولا اقل..
قال أحمد وهو يغمز بعينه: اعلم انها مجرد صحفية هنا وها هي ذي ترافقك اينما تذهب في كل لقاءاتك الصحفية تقريبا ..ماذا تريد اكثر من ذلك؟..
قال طارق ببرود: ان تصمت..
قال احمد مبتسما: ما بك؟..ليس الحب عيباً او ممنوعاً.. تستطيع ان تتحدث بحرية وتعبر عن مشاعرك..
قال طارق ببرود اشد وهو يعود لمراجعة الورقة التي بين يديه: اما ان تصمت او تصل عبر النافذة الى مواقف السيارات مباشرة..
ضحك أحمد بمرح وقال: منذ متى تمزح هكذا يا طارق.. يبدوا ان الآنسة وعد لها تأثير السحر عليك..
رفع طارق عينيه الى احمد وقال بحنق: أحمد.. لا اريد ان تنشر مثل هذه الاشاعات في المبنى باكمله..
غمز احمد بعينه وقال بابتسامة واسعة: أواثق انها مجرد اشاعات؟..
قال طارق بملل: يبدوا انك بالامس لم تنم جيدا..وان النعاس يؤثر على تفكيرك كثيرا..
قال احمد بخبث: بل انت الذي لم تنم بالامس.. هذا يبدوا واضحا من ملامح وجهك..
قال طارق دون ان يرفع رأسه اليه: كلا ..فلقد استغرقت في التوم بالامس.. ولكني اشعر اني متعب قليلا..
قال احمد باهتمام: هل انت على مايرام؟.. اتود العودة الى المنزل لترتاح؟..
( من هو الذي ليس على ما يرام؟..)
التفت أحمد الى وعد التي دلفت للتو الى القسم ونطقت عبارتها السابقة.. وهم بقول شيء ما.. ولكن طارق قال في تلك اللحظة: ماذا حدث بشأن موضوعك؟..
ابتسمت وعد بسرور وقالت وهي تجلس خلف مكتبها: سيتم نشره في جريدة اليوم..
قال طارق بابتسامة: اتوقع ان يحظى باهتمام كبير من القراء..
التفتت له وعد وقالت مبتسمة: اتمنى هذا.. فعندها ربما اكون صحفية حقيقية بينكم أخيرا..
ساد الصمت المكان للحظات ومن ثم عادت وعد لتلتفت الى أحمد وقالت: صحيح.. لم تخبرني من الذي ليس على ما يرام..
اجابها احمد قائلا وهو يشير بقلمه الى طارق: انه طارق..
خفق قلبها في عنف والتفتت الى طارق بحدة وقالت: أحقا؟..ماذا بك؟..
قال طارق ببرود: لو لم اكن على ما يرام لما جئت اليوم الى الصحيفة .. ولكني اشعر ببعض الارهاق لا اكثر.. فلا تهولوا الموضوع..
تطلعت اليه وعد لفترة.. وانتبهت في هذه اللحظة فقط الى شحوب وجهه.. فقالت وهي تزدرد لعابها: ولكنك حقا لست على ما يرام.. انه ليس ارهاقا.. انت تعاني مرضا ما..أليس كذلك؟..
- لا ليس كذلك..وارجوك اغلقي هذا الموضوع لأني اريد ان امارس عملي بهدوء..
هزت وعد رأسها في نفاذ صبر.. فقال لها أحمد: دعيه هو هكذا دائما.. يشارك آلام الآخرين دائما.. ويرفض ان يشاركه أحد آلامه هو ولو لمرة..
ربما كانت هذه العبارة قد زادت من اعجاب وعد لطارق اضعافا.. حقا انها تراه الآن بصورة مختلفة.. لا يبدوا مغرورا او حتى يقلل من شأن الآخرين على العكس.. لقد ساعدها مرارا وساعد غيرها من الزملاء ايضا بالاضافة الى انه يبدوا في قمة التواضع..
كيف كنت اظن به ذلك من قبل؟..الأني لم اعرفه بعد ..ام لأني كنت اغضب من تجاهله وبروده لي وفي تصرفاته معي؟.. هل هو حقا فارس احلامي الذي تمنيته؟..اليس هذا من كنت اكرهه.. كيف تتغير مشاعري تجاهه هكذا الآن.. ثم ماذا عن مايا؟.. من هي؟.. ومادورها في حياته؟.. لقد اخبرني بكل صراحة انه احبها..ومن يحب لا ينسى ابدا.. هذا اذا كانت قد ابتعدت عنه كما اتوقع..كيف افكر في شخص يحب فتاة اخرى وسيظل يحبها الى الابد؟..لكن لم يخبرني بهذه القصة اذا؟.. لابد من وجود سببا ما و....
(أليس لديك عمل تقومين به الآن؟)
نطق طارق هذه العبارة متحدثا الى وعد التي تنبهت من شرودها وقالت نفيا: لا..لم؟..
قال طارق ببرود: لانك لا تفعلين شيء سوى التحديق بي..
اتسعت عينا وعد في دهشة وهي تشعر بالضيق من كلماته وبالغضب من جرأته.. كيف يجرؤ على قول مثل هذا لي؟..انا احدق به هو؟.. من يظن نفسه هذا المغرور؟ ..وقالت مصطنعة اللامبالاة: ومن قال اني كنت احدق بك؟ ..لقد كنت شاردة الذهن ليس الا..ولم انتبه الى أي شيء انظر..
قال طارق بنظرة لامبالية: انتبهي في المرة القادمة اذا..
تطلعت اليه وعد بضيق شديد.. ماذا حدث له فجأة؟.. لقد كان جيدا في تعامله معي.. بل كان مهذبا جدا كذلك .. لقد ظننت ان معاملته لي قد اختلفت وانه قد بات يعاملني كزميلة له في العمل على الاقل..ما الذي اختلف الآن؟ ..والتفتت عنه في ضيق.. وهي تمارس أي عمل..فقط لتشغل ذهنها عن طارق..
ومن جانب آخر كان طارق يشعر بالندم لما قاله.. لم قال ذلك؟؟..ما ذنبها هي ليفرغ ضيقه فيها؟..ما ذنبها هي ان كان احمد قد لاحظ اهتمامه بها؟..اكان يريد بفعله هذا ان يثبت لأحمد العكس..هل بات الاعجاب او الاهتمام بشخص ما جريمة هذه الايام؟.. ياله من احمق.. ما فعله طوال اسبوع كامل ليصلح العلاقة بينه وبين وعد تلاشى فجأة امام لحظة عصبية وضيق منه..
استغرق في التفكير وهو يختلس النظرات لها.. وابتسم لا شعوريا.. تبدوا في منتهى البراءة وهي مستغرقة في الكتابة .. تبدوا وكأنها قد عادت طفلة بحركاتها العفوية.. حتى طريقة تفكيرها بوضع سبابتها اسفل ذقنها.. تبدوا غريبة ومميزة في الوقت ذاته .. ترى لماذا انشد تفكيره لها؟ ..المجرد انها تشبه مايا؟..ولكن انقضى زمن طويل الآن.. فهل لا يزال حب مايا محفورا في قلبي؟.. احيانا حينما انظر الى وعد اشعر ان مايا هي من تقف امامي.. ولكن في اغلب الاحيان لا ارى امامي سوى وعد.. ووعد فقط..
وهم بقول شيء ما.. لولا ان التفتت له وعد وقالت بسخرية: أليس لديك عمل تقوم به سوى التحديق بي؟..
ولدهشتها رأته يبتسم بهدوء ويقول: حسنا انا آسف.. لقد انتصرتِ..
طلعت اليه وعد بدهشة وقالت بحيرة: أبكل هذه البساطة تقولها؟.. لقد توقعت ان ادخل معك متاهات في الحديث لا تنتهي..
لوح طارق بكفه وقال وهو لا يزال يحتفظ بابتسامته: لا داعي للمتاهات بعد الآن.. لقد كنت فظا معك حقا.. لذا انا اعتذر..
ابتسمت وعد ابتسامة مرتبكة بعض الشيء وقالت: هكذا تجبرني انا ايضا على الاعتذار عما قلته قبل لحظات..
- لا داعي لذلك ابدا..
وعاد لواصلة عمله في حين ابتسمت وعد ابتسامة تدل على سرورها واستغرابها في الوقت ذاته.. انه يملك اغرب شخصية رأتها حقا.. متقلب الى ابعد الحدود.. فأحيانا تراه باردا وهادئا.. واحيانا اخرى قاسيا..وتراه كذلك بشخصية عكس هذه تماما.. فيتحول الى شخص متفاؤل.. مبتسم..مهذب.. مرح ويتعاون مع الجميع بكل جهده ..حقا اريد ان اعرف ماذا تخفي خلف قناعك هذا.. واي الشخصيتين هو أنت؟..
استغرقت في شرودها وهي تعمل حتى انها لم تنتبه الى ذلك المراسل الذي طرق باب القسم بهدوء ومن ثم قال: الآنسة وعد.. المدير يطلب رؤيتك..
انتبه أحمد الىشرود وعد والى انها لم تنتبه الى ماقاله المراسل فالتفت الى وعد وقال: آنسة وعد..
انتبهت له وعد والتفتت اليه قائلة: ماذا؟..
قال وهو يشير الى المراسل: ان المدير يطلبك..
قالت باستغراب: انا؟ ولم؟..
قال المراسل وهو يهز كتفيه: لست اعلم.. بامكانك توجيه سؤالك الى المدير..
اومأت وعد برأسها وقالت: حسنا.. ها انذا قادمة..
واسرعت تنهض من خلف مكتبها لتخرج من القسم..وهي تشعر بالغرابة من استدعاء المدير لها.. في حين استمر الجميع في اداء اعمالهم وبعد مضي ربع الساعة تقريبا.. سمع الجميع صوت طرقات على الباب مجددا.. فرفع طارق رأسه وسمع احد الموظفين يقول: اين هي الآنسة وعد؟..
اجابه احمد قائلا: لقد ذهبت الى المدير منذ قليل ..
قال الموظف بتساؤل: ولكننا بحاجة الى صورة اخرى لموضوعها..ماذا نفعل الآن؟..
قال أحمد متحدثا الى طارق: طارق ..أعطه صورة اخرى..لقد وضعت الآنسة وعد الصور في درجها..
قال طارق بهدوء: ولم لا تمنحه انت ما يريد؟..ان المكتب اقرب اليك مني..
قال أحمد في سرعة: انت تعلم ما يناسب الموضوع اكثر مني..
نهض طارق من خلف مكتبه وتوجه الى حيث مكتب وعد وقال متسائلا: في أي درج هم؟..
- لست اعلم..
فتح طارق الدرج الاول فلم يجد فيه غير عدد من الاوراق والمجلات.. فعاد ليفتح الدرج الثاني وعثر فيه على مظروف يحوي الصور.. فتطلع الى الصور باهتمام قبل ان يمنح احمد احدى الصور ويقول: امنحه هذه..
تسلم احمد الصورة ومنحها للموظف الذي غادر من فوره على عجل..حتى لا يتسبب في تأخير طبع الجريدة..في حين اعاد طارق المظروف الى الدرج وكاد ان يغلقه لولا ان لفت انتباهه ورقة ما.. كانت مطوية بشكل يوحي انها مرمية عن عمد وانه لا حاجة لها..شعر بالفضول لمعرفة ما تحويه هذه الورقة المرمية باهمال في هذا الدرج..ولكنه شعر بأن ذلك تعدي على خصوصيات الغير..بالاضافة الى انه لا شأن له بوعد.. وسيعد موقفه سخيفا تجاهها لو علمت بقراءته للورقة الخاصة بها..
ولكن.. يبدوا انها لا تهتم لامر هذه الورقة فهي قد قامت برميها باهمال شديد دون ان تكترث لها..بالاضافة الى انه ربما تكون هذه الورقة تحوي موضوعا جيدا كسابقه الذي رفضت نشره وتركته مهمل على مكتبها..
الفضول بالاضافة الى رغبة ما في داخله تحرضه الى قراءة الورقة.. وتبريره ان هذه الورقة تحوي موضوعا ما.. كل هذه العوامل مجتمعة دفعته الى التقاط تلك الورقة من الدرج..ووضعها في جيب سترته.. ومن ثم يغلق الدرج.. ليعود مرة اخرى للجلوس خلف مكتبه..وذهنه منشغل بأمر هذه الورقة...
*********
توقف عماد بجوار سيارته وهو يشعر بشوق ولهفة شديدين.. وتطلع الى ساعته للمرة العاشرة في ترقب منتظرا خروج ليلى من الشركة..الى الآن لا يعلم كيف سيواجهها ..وكيف سيتحدث لها ..وعن ماذا سيخبرها..لكنه سيترك كل هذا الى حينه.. فربما يحدث ما لا يتصوره.. ويكون لقاءهما بمثابة وسيلة ليبوح لها بالقليل على الاقل بما يشعر به تجاهها..
مرت ربع ساعة تقريبا وهو ينتظرها دون ان تخرج.. ترى اين هي؟..هل لا تزال تعمل الى الآن؟..ولم تأخرت ربع الساعة تقريبا؟..عاد ونظر الى مدخل الشركة.. وقرر ان يذهب لها ليعلم سبب تأخرها..
دلف الى الشركة وتوجه الى قسم المصاعد وهناك استقل المصعد الى الطابق الثاني حيث القسم الذي تعمل به ليلى.. وتردد قليلا قبل ان يخرج من المصعد..ماذا سيقول لها عندما تسأله عن سبب مجيئه لها بالقسم؟.. لا ليست هذه هي المشكلة.. انما المشكلة تكمن في نظرة الموظفين له او لها لو شاهدوه يحضر الى القسم من اجل موظفة تعمل عنده.. لا يخشى من شيء اكثر من ان يتحدثوا عن ليلى بسوء او يختلقوا الاشاعات.. ويظنوا ان توظيفها هنا كان بسبب معرفته بها..
لكنه برغم كل هذا اكمل سيره.. سوف يتعلل بأي شيء لو شاهد احد الموظفين بالقسم الذي تعمل به.. ثم ان الوقت قد تأخر بعض الشيء وأغلب الموظفين قد غادروا المكان..
وصل اخيرا الى القسم الذي تعمل به فطرق الباب المفتوح بخفوت.. قبل ان يتطلع الى كل زاوية بالقسم بحثا عن ليلى.. ووجدها تجلس وحيدة فيه خلف مكتبها وهي منشغلة بقراءة احد الملفات ومراجعته باهتمام.. ويبدوا انها لم تنتبه لطرقاته بسبب انشغالها.. فتوجه بهدوء لها وقال بخفوت حتى لا يزعجها: ليلى.. لماذا لم تغادري الى الآن؟..
وعلى الرغم من خفوت صوته الى انها انتفضت بحدة ورفعت رأسها اليه وقالت بارتباك: متى جئت؟..وكيف دخلت الى هنا؟..
ابتسم عماد وقال بمرح: أهذا ما يقلقك بالأمر.. حسنا .. متى جئت ..قبل دقائق..وكيف دخلت ..عن طريق الباب..
ابتسمت ليلى بالرغم منها وقالت: اعني لم جئت؟..
قال عماد وهو يهز كتفيه: لقد تأخرت فقلقت عليك.. وجئت لأعلم ما سبب تأخرك هذا..خصوصا ونحن متفقان على ان تقبلي دعوتي اليوم بعد انتهاء العمل..
قالت ليلى وهي تتنهد وترجع رأسها لمسند المقعد: هلا عذرتني من فضلك.. فلازال لدي عمل لم انتهي منه الى الآن.. واعدك بقبول دعوتك في يوم آخر..
جذب له مقعدا ليجلس عليه ومن ثم قال: وهل ستظلين طوال الوقت بالمكتب تعملين؟..
قالت وهي تهز كتفيها دلالة على الاستسلام: ما باليد حيلة..
قال بابتسامة واسعة: الا تحتاجين لمن يسليك؟..لابد انك ستشعرين بالضجر لوحدك..
تلعثمت ليلى وقالت وهي تشعر بالخجل: كلا شكرا لك.. يمكنك الانصراف..لا اريد ازعاجك معي..
قال عماد متسائلا: كم ملف ظل لك ولم تنهيه بعد؟..
قالت ليلى بحيرة: ربما ملفان .. لم؟..
- اذا سأنتظرك..
تطلعت له بدهشة ومن ثم قالت وهي غير مستوعبة لما يقول: ستنتظرني؟..اتعني ما تقول؟..
وضع كفيه خلف رأسه واسند رأسه لمسند المقعد ليقول: ولم لا؟..
قالت ليلى متلعثمة: ولكني سأأخرك عن اعمالك؟..
قال وابتسامة تتراقص على شفتيه: اية أعمال.. لقد انهيت عملي وكنت سأذهب معك الى احد المطاعم كما اخبرتك هذا الصباح..لولا ان انشغلت بهذا العمل..
قالت معترضة: ولكن لا يمكنني ان ادعك تبقـ...
قال عماد مقاطعا وهو يتطلع لها بطرف عينيه: انهي اعمالك سريعا وكفي عن حديثك هذا.. والا ارغمتني على البقاء معك لوقت اطول طوال فترة عملك..
تطلعت اليه مستغربة.. فضحك وقال: انا امزح.. لكن اسرعي بانهاء اعمالك حتى يتاح لنا وقت اكبر لنظل سويا..
قالت ليلى وهي تطرق برأسها خجلا: الا ترى انك تفعل الكثير لأجلي؟..وانا لا استحق أي شيء مما تفعله لي..
- بل اشعر انني مقصر كثيرا في حقك واتمنى لو استطيع فعل المزيد..
قالها وابتسم بحنان وهو يتطلع لها..في حين ارتجف جسد ليلى وهي تتطلع الى نظراته لها.. والى ابتسامته الحانية التي يحملها على شفتيه..وعادت لتواصل عملها.. ولكن بارتباك شديد هذه المرة.. فعقلها لم يكن معها..بل كان مع عماد...
ترى هل ما اشعر به الآن هو ما يطلقون عليه اسم الحب يا ترى؟..
*********
شعر هشام بالغضب.. لا.. الغضب يعد امرا بسيطا على ما كان يشعر به لحظتها.. كان كالقنبلة الموقوتة.. المستعدة للانفجار في أي لحظة لو لامسها احدهم ..أخذ يذرع موقع البناء جيئة وذهابا.. حتى ان اغلب العمال لم يسلموا من غضبه هذا.. فكان يصرخ على هذا لاتفه الاسباب ..ويعنف ذاك لمجرد خطأ بسيط..حتى انهم شعروا ان هذا المهندس الذي امامهم ليس هشام بل شخص يشبهه..ليس هشام الذي اعتادوا على طيبته وهدوءه وصبره..
لكن ما كان يشعر به هشام لحظتها يفوق حدود صبره واحتماله.. او حتى ان يبقى هادئا.. وعد..اجل وعد.. انها لم تفكر حتى بالاتصال به او حتى معرفة ان كان بخير او لا يزال على قيد الحياة منذ ثلاثة ايام من ذلك اليوم المشئوم.. هل تكرهه ام لا ترغب في ان تواجهه ام ان لا شيء يدعوها للاتصال به.. ايفعل هو؟.. لا .. يكفيه ما هدره من كرامة من اجلها.. انها لا تستحق.. على الرغم من كل ما منحها اياه من حب وحنان واهتمام الا انها رفضت كل هذا.. وواجهته بالحقيقة المرة وانه ليس سوى أخ في حياتها ..كيف يمكنه احتمال كل هذا.. اخبروه بالله عليكم..هل يستطيع احدكم احتمال ان يرى محبوبته امام ناظريه ترفضه وتجرحه وتحطم قلبه؟.. هل يستطيع احدكم احتمال مثل هذا.. هل يستطيع؟..
والأسوأ من كل هذا انها ابنة عمه.. أي له ارتباط بها على الرغم من كل شيء.. سيضطر لرؤيتها..وسيموت اكثر.. كلما شاهد نظراتها التي لا تحمل سوى الاخوة له..ماذا يفعل؟.. ما الذي يستطيع ان يفعل لفتاة مثلها؟..على الاقل حتى تشعر به.. او تشعر بكل ما يعانيه لاجلها..
تطلع حوله بهدوء مراقبا عمل عمال البناء.. ولمح احدهم قد سقطت منه النافذة الزجاجية عن طريق الخطأ.. فقال العامل في سرعة وارتباك: معذرة يا سيد هشام.. لقد سقطت مني عنوة..
استغرب هشام من العامل.. لاول مرة يشعر ان احدهم يخشاه .. وهو يكره مجرد الشعور بمثل هذا وانه قد بات قاسيا في تصرفاته الى الحد الذي يجعل الغير يهابه.. فتوجه الى النافذة الزجاجية وساعد العامل على حملها وقال بابتسامة شاحبة: لا داعي للاعتذار فكلنا يمكن ان نكون في الموقف ذاته..
شاهد العامل يتطلع له بحيرة.. ومن ثم يومئ برأسه شاكرا ويبتعد عن هشام.. الذي قال محدثا نفسه: ( كل هذا بسببك يا وعد.. الى اين ستوصليني بما فعلته بي؟.. لا استغرب ان اصبت بالجنون او فكرت بالانتحار مستقبلا بسببك.. لن استغرب ذلك مطلقا.. لقد انتهى هشام يا وعد.. لقد مات.. وانت من قتله يا وعد.. لا تنسي ذلك ابدا..)
************
فلنعد بالزمن للوراء قليلا فقبل ساعتين تقريبا وقي مبنى الصحيفة .. وبعد ربع ساعة من مغادرة وعد للقسم..تنهد طارق بهدوء وهو يدخل كفه في جيبه ويتحسس تلك الورقة التي التقطها من درج وعد.. وعد لم تعد حتى الآن من بعد ان استدعاها المدير .. وهو لا يزال يشعر بخطأ فعلته فهل يعيد الورقة الى مكانها؟.. ربما تشعر وعد بأنه قد أخذها ..او...
اسرع يبعد تلك الافكار عن رأسه ويخرج الورقة من جيبه ويفضها ببطء..ليقرأ ما نحويه.. واتسعت عيناه بدهشة وذهول وهو يقرأ ما كتب..مجرد كلمات كان لها الاثر الكبير والعميق في نفسه.. ان هذه الخاطرة تتحدث عنه لاشك في هذا..(هل تذكرون تلك الخاطرة التي كتبتها وعد عن طارق بأحد الاجزاء السابقة عندما شعرت بغرابته..والتي رمتها باهمال في احد ادراجها بعد ان احست بسخف ما كتبته..لمن لا يذكر يستطيع مراجعة الاجزاء السابقة..)..المهم الآن ان طارق يكاد يقسم ان كل كلمة تعنيه في هذه الخاطرة.. فهل كتبتها وعد عنه حقا؟..ولم فعلت؟..
وجد نفسه يبتسم ابتسامة تحمل ما بين السعادة والحنان.. ويعيد تلك الورقة الى جيبه.. ان وعد تفكر بي كما افكر بها انا.. انها مهتمة لامري.. كما مهتم انا لأمرها.. لم يعد هناك مجالا للشك في ذلك..ولكن كيف ابدأ معها؟.. ثم انها لم تعلم تتمة حكاية مع مايا.. ربما اذا علمت بتتمتها تغير رأيها عني ولا تلتفت لي بعد الآن..ستعلم يقينا ان مايا لا تزال في عقلي وربما قلبي كذلك و...
ولكن لا.. مايا هي الماضي.. ووعد هي الحاضر ..سأخبرها بكل شيءعن مايا كما قررت مسبقا لاعلم برأيها النهائي عني .. ولتعلم انني لم احاول اخفاء أي امر عنها ..وانها قد باتت انسانة مهمة في حياتي...

جنــــون 11-23-2011 01:30 AM

* الجزء التاسع عشر*
(ماذا تعني بكلماتها؟)

دلفت وعد الى القسم وهي تتنهد.. وتوجهت لتجلس خلف مكتبهابهدوء.. فتسائل أحمد قائلا:لم استدعاك المدير؟..
التفتت له وعد وقالت: لقد تحدث الي بشأن موضوعي وانه ربما يحدث بعض المشكلات.. واخبرني انه سيوافق عليه على ان اتحمل انا تلك المشكلات..
سألها طارق في هذه المرة قائلا: وبماذا اجبته؟..
هزت وعد كتفيها وقالت: بالتأكيد وافقت..هل ارفض فرصة نشر موضوع كهذا من اجل بضع مشكلات..
ابتسم طارق بهدوء وقال: جيد انك لم ترفضي..
وظل يتأملها لوهلة قبل ان يلتفت عنها ويعود لممارسة عمله وكلمات خاطرتها لا تكاد تبارح ذهنه.. (" برودك يغيظني..تجاهلك يثير حيرتي..أخبرني اي شخص هو أنت ..لا ..بل من أنت؟..لم اشعر بكل هذا الاهتمام؟ ..وأنت لا ترفع رأسك وتنظر الى الأمام ..إلي..انظر إلي ..حقاً أريد أن أراك..أريد أن اعلم أي شخص هو أنت ..برود وصمت..ام اهتمام خلف قناع من ثلج؟..أحقا تشعر كباقي البشر..أم بت صلبا كالصخر..بالله عليك كرهت هذا الصمت..تحدث واخبرني ...من أنت؟..")
كل كلمة من هذه الكلمات تعود لتدوي في ذهنه.. لتمنعه من مواصلة عمله.. ورمى بالقلم بهدوء ليتأمل ملامحها الجميلة ويهمس لنفسه قائلا: (ماذا فعلت بي يا وعد؟.. مجرد كلمات اجبرتني على التفكير بك طوال الوقت.. على ان تظل صورتك محفورة في ذهني..لقد بدأت اعتاد حياتي هذه ..فلم جئت الآن؟..لا اريد ان يعود قلبي للنبض مرة اخرى..لقد احطت مشاعري منذ سنين بجبال من الجليد.. فكيف في ايام فقط استطعت ان تذيبي منها الكثير.. اشعر اني قد بدأت اعود الى شخصي الاول..الى طارق الذي فارقته منذ ثمان سنين..طارق المتفاؤل.. المرح.. الذي ينظر الى الحياة بنظرة سعيدة..الذي كان يمنح الحياة كل شي دون ان يطلب منها سوى سعادته.. لم يرغب في حياته بشيء غير ان يشعر بأن احلامه ستتحقق في يوم.. احلامه التي عاش سنتين لأجلها.. ولكن ...
وكأن الحياة تبخل عليه مجرد الشعور بالسعادة.. حطمت احلامه.. قتلت أمنياته.. جرعته كأس المرارة لسنين طويلة..وكأن ليس من حقه ان يبتسم فقد ابتسم بما فيه الكفاية..
وعاد ليتطلع لوعد ويهمس لنفسه من جديد قائلا: ( ولكن هاهي ذي وعد أمامي..ربما ارسلها لي القدر لتعود السعادة الى حياتي الآن..لأطوي صفحة الآلام الى الابد.. وابدأ من جديد..ترى هل انا محق؟.. هل اترك قلبي لوعد؟.. ام اتجاهل مشاعري واقبل بالحياة التي اعتدت عليها منذ سنين.. لماذا دخلت الى حياتي الآن يا وعد؟.. ألتبعثي في نفسي كل هذه الحيرة وتعيدي الي آلام الماضي..ام لكي تمنحيني بصيص امل اكمل به طريقي.. لو تعلمين يا وعد..فقط لو تعلمين انني لم اعد استطيع الابتعاد عنك مطلقا.. ربما تندهشين.. تستغربين.. ولكنها الحقيقة.. لقد بات قلبي ينبض لأجلك.. اجل لأجلك انت.. هل بت تشعرين بي؟.. وبـ....
جاءه صوت وعد لتنتشله من افكاره وهي تقول: واخيرا حانت نصف ساعة الاستراحة..
رفع طارق حاجبيه للحظة وغمغم لنفسه قائلا: (هل غرقت في التفكير لكل هذا الوقت؟)
ووجد وعد تلتفت اليه وتقول بابتسامة عذبة: ألن ننهض؟..
أومأ لها طارق برأسه بهدوء وهو يقول : بلى..
نهضت من خلف مكتبها وقالت بحماس: لا زلت متشوقة لمغرفة تتمة حكايتك مع مايا..
قال طارق بهدوء: سأكملها لك اليوم اذا حصلت على الوقت الكافي..
وسارت برفقته الى حيث الكافتيريا .. وقال طارق بهدوء: اريد ان اخبرك انك ستواجهين الكثير من المصاعب في عملك هذا.. وخصوصا اذا كان الموضوع يتعلق بشخص ما مسئول في الدولة.. والصحفي الحقيقي فقط هو الذي يمكنه مواجهة مثل هذه الامور..
واردف وهو يلتفت لها: لا تستغربي ان قلت لك انه ربما تتعرضين للفصل من العمل بسبب مجرد موضوع قمت بكتابته .. او ربما يتم ايقافك عن العمل لمدة معينة.. هذا بالاضافة الى الخصم من الراتب.. ما اريده منك يا وعد.. ان لا تلتفتي لكل هذا.. مادمت تؤمنين بصدق ما تكتبين وبأثره على اصلاح وتقدم المجتمع.. تحلي بالجرأة والشجاعة .. وواجهي الجميع لتثبتي وتبيني لهم انك على حق.. وهم على باطل.. مادمت تعملين من اجل هدف نبيل..
تطلعت اليه وعد باعجاب ومن ثم سألته قائلة: أخبرني.. هل تعرضت انت لمثل هذا؟..
قا لطارق بهدوء: كثيرا.. فكثيرا ما تم الخصم من راتبي.. وكثيرا ما اوقفت عن العمل لفترة..
تطلعت اليه بحيرة: ولا زلت مستمرا فيما تكتب من موضوعات تنتقد المسئولين..
قال طارق بحزم: واكثر من هذا.. مادمت ارى الخطأ امام عيني.. فلم اصمت؟..هل انا اصم ام اخرس.. لم جئت للعمل في مجال الصحافة اذا.. ان كنت سأصمت عن الخطأ؟..

قالت وعد وهي تغمز بعينها: اخشى ان يتحول عملك يوما في الصحيفة الى عمل تطوعي اذا استمر الخصم من راتبك..
قال طارق مبتسما: لا تقلقي.. هناك حد معين لا يمكنه الخصم بما يفوقه..
قالت وعد وهي تتطلع الى طارق باعجاب: ولكنك على حق..فلا يهمني ان تم طردي من هذه الصحيفة يوما.. ما يهمني هو ان اعبر برأيي بكل حرية في هذا المجتمع وان استطيع توصيل هذه الاخطاء للناس..
قال طارق بابتسامة: تعجبني جرأتك..
خفق قلب وعد لاطراءه لها وابتسمت بدورها وقالت: وتعجبني انا طريقة تفكيرك..
واردفت بمرح: ولكن ليس دائما..
اتسعت ابتسامة طارق وهو يدلف برفقتها الى الكافتيريا ويذهب لشراء بعض الاعطمة له ولها.. قبل ان يعود ليجلس برفق وعد حول احدى الطاولات.. وقالت هي وهي ترتشف قليلا من كوب الشاي: هيا انا بشوق لسماعك ..كلي آذان صاغية..
صمت طارق قليلا ومن ثم قال: اظن انك لا تزالين تذكرين ان آخر ما رويته لك كان بخصوص تدريبها على ركوب الخيل .. اليس كذلك؟...
أومأت وعد برأسها ايجابيا فأردف طارق قائلا: حسنا.. لقد صعدت مايا آنذاك على ظهر الحصان وهي تشعر بالخوف والتوتر وتطلعت الي لفترة قبل ان تزدرد لعابها وتقول: ولكني اشعر بالخوف قليلا..
تطلعت اليها وقالت وانا امسك اللجام: لا تخشي شيئا وانا معك..
عادت لتزدرد لعابها وتقول: انها اول مرة اركب فيها حصانا.. اشعر انني ارتجف..
قلت بهدوء وانا التفت لها: لا تتوتري والا شعر الحصان بذلك..ورفض التحرك وربما تمرد ايضا..
قالت مايا بصوت مرتبك: انت تخيفني هكذا اكثر..
قلت وانا اشير بسبابتي: بل احاول تنبيهك الى بعض الامور قبل ان نبدأ..
وابتسمت لاقول مردفا: هل انت جاهزة الآن؟..
أومأت برأسها بتوتر..فأخذت أحرك الحصان بخطوات بطيئة.. واتطلع اليها بين الفينة والاخرى..والى القلق الذي يكتسي ملامحها ومن ثم قلت مبتسما وانا اسلمها اللجام: والآن حاولي قيادته وحدك..
تطلعت الي بدهشة وهتفت قائلة: ماذا تقول؟..هل تظنني قد جننت حتى اقود حصان لوحدي؟..
غمزت بعيني لها وقلت: هذا لايسمى جنونا بل تدريبا على ركوب الخيل..
واردفت بابتسامة مشجعة وانا اقدم لها اللجام: هيا حاولي لوحدك.. ستجدين الامر سهلا صدقيني..
ترددت وقالت بخوف: ولكن...
جذبت احدى كفيها لاناولها اللجام وقلت بابتسامة حانية: ستفعلينها يا مايا .. صدقيني.. انت قادرة على ذلك..
رأيت الارتباك يبدوا واضحا من ملامحها من مسكة يدي لكفها.. فتركت كفها وقلت: هيا يا مايا..
أومأـ برأسها..والتقطت نفسا عميقا..قبل ان تحاول تحريك الحصان.. فقلت لها: اضربيه بحذائك بخفة..
قالت بشحوب: لن يتحرك.. فالأهبط من على ظهره افضل لي..
- بل ستكملين..هيا لا تستسلمي بهذه السرعة..
فعلت كما طلبت منها ولكن الحصان لم يتحرك فطلبت منها ان تفعل ذلك بقوة اكبر.. وهنا تحرك الجواد.. وشاهدتها تبتسم ابتسامة متوترة وتقول: لقد تحرك حقا..
اومأت برأسي وقلت مشجعا: هيا اكملي..
قالت بسعادة: لأول مرة اشعر بأناحدى امنياتي قد تحققت بالفعل .. اشعر ببشيء غريب وانا ارى فسي امتطي جوادا كما تمنيت دوما..انه لشعور رائع يا طارق.. اشعر وكأنني احلق بالهواء و....
وتوقفت بغتة عن مواصلة الحديث ..لا اعلم ما الذي اوقفها عن مواصلة كلماتها السعيدة المفعمة بالحياة والامل..والتفت لها لأعرف السبب.. وهنا فقط شاهدت الشحوب يكتسي وجهها فاسرعت اوقف الجواد وانا اسألها قائلا: ماذا بك؟؟..
عضت على شفتيها بألم وقالت مكابرة: لا شيء.. انا بخير..
قلت وانا اعقد حاجبي: اخبريني الصدق يا مايا..ما الذي حدث لك فجأة؟..
ازدادت علامات الألم على وجهها وقالت بصوت خفيض بالرغم منها: اريد ان اهبط من على ظهر الجواد..
تملكني الخوف بغتة.. انها اول مرة اراها فيها على مثل هذه الحالة من الشحوب والالم هل تعاني من شيء ما.. او من مرض ما.. او انه شعورها بالخوف ؟.. واتجهت اليها في سرعة لامد لها يدي واقول: سأساعدك..هيا اهبطي..
لم تعترض وهذا ما ادهشني.. هذا يعني انها لا تستطيع حتى الاعتراض.. امسكت بكفي وهبطت بمعاونتي من على ظهر الجواد.. ولمحت بوضوح اكبر في تلك اللحظة ملامح الالم البادية على وجهها فقلت بقلق وتوتر: مايا اخبريني ماذا بك؟؟
التقطت مايا نفسا عميقا.. شعرت معه انها تحاول ملء رئتيها بالهواء الذي اخذ ينفذ من رئتيها..وهذا يعني انها تشعر بالاختناق في هذه اللحظة او بالالم الشديد.. وقالت بصوت ضعيف: لا شيء يا طارق...لا شيء..
امسكت بكتفيها وصحت بحدة: لا تكذبي.. اخبريني الصدق.. انت تكادين تصيبيني بالجنون باخفائك مثل هذا الامر عني..
تطلعت الي بنظرة لم افهم معناها.. ومن ثم قالت بصوت خافت للغاية حتى انني بالكاد كنت اسمعه: طارق..دعك مني..انا لن احيا...طويلا..
اردت ان اسألها عن معنى ما قالته.. عن معنى هذه القنبلة التي فجرتها في وجهي بكلماتها.. عن معنى هذا الكلام الاحمق الذي نطقت به منذ ثوان.. ولكني لم استطع فلقد تهاوت بين ذراعي فاقدة للوعي....
لم اعلم ماذا افعل فقد تملكني الرعب والفزع الشديدين وشلاّ اطرافي وتفكيري.. مانعاني من فعل أي شيء للسيطرة على مثل هذا الموقف وانا أكاد اسمع ضربات قلبي التي أخذت تنبض بسرعة وخوف..ولكني وجدت نفسي اصرخ طالبا النجدة .. ووجدت عدد من زملاء النادي جاؤوا لمعاونتي..لا اعلم ماذا حدث لحظتها.. لقد كنت مشتت العقل تماما..لم أكن ارى أمامي سوى ضباب كثيف أخذ يحجب عني الرؤية تدريجيا ..وأخيرا تم نقل مايا الى قسم صغير للطوارئ بالنادي..
تستطعين القول ان هذا اصعب موقف مررت به في حياتي.. وأنا ارى مايا فاقدة الوعي تماما وبصعوبة اراها تتنفس..والتف حول فراشها في تلك الغرفة الصغيرة التي تم نقلها اليها بالقسم الطبي..عدد بسيط من الاطباء لا يتعدون ثلاثة..وعدد من الممرضات.. ومنعا الجميع من الدخول.. ووجدت نفسي اهتف بانفعال في وجه احدى الممرضات: ابتعدي عن طريقي اريد ان اراها..ليس من حقك منعي..
قالت الممرضة بحزم: ارجوك يا سيد..هذه هي اوامر الاطباء.. سيتم فحصها وبعدها يمكنك الدخول..
قلت بعصبية: فلتذهب اوامرهم الى الجحيم اتفهمين.. اريد رؤيتها الآن..
قالت الممرضة بهدوء: سيدي انك تعطلنا عن عملنا هكذا.. ارجوك انتظر قليلا..
كدت ان استمر في انفعالي لولا ان شعرت بأحد الزملاء يقترب مني ويقول وهو يضع كفه على كتفي: اهدئ يا طارق قليلا.. ودعهم يمارسون عملهم.. مايا عزيزة علينا جميعا .. والجميع يرغب في رؤيتها.. ولكن من أجلها سننتظر.. أليس كذلك يا طارق؟..
التفت نحوه وقلت بحدة: لن انتظر لحظة واحدة اكثر من هذا.. اعصابي تكاد تتحطم وأنا لا اعرف ماذا بها.. وما الذي اصابها فجأة.. لا افهم معنى تلك الكلمات الحمقاء التي نطقتها قبل ان تفقد الوعي..
تطلع الي زميلي بحيرة وقال: أي كلمات؟..
كدت ان أخبره.. لكن لساني ظل عاجزا عن اعادة نطقها .. وكأن قولها قد يصيب شيء من الحقيقة.. وهذا ما أخشاه ..وارفض تصديقه.. ووجدت نفسي ابتعد بخطوات بسيطة عن غرفتها.. وارمي نفسي على أحد المقاعد بانهيار.. ان ما يصيبني الآن اكبر من ان أتحمله.. ان اعصابي تكاد تتلف وانا انتظر في لهفة وقلق خروج أحد الاطباء ليخبرنا بما حدث لمايا...
توقف طارق عن السرد للحظة.. وبدا عليه ان عاد لتلك اللحظة وانه يراها الآن امام عينيه..والتقط نفسا عميقا محاولا السيطرة على مشاعره ومن ثم قال: وأخيرا خرج أحد الاطباء من تلك الغرفة.. ولم اكد المحه حتى اسرعت اليه وقلت بتوتر: طمئنا على مايا يا ايها الطبيب..
قال الطبيب بهدوء: هذه اعراض طبيعية واظن انه لا داعي لكل هذا الخوف.. فمرضى القلب يعانون من هذه الحالات بين فترة واخرى عند شعورهم بالخوف او التوتر الشديد واظن...
قاطعته كالمصعوق : مرضى القلب؟؟..اي هراء تتفوه به يا هذا.. ان مايا بخير وليست مصابة بأي شيء..
قال الطبيب بهدوء من اعتاد مثل هذه الأمور: انه مرض وراثي لديها على ما اظن.. وهي تتعالج منه منذ فترة.. واظن انها تدرك مثل هذه الاعراض التي تصيبها اثر مرض قلبها..
اتسعت عيناي عن آخرهما وانا احاول استيعاب أي كلمة مما نطق.. وانا احاول ان اقنع نفسي ان هذا ليس سوى كابوسا سأستيقظ منه بعد قليل.. اذا هذا ما كانت تعنيه بكلماتها .. انها مريضة بالقلب.. وشبح الموت سيظل يطاردها الى الابد .. سيكون الخوف من هذا المصير هو صاحبها في كل لحظة..
لم اشعر بنفسي الا وانا اندفع الى داخل غرفتها واسرع الى جوار فراشها لاتطلع اليها.. كانت تبدوا كالملاك وهي مغمضة العينين..بريئة الملامح.. ساكنة الاطراف..وشعرت بغصة مريرة تملأ حلقي .. وأنا اتخيل ان تكون مثل هذه الانسانة الرائعة مريضة بالقلب.. كيف يستطيع المرء تصديق ان هذا الجمال النائم سينتهي يوما ما..
حاولت تمالك نفسي لكن قدماي لم تعودا قادرتان على حملي فتهاويت على أحد المقاعد وأنا اتطلع الى وجهها بيأس كبير ..لماذا القدر لا يمنحني السعادة الذي تمنيت؟..اليس من حقي ان اكون سعيدا مثل بقية الناس؟.. هل عندما احببت وتملكت فتاة قلبي ارى هذا المصير المرعب ينتظرنا سويا.. ماذا فعلت لأشعر بكل هذا؟.. هل اخطأت عندما أحببت فتاة ما وتمنيتها لتكون شريكة لحياتي؟.. هل هذه جريمة ارتكبتها؟.. ام ان...
وتوقف عقلي عن التفكير.. لم استطع ان اتحمل المزيدمن هذه الآلام والا سأنهار..ان لم يكن الانهيار قد اصابني وقتها بالفعل .. رأيت عددا من الزملاءوالزميلات يدلفون الى الداخل ويتطلعون الى مايا بهدوء..يخفي احاسيسهم..ان الجميع يدفن بداخله حزن عميق لهذه الانسانة الرائعة التي كانت ولا تزال احدى اروع فتيات جامعتنا.. اسرت الجميع بطيبتها.. بمرحها ..باخلاقها.. برقتها وبغرورها احيانا.. اسرت قلبي ببرائتها..بشخصيتها وبأحلامها البسيطة.. وفي تلك اللحظة شاهدت احدى الزميلات تخفي فمها بكفها وهي تطلع الى مايا .. ولم تستطع الاحتمال اكثر.. فسالت دموعها على وجنتيها في الم وهي تحاول التماسك دون فائدة.. وقال احد الزملاء متحدثا لها: لا داعي للبكاء.. ان مايا بخير..
قالت وهي تتطلع اليه بعينان مغرورقتان بالدموع: لماذا لم تخبرنا مايا بهذا الامر؟..لماذا اخفته عنا؟..اريد ان اعلم..هل تظن انها لن تبقى عزيزة علينا لو اخبرتنا بحقيقة مرضها؟..
اجابها زميل آخر بهدوء: ان الامر اصعب مما تتصورين.. من الصعب على شخص ما ان يعبر عن مثل هذه الحقيقة للآخرين.. سيشعر وانهم سينظرون اليه دائما بشفقة وعطف.. وانه لا يربطه بهم سوى الشفقة لحاله لا شخصه هو..
لم تتوقف الدموع عن الانهمار من عيني تلك الزميلة.. وتبعتها زميلة اخرى .. وقال احد الزملاء لتدارك الموقف: انتن تزعجونها هكذا.. اما ان تصمتن او نخرجكن من الغرفة..
قالها بمرح مفتعل..في حين قالت احداهن: حتى التعبير عن المشاعر اصبح ممنوعا هذه الايام..
قال مبتسما بشحوب: اسمعوني جيدا.. سوف نبقى قليلا هنا ومن ثم نغادر جميعنا لندعها ترتاح.. اتفقنا..
كنت معهم بنصف عقل.. بنصف تفكير.. لم اكن استمع الى ما كانوا يقولونه بعدها الا لكلمات متفرقة.. لقد كانت انظاري معلقة بمايا طوال الوقت.. وجسدي هو الموجود بينهم فقط.. فعقلي وقلبي كانا مع مايا.. يرافقناها في كل لحظة في عالم احلامها.. تمنيت ان أخترق احلامها لأعلم بمن تفكر.. بمن تحلم في هذه اللحظة..
وايقظني من افكاري صوت أحد الزملاء وهو يقول لي: هيا يا طارق فلنغادر وندعها ترتاح.. سوف نأتي مرة اخرى لرؤيتها فيما بعد..
هززت رأسي نفيا وقلت: سأبقى معها ولن اغادر..
- وماذا سيفيد بقاءك معها؟..
- اريد ان اظل الى جوارها..
واردفت مبررا: فماذا لو نهضت ولم تجد أحد معها..ربما تحتاج الى شيء ما حينها ..
قال زميلي بهدوء: انها ليست طفلة.. ولابد انها قد اعتادت مثل هذه الامور..وكيف تتصرف لوحدها بالمشفى و..
رمقته بنظرة صارمة.. اصمتته وارغمته على عدم مواصلة حديثه.. فقال بارتباك: معذرة لم اقصد ما فهمته.. اعني انها تعرف كيف تتصرف لوحدها.. دعها لترتاح يا طارق وسنأتي جميعا لرؤيتها بعد قليل..
قال طارق باصرار: قلت لا.. ان كنتم تريدون المغادرة فغادروا لن امنع احدكم..
- لكن يا طارق سـ...
قاطعه زميل آخر قائلا: دعه وشأنه..ان كان يريد البقاء فليبقى معها..
واردف بخبث: فيبدوا انها غالية عليه بأكثر مما كنا نتصور..
تطلعت الى زميلي بصمت دون ان اعقب بشيء..لم اعترض؟.. لم ابرر؟.. لم افعل هذا؟..انني احب مايا حقا..احبها بكل مشاعري.. فهل افعل ما هو خطأ؟.. لست اخدعها او اكذب عليها .. انني مستعد للزواج بها اليوم قبل الغد ..لكن هل ستوافق هي؟.. هل ستوافق ان علمت انني قد علمت بأمر مرضها هذا؟.. ستظن انها شفقة او عطف مني.. لكن لا.. لن اسمح لها بأن تظن بي مثل هذا الظن.. انا احبها .. احبها ..ومستعد لفعل أي شيء لأجلها..لتعلم كم هي غالية بالنسبة لي..
لم اشعر بزملائي وهم يغادرون المكان..بصراحة لم اكن اشعر بشيء مما حولي مطلقا.. كانت ابصاري معلقة بمايا وهي ممدة على الفراش وشعرها الاسود الطويل يجيط بوجهها بنعومة.. بعكس بشرتها البيضاء الناصعة..ليخلق مشهد اجمل فتاة رأيتها في حياتي.. اكاد اسمع صوت ضربات قلبها.. والغرفة تخلوا من أي صوت أخر سوى صوت جهاز ضربات القلب الذي يستمر بالرنين في كل ثانية.. وانفاسها الهادئة تدل على نومها العميق..
وابتسمت بمرارة بالرغم مني.. كيف لي ان احتمل مثل هذه الفكرة .. ان مايا مريضة بالقلب.. وانها...
لكن لم اليأس.. لم؟..ان الله عز وجل قادر على كل شيء.. وقلت هامسا لتفسي: ( يا رب.. ابقي مايا لنا يا رب.. اشفها من مرضها..اسألك يارب العالمين.. اسألك وانت لا ترد سؤال الداعي اذا دعاك..ارحمنا برحمتك يا رب العالمين)..
لم اعلم كم مر من الوقت بعدها.. ساعة .. يوم.. اسبوع.. عام..لست اعلم.. كنت اشعر بكل ثانية تمر.. اشبه بالساعة.. لهذا لست اعلم كم قظيت في تلك الغرفة من الوقت..وتوقفت عقارب الساعة كلها فجأة .. اظن ان هذا ما حدث وقتها..وانا اسمع ذلك الصوت الخافت الذي همس: طارق..
تطلعت اليها بدهشة ومن ثم لم البث ان ابتسمت بحنان وانا اقترب منها قائلا: حمدلله على السلامة..
قالت بشحوب: اين انا؟..
جذبت مقعدا لي وجلست عليه وانا اقول: بقسم للرعاية الطبية بالنادي..
رأيت عيناها تتسعان بغتة.. وتمتمت بصوت مرتجف: اذا فقد عرفت..
امسكت بكفها لأقول بحب: عرفت ماذا؟..
تطلعت الى كفي الممسكة بكفها للحظة قبل ان تقول بمرارة: انني مريضة ولن احيا طويلا..
قلت مبتسما: وما ادراك؟.. هل تعرفين الغيب؟..
قالت وهي تشيح بوجهها بألم: لا.. ولكنه الواقع الذي علي ان اتقبله.. اعرف ان مرضي هذا لا شفاء منه.. وان نهايته هي الموت..
قلت محاولا تهدئتها: لا تقولي هذا .. من يدري .. هناك اشخاص اصحاء لا يعيشون لأكثر من عشرون عاما.. بينما يعيش اشخاص فقدوا الامل بالحياة لأكثر من ستون عاما..
لمحت الدموع تترقرق في عينيها وقالت: اتحاول ان تمنحني بعض الامل.. أعلم انني سأموت قريبا..
عقدت حاجبي وقلت: من يدري ربما اموت انا بعد لحظات من الآن..
قالت مايا باستنكار: لا تقل هذا..
قلت وانا اتطلع اليها بحنان: وانت ايضا لا تقولي مثل هذا الكلام التافه مرة اخرى.. لا تفقدي الامل يا مايا.. اتعدينني؟..
اومأت برأسها ومن ثم ضغطت على كفي الممسكة بكفها بحنان وقالت بصوت هامس ودافئ: اعدك..
************
تطلع عماد بابتسامة واسعة الى ليلى التي انتهت من عملها أخيرا.. وقال: وأخيرا.. لقد كدت ان انام..
قالت ليلى مبتسمة: لم يطلب احد منك انتظاري.. انت من فعل..
- الا ترين انه من الواجب عليك شكري بعد ساعة كاملة من الانتظار..
قالت ليلى مداعبة: ربما كان من الواجب علي لو انني انا من طلبت منك الانتظار معي..
قال عماد وهو ينهض من على مقعده: حسنا لا بأس في المرة القادمة انت من سيطلب بقائي معك..
قالت ليلى مبتسمة: من قال هذا؟..
غمز لها عماد بعينه وقال: سنرى.. والايام بيننا..
واردف بهدوء: هيا لنغادر الآن..
اومأت ليلى برأسها وهي تنهض من خلف مكتبها وتسير الى جواره.. الى ان وصلا الى مواقف السيارات.. وهناك سألته ليلى قائلة:الى أي مطعم سنذهب؟..
قال عماد مبتسما: انها مفاجآة ..
قالت ليلى بحيرة : ولكن هكذا لن استطيع ان اتبعك بسيارتي..
قال عماد وهو يفتح باب السيارة المجاور له: هل تسمحين اذا ان اوصلك انا الى هناك؟..
ظهر التردد جليا على وجهها فقال عماد بابتسامة حانية: الا تثقين بي؟..
تطلعت له ليلى ومن ثم قالت وهي تلمح ابتسامته الحانية: على العكس.. انت اكثر الشباب نبلا على وجه الارض بالنسبة لي..
ابتسم عماد وقال: اشكرك.. ان كلماتك هذه تسعدني..
ابتسمت ليلى واقتربت من سيارته بهدوء لتدلف اليها .. ويدلف عماد بدوره على مقعد القيادة وينطلق بالسيارة ...

جنــــون 11-23-2011 01:30 AM

*الجزء العشرون*
(هل هي النهاية؟)


قال طارق وهو يكمل سرده للحكاية: تستطيعين ان تقولي ان ماحدث بعدها اشياء عادية جدا.. لم يؤثر مرضها كثيرا على علاقتها بي او بالآخرين.. ولكني شعرت بأنها تحبني بحق ..لأول مرة اعلم بحقيقة مشاعرها وانها قد بادلتني المشاعر أخيرا.. لابد وانك تتسائلين كيف عرفت بحبها لي.. لقد بدأت اشعر باهتمامها الكبير تحوي.. بحنانها.. بلهفتها وشوقها كلما رأتني.. لم يكن هناك ما يفسر تصرفاتها.. الا انها قد بادلتني المشاعر أخيرا...
وجاء ذلك اليوم..كان يوما عاديا كأي يوم قد مر علينا جميعا.. نهضت صباحا لأذهب الى الجامعة ولم انس ان اتوجه الى زملائي لالقي التحية عليهم.. وعلى مايا خصوصا ..ورأيتهم جميعا جالسين حول احدى الطاولات بالكافتيرا ..فقلت بابتسامة مرحة: صباح الخير جميعا.. الا تكفون عن تناول الطعام ابدا؟..
قال أحدهم بخبث: ليس نحن.. انها مايا من اقترحت هذه الفكرة..
اشارت مايا الى نفسها وقالت باستنكار: انا؟؟..
اما انا فقلت: هذا يثبت لي انك انت صاحب هذه الفكرة..
ضحكنا جميعا في مرح..هذه هي حياتنا اليومية.. ابتسامة .. وفرح.. والم نخفيه في اعماقنا بعيدا عن انظار مايا..لم نستطع ان نتعايش مع مرضها بهذه البساطة ولكن مع هذا لم نحاول تغيير أي شيء.. على العكس لقد ازدادت لقاءاتنا.. وظننا اننا سنودع هذا المرض اللعين الى الابد.. وانه لا مكان له وسط كل هذه السعادة التي تعلوا وجوهنا..
ولكن..الواقع المرير كان اقوى منا جميعا.. ولا احد يستطيع منع القدر.. فبعد ان انتهت محاضرتي في ذلك اليوم رأيت احد الزملاء يسرع نحوي وهو يقول لي بصوت لاهث: طارق.. مايا..فقدت الوعي..
اتسعت عيناي برعب وقلت وقد سيطر التوتر على كياني بأكمله: وأين هي الآن؟..
- بالقسم الطبي..
اسرعت الى جواره هابطين السلالم الى الطابق الاول حيث القسم الطبي بالجامعة.. وسمعته يقول لي حينها: لقد اخبرتني احدى زميلاتها.. بأنها كانت تشعر بتعب بسيط ورفضت الذهاب الى القسم الطبي في حينها..وأصرت على مواصلة بقية المحاضرة.. الى ان شعرت بألم فجأة ليجدوها قد أخذت تأن معبرة عن الامها.. وتفقد الوعي بعدها مياشرة..
ازدردت لعابي محاولا السيطرة على خوفي..ان هذا يعني ان آلامها اكبر من ان تتحملها..يا الهي.. ابقي لي مايا ارجوك.. هذا ما اخذت اتمتم به طوال الطريق الى ان وصلت الى القسم الطبي وكدت ان افتح الباب لولا ان خرجت احدى زميلاتي من الداخل بغتة ودموعها تسيل على وجنتيها.. لم احتمل اكثر فهتفت بها في انفعال: ماذاحدث لمايا؟..ماذا حدث لها؟..
شهقت بألم ومن ثم قالت بصوت متحشرج: انها تطلب رؤيتك..وقد طلبت مني قائلة: استدعي لي طارق على الفور فهذه آخر مرة اراه فيها..
قلت وقلبي يخفق بعنف: أي هراء تتفوه به؟..
قالت زميلتي برجاء: اذهب لها ارجوك.. انني اشعر بأنها تعني ما تقول..
ابعدتها عن طريقي يخشونة وقلت: لا تتفوهي بمثل هذه الكلام مرة أخرى.. لا اريد سماعه مطلقا.. اتفهمين؟..
وتوجهت الى حيث ترقد مايا على ذلك الفراش الابيض.. ورأيتها تبتسم.. وهذا ما اذهلني.. كانت تجمع قواها كلها في هذه الابتسامة الشاحبة وتقول: وأخيرا حضرت يا طارق .. كنت انتظرك قبل ان ارحل ولا اراك مرة أخرى..
قلت وانا اجثوا على ركبتي بجوارها: ارجوك لا تتفوهي بمثل هذا.. انت ستعيشين وسنحقق امنياتنا معا..
قالت بشرود: وسوف تدربني مرة اخرى على ركوب الخيل.. اليس كذلك؟..
امسكت بكفها بحنان وقلت بصوت مختنق: بالتأكيد.. وسنظل معا الى الابد..
تطلعت الي وقالت بهمس: لا اعلم كيف اشكرك.. انت انسان رائع يا طارق واروع مما كنت اتصور..
قلت بشحوب: بل انت الرائعة يا مايا..انت كالملاك الرقيق في تصرفاته.. في كلماته.. انت كل شيء لي يا مايا ..كل شيء ..
قالت وهي تتطلع الى نقطة مبهمة في السقف: اتعلم؟.. لم اكن اتصور يوما ان يخفق قلبي لشخص ما.. او انني اشعر بالحب.. لقد كنت اظن ان هذه الامور لا توجد الا في الروايات ولا وجود لها على ارض الواقع..
واردفت وهي تتطلع الي بنظرة حالمة: ولكن ها انذا اشعر بها.. كل خلية من جسمي تشهد بهذا الحب الذي اخذ يسري في عروقي.. لقد نبض قلبي المريض يا طارق بالحب.. نبض لك انت..
شعرت بغصة مريرة تملأ حلقي.. وحاولت النطق بأي حرف.. فهذه الكلمات التي اردت سماعهامنها يوما..تنطقها في اصعب موقف تمر به.. تعترف بحبها لي.. وهي تكاد ترى شبح الموت امام ناظريها ينتظرها ليسلبها الروح.. وقلت بصوت مختنق طهرت منه الكلمات بصعوبة: مايا..هل تدركين؟..انني احببت انا ايضا..احببت فتاة رائعة.. جميلة ..بريئة.. رقيقة..كالملاك في اخلاقها وتصرفاتها..فتاة لا اتخيلها الا ان تكون شريكة حياتي الابدية.. انها فتاتي الرائعة... انها أنت يا مايا..احبك بكل قطرة في دمي.. واتمنى ان اكون قد استطعت منخك من الحب والامان والحنان ما يوفي حقك..
عادت مايا لتبتسم بشحوب وتقول بصوت متعب:كلماتك هذه تكفيني.. تشعني بأني في امان دائما ما دمت معي بقلبك وبروحك .. ستظل دائما معي يا طارق حتى ولو انتقلت الى العالم الآخر..
ترقرقت الدموع في عيني بالرغم مني..لم استطع الا ان ازدرد لعابي لامنعها من الهبوط على وجنتي.. وقلت لحظتها وانا امسح على شعرها الاسود الناعم بحب وحنان: انت دائما وابدا في قلبي يا مايا.. سنكون معا.. وسنتخرج سويا من الجامعة لنعمل في احدى الصحف ونكون افضل صحفيين في هذه الدولة دون منازع كما تمنيا دوما.. سنكون اروع ثنائي يا مايا.. سنحقق حلمنا هذا معا..
التفتت عني مايا وقالت بصوت هامس: اعذرني يا طارق فلن استطيع ان اكون معك.. ستواصل طريقك وحدك.. عدني بأن تكون صحفي لامع وذا قلم متميز ذات يوم..عدني بذلك..
قلت بخفوت وحنان: اعدك يا مايا.. اعدك يا مالكة قلبي وكياني..
ارتسمت ابتسامة على شفتيها وقالت: اذا فسأرحل عن هذه الدنيا وانا مطمأنة ان حلمي وحلمك ستحققهما بكل اصرار..
قلت في سرعة وخوف: لا تقولي مثل هذا الكلام.. اتوسل اليك.. مايا انك نبض قلبي.. مالكة مشاعري.. كيف ستذهبين وتتركيني.. لن استطيع الحياة من بعدك يا مايا.. لن استطيع..
ضغطت على كفي بخفوت وقالت وهي تغمض عينيها: بل ستواصل حياتك..ستصبح صحفي لامع بجريدة ما.. وستتزوج.. وتبدأ حياة جديدة..مليئة بالفرح.. دوني..
قلت وانا امسك بكفها الرقيقة بين اناملي واضغط عليها: مايا.. انت من احب انت من ستواصلين الحياة معي .. انت فقط.. لن اكون صحفي معروف حتى من دونك.. انت من سيمنحني القوة على المواصلة..انت من ستكونين برفقتي.. ستشجعيني دائما.. وسنكون معا دائما.. اليس كذلك يا مايا؟ ..اليس كذلك؟..
ولما لم اجد الرد منها.. التفتت بخوف الى جهاز ضربات القلب وهنا فقط سمحت لدمعتي بالهبوط من على وجنتي وانا اصرخ هاتفا باسمها الذي ظل دائما وابدا محفورا بذهني وقلبي: مــــــايـــــا....
وتردد صوت ندائي بالممكان بأكمله دون ادنى جواب...

التقط طارق نفسا عميقا وهو يتوقف عن السرد ويحاول ان يبعد ذلك المشهد الذي عاش لحظاته المؤلمة وشديدة الحزن ذات يوم .. وتنهد بمرارة وكاد ان يهم بنطق شيء ما وهو يلتفت الى وعد الجالسة امامه.. ولكنه رفع حاجبيه بغتة باشفاق وحنان شديدين وهو يقول: اتبكين يا وعد؟..
رفعت اليه وعد عينيها الدامعتين وقالت وهي تحاول السيطرة على انفعالاتها: معذرة.. ولكن دموعي قد سقطت بالرغم مني..
قال طارق بابتسامة هادئة وهو يناولها منديلا: خذي.. امسحي دموعك..
التقطت المنديل من كفه واسرعت تمسح دموعها .. في حين أخذ يراقبها هو بهدوء.. وتنهدت وعد بصمت قبل ان تتطلع الى طارق بنظرة طويلة.. اكان يعاني كل هذا؟.. ولم يشعر به أحد..أيدفن كل هذا الحزن بداخله حقا؟.. هل استطاع ان يتحمل ان يرى فتاته تغادر الدنيا امام نا ظريه؟..
وقاطع طارق افكارها وهو يلامس كفها بأنامله ويضغط عليها قائلا بابتسامة حانية: معذرة ان كنت قد تسببت في حزنك و بكاءك..
ارتجفت كف وعد بالرغم منها وهي تشعر بأنامل طارق وهي تمس كفها بحنان غريب.. تراه يوجهه لها لأول مرة منذ ان التقيا..وقالت بارتباك وخجل وهي تجذب كفها من بين انامله: دعك مني.. فأن حزني لا يساوي قطرة من بحر حزنك عليها..
زفر طارق زفرة حمل معها آلامه وقال: انت محقة تقريبا في هذا.. فحزني وقتها لم يكن يضاهيه أي حزن بالعالم.. وانا افقدها امام عيني .. وتحولت بعدها من طارق المرح والممتلئ بالحيوية والنشاط.. الى طارق الذي تعرفين الآن.. ولكن مع هذا اصررت ان احقق حلمها وان اصبح صحفي مشهور او لامع باحدى الجرائد.. وها انذا قد حققت حلمها أخيرا وانا ارى نفسي صحفي الكل يعترف بقدرته ومهارته..
قالت وعد متسائلة بتردد: اريد ان اسألك..بعد ثمان سنوات من فقدانك لمايا.. لم يتغير شيء..وهي لا تزال تحتل قلبك ..اليس كذلك؟..
اجابها طارق وهو يهز كتفيه: لا اسطيع انكار هذا.. فمايا لم تكن مجرد فتاة دخلت الى حياتي ومن ثم رحلت منها دون ان تترك أي أثر فيها.. لقد كانت الفتاة التي أحب.. ولقد وعدت نفسي يومها انني سأحيط قلبي باسوار من الجليد.. لاجعله بارد المشاعر..لا ينبض الا بحب مايا..
واردف وهو يبتسم ويتطلع لها : ولكن كان هذا قبل ان التقي بالصحفية التي اقتحمت مكتبي ذات يوم لتقول:من فضلك يا سيد.. لقد وظفت حديثا هنا وأريد أن أسأل اين هو المكتب الذي سأجلس عليه..
ابتسمت وعد ابتسامة واسعة وقالت: وانت اجبتني يومها قائلا: وما شأني أنا..
ضحك طارق ضحكة قصيرة ومن ثم قال: الا زلت تذكرين؟..
ابتسمت وقالت: لقد اغضبني ردك هذا يومها.. وكنت انعتك دوما بالمغرور في سري..
قال طارق مبتسما: وما رأيك الآن..هل انا مغرور كما ظننت؟..
قالت مصطنعة التفكير وهي تضع سبابتها اسفل ذقنها: ليس كثيرا..
قال طارق بسخرية: حقا؟..
صمتت وعد للحظات ومن ثم قالت وهي تتطلع اليه: اتعلم يا طارق انها المرة التي اراك فيها تضحك..
رفع طارق حاجبيه للحظة وكأنه انتبه لهذا الامر توا ومن ثم قال: الم اقل لك انك قد غيرت حياتي؟..
قالت وعد بدهشة: انا؟؟..
- اجل انت..وهل يوجد غيرك هنا؟..
ابتسمت بهدوء.. وشاهدته في تلك اللحظة يميل قليلا نحوها ومن ثم يقول: وهل تعلمين يا وعد..انها المرة الاولى التي اسمعك تناديني باسمي مجردا من دون (استاذ)..
قالت وعد بدهشة: هل فعلت؟.. لم اكن اقصد.. لقد كانت زلة لسان لا اكثـ...
قاطعها طارق قائلا بابتسامة جذابة: ماذا تقولين؟..على العكس لقد سعدت بهذا.. فهذا يعني على الاقل انك بت تعتبريني شخصا قريبا منك..
اعتلت حمرة الخجل خديها ومن ثم قالت بارتباك محاولة تغيير دفة الحديث: لم تخبرني الى الآن.. لم اخبرتني انا بالذات بحكايتك مع مايا..
اجابها قائلا: لانك قد سألتني ذات مرة عن سبب برودي معك وسبب تصرفاتي اللامبالية.. واردت ان اجيبك على سؤالك..
- هل منحتني ثقتك من اجل هذا السبب فقط؟؟
هز طارق رأسه نفيا ومن ثم قال: لا.. هناك سبب آخر بالتأكيد..
- وما هو؟..
قال وهو يبتسم بغموض: سأخبرك به في الوقت المناسب.. اعدك بهذا..
*********
توقفت سيارة عماد امام احد المطاعم الفخمة بالمنطقة.. وظهرت الدهشة جلية على ملامح ليلى التي ترافقه وهي تقول: انه افخم المناطق واغلاها تقريبا بهذه المدينة.. هل اخطأت الطريق باصطحابي الى هنا ام ماذا؟..
قال عماد مبتسما: لا لم اخطئ الطريق.. فما المشكلة ان نتناولنا طعام الغداء هنا؟..
التفتت له وقالت بحيرة: اتعلم ان وجباته مرتفعة الثمن؟..
هز كتفيه وقال : اعلم.. ثم انه يوم واحد فحسب.. دعينا نستمتع قليلا..
- اظن انه يتوجب عليك البحث عن مطعم آخر والا اشهرت افلاسك بسببي..
قال مبتسما وهو يغادر سيارته: فليكن وانا اقبل.. والآن هلاّ هبطتِ من السيارة لتناول غدائنا..فأنا اشعر بالجوع صراحة..
قالت ليلى بضيق وهي تهبط من السيارة: ما زلت ارى انه لم يكن هناك أي داع للذهاب الى مطعم كهذا..
هز كتفيه ودلف الى ذلك المطعم الراقي وتبعته ليلى لتسير الى جواره..واستوقفهم النادل ليقول: طاولة لشخصين؟..
اومأ طارق برأسه ايجابيا.. فصحبهما النادل الى احدى الطاولات المستديرة الشكل التي تجاور النافذة التي تحتل الجدار تقريبا.. وقال وهو يشير لهما بالجلوس: تفضلا..
ابتسم عماد بهدوء وهو يجلس على احد المقاعد في حين احتلت ليلى المقعد المواجه له..وقال النادل في تلك اللحظة: أي خدمة استطيع تقدميها لكما..
التفت له عماد وقال: غداء لشخصين من فضلك..
قالها ومن ثم املى عليه ما يتوجب عليه احضاره من انواع الوجبات والمشروبات المختلفة .. فقال النادل بهدوء: دقائق ويكون جاهزا..
وما ان انصرف النادل حتى قال عماد وهو يتطلع الى ليلى: اخبريني في أي مطعم غير هذا ستجدين هذه الخدمة الممتازة ..والوجبات الغاية في اللذة..
قالت ليلى متسائلة: وما ادراك ان وجباتهم على النحو الذي تصف؟.. هل حضرت الى هنا من قبل؟..
أومأ عماد برأسه ومن ثم قال: اجل مع والدي وعدد من...
بتر عبارته فجأة.. وتوقف عن مواصلة الكلام.. لقد كاد ان يشر الى ابيه وشركاءه بالشركة.. وهو لا يرغب بالاشارة ابدا الى انه ابن صاحب هذه الشركة.. لا يريد ان تبتعد المسافة بينه وبينها اكثر من ذلك؟.. لقد كانت تتجنب لقاءه في بادئ الامر لمجرد انها كانت تظن انه مدير للشركة.. فكيف اذا علمت انه صاحبها تقريبا.. ستبتعد عنه نهائيا.. او ستظل تنظر اليه من من خلال منظور الطبقات الاجتماعية..وهذا هو اكثر ما يبغضه..ان يراه شخص ما انه سيده وانه اعلى منه شئنا.. فكيف بليلى..تلك الفتاة الرقيقة التي استطاعت ان تحرك مشاعره..استطاعت ان تستحوذ على تفكيره.. كيف يبعدها عنه الآن بد ان وصل الى هذه المرحلة معها من العلاقة..كلا سيصمت ولن يخبرها بأي شيء.. لن يفعل.. اجل هذا ما يجب ان يفعله و...
قاطعت ليلى تفكيره وهي تقول: لم تخبرني مع من جئت؟..
قال بابتسامة: مع اسرتي وقد كانت مرة واحدة فقط لا غير..
كان يكذب.. فقد جاء الى هذا المطعم لمرات عديدة قبل الآن.. مع والده وشركائه وبعض رجال الاعمال للتناقش في الصفقات التجارية المختلفة.. ولكنه فضل الكذب على ان تتباعد المسافة بينه وبين ليلى..
قالت مايا لحظتها وهي تنزع النظارة الشمسية من على شعرها وتضعها امامها على الطاولة وهي تقول: اما انا..فهذه هي المرة الاولى التي آتي فيها الى هنا..
قال عماد مبتسما: واعدك انها لن تكون الأخيرة..
قالت ليلى بحيرة: هل تفضل تبذير اموالك هكذا دائمافي اشياء غير مهمة على هذا النحو؟..
صمت عماد ومن ثم قال: لا اعد هذا تبذيرا.. يمكنك ان تقولي انني احاول ان جرب كل شيء تقريبا..
زفرت ليلى وقالت: ولكن ليس على هذا النحو..
قال عماد مبتسما وهو يميل نحوها: هل انت مهتمة بميزانيتي الى هذه الدرجة..
قالت ليلى بارتباك: لا ولكني اقدم النصح لك لا اكثر..
قال وهو يعقد ذراعيه: ما رأيك ان نتحدث عن شيء غير هذا..
تسائلت قائلة: مثل ماذا؟..
فكر قليلا ومن ثم قال: طموحاتك في الحياة مثلا او امنياتك؟..
قالت بابتسامة باهتة: لست اتمنى سوى شيئا واحدا..ان يعود والدي الى والدتي..
قال عماد باهتمام: هل هما منفصلان؟..
اومأت ليلى برأسها وقالت: اجل.. لقد انفصلا قبل ما يقارب العشر سنوات؟..
سألها قائلا: واتعلمين ما هي الاسباب التي دعت الى ذلك؟..
- اتذكر ان المشاكل لم تكن لتختفي من حياتهما يوما واحدا فحسب.. كان دائمي الشجار لاتفه الاسباب.. حتى جاء اليوم الذي وجدت فيه والدتي تغادرنا..
قال عماد وهو يعقد حاجبيه: الم تذهبي معها حينها؟..
قالت ليلى بهدوء: بلى لقد ذهبت معها حينها.. ولا ازال احيا معها الى الآن.. ولكن لا ازال امتلك امل ان يعود والدي الى والدتي ذات يوم.. فأنا على اتصال بأبي وهو شخص ابيض القلب ولطيف للغاية.. وربما سلبيته الوحيدة انه عصبي جدا.. وربما كان هذا احد اسباب الانفصال..
صمت عماد للحظة ومن ثم قال متسائلا: بم شعرت يومها وانت ترين نفسك مشتتة بين اباك وامك؟..
- شعور اقرب الى الضياع.. ولم يكن يخفف عني هذا العبأ سوى انني كنت ارى والدي يوما واحدا بالاسبوع اقضيه معه كيفما اشاء..
قال عماد وهو يتطلع لها: بصراحة احزنني سماع مثل هذا.. ففتاة كانت في مرحلة المراهقة في ذلك الوقت..كانت في اشد الحاجة الى وجود والديها من حولها..
- معك حق ولكني ها انذا امامك لم يتغير شيء في حياتي سوى انني ازددت طموحا على ان احقق كل ما حلمت به..
قال عماد مبتسما: من يراك تتحدثين هكذا يعتقد بأنك صلبة الى ابعد الحدود.. على الرغم من رقتك ومشاعرك الصادقة والشفافة التي تصل الى أي شخص يعرفك جيدا..
قالت بابتسامة باهتة: معذرة ان كنت قد ازعجتك بمشاكلي..
اتسعت ابتسامته وقال: على العكس يسعدني مشاركتي لك مشاكلك..
تطلعت اليه للحظة بحيرة ومن ثم قالت: هل لي بسؤال؟..
اومأ عماد برأسه وقال : بالتأكيد.. سلي ما يحلوا لك..
قالت بتردد: لم تبدي كل هذا الاهتمام نحوي.. انا بالذات؟؟..
صمت عماد للحظات..وليلى تترقب ان ينطق بشيء يرضي مشاعرها نحوه وحبها له.. وتجعلها تتأكد من مشاعره نحوها وتعلم كونها على الاقل.. فهي لم تخبره بمشكلتها الا ليكون على علم بكل ظروفها.. فهي تكره ان تخفي عنه شيئا.. او ان يخفي عنها هو شيئا ما.. تشعر بأن ذلك سيكون خداعا له لو لم تخبره بالحقيقة كاملة..وانتظرت وهي تتطلع اليه حتى وجدته يقول اخيرا: اظن انني اجبت عن هذا السؤال من قبل..
ارتفعا حاجبا ليلى في دهشة فهي لا تذكر ابدا انها قد سألته مثل هذا السؤال قبل الآن .. ووجدته يقول وفي عينيه نظرة لم تتمكن من تفسيرها: الا تذكرين؟.. في تلك الرسالة.. لقد اخبرتك ان كل ما يهمني هو انك انت يا ليلى..انت ولست أي شخص آخر..
تطلعت اليه وقالت بلهفة وحيرة: ماذا تعني؟..
كانت تنتظر سماع كلمة منه تطفئ نار عذابها بحبها له والذي لا تعلم الى الآن ان كان يبادلها حبا بآخر ام لا.. تشعر انه مهتم لأمرها ولكن هل وصل هذا الاهتمام الى مرحلة الحب؟؟..
كاد عماد ان ينطق بقول شيء ما.. عندما جاء النادل ليقطع عليهما حديثهما ويبدد امنية ليلى في ان تسمع منه كلمة واحدة تشير الى انه يبادلها مشاعرها تلك.. ووضع امامهما اطباق الطعام.. قبل ان يقول : هل تأمران بأي خدمة اخرى؟..
قال عماد نافيا: لا شكرا لك..
وما ان غادر النادل حتى التفت عماد الى ليلى وقال: ماذا كنا نقول؟..
ابتسمت بمرارة ..هل غاب الامر عن ذهنه بهذه السرعة؟.. اهذا يعني انه يريد ان يتهرب من الموضوع؟.. وقالت بهدوء: دعك مما كنا نقوله.. ولنتناول طعام الغداء..
قال عماد مبتسما: ولم ترفضين القول؟.. الا تريدين معرفة اجابة سؤالك؟..
رفعت اليه رأسها في لهفة وتتطلعت اليه بعينان تشعان شوقا لسماع ما سيقوله.. فبهذا تستطيع ان تحدد ان كان عماد يبادلها حبها هذا .. ام انه اعجاب لا اكثر ولا اقل...

جنــــون 11-23-2011 01:30 AM

* الجزء الواحد العشرون*
(أحقا يا ليلى ؟)



تطلعت ليلى بلهفة الى عماد وهي تنتظر سماع ما سيقوله بشوق وترقب ومن ثم وجدته يقول وهو يتطلع الى عينيها مباشرة ويحتضن كفها برقة: اعني.. انك انسانة غالية على قلبي..ولن ابالغ ان قلت انني قد اعجبت بك منذ اول مرة رأيتك فيها.. واهتمامي بك قد تضاعف وانا ارى مشاعر كثيرة تتحرك بداخلي نحوك..
توردت وجنتا ليلى بخجل شديد.. واحست بالحرارة في اطراف جسدها.. ارتجاف هو ما سيطر على اطرافها في تلك اللحظة.. وارتباك جعلها تتلعثم دون ان تعلم ما تقول.. ووجدت عماد يردف بحب: ولن ابالغ ايضا ان قلت انك قد بت احد احلامي التي اتمناها.. لقد اصبحت حلم حياتي الذي اطمح له..
ازداد ارتباك ليلى وهي تقول بتلعثم: اتراني حقا استحق كل هذا.. وانا...
قاطعها عماد قائلا: ان كنت ستتحدثين عن المناصب او الطبقات الاجتماعية فأرجوك لا تكملي.. اخبرتك بأنني لا اهتم لكل هذه التفاهات التي تملأ المجتمع.. كل ما يهمني هو انك الانسانة الذي كنت احلم بأن تكون شريكة حياتي..
قالت ليلى وابتسامة خجلى ترتسم على شفتيها: أحقا؟..
اومأ عماد برأسه ومن ثم قال: اجل..يا ليلى.. وسأثبت لك بأنك الوحيدة الذي استطاعت تحريك مشاعري نحوها واختطاف قلبي.. ولكن...
- ولكن..ماذا؟..
سألها عماد قائلا: هل تبادليني شعورا بآخر؟..
قالت ليلى بخجل: اتسأل؟..
ابتسم عماد بسعادة وقال بفرحة: أحقا يا ليلى ؟.. أحقا؟..
قالت ليلى وهي تطرق برأسها في ارتباك وخجل شديدين: أجل فقد أعجبت بك انا ايضا.. ومع الأيام وجدت انك قد اصبحت شخصا مهما في حياتي..
قال عماد بحنان شديد وهو يمسك بكلتا كفيها: اذا هل تسمحين لي ان اطلب منك طلبا أخيرا يا عزيزتي؟..
أومأت برأسها وهي تحاول منع ارتجافة كفيها.. فقال: هل تقبلين الزواج بي يا ليلى؟..
تطلعت له ليلى بعينان تمتلآن بالدهشة والفرح ولم تستطع نطق أي حرف.. أحست بقلبها يرقص بين ضلوعها فرحا.. أحست بنفسها تحلق في سماء الاحلام الوردية.. فهاهي ذي اكبر أمنياتها قد تحققت امام ناظريها.. لقد طلبها عماد للزواج.. هذا ليس حلما.. ان الاحلام ليست بهذا الوضوح والدقة..الاحلام لا تُحس؟..انها تشعر بكفيه وهما تمسكان بكفيها بحنان شديد..انها...
وظل الوضع على ما هو عليه بضع لحظات أخرى.. ليلى صامتة دون ان تستطيع ان تنطق بحرف وعماد يتطلع اليها بحب شديد ..قبل ان يردف عماد بصوت اقرب للهمس: لم تجيبيني يا عزيزتي .. هل تقبلين بي زوجا؟..
حاولت ليلى النطق بأي عبارة.. ولكن الخجل الجم لسانها .. وأخيرا ازدردت لعابها وتماسكت لتقول: ان هذا اسمى احلامي يا عماد..
خفق قلب عماد بقوة وهو يستمع لما قالته.. ومال نحوها ليقول بهمس وحب: أحبك يا ليلى.. احبك..
وارتجف قلب ليلى بسعادة كبيرة.. فهل تكون سعادتها الكبيرة هذه دائمة يا ترى ؟..ربما...
**********
توقفت سيارة وعد عند أحدالكبائن لبيع الجرائد والمجلات في الطريق لتهبط من سيارتها وتتوجه نحو البائع وتقول: صحيفة الشرق من فضلك؟..
قدم لها ما تريد ومن ثم قال: ثلاث قطع نقدية لو سمحت..
قدمت له وعد المبلغ قبل ان تتجه نحو سيارتها وتحتل مقعد القيادة..ومن ثم تتطلع الى الجريدة في لهفة والى موضوعها الذي احتل الصفحة الاولى.. ابتسمت بسعادة .. فهذا يعني انها قد قامت بالخطوة الاولى بنجاح.. وكما يقولون " مشوار الالف ميل..يبدأ بخطوة"..انها الخطوة الاولى لها لتصبح صحفية ناجحة..ومن يدري؟.. ربما يحصل موضوعها هذا على نجاح لم تتوقعه..
لم تستطع اخفاء تلك الابتسامة الواسعة التي ارتسمت على شفتيها طوال قيادتها لسيارتها الى المنزل..وما ان وصلت اليه حتى هبطت من السيارة والتقطت الصحيفة بفرح وتوجهت الى الداخل حيث يجلس والداها وهي تقول: امي..ابي.. لقد نشر موضوعي بالصفحة الاولى..
انشد انتباه والداها لها.. وقال والدها بابتسامة: دعيني ارى لاصدق بنفسي..
قالت باستنكار طفولي: ما هذا يا ابي؟.. الا تصدق بأن ابنتك صحفية ممتازة الى هذه الدرجة؟..
قال بابتسامة ابوية: البرهان اولا..
تقدمت وعد منه وقدمت له الصحيفة وقالت وهي تشير الى موضوعها: انظر بنفسك واخبرني برأيك بموضوعي..
قال والدها وهو يتطلع الى حيث تشير: "خلف ابواب مصنع ما".. بالنسبة للعنوان فهو جيد..
ابتسمت وعد وقالت وهي تجلس الى جوار والدها: جيد فقط؟..
قال والدها وهو يقرأ موضوعها باهتمام: دعيني أكمل القراءة ومن ثم أعطيك رأيي النهائي..
صمتت وعد وهي تتطلع الى والدها الذي أخذ يقرأ السطور في سرعة واهتمام ثم لم يلبث حاجباه ان انعقدا وهو يقول: ماذا تعنين بما كتبته؟..
هزت وعد كتفيها وقالت: الحقيقة لا اكثر..
التفت لها والدها ومن ثم قال: ولكن موضوعا كهذا قد يسبب لك المشاكل وخصوصا وانت تضعين صور ذلك المكتب بمثل هذا الوضوح..
قالت وعد بعناد: لا يهمني.. فلست اخشى امثاله..
قال والدها مؤنبا: الشجاعة احيانا تكون صفة سيئة وليست جيدة لدى الانسان..
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت : ومتى تكون الشجاعة صفة سيئة؟..
قال والدها وهو يتنهد: عندما يتحلى شخص واحد بالشجاعة وهو يقاتل عدد كبيرا من الناس.. في هذه الحالة ما يفعله يسمى تهورا.. فهو يدرك بأنه سيفشل ومع هذا يصر على التظاهر بالشجاعة..
واردف وهو يتطلع اليها بعينين قلقتين: وهذا ما تفعلينه الآن يا بنيتي.. فأنت وحدك تحاولين مجابهة امثال هؤلاء اصحاب النفوذ بالمجتمع.. واخشى عليك منهم..
ابتسمت وعد وقالت: لا تخشى على ابنتك يا ابي.. ان عملي هو اظهار الحقيقة للناس لا اخفاءها..
قالت والدتها فجأة: منذ البداية لم اكن اوافقك لأن تعملي في مثل هذا العمل..
التفتت وعد الى والدتها وقالت: لكنه العمل الذي طالما تمنيته..
ربت والدها على كتفها ومن ثم قال: دعيك الآن من هذا.. لقد افسدنا فرحتك بنشر موضوعك.. فاعذريني..
ابتسمت وعد ابتسامة واسعة وهي تتطلع الى والدها.. في حين اردف هو: واذهبي لاستبدال ملابسك لاننا مغادرون الآن..
تسائلت وعد قائلة: الى اين؟..
اجابتها والدتها قائلة: الى منزل عمك..
- ولم؟..
- لا يوجد سبب محدد سنذهب لزيارتهم لا اكثر..
أومأت وعد برأسها وهي تنهض من مكانها وتصعد الى الطابق الاعلى..استعدادا للذهاب الى منزل عمها..
*********
طرقت فرح باب غرفة هشام عدة طرقات قبل ان تقول: هل استطيع الدخول؟..
قال هشام من داخل غرفته: لا..فلتغادري..
ابتسمت فرح وقالت وهي تدلف الى الداخل: انها دعوة لي بالدخول اذا..
وتطلعت اليه وهو مستغرق في عمله امام احد الرسوم الهندسية ومن ثم قالت: هل لديك عمل كثير هذا اليوم؟..
اجابها هشام ببرود قائلا: اجل ولولا هذا لكنت قد غادرت المنزل.. حتى لا ارى وجهها..
كانت تعلم بأنه يعني وعد..وانه قد علم بأمر حضورها اليوم لمنزلهم.. فتقدمت منه قليلا ومن ثم قالت: هشام.. انت اخي الوحيد.. صدقني انا لا اتمنى وعد لسواك.. ولكنها لا تصلح لك..
- ومن انت حتى تحكمي بهذا؟..
قالت وكأنها لم تسمعه: انت عصبي المزاج وهي عنيدة الى اقصى درجة.. انت تسخر منها دائما.. وهي تكره ان يقلل شخصا ما من شأنها.. انتما هكذا تصبحان نقيضان تماما وكل منكما سيزيد المشكلة ولن يصلحها..
قال هشام وهو يلتفت عنها: يقول بعض علماء النفس ان زواج شخصين يختلفان عن بعضهما هو الافضل لان كلا منهما سيكمل نواقص الآخر..
قالت فرح مكملة: وربما كلا منهما سيفسد حياة الآخر بصفاته المختلفة.. فأنت مثلا ...
قاطعها هشام بسخرية مريرة: فأنا مثلا احمق لانني احببت فتاة لا تأبه بي.. اليس كذلك؟..
قالت فرح في سرعة: ليس هذا ما اعنيه يا هشام وانما...
فاطعها هذه المرة صوت والدتها وهو يرتفع بالنداء .. هاتفة باسمها.. فقال هشام بهدوء: دعي عنك هذا الموضوع السخيف .. واذهبي الى والدتي..
تنهدت فرح بيأس وهي تغادر غرفته وتهبط الدرجات الى الطابق الاسفل حيث والدتها وهناك قالت: اجل يا امي..ما الأمر؟..
قالت والدتها في سرعة: تعالي لتساعديني قليلا في المطبخ قبل ان يصل عمك واسرته..
قالت فرح بهدوء وهي تتبع والدتها: حاضر..
وما لبث ان ارتفع رنين جرس الباب.. فقالت لها والدتها : اذهبي لتري من بالباب..
اتجهت فرح للباب وفتحته لتسمع صوت وعد المرح وهي تقول: اهلا فرح كيف حالك؟..
قالت فرح ببرود متعمد: بخير..
قالت وعد وهي تبتسم: ما بالك؟.. تحدثينني وكأنني قد سرقت منك شيئا..
قالت فرح ببرود اكبر: بل انت من سرق منا ذاك الشيء..
تطلعت اليها وعد بغرابة وحيرة.. ثم لم تلبث ان فهمت ما تعنيه.. فقالت: تعالي ارغب في التحدث معك قليلا..
قالت فرح وهي تلتفت عنها: سأساعد امي بأعمال المطبخ..
التفتت وعد الى والدة فرح وقالت مبتسمة وهي تمسك بكف فرح: خالتي هل يمكن لي ان استعير منك فرح للحظات؟..
قالت والدة فرح مبتسمة: تستطيعين لو اكملنا عملنا سريعا..
التفتت وعد الى فرح وقالت بابتسامة عذبة: اذا سأساعدها..
صمتت فرح دون ان تنبس ببنت شفة في حين دلفت وعد الى الداخل وقالت وهي تشمر عن كم قميصها: ما المطلوب مني فعله؟..
قالت والدة فرح مبتسمة: اعدي طبق الخضراوات والفاكهة..
ومن ثم لم تلبث ان التفتت الى فرح وقالت: وانت يا فرح اعدي العصير..
قالت وعد بمرح: انا اعد اطباق الفاكهة والخضراوات.. وفرح العصير فقط ..ماهذا التمييز؟..
قالت والدة فرح بابتسامة: انت من عرض المساعدة..
ضحكت وعد وقالت: اجل انت محقة يا خالتي.. انه خطأي منذ البداية في ان اساعد فرح..
قالت فرح وهي تعقد ساعديها امام صدرها: يمكنك ان تتراجعي عن عرضك هذا..
ابتسمت وعد وقالت وهي تلتفت لها: عنداً فيك.. لن اتراجع..
قالتها وأخرجت لها لسانها بحركة طفولية.. وابتسمت فرح بالرغم منها.. لم هي متحاملة على وعد الى هذه الدرجة.. ما ذنبها هي؟؟..هل تريدها ان تدفن احلامها من اجل هشام؟.. ولكن ما ذنب هشام ايضا حتى يتعذب.. لم تعد تستطيع ان تدرك ايهما الذي على صواب وايهما الذي على خطأ.. انها تشعر ان كلاهما مصيب فيما يقوله ومخطأ في الوقت ذاته.. انها...
(ما هذا الكسل يا فرح؟..ألم تعدي العصير بعد؟.. لقد انتهيت انا من الفاكهة)
قالتها وعد بابتسامة مرحة.. فقالت فرح وهي تسرع باحضار علبة العصير : سأعده حالا..
قالت والدة فرح وهي تتطلع الى وعدفي تلك اللحظة: متى نفرح بك يا وعد؟.. ونراك عروساً لهشام..
تغيرت ملامح وعد فجأة..واطرقت برأسها بصمت دون ان تقوى على الاجابة.. وقالت بارتباك محاولة تغيير دفة الحديث: لقد انتهيت من اعداد الاطباق.. والآن هل نستطيع انا وفرح ان نغادر؟..
قالت والدة فرح وهي تهز كتفيها: يمكنكما ذلك..
امسكت وعد بمعصم فرح وقالت بابتسامة: هيا يا فرح..
واسرعت تجذب فرح الى حيث الردهة وهناك جلست وعد على احد الارائك.. واجلست فرح الى جوارها وهي تقول: والآن..اخبريني بكل ما حدث..
عقدت فرح حاجبيها ومن ثم قالت: بل انت التي اخبريني بكل ماحدث بينك وبين هشام..
قالت وعد بهدوء: لقد صارحني بمشاعره.. فصارحته انا الأخرى بمشاعري.. اخبرته بأني لو تظاهرت بالعكس فسيعد هذا خداعا له.. واخبرته ان يبحث عن فتاة اخرى تحبه بحق وعندها يستطيع ان ينساني.. ولهذا لم احاول الاتصال به مطلقا خلال الايام السابقة.. حتى امنحه الفرصة ليزيلني من حياته..
تنهدت فرح وقالت: انت لا تعلمين كيف اصبحت حال شقيقي في الايام السابقة.. انه صامت مكتئب اغلب الوقت بعد ان كان يملأ المنزل مرحا ويبتسم طوال الوقت.. وما ان يحادثه احد ما حتى ينفجر في وجهه.. ولولا ان لديه اليوم عمل هام لغادر المنزل ليحيل دون رؤياك..
ابتسمت وعد ابتسامة باهتة ومن ثم قالت: هل اصبحت مخيفة الى هذه الدرجة؟؟..
قالت فرح ببرود: ان اصعب شيء على الشاب ان تهان كرامته او تجرح مشاعره.. شيء قاس جدا ان يحب فتاة بكل صدق .. ويراها في النهاية تضرب بمشاعره هذه عرض الحائط دون ان تكترث..
عقدت وعد حاجباها بضيق وقالت: لم افعل.. لم احاول ان اهين كرامته او اجرح مشاعره.. على العكس لقد احترمت مشاعره واحترمت كل كلمة نطق بها.. ولكن من الصعب علي ان ابادل مشاعره هذه.. ان المشاعر تولد بداخلنا فجأة تجاه شخص ما ولسنا نحن من يصنعها..
قالت فرح بتحدي: هل تستطيعين انكار بأنك تحبين هشام وانك مستعدة بالتضحية بأي شيء لأجله؟..
- ومن قال خلاف ذلك.. انا بالفعل احبه ولكن كأخ لي وليس أكثر.. هل ارتكب جرما اذا لم احب شخصا قد احبني؟ .. اخبريني انت.. لو كنت مكاني هل ستخدعين شخصا ما بحب وهمي لمجرد ان هذا الشخص قد احبك..
ترددت فرح قليلا ومن ثم قالت: لا اظن انني سأفعل بل سأصارحه بحقيقة مشاعري نحوه واطلب منه ان يبحث عن فتاة تبادله مشاعره هذه و ...
صمتت فرح بغتة لا لشيء بل لأنها ادركت ان ما قالته الآن مطابقاً لما قالته وعد لشقيقها.. وادركت ان وعد محقة في كل ما قالته..وانه ليس من حقها هي ان تفرض على وعد قتل احلامها من اجل شقيقها.. على العكس.. فكما تتمنى فرح الزواج من شاب تربطها به عاطفة بريئة.. تتمنى وعد المثل..
ولم تمض لحظات حتى رفعت فرح رأسها الى وعد لتطالعها ابتسامة هذه الاخيرة.. وقالت فرح بابتسامة: انت على حق.. آسفة على كل ما قلته لك.. ولكنني احب شقيقي هشام كثيرا كما تدركين.. وما اصابه افقدني القدرة على التفكير الصحيح..
قالت وعد وهي تهز كتفيها: لا عليك.. كل ما كنت ارجوه ان تفهمي موقفي ولا تتحاملي علي..
قالت فرح وهي تتطلع الى وعد: على الاطلاق.. انت صديقتي واختي.. ولا يمكنني ان اتحامل عليك ابدا..
ابتسمت وعد وهي تقول: هذا يعني انك ستعودين للاتصال بي.. اليس كذلك؟..
قالت فرح بغتة بمرح: للاسف لن استطيع.. فقد انتهى الرصيد بالهاتف اليوم فقط..
قالت وعد بسخرية: هل اسمي هذا بخلا منك اذا؟.. وانك لا ترغبين باضافة رصيد جديد الى هاتفك..
كادت فرح ان تهم بقول شيء ما.. حين ارتفع صوت والدة وعد وهي تقول: هيا يا فتيات.. الغداء جاهز..
نهضت وعد من مكانها وامسكت بمعصم فرح وهي تقول ميتسمة: هيا اذا لنتناول طعام الغداء.. لو تعلمين فقط كم اشعر بالجوع.. فانا لم اتناول شيء منذ خمس ساعات تقريبا و...
بترت وعد عبارتها وهي تتطلع الى ملامح فرح الواجمة.. وكأنها تفكر بأمر ما.. فسألتها الاولى قائلة: ما الأمر يا فرح؟..
تنهدت فرح وقالت: هشام..
عقدت وعد حاجبيهاوسألتها قائلة: ماذا به؟..
- لن يحضر لتناول الغداء..
- وما ادراك؟..
- انا اعرفه جيدا.. فما دمت هنا لن يخرج من غرفته حتى لا يضطر لأن يراك..
قالت وعد وهي تضع سبابتها اسفل ذقنها: لماذا يعقد الامور الى هذه الدرجة؟..
- لو كنت مكانه لفعلت المثل..
قالت وعد بغتة: مكانه؟.. هذا جيد جدا..
قالت فرح بغرابة: ماذا تعنين؟..
قالت وعد وهي تغمز لفرح بعينها: سأخبرك بكل شيء.. وكيف سأجبر هشام على تناول طعام الغداء معنا..
قالت فرح في لهفة وهي تعتدل في جلستها: وكيف؟؟..
قالت وعد وهي تميل نحوها وتهمس لها بصوت منخفض: ستذهبين اليه في غرفته وتتحدثين اليه و....
وواصلت وعد حديثها لفرح .. وهذه الاخيرة تبتسم ابتسامة مرحة.. تتسع تدريجيا..
**********
سمع هشام طرقات هادئة على باب غرفته.. فقال بنفاذ صبر: لا اريد تناول طعام الغداء.. يمكنك الانصراف اياً كنت..
قالت فرح مبتسمة وهي تدلف الى الداخل: ما هي احوال شقيقي العزيز؟..
قال هشام بسخرية: اظن انك قد جئت لزيارتي منذ لحظات ولم يتغير في شيء الى الآن.. ولم اجن بعد ان كان هذا ما تتوقعينه..
قالت فرح وابتسامتها تتسع : من قال هذا؟.. لقد جئت لرؤية عملك.. ثم سنهبط نحن الاثنان لتناول طعام الغداء مع الاسرة جميعا..
- اظن انني قد اخبرتك بعدم رغبتي في تناول طعام الغداء..
عقدت فرح حاجبيها ومن ثم قالت: لكن الجميع سيلاحظ هكذا.. وسيظنون انك لا ترغب بالجلوس معهم..
قال هشام بلا مبالاة: فليظنوا ما يظنوه.. هل هذه هي المشكلة الآن؟..
واردف قائلا بحسم: اذهبي اليها.. فهي تنتظرك بالاسفل ولا داعي لأن تجعليها تنتظر اكثر من ذلك .. فلن اهبط..
- ولكن يا هشام...
قاطعها قائلا بحزم: قلت لا.. الا تفهمين..
قالت فرح وهي تتنهد: فليكن كما تريد.. ولكن ان اردت يمكنك النزول معي الآن و...
( فرح .. فرح)
بترت فرح عبارتها بالرغم منها وقالت بقلق: انه صوت وعد.. ما بها تصرخ هكذا؟..
قال هشام وهو يلوح بكفه: اذهبي لها لتعلمي بالأمر..
جاءهم هتاف وعد مرة أخرى وهي تهتف بصوت متألم: فرح تعالي وساعديني على النزول.. فقد التوى كاحلي وانا احاول الصعود اليك..
قالت فرح وهي تسرع الى خارج غرفة هشام: يا الهي..
ومن ثم قالت وهي تهبط الى مستوى وعد الجالسة على احدى درجات السلم: كيف حدث هذا؟..
قالت وعد وهي تعض على شفتيها بألم: لقد زلت قدمي وانا اصعد لندائكما للغداء..
جائهم صوت هشام من على الطرف الآخر لوعد وقال وهو يعقد ساعديه امام صدره: حمقاء كما عهدتك دوما يا وعد.. الا تنظرين امامك وانت تصعدين السلم؟..
التفتت له وقالت بحدة: لقد كنت انظر امامي بالفعل.. ثم ان هذا ليس وقت اللوم..
قال هشام وهو يميل نحوها ويمسك بذراعها قاصدا رفعها عن درجات السلم: دعيني اساعدك..
قالت وعد بابتسامة: اشكرك..
والتفتت الى فرح لتغمز لها بعينها علامة على الانتصار..وما ان اوصلها هشام الى اسفل الدرج حتى قال: هل تشعرين بألم؟.. هل ترغبين بالذهاب الى المشفى؟..
قالت وعد وهي تهز رأسها نفيا: لا.. فقط اوصلني الى طاولة الطعام.. سأتناول طعام الغداء وبعدها سأغادر الى المنزل..
- اانت متأكدة؟..
- اجل..
توجه هشام برفقتها الى طاولة الطعام ومن ثم قال وهو يجذب لها مقعدا لتجلس عليه: طفلتكم الصغيرة قد زلت قدمها على احدى درجات السلم.. يبدوا انها المرة الاولى التي تتعلم فيها صعوده..
قال والد وعد بابتسامة: اوافقك في هذا يا هشام.. فلن استغرب يوما اذا سقطت وهي تسير على قدميها..
قالت وعد وهي تلتفت الى والدها باستنكار: ابي.. ما هذا الكلام؟..
ضحك والدها وشاركته فرح الضحك.. فلكزتها وعد وهي تقول بحنق: حتى انت..
هز هشام كتفيه في تلك اللحظة ومن ثم قال: عن اذنكم..
قال والد وعد متسائلا: الى اين يا هشام؟.. الن تتناول طعام الغداء معنا؟..
قال هشام بهدوء: لدي الكثير من الاعمال يا عمي.. اعذروني جميعا انا مضطر للمغادرة ..
وكاد ان يبتعد لولا ان شعر بكف فرح وهي تمسك بذراعه وتقول باصرار: لا لن تغادر.. ستتناول طعام الغداء معنا..
التفت هشام اليها وقال: دعي عنك مثل هذه التصرفات يا فرح ودعيني اذهب لانجز اعمالي..
امسكت وعد بذراعه الأخرى ومن ثم قالت مبتسمة: لن يغادر العمل وحده المنزل.. اعدك بهذا..
قالت والدة هشام بخبث في تلك اللحظة: ماذا تريد اكثر من هذا.. فتاتان جميلتان يلحان عليك بالجلوس ثم لا تجلس..
قال هشام ساخرا: لا ارى اياً من هاتين اللتين تتحدثين عنهما..
قالت فرح بعناد: هيا يا هشام.. أجلس لاتكن سخيفا..
تنهد هشام ومن ثم قال: فليكن.. فليكن.. دعوني الآن.. حتى لا اظن انني مقتاد للسجن وليس لتناول طعام الغداء..
ابتسمت فرح وقالت وهي تترك ذراعه وتتجه لتجلس على احد المقاعد وتراه يجلس بدوره: أجل .. هكذا.. فبعد كل هذا الذي فعلناه تريد ان لا تتناول طعام الغداء معنا ايضا..
عقد هشام حاجبيه ومن ثم كرر ما قالته فرح: الذي فعلتموه؟؟..
والتفت الى وعد وهو يتطلع اليها بنظرة استنكار قبل ان يقول وهو يعقد حاجبيه بحنق: ايتها الممثلة البارعة.. لقد كدت اصدق بالفعل ما اصابك..
تطلعت وعد الى فرح بنظرة حانقة على كشف الامر لهشام ومن ثم التفتت اليه لتقول بابتسامة صغيرة: ما رأيك بي.. اصلح للتمثيل في احد المسلسلات.. اليس كذلك؟.. ثم انها كانت الوسيلة الوحيدة لننزلك من مخبأك..
قال هشام وهو يبتسم بسخرية: انظري امامك جيدا في المرة القادمة وانت تصعدين السلم.. حتى لا يتحول التمثيل الى حقيقة..
قالت وعد مبتسمة: سأفعل بالتأكيد..
لم يكن يهم وعد شيء في هذه اللحظة سوى انها قد رسمت الابتسامة على شفتي هشام أخيرا.. وانه قد يخرج من دائرة احزانه هذه التي لا تنتهي لو فعلت له القليل..لهذا قد قررت ان تتعامل معه باسلوب طفولي كما كانت تفعل في الماضي.. عله يزيح آلامه بعيدا ويفكر بمستقبله جيدا.. مطمئنا الى انها قد تكون له ذات يوم..
وارتجف قلب وعد.. هل من الممكن ان تكون لهشام ذات يوم؟.. الاسرة جميعها على ما يبدوا ترحب بهذه الفكرة.. ولكن.. ماذا عن طارق؟.. ماذا عنه؟؟...

جنــــون 11-23-2011 01:31 AM

* الجزء الثاني والعشرون*
(هل سترحل؟)



تطلعت ليلى بشرود الى سقف غرفتها وهي تشعر برجفة لذيذة تسري في اطرافها كلما تذكرت آخر لقاء لها مع عماد.. ذلك اللقاء الذي اعترف لها بمشاعره فيه.. ذلك الللقاء الذي ادركت معه ان لاشيء مستحيل في هذا العالم.. وان الاحلام تتحقق وليست مجرد اوهام تختفي مع الزمن.. انها اليوم تشعر بالنشوه وهي تفكر بأمور كثيرة ..كثيرة جدا..بعماد.. بحياتها معه.. بحبها له.. بشخصيته المهذبة التي اسرتها منذ اول مرة رأته فيها..
اشيا ء كثيرة تلك التي دارت برأسها تختص بشخص واحد فحسب .. عماد.. ولم تستطع منع عيناها – كلما تذكرته - بالتحول الى زهرية الورود المركونة على الطاولة .. ووجدت نفسها لا اراديا تنهض من على فراشها وتتوجه الى تلك الزهور وتداعبها هامسة: أحبه.. كما لم احب احد في حياتي يوما.. أحبه بكل رجفة يرجف بها جسدي كلما تعانق كفانا.. احبه بكل همسة تهمس بها عيناه قبل شفتاه.. احبه بكل لحظة تتلاقى فيها عيناي بعينيه الدافئتين لتهمس له بما اعجز عن نطقه.. احبه بكل لحظة قضيتها الى جواره.. احبه .. احبه.. ولا املك الا ان انطق بهذا لمئات المرات.. حتى اصدق انني لست في حلم جديد وان ما حدث هذا الصباح كان واقعاً.. واقعاً عشت كل لحظة فيه.. واقعا أحسست فيه بكل شيء من حولي.. ولكني لم اكن اشعر الا به.. لم اكن ارى سواه في تلك اللحظات.. لم اكن استمع الا الى صوته.. على الرغم من اصوات الموسيقى الهادئة التي كانت تملأ الاركان..
لو سألني احدهم عن كنه ما اكلته على الغداء في ذلك الوقت.. فلن اتذكر.. لو سألني عن الوقت لحظتها.. فسأخبره بأنه لم يكن لدي الوقت لأنظر الى الساعة بدلا من النظر الى عينا عماد التي تأسراني بداخلها!..لو سألني شخص ما عن سبب صمتي وقتها بعد أن همس لي بكلمة احبك.. فسأخبره بأنه لو كان مكاني لفعل المثل.. وهو يرى ان حلمه بين ليلة وضحاها بات واقعاً يعيشه!..
وعادت لتهمس وهي تتطلع الى تلك الزهور الحمراء: اخبريني ايتها الزهور.. هل تدوم سعادة الانسان طويلا.. ام انها تتلاشى مع الزمن؟..
ولم تحرك الزهور ساكنا وكأنها تؤكد لها صعوبة سؤالها.. فعادت لتسألها: وماذا عن الحب؟.. هل يبقى الى الابد في قلوبنا.. ام لا يكون له اثرا مع الايام؟..
وظلت الزهور ساكنة على الرغم من تلك الانسام الباردة التي داعبت خصلات من شعر ليلى.. في حين زفرت ليلى بهدوء وقالت: اتمنى ان لا استيقظ من هذا الحلم الجميل الذي احياه.. لاجد نفسي في كابوس الواقع.. اتمنى ذلك..اتمناه..
ولكن هل كل ما نتمناه ندركه يا ترى؟..
*********
يوم جديد للجميع بالعمل.. كان يوما روتينيا واعتياديا على الجميع.. الجميع ما عدا البعض بالتأكيد..البعض مثل عماد مثلا الذي تطلع الى علبة القطيفة الحمراء التي بين يديه وغمغم بابتسامة: هل سيعجبها ذوقي؟؟..
وعاد ليتطلع الى العلبة مرة اخرى.. ربما كانت المرة العاشرة التي يتطلع فيها الى العلبة هذا اليوم..ومن ثم لم يلبث ان فتحها بهدوء .. لترتسم ابتسامة سعيدة على شفتيه وعيناه تتطلعان الى ذلك الخاتمين..الذين قد نقش على احديهما اسم ليلى والآخر اسم عماد..
كان الخاتم الذي يخص عماد فضيا وبسيطا.. اما خاتمها هي فقد بحث طويلا حتى اختار ما يناسبها ويناسب شخصيتها.. كان خاتما ذهبيا رائعا.. تعلوه ثلاث ماسات وتستقر اسفل كل ماسة زمردة بشكل وردة صغيرة وكل منها بلون مختلف.. شعر بأن مثل هذا الخاتم يناسبها فهو يعكس شخصيتها البسيطة والرقيقة والفريدة من نوعها..
وعاد ليغلق علبة القطيفة ويسند رأسه لمسند المقعد ويسبل جفتيه بهدوء.. وكأنه لم يغلق العلبة منذ لحظات فقد كان يشعر بأنه يرى الآن الخاتمين امام ناظريه.. وكيف تتلألأ الماسات بخاتم ليلى لتعكس الضوء الساقط عليها ليبدوا الخاتم في غاية الروعة..
وعاد عماد ليفتح عينيه ويقول بشرود: متى ينتهي وقت العمل هذا؟.. اريد ان اراك..ان اقدم لك هذا الخاتم بنفسي.. واضعه باناملي في اصبعك.. حتى اتأكد اخيرا بأنك قد بت لي يا ليلى.. وان حلم حياتي قد بات حقيقة..
وتطلع الى ساعة الحائط بشرود وابتسامة حامة ترتسم على شفتيه وهو يشعر بعقرب الثواني يسير ببطء شديد.. او هذا ما خُيل له..
********
(رئيس التحرير يطلبك يا آنسة وعد)
ما ان سمعت وعد هذه العبارة حتى التفتت الى صاحب العبارة الذي كان احد الموظفين بالصحيفة.. وقالت وهي تعقد حاجبيها: مجددا.. ياللغرابة.. ولم يطلبني يا ترى؟..
هز الموظف كتفيه وقال: لست اعلم يا آنسة.. يمكنك سؤال رئيس التحرير بنفسك..
قالت وعد وهي تلتفت عنه: حسنا سأحضر بعد قليل..
قال الموظف في سرعة: لقد اكد علي ان تحضري الآن وعلى وجه السرعة.. يبدوا ان الامر هام جدا.. فهو يبدوا عصبيا جدا..
عقدت وعد حاجبيها اكثر وقالت بحيرة وهي تنهض من خلف مكتبها: حسنا سآتي فورا..
قال لها طارق: ربما كان الامر يتعلق بموضوعك..
صمتت قليلا ومن ثم قالت: اجل ربما يكون لهذا السبب..
واردفت وهي تغادر القسم: عن اذنكم..
قالت لها نادية في تلك اللحظة: اخبرينا بما سيحصل معك..
قالت وعد وهي تبتعد عن المكان: سأفعل..
واسرعت تسير بخطوات متوترة بعض الشيء الى مكتب رئيس التحرير.. وما ان وصلت الى هناك حتى سألتها السكرتيرة قائلة: هل انت الآنسة وعد؟..
أومأت وعد برأسها وحيرتها تتضاعف.. فقالت لها السكرتيرة وهي تفتح لها باب المكتب: رئيس التحرير ينتظرك يا آنسة وعد بالداخل..
دلفت وعد الى الداخل.. وعشرات الآسألة تتفجر برأسها.. لم الاستدعاء على وجه السرعة؟.. ولم هي بالذات؟.. هل هو امر يخص موضوعها؟..ام ماذا؟.. وقالت وهي تتقدم حيث يجلس رئيس التحرير: هل طلبت استدعائي يا استاذ نادر؟..
قال وهو يشير لها بالجلوس: اجل .. تفضلي بالجلوس..
جلست على المقعد المواجه لمكتبه ومن ثم قالت: ما الامر يا استاذ نادر؟.. هل حدث امر يتعلق بالموضوع الذي نشرته؟..
قال نادر ببرود: جيد انك فتحت الموضوع بنفسك.. اجل انه يتعلق بالموضوع الذي قمت بنشره امس..
- وماذا به؟..
قال نادر بحدة فجأة: لقد سبب لنا العديد من المشاكل يا آنسة وعد.. بسبب موضوعك انهالت علينا مكالمات التهديد والاستنكاروالشتم ..ولم تخلوا من تعريض الصحيفة للمشاكل القانونية اذا لم يتم تصحيح مثل هذا الخطأ..
قالت وعد باستنكار: ومن قال ان ما كتبته كان خاطئا؟..
قال رئيس التحرير بلامبالاة: لا يهمني ان كان ما كتبته خاطئا ام لا.. ما يهمني هو ان لا تتعرض الصحيفة للمشكلات .. بسبب صحفية لا تزال تحت التمرين..
شعرت وعد بالغضب من كلماته واندفعت تقول: صحيح انني لا ازلا تحت التمرين ولكني افهم جيدا معنى ان يكون الفرد صحفيا.. ان هذا معناه ان يكشف الشخص منا أخطاء المجتمع للناس لا ان يستتر عليها..
- لسنا هنا من اجل تعليمي مهنة الصحفي يا آنسة.. كل ما اطلبه منك هو تصحيح ذلك الموضوع..
قالت وعد باصرار:لن اغير حرفا واحدا.. ثم انك وافقت على الموضوع بنفسك ووقعت عليه.. وانا لم اشر بأي شكل من اشكال الى هوية ذلك المصنع او الى المدير العام الذي تحدثت عنه بالموضوع..
هوى رئيس التحرير بقبضته على الطاولة وقال بانفعال: ولكنك اقرنتيها بالصور..وهذا هو الخطا الذي ارتكبتيه لقد اشرت الى ذلك المصنع بمنتهى الوضوح بسبب تلك الصور..فاما ان تكتبي موضوع اعتذار لمدير ذلك المصنع.. وتخبريه بأنك اقرنت تلك الصور سهوا بالموضوع او...
قالت وعد بعصبية: او ماذا يا استاذ نادر؟..
لوح الاستاذ نادر بكفه ومن ثم قال: او نتخذ معك الاجراء اللازم..
قالت وعد بتحدي: اتخذه اذا ماذا تنتظر..
تطلع اليها رئيس التحرير بمزيج من العصبية والانفعال ومن ثم قال صرامة: انت موقوفة عن العمل لثلاثة ايام يا آنسة وعد.. لا تأتي الى الصحيفة قبل هذا الوقت.. الا اذا قررت التراجع عن قرارك..
قالت وعد بحزم على الرغم من الغصة التي شعرت بها وهي تستمع الى مثل هذا الاجراء القاسي من رئيس التحرير: لن اتراجع عنه عنه مطلقا يا استاذ نادر .. ثق بهذا..
********
ساد الصمت بعد خروج وعد من القسم.. واستمر الصمت على المكان الى ما يقارب النصف ساعة.. حتى قال طارق بقلق قاطعا ذلك الصمت : لقد تأخرت .. ما الذي حدث معها يا ترى؟..
قال احمد وهو يهز كتفيه: لننتظر.. وسنعلم بعدها بما حدث..
قال طارق بصوت متوتر حاول اخفاءه: لماذا طلبهارئيس التحرير؟..أمن اجل موضوعها امن من اجل امر آخر..
قال احمد وهو يزفر بحدة: اذا جاءت يمكنك توجيه هذا السؤال لها..
صمت طارق وتفكيره مقتصر على وعد.. وسبب طلب رئيس التحرير لها..وبغتة سمع صوت خطواتها المسرعة وهي تقترب من القسم فقال في سرعة: لقد حضرت أخيرا..
التفت له أحمد وقال بغرابة: وما ادراك..
وبدل ان يجيبه طارق .. دلفت وعد الى القسم وهي تحاول تمالك نفسها والسيطرة على اعصابها واسرعت تتجه نحو مكتبها وهي تفتح الادراج وتخرج منهم عدد من الاوراق .. وسألتها نادية بهدوء: ماذا حدث يا وعد؟..
واسرع طارق يقول: ان الامر متعلق بموضوعك اليس كذلك؟..
قالت وعد بحدة بالرغم منها: اجل.. انه يطلب مني ان اكتب اعتذار لذلك المدير وان ابين انني قد اقرنت الصور بموضوعي عن طريق الخطأ..
سألها طارق باهتمام: وماذا فعلت؟..
قالت وعد بلهجة ساخرة ومريرة: لقد اوقفت عن العمل لثلاثة ايام..يمكنكم ان تقولوا انها اجازة مفروضة علي..
عقد طارق حاجبيه ومن ثم قال: ليس من حقه ان يوقفك عن العمل.. انت لديك الدليل على كل ما قلتيه.. وهذا يثبت صدق موضوعك..
قالت وعد وهي تتنهد: يقول انني اسبب له المشاكل مع ذلك المدير العام وغيرهم..
عقد طارق حاجبيه اكثر وصمت في تفكير وهو يشعر بالغضب يتضاعف بداخله.. في حين قال أحمد: ان رئيس تحرير هذه الجريدة شخص جبان يخشى مواجهة المسئولين ذوي النفوذ بحقيقتهم..
قالت وعد وهي تضع آخر الاوراق في حقيبتها: لقد ادركت هذا.. اليوم فقط.. بعد ان طلب مني ان اقوم بتعديل الموضوع الصحيح واكذبه.. وانشر بدلا منه موضوعا كاذبا ليصدقه الجميع!..
قال طارق بعتة بصرامة: ألم يوقع بنفسه على موضوعك؟..
التفتت له وعد وقالت بتوتر اثاره في نفسها صرامة عينيه: بلى.. لقد وافق عليه ووقعه على ان اتحمل انا المشكلات المترتبة..
قال طارق بصرامة أكبر: ليس له الحق بتوقيفك عن العمل اذا.. كل ما يستطيع فعله ان يطلب منك مناقشة الامر مع ذاك المدير العام..
قالت وعد وهي تزفر بحدة: لا فائدة.. لقد انتهى الامر وتم توقيفي عن العمل رسميا.. ولكن مع هذا لن اتوقف عن انتقاد مثل هؤلاء اللذين ينشرون بالبلدة الفساد.. سأظل اكتب ..دون خوف او جبن ..كما علمتني انت يا ..استاذ ..طارق..
قالتها ببحنان وهي تطلع اليه و تحاول ملء عينيها بوجهه قبل ان تغادر المكان..وكأنها تريد ان ترسخ صورته في ذهنها وتظل عالقة فيه.. ومن ثم نهضت بتثاقل من خلف المكتب وقالت وغصة مريرة تملأ حلقها وتعتصر حلقها: يحز في نفسي ان افراقكم.. لقد اعتدت وجودي بينكم كل يوم.. وسيكون من الصعب علي ان لا اراكم لمدة ثلاثة ايام كاملة..
قال أحمد محاولا اضفاء جو من المرح على المكان: ليس كل يوم.. لا تنسي عطلة نهاية الاسبوع.. فهي ما نحتاجه بشدة بعد تعب مضني طوال الاسبوع..
التفتت وعد اليه وقالت بابتسامة باهتة: الى اللقاء يا استاذ احمد.. اراك بخير.. وعلى فكرة انت مصور بارع..
والتفتت الى نادية لتقول: الى اللقاء يا استاذة نادية.. لقد علمتيني اشياء عديدة في عملي بالصحافة.. اشكرك..
قالت نادية بصوت غلب عليه التأثر: انت كأخت لي يا وعد.. لقد اعتبرناك اختنا جميعا هنا.. ولا داعي لشكري فهذا واجبي تجاه شقيقتي..
التفتت وعد الى طارق ولكنها لم تنطق بكلمة .. ظلت تتطلع اليه بلهفة وشوق وحنان..ظلت واقفة مكانها وعيناها جامدتان عليه وكأنها تأبى ان تفارقه وتبتعد عنه.. ولغة العيون هي من كانت تتكلم.. وتذكرت عبارته لحظتها.. "لا يفهمها الا من يهتم بصاحبها".. هي الآن تهتم بصاحب تلك العينان العسليتين .. تلك العينان التي تمتلآن بحزم وصرامة العالم كله.. تلك العينان الباردتان التي تحتويها بالدفء.. بالحنان.. بالطمأنينة .. ولا تلبث ان تجعل نبضات قلبها تخفق بقوة و سرعة لأجله..
ان لاامر ليس مقتصرا على الاهتمام بصاحب هاتين العينين فحسب .. بل ان الامر يفوق ذلك بكثير.. انها تحبه!! ..شعرت بالدهشة.. بالذهول من نفسها.. ومن تفكيرها هذا.. هل هي تحبه حقا؟؟.. اجل لم لا تعترف لنفسها؟.. لم تخف هذا الامر عن نفسها.. اتخشى ان تعرف بأنها تحمل لها هذا الحب في قلبها؟.. ام حكاية مايا لا تزال تذكرها بأن طارق قد احب ذات يوم وان محبوبته تلك لا تزال تسكن قلبه...
وادارت رأسها بغتة عنه.. حاولت ان تهمس له ولو بكلمة وداع ولكن لسانها قد انعقد فجأة وكأنه يأبى عليها ولو كلمة وداع تلقيها على مسامعه.. ووجدت نفسها تتحرك بخطوات متثاقلة عن المكان وهي تشعر بالمرارة .. بالالم.. ستغادر هذا المكان .. سترحل عنه لمدة ثلاثة ايام فحسب.. لكنها تشعر بها اشبه بالسنوات.. لانها لن تراه.. لن ترى طارق كما اعتادت يوميا.. لن يمكنها ذلك بعد الآن..
( وعد..)
منذ متى كان رنين اسمي جميل الى هذه الدرجة.. هل هما اذناي؟.. ام صوته الذي همس باسمي بأروع مافي الكون من معان.. والتفتت له في لهفة وهي تسير بالممرات بعد ان غادرت القسم .. فقال بعتاب: الن تسلمي علي حتى قبل رحيلك؟..
كادت ان تهتف بوجهه هاتفة: ( الم تفهم؟.. لقد كنت اخاطبك بلغة العيون تلك التي علمتتني اياها.. الم تفهم كلمات توديعي لك.. الم تفهمي نظرات الحب الذي ارسلتها لك.. الم تفهم بعد؟) ..
ولكنها لم تقل حرفا من هذا بل اطرقت برأسها ومن ثم قالت: الفراق صعب كما يقولون..
قال بابتسامة شاحبة: لم تتحدثين هكذا.. انها ثلاثة ايام لا اكثر..
ثلاثة ايام؟؟.. تقولها بهذه البساطة.. اية اعصاب فولاذية تملك؟.. احقا لم تعرف بعد معنى نظراتي لك ؟.. وقالت وهي تشيح بوجهها: معك حق.. انها ثلاثة ايام فحسب..
مد لها يده ومن ثم قال: الن تصافحيني حتى؟..
التفتت له وكادت الدموع ان تترقرق في عينيها.. أي رجل هو هذا؟.. الا يشعر بأني احبه؟.. اعشقه.. لم اعد ارى سواه في حياتي.. انه فارس احلامي الذي طالما كنت احلم به.. الا يحمل لي ولو ذرة من المشاعر.. الا يشعر بي؟..
ومدت له يد مرتجفة لتصافحه وهي تقول: الى اللقاء يا استاذ...
قاطعها قائلا وهو يتطلع اليها بحنان: طارق بدون استاذ.. لقد قلتيها مرة وسأكون سعيدا لو سمعتها منك مرة اخرى.. فهذا يعني انني قريب اليك..
كلماته تؤكد اهتمامه بامري..وتصرفاته تؤكد عكس ذلك احيانا!.. ولكنه لا يشعر بي.. ولا اظنه سيشعر ابدا.. فمايا.. حبه الوحيد.. ستظل تجري في عروقه كمجرى الدم.. سيظل يحبها ولن ينساها ابدا.. وهي -وعد- لن تكون سوى صفر على الشمال..
قالت وعد وهي تطرق برأسها وتقول بصوت مرتجف بالرغم منها: لقد كانت زلة لسان يومها لا اكثر..
تطلع لها بصمت وهو يبتسم فقالت وهي تزدرد لعابها محاولة السيطرة على مشاعرها: اراك بخير.. يا .. طارق..
قالتها وكادت ان تسحب كفها من يده حتى تغادر.. لكنها وجدته يحتضن كفها بكفه الاخرى ويربت عليها ليقول بابتسامة: سنكون بانتظارك..
اومأت برأسها فحرر يدها لتضعها الى جوارها ومن ثم سمعته يقول بهمس: اراك بخير يا وعد..
واردف وهو يكور قبضته بحزم: لكني اعدك بفعل أي شيء تجاه هذا القرار القاسي الذي تعرضت له..
قالت بشحوب وهي تهز رأسها نفيا: لا داعي..
ومن ثم لم تلبث ان لوحت له بكفها وهي تبتعد..وتابعها طارق بناظريه حتى اختفى طيفها من امام عينيه وهنا ردد بصرامة وحزم: اعدك يا وعد.. اعدك...
*********
من منا جرب الانتظار يوما؟.. من منا جرب ان ينتظر لساعات طويلة ظن انها لن تنتهي ابدا؟.. ساعات جعلته يشعر بالملل والتعب والرغبة في الخلاص من هذا الانتظار.. لو جرب احدا منكم مثل هذا الشعور فعندها فقط سيعرف شعور عماد الذي ان يجلس في سيارته بانتظار هبوط ليلى.. وعلى الرغم من ان تأخرها لم يدم الا ربع ساعة الا ان الترقب واللهفة اللذان يسيطران على كيانه جعلته يشعر بأن الوقت طويل ولن ينتهي..
ووجد نفسه يهبط من سيارته ويستند اليها بملل.. انه خطأه لأنه خرج من الشركة مبكرا.. ولكنه كان يخشى ان تغادر دون ان يراها.. دون ان يمنحها ذلك الخاتم الذي تمنى ان يزين اصابعها يوما.. والتمعت عيناه بغتة ببريق امل وهو يراها تخرج مغادرة الشركة.. وتابعتها عيناه بلهفة وشوق.. قبل ان يرى الحيرة قد ظهرت على ملامحها وهي تراه في وقفته هذه .. فاقتربت حيث يقف ومن ثم قالت: هل تنتظر احدا؟..
قالت مبتسما وهو يعقد ساعديه امام صدره: بلى انتظرك انت..
قالت مستفهمة: ولم؟..
جذبها من كفها ومن ثم قال: لدي ما اريد ان اريكِ اياه..
رأته يجذبها برفق الى حيث سيارته القابعة على القرب منهما ..وقال وهو يفتح باب سيارته بابتسامة واسعة: تفضلي بالدخول يا أميرتي..
تطلعت اليه بخجل ومن ثم قالت ووجنتاها متوردتان: عماد الجميع ينظر لنا..
غمز بعينه لها ومن ثم قال: وفيم يهموني؟..
ارتبكت أكثر ومن ثم لم تلبث ان دلفت الى داخل سيارته واغلق هو خلفها الباب.. ليدور حول مقدمة السيارة.. ومن ثم يحتل مقعد القيادة وينطلق بالسيارة مبتعدا عن الشركة والمكان بأكمله.. والتفتت ليلى لتتطلع من خلال النافذة الى الشوارع والسيارات والمباني ..ومن ثم تمتمت بخفوت: ما الامر؟..لم اصطحبتني معك..
قال مبتسما: أخبرتك انني اريد ان اريك شيئا ما..
التفتت له وقالت وهي تزيح بعض من خصلات شعرها خلف اذنها: وما هو هذا لشيء؟..
صمت ولم يجبها.. وكادت ان تكرر السؤال ولكنها آثرت الصمت.. وران الصمت على المكان لخمس دقائق اخرى قبل ان تتوقف السيارة بغتة على جانب الطريق.. مما جعل ليلى تعقد حاجبيها باستغراب ومن ثم تقول: لم توقفت هنا؟..
قال وهو يهمس بحنان: لانني اريد ان اتحدث اليك لوحدنا قليلا..
التفتت له وقالت بحيرة: وعن ماذا ستتحدث الي؟..
قال وهو يلتفت لها ومن ثم يخرج من كفه علبة القطيفة ويفتحها امام ناظريها وهو يقول بخفوت: هذا..
تطلعت الى الخاتم الذي انعكست عليه اشعة الشمس لتجعل ماساته تتلألأ بشكل رائع .. ورفعت عيناها عن الخاتم لتتطلع الى عماد وتقول بدهشة: خاتم زواج؟؟..
قال وهو يومئ برأسه بابتسامة واسعة: اجل حتى يعلم الجميع انك خطيبتي ولا يحق لاحد التفكير بك بعد الآن..
تطلعت الى الخاتم من جديد ومن ثم قالت متسائلة: يبدوا غالي الثمن.. اليس كذلك؟..
قال عماد وهو يهز رأسه: بم تفكرين يا ليلى؟.. حتى وان كان ثمنه ملايين من القطع النقدية فهو سيكون رخيصا في حقك..
توردت وجنتاها ومن ثم قالت بارتباك: ولكن الخطبة يجب ان تكون رسمية وامام الجميع..
امسك بكفها ومن ثم قال: دعينا نقيمها لوحدنا الآن.. ثم نقيمها مرة أخرى لاحقا..
- اتمزح؟؟..
قال مبتسما: ابدا.. لست امزح.. ولكن اتمنى ان اكون انا وانت فقط معا عندما البسك هذا الخاتم.. الذي سيظل يزين اصبعك الى ابد الدهر..
لم تستطع ان تتفوه بحرف.. الكلمات تعجز عن الخروج من حلقها.. وكأنها قد رفعت الراية البيضاء واعلنت الخضوع التام لما قال.. واتسعت ابتسامة عماد وهو يتطلع لها بحب ومن ثم يقول بهمس وهو يدخل الخاتم باصبع كفها اليمنى: سيذكرك بي دائما وانا بعيد عنك..
قالت بخجل: انا لا انساك حتى اتذكرك..
تطلع لها بحب وحنان شديدين.. ثم لم يلبث ان رفع كفها الرقيقة الى شفتيه ليقبل اناملها بحب.. ومن ثم قال: ستكونين حبيبتي وزوجتي الى الابد يا ليلى .. فأنت حلم حياتي قبل كل شيء.. الذي حلمت به طويلا.. طويلا جدا...
وظلا على حالهما هذا كلاهما يتطلع الى الآخر بحب وحنان شديدين.. وعيناهما تنطقان باسمى المعاني.. ومشاعرهما تبثها لمسة كفيهما..
وعاد السؤال ليتردد بذهن ليلى على الرغم منها.. ترى هل ستدوم هذه السعادة التي احياها طويلا؟؟..
وبات السؤال معلقا دون جواب.. فمن يعلم بما يحفيه لنا القدر.. من يعلم؟...

جنــــون 11-23-2011 01:31 AM

* الجزء الثالث والعشرين*
(ما الذي يحدث؟!)

(قرار قاسي هو ما اصدر بحقها)
قالها طارق بغضب شديد وهو يتحرك في ارجاء القسم بخطوات عصبية ومن ثم اردف بحنق: انها لم تتوانى يوما عن العمل بكل جدية واخلاص ومع هذا يوقع مثل هذا القرار القاسي لها لمجرد بضعة مشاكل..
قال احمد بهدوء: المشكلة لن تحل هكذا يا طارق.. لن تحل بغضبك هذا..او باستنكارك.. فقط اجلس لنحاول فهم وحل الموضوع بهدوء..
قال طارق وهو يكور قبضته: انت تعلم ان رئيس التحرير ذاك شخص جبان.. لن يهتم بما يحدث بما انه في أمان.. حتى لو استدعى هذا طرد جميع الصحفيين من الجريدة..
واردف باصرار: لكني لن اسمح له ان يصدر قرارا قاسيا كهذا في حق وعد مهما حصل..وسأفعل أي شيء.. سأجعله يتراجع عن قراره التافه هذا..
قال احمد وهو يعقد حاجبيه: اتعني ما تقول؟..
قال طارق وبريق اصرار وحزم يبرق في عينيه: اجل .. فقد وعدتها بأني لن اصمت وسأفعل أي شيء..
واردف بصوت هامس ومتهدج: من اجلها .. من اجلها هي فقط..
*********
ما ان وصلت وعد الى غرفتها بالمنزل..حتى القت بنفسها على الفراش ومشاعر شتى تعصف بكيانها.. هل هو الاستنكار والغضب من قرار رئيس التحرير؟ .. ام هو الالم لفراقهم؟.. ام يا ترى هو الحزن الشديد لفراقه هو بالذات؟..ام انه مزيج من كل هؤلاء..
احست بانقباض في قلبها وهي تتخيل انها لن تذهب الى الصحيفة غدا.. لن تراه الا بعد ثلاثة ايام كاملة.. هل تستطيع ان تحتمل ان لا تملأ عيناها بصورته لثلاثة ايام؟..هل تستطيع احتمال ان لا تروي اذنها بصوته الذي يحسسها بالدفء والامان؟..هل تستطيع يا ترى؟ .. هل تستطيع؟..
تفكيرها هذا يصيبها بالصداع ويجعل غصة المرارة تعتصر قلبها بمرارة والم..لم ؟؟..اجيبوني لم؟..لم يوقع مثل هذا القرار بي وانا لم توانى يوما عن العمل بكل جدية واخلاص.. لم؟.. ولكن ماذا يهم ؟؟.. لقد دافعت عن مبدأها بكل حزم واصرار.. اجل لن تتوقف عن الكتابة وعن اظهار فساد المجتمع للناس جميعا.. والا فما فائدة وجود الصحف بالبلاد.. التصمت عن الخطأ.. وتكتفي بنشر الأحاديث الروتينية.. لا ان اهم ما يميز الصحافة انها تحاول معالجة المجتمع باظهار مشاكله المختلفة للناس..
وضعت كفها على جبينها بتعب وهي تتخيل آحر اللحظات التي جمعتها بطارق.. انها تحبه.. بل تعشقه.. انها المرة الاولى التي تشعر بهذا الشعور تجاه شخص ما.. ترى لماذا انشدت اليه؟.. لماذا تحركت مشاعرها اليه هو بالذات.. على الرغم من فظاظته معها في بادئ الامر.. ترى لشخصيته المميزة.. ام لغرابته.. ام لانها ...
زفرت بعمق وهي تنهض من على الفراش.. ستتوقف عن التفكير به الآن والا لن تشعر بالراحة ابدا..واتجهت لتتطلع من النافذة.. الى تلك الحديقة الساكنة والهادئة..و التي لا تلبث الانسام ان تداعب حشائشها الخضراء بين لحظة واخرى بهدوء..وظلت تحدق بشرود في اسراب الطيور التي اخذت ترفرف باصرار غريب في هذه السماء الصافية دون ان تهبط ولو للحظات على سطح الارض.. عندما سمعت صوت رنين هاتفها المحمول معلنا وصول رسالة قصيرة..
توجهت الى حقيبتها.. لتلتقط الهاتف ومن ثم تقرأ فحوى الرسالة التي كانت تقول: (لو كنت غير مشغولة.. فتعالي وخذيني من الجامعة .. رأسي يكاد ينفجر من كثرة المحاضرات.. متى ينتهي هذا العذاب؟)..
ابتسمت وعدابتسامة باهتة وهي تعيد قراءة الرسالة المرسلة من فرح.. ومن ثم لم تلبث ان اتصلت بتلك الاخيرة التي ما ان اجابت على الهاتف حتى قالت: لا تصدقي لقد كنت امزح..
قالت وعد بسخرية: لا فائدة انا الآن امام بوابة الجامعة..
قالت فرح بسخرية مماثلة: لقد ارسلت الرسالة منذ لحظات فقط.. أي سيارة خارقة تملكين؟..
- ليست السيارة يا عزيزتي بل سائقتها..
قالت فرح مبتسمة: حقا؟..
قالت وعد بغته وهي تزفر: اخبريني متى تنتهي محاضراتك؟..
قالت فرح متسائلة: ولم؟..
تنهدت وعد بمرارة ومن ثم قالت: اشعر بالملل الشديد واود ان اتحدث معك قليلا بعد ان تنتهي محاضراتك..
عقدت فرح حاجبيها ومن ثم قالت: لم؟.. الست بالصحيفة الآن؟..
قالت وعد بسخرية مريرة: لقد منحني رئيس التحرير اجازة.. ولكن مفروضة..
شهقت فرح ومن ثم قالت: اتعنين انه قد قام بطردك..
- لا بل تم فصلي لثلاثة ايام..
- ولم؟..
- سأخبرك بكل شيء عندما اراك والآن اخبريني متى تنتهي محاضراتك؟..
صمت فرح برهة ومن ثم قالت ببعض التردد: بعد ساعتين .. بل اعني ثلاث ساعات..
قالت وعد بهدوء: حسنا اذا اطلبي من مَن سيوصلك ان يصطحبك الى منزلنا..
اسرعت فرح تقول: ولماذا لا تحضرين انت الى منزلنا؟..
قالت وعد بابتسامة: لقد اقسمت على ان لا احضر.. فاخشى ان يتحول التمثيل الى حقيقة كما قال شقيقك.. واسقط من على السلم..
قالت فرح بضجر: كفاك سخافة.. انت احضري الي.. فلدي بعض البحوث الهامة التي ارغب في انهائها..
- فليكن اذا سأحضر بعد ثلاث ساعات ونصف.. هل هذا يناسبك؟..
- اجل كثيرا..
قالت وعد مبتسمة: اراك بخير اذا.. الى اللقاء..
قالت فرح بابتسامة: الى اللقاء..
وما ان انهت فرح الاتصال حتى قالت بخبث: نعم سنلتقي.. وسيكون لقاءاً لا ينسى..
********
انشغل هشام بالعمل على احدى رسومه الهندسية بمكتبه عندما اجبره على تركها صوت رنين هاتفه المستمر..فأجابه بصوت هادئ: اهلا فرح.. ماذا تريدين ؟..
قالت فرح باستنكار: اهكذا يجيب الشقيق شقيقته على الهاتف .. بـ"ماذا تريدين؟"..
قال بملل: لو انك قد اتصلت للتسلية .. فحاولي في وقت لاحق.. انا منشغل الآن بالعمل..
قالت في سرعة: لا لم اتصل لاتسلى.. وحتى لو وددت ان افعل.. فلن اخسر رصيدي من اجل تسلية.. سأتصل من هاتف المنزل بكل بساطة..
قال هشام باستخفاف: يا للذكاء.. من اين تجلبين مثل هذه البدائل .. الـ.. السخيفة..
ابتسمت فرح وقالت: ليست سخيفة ابدا.. ثم ليس هذا مهما الآن.. بل امرا آخر..
- وما هو؟..
قالت فرح وهي تزفر بحدة: وعد اليوم قد فصلت من عملها لمدة ثلاثة ايام..
عقد هشام حاجبيه باستنكار ومن ثم قال: ولم؟؟..
قالت فرح وهي تزدرد لعابها: لست اعلم.. لقد اخبرتني انها ستعلمني بالامر عندما تحضر الى منزلنا بعد ثلاث ساعات ونصف..في الوقت الذي انهي فيه محاضراتي..
قال هشام بحيرة: بعد ثلاث ساعات؟.. الم تخبريني انك ستنتهين من محاضرتك الاخيرة بعد ساعة..
- بلى.. ولكني تعمدت قول هذا لها..
- ولم؟.. ما السبب من كذبك هذا؟..
قالت فرح مبتسمة: لا اسمي هذا كذبا.. اما عن السبب فسأخبرك اياه.. ولكن استمع الي بهدوء ولا تقاطعني ريثما انتهي مما اقوله..
واخذت تتحدث اليه بهدوء وهي تحاول شرح كل ما تستطيع .. بينما اخذ هشام يستمع اليها بانصات شديد وهو يشعر بالاهتمام من كل كلمة تقولها...
***********
قال أحمد بانفعال: ما هذا الذي فعلته يا طارق؟..
قال طارق ببرود: وماذا فعلت؟..
قال احمد وهو مستمر بانفعاله: بعد كل هذا الذي اخبرتني اياه وتقول انك لم تفعل شيئا.. لقد ذهبت بكل بساطة الى رئيس التحرير لتطلب منه ان يعيد وعد الى العمل والا ستستقيل من عملك على الفور..
قال طارق وهو يهز كتفيه بلامبالاة وكأن الامر لا يعنيه: وماذا في هذا؟..
قال احمد باستنكار: لا تجد في هذا الامر شيئا حقا.. ستستقيل يا طارق.. ستستقيل من عملك.. ومن وظيفتك التي يحسدك عليها غيرك من اجل فتاة..
تطلع اليه طارق بصرامة ومن ثم لم يلبث ان قال: هذه الوظيفة التي تتحدث عنها يمكنني ان احصل عليها في أي جريدة اخرى.. ثم لا اظن ان رئيس التحرير بهذا الغباء ليقبل استقالتي فور تقديمي لها.. دون ان يفكر بالامر او حتى يمنحني فرصة لاعادة النظر بهذه الاستقالة..
قال احمد وهو يعقد حاجبيه: تعني ان ما قمت به كان بمحض التهديد لا اكثر.. وانك ستتراجع عن قرار استقالك لو رفض طلبك..
قال طارق بحزم: بالطبع لا.. لن اتراجع عن قراري مطلقا لو انه رفض طلبي.. سأستقيل من عملي وابحث عن آخر في أي صحيفة اخرى.. واظن ان اسمي بات معروفا عند بعض الصحف التي ستقبل بي لو انني فكرت بالعمل معها..
قال احمد بدهشة: تضيع سنوات عملك هنا يا طارق من اجل فتاة وحسب..
قال طارق وهو يمط شفتيه: وعد ليست أي فتاة.. ثم انت.. انت بنفسك لو رأيت خطيبتك تتعرض لمثل هذا القرار لفعلت الشيء ذاته..
قال احمد بخبث:تلك خطيبتي.. ثم انني كنت سأناقش رئيس التحرير بالامر واحاول حله ولن اتسرع بتقديم استقالتي.. ولكن انت بأي صفة تدافع عن وعد بكل هذه القوة..
قل طارق وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لنقل انها زميلة عزيزة لي بالعمل..
قال احمد بخبث اكبر: حسنا وبعد..
قال طارق ببرود: لا يوجد بعد.. توقف عن افكارك المريضة..
قال احمد مبتسما: معك حق.. الحب اصبح مرضا هذه الايام..
تطلع اليه طارق بحنق ومن ثم قال: لا فائدة ترجى منك.. سأكمل عملي افضل لي..
قال احمد وهو يغمز بعينه: الا تريد أي مساعدة من اجل اعادة وعد الى الصحيفة..
قال طارق بهدوء: لو كنت مستعدا لتقديم المساعدة.. فتفضل قل ما عندك..
قال احمد بمكر: ما رأيك ان اقدم استقالتي انا الآخر؟..
نطلع اليه طارق لبرهة ومن ثم قال ببرود: سخيف..
ضحك أحمد بمرح ومن ثم قال: ما الذي يمنعك ان تعترف؟ ..نحن جميعا سنشعر بالسعادة من اجلك ومن اجل الآنسة وعد..
صمت طارق طويلا ولم يعلق.. ولكن ذهنه كان شاردا في تلك اللحظة.. كان يفكر بما قاله أحمد مرارا وتكرارا .. وقال متحدثا الى نفسه: ( ليس الآن يا احمد.. ليس الآن..لا يزال الوقت مبكرا لاعترف.. باني احب هذه المرحة العنيدة.. لان هناك حاجزا يقف حائلا بيننا.. حاجزا يسمى .. ((حبي القديم لمايا)).. فهل ستصدق لو اخبرتها بأني احبها.. احبها فعلا ولست اخدعها.. مايا كانت الماضي.. ووعد هي الحاضر والمستقبل..هل ستصدقني يا ترى لو اخبرتها.. هل ستصدق؟)
********
تنهدت وعد بحرارة وهي توقف سيارتها امام باب منزل عمها .. لا يزال شعورها بالالم يسيطر على كيانها.. لا تستطيع ان تبعد ذهنها عن التفكير بطارق..انه قبل كل شيء الشخص الذي تحب..الذي احتل قلبها دون استئذان.. الذي طرق باب مشاعرها بشخصيته الغريبة..وببروده العجيب..
وعادت لتتنهد من جديد وهي تهبط من سيارتها وتغلق بابها خلفها ومن ثم تتوجه الى المنزل لتضرب على زر جرس الباب عدة مرات.. ولكن الغريب بالامر ان احدا لم يجبها.. فعقدت حاجبيها.. واخرجت هاتفها المحمول لتتصل بفرح .. وما ان اجابتها تلك الاخيرة حتى قالت: فرح.. اين انتم؟.. لقد ضربت الجرس عدة مرات ولم يجبني احد..
قالت فرح بهدوء: انا بالطابق الاعلى ولم استمع الى الجرس.. ولا يوجد احد بالمنزل سواي انا وامي.. وربما كانت امي نائمة الآن.. او مشغولة بالمطبخ..
قالت وعد بضجر: لا داعي لكل هذا الشرح.. فقط تعالي وافتحي لي الباب..
قالت فرح بلامبالاة: ان الباب مفتوح.. يمكنك الدخول..
قالت وعد باستغراب: ولم تتركون الباب مفتوحا؟.. ان أي شخص يستطيع التسلل الى المنزل في هذه الفترة وسرقة ما يريد..
قالت فرح وهي تمط شفتيها: لا لشيء.. ولكن ابي قد غادر المنزل لتوه.. واتصل بي ليخبرنا انه قد نسي اقفال الباب وطلب مني ان افعل ذلك.. وكدت ان افعل لولا اتصالك بي.. لذا ادخلي الى الداخل واقفلي الباب خلفك..
قالت وعد باستسلام: فليكن.. الى اللقاء..
قالت فرح بابتسامة: الى اللقاء..
وادخلت وعد هاتفها في حقيبتها لتمسك بمقبض الباب وتديره بهدوء.. ومن ثم تفتح الباب بهدوء وهي تدلف الى الداخل.. والتفتت لتقفله .. قبل ان تسير الى حيث الدرج لتصعده حيث غرفة فرح و....
توقفت في مكانها فجأة.. وهي تشعر بحركة ما بالردهة.. فعقدت حاجبيها ومن ثم قالت وهي تزدرد لعابها: من هناك؟..
جاوبها الصمت التام.. والسكون الذي غلف ارجاء المكان .. وتطلعت الى ماحولها لبرهة ثم لم تلبث ان هزت كتفيها وقالت وهي تواصل سيرها: لابد وانني كنت اتخيل لا اكثر..
وما ان خطت خطوة اخرى حتى انقطع التيار الكهربي فجأة.. فشهقت قائلة بخوف: ما الذي يحدث هنا؟..
وتطلعت الى الظلام من حولها الذي بات هو اللون الوحيد الذي يغلف كل شيء بالمنزل..وازدردت لعابها من جديد لعلها تستعيد رباطة جأشها.. واردفت وهي تهتف بصوت سيطر عليه الارتباك والخوف بالرغم منها: فرح.. اين انت يا فرح؟ .. خالتي.. اين انتم جميعا؟..
واشتعلت الاضواء فجأة ومع ذلك الهتاف القوي الذي هتف الجميع به في آن واحد: عيد ميلاد سعيد يا وعد!!!..
التفتت وعد بسرعة وحدة الى مصدر الصوت ومن ثم قالت والذهول لا يكاد يفارق ملامحها وهي غير قادرة على استيعاب ما يحدث: ما الذي يحدث؟!.. ماذا تعنون؟!..
قال والد وعد بابتسامة وهو يشير الى فرح: انها فكرة فرح.. ان نقيم لك عيد ميلاد لا ينسى.. واقترحت علينا مثل هذه الفكرة..
قالت وعد وهي تزفر بحدة وقوة:لقد كاد قلبي ان يتوقف بفعلتكم هذه .. ثم اين كنتم تختفون؟..
قال والدها وهو يشير الى غرفة ما: بغرفة المعيشية..
واردف بحنان ابوي: عيد ميلاد سعيد يا ابنتي الصغيرة..
قالت وعد مبتسمة وهي لا تزال تشعر بالاضطراب من المفاجأة: لم اعد صغيرة يا والدي..
- ستظلين كذلك الى الابد في نظر والداك..
قالت فرح وهي تعقد ساعديها امام صدرها وتتطلع الى وعد بمرح: توقعت ان تكون اصعب مرحلة بالموضوع هي اقناع وعد بالدخول من الباب المفتوح..
قالت وعد بغضب مصطنع: اصمتي انت.. انها فكرتك باخافتي هكذا في يوم مميز كيوم ميلادي..
قالت فرح وهي تغمز بعينيها: اردته عيد ميلاد لا ينسى..
قال عماد الذي تواجد بالحفل بدوره بناء على رغبة فرح والبقية: لم تقفين هناك يا وعد؟.. اقتربي..
قالت وعد بارتباك وتوتر: اتريدون الحقيقة.. لا استطيع التقدم فقدماي لم تعودا تطيعاني من اثر المفاجأة..
تقدم منها هشام بغتة .. وقال بصوت هادئ: اخبرتهم بان طفلة مثلك لا تتحمل مثل هذه المفاجآت..ولكنهم أصروا على أن يفاجئوك بهذه الطريقة..
قالت وعد باستنكار: انا طفلة يا هشام؟..
اقترب منها اكثر وقال بصوت هامس لا يكاد يسمعه سواهما: واجمل طفلة كذلك..
توترت اطراف وعد وهي تتطلع اليه.. في حين جذبها هو من كفها وقال مبتسما: لا تصدقي كل ما يُقال لك.. والآن تعالي إلى حيث الكعكة لتطفأي الشموع..
سارت معه الى حيث تلك الطاولة الكبيرة التي ضمت عدد من الاطباق الرئيسية والحلويات.. بالاضافة الى المشروبات.. واخيرا كعكة بالشوكلاتة وقد زينت بقطع من الحلوى والبسكويت.. كتب على سطحها بالكريمة عبارة "عيد ميلاد سعيد يا وعد.. وكل عام وانت بخير".. هذا بالاضافة الى شمعة قد اشارت الى عمرها الذي قد اصبح منذ اليوم 24 ربيعاً.. ومر شريط بسيط من ذكرياتها الماضية وهي ترى نفسها اليوم وهي تنهي سنوات عمرها الرابعة والعشرين.. وتمتمت بخفوت: هل يمضي العمر سريعا هكذا؟..
قالت لها والدتها بابتسامة: هذه هي سنة الحياة.. طفل يولد اليوم ليكبر غدا.. وليصبح شابا ومن ثم كهلا.. ويأتي من بعده طفلا آخر.. هذه هي الحياة يا بنيتي.. دائرة لا تنتهي الى يوم الدين..
وقال والدها وهو يقترب منها ويحيطها بذراعه بحنان: اتصدقين.. اني اشعر اني قد رزقت بك بالامس فقط.. اتذكر يوم ولادتك.. كم كنت اشعر بالسعادة وانا احملك بذراعي .. فقد كنت اتمنى ان يكون الطفل الذي انتظرته انا ووالدتك هو فتاة.. فتاة جميلة مثلك يا وعد..
همست وعد وقالت بحب وهي تطلع الى والدها: كم احبك يا والدي..
قا طع هذه اللحظة صوت العم وهو يقول بابتسامة: هيا يا وعد.. اطفأي الشموع.. ودعينا نفرح بك..
اومأت برأسها وابتسامة واسعة ترتسم على ثغرها.. فاقتربت منها فرح وقالت وهي تشعل الشمعة بعود الثقاب: فاليطفأ احدكم المصابيح..
وما ان انطفأت المصابيح واشعلت فرح الشمعة..حتى اخذ الجميع يرددون على مسامعها ( عيد ميلاد سعيد يا وعد).. وكادت ان تطفأ الشمعة حين اسرعت فرح تقول: توقفي تمني امنية ثم اطفأيها..
التفت لها هشام بضيق ومن ثم قال: ما هذه الاعتقادات السخيفة؟..
قالت فرح مبتسمة: ليست اعتقادات.. مجرد امل في ان تتحقق امنياتنا ذات يوم..
والتفتت الى وعد التي قالت: حسنا سأتمنى امنية..
قالت فرح وهي تشير لها بسبابتها: في سرك..
ضحكت وعد وقالت: بالتأكيد سأقولها في سري..
وصمتت للحظات وهي تتمنى امنية ما.. ثم لم تلبث ان اطفأت الشمعة.. معلنة عن بداية عامها الجديد.. العام الذي قديخفي لها الكثير.. الكثير جدا..
**********
تطلعت ليلى الى الخاتم الذي يزين اصبعها طويلا.. وذهنها شارد تماما.. فلقد ذهب معه حيث غادر.. مع عماد.. هل تستطيع ان تحبه أكثر من ذلك؟.. ان حبها له لا يلبث ان يتضاعف كل لحظة.. باعجابها بشخصه.. برجولته.. بقوة شخصيته .. وابتسامته الرائعة التي لا تلبث ان تشعرها بالسعادة.. وعيناه العميقتان اللتان تشعرها بحبه لها.. وبحنان العالم كله..
ترى هل تحبني بقدر ما احبك يا عماد؟..هل تفكر بي الآن كما افكر بك.. هل احرمك لذة النوم؟.. كما تفعل بي انت دوما.. هل صورتي تظل عالقة بذهنك بعد آخر لقاء لنا ولا تفارقك طوال اليوم؟..
ولم تلبث ان اغمضت عيناها وهي تحلم به.. وتتخيل ما يفعله في هذه اللحظة.. وداعبت ذلك الخاتم الذي يحتل اصبعها ومن ثم همست لنفسها: ( هل الاحلام تتحقق بهذه السرعة؟.. هل القدر يمنحنا السعادة بهذه البساطة؟.. ترى لماذا اشعر بأن لا شيء يأتي بسهولة ابدا؟..وان سعادتي هذه لن تلبث ان تختفي..)
وعادت لتردد لنفسها قائلة بضيق: ( أي هراء اتفوه به.. اني احيا الآن في لحظات سعيدة .. فلم لا استمتع بها بدلا من تنغيصها بهذه الطريقة.. اجل.. سأبعد هذا الشعور بالضيق عن ذهني..وسأفكر بعماد فقط وحياتنا القادمة..)
*********
احاديث كثيرة اخذت تدور في ذلك الحفل البسيط الذي شمل كل افراد هذه العائلة تقريبا..قبل ان يقطعه عماد وهو يقول متطلعا الى ساعة الحائط: معذرة يا وعد.. ولكن علي ان اغادر الآن..
قالت عد بضيق: العمل لن يحلق في الهواء يا عماد..
قال عماد مبتسما: ليس العمل هذه المرة..
قالت وعد متسائلة: اذا؟..
اقترب منها ليسلمها هديتها ومن ثم قال بصوت خفيض: بل هي فتاة.. استطاعت ان تجعلني اقع اسير حبها..
قالت وعد مبتسمة: احقا ما تقول؟..
قال بابتسامة واسعة: اجل .. وسأذهب اليوم مع والداي لخطبتها رسميا من اهلها..
قالت وعد بسعادة: مبارك يا عماد.. انت تستحق الافضل دائما.. لكنك لم تخبرني.. هي.. هل تحبك؟..
قال وهي يومئ برأسه: بالتأكيد.. لو لم اكن واثق من حبها لي لما اتخذت خطوة كهذه..
واردف وهو يلوح بيده للجميع: والآن استودعكم جميعا.. الى اللقاء..
لم يكن حديثهم الهامس قد استمع اليه احد ما تقريبا..لذا لم يعلم بأمر هذه الفتاة التي تحدث عنها سوى وعد..وشعرت بغتة بكف توضع على كتفها..فالتفتت الى صاحبها الذي قال: هل تفكرين بذاك الذي غادر الآن؟..
قالت وعد بابتسامة: تقريبا.. ثم ما شأنك انت يا هشام؟..
تطلع لها لبرهة قبل ان يقول وهو يضغط على حروف كلماته: صحيح لا شأن لي الآن.. ولكن سيكون لي شأن بهذا في المستقبل القريب..
فهمت ما يعنيه.. ولكنها قالت محاولة التهرب من الموضوع: اخبرني ماذا جلبت لي؟..
قال هشام بسخرية: لم اكن اعلم انك مادية الى هذه الدرجة؟..
- ها انتذا قد علمت.. والآن اخبرني ماذا جلبت لي؟..
سلمها تلك العلبة المتوسطة الحجم و المغلفة بورق تغليف هادئ الالوان ومن ثم قال: شيء قد كنت تودين الحصول عليه ذات يوم..
عقدت حاجبيها في تفكير وهي محاولة تذكر ذلك الشيء.. في حين عاد هشام بذاكرنه الى الوراء للحظات وهو يتذكر ذلك الحوار الذي دار بينهما قبل بضع شهور..

(ستعملين بالصحافة.. لا اظن ان أي صحيفة ستقبل بك ابدا)
قالها هشام بسخرية واستهزاء وهو يتطلع الى وعد التي كانت تجاس على احد المقاعد بحديقة المنزل.. في حين قالت هي: اجل سأعمل في الصحافة.. وسأكون صحفية ممتازة ايضا.. وسأغيظك يومها.. تذكر هذا..ومن يدري ربما اكتب عنك موضوع بالجريدة.. واصور احد المواقع التي تصمم لها رسومها الهندسية .. ولكن اذا ترجيتني فقط سأفعل..
ضحك بسخرية ومن ثم قال: اترجاك.. هذا ما كان ينقصني.. ثم كيف ستقومين بتصوير تلك المواقع؟ ..بكاميرتك البائسة تلك..لا اظن انها ستفيدك ابدا..
نهضت من على مقعدها وقالت بتحدي: عندما احصل على اول راتب لي.. سأشتري لي افضل انواع الكاميرات .. وستكون رقمية ايضا ..
قال هشام بسخرية: سوف انتظر هذا اليوم حتى ارى كاميرتك المزعومة تلك....

وتوقف شريط ذكرياته.. وهو يبتسم لنفسه بسخرية.. في النهاية هو من اشتراها لها.. هو من حقق لها رغبتها باحضار تلك الكاميرا لها.. لقد سخر من ان تحصل على مثل هذه الكاميرا الرقمية.. لكن لسخرية القدر.. هو بنفسه من جعلها تحصل عليها..
وتطلع الى وعد التي انشغلت بالحديث والضحك المرح مع فرح.. وهما يتابدلان الأحاديث المتفرقة..وهمس لنفسه قائلا باصرار: (ستكونين لي انا يا وعد.. انا فقط.. لن اسمح بأي شخص آخر بأن يأخذك مني..انت لي.. وانا لك ..ستكونين لي يا وعد قريبا.. قريبا جدا..)..
وكور قبضته بقوة وهو يردف لنفسه بصرامة: ( اقسم على هذا)...
*********
احلام كثيرا باتت تحلق في سماء رواية"حلم حياتي"..
حلم وعد بالزواج من الشخص الذي تحب..
حلم طارق بأن تصدقه وعد وتعرف بحبه لها..وان تبادله مشاعره هذه..
حلم هشام بالزواج من وعد..
حلم ليلى وعماد بالزواج والحياة في سعادة وهدوء في عالم من الاحلام الوردية..
ولكن ماذا عن القدر..
هل يحقق احلامهما البسيطة هذه..
ام ستتحطم على احلامهم هذه على صخرة الواقع..
انتظروني
والى جزء قادم..

جنــــون 11-23-2011 01:31 AM

* الجزء الرابع والعشرون*
(هل ستعود؟)



تسللت اشعة الشمس الدافئة..لتضيء ارجاء تلك الغرفة الصغيرة .. عندما فتحت صاحبتها تلك الستارة التي كانت تحول دون دخول ضوء الشمس الى الغرفة..وتطلعت الى الخارج لبرهة قبل ان تقول وهي تداعب زجاج النافذة باصابعها: ترى ما الذي يحدث بالصحيفة الآن؟..
اطالت النظر بشرود من خلال النافذة الى حديقة المنزل قبل ان تردف: وما الذي يفعله طارق الآن؟..
ولم تلبث ان تنهدت وهي تلتفت عن النافذة وتقول: لم اشأ التغيب عن الصحيفة يوما..ولكن ما حدث جعلني اترك الصحيفة على الرغم مني..
وعادت لتتنهد وهي تتوجه نحو ذلك الكيس الذي وُضع بداخله علبة مستطيلة الشكل مغلفة..كانت هدية عماد لها.. وقالت وهي تخرج العلبة من الكيس: حتى الهدايا لم افكر بفتحها الى الآن..
وازاحت ورقت التغليف عن العلبة.. قبل ان تفتح غطاء العلبة ومن ثم قالت بانبهار وهي تتطلع الى الفستان الذي بداخله: يا للروعة.. لن يلبث عماد ان يدهشني بذوقه الرائع.. وهداياه المرتفعة الثمن..
اخرجت الفستان من علبته وقد كان ارجواني اللون .. قصير يصل الى ما اسفل الركبة.. وتتنتشر به الورود الصغيرة..أما كماه فقد كانا ذا لون ارجواني شفاف..وابتسمت وعد ابتسامة واسعة وهي تضعه امام جسدها وتقف امام المرآة.. لتهتف قائلة: انه غاية في الروعة.. يا ترى كيف سيبدوا لو اني ارتديته.. هل سيناسبني؟..
ظلت تتطلع الى نفسها بالمرآة لفترة.. وهي تتخيل نفسها ترتدي هذا الفستان.. قبل ان ينتشلها من تأملاتها صوت طرقات على الباب.. فالتفتت اليه.. وهي تقول: من ؟..
جاءها صوت والدتها وهي تقول بدهشة وهي تفتح الباب: هل استيقظت مبكرا هذا اليوم ايضا على الرغم من انه ليس لديك أي عمل؟..
هزت وعد كتفيها بلامبالاة وقالت: لقد اعتدت الاستيقاظ في وقت كهذا طوال فترة عملي بالصحيفة..
قالت والدتها بهدوء: حسنا اذا اتبعينا الى طاولة الطعام.. لتتناولي طعام الافطار معنا..
قالت وعد تستوقفها: لحظة واحدة يا امي..
التفتت لها والدتها وقالت بغرابة: ماذا هناك؟..
قالت وعد وهي ترفع الفستان قليلا ومن ثم تقول بابتسامة: ما رأيك به؟.. هل تظنين انه سيناسبني؟..
ابتسمت والدتها وقالت وهي تتطلع الى الفستان: انه جميل جدا.. من اين لك به؟..
- انها هدية عماد لي..
هزت والدتها رأسها ومن ثم قالت: يؤسفني انك قد اضعت هذا الشاب من بين يديْك..
مطت وعد شفتيها ومن ثم قالت: هل ستعودين مرة اخر الى هذا الكلام يا امي؟.. ثم انه سيخطب فتاة قريبا..
عقدت والدتها حاجبيها وقالت: ومن تلك الفتاة؟..
- لا اعلم..
تطلعت اليها والدتها للحظة قبل ان تتنهد بأسف ومن ثم تقول: الآن ستذهب املاك اخي كلها لفتاة غريبة..
زفرت وعد ومن ثم قالت برجاء: ارجوك امي.. كفي عن هذا الكلام.. لقد انتهى الامر.. ولم يعد هناك أي داع لاعادته..
صمتت والدتها ومن ثم قالت وهي تخرج خارج الغرفة: لا بأس.. لن اعيده.. ولا تنسي اتبعينا لطعام الافطار..
اومأت وعد برأسها.. وتوجهت الى خزانتها الخاصة لتستبدل ملابسها.. ولكنها توقفت بغتة بعد ان لمحت هدية هشام التي لم تفتحها.. وعادت ادراجها لتلتقطها ومن ثم تزيل الغلاف عن تلك العلبة..وما لبثت ان اتسعت عيناها.. وهي تتطلع لما بين يديها.. وابتسمت ابتسامة واسعة وهي تقول: لم اكن اتوقع ابدا ان تكون هذه هي هديتك لي..
واردفت كأنها تخاطب هشام: اشكرك كثيرا يا هشام.. لو تعلم كم كنت احتاج لمثل هذه الكاميرا..
وظلت تتطلع الى الكاميرا لفترة بعد ان اخرجتها وهي تتحسسها برفق وحذر.. وقطع اندامجها هذا..صوت رنين هاتفها المحمول.. فعقدت حاجبيها وهي تقول بغرابة: الساعة لم تتجاوز الثامنة والنصف صباحا.. من ذا الذي يتصل بي في وقت كهذا؟..
وادارت افكار عدة برأسها وهي تحاول معرفة كنه المتصل.. قبل ان تهز كتفيها باستسلام.. وكأنها تعلن هزيمتها من معرفة ذاك المجهول الذي يتصل.. فنهضت من مكانها لتلتقط حقيبة يدها..وتخرج هاتفها المحمول.. واحست بحيرتها تتضاعف وهي ترى رقما مجهولا يضيء على شاشة هاتفها..لكنها لم تلبث ان اجابت وهي تقول بتردد: الو.. من المتحدث؟..
- الآنسة وعد؟..
ازداد انعقاد حاجبيها وهي تقول: انا هي.. من المتكلم؟..
- انا طارق يا وعد.. الم تتعرفي على صوتي؟؟..
واتسعت عينا وعد بدهشة كبيرة ..وهي غير قادرة على اجابته بأي شيء على الاطلاق..
**********
توقف عماد بسيارته بجوار ذلك المنزل المتوسط الحجم.. والذي يحتل احد المناطق بذلك الحي الهادئ.. ولم يلبث ان ضغط على بوق السيارة.. وهو يداعب المقود باصابعه بترقب وانتظار ..و ان انفتح باب المنزل بغته.. فاستدار له وهو يتطلع الى تلك الفتاة التي خرجت من المنزل لتوها واقتربت من السيارة لتقول بصوت خافت بعض الشيء وهي تميل باتجاه النافذة: هل تأخرت؟..
ابتسم عماد وقال: ابدا.. ادخلي الى السيارة..
قالت وهي تفتح باب السيارة وتجلس بالمقعد المجاور: سأحاول الاسراع في المرة القادمة.. ولكنك لم تخبرني بمجيئك لاصطحابي الا قبل نصف ساعة.. لهذا لم استطع الاستعداد في سرعة..
قال عماد مداعبا: وما تحتاجينه انت من وقت للاستعداد يقدر بثلاث او اربع ساعات.. اليس كذلك؟..
ابتسمت ليلى ومن ثم قالت: لن تفهمونا ابدا..
هز عماد كتفيه ومن ثم قال: لا داعي لذلك مطلقا..فالبعض يقول: (لا احد يستطيع ان يفهم المرأة.. سوى المرأة نفسها)..
قالت مبتسمة بمرح وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: معهم حق في ذلك..
انطلق بسيارته ومن ثم قال: لم تخبريني كيف هي أحوالك ؟..
قالت بهدوء: لم يتغير بي شيء منذ الامس..
اختلس نظرة اليها ومن ثم قال: وماذا عن الخاتم الذي تركته امانة لديك؟..
توردت وجنتاها وهي تقول: لا يكاد يفارقني ابدا..
قال بابتسامة واسعة: اجل اريدك ان تعامليه هكذا دوما..
واردف بصوت هامس: وانا ايضا..
تطلعت اليه بخجل شديد ومن ثم قالت: انت لا تفارق عقلي او قلبي ولو للحظة..
ابتسم بحنان ومن ثم قال: ما رأيك ان لا نذهب الى العمل اليوم ونختار مكانا آخر لنقضي به وقتنا؟..
قالت بمرح مفاجئ: ما هذا يبدوا انك ستتكاسل بعملك منذ الآن.. هيا كفاك دلالا.. وانطلق الى الشركة..
ابتسم عماد وقال: كما تأمرين سيدتي..
ضحكت ليلى بمرح.. وشاركها عماد الضحك.. وهما ينطلقان بالسيارة الى المصنع..
*********
ظلت وعد صامتة غير مصدقة لما سمعته باذنها منذ لحظات ..فآخر شخص توقعت ان يتصل بها .. هو الآن يحادثها.. ثم من اين جلب رقم الهاتف؟.. في حين كان طارق يشعر بغرابة صمتها على الطرف الآخر فقال: وعد.. الا زلت على الخط؟..
قالت وعد وهي تحاول السيطرة على دهشتها وتوترها: اجل..
واردفت وهي تعقد حاجبيها: ولكن من اين حصلت على رقم هاتفي؟..
قال طارق بابتسامة باهتة: ليست بمشكلة على من يعرف اسمك بالكامل..
واستطرد بهدوء: ربما تتساءلين الآن عن سبب اتصالي بك.. اليس كذلك؟..
اجابته وهي تزدرد لعابها: بلى..
اكمل قائلا: لقد اتصلت بك لأخبرك بشيء ما..
تساءلت بفضول: وما هو؟..
ابتسم طارق ومن ثم قال: يمكنك العودة الى الصحيفة منذ اليوم ان اردت..
صاحت بانفعال: ماذا تقول؟..
ثم انتبهت الى انفعالها فاخفضت صوتها ومن ثم قالت: اعني.. اأنت متأكد مما قلته؟..
قال طارق وابتسامته تتسع: تمام التأكيد والا لما كنت لاتصل بك.. فقد فضلت ان اخبرك انا بنفسي عن هذا الخبر لاني اعلم بانك ستفرحين كثيرا اذا علمت بأمر عودتك الى الصحيفة..
قالت متسائلة: ولكن.. لم تم اعادتي الى الصحيفة من جديد وانت تعلم ان رئيس التحرير لن يتراجع عن امر الفصل المؤقت الا اذا تراجعت انا عن موضوعي..
قال طارق بابتسامة ساخرة بعض الشيء: يبدوا وانه قد اقتنع اخيرا بصدق موضوعك..
واردف قائلا بلهفة: هه..متى ستحضرين الى الصحيفة؟..
قالت في سرعة: بعد ساعة على الاكثر ستجدوني بينكم..
ابتسم طارق وقال: انتبهي في طريقك للسيارات فلا تدعي سعادتك للقدوم الى الصحيفة..تجعلك تحطمين سيارات الآخرين..
قالت وهي ترفع حاجبيها بغرابة: ماذا قلت؟..
ضحك قائلا: لا شيء ابدا.. الى اللقاء واراك بخير..
اغلقت وعد الهاتف ومن ثم لم تلبث ان هتفت في سعادة: سأعود الى الصحيفة من جديد.. واخيرا سأعود.. يالسعادتي..
واردفت بصوت هامس: ها انذا سأعود اليك يا طارق من جديد..انتظرني..
********
حاولت وعد بقدر الامكان ان تخطوا خطوات بطيئة وحذرة بحيث لا ينتبه احد الى وصولها الى القسم.. وما ان وصلت عند الباب حتى دارت بعينيها للمكان الذي لم يكن يضم بداخله سوى احمد وطارق.. ربما كانت نادية في مهمة ما..ومن ثم طرقت الباب بخفوت وهي تقول محاولة تغيير صوتها: الاستاذ احمد والاستاذ طارق.. المدير يطلبكما.. ويبدوا انه ينوي طردكما..
رفع طارق رأسه عن الاوراق التي بين يديه بحدة وهو يتطلع بدهشة الى الواقفة بجانب الباب.. في حين ابتسم احمد ابتسامة واسعة ومن ثم قال : اخبري المدير اننا لسنا مستعدون للطرد هذا الاسبوع .. فلدينا مسئوليات كبيرة على عاتقنا..
ضحكت وعد بمرح ومن ثم قالت: يبدوا وانه يريد ان يكتفي بصحفي واحد بالصحيفة فحسب..
غمز احمد بعينه ومن ثم قال: وهذا الصحفي سيكون المدير نفسه بكل تأكيد..
ابتسمت بمرح.. ودارت عيناها لا اراديا الى حيث يجلس طارق .. تريد ان تراه.. تشبع عيناها برؤيته.. برؤية دفء
عينيه وبرودها بالوقت ذاته..في حين لم تكن عينا طارق قد فارقتها مطلقا.. فقد اخذت تتابع كل حركة من حركاتها وكل لمحة من ملامح وجهها.. وابتسم لها بحنان .. ووجدت نفسها ترتبك من بسمته الحنونة هذه.. ومن ثم اتجهت الى حيث مكتبها وقالت وهي ترمي نفسها عليه: لا يشعر الشخص بقيمة الشيء الا اذا فقده.. حتى لو كان هذا الشيء هو مكتب ومقعد لا اكثر..
قال احمد وهو يهز كتفيه: لقد رفض المدير اعادتك الى الصحيفة مرة اخرى وكل هذا بسبب قرار رئيس التحرير بشأنك.. وانك تحديت الاوامر.. ولولا ما فعله طارق لما سمح لـ...
قاطعه طارق قائلا: احمد.. لا داعي لان تقول مثل هذا..لقد انتهى الامر ..
التفتت وعد الى طارق وتطلعت اليه باهتمام.. قبل ان تلتفت الى احمد وتقول: ما الذي فعله الاستاذ طارق لأجل يعيدني الى هنا؟؟..
قال احمد بهدوء: لقد قدم استقالته.. وخيرهم بين امرين اما اعادتك الى هنا.. او ان يستقيل من العمل نهائيا..
رفعت وعد حاجبيها بدهشة كبيرة ومن ثم قالت: لم يكن هناك اي داعي لفعل ذلك.. كانت ثلاثة ايام لا اكثر.. وبعدها كنت سأعود الى الصحيفة..
هز احمد كتفيه ومن ثم قال: انا ايضا ارى ذلك.. ولكنه اصر على تقديم الاستقالة لان ما حدث معك كان ظلما كما قال.. وانه لا يريد ان تتعرضي لمثل هذه القرارات القاسية التي يتعرض لها هو كثيرا و...
قاطعه طارق بحدة: يكفي يا احمد..
تطلع له احمد بصمت ومن ثم قال: فليكن سأصمت وافعل ما تشاء..
التفتت وعد الى طارق ومن ثم قالت بحيرة: لماذا فعلت ذلك؟.. لماذا قدمت استقالتك؟.. ماذا لو تم قبولها؟.. ستغادرالصحيفة.. ولن نراك مجددا بيننا هنا..
قالت وعد جملتها الاخيرة والحروف تختنق بحلقها..ولم تستطع ان تواصل.. فاشاحت بوجهها وهي تحاول التماسك قليلا..وشعر طارق بالعطف تجاهها فقال وهو يهمس باسمها بحنان: وعد..
ظلت مشيحة بوجهها ولم تجبه.. فقال مبتسما: انظري الي فقط..
كادت ان تلتفت اليه.. كادت ان تفعل.. لولا ان سمعت صوت احدهم يقول وهو يقف عند باب القسم: هل حضرت الآنسة وعد؟..
التفتت له وعد وانشد انتباهها لما سيقوله..في حين اردف هو قبل ان يجيبه احد: اذا لم تحضر.. اخبروها بأن رئيس التحرير يطلبها على وجه السرعة والاهمية..
قال طارق بعصبية : وماذا يريد منها؟..
هز الرجل كتفيه ومن ثم قال: لست اعلم.. يمكنك سؤاله بنفسك يا استاذ..
قالها وابتعد مغادرا.. فقالت وعد بغرابة: فيم يريدني ايضا؟..
قال احمد وهو يفكر: ربما لانه اعادك الى العمل .. فيود تحذيرك من اعادة نشر مثل تلك المواضيع..
قالت وعد وهي تعقد حاجبيها: ان كان الامر يتعلق بهذا
فعلا.. فليحلم.. لن اتراجع عن مبدأي ابدا..
ولم تلبث ان نهضت من خلف مكتبها لتخرج من القسم ومن ثم تسير بين الممرات الى ان وصلت الى مكتب رئيس التحرير..حتى طرقت باب المكتب ومن ثم دلفت الى الداخل هاتفة: هل طلبتني يا استاذ نادر؟..
قال في سرعة: بلى.. استمعي الي هناك حريق باحد المباني.. اريد منك تغطية الحدث على وجه السرعة..
قالت متسائلة: حسنا ومن سيكون معي؟..
عقد حاجبيه ومن ثم قال: لن يكون معك أحد.. ستكونين لوحدك..
قالت وهي ترفع حاجبيها بحيرة: وحدي؟..
قال بحزم: اجل وحدك.. واثبتي جدارتك في هذه المهمة واذا نجحت ستكونين صحفية فعلية بالصحيفة..
قالت بشك: هل تعني ما تقوله يا استاذ نادر؟..
قال بجدية: اجل.. فنحن في مكان عمل وليس هناك وقت للمزاح..
صمتت للحظة ومن ثم قالت: حسنا اذا انا اوافق.. امنحني العنوان فورا..
خط لها العنوان فوق ورقة صغيرة بعض الشيء ومن ثم قال برنة استخفاف: دعينا نرى جدارتك ايتها الصحفية..
قالت بتحدي: ستراها يا استاذ نادر بنفسك.. وستعلم اني اهلا لاكون صحفية..
قالتها ومن ثم اخذت العنوان وغادرت مكتبه..وكلها عزم واصرار على النجاح في هذه المهمة...
**********
اصدر هاتف ليلى رنينا متواصلا ليمنعها من مواصلة عملها.. ويجعلها ترفع رأسها عن الملفات التي بين يديها ومن ثم تلتقط هاتفها المحمول.. وارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها وهي تقول مجيبة بصوت منخفض بعض الشيء: هذا انت يا عماد ..اخبرني لم تتصل بي الآن؟..
قال عماد وهو يبتسم: اشتقت اليك..
اتسعت ابتسامتها وهي تقول: وانا كذلك.. ولكن حقا .. لم تتصل بي الآن؟..
قال وهو يستند الى مقعد مكتبه : اخبرتك انني قد اشتقت اليك والى سماع صوتك.. لم لا تصدقين؟.
- هذا فقط ما دفعك للاتصال بي؟..
قال بحنان: وهل يوجد سبب اهم من سماع صوت ليلى الحبيبة؟..
توردت وجنتاها بحمرة الخجل ومن ثم قالت وهي تتطلع لمن معها في المكتب: استمع الي يا عماد.. انا اعمل مع عدد من الموظفين والموضفات واخشى ان...
صمتت ولم تكمل فقال عماد بهدوء: لقد فهمت ما تودين قوله..انت تعنين انهم سيتحدثون عن سبب ارتباطي بك وسيظنون الامر فيه مصلحة ليس الا.. اليس كذلك؟..
ارتبكت وقالت: انت تعلم نظرة الناس الى ارتباط شخصين من طبقتين مختلقتين..وخصوصا ونحن نعمل في مكان عمل واحد.. سيظنون انني قد قمت باستغلالك او شيء من هذا القبيل..
قال عماد وهو يعقد حاجبيه: حسنا اذا سأنهي الاتصال بك الآن كما تريدين.. ولكني لست مثلك.. فلا اخشى من كلام الناس الذي لا ينتهي مهما حدث..
قالت ليلى بارتباك اشد: عماد انا آسفة.. ولكنك رجل وسيم وذا مركز والف فتاة تتمناك.. ولكن انا ...
قاطعها قائلا بابتسامة: ولكنك اجمل فتاة رأيتها في حياتي .. تمتلك اروع شخصية تعاملت معها.. يكفي انك استطعت ان تأسري قلبي..
شعرت بضربات قلبها تتسارع من كلماته وبانفاسها تضطرب.. وازدردت لعابها عدة مرات محاولة السيطرة على ارتباكها ومشاعرها.. لكنها لم تلبث ان قالت: معك حق.. فيم سيهمني حديث الناس؟..
قال عماد بابتسامة عريضة: اجل هكذا اريدك..
واردف قائلا: والآن اتركك فلدي بعض الاعمال التي يتوجب علي انهائها.. اراك بخير..
قالت مبتسمة : الى اللقاء..
قال في سرعة: ليلى..
قالت باهتمام: اجل ما الامر؟..
قال بحنان وحب: احبك..
تضرج وجهها بحمرة الخجل وقالت بتلعثم: وانا كذلك..
قال بحنان: اتركك الآن.. ولا تتعبي نفسك كثيرا بالعمل..
قالت بابتسامة مرحة: هل اسمي هذا بالوساطة؟..
قال بمرح: سمِه ما شئت.. المهم ان لا تتعب حبيبتي ليلى ابدا..الى اللقاء..
- الى اللقاء..
قالتها بشرود وهي تنهي اتصالها بعماد.. ومن ثم لم تلبث ان امسكت بهاتفها المحمول وتطلعت اليه لفترة قبل ان تهمس لنفسها قائلة وهي تحتضن الهاتف بكلتا كفيها: ( احبك يا عماد.. احبك)..
*********
اسرعت وعد تتجه الى القسم ومن ثم الى مكتبها .. لتجمع الاشياء التي ستحتاجها معها لتغطية الحدث في سرعة.. فقال احمد بدهشة: ماذا حدث؟..هل قام بفصلك مرة اخرى؟..
ضحكت وعد ومن ثم قالت: لا ابدا.. فقط ارسلني في مهمة صحفية..
عقد طارق حاجبيه ومن ثم قال: لوحدك؟..
اومأت برأسها وقالت: اجل لوحدي.. وقد قال ان نجحت فيها فسيتم اعتباري صحفية بحق بينكم..
قال احمدة مبتسما: هذا جيد جدا.. ابذلي جهدك..
اما طارق فقد قال متسائلا وهو يزيد من عقد حاجبيه: وما هو نوع هذه المهمة الصحفية.. مقابلة ام ماذا؟..
هزت رأسها نفيا ببطء ومن ثم قالت: لا.. بل سأغطي حدثا عن حريق اصاب احد المباني..
قال طارق باستنكار: انت لا تزالين مبتدأة في مثل هذه الامور .. لم تذهبي معي سوى مرة واحدة وقد كان مجرد حادث.. ومع هذا لم تستطيعي التصرف لوحدك.. فكيف الآن؟..
قالت وعد بهدوء: سأحاول ان افعل كل ما استطيع.. حتى اكون صحفية مثلكم تماما ولست تحت التمرين فحسب..
قال طارق باستنكار اكبر: لن تستطيعي التصرف لوحدك.. سأذهب معك..
قالت وعد وهي تلتفت له: لقد طلب مني رئيس التحرير ان اذهب لوحدي ليعرف كفائتي ..كان هذا هو شرطه.. وانا وافقت عليه..
صمت طارق ولم يعلق وهو غارق في تفكير عميق.. في حين نهضت وعد من خلف مكتبها وقالت بمرح مصطنع لتخفي توترها من هذه التجربة الجديدة ومن خوفها من فشلها فيها: ادعو لي بالتوفيق.. وان انجح في هذه المهمة..حتى اغيظ رئيس التحرير قليلا..
قال احمد وهو يغمز بعينه: هذا اهم سبب يدعونا ان نتمنى لك النجاح..
ابتسمت وعد بخفوت وهي تتحرك مغادرة القسم.. حين شعرت فجأة بكف تمسك معصمها.. فالتفتت بدهشة الى صاحبها وسمعته يقول: لن تذهبي وحدك.. سأذهب معك..
قالت وعد وهي تزدرد لعابها: استاذ طارق.. دعني اذهب ما دام هذا هو شرط رئيس التحرير الوحيد ليعتبرني صحفية في هذه الجريدة..
قال طارق بحزم: لن تعرفي التصرف وحدك وخصوصا مع الاضطراب الحاصل بسبب الحريق..لهذا سأذهب لرئيس التحرير لاطلب منه ان أذهب معك..
قالت وعد وهي تهز رأسها نفيا: لن يوافق..
قال طارق باصرار: بل سيوافق..
قالت وعد وهي تعقد حاجبيها وتقول بعناد فجأة: حتى لو وافق انا لن اوافق.. اريد ان اعرف كفائتي انا ايضا وهل اصلح لاكون صحفية في هذه الجريدة ام لا..
شعر طارق بالدهشة من ردها للحظة لكنه مالبث ان قال بصرامة: وعد لا داعي لهذا العناد.. قلت اني سأذهب معك..
قالت بعناد اكبر: وانا قلت لا.. دعني اتصرف لمرة واحدة لوحدي واعرف قدرتي وكفائتي..
قال طارق بصرامة اكبر: انت لن تحسني التصرف ابدا.. لانك وبكل صراحة لا تفهمين شيئا في مثل هذه الامور.. انك حتى لم تتلقي أي تدريبات عليها..
تدخل احمد اخيراوهو يقول: طارق .. انها على حق.. دعها تذهب..
التفت له طارق وقال باستنكار وحدة: ماذا تقول؟..
قال احمد وهو يهز كتفيه: اقول انها على حق.. فمن حقها ان تحصل على فرصتها لتتعرف على مهارتها في هذا المجال..
قال طارق بدهشة من كلماته: ولكنها لم تتلقى أي تدريب و...
قاطعه احمد قائلا: حتى انا لم اكن قد تلقيت أي تدريب يوم ان تم ارسالي في مهمة مشابهة..
قال طارق ببرود: لقد كان الامر مختلفا بالنسبة لك.. فأنت كرجل تستطيع تدارك الموقف.. اما هي فلن تستطيع و...
قاطعته وعد هذه المرة قائلة: ولم؟.. الأني فتاة فقط؟.. استاذ طارق دعني اغادر من فضلك..
لم يستجب لها وظل ممسكا بمعصمها فقالت وعد برجاء وهي تطلع اليه: ارجوك..
لم يعلم لم اطاعها باستسلام بعد ان شعر برنة الرجاء في صوتها..افلت يدها و تركها تذهب لمجرد انها قد ترجته ..هل شعر بالشفقة تجاهها؟.. ام ان مشاعره لها باتت اقوى من تفكيره حتى..ومن ان يرفض طلبا لها..
وتابعها بنظراته وهي تغادر القسم.. ولم يعلم لم شعر بانقباض في قلبه وهو يراها تغادر المكان..وكأن شيئا ما سيحدث لوعد.. شيئا ليس جيدا.. ليس كذلك ابدا...

جنــــون 11-23-2011 01:32 AM

*الجزء الخامس والعشرين*
(هل ستصاب بمكروه؟)

انطلقت وعد بسيارتها الى العنوان الذي خطه رئيس التحرير على تلك الورقة.. وهي تحاول تمالك التوتر الذي يرجف اطرافها احيانا.. هذه اول مهمة صحفية لها .. وستكون وحدها فيها.. دون مساعدة احد.. وعليها ان تنجح فيها لان بناءا على نجاحها سيتحدد اذا ما كانت اهلاً لان تكون صحفية ام لا.. هذا يعني انها يجب ان تتصرف بكل مهارة ..وعليها ان تبذل كل ما في وسعها.. لتثبت جدارتها امام رئيس التحرير اولا.. وامام طارق ثانيا.. ونفسها ثالثا..
وما ان وصلت الى المكان المقصود.. حتى شعرت باضطرابها وتوترها يتضاعف نظرا لكل تلك التجمعات من الناس حول ذلك المبنى المحترق.. بالاضافة الى سيارات الاسعاف والشرطة والمطافئ المنتشرة بالمكان..
واخذت تحاول تذكر ما فعله طارق بالمرة السابقة حتى سمحوا له بالتصوير وبالدخول الى المنطقة.. واخيرا ادركت ان الصحافة وحدها هي التي لها الصلاحية لمثل هذه الامور.. فبطاقتها المهنية ستقدم لها هذه الصلاحية التي تنشدها..
واسرعت تخرج من السيارة لتتوجه نحو المبنى .. ولكن احد الشرطة استوقفها وهو يقول بصرامة: ممنوع يا آنسة..
قدمت له وعد بطاقتها المهنية فقال وهو يقرأها باهتمام:هل انت وحدك هنا ام هناك آخرون غيرك من الصحافة؟..
اجابته وعد قائلة: كلا ليس هناك آخرون.. انا وحدي هنا..
قال الشرطي وهو يعيدلها بطاقتها: حسنا اذا انتبهي جيدا.. فلا اظن ان المكان آمن تماما..
اسرعت تقول وهي تخرج جهاز التسجيل من حقيبتها: هل تسمح لي اذا بتوجيه بعض الاسألة لك؟..
تطلع لها من غير اهتمام ومن ثم قال: تفضلي.. ولكن بسرعة من فضلك.. فلدي اعمال اخرى..
اسرعت تقول: حسنا.. اخبرني بوقت هذا الحريق واسبابه؟..
واستمر حوارها مع هذا الشرطي لعدة دقائق اخرى وهو يجيبها عن اسألتها بلامبالاة.. واخيرا قالت: شكرا لتعاونك وعلى تقديم الاجابة على اسألتي..
لم يهتم باجابتها واكتفى بان هز رأسه بخفوت.. فاتجهت لتسأل رجال المطافئ والاسعاف ومن شاهدوا الحريق من الناس.. وبعد ان انتهت من كل هؤلاء.. اخرجت الكاميرا الرقمية من حقيبتها .. لتقوم بتصوير المبنى الذي التهمته النيران من عدد من الزوايا.. وشعرت بالخوف وهي تقترب من مستوى ذلك المبنى.. وترى المصابين من هذا الحريق ..ولكنها تمالكت نفسها لتكمل التصوير..
وربما كان خطأها الوحيد بانها قد قامت بالتصوير بعد ان انتهت من توجيه الاسألة..مما قد يسبب ان تختفي معظم اللقطات المهمة التي ستحدث في بداية الحدث.. ولكنها لم تنتبه لخطأها هذا.. بل ابتسمت بسعادة بعد ان انتهائها هذا العمل وعلى النحو الذي اشعرها بأنها قد قامت بعمل كبير جدا..
واخرجت هاتفها المحمول من جيبها..لتتصل بطارق وتخبره انها انتهت ولتطمئنه عليها.. لم تعلم لم ستتصل ..ولكنها شعرت بأنه كان قلقا عليها لهذا ستطمئنه عليها فحسب ولن تزيد في الحديث معه.. وضغطت رقمه ومن ثم زرالاتصال.. ولكنها لم تلبث ان انهته في سرعة.. لا داعي للاتصال به.. انها ستذهب الآن له على اية حال.. وسيطمئن عليها.. وربما ما تريده هو ان تستمد منه هذا الاطمئنان ولتتخلص من خوفها الذي اخذت تشعر به وهي في هذا المكان لوحدها وترى كل هذه المشاهد..
وتوجهت بهدوء الى حيث سيارتها وفتحت بابها الجانبي لتضع عليه اوراقها وحاجياتها.. وكادت ان تدور حول مقدمة السيارة لتحتل مقعد القيادة..ولكن ...
(ها قد التقينا من جديد يا ايتها الجميلة)
استدارت وعد بحدة الى مصدر الصوت..وشهقت بالرغم منها وهي تتطلع الى ذلك الشاب الوقح الذي تعرض لها ذات يوم بجوار المصنع..وظلت عيناها جامدتان وهي تراه يتقدم منها فقال هو بسخرية وهو يقترب: مصادفة جميلة اليس كذلك؟..
تمالكت نفسها وقالت بتحدي وسخرية: لا اظنها ستكون كذلك بالنسبة لك..
قال وهو يهز كتفيه باستهزاء: لا تزالين طويلة اللسان..
قالت باستهزاء اكبر: وانت لا تزال صغيرا وتافها..
تطلع اليها بغضب ولكنه قال ببرود: اين صديقك ذاك؟.. لا اراه معك..
قالت وهي تلوح بكفها: من رأيته في تلك المرة ليس صديقي بل مجرد زميل لي بالعمل..
قال وهو يضحك بسخرية: حقا؟ .. ولهذا كاد ان يجلب لنفسه المشاكل لاني قد تعرضت لك بالطريق..
قالت ببرود: وها انتذا قلتها.. انك تعرضت لي.. لهذا ابتعد والا ناديت لك رجال الشرطة..
قال وهو يمط شفتيه: لن يسمعك احدهم.. جميعهم منشغلون بما هو اهم..
ظلت صامتة لفترة وهي تحاول ان تفكر بما قاله.. ان كان ما قاله خداعا ام لا.. وتطلعت الى رجال الشرطة المنتشرون بالمكان والذي كان شغلهم الشاغل هو المساعدة في انقاذ من بقي محتجزا بذلك المبنى..
و ما لبثت ان استدارت عن ذلك لشاب وتوجهت الى حيث مقعد القيادة وفتحت باب السيارة.. حين فوجئت بقبضة تغلقه وصاحبها يقول بسخرية: لحظة.. لم ننهي حديثنا بعد..
تطلعت اليه بغضب ومن ثم قالت: كيف تجرؤ؟؟.. ابتعد عن طريقي والا...
قاطعها باستهزاء: والا قمتِ بنداء صديقك التافه ذاك .. اليس كذلك؟..
قالت بخشونة: ما التافه الا انت..
قال وهو يميل باتجاهها: استمعي الي يا فتاتي .. ربما كان هذا الكلام كبيرا على سنك.. ولكن لن يمضي ما حدث في المرة الاخيرة على خير..واخبري صديقك الاحمق بانه لا يرعبني مطلقا بسخافاته..
قالت بعصبية: وما الذي حدث لك يا هذا ؟.. انت من اعترضت طريقي..( ومن يطرق الباب عليه ان يسمع الجواب)..
قالتها ومن ثم عادت لتفتح الباب من جديد وفي هذه المرة امسك بمعصمها وقال وهو يرفع حاجبيه بسخرية: ما بالك يا فتاة؟.. الم تسمعي ما قلته؟.. حديثنا لم ينته بعد..
جذبت معصمها من كفه وقالت بغضب : اياك وان تحاول ان تمسك بمعصمي مرة اخرى .. اتفهم..
قال وهو يضحك بقوة: يا الهي.. لقد ارعبتني بشدة بتهديدك هذا..
هتفت وعدقائلة بانفعال: قلت ابتعد عن طريقي الا تفهم .. ابتعد..
- واذا لم افعل؟..
- لا تظن اني غير قادرة على الدفاع عن نفسي..
مال نحوها وامسك بذراعها بجرأة وقال باستهزاء: احقا؟.. وماذا ستفعلين يا ايتها الـ....
بتر عبارته بالرغم منه.. فقد هوت كف وعد على وجنته بصفعة اودعت فيها كل غضبها وهي تصرخ فيه هاتفة: ايها الوقح..
لا تعلم وعد كيف فعلت ذلك.. لقد وجدت نفسها تصفعه لا اراديا.. للدفاع عن نفسها.. امام وقاحته وجرأته.. ولتثبت له انها قارة على تحديه والدفاع عن نفسها.. وشعرت بالقلق والخوف وهي ترى نيران الغضب قد اشتعلت بعيني ذلك الشاب نتيجة لما فعلته.. وقال بقسوة: ستندمين.. اقسم على ذلك.. ستدفعين ثمن هذه الصفعة غاليا..
توتر جسد وعد بالرغم منها وشعرت بانفاسها تضطرب.. واخذت تلهث بقوة وهي نحاول تمالك نفسها.. واستجماع قوتها للتصدي لمثل هذا الشاب الوقح.. ضربات قلبها اخذت تسرع وهي ترى نظرات ذلك الشاب لها والمليئة بالقسوة والغضب..
ولكن...
جسدها ما لبث ان ارتجف في قوة.. وعيناها لم تلبثا ان استدارتا الى الشخص الذي تقدم منهما وقال بصوت يمتلئ بالصرامة والغضب: ليس قبل ان تدفع انت ثمن كل كلمة خرجت من بين شفتيها غضبا..
همست وعد باسمه لا اراديا وقالت بسعادة وجسدها يرتجف من الانفعال: طارق..
التفت لها طارق وتطلع لها بحنان.. قبل ان يعيد انظاره الى ذلك الشاب وقال وقد اختفت نظرة الحنان من عينيه لتحل محلها نظرة مليئة بالغضب: والآن جاء وقت تصفية الحساب..
**********
تريدون ان تعلموا كيف وصل طارق الى وعد؟.. وما الذي جاء به الى حيث المبنى؟.. وكيف علم بمكانه؟.. اليس كذلك؟.. لا بأس .. دعونا نعود بالزمن الى الوراء قليلا ..وبالمكان الى حيث الصحيفة تحديدا..عندما كان طارق يجلس على مكتبه متوترا وهو يقول: ليتني ما تركتها تذهب لوحدها..
قال احمد بغرابة: لا داعي لكل هذا .. انها ليست طفلة.. وقد خاضت تجربة مشابهة لهذه تقريبا معك..
قال طارق بحدة: لكن هذه الرة ستكون وحدها.. ثم اني...
بتر عبارتها واكملها بزفرة حادة انطلقت من صدره تحمل توتره وقلقه.. فسأله احمد باهتمام: ثم انك ماذا؟..
قال طارق بقلق: لا اعلم ولكني اشعر بانقباض في صدري منذ ذهبت.. وبالضيق يسيطر على ذهني..
قال احمد بهدوء: تفاءل بالخير وستجده باذن الله..
قال طارق وقد تضاعف قلقه: ولكنها لا تزال مبتدأة واخشى ان ....
صمت ولم يكمل..وفي اللحظة ذاتها انطلق رنين هاتفه المحمول فاسرع يختطفه..وتطلع الى الرقم الذي يضيء على شاشته قبل ان يجيبه قائلا بتوتر: الو .. اهلا وعد..
لم يتلقى ردا فصاح هاتفا: وعد..هل تسمعيني ؟..وعد..
انقطع الخط بغتة منهيا الحديث ولكنه اخذ يهتف وكأن الاتصال لا يزال قائما: وعد.. اجيبي..
التفت له احمد وقال بدهشة: ماذا بك؟..
قال طارق بتوتر وهو يبعد الهاتف عن اذنه: انها وعد... هي من اتصلت..
قال احمد وهو يزفر بحدة: اعلم ذلك.. وبعد..
قال طارق وهو يدس اصابعه في خصلات شعره بعصبية: لم تنطق بحرف واحد.. وانهت الاتصال..
قال احمد بغرابة وحيرة: انهته؟؟..ولم؟؟
قال طارق بعصبية اكبر: وما ادراني انا؟..
قال احمد بهدوء: اهدأ لا داعي لكل هذا الانفعال واجلس لنفكر معا..
قال طارق وهو يخرج من القسم: لا بل سأذهب لها.. ان شعوري بالضيق لم يفارقني اليوم للحظة..
قال احمد وهو ينهض من خلف مكتبه: الى اين ؟.. انت لا تعرف بمكانها حتى..
قال طارق وهو يبتعد اكثر: سأتصرف..
وتوجه لمكتب رئيس التحرير.. فأوقفته السكرتيرة قائلة: ماذا هناك يا استاذ طارق؟..
قال وهو يحاول السيطرة على اعصابه: اريد مقابلة رئيس التحرير واخبريه ان الامر هام..
- انتظر لحظة..
قالتها ودلفت لى داخل المكتب للحظات ومن ثم عادت لتخرج منه وهي تقول: تفضل بالدخول انه ينتظرك..
اسرع طارق بالدخول الى المكتب وسأله رئيس التحرير بهدوء قائلا: ماذا هناك؟..
قال طارق في سرعة: اريد العنوان الذي ارسلت الآنسة وعد اليه..
قال رئيس التحرير وهو يعقد حاجبيه: ولم؟..
صمت طارق وهو لا يعلم بم يجيب في حين استطرد رئيس التحرير قائلا: هل تفكر بمساعدتها بالتقرير؟..
اسرع طارق يقول: كلا .. ولكنها اتصلت بي لتطلب مني الحضور اليها..
- ولماذا لم تمنحك العنوان ما دامت اتصلت بك؟..ثم لم اتصلت؟..
يا لرئيس التحرير هذا.. لا يفوته شيء ابدا.. وقال طارق بحزم مصطنع: لقد توقفت سيارتها بالطريق وطلبت مني ان أذهب لها لمساعدتها.. ولم تخبرني العنوان لان هاتفها قد انقطع فجأة ولا اعلم السبب..
قال رئيس التحرير بشك:ولم لا تأخذ سيارة اجرة اذا؟..
ياله من داهية.. مترصد لكل شيء..وقال طارق وهو يلوح بكفه: لقد.. لقد نست محفظتها بالمكتب ولم تأخذها معها..
قال رئيس التحرير بشك اكبر: نستها؟؟..
اومأ طارق برأسه وقال باندفاع (الا يقولون ان خير وسيلة للدفاع هي الهجوم): اجل والآن هلا اعطيتني العنوان قبل ان تسبقنا أي صحيفة أخرى بنشر الخبر..
تردد رئيس التحرير قليلا ولكنه ما لبث ان خط العنوان على احد الاوراق وهو يقول: سأمنحك اياه.. ولكن حذار من ان تساعدها بتقريرها..
قال طارق بصدق: لن افعل..
قال رئيس التحرير: سأخذها منك كلمة شرف..
اومأ طارق برأسه ومن ثم غادر المكتب في سرعة ليغادر المبنى كله بعدها وينطلق بسيارته..دون ان يبالي يهتاف الناس المحتج او بأبواق السيارات التي انطلقت لتحذره من هذه التجاوزات والسرعة التي ينطلق بها.. لكن كل هذا لم يهمه..كل ما كان يهمه هو ان يصل الى وعد بأسرع ما يمكنه..
وتراءى له المبنى من بعيد.. فبحث بعينه بلهفة بين جماعات الناس عن وعد.. واخيرا لمحها .. لم تكن وحدها بل كانت مع ذلك الشاب الذي صادفه ذات مرة بجوار احد المصانع..وقد بدا على وجهها امارات الغضب والعصبية وهي تتحدث اليه.. وهنا خرج طارق من سيارته في سرعة ليتجه الى وعد وشاهدها في تلك اللحظة تصرخ بقوة: ايها الوقح..
وتكمل صرختها بصفعة على وجه ذلك الشاب.. تطلع طارق الى الموقف بدهشة لكنه مالبث ان عقد حاجبيه وهو يقترب منهم....
*********
دقيقة صمت مرت بعد عبارة طارق الاخيرة.. واخيرا قال ذلك الشاب وهو يلتفت الى طارق بتحدي: اجل انه وقت تصفية الحساب والاجساد ايضا..
قال طارق بصرامة: دع الفتاة وشأنها اولا.. والا اقسم على ان تندم..
تطلع الشاب الى وعد بكره ومن ثم دفعها بقسوة بعيدا عنه وهو يقول: لا حاجة لي بمتوحشة مثلها..
تراجعت وعد عدة خطوات الى الوراء اثر دفعته وصاحت به: ايها الوغد.. ما المتوحش الا انت..
اشار طارق لها بالصمت ومن ثم قال: ابتعدي انت عن المكان.. لا اريد ان تحدث اية مشاكل لك..
قالت وعد باستنكار: بل ان المشاكل قد حدثت بالفعل..
قال طارق وهو يعقد حاجبيه بصرامة: فقط ابتعدي انت عن المكان..وانا سأتصرف..
قال الشاب بسخرية: وماذا ستفعل؟..
قال طارق وهو يتطلع الى نقطة ما خلف الشاب: انظر خلفك لتدرك اني استطيع ان ازج بك بالسجن في لحظة..
قال الشاب بسخرية اكبر: لن يهتم أي من رجال الشرطة بامرك..
قالها ومن ثم اندفع نحو طارق وهو يكور قبضته.. وشهقت وعد بخوف وهي تتراجع بضع خطوات الى الخلف..وابتعد طارق عن قبضة الشاب التي كانت تشق الهواء املا في الوصول الى وجهه.. واسرع طارق يمسك بقبضة ذلك الشاب وهو يقول بصرامة: لا تزال صغيرا على تعلم مثل هذه الالعاب يا فتى..
قال الشاب بغضب: دعني يا هذا..
لوى طارق ذراعه خلف ظهره ومن ثم دفعه بقوة وقال: ابتعد واياك ان ارى وجهك مرة اخرى.. او اقسم على ان يصيبك مالا يرضيك..
اصطدم الشاب بسيارة وعد بقوة اثر دفعة طارق .. مما جعل براكين الغضب تتأجج بداخله .. وهو يفكر بالثأر لنفسه ولكرامته وهزيمته امام طارق هذا..واسرع باخراج شيئا من جيبه والتفت لطارق وقال بسخرية: دعنا نرى الآن .. كيف ستدافع عن نفسك..
اتسعت عينا وعد وقالت بصوت مرتجف: خنجر!!..
شد الشاب قبضته على الخنجر ومن ثم صرخ وهو يندفع نحو طارق : سيكون موتك على يدي..
عقد طارق حاجبيه واسرع يبتعد بضع خطوات الى الخلف ليتفادى نصل الخنجر.. وشعر طارق بالخنجر يشق الهواء الى صدره .. وسمع صرخة وعد وهي تهتف به بخوف وتحذير: طــــارق..انــــتــــبــــه!!...
لم يجد طارق امامه حلا سوى ان يحمي صدره بذراعه.. وأخفت وعد وجهها بكفيها وغير قادرة على متابعة ما يحصل.. وسمعت بغتة صوت تأوه يصدر من شفتي طارق .. ففتحت عيناها .. وما ان فعلت حتى صرخت بخوف: طارق...
والتفتت الى الشاب لتقول بصوت منفعل ومرتجف وهي تتقدم منه: ايها الوغد الحقير.. ستندم على ما فعلته.. سأرد لك الصاع صاعين على ما فعلته.. ايها الجبان الوغد..
كانت ذراع طارق تنزف بشدة اثر نصل الخنجر الذي مزق كم قميص طارق ليمزق جلد ذراعه.. مخلفا جرحا عميقا.. لا تتوقف الدماء فيه عن النزيف..
قال طارق في تلك اللحظة وهو يشير لها بكفه السليمة: لا تقتربي اخشى ان يؤذيك هذا الحقير..
أي انسان هو هذا.. هو بحالة لا يعلم بها سوى الله مما اصابه.. وكل هذا لاني اقحمته في مشكلتي مع هذاالحقير.. ومع هذا يفكر بي وان لا يصيبني أي مكروه.. على الرغم من اني انا سبب اصابته تلك..
وهمت وعد بقول شيء ما لولا ان ارتفع صوت صارم بالمكان وصاحبه يقول: ما الذي يحدث هنا؟..
تطلعت وعد الى رجل الشرطة الذي كان يقف خلفهم و طالعه ذلك الشاب بدهشة ممزوجة بالتوتر وهو يحاول اخفاء الخنجر الذي يمسك به بكفه.. اما طارق فقد تطلع بصمت الى ما يحدث ..وبغتة صاحت وعدفي رجل الشرطة هاتفة وهي تحاول ان تخفي الارتجاف من رنة صوتها : بل ماذا تفعلون انتم هنا؟..كل هذا الذي حدث امامكم ولا تحاولون التدخل حتى..
عقد رجل الشرطة حاجبيه وقال: وما الذي حدث؟..
احتدت وعد وقالت بغضب وغصة تملأ حلقها: الا ترى ما يحدث امامك؟.. ان ذراع زميلي مصابة.. وكل هذا بسبب هذا الوغد الذي هاجمه بهذا الخنجر..
قالتها وهي تشير الى الشاب بانفعال.. فالتفت الشرطي الى هذا الاخير وقال: اعطني الخنجر..
قال الشاب وهو يهز كتفيه متصنعا اللامبالاة: لقد كنت ادافع عن نفسي به..
اتسعت عينا وعد للحظة من كذبته المتقنه هذه وكادت ان تعترض لولا ان قال الشرطي بصرامة اكبر: قلت اعطني الخنجر .. وسنتفاهم بمركز لشرطة..
مط الشاب شفتيه بقهر وهو يسلمه الخنجر فقال الشرطي بحزم: بطاقاتكم الشخصية لو سمحتم...
سلمته وعد بطاقتها وسلمه ذلك الشاب ايضا.. واسرعت الاولى تلتفت لتتطلع الى طارق الذي كان يمسك بذراعه بقوة محاولا ايقاف النزيف.. وترك ذراعه للحظة ليخرج البطاقة من جيب سترته بذراعه السليمة والتقطها بانامله الملطخة بالدماء ..وكاد ان يتوجه الى حيث الشرطي ليسلمه البطاقة لولا ان رأى كف وعد تلتقطها من كفه وهي تقول بحنان امتزج بخوفها عليه: سآخذها انا اليه.. اهتم انت بذراعك..
تطلع لها طارق ومن ثم قال وهو يحدث نفسه بسخرية : ( هذا ما كان ينقصني يا وعد.. ان اصبح موضع شفقة لديك!!)
في حين انتهى الشرطي من تسجيل بياناتهم فقال بحزم: اتبعوني الى مركز الشرطة بسياراتكم..
قالت وعد باستنكار: ولكن ذراع زميلي تنزف وهو بحاجة الى اسعاف عاجل..
- يمكنه الحصول على هذا الاسعاف بعد ان يدلي باقواله..
قالت وعد بعصبية: ولكن هذا قد يزيد حالته سوءا و...
قاطعها طارق قائلا: لا داعي لكل هذا.. سأذهب الى المركز حيث يريد.. ومن ثم اذهب الى المشفى..
قالت وعد باعتراض وهي تتطلع اليه بقلق: ولكن يا طارق ان ذراعك لا تتوقف عن النزيف..
قال وهو يدير لها ظهره ليتوجه الى سيارته: لا بأس.. لقد خف الألم قليلا الآن..
اسرعت خلفه وقالت: انتظر لن تستطيع قيادة السيارة بذراع مصابة.. سأقودها بدلا منك..
قال في هدوء: ذراعي الاخرى على ما يرام واستطيع ان اقود السيارة بها..
اسرعت تقول: ولكني اخشى ان لا تستطيع الاكمال بذراع واحدة.. دعني اقود السيارة عوضا عنك.. لن يحدث شيء..
شعر طارق بالالم من شفقتها له..اتشفق عليه ام ماذا؟..هل اصبحت هي من تساعده بدلا من ان يساعدها هو؟..هل انقلبت الادوار هكذا فجأة..
والتفت عنها وهو يتجه نحو سيارته فلحقته وامسكت بذراعه السليمة لتوقفه هاتفة برجاء: على الاقل اصطحبني معك... حتى استطيع القيادة عوضا عنك ان تطلب الامر ..
صمت طارق للحظة قبل ان يقول: لا بأس.. اصعدي..
ارتسمت ابتسامة شاحبة وقلقة على شفتيها وهي تصعد في المقعد المجاور له ..كانت ذراعه اليمنى هي المصابة مما كان يتيح لها رؤية ذلك النزيف الذي اخذ يتدفق من ذراعه.. اما اليسرى فقد كان يستخدمها لقيادة السيارة..وشعرت بالقلق والخوف تجاهه.. ووجدت نفسها تقول بتوتر: ذراعك تنزف بشدة..
لم يجبها.. فقالت وهي تزدرد لعابها للتغلب على خوفها وارتجافة جسدها : هل لديك منديل؟..
قال وهو يومئ برأسه: اجل.. لم تريدينه؟..
- اعطني اياه فقط..
اخرج المنديل من جيبه ومنحها اياه بذراعه المصابة ببطء.. وكاد ان يعيد ذراعه الى موضعها السابق..لولا ان اسرعت وعد تمسك بكفه .. وشعر بالدهشة من حركتها هذه.. والتفت لها للحظة ونظرات الغرابة مرتسمة في عينه.. فقالت هي وهي تحاول ان تخفي الخوف البادي على وجهها: سأحاول ايقاف نزيف ذراعك..
قال متسائلا: وهل تعرفين شيئا عن الاسعاف الاولي في هذه الحالة؟..
- اشياء بسيطة.. ولكن اظن انها ستساعدني في ايقاف نزيف ذراعك ولو لفترة مؤقتة..
قالتها ومن ثم شرعت في رفع كم القميص عن ذراعه.. ورأت الجرح الغائر بذراعه.. احست بالاشمئزاز لوهلة من منظر الجرح والدماء ولكنها قررت المواصلة بالنهاية.. وقالت متسائلة مرة اخرى: هل لديك زجاجة مياه معدنية؟..
قال وهو يواصل قيادة السيارة: ستجدينها في الدرج الذي امامك..
التفتت عنه لتفتح الدرج وتخرج زجاجة المياه المعدنية وواصل طارق قائلا ربما ليبدد جو التوتر الذي سيطر عليهما: استخدمها احيانا لتبريد محرك السيارة..
قالت وهي تلتقط انفاسها وتحاول فتح غطاء الزجاجة : جيد انك تحتفظ بواحدة في سيارتك.. لو كنا بسيارتي لما وجدت الممياه لتنظيف الجرح..
قال متسائلا بحيرة: الا تحتفظين بزجاجة مياه بسيارتك؟..
قالت وهي تهز رأسها نفيا وتغمس المنديل بالمياه : لا .. ولكني سأفعل لتجنب مثل هذه المواقف..
قال بابتسامة: أي مواقف تعنين؟.. اصابة ذراعي ام توقف السيارة بالطريق؟..
اجبرتها ابتسامته على ان تبتسم على الرغم من الاضطراب الذي يسيطر على جسدها باكمله وقالت: الاثنين على ما اظن..
اتسعت ابتسامته واختلس النظر اليها ليجدها تنظف الجرح بواسطة الماء .. احس بلمسات كفها الرقيقة.. وشعر باهتمامها وحنانها بالوقت ذاته.. ترى لماذا تهتم لأمره؟.. هل هو اهتمام.. اعجاب.. ميل.. ام ماذا؟..هل تبادلني مشاعري ام انني سأظل احلم طويلا ان احيا بسعادة مع الفتاة التي اختارها قلبي؟.. اخبريني يا وعد لم تهتمين لامري؟ ..لم؟؟..
كانت وعد في تلك اللحظات قد انتهت من احكام ربط المنديل حول ذراعه حتى يتوقف النزيف.. ورفعت رأسها اليه لتفول بابتسامة شاحبة بعض الشيء: ها انذا قد انتهيت.. ما رأيك؟..
تطلع الى ذراعه للحظة قبل ان يتطلع لها ويقول بحنان: اشكرك على الاهتمام لامري..
قالت وهي تتنهد: لا داعي فأنا كنت سبب اصابتك تلك..
قال بهدوء: هل تتوقعين ان اقف مكتوف اليدين وانا اراك بمشكلة ما؟..
قالت وهي تهز رأسها نفيا: لا..لا اظن..
والتفتت لتطلع من خلال النافذة بشرود.. وشعر هو بضربات قلبه تزداد.. وهو يراها مهتمة لامره الى هذه الدرجة.. وقال بهمس وهو يمسك بكفها بحنان: وعد...
شعرت بالرجفة تسري في اطرافها من لمسة يده.. وشعرت بحرارة جسدها ترتفع وبانفاسها تضطرب كلما شعرت بالحنان والاهتمام لها في رنة صوته.. وقالت بتوتر وارتباك: ماذا؟..
كان من الممكن ان يعترف لها بحبه في تلك اللحظة... ان يصرخ فيها هاتفا (احبك يا ايتها العنيدة.. احبك بكل ذرة في كياني.. لم اعد استطيع التحمل.. اريدك ان تعلمي.. ان تفهمي حبي هذا.. وتبادليه بآخر.. احبك يا من كنت لي حلما يوما.. احبك)..
لولا...
كثيرا ما تكون هذه الكلمة فاصلا بين ما نريد وما لا نريد.. كثيرا ما توقف وقوع الحدث.. وقد فعلت..فقد كاد طارق ان يصرّح بحبه لوعد.. لولا ان اشار له الشرطي بالتوقف عند احد المباني..مما جعل الاحباط يتسلل اليه ويفقد الامل على ان تعرف بحبه هذا يوما.. فلحظة ان قرر الاعتراف بحبه.. لم يجد الفرصة.. وعندما وجدها تلاشت في الهواء مع اوامر ذلك الشرطي..
وعادت وعد لتكرر السؤال بتوتر: ماذا هناك يا طارق؟..
قال وهو يترك كفها بهدوء : لقد وصلنا..
تطلعت اليه وعد بدهشة ومن ثم لم تلبث ان التفتت الى المبنى الذي توقف عنده طارق.. فزفرت بحدة وقالت: اجل.. لقد وصلنا..
هبطت برفقته من السيارة وهما يتوجهان الى داخل المركز.. وعينا طارق تتابعان وعد اينما تذهب.. وذهنه لا يكف عن التفكير بها ولو للحظة...

جنــــون 11-23-2011 01:32 AM

*الجزء السادس والعشرين*
(هل ستعلم؟)


قال ضابط الشرطة بحزم وهو يتحدث الى طارق: اخبرني يا سيد .. ما الذي حدث؟.. ولماذا حاول هذا الشاب اذيتك؟..
قال طارق بهدوء: انا صحفي من جريدة الشرق قد جئت مع زميلتي لتصوير حدث احتراق المبنى.. ولكن هذا الشاب الوقح تعرض لزميلتي من قبل وتعرض لها اليوم ايضا.. وقد حاول مهاجمتي بالضرب ولكنه لم يستطع .. لهذا لم يجد امامه سوى ان يهاجمني بسلاحه وانا اعزل وهو يظن اني لن استطيع الدفاع عن نفسي في هذه الحالة..
سأله الضابط قائلا: ولم حاول ان مهاجمتك بالضرب منذ البداية؟..
اسرع ذلك الشاب يقول: لانه قد قام بمهاجمتي بالضرب اولا..
اتسعت عينا وعد وقالت بحدة: يالك من كاذب..
التفت الضابط الى الشاب وقال: اصمت انت.. اذا سألتك أجب .. اتفهم..
والتفت الى طارق ليكرر سؤاله قائلا: اخبرني لم حاول مهاجمتك بالضرب في البداية؟..
قال طارق وهو يزفر بحدة: لاني حاولت الدفاع عن زميلتي..
عقد الضابط حاجبيه وقال: ولم تدافع عنها؟.. مالذي حاول هذا الشاب فعله؟..
اسرعت وعد تقول: هل تسمح لي بالاجابة انا يا سيدي؟..
التفت لها الضابط وقال: تحدثي..
قالت وعد وهي تزدرد لعابها: لقد تعرض هذا الشاب لي قبل فترة ولكني اوقفته عند حده.. وقد كان زميلي في المرة السابقة معي ايضا.. وقد تصدى له ايضا.. ولما كنت هذه المرة وحدي وقد كان زميلي بعيدا عني.. قرر ان يثأر لنفسه.. وان ينتقم مني .. فتعرض لي وتجرأ على تهديدي والامسك بذراعي.. مما دفعني لصفعه على وقاحته هذه ..ورأى زميلي هذا وقرر الدفاع عني.. ولكن هذا الوقح قرر مهاجمته وضربه ..وعندما رأى ان زميلي خصما قويا له.. قرر استعمال الخنجر ومهاجمة زميلي به.. مما ادى الى اصابة ذراعه كما ترى يا سيدي ..
صمت الضابط مفكرا ومن ثم قال وهو يلتفت الى الشاب: والآن اخبرني انت.. لم حاولت التعرض للفتاة في الحالتين؟.. ولم حاولت مهاجمة هذا الصحفي بالضرب واصبت ذراعه بجرح عميق بخنجرك؟..
قال الشاب مصطنعا اللامبالاة: كل ما قيل كان كذبا وافتراءا علي.. لقد حاول هذا الصحفي اذيتي فدافعت عن نفسي بواسطة سلاحي..
قال الضابط بصرامة: تدافع عن نفسك بواسطة سلاحك وهو اعزل!..
قال الشاب وهو يهز كتفيه: ما باليد حيلة فقد كانت بنيته الجسدية تتيح له التفوق علي ..
قال الضابط بنفاذ صبر: ولم حاول اذيتك من الاساس كما تقول؟..
قال الشاب بمكر: لاني تحدثت الى زميلته قليلا ويبدوا انه يغار عليها الى درجة الجنون مما دفعه الى ضربي بغتة..
قال طارق بقسوة: تبا لك.. من اين تجلب كل اكاذيبك تلك؟..
والتفت الى الشرطي ليقول: سيدي تستطيع التحقق من الامر من زميلتي او من أي شخص رأى ما حصل بالطريق.. هذا الشاب قد حاول التعرض لزميلتي من قبل وصمت عنه.. لكن في هذه المرة تعدى على حدوده وامسك بذراعها امامي .. لهذا اوقفته عند حده بكلماتي.. ولكنه ثار وحاول التهجم علي بالضرب ولما تصديت له استخدم سلاحه.. وذراعي خير دليل لصدق ما اقول..
قال الضابط وهو يلتفت للشاب: هه.. ما رأيك؟..
قال الشاب وهو يلوح بيده: انه يكذب..
قالت وعد بغضب: بل انت من يختلق الاكاذيب طوال الوقت..
قال طارق متحدثا الى الضابط بنفاذ صبر: والآن ماذا يا سيدي؟..
قال الضابط وهو يزفر بحدة: لست اعلم من منكم الذي يقول الحقيقة.. ولكن في الوقت الراهن .. ستوقعان كلاكما تعهدا على عدم التعرض للآخر.. واذا عثرنا على الدليل الذي يدين أي منكما .. فسنرسل في طلبكما لنكمل الاجراءات القانونية..
ظهرت نظرة ماكرة في عيني ذلك الشاب .. وتمتمت وعد قائلة بحنق: يا له من ماكر خبيث..
ربت طارق على كتفها بهدوء ومن ثم قال: اذهبي لتجلسي وترتاحي قليلا ريثما ننهي هذه الاجراءات..
التفتت له وقالت بابتسامة شاحبة: سأظل معك..
قال طارق بابتسامة حانية : لن اتأخر.. اعدك بهذا..
وتحدث طارق الى الضابط قليلا ليسمح لوعد بانتظاره في الخارج... فسمح له الضابط بذلك بعد ان وقعت على اقوالها.. وتنهدت بحرارة وهي تلقي على طارق نظرة اخيرة قبل ان تغادر مكتب الضابط لتجلس على احد المقاعد بالخارج..
شعرت بالتعب.. بالضعف.. بأنها فتاة قبل كل شيء.. وتحتاج لمن يقف الى جوارها.. الى رجل تستمد منه الامان والقوة.. الى رجل تعتمد عليه .. يدافع عنها ولا يسمح لشخص بأن يلمس شعرة من رأسها.. شعرت بأنها اخطأت عندما اصرت منذ البداية على الذهاب وحدها .. وكان يجب عليها ان تقبل بعرض طارق.. ولكن ما حدث اليوم كان مجرد مصادفة.. فقد كاد يومها ان ينتهي بسلام لولا ما حدث..
لقد اقحمت طارق في مشاكل لا علاقة له بها.. ادخلته الى مركز الشرطة وربما يدخله لاول مرة بسببها..ماذا تفعل الآن؟.. هل هذا هو جزاء الاحسان.. لقد ساعدها مرارا ووقف الى جانبها.. شجعها.. ونصحها.. دافع عنها.. فهل جزاءه في النهاية اصابة في ذراعه.. واقرار يوقع عليه بعدم التعرض لذاك الشاب الحقير؟..
ولكن.. هناك اشياء لم تفكر فيها.. طارق.. كيف وصل اليها؟.. وكيف عرف العنوان؟.. هل تبعها؟.. لا لو كان كذلك لرأته منذ البداية.. ربما حصل على العنوان من رئيس التحرير بشكل ما وانطلق الى حيث هي.. لكن .. لماذا؟.. لماذا جاء؟.. هل كان يشعر بأنها في خطر؟ .. لا غير معقول.. اذا لماذا؟..
( وعد.. هيا سنغادر)
رفعت رأسها اليه لترى علامات التعب واضحة على ملامحه.. فقالت معتذرة: آسفة لكل ما عرضتك له من مشاكل بسببي..
وضع سبابته على شفته وقال: لا اريد سماع هذا الكلام.. انت زميلة عزيزة.. والدفاع عنك واجب علي..
تطلعت الى ذراعه وقالت بقلق وقالت: كيف حال ذراعك الآن؟..
قال بابتسامة: بخير.. بفضل اسعافاتك..
بادلته الابتسامة.. فقال هو: هيا لنغادر الآن..
قالها وهو ينتظرها ان تتحرك.. فسارت الى جواره وهما يغادران مركز الشرطة.. وما ان استقر بهما المقام في السيارة .. حتى قال طارق وهو يدير المحرك: سوف ننطلق الى الصحيفة.. لتسلمي تقريرك الى رئيس التحرير..
قالت باستنكار: ماذا تقول؟.. سنذهب الى المشفى اولا لنسعف ذراعك..
- دعك من ذراعي.. ستكون بخير..
- لا.. ثم ان تقريري قد وضعته بسيارتي عند ذلك المبنى..فالنذهب اولا الى المشفى لتعالج ذراعك ومن ثم يمكننا الذهاب الى الصحيفة..
قال طارق بتفكير: ولكننا قد تأخرنا كثيرا واخشى ان لا يقبل بتقريرك بعد ذلك..
هزت رأسها وقالت: لا يهم.. ما يهمني هي ذراعك الآن..
صمت طارق للحظات ومن ثم قال: ما رأيك ان انزلك بجوار سيارتك واكمل انا طريقي الى المشفى؟..
قالت وعد في سرعة: لا.. انت بالكاد تقود بذراع واحدة ..وتحتاج لمن يقود عوضا عنك ان احتجت لذلك..ثم ان الطريق الى المبنى يبعد مسافة طويلة نوعا ما عن هنا..
قال طارق بابتسامة: حسنا فهمت يا ايتها الزميلة العنيدة..
عقدت وعد ذراعيها امام صدرها ومن ثم قالت: جيد يا ايها الجليد المتحرك..
اتسعت ابتسماته وقال: لم اعد جليدا بعد اليوم.. لقد بات يتلاشى شيئا فشيئا..
التفتت له وقالت مبتسمة: ولم؟..
قال وهو يختلس النظرات اليها: الم اخبرك بأن صحفية عنيدة قد دخلت حياتي فجأة لتقلبها رأسا على عقب؟..
الجم الارتباك لسانها لبضع لحظات .. ومن ثم قالت مغيرة دفة الحديث: لم تخبرني.. كيف وصلت الى حيث كنت انا؟..
ادرك محاولتها في تغيير الموضوع.. وقال مجيبا: الم تتصلي بي؟..
قالت بدهشة : انا فعلت؟..لا ابدا لم....
بترت عبارتها.. وعقدت حاجبيها وهي تتذكر.. ومن ثم قالت بغتة: اجل.. لقد اتصلت لاخبرك ان كل شيء سار على ما يرام.. ولكني انهيت المحادثة في سرعة قبل ان تجيب على الهاتف..
قال طارق بهدوء:وانا شعرت بالقلق من هذه المكالمة وراودني شعور بأنك تحتاجين الي مما دفعني الى طلب العنوان من رئيس التحرير لآتي اليك..
- ومنحك العنوان بهذه البساطة؟..
قال طارق بابتسامة: مطلقا احتاج الامر الى حَبّك الموضوع واعداد قصة متقنة وبالكاد انطلت عليه..
قالت وعد بابتسامة: اعرفه.. داهية.. لا ينطلي عليه شيء ابدا..
ضحك طارق وقال: معك حق في هذا. .
وتوقف طارق الى جوار المشفى في تلك اللحظة ليقول: هاقد وصلنا الى المشفى.. خذي سيارتي وعودي بها و....
قاطعته في سرعة: لن اتحرك من مكاني قبل ان اطمأن عليك..
قال طارق وهو يهز رأسه: عنيدة..
قالت وهي تلتفت له: مغرور..
شعر بالدهشة والتفت لها قائلا: انا ؟..
اومأت برأسها بمرح وقالت: اجل انت..
رفع حاجبيه وقال بسخرية: يبدوا وانك ستجبريني على توصيلك الى الصحيفة الآن..لتعلمي من هو المغرور فعلا..
اسرعت تقول بتوتر: لا ..لا اريد العودة.. انت لست مغرورا ابدا..
قال مبتسما: جيد.. جيد..هكذا هي الفتاة المطيعة..
تطلعت اليه بحنق.. ولكن ابتسامته لا تلبث ان تجبرها على الابتسام ..فقالت مكابرة: لا تصدق كل ما يقال لك..
ضحك طارق مرة اخرى.. وهبط برفقتها .. ووعد تحمل بقلبها القلق الكبير على ذراع طارق المصابة...
**********
دعونا نترك طارق ووعد ونتوجه الى تلك الشركة الصغيرة التي غادر الموظفين فيها مكاتبهم اعلانا عن انتهاء موعد العمل.. وهم يشعرون بالراحة لانتهاء وقت العمل الشاق.. وبداية وقت الراحة الذي سيقضونه مع اسرهم.. او مع اصدقائهم..
وابتسمت تلك الموظفة بسعادة وهي تصافح احدى الموظفات وتقول: اراك بخير غدا..الى اللقاء..
غمزت الموظفة لها قائلة: سلمي لنا على المدير يا ليلى..لا تنسي..
قالت بارتباك مشوب بالخجل: لا تخشي شيئا لن انسى..
لوحت لها زميلتها بكفها قبل ان تغادر مبنى الشركة.. والتقطت ليلى نفسا عميقا قبل ان تغادر مبنى الشركة بدورها وهي تسير بخطوات هادئة بعض الشيء وشاردة .. والتقطت مفتاح سيارتها لتفتحها و...
(الى اين؟..)
انتفضت اثر الصوت الذي سمعته فجأة والتفت بحدة الى مصدر الصوت ومن ثم قالت وهي تزفر بقوة: ارعبتني يا عماد.. لا تفاجئني هكذا وانا شاردة الذهن..والا سأصاب بسكتة قلبية..
قال مبتسما: لا اظن..
قالت وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: ولم لا تظن؟..
قال مبتسما وهو يشير لها: لان بقلبك يسكن شاب يدعى عماد.. لن يسمح لأي شيء بأن يصيبك..
قالت مازحة: سأرفع من ايجار المساكن بقلبي لعله يغادره..
مال نحوها وقال بهمس: لن يتحرك من مكانه شبرا واحدا.. ولو وصلت الايجارات الى الملايين..
قالت مبتسمة وهي تتطلع الى عينيه العميقتين: اعرفه.. يبذر امواله على كل شيء..
قال وهو يغمز بعينه: كل شيءيصبح رخيصا لاجل الحصول على مكان بقلبك..
ارتبكت ليلى وتوردت وجنتاها خجلا.. فاطرقت برأسها وهي تحاول السيطرة على خجلها هذا.. فقال عماد متسائلا بغتة: هل قمت بشراء فستان لحفل الخطبة؟..
هزت رأسها نفيا ومن ثم قالت: لا ليس بعد..
قال مبتسما: جيد..
قالت بحيرة: ولم جيد؟..
جذبها من معصمها لتسير معه.. فقالت هي بغرابة: عماد ما الامر؟..
توقف امام سيارته ومن ثم قال: تفضلي الى الداخل.. فسنذهب الى مكان ما..
- واين هذا المكان؟..
قال مبتسما: لا أسألة حتى نصل..
قالت بابتسامة ساخرة: وماذا تفيد الاسألة بعد ان نصل؟..
ضحك وقال: لست اعلم.. المهم انها مفاجأة..
دلفت الى المقعد المجاور له.. واحتل هو مقعد القيادة.. لينطلق بالسيارة..وقالت والفضول وصل منها مبلغه: اخبرني الي اين نحن ذاهبان؟..
قال بابتسامة ماكرة: اذا وصلنا سأخبرك..
قالت وهي تعقد ساعديها امام صدرها: شكرا لك ففي تلك الفترة لدي عينان لأتعرف المكان بنفسي..
قال مبتسما: اذا انتظري لتعرفي المكان بنفسك..
قالت بعد وهلة من الصمت: سنذهب الى احد المطاعم .. اليس كذلك؟..
قال وهو يبتسم: لا ليس كذلك..
قالت بتفكير: اذا الى احد المجمعات او الحدائق.. او الاسواق..
قال وهو يختلس النظر لها: ولا هذا ايضا..
قالت بفضول: عماد اخبرني.. مللت الانتظار.. والفضول يكاد يقتلني..
- رويدك لم يبقى شيء ونصل..
التفتت عنه وقالت: سأنتظر ولكن لخمس دقائق فحسب..
غمز بعينه وقال: تكفيني حتى ولو اضطررت للقفز على السيارات..
ابتسمت بهدوء.. فقال هو بعد فترة من الصمت: ها قد وصلنا.. ولكن المشكلة هي كيف بامكاني العثور على موقف لسيارتي..
والتفت لها ليقول بلهجة ذات مغزى: ام تفضلين ان اسرع بالوقوف بأحد المواقف قبل ان تسبقني اليها احدى السيارات..
ارتفع حاجباها بدهشة ..وهي لم تستوعب ما قاله بعد.. والتفتت لتتطلع الى حيث هم.. وما ان شاهدت المكان .. حتى ارتسمت الابتسامة على ثغرها وقالت مداعبة: افضل ان تسبقك الى الموقف احدى السيارت بكل تأكيد..
قال بمرح: اجل كالمرة السابقة الذي ظللت لربع ساعة ابحث عن موقف للسيارات بعد ان تنازلت عن موقف السيارة لك..
قالت بعناد: لم يكن يخصك .. بل يخصني انا..
قال مبتسما بسخرية: بلى اعلم ذلك.. ولهذا فقد جئت بعد ان عثرت انا على الموقف وكدت ان ادخل سيارتي به..
قالت مبتسمة: هل سنتشاجر الآن؟..اخبرني لم جئت بي الى هنا؟..
غمز بعينه وقال: المتجر الذي التقينا به لاول مرة.. ما رأيك به وبالفساتين التي يقوم ببيعها؟..
قالت وهي غير مدركة القصد من سؤاله: فساتينه رائعة جدا ولكن اغلبها غالي الثمن و....
بترت عبارتها والتفتت له بحدة لتقول: هل تعني اني سأشتري فستان الخطبة من هذا المتجر ؟... ومعك؟..
- اجل هذا ما اقصده..
قالت بارتباك: ولكن .. ولكني ارغب بالشراء لوحدي.. لاني ...
قاطعها قائلا: وما رأيك ان قلت اني اود ان اختار الفستان معك؟..
توردت وجنتاها واطرقت برأسها فقال مبتسما: هيا اريد ان ارى ذوقك وما ستقومين باختياره..
ازدردت لعابها وقالت متهربة من الموضوع: لنأجل هذا الى يوم آخر.. فأنا اشعر بالتعب..
قال عماد بخبث: لم تحزري..
ادركت ان محاولاتها فاشلة لا محالة ففتحت باب السيارة لتغادرها وغادر عماد بدوره.. وقال وهما يتوجهان الى حيث المتجر: لا تفكري بالسعر اتسمعين.. ما يهمني هو ان تختاري ما ترينه الاجمل والافضل بالنسبة لك..
قالت وهي تمط شفتيها: ها قد بدأنا سنتشاجر من اولها..
ابتسم ابتسامة واسعة وقال: ولم الشجار؟..
قالت وهي تهز كتفيها: لاني من المستحيل ان اشتري فستانا حتى لو اعجبني اذا كان ثمنه مرتفع..
قال في سرعة: لا تفكري بالنقود.. لدي مبلغ مممتاز قد قمت بتجميعه سابقا..
قالت بنظرة تأنيب: لا تبعثر نقودك هنا وهناك.. فقد تحتاجها ذات يوم ..
قال بحب: وهل لدي اغلى منك لأمنحها كنوز العالم كله؟..
توردت وجنتاها وقالت مسيطرة على خجلها: ولو ..هذا لا يمنحني الحق في تبذير اموالك التي جمعتها لسنين طوال..
دلفا الى المتجر في تلك اللحظة وقال بهمس بعض الشيء: كلماتك هذه وحدها تثبت لي انك لا تفكرين الا في مصلحتي.. فلا داعي لأن ترفضي طلبي..وتقبلي بشراء فستان لك الآن..
قالت بابتسامة: لقد وصلنا على اية حال ولا مجال للتراجع..
ابتسم بدوره وقال وهو يغمز بعينه له: هيا ارني ذوقك..
قالت وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: اتظن الامر بهذه السهولة؟.. عليك الانتظار لاربع ساعات على الاقل حتى اجد الفستان الذي يناسبني.. والى ساعة أخرى لأرى قياسه.. هذا ان اعجبني شيء.. وان لم نخرج من هنا خاليا اليدين..
اتسعت ابتسامته وقال بمكر: لا تحاولي.. لن اتراجع.. وسأبقى معك ولو استدعى الامر ان نظل الى منتصف الليل..
هزت كتفيها وقالت بلامبالاة مصطنعة: هذا شأنك..
واردفت وهي تلتفت له: ولكن لا تتبعني في كل حركة .. فلن استطيع الاختيار بشكل جيد هكذا..
غمز بعينه وقال بابتسامة: لن افعل..
قالت وهي تطلع له بحنق: هذا يعني انك ستفعل العكس تماما .. اليس كذلك؟..
لوح بكفه وقال مصطنعا: ابدا.. ابدا.. سأقف هنا ولن اتحرك..
تطلعت له بنظرة سريعة ومن ثم قالت: سنرى..
وتوجهت لتختار احد الفساتين من المجموعات العديدة المعلقة المختلفة الالوان والاشكال.. شعرت بالحيرة وهي تطلع الى كل ما حولها.. كل تصميم يبدوا فريدا بنوعه.. اخذت تقارن بين الالوان والتصماميم المختلفة.. في حين ابتسم عماد بمكر وهو يهم بأن يتبعها...ولكن رأى باب المتجر يفتح في تلك اللحظة.. فالتفت بحركة عفوية لينظر الى القادم.. ثم التفت عنه ليكمل طريقه.. ولكن صوت القادم جعله يتجمد بمكانه دون ان يخطو خطوة واحدة.. سمع ذلك الرجل الذي يبدوا في الأربعينيات من عمره يقول وهو يقترب منه: كيف حالك يا عماد.. وكيف حال والدك؟..
قال عماد بتوتر على الرغم منه: بخير.. كيف حالك انت يا عماه؟..
اشار الرجل الى فتاة تقف بالقرب من المكان وقال : هذه ابنتي .. وهي من اصرت على القدوم الى هنا لشراء فستان من هنا..
اقتربت الفتاة من المكان وقالت: ابي.. لقد وجدت فـ...
بترت عبارتها عندما لاحظت وجود عماد .. واقتربت من المكان بهدوء.. وفي اللحظة ذاتها انتبهت ليلى ان عماد يقف في مكان ما من المتجر وهو يتحدث مع رجل وفتاة.. عقدت حاجبيها واتجهت نحوه.. وشعر عماد بخطواتها التي تقترب.. فالتفت لها وابتسم بقلق.. ووقفت هي الى جواره وهي تتطلع الى الرجل والفتاة.. فقال عماد وهو يزدرد لعابه ويتطلع الى ليلى: اعرفك يا عماه.. ليلى خطيبتي..
قال الرجل مبتسما: هل قمت بالخطبة دون ان تدعونا؟..
اسرع عماد يقول: لا ابدا.. حفل الخطبة الاسبوع القادم.. وستكون اول المدعوين يا عم..ولكننا قد عقدنا قراننا بالامس فحسب..
قال الرجل بابتسامة واسعة: مبارك يا عماد .. الف مبارك..
ابتسم عماد وقال: اشكرك يا عماه..
التفت الرجل للفتاة الواقفة الى جواره: هذا هو عماد الذي حدثتك عنه طويلا..ابن اعز اصدقائي..
قالت الفتاة بهدوء متسائلة: ابن صاحب شركة الزجاج؟..
قال وهو يومئ برأسه: بلى هو.. وهو يعمل بكل اخلاص وكأنه احد الموظفين وليس ابن صاحب الشركة وان الشركة هي ملك له و....
توقف الزمن لدى ليلى ولم تعد تسمع المزيد مما قيل او سيقال ..عقارب الساعة تجمدت بعد الذي سمعته.. وصدمتها بالحقيقة الجمت لسانها وجمدت نظراتها وهي غير قادرة على فعل شيء سوى التطلع اليه بصدمة وجمود وذهول.. وهي غير مصدقة تقريبا لما سمعت.. ومن جانب آخر كان عماد يتطلع لها باضطراب وهو في انتظار ردة فعلها مما سمعته..والقلق والتوتر قد بلغ منه مبلغه...

جنــــون 11-23-2011 01:32 AM

* الجزء السابع والعشرون*
(لماذا خدعتني؟)



توقف الوقت في تلك اللحظة.. لم يعد للزمان او المكان أي اهمية..توقفت الصورة وتوقف المشهد بين عماد وليلى.. وكلاهما يتطلع الى الآخر ولكن بشعور مختلف..فالاول كان يشعر بالقلق والتوتر من ردة فعلها.. وينتظرها ان تنطق بكلمة ليعرف ماالذي تفكر فيه.. وصبره يكاد ينفذ من الانتظار..
ومن جهة اخرى.. كانت ليلى غير قادرة على التفوه بكلمة .. وهي تحاول استيعاب ما قيل..تحاول استيعاب ان عماد كان يكذب عليها طوال الوقت.. يخدعها.. وفي ماذا؟ .. في اهم شيء.. الا وهو هويته.. لماذا لم يخبرها الصدق؟ .. لماذا لم يقل بكل وضوح انه ابن صاحب الشركة؟.. هل ظن انها لا تستحق عائلة غنية مثله ام ماذ؟ا.. كيف لم تدرك هذا قبل الآن.؟. لقد فات الآوان وانعقد قرانهما.. ولكن لا.. لم يفت بعد.. ولن تصمت على فعلته هذه..
وعقدت حاجبيها بغتة وتطلعت الى عماد بنظرات جامدة خالية من اية مشاعر..وشعر عماد بقلقه يتضاعف من نظرتها هذه فقال بهمس: ليلى..
القت عليه نظرة لم تكن تحمل سوى معنى واحد..(لقد خيبت ظني بك).. ومضت في طريقها مغادرة المتجر دون ان تلقي عليه كلمة واحدة.. تطلع عماد اليها بذهول ونظرتها تقطعه من الداخل الف قطعة.. بالتأكيد قد فهمت الموضوع بشكل خاطئ..وقال للرجل باعتذار: عن اذنك..
قال له الرجل وهو يهز رأسه: اذنك معك..
اسرع عماد يغادر المتجر بدوره وهو يأمل ان يلحق بليلى وان لا تكون قدغادرت.. وشعر براحة نسبية وهو يراها واقفة تنتظر احدى سيارات الاجرة .. واشارت لاحداها بالتوقف في تلك اللحظة.. فأتجه نحوها واسرع يناديها: ليلى ..
لم تلتفت له حتى وصدمتها تفوق الوصف بعد ان علمت انه يخدعها طوال الوقت ومنذ البداية.. بداية علاقتهما التي كانت يجب ان تقوم على اساس الصراحة و الصدق والثقة المتبادلة ..كان اساسها الزيف والكذب والخداع..
شعرت بغصة في حلقها وهي ترى سيارة الاجرة قد توقفت.. وسارت نحوها ولكنها شعرت بكف تمسك ذراعها.. والتفتت ببرود الى عماد وهي تتطلع اليه بصمت.. وقال عماد بجدية: ليلى اود ان اتحدث اليك..
قالت بحنق: اترك ذراعي..اريد ان اغادر..
قال عماد بحزم: لن تغادري قبل ان تفهمي الموضوع على شكله الصحيح.. ولماذا اخفيت عنك الحقيقة..
التفتت له ليلى وقالت بانفعال والدموع تترقرق في عينيها : افهم ماذا؟.. اجبني.. انك كنت تخدعني طوال الوقت.. انك كنت تمثل علي دور الموظف.. ان الاساس الذي كان يجب ان نبنيه في بداية حياتنا لم يكن سوى زيفا وكذبا وان...
شعرت بغصة في حلقها فبترت عبارتها ومن ثم قالت وهي تطرق برأسها بمرارة: وانك قد اخفيت عني الحقيقة لاني لست في مستوى عائلتك..او ربما لانك خشيت ان اطمع بنقودك.. فاقبل الزواج بك لهذا السبب..
قال عماد في سرعة: ليلى انت تفهمين الامر بشكل خاطئ.. انت اكثر شخص يعلم اني لم ولن افكر باختلاف الطبقات في حياتي.. وحتى ولو كنت تعانين من شدة الفقر فلن اهتم وسأرتبط بك..
قالت بعصبية: حديث مجرد حديث.. لا اجد منك سوى الحديث.. اخفيت عني حقيقة كونك صاحب الشركة.. واستمريت في خداعي على الرغم من اني خطيبتك وفي حكم زوجتك الآن..لقد بنيت حياتنا علىكذبة .. وكل هذا لانك تخشى ان اكون طامعة باموالك..
قال عماد وهو يعقد حاجبيه: انا يا ليلى؟.. انا لم افعل لك شيئا سوى الحديث يوما؟.. الم اعدك بالزواج ؟..وقد وفيت بوعدي .. ولو كنت اخشى ان تكوني طامعة باموالي كما تقولين .. لما فكرت بالارتباط بك يوما ..ولكني كنت اعلم أي فتاة هي انت.. وربما منذ اول مرة رأيتك فيها..
قالت بانفعال ودموعها تجاهد لان تسيل على وجنتيها: اذا لم اخفيت عني الحقيقة؟ .. لم كذبت؟.. هل تريدني ان اصدقك بعد ان كذبت في اهم شيء وهو هويتك؟..
قال وهو يحاول ان يمتص غضبها: الطريق ليس مكانا للحوار..سنكمل حديثنا بالسيارة.. تعالي معي..
قالت وهي تشيح بوجهها: اذهب انت وحدك.. وسأغادر انا بسيارة اجرة..
قال وهو يحاول تمالك اعصابه: بل ستأتين معي..
- لا اريد..
قال عماد بغضب: لست امزح معك.. هل تريدين الركوب في سيارة اجرة لوحدك.. وانا موجود؟..
قالت بعناد: سأذهب سيرا على الاقدام لو تطلب الامر..
قال عماد بحدة: ليلى.. تعالي معي ولا تدعي صبري ينفذ..
التفتت له وقالت ودموعها قد انتصرت في النهاية لتسيل على وجنتيها: لقد خدعتني يا عماد ..هل تريد مني بعد ذلك ان اثق بك واستمر معك في علاقتنا؟..
شعر بالشفقة نحوها وهو يراها تبكي على هذا النحو.. لم يعلم ان كذبته هذه التي استخدمها يوما ليقرب العلاقة بينهما.. ستكون سببا في ابتعادهما عن بعضهما في النهاية!..
وقال بحنان: ليلى علاقتي بك اكبر من كل شيء.. انت لم تدعي لي الفرصة حتى لأشرح موقفي.. وسبب اخفائي للحقيقة..
- لا اريد ان اعلم..
قال بيأس: كما تشائين.. ولكن انا من سيوصلك الى المنزل.. لن تغادري في سيارة اجرة ابدا..
تطلع اليها وهو ينتظرها ان تتحرك.. سارت ولكن خطواتها كانت بطيئة.. ماحدث معها لم يكن بالشيء الهين.. من احبته ومنحته قلبها كان يخدعها لا اكثر ..حبها له جعلها تثق به ثقة عمياء.. وتصدق كل حرف نطق به.. وهي الغبية كيف لم تنتبه الى التشابه بين اسم والده واسم صاحب الشركة.. كيف ؟.. كيف؟..
دلفت الى السيارة وجلست على المقعد .. ودموعها تسيل بصمت على وجنتيها..واختلس عماد النظرات اليها وهو يقود السيارة وهو غير قادر على رؤيتها تتألم وهو صامت.. مهما يكن ومهما يحدث.. ليلى هي الفتاة التي يحب والتي يعشق.. انها خطيبته .. كيف يتركها تتألم لوحدها وهو لا يفعل شيئا سوى النظر اليها.. وقال بحنان: ليلى لا اريد ان ارى دموعك.. صدقيني لم اقصد ما فهمتيه باخفائي للحقيقة..
قالت بحدة: ما السبب اذا؟.. كنت تشعر بالعار مني واني لن اناسب مستوى عائلتك الغنية..و..
قاطعها قائلا: يكفي.. لا تفسري الامور كما تشائين.. الامر كله اني لم ارد ان...
اغلقت اذنيها بكفيها وقالت: لا اريد سماع المزيد.. لا اريد.. لقد قتلتني مرة ولا اريد ان اموت مرة اخرى..
قال برجاء: اسمعيني فقط حتى انتهي من كلامي..
صرخت بانهيار: يكفي.. يكفي..لا اريد سماع شيء.. لا اريد.. كاذب.. كاذب..
كلماتها كانت كالسكاكين التي تنغرز بصدره وقلبه الواحدة تلو الاخرى.. لا تعلم ان كلماتها تجرحه الى اقصى حد.. كيف لا.. وهي تتهمه بشيء اراد منه ان يتقرب منها.. هل هذا هو جزاءه؟.. لم يفكر ان يكذب عليها يوما.. ولكنها تظن اليوم ان كل شيء قاله لها بات كذبا وربما حتى حبه لها..
لم يكن عماد مخطأ في حدسه.. فليلى في تلك اللحظة كانت بدأت تشعر بالشك من كل كلماته..(احبك يا ليلى)..(اعدك بانك ستكونين سعيدة معي)..(لم احب فتاة في حياتي سواك).. كل هذا كذب ..خداع.. لقد كذب مرة ومن السهل ان يكذب آلاف المرات غيرها.. انها لا تكره شيء في هذا العالم اكثر من الكذب والخداع.. واذا كان هذا هو بداية لحياتها مع عماد فهي لا تريد هذه الحياة..لا تريدها...
اختلست نظرة صامته له.. لا تستطيع ان تنكر انها تحبه.. وان حبه بات نبض قلبها .. لا تستطيع ان تنكر انه الشاب الوحيد الذي رأت فيه كل صفات فارس احلامها.. و...ولكنه بالنهاية لم يكن سوى كاذب..مخادع.. استغل حبها لمصلحته ولم يهتم بمشاعرها التي تعلقت به..
وصلا في تلك اللحظة الى منزلها.. فتوقف عماد عنده وقال وهو يزفر بحدة: انت تظلميني يا ليلى..
قالت دون ان تلتفت له: وانت خدعتني يا عماد.. خدعتني في كل شيء..
قال في سرعة : اقسم يا ليلى.. اقسم بالله بأني لم اقل لك شيئا كاذبا طوال فترة علاقتي بك وان كل ما قلته لك هو الحقيقة.. ما عدا ما اخفتيه عنك بكوني ابن صاحب الشركة..
قالت ليلى وهي تفتح باب السيارة وتزدرد لعابها لاخفاء تلك الغصة التي ملأت حلقها: جيد انك اعترفت بان ما قلته يومها كان كذبا..
قال عماد بوجه شاحب: ليلى انت لا تفهمين..
قالت وهي تهم بمغادرة من السيارة: ولا اريد ان افهم..
امسك بكفها قبل ان تغادر.. وشعرت ليلى بالدهشة والارتباك من مسكة يده التي ترجف جسدها بالرغم منها ولكنها لم تلتفت له وظلت صامتة.. وقال عماد في تلك اللحظة بحب وحنان: انظري الي..
لم تشأ ذلك وقالت بشحوب: دعني اذهب ارجوك.. انا متعبة..
قال مكررا: انظري الي فقط.. وسأدعك تذهبين..
التفتت له وقالت وهي تزدرد لعابها: هاقد فعلت..والآن ماذا؟..
ضغط على كفها بحنان وهمس: احبك يا ليلى واقسم على هذا .. ومستعد لأن اكتبها بدمي... لو شككت لحظة واحدة في حبي لك..
رفعت عينيها اليه وهمت بأن تقول شيء ما.. ولكن عيناه اصمتتها تماما.. تلك العينين العميقتين التي تجذبها اليه .. في بحر حنانهما وصلابتهما.. وبعثرت نظراتها بعيدا لتخفي مشاعرها عن عماد واسرعت تجذب كفها وهي تقول: دعني اذهب الآن..
ترك كفها .. فاسرعت تغادر السيارة ودموعها تسيل على وجنتيها دون توقف..في حين تنهد هو بحرار وقال وهو يكور قبضة يده متحدثا الى نفسه : (والآن ماذا يا عماد؟.. ما الحل؟.. يبدوا ان ليلى قد فقدت ثقتها بك.. ما الذي ستفعله؟ .. ستترك حبكما يتلاشى كذرات الغبار بهذه السهولة.. ام ستفعل المستحيل لتعيد علاقتكما كما كانت..وتعيد ثقة ليلى بك..)
واردف بصوت متهدج: ( لو استمعت الي فقط يا ليلى..لما غادرت وانت تتألمين .. ولما كان هذا حالي الآن.. لعلمت اني لم اخفي الحقيقة عنك.. الا لأتقرب منك وتعرفي بحبي.. دون ان يكون هناك ما يمنع ان تبادليني مشاعري..اخبريني يا ليلى أكل ذنبي اني قد ولدت لأكون ابن صاحب الشركة ..وولدتِ انتِ لتكوني موظفة لدي.. اهذا هو كل ذنبي.. ليتني لم اكن الا موظفا مثلك.. فربما لن تفكري بي على هذا النحو لحظتها)
وغادر بسيارته المكان وانفاسه المتوترة تزداد .. وهو يفكر بأي حل ليعيد المياه الى مجاريها بينه وبين ليلى..
ومن بعيد.. تطلعت تلك الفتاة من نافذة غرفتها.. الى سيارة عماد التي غادرت المكان من امام منزلها.. وعادت الدموع لتسيل على وجنتيها وهي تمسك بستارة التافذة وتقول بصوت مختنق: وانا ايضاً احبك يا عماد ..لا تذهب وتتركني .. لا تتخلى عني ارجوك.. انا بحاجة اليك..
ولم تلبث ان سقطت على الارض لتبكي بانهيار وهي تقول: لماذا يا عماد؟.. لماذا خدعتني؟.. لماذا؟؟..
واختلطت دموعها بشهقاتها المكتومة.. التي لم يسمعها أحد.. سوى تلك الزهور الحمراء التي كانت تتحرك باستكانة مع ذلك النسيم الهادئ الذي تغلغل الى الغرفة.. وكأنها تشاركها حزنها وآلامها هذه..
***********
قال طارق بهدوء شديد وهو يجلس على مقعد الانتظار: لن تفيديني في شيء.. سأدخل الى داخل الغرفة ليتم خياطة الجرح ومن ثم اخرج.. ماذا ستفعلين انت؟.. وعلى ماذا تريدين الاطمئنان؟..
قالت وعد باصرار: لن اتركك.. انا من كان سببا في اصابتك هذه .. وعلي على الاقل ان اطمأن عليك..
قال طارق وهو يزفر بحدة: تطمأني على ماذا؟.. خياطة الجرح؟.. استمعي الي.. الصحيفة ستغلق ابوابها بعد نصف ساعة لا اكثر.. خذي سيارتي واذهبي بها لتجلبي تقريرك من سيارتك ومن ثم تنطلقين الى الصحيفة لتسلمي تقريرك.. وحتى يحين ذلك الوقت.. اكون انا قد عولجت.. وبانتظارك حتى تعودي الي واصطحبك بسيارتي الى حيث سيارتك..
ظهر التردد على وجهها فقال وهو يشد على يدها بتشجيع بيده السليمة: هيا يا وعد.. انها فرصتك الوحيدة لتكوني صحفية.. اليست هذه هي كلماتك؟..
قالت بتردد: ولكني قلقة عليك..
قال وهو يتنهد: لن تفيديني في شيء بانتظارك معي.. وثانيا سأكون بانتظارك هنا.. حتى تنتهي من تسليم تقريرك.. ومن ثم ينتهي وقت العمل بالصحيفة.. فتعودي الى هنا.. اتفقنا؟..
ازدردت لعابها ومن ثم قالت: هل ستكون بخير لوحدك؟..
ابتسم وقال: لست بطفل يا وعد.. يمكنك الذهاب ..وسأكون على ما يرام..
قالت وعد بكلمات متقطعة: اهتم بنفسك..
ونهضت من مكانها فقال هو مبتسما: بل اهتمي انت بنفسك..
اومأت برأسها وهمت بالتحرك من مكانها لولا ان ناداها قائلا: وعد..
التفتت اليه في لهفة وقالت: اجل.. ما الأمر؟..
ابتسم وقال وهو يرفع مفاتيح سيارته امام ناظريها: لقد نسيت أخذ مفاتيح السيارة..
ابتسمت ابتسامة باهتة ومن ثم قالت: يبدوا ان ذهني مشتت هذا اليوم..
قالتها ومن ثم التقطت من كفه المفاتيح قبل ان تتجه بخطوات بطيئة لتسير بممر المشفى وهي تختلس النظر اليه بين الفترة والاخرى.. وتفكر في العودة اليه.. لا تريد ان تتركه .. ولكن هذه هي فرصتها الوحيدة كما قال طارق لتكون صحفية.. وتنهدت بقوة وهي تغادر المشفى الى حيث مواقف السيارات.. وهناك انطلقت بسيارته الى ذلك المبنى على الفور لتأخذ تقريرها ومن ثم تنطلق بعدها الى الصحيفة.. ولكن ذهنها وتفكيرها ظلا مع طارق.. طارق الذي دافع عنها بكل شجاعة وشهامة.. طارق الذي لم يكترث بأي شيء قد يصيبه من اجلها.. طارق الذي تشعر باهتمامه نحوها احيانا وتتمنى ان يكون ما هو اكثر من ذلك.. طارق الذي وثق بها وفتح لها قلبه ليخبرها بالحكاية التي جعلته بارد المشاعر وصلب الاحاسيس..
سؤال واحد اخذ يشغل تفكيرها.. لماذا يهتم لأمرها وترى في عينيه الحنان احيانا.. هل يبادلها المشاعر؟..لا.. بكل تأكيد لا..مايا هي حب حياته ويبدوا بأنها قد احتلت قلبه بالكامل حتى انه لم يعد يرى سواها في هذا العالم.. على الرغم من انها قد غادرته..انا لست الا زميلة عزيزة استطاعت اخراجه من محنته واعادته الى جزء من طبيعته السابقة.. الم يقل ذلك بنفسه؟..
وانتبهت في تلك اللحظة الى وصولها بجوار سيارتها.. وهبطت من سيارته لتتجه الى سيارتها وتفتح الباب الامامي لتأخذ من داخل السيارة كل الاوراق اللازمة لتقريرها وكاميرتها الخاصة.. قبل ان تعود الى سيارته وتنطلق بها الى الصحيفة ..وحاولت بقدر الامكان ان تصل قبل فترة تسمح لها بتسليم تقريرها ..على الاقل قبل ربع ساعة من اغلاق الصحيفة لابوابها.. وضغطت على دواسة الوقود لتزيد من سرعة السيارة..
وما ان وصلت الى المواقف حتى اسرعت بايقاف السيارة.. والخروج منها.. لتدلف الى المبنى وتصعد بالمصعد الى الطابق الثالث..والتقطت نفسا عميقا وهي ترى نفسها اخيرا امام باب مكتب رئيس التحرير.. وطرقت الباب بطرقات متتابعة.. وما ان سمعت صوته يدعوها للدخول.. حتى دلفت الى الداخل وهمت بقول شيء ما .. لولا ان اسرع رئيس التحرير يقول ساخرا: لا يزال الوقت مبكرا يا آنسة..لماذا جئت؟.. لم يبقى على انتهاء وقت العمل سوى عشر دقائق..
قالت وعد وهي تطلع الى ساعة يدها: بل اثنا عشر دقيقة يا استاذ نادر..
صاح فيها قائلا: لا تستخِفي بدمك أتفهمين.. نحن هنا بالصحيفة علينا ان نسابق الزمن.. وانت ماذا فعلت ؟.. ارسلتك بمهمة قبل اربع ساعات لمجرد اعداد تقرير وصور.. لتختفي ولا اراك الا قبل عشر دقائق من انتهاء وقت العمل..
قالت وعد وهي تزفر بحدة: لم يكن ذلك بيدي يا استاذ نادر .. لقد تأخرنا بسبب عدد من المشاكل التي واجهتنا.. ولو علمت بما اصابنا لما قمت بلومي على تأخري..
قال رئيس التحرير بحدة: لا يهمني ما قد يحدث.. ما يهمني هو ان تقومي بعملك في وقته المحدد.. لقد اتفقت معك ان تسلميني التقرير هذا اليوم والا ...
قاطعته قائلة وهي تضع الاوراق على الطاولة: لا داعي للتهديد.. ها هو التقرير امامك وبالنسبة للصور فستكون جاهزة بعد قليل فحسب..
تطلع الى التقرير الذي امامه بغرابة وكأنه كان يظن بأنها لن تستطيع ان تعده وتنتهي منه اليوم وخصوصا بعد ان تأخرت كل هذا الوقت ومن ثم قال: حسنا لا بأس و بما انك سلمت التقرير اليوم فسأتقاضى عن الأمر..وقرار تعيينك في الوظيفة بشكل مستمر سيصدر بعد مراجعة التقرير بنفسي ومعرفة ان كنت اهلا لتكوني في هذا المكان او لا..
قالت وهي تمط شفتيها: والآن يا استاذ نادر.. هل استطيع الانصراف؟..
اومأ برأسه بهدوء .. والتفتت عنه.. فأسرع يهتف بها قائلا: لحظة واحدة..
التفتت له فقال وهو يعقد حاجبيه: ما الذي دعا الى تأخركما انت والاستاذ طارق؟.. هل قام بمساعدتك في اعداد التقرير؟.. لقد وعدني بأن لا يفعل وانا اعرف من يكون هذا الاخير جيدا.. وبما انه قد وعد فهو لا يخلف ابدا.. ربما انت من الح عليه و...
قاطعته في سرعة واستنكار: لا داعي للقلق.. لم يساعدني بحرف واحد.. ثم انه لم يكن لديه الوقت الكافي لمساعدتي..
قال متسائلا: لم ؟..ما الذي حدث؟..
قالت ببرود: بما انك تثق به اسأله بنفسك.. فأخشى ان تعتبر ما سأقوله كذبا..
عقد حاجبيه بقوة وقال بصرامة: عودي الى مكتبك في الحال..
هزت كتفيها وقالت: ومن قال اني لن افعل..
وخرجت من مكتبه لتهبط بالمصعد الى الطابق الثاني ومن ثم تتوجه الى القسم الذي تعمل به..وهناك قابلها أحمد وقال بدهشة: آنسة وعد.. متى عدت؟..
قالت وهي تزفر بحدة: الآن فحسب..
تسائل قائلا: وما الذي حدث لك؟.. لقد اتصلت على طارق فجأة واتجه بعدها فورا مغادرا الصحيفة..
قالت وهي تتنهد: انها حكاية طويلة.. سأخبرك بها.. ولكن هل تصنع لي معروفا ؟..
قال مبتسما: بكل تأكيد..
سلمته كاميرتها ومن ثم قالت: اريدك ان تقوم بطباعة الصور الموجودة في ذاكرة هذه (الكاميرا)..
قال مبتسما: هذا فقط.. لقد ظننت ان الامر فيه توسل للمدير او شيء من هذا القبيل..
ابتسمت بهدوء.. في حين قام هو بتشغيل آلة التصوير..ومن ثم وصلها بجهاز الحاسوب..وقال وهو مندمج بعمله: والآن.. اخبريني ما الذي حدث لك انت ؟..واين طارق؟..
اخذت تشرح له الامر بهدوء.. ةتباطئت سرعة عمله على جهاز الحاسوب وهو يستمع اليها وعيناه تتوسعان تدريجيا.. وقالت منهية الحديث: ولقد جئت الى هنا لاسلم التقرير ومن ثم انطلق الى المشفى مرة اخرى حيث سيكون طارق..
قال احمد بغير تصديق: كل هذا قد حدث دون حتى ان يخبرني احدكما.. ورجال الشرطة كيف لم ينتبهوا لكل ما حدث؟..
قالت وهي تتنهد: لقد كانوا جميعا مشغولون بالمبنى والاصابات .. وسيارتي كانت تبعد قليلا عنهم..
قال احمد وهو يعقد حاجبيه: وذلك الوغد.. كيف استطاع ان يختلق كل تلك الاكاذيب ليبرأ نفسه؟..
- انسان وقح مثله كان علينا ان نتوقع كل شيء منه..
غمز بعينه وقال: بصراحة..لقد كان يستحق ما فعلتهِ به..
فهمت انه يعني تلك الصفعة التي وجهتها لذلك الشاب الوقح عندما تجرأ وامسك ذراعها..ابتسمت لوهلة ومن ثم لم تلبث ان قالت في سرعة: حسنا يا استاذ احمد.. معذرة إن كنت سأأخرك عن اعمالك لتقوم بطباعة صور التقرير..ولكني مضطرة لأذهب الى الاستاذ طارق بالمشفى... حتى...
قاطعها قائلا: يبدوا انه لم يعد هناك حاجة لذهابك..
قالت بغرابة: ماذا تعني؟..
ابتسم وقال: انظري من جاء الينا بنفسه..
رفعت رأسها الى حيث ينظر واصطدمت عيناها بعيني طارق للحظات.. وهي في ذهول من وجوده معهم .. وقال هو بابتسامة: مرحبا بالجميع..
قال احمد مبتسما: اهلا بك.. وحمدلله على السلامة..
نقلت وعد بصرها لا اراديا الى ذراعه لتطلع الى ذلك الرباط الذي التف حول ذراعه.. وتمالكت نفسها لتتحدث وتسيطر على ذهولها.. في حين قال طارق مبتسما: ماذا يا وعد؟.. الا يوجد حمدلله على السلامة على الاقل؟..
قالت وهي لا تزال غير مستوعبة لما تراه: كيف جئت الى هنا؟..
قال وهو يهز كتفيه: بواسطة سيارة اجرة..
قالت وهي تعقد حاجبيها: ولماذا لم تنتظرني حتى اعود؟..الم تعدني بذلك؟..
قال مبتسما: بلى ولكني لم اشأ ان اتعبك..
قالت بحنق: انت مصاب وتفكر ان كان مجرد توصيلك سيتعبني ام لا..
لم يجبها فقالت بحنق اكبر: عنيد..
قال طارق بهدوء وهو يتقدم منها: ولكني لست اشد عنادا منك.. ارأيت ماذا فعل بك عنادك.. لولا وصولي الى المكان في الوقت المناسب.. يعلم الله ما قد كان سيحدث لك..
كانت تعلم انها مخطأة ولكنها قالت بتحدي: لقد سار كل شيء على ما يرام.. وما حدث كان مصادفة ليس الا..
قال وهي يتطلع لها بضيق: ستظلين على عنادك هذا دائما..
والتفت عنها ليتوجه الى مكتبه .. فاسرعت تقول وهي تطرق برأسها: آسفة على كل ما حصل لك اليوم بسببي..
قال طارق وهو يلتفت لها وقد تحول ضيقه الى ابتسامة: وماذا كنت اقول انا منذ الصباح؟.. لا داعي للاعتذار.. انت لا تعلمين بانك زميلة عزيزة علينا جميعا هنا..
ابتسمت بهدوء وهي تطلع اليه..في حين كان احمد قد راقب كل ما حدث امامه.. وانصت الى كل ما قيل.. وهو يظن.. لا بل متأكد.. ان قصة حب جديدة اخذت تنسج خيوطها بين هاذين الاثنين...

جنــــون 11-23-2011 01:32 AM

*الجزء الثامن والعشرون*
(هل ستنجح فكرته؟)


(ماذا افعل؟.. اخبريني بالله عليك؟..)
تطلعت فرح بغرابة الى هشام.. وقالت: ماذا تفعل في ماذا؟..
قال بحدة: انت تعلمين كل شيء.. فلا تتغابي الآن..
قالت بدهشة: اخبرك ماذا تفعل لتجعل وعد تبادلك المشاعر؟ ..هل نحن من يصنع هذه المشاعر تجاه شخص ما يا هشام؟ ..هل المشاعر بيدها هي؟..
تطلع اليه بضيق ومن ثم قال: لا.. ولكني اظن ان من الممكن ان تبادلني المشاعر يوما ما..في السابق كنت اشعر بها قريبة مني.. اما الآن.. فأنا اشعر ان هناك ما يفصل بيني وبينها..
عقدت فرح حاجبيها ومن ثم قالت: ماذا تعني بالضبط؟..
قال وهو يشعر بضيق يكتم على انفاسه: لست اعلم.. ولكن ربما كانت تحب شابا ما..
اتسعت عينا فرح وقالت: لا مستحيل.. لوكان الامر كذلك لاخبرتني انا على الاقل..
قال وهو يلوح بكفه بضيق: هل تظنين انها ستخبرك بأمر خاص بها كهذا؟..
قالت فرح باستنكار: ولم لا؟..
- لانها تشعر بأن امرا كهذا خاص بها وحدها ولا يحق لأحد ان يعلمه.. وان مجرد اخباره للغير سيسبب لها الكثير من الاحراج.. ولديك خير دليل على ذلك..انا الذي اقف امامك.. منذ متى وانا احبها.. هل علم احد فيكم بالامر.. وانت بنفسك لم تعلمي بهذا الامر الا قبل اسبوعين فحسب..
صمتت فرح قليلا وهي تفكر ومن ثم قالت: حسنا لنفترض هذا..وما الحل برأيك الآن؟..منذ فترة وهي لا تفكر بك الا كأخ لها.. تظن انك بعد ان اعترفت لها بمشاعرك ستبادلك اياها..
قال هشام بعصبية: وماذا بي انا؟..
قالت فرح وهي تزفر بحدة: هشام انتما مختلفان في كل شيء .. اهتماماتك تختلف عن اهتماماتها.. تفكيرك يختلف عن تفكيرها..صدقني لو حدث وان ارتبطتما ..ارتباطكما هذا سيفشل..
واردفت وهي تقول بصوت هادئ: اتعلم ماهو خطأك؟.. انك لم تنظر في حياتك الى فتاة سوى وعد..ووعد فقط.. لهذا اتجهت مشاعرك اليها فقط..ولم تفكر في حياتك في فتاة سواها.. انك حتى لم تمنح لنفسك فرصة بهذا..
- كيف تريدين ان افكر في فتاة اخرى وقلبي تسكنه وعد..
قالت بنفاذ صبر: هشام لو علمت ان ابنة خالتي تحبك.. هل ستبادلها المشاعر وتقبل بها زوجة لك؟..
قال هشام باستنكار: تلك المدللة ..مستحيل..
- اذا لا تحلل لنفسك ما تحرمه على غيرك..
فهم ما تعني ولكنه قال باصرار: وعد تحبني استطيع ان اقسم على هذا وهذا هو الفرق في الموضوع..
- كأخ لها فقط.. لا تنسى..
نهض بغتة من فوق المقعد الذي يجلس عليه ومن ثم قال: لن اعدم الوسيلة.. وسأتصرف بنفسي..
قالت فرح بقلق: ماذا ستفعل؟..
قال بصرامة: لن انتظر حتى ارى احدهم قد اخذها مني.. وعد لي فقط..
قالت فرح وقلقها يتضاعف: هشام لا تكن مجنونا..
- لا تقلقي لم افقد عقلي بعد..ولكن علي ان اتخذ خطوة ما الى الامام ولا انتظر لأراها تزف الى غيري يوما ما..
- ما الذي تفكر فيه بالضبط؟..
قال هشام بغموض: ستعرفين كل شيء في حينه..
وتسلل القلق والتوتر الى قلب فرح وهي تفكر فيما قد يفعله هشام.. لتكون وعد له وليست لسواه..
********
لم تتوقف الدموع من الانذراف من عيني ليلى ولو للحظة.. وهي تصطنع النوم على فراشها.. ووسادتها قد اكتفت بدموعها.. ولكن عينيها لم تكتف بعد.. وجرحها لا يزال ينزف.. وهي تتذكر ما فعله عماد معها..وانه كان يخدعها طوال الوقت لا اكثر..انها تحبه.. واذا جرحنا من نحب.. يكون جرحه الاكثر ايلاما وعمقا.. ولا يلتئم الا عندما ننسى من نحب.. وكيف تنسى عماد؟.. عماد الذي بات بحكم زوجها الآن.. وهذا يعني انها له.. ولكن من حقها ان تطلب لاانفصال.. وتنهي الخطوبة.. اجل من حقها.. والا لماذا وضع الناس فترة للخطوبة.. اليس لكي يعترف كلا الطرفين على الآخر و...
الانفصال؟؟.. هذا آخر ما تفكر فيه.. انها تحبه.. كيف تتركه .. لا تستطيع .. ستنتزع روحها من جسدها لو انفصلا..وعماد ماذا عنه؟..هل يحبها؟.. آخر كلماته التي قالها لها في لقائهما الأخير تثبت لها ذلك..اذا لم خدعها؟.. لم؟..
كانت قد تركت هاتفها على الوضع الصامت حتى لا تجيب على أي مكالملت من أي احد.. وخصوصا عماد.. لا تستطيع ان تتحدث اليه بعد كل ما حدث.. لا تستطيع ..والتفتت الى حيث هاتفها الذي لم تتوقف الاضاءة عن شاشته منذ ساعة..بالتأكيد هو عماد.. والا من يصر على الاتصال بها كل هذه الفترة..
ومن جانب آخر..شعر عماد بالعصبية والغضب وهو يرى انها ترفض الرد على أي من مكالماته.. او رسائله القصيرة.. لو تفهم فقط.. لو تفهم..لما فعلت بي ذلك.. كيف يمكنها ان تفهم دون ان تمنحني فرصة للحديث او الدفاع عن نفسي.. فسرت الامر كما تشاء.. ولم تقبل ان تستمع لما سأقول حتى ..تبا .. تبا.. ليتني اخبرتها بالحقيقة منذ البداية..ولكني كنت اخشى ان افقدها.. يا الهي.. ماذا افعل الآن؟..
شعر بالضيق يكتم على صدره.. واتصل هذه المرة بصديقه عمر..وقال هذا الاخير عندما اجاب على اتصاله: اهلا عماد..من الغريب ان تتصل بي في وقت كهذا من المساء..
قال عماد بجدية: ارغب بالتحدث اليك..
قال عمر بحيرة: عن ماذا بالضبط؟..
قال عماد في سرعة: ستعلم بكل شيء ان التقينا..
- حسنا..اين؟..
- مطعم العاصمة.. هل يناسبك؟..
قال عمر مبتسما: بالتأكيد يناسبني..ولكن اخبرني لم دائما تدعوني على هذا المطعم؟..
قال عماد مداعبا بابتسامة شاحبة:لانه الارخص ثمنا.. والآن الى اللقاء.. اراك هناك..
قال عمر بهدوء: يبدوا ان الامر مهم جدا..اشعر بانك متضايق جدا من امر ما..
صمت عماد ولم يعلق فقال عمر: حسنا يا عماد.. اراك هناك.. الى اللقاء..
اغلق عماد هاتفه..وانطلق في سرعة مغادرا المنزل..لينطلق بسيارته بعدها وهو يشعر بالضيق والالم يعصر قلبه..وهو يخشى ان لا تفهم ليلى موقفه ابدا..
نعود الى ليلى.. التي اعتدلت في جلستها اخيرا وهي متأكدة ان النوم آخر ما تفكر فيه.. ونظرت لا اراديا بعينيها المغرورقتان بالدموع الى ذلك الهاتف ..الذي توقفت شاشته عن الاضاءة ..وقررت اخيرا ان ترى من الذي كان يتصل بها..
مسحت دموعها بانامل مرتجفة..والتقطت هاتفها لترى ان 30 مكالمة لم يتم الرد عليها.. 25 منها من عماد.. اما الباقي فهي اما من معارفها او من صديقاتها.. وهمست بصوت مرتجف متحدثة الى نفسها : ما الذي تريده مني الآن؟.. بعد ان خدعتني ..بعد ان كذبت علي واوهمتني بشيء يخالف حقيقتك.. لم اتصور يوما ان اخدع .. ومن من؟..من احب شخص الى قلبي..لقد مزقت احلامي التي رسمتها يا عماد..حطمتها دون ان تنتبه ان ما فعلته قد مزقني وحطمني انا قبل ان يمس تلك الاحلام..
ضمت رجليها الى صدرها وطوقتها بذراعيها.. وهي تواصل بكائها بألم وحرقة ..ودموعها لا تتوقف عن السيل على وجنتيها...
*********
دلف طارق الى القسم في سرعة وقال بابتسامة عريضة: لدي لكم خبر رائع.. لن يسمعه الا من يدفع اكثر..
والتفت الى أحمد ليقول بابتسامة: هه .. كم تدفع؟..
قال احمد مصطنعلا التفكير: هل تكفي خمس قطع نقدية؟..
قال طارق بسخرية: يا لك من كريم..
وقال وهو يلتفت الى نادية: وماذا عنك يا استاذة؟.. كم تدفعين؟..
ابتسمت قائلة: عشر قطع..
فكر قليلا ومن ثم قال: دعونا نرى الصحفية الاخيرة الموجودة هنا.. ربما تدفع الاكثر..
واردف وهو يلتفت الى وعد: كم تدفعين لتعلمي بهذا الخبر..
قالت وهي تهز كتفيها بلا اهتمام مصطنع: لا شيء..
قال طارق مبتسما: هل انت متأكدة؟.. خبر كهذا يساوي مليون قطع نقدية..
شعرت بالفضول وقالت:اريد ان اعلم ماذا هناك اولا.. ثم اقرر كم ادفع لخبرك هذا..
غمز بعينه وقال: اظن ان الخبر سيعجبك كثيرا..
قالها ومن ثم فرد صحيفة امامها على الصفحة الاولى.. وقال وهو يتطلع لها: هه.. ما رأيك؟..هل يستحق ام لا؟..
تطلعت الى الجريدة بغير تصديق .. ورفعت عينيها الى طارق بذهول وقالت باضطراب: هل ما اراه بالصفحة الاولى هو تقريري حقا؟؟..
اومأ برأسه وقال: اجل.. تقريرك انت يا وعد..لقد فعلتها واثبت للجميع انك صحفية ماهرة ورائعة..
قال كلمته الاخيرة بحنان فقالت وعد ودموع الفرحة تكاد تقفز من عينيها: هذا يعني...اني.. اني...
واردفت وهي تهتف بانفعال وفرحة: هذا يعني اني قد اصبحت صحفية بينكم اخيرا.. اخيــرا..هل تصدقون؟.. انا الآن صحفية مثلكم..
شعر طارق بالفرحة تتسلل الى قلبه.. وهو يراها سعيدة الى هذه الدرجة .. سعادتها ذكرته بسعادة الطفل الصغير عندما يحصل على ما يريد.. وابتسم بحب وهو يتطلع لها.. وسمع وعد تقول في تلك اللحظة: اتعلم؟.. خبرا كهذا يستحق ما يفوق المليون قطعة نقدية..
ابتسم طارق وقال: فليكن.. هلمي.. امنحيني المبلغ..
قالت مبتسمة: لسوء الحظ .. لست املك ربع هذا المبلغ حتى..
قال مبتسما بحنان وهو يهمس لها قائلا بصوت لا يسمعه سواها: لا تهمني كنوز العالم كله.. مادمت ارى هذه الابتسامة تزين شفتيك وتضئ وجهك..
ارتجف قلب وعد بين ضلوعها.. وشعرت بالحرارة تغزو جسدها.. وسيطر عليها الارتباك بالرغم منها من كلماته ..وتسائل واحد خطر بذهنها..ترى ماذا يعني بما قال؟.. وقالت متهربة من الموضوع: اخيرا اعترف رئيس التحرير بأن ما اقوم به جيد ويستحق النشر..
قال احمد بابتسامة: صدقيني لو لم يفعل لوقفنا له كلنا بالمرصاد..
واردف وهو يتطلع الى طارق بخبث: اليس كذلك يا طارق؟..
تطلع البه طارق وقد فهم ما يقصد وقال متعمدا البرود وهو يجلس خلف مكتبه: هذا يتوقف عليك انت.. فأنت الوحيد الذي ستخشى الوقوف في وجه رئيس التحرير..
تطلع اليه احمد باستنكار ومن ثم قال: انا يا طارق؟..
ضحكت وعد بمرح .. والتفت لها طارق وقال مبتسما: ما رأيك يا وعد اليس ما اقوله صحيحا؟..
تطلع لها احمد وقال وهو يرفع حاجبيه: بالتأكيد لا.. اليس كذلك يا وعد ؟..
تطلع له طارق بضيق.. فقال احمد وهو يتنحنح: اعني يا آنسة وعد..
ظهر شبح ابتسامة على شفتي وعد وقد لاحظت نظرات طارق المتضايقة..اهذا ما ضايقه؟.. ان احمد قد قام بندائي بأسمي مجردا ؟.. اليس هو اول من بدأ يناديني بهذه الصورة؟ .. قلم يبدوا رافضا لفكرة ان يناديني سواه باسمي مجردا من ايه القاب؟ ..وقالت بعد وهلة من الصمت وهي تضع سبابتها اسفل ذقنها: في الحقيقة انا صحفية وواجبي ان اقف مع الحق..لهذا فأنا اقول ان الجميع هنا سيقفون معي ويساعدوني لو احتجت يوما لمساعدتهم..
ابتسم احمد وقال: جيد.. لقد اتخذت موقفا محايدا وارضتي جميع الاطراف..
قالت بابتسامة واسعة: وهذا هو عملي..
صمتت للحظات ومن ثم قالت بتردد: كيف حال ذراعك الآن يا استاذ طارق؟..
قال بابتسامة: بخير.. دعك من هذا الامر ولا تفكري فيه كثيرا.. انه مجرد جرح بسيط لا اكثر..
قالت وعد وهي تزدرد لعابها: ولكن بسببي لن تتمكن من الكتابة بشكل جيد الا بعد فترة من الوقت..
قال طارق وهو يرفع حاجبيه: من قال هذا؟..
قالت وعد وهي تشعر بتأنيب الضمير: ذراعك اليمنى لا تزال مصابة كيف ستتمكن من تحريكها وهي كذلك؟ ..وحتى لو حاولت سيكون الامر صعبا عليك..
قال احمد مبتسما: من هذه الناحية لا تقلقي..
التفتت الى احمد وقالت: ماذا تعني؟..
ولما لم يجبها عادت لتلتفت الى طارق وقالت: ما الامر؟.. لست افهم شيئا..
قال طارق وهو يلوح بيده اليسرى الممسكة بالقلم: كل هذا الوقت ولم تعلمي بعد اني اقوم بالكتابة باستخدام بيدي اليسرى..
قالت بدهشة: احقا؟..لم انتبه من قبل..
قال طارق بهدوء:في العادة الناس يستخدمون ذراعهم اليمنى للهجوم واليسرى للدفاع.. اما في حالتي فقد فعلت العكس.. لان ذراعي اليسرى هي الاكثر استخداما لدي.. ولهذا ترين اني قد حميت صدري باستخدام ذراعي اليمنى لا اليسرى..
قالت وعد وهي تومئ برأسها: لقد فهمت الآن..حتى عندما كنت تقود السيارة كان يبدوا شيئا عاديا لديك وانت تقودها بذراعك اليسرى..
قال بهدوء: لاني معتاد على ذلك..وعلى استخدام ذراعي اليسرى في القيادة دائما..
ران الصمت على المكان بعد عبارته الاخيرة..وقد عاد الجميع لممارسة اعمالهم.. وسمعوا بعد فترة من الوقت طرقا على الباب.. وقال من يقف عنده: الاستاذ طارق المدير يطلب رؤيتك..
زفر طارق بحدة.. ومن ثم نهض من مكانه مغادرا القسم.. وعينا وعد تتبعه....
********
جلس عماد خلف مكتبه وهو يتذكر حديثه بالامس مع عمر بالمطعم بعد ان شرح له ما حدث بينه وبين ليلى..وظل عمر صامتا لفترة من الوقت.. قبل ان يقول: سأكون صريحا معك يا عماد..انت المخطأ في كل ما حدث..
قال عماد وهو يحاول ان يبرر لعمر ما فعله: ولكني كنت احاول ان اقرب العلاقة بيني وبينها بهذه الطريقة.. فكما اخبرتك.. كانت دائما تتهرب مني لمجرد اني المدير.. ماذا ستفعل اذا لو علمت اني صاحب الشركة..
قال عمر وهو يهز رأسه: هذا ليس مبررا.. ان لم تكن ستعلم بهذا الامر سابقا فستعلمه فيما بعد وكان عليك ان تدرك هذا..فبداية علاقتكما كانت يجب ان تقوم على الصدق والثقة المتبادلة.. لا ان تخدعها في هويتك..اتعلم ماذا فعلت الآن؟.. لقد فقدت ثقتها بك.. باتت تراك انسان مخادع وربما لم يحبها يوما..
قال عماد وهو يكور قبضته بانفعال: اقسم بأني قد احببت ليلى بكل مشاعري.. اقسم بأنها الفتاة التي اتمناها زوجة لي.. اقسم بأني قد بت مهووسا بهذه الفتاة.. وان فراقي لها ولو للحظات يجعلني اتلهف للقاءها.. اقسم على ذلك..
قال عمر بهدوء: لا داعي لهذا الانفعال.. انت تستطيع ان تصلح الامور وتجعلها تفهم وجهة نظرك بالامر..
قال عماد باستغراب: ماذا تعني بالضبط؟..اخبرتك انها ترفض الاستماع لي وحتى اتصالاتي ترفض الاجابة عليها..
قال عمر وهو يهز كتفيه: لها الحق في ذلك ولو كنت مكانها لقطعت علاقتي بك نهائيا..
قال عماد بحدة: اردتك ان تخفف عني لا ان تزيد الطين بلة..
قال عمر بتأنيب: هذه هي الحقيقة.. ام ان كلمة الحق تجرحك..
قال عماد وهو يضرب الطاولة بقبضته: ارجوك لم اعد احتمل اللوم.. اريد حلا لهذا الامر..
ابتسم عمر وقال: دائما انا من يحل مشاكلك العاطفية..
قال عماد مبتسما بشحوب: وهل لي من صديق سواك؟..
قال عمر وهو يهز رأسه بابتسام: لمصلحتك فقط..حسنا استمع الي سأخبرك بطريقة ربما تستطيع بها اصلاح ما حدث بينكما..
قال عماد بلهفة: وما هي؟..
قال عمر وهو يفكر: اخبرني اولا ماذا ستعطيني بالمقابل..
- يالك من شخص مادي.. الا يكفيك ان تساعد صديقك؟..
قال عمر بابتسامة: لا ابدا.. فالمرة الاولى كانت بدون مقابل..
تطلع له عماد باستخفاف وقال: ايكفيك لكمة في معدتك؟..
- لا شكرا لك..
قال عماد بحنق: قل ما عندك يا عمر.. فلست في مزاج يسمح لي بالمزاح..
قال عمر بهدوء: حسنا استمع الي.. انت صاحب الشركة ومديرها اليس كذلك؟..
قال عماد بضيق: ماهذا السؤال السخيف؟..
- دعني اكمل .. اعني انك المدير بالشركة.. الآمر الناهي.. وهي موظفة لديك ..
قال عماد باستغراب: حسنا اعلم ذلك.. وبعد؟..
تطلع له عمر بصمت وفي عيناه بريق مكر..فقال عماد وقد فهم ما يعنيه اخيرا: لقد فهمت .. ولكن هل تتوقع ان تستمع الي في النهاية؟..
قال عمر مبتسما: اظن ذلك..
قال عماد بابتسامة: اشكرك كثيرا يا عمر.. لا اعلم ماذا كنت سأفعل بدونك..
قال عمر مداعبا: انا في الخدمة دائما وخاصة للمشاكل العاطفية..

تنهد عماد بعمق بعد ان استرجع ما حدث معه بالامس وهو يفكر.. ترى استنجح فكرة عمر وتعود الى العلاقة كما كانت بينه وبين ليلى..ليس بيده سوى المحاولة.. لقد حاول كثيرا الاتصال بها ولكنها ترفض حتى الاجابة عليه..انها ترفض ان تمنحه حتى فرصة ليدافع بها عن نفسه..
وضغط على زر الاتصال بين مكتبه ومكتب سكرتيرته وقال: اطلبي من موظفة الحسابات ليلى بالقدوم الى مكتبي واحضار ملفات ميزانية الشركة لهذا العام..
اجابته السكرتيرة قائلة: امرك يا سيد عماد.. اتأمر بأي شيء آخر..
- لا شكرا..
قالها وانهى الاتصال بينه وبين السكرتيرة.. واسند رأسه بتعب الى مسند المقعد.. لم يحظى في الليلة الماضية سوى بساعة واحدة ارتاح فيها.. طوال الوقت كان يفكر بما آلت اليه علاقته بليلى بعد تلك العلاقة الجميلة التي كانت تجمعهما..ليلى الآن تظن بأنه مخادع ..كاذب..حتى حبه لها تظن انه كذبة ..ماذا يستطيع ان يفعل ليصلح علاقته بها.. لا شيء سوى الحل الذي عرضه عليه عمر..
ومن جانب آخر.. ليلى التي كانت تحاول ان تنغمس بالعمل لتبعد نفسها وعقلها عن التفكير بعماد.. تحاول ان تفعل أي شيء .. حتى لا يتسلل الى ذهنها ويسيطر عليه.. كانت تشعر بالقهر وتكاد دموعها تقفز من عينيها في اية لحظة ..ولكنها قاومت هذا الاحساس حتى لا ينتبه لها احد و...
(ليلى.. ماذا بك؟..)
صوت زميلتها جعلها تفيق من انغماسها بالعمل..ورفعت رأسها قائلة بتعب: ماذا هناك؟..
ليلى ايضا لم تستطع النوم الليلة الماضية الا من نصف ساعة او ربما اقل..واجابتها زميلتها قائلة: ماذا بك؟.. انا اناديك منذ فترة..
قالت ليلى وهي تتنهد: لم انتبه لك معذرة..
قالت زميلتها مبتسمة: بل انت في عالم آخر تماما..
لم تجبها ليلى وظلت صامتة..لا تعلم بم تعلق.. تخبرها انها في عالم من الآلام والمرارة والعذاب..تخبرها بان لشخص الذي احبته وارتبطت به قد خدعها..
انطلق رنين هاتف المكتب بالمكان فجأة ليقطع ذلك الصمت الذي غلف المكان لعدة دقائق.. فأجابت عليه احدى الموظفات هناك قائلة: الو.. قسم الحسابات معك..
واردفت وهي تستمع الى الطرف الآخر باهتمام: حسنا..ستأتي في الحال..الى اللقاء..
اغلقت الهاتف وتطلعت الى ليلى قائلة: المدير يطلب الملفات المتعلقة بميزانية الشركة لهذا العام.. خذيها اليه يا ليلى..
زفرت ليلى بتعب وقالت: حسنا سآخذها اليه في....
بترت عبارتها وكأنها استوعبت هذا الامر لتوها.. تأخذ الملفات لمن؟.. للمدير؟..الذي هو عماد خطيبها.. تذهب اليه وتتحدث اليه.. وبهذا ستضطر لمواجهته.. لا ليست لديها القدرة على مواجهته الآن..يجب ان ترفض.. ان...
وقالت وهي تهز رأسها نفيا: معذرة ولكني اشعر بالتعب ..فلتذهب أي موظفة اخرى بدلاً مني..
قالت زميلتها بهدوء: انه يطلبك بالاسم..
اتسعت عينا ليلى باستنكار ودهشة وقالت بانفعال: ماذا؟؟..
وكأنها تنبهت الى انفعالها.. فخفضت صوتها قائلة: اعني لا استطيع الذهاب.. انا اشعر بالتعب و...
قاطعتها زميلتها قائلة: ولكني اخبرته انك قادمة..ثم لماذا ترفضين الذهاب اليه؟.. هل هو الخجل يا ترى؟.. ام انكما متشاجران؟؟..
انتفضت ليلى اثر عبارة زميلتها الاخيرة وقالت نافية: كلا ابدا لا هذا ولا ذاك..
- اذا لم ترفضين الـ...
جاء دور ليلى لتقاطعها قائلة: لانني متعبة لا غير.. ولكن لاثبت لك انه لا شيء مما قلته صحيح.. سآخذها اليه الآن..
قالتها والتقطت عدد من الملفات وهي تمثل اللامبالاة.. مع ان دقات قلبها تنبض بعنف شديد.. وارتباكها قد سيطر على كيانها كله .. حتى ان اناملها بدأت بالارتجاف ..وازدردت لعابها بصعوبة في محاولة منها للسيطرة على توترها .. وسارت بخطوات بطيئة بعض الشي مغادرة القسم..حاولت السيطرة على ارتباكها وهي تبعد خصلات شعرها خلف اذنها..وحاولت قدر الامكان الابطاء من حركتها.. وكأنها لن تصل الى مكتب عماد لو فعلت ذلك..
ووجدت نفسها أخيرا في مكتب سكرتيرته الخاصة التي قالت لها: هل من مساعدة اقدمها لك يا آنسة؟..
قالت ليلى بارتباك وهي تزيح خصلات شعرها خلف اذنها مرة اخرى بتوتر: انا ليلى .. موظفة الحسابات.. وقد.. احضرت الملفات..كما...
تنهدت وهي تحاول تمالك نفسها لتكمل .. ولكن السكرتيرة قالت في سرعة: يمكنك الدخول يا آنسة.. لقد طلب مني السيد عماد ادخالك على الفور..
ازدردت ليلى لعابها.. انه يتعمد ذلك.. يتعمد اللقاء بها..هذا اللقاء الذي تتحاشاه.. طلبها بالاسم.. والآن يتعجل دخولها اليه.. وقالت متحدثة الى السكرتيرة: الا يمكنك ان تعطيه الملفات بدلا مني؟.. فلدي من العمل الكثير..
قالت السكرتيرة باعتذار: معذرة يا آنسة.. لقد طلب ان تسلميه الملفات بنفسك.. وليس أي موظفة سواك..
وهاهي ذي نقطة ثالثة تثبت لها الامر.. وعقدت حاجبيها بغتة وقالت متحدثة الى نفسها مصطنعة التحدي والقوة: (ومم اخشى؟.. سأمنحه الملفات وأخرج.. كأي موظفة اخرى.. ماذا يستطيع ان يفعل بي حتى اخشى لقاءه.. لاشيء.. ثم انني مرتبطة به..اجل سأدخل ليس هناك ما اخشاه.. لست بالجبانة ابدا..)
وتوجهت الى حيث باب مكتبه لتطرق الباب وبدون ان تسمع حتى صوته يدعوها للدخول دلفت الى الداخل.. بخطوات حاولت قدر المستطاع ان تكون هادئة....

جنــــون 11-23-2011 01:33 AM

* الجزء التاسع والعشرون*
(هل تحبيني يا حلم حياتي؟)



توجهت ليلى الى حيث باب مكتب عماد لتطرق الباب وبدون ان تسمع حتى صوته يدعوها للدخول دلفت الى الداخل.. بخطوات حاولت قدر المستطاع ان تكون هادئة..
وتبخر تحديها بغتة كله في الهواء .. وهي تتطلع الى عماد الذي كان مغمض العينين ويبدوا عليه التعب وهو يعقد حاجبيه بذلك النحو ويقطب جبينه ..واحست بالشفقة تجاهه.. انه يبدوا متعبا للغاية.. ترى أبسببي انا وبسبب ما حدث بيننا ام لسبب آخر؟..تطلعت اليه بعطف ورق قلبها تجاهه.. ولكنها تمسكت بكرامتها ووضعت الملفات على مكتبه دون ان تنطق بكلمة وكادت ان تنسحب من المكان ظنا منها انه لم ينتبه الى وجودها حتى وهو متعب على هذا النحو ..لكنها لم تكن تدرك ان عماد قد استمع الى صوت فتح الباب والى خطواتها التي تقترب من مكتبه.. وتسلل الى انفه عبيرها عندما اقتربت منه.. وحتى صوت انفاسها المتوترة كانت مسموعة لديه..وهمس قائلا وهو يفتح عينيه ليوقفها: انتظري قليلا يا ليلى ..
لم تتحرك من مكانها وقد سيطر عليها التوتر اثر فتح عينيه فجأة وقالت محاولة السيطرة على اضطرابها: اتطلب أي شيء آخر يا سيد عماد؟..
قال عماد وفي عينيه نظرة رجاء: اجل.. اطلب دقائق فقط لأشرح موقفي لك..
قالت ليلى ببرود: هذا لا يدخل نطاق عملك يا سيد عماد على ما اعتقد.. لهذا سأنصرف ..عن اذنك..
التفتت عنه لتنصرف.. ولكن كف عماد امسكت بمعصمها في سرعة وقال هو بارهاق: ليلى لا تفعلي هذا بي.. انا متعب للغاية.. لم انم ليلة البارحة.. وانا افكر بكل ما حدث .. لقد اخطأت واعترف بهذا.. ولكن امنحيني فرصة للدفاع عن نفسي.. لا تصدري حكمك علي بدون الاستماع حتى لتبريراتي..
قالت ليلى وغصة مرارة تملأ حلقها: وماذا ستقول؟.. المزيد من الخداع.. المزيد من الاكاذيب.. لم اعد احتمل سماع المزيد منها.. اترك معصمي من فضلك ودعني اغادر..
ترك عماد معصمها على عكس ما كانت تتوقع.. واحست لوهلة بالدهشة .. ولكنها لم تستمر في دهشتها بل التفتت عنه لتغادر المكتب.. وما كادت تسير بضع خطوات مبتعدة عنه حتى وجدته خلفها يمسك بذراعها بقوة وهو يقول: حسنا يا ليلى.. لقد سأمت هذه اللعبة.. سينتهي الامر الآن.. وستستمعين الي شئت ام ابيت..
رفعت ليلى حاجبيها باستنكار وقالت: هل اصبح الاستماع اليك امرا مفروضا علي ايضا؟..
قال بغضب: اجل .. عندما تتهميني بالخداع وبالاكاذيب ..عندما تتهميني بأن عاطفتي لك ليست الا كذبا.. عندما ترفضين الاستماع الي والى تبريراتي.. فمن حقي هنا ان ادافع عن نفسي.. وافرض عليك الاستماع الي والى ما سأقوله..
قالت ليلى بحدة: واذا رفضت الاستماع اليك.. ما الذي ستفعله؟..
اشتعلت عينا عماد غضبا..وقال وهو يتقدم منها: اجلسي..
لأول مرة منذ التقت به.. تراه ليلى غاضبا الى هذه الدرجة ..وتراجعت الى الوراء لا اراديا.. فصاح بها قائلا بانفعال: قلت اجلسي..الا تسمعين؟..
اطاعته بخوف واستسلام.. وهي تجلس على الاريكة .. فقال عماد وهو يجلس بدوره على المقعد: حسنا يا ليلى سنبدأ منذ بداية علاقتي بك..والتي كنت ترفضين تقربي منك لمجرد اني مدير هذه الشركة..لقد وجدت وقتها ان فرصة ان اكون قريبا منك تعادل الصفر بالمائة لو اخبرتك اني ابن صاحب هذه الشركة ايضا..لهذا فضلت الصمت وعدم اخبارك بالامر .. حتى تكوني قريبة مني.. بدون حواجز او معوقات تبعدنا عن بعضنا.. ليس ذنبي اني ولدت لأكون ابن صاحب هذه الشركة.. وليس ذنبك ايضا انك ولدت لتكوني موظفة فيها.. ولكن ذنبنا نحن الاثنين ان كنا سنجعل من هذه الامور التافهة عائقا بيننا..
وصمت عماد اخيرا ليلتقط انفاسه ويحاول السيطرة على عصبيته وتطلع الى ليلى التي اغرورقت عيناها بالدموع بصمت ..وانتظرها حتى تتحدث ..وبعد دقيقة كاملة من الصمت قالت ليلى بصوت مختنق: اتعتقد ان ما قلته يعد مبررا؟.. اتعتقد اني لم اكن لأعلم الامر عاجلا ام آجلا.. ام انها كذبة اخرى؟..
قال عماد بانفعال: اقسم على انها ليست كذبة.. اقسم على اني لم اكذب عليك في يوم..سوى ما اخفيته عنك بشأن اني ابن مالك هذه الشركة..اقسم اني احبك الى حد الجنون.. اقسم على اني لم اعد احتمل المزيد من مما تفعلين..
واردف وهو يمسك جبينه بتعب: ليلى ارجوك .. انسي هذا الامر.. اني اعترف بخطأي وانه لم يكن يجب علي ان اخفي عنك امرا كهذا..ليلى حفلة الخطوبة لم يبقى عليها سوى ايام .. لا اريد ان ...
بتر عبارته وهو يحاول التقاط انفاسه .. وليلى تراقبه بصمت ..وقالت بعد وهلة من الصمت: عماد.. اتعلم لماذا انفصل ابي عن امي؟..
تطلع اليها بغرابة ومن ثم اجابها بحيرة: لقد قلت ان ابيك كان عصبيا وكانت هناك الكثير من المشاكل التي تنشأ بينه وبين والدتك بسبب هذه العصبية..
قالت ليلى بشرود: اجل كان هذا سبب من الاسباب ولكن السبب الرئيسي كان ان ابي قد خدع امي في يوم.. ربما لم يقصد ذلك.. ولكن امي وقتها اصرت على الانفصال.. ولهذا بات الخداع والكذب اكثر صفتين ابغضهما في هذا العالم.. لأنهما كانا سببا في هذا الانفصال بين والدي ووالدتي .. لهذا لا اريد ان تتكرر المأساة..وان يجد طفل ما نفسه مشتتا بين والدين منفصلين ..
وسالت دموعها على خديها بلا استئذان.. فقال عماد بحنان : ليلى.. والديك مجرد حالة في هذا العالم .. لا تجعليهما قاعدة لنا.. ربما كان الخداع صفة بغيضة.. ولكن الحب امر رائع.. لهذا لا تدعي مثل هذا الامر.. يهدم هذا الحب الذي بنيناه سويا..
دفنت وجهها بين كفيها واخذت تشهق شهقات مكتومة وهي تنتحب.. ووجدت عماد يبعد كفيها عن وجهها بغتة فتطلعت اليه بغرابة .. فقال بهمس: ولم البكاء الآن؟..
تطلعت اليه بصمت غير قادرة على التحدث.. فقال عماد وهو يمسح دموعها بأنامله: هل كذبت عليك في يوم يا ليلى؟..هل فعلت يوما؟..هل تشكين في صدق حبي لك؟..
هزت ليلى رأسها نفيا..فقال عماد برجاء: اذا لم كل هذه القسوة؟.. لم لا تنسين ما حدث ونبدأ صفحة جديدة؟..
- من الصعب على الانسان ان ينسى بسهولة..
- ولكن ليس امرا صعبا ان يسامح انسانا يحبه بجنون..
تطلعت اليه وقالت متسائلة: الن تتخلى عني يوما؟.. الن تتركني وتذهب كما فعل ابي؟..
قال عماد وهو يبتسم: والدك لم يتركك ابدا يا ليلى..انه موجود في أي وقت احتجت اليه..
واردف بحب: اما انا..فقلبي ينبض بأسمك ولأجلك.. لو فكرت يوما ان اتركك فحينها سيتوقف هذا القلب عن النبض..وستجديني جثة هامدة جسدا بلا روح..
اسرعت ليلى تقول: لا تقل مثل هذا الكلام ارجوك.. كيف لي ان احيا في هذا العالم دون ان تكون الى جواري..
قال عماد بابتسامة: هل اعد هذا بداية للصفح عني؟..
قالت ليلى وهي تطرق برأسها وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيها: انت قلتها.. كيف لي ان لا اسامح انسان يحبني وانا اعشقه..
تطلع لها عماد بحب والتقط كفها بين كفيه وقال وعيناه تنطقان بهذا الحب الكبير:بل انا من يعشقك يا ليلى .. انت حلم حياتي ..الذي تحقق...
**********
رنين متصل في ذلك القسم من مبنى الصحيفة جعل وعد تترك ما في يدها وتلتقط هاتفها المحمول لتجيبه قائلة: اهلا هشام.. كيف حالك؟..
قال بسخرية: في اسوأ حال.. ماذا عنك؟.. انك في افضل حال اليس كذلك؟..
قالت بمرح: من قال هذا لدي تقرير كامل علي انجازه اليوم وهذا يعني عدم الحصول حتى لساعة واحدة للراحة..
قال بسخط وغيرة واضحة: ولكن اثنين من الرجال حولك ..ماذا تريدين اكثر من ذلك؟..
ادركت تلميحه وقالت وهي تضحك: حقا؟.. والشركة التي تعمل بها تمتلأ بالفتيات الجميلات ايضا.. ما المشكلة في الامر؟..
قال بحنق: المشكلة انك تعملين معهم في نفس القسم.. اما انا فأعمل مع مجموعة من الرجال في القسم و...
قاطعته وعد قائلة: ومهندسة واحدة لا تحاول الانكار..
صمت بغرابة لمعرفتها بهذا الامر .. وقال متسائلا: وكيف عرفت؟..
قالت وعد بمرح: شقيقتك العزيزة بالخدمة دائما..
قال بسخرية: هكذا اذا.. كل اخباري تصل اليك عن طريقها..
- اجل.. تماما كما اخباري تصل اليك عن طريقها ايضا..
واردفت بجدية: اعلم ان وراء اتصالك سببا ما.. فما هو؟..
قال هشام يهدوء: اجل انت محقة في هذا..
- اخبرني اذا لم اتصالك هذا؟...
قال بجدية وحزم: اريد ان اسألك سؤالا واريد اجابته بصراحة..
ادركت وعد ان سؤاله لن يكون عاديا .. وقالت بتردد: تفضل..
قال وهو يضغط على حروف كلماته: هل هناك شخص في حياتك؟..
اتسعت عينا وعد..ولم تقوى على الاجابة..ما الذي يدفعه ليسأل سؤالا كهذا الآن..هل شعر بشيء ما ام ماذا؟..هل حبي لطارق الذي اخفيه بداخلي يبدوا واضحا للعيان..ام اني لا استطيع اخفاء مشاعري؟..
وقال هشام وهو يعقد حاجبيه بغرابة اثر صمتها: الا زلت على الخط؟..
قالت وعد وهي تزفر بحدة: بلى..
- لم تجيبي على سؤالي؟..
قالت بارتباك: وما الذي يدفعك لتسأل سؤالا كهذا؟..
قال هشام بصدق: احساس بداخلي يخبرني انك بعيدة عني بسبب شخص ما..هل انا محق؟..
الجمت الصدمة لسان وعد..لم تعلم بم تجيب او ماذا تقول.. انه يكاد يكشفها.. ما الذي يمكنها قوله؟..هل تصمت.. ام تكذب.. ام تخبره بالحقيقة؟.. لا تعلم.. لا تعلم..
وحاولت النطق بأي شيء ولكنها ترددت وهي تحاول التفكير في عاقبة ما ستقوله.. في حين قال هشام على الطرف الآخر : هل اعد صمتك هذا دليلا على اني محق في كل ما قلته..
اسرعت تقول: هشام استمع الي.. سواء اكان هناك شخص في حياتي ام لا.. سنظل ابناء عم دائما..
فهم هشام من عبارتها انها تعني ان مهما حدث لن تقبل به زوجا لها ابدا..وقال بمرارة: حسنا هل لي ان اعلم السبب؟..
تنهدت وعد وقالت: هشام.. كم مرة علي ان اعيد عليك هذا الامر.. مشاعري لك لا تتجاوز حدود الاخوة.. كيف لي ان اقبل بأخي ان يكون زوجا لي.. لقد تربينا سويا يا هشام.. حتى طعامنا كنا نتقاسمه احيانا.. هل تظن انه من السهل علي ان احول مشاعر الاخوة هذه لشخص اعتدت ان يكون اخي.. الى مشاعر حب لزوجي؟..
قال هشام بعصبية: ولكني احبك.. لم لا تفهمين؟..
قالت وعد بحنق: وانا احب شخصا آخر .. هل ارتحت الآن؟..
لم تدرك وعد فداحة ما نطقت به الا بعد ان قالته..وادركت انه لا مجال للتراجع وانها بهذا قد زادت الطين بله.. وقال هشام بسخرية مريرة: اذا فقد كنت محقا منذ البداية..
قالت وعد في سرعة: لا تتسرع يا هشام.. لقد قلت ما قلته في لحظة انفعال و....
قاطعها قائلا بغضب: لن تخدعيني يا وعد.. اكثر شخص يفهمك في هذا العالم هو انا..واعلم انك لا تقولين ما تخفينه الا في لحظات استفزازك او انفعالك..وان ما قلتيه الآن هو الحقيقة بعينها.. اخبريني من هو؟.. ولم فضلته علي؟..
ظلت صامتة دون ان تجيبه .. ثم من اين لها القوة بأن تجيبه ..وقال هو بغضب اكبر: فليكن يا وعد..لا تتحدثي وابقي صامتة.. ولكني اقسم يا وعد.. اتسمعين اقسم على اني لن اسمح لأي شخص بالزواج منك.. فمادمت لست لي.. فلن تكوني لسواي..
كاد هشام ان يغلق الخط لأن وعد ظلت صامتة لفترة من الوقت دون ان تتحدث ولكن هذه الاخيرة قالت بصوت منفعل ومختنق اخيرا: لم انت اناني يا هشام؟.. اخبرني لم؟..
قال هشام بدهشة: انا اناني يا وعد؟..
قالت بحدة وغصة تملأ حلقها: اجل انت.. لا تفكر الا بنفسك .. تقول انك تحبني.. ومن يحب .. يحب الخير لحبيبته.. ماذا عني انا؟.. الم تفكر بي؟.. الم تفكر بمشاعري؟..الم تفكر اني ربما لا اكون سعيدة معك؟.. لا تفكر الا في نفسك.. وان تحظى بمن تحب.. لكن انا لا اهمك.. ان كنت سأسعد معك.. ام سأتألم..
قال هشام محاولا الدفاع عن نفسه على الرغم من الذهول الذي اصابه من كل ما نطقت به وعد: وانت ايضا لم تفكري بي يا وعد.. لم تفكري ان حبك المتوجه لشحص آخر سيقتلني..
قالت وعدواناملها ترتجف من شدة النفعال: لو لم اكن افكر بك.. لقبلت بشخص يحبني على الرغم من اني لا ابادله العاطفة ..اتعلم ماذا سأكون انا عندها.. مجرد فتاة حقيرة استغلت مشاعر من تحب على الرغم من انها تفكر في شخص آخر..
قال هشام وهو يحاول السيطرة على غضبه: هل لي ان اعلم من هو على الاقل؟..
- ليس المهم ان تعرفه.. المهم ان تعرف.. انك شقيقي يا هشام.. وستظل كذلك دائما..
- ولكن يا وعد..انا...
قاطعته وعد قائلة لتنهي الحديث قبل ان تنفجر الدموع من عينيها: عن اذنك الآن يا هشام.. لدي من العمل الكثير.. الى اللقاء..
قالتها واغلقت الهاتف.. وهي تحاول السيطرة على انفعالها وارتجاف اناملها.. وربما من حسن حظ وعد ان طارق قد غادر المكتب منذ فترة ولم يعد اليه حتى الآن.. والا لكان لاحظ كل شيء وكل تعابير وجهها الحزينة وما كان ليتركها وشأنها وهي في هذه الحالة..ولسألها عشرات الاسألة ليعلم ما بها..ولكانت حينها ستنفجر بالبكاء دون شك..وهي تكره ان يراها احد وهي على هذه الحالة..
وجدت نفسها تنهض من على المقعد وتقول بصوت متحشرج: عن اذنكم..
وتسرع بمغادرة القسم..في خطوات سريعة وهي تحاول ان تمنع تلك الدموع من الانذراف على وجنتيها وعينا احمد ونادية تتبعانها في قلق .. ولم تنتبه في سيرها بسبب عجلتها هذه فاصطدمت بعدد من الاشخاص في طريقها دون قصد منها وفي كل مرة كانت تتمتم: المعذرة.. انا في عجلة من امري..
وبدت لها دورة المياه بعيدة جدا وكأنها لن تصلها ابدا.. وما ان لمحت اللاقتة.. حتى اسرعت الى هناك ولم تلبث ان اصطدمت بشخص آخر وقالت: المعذرة لم اقصد.. آسفة جدا..
وكادت ان تبتعدعنه لولا ان سمعته يقول وهو يهمس في اذنها: لا بأس... ولكن انتبهي مرة اخرى في طريقك..
التفتت لطارق لوهلة بدهشة ناطق العبارة السابقة.. ولكنها لم تلبث ان اشاحت بوجهها عنه لتواصل طريقها..ولكن كف طارق كانت اسرع منها فأمسك بذراعها بقلق وهو يقول: وعد .. ماذا بك؟..
هذا ما كانت تخشاه.. وقالت بصوت حاولت ان يبدوا طبيعيا: لا شيء ابدا..
عقد حاجبيه وقال: على من تكذبين.. عيناك تملأهما الدموع..
قالت وعد بصوت مختنق دون ان تلتفت لطارق حتى: ارجوك دعني اذهب..لم اعد احتمل..
افلت يدها وهو في غرابة مما اصابها ومن سر بكائها هذا.. فابستثناء انه قد رآها تبكي مرة واحد بعد سماع قصته مع مايا.. لم يراها حزينة ابدا بعدها.. ترى ما الذي حدث؟.. ومن السبب في حزنها هذا..
ولم يجد امامه الا احمد ليشبع فضوله منه.. ويعلم سر حالة وعد.. وما ان دلف الى داخل القسم حتى قال: ما الار؟.. ماذا بها وعد؟..
تنهد احمد وقال: لست اعلم ولكني سمعت كلمات مبعثرة من حديثها على الهاتف..ثم اني لا احب التدخل في المشاكل الخاصة بشخص ما..
قال طارق وهو يجذب له مقعدا ويجلس عليه بجوار مكتب احمد: ولا انا.. ولكن يهمني معرفة سبب حزنها هذا..
قال احمد وهو يسأله بهدوء: ولم؟..
صمت طارق للحظات ومن ثم قال: لانها زميلة عزيزة وارغب في التخفيف عنها و...
قاطعه احمد بسخرية وقال: هل تظن اني قد صدقتك الآن؟..
واردف بهدوء: اعلم كم يهمك امرها ومعرفة سبب حزنها هذا.. ولهذا سأخبرك.. لم استمع الى ما قالته جيدا.. ولكن يبدوا الامر يخص شخص ما يود التقدم لخطبتها وهي قد رفضته.. ويبدوا انه يصر على الزواج منها على الرغم من رفضها له...
وكأن تيار كهربي قد صعق طارق.. فانتفض في مكانه وهو يقول: ماذا؟.. خطبة وشخص تقدم لخطبتها..
اومأ احمد برأسه وقال: اجل.. فقد سمعتها تقول له انه كأخ لها وانه سيظل كذلك..و...
صمت احمد بغتة وكأنه قد تذكر شيئا ما واردف وهو يعقد حاجبيه: اظن انه ابن عمها الذي جاء لزيارتها قبل اسبوعين هنا.. فقد سمعتها تناديه باسمه..هل تذكره؟..
اومأ طارق برأسه وقال ببرود: اجل اذكره.. واسمه هشام على ما اعتقد..
قال احمد وهو يتذكر: اظن انه هو .. ولكن لا اعلم سر رفضها له.. يبدوا انها تعتبره كأخ لها.. ويبدوا انه لم يتقبل مثل هذا الامر..
قال طارق وهو يتطلع الى احمد بحاجبين معقودين: حسنا اكمل..
قال احمد وهو يزفر بحدة: لقد كان صوتها في البداية منخفضا لهذا لم استمع اليها جيدا.. ولكن في لحظة وجدتها تنفعل وتقول لابن عمها..انها تحب شخصا آخر...
تطلع طارق اليه بدهشة وقد اتسعت عيناه.. وهو يحاول استيعاب ما قاله احمد .. وقال بعد ان سيطر على دهشته: تحب شخصا آخر؟؟.. لم قالت هذا؟.. ومن هو هذا الشخص؟؟..
قال احمد وهو يهز كتفيه: لم قالت هذا.. فلست اعلم.. ربما قالتها في لحظة انفعال حتى تتخلص من اصرار ابن عمها على الزواج منها..وربما كانت تقول الصدق.. اما بانسبة لمن هو...
صمت احمد للحظات ومن ثم اردف وهو يميل نحوه بخبث: فيمكنك ان تسألها بنفسك..
قال طارق باستنكار: ماذا تقول؟؟..اجننت؟؟..
- لا ليس بعد.. ولكن اظن انك انت من سيجن لو لم تعلم بحقيقة حبها لذاك الشخص ومن يكون..
قال طارق بحدة وهو ينهض من على المقعد: كف عن هذا الهراء..
غمز احمد بعينه وقال: اواثق انه هراء؟..
مط طارق شفتيه وابتعد الى حيث مكتبه وجلس خلفه ويهز قدمه بعصبية.. ما سر بكاء وعد؟.. امعقول انه مجرد ان يتقدم شخص ما لخطبتها..لا.. يبدوا ان الامر اكبر من ذلك..ثم من هو هذا الشخص الذي تحبه؟.. وهل حقا هي تحب؟.. وان كانت كذلك.. فمن يكون؟؟ ..من؟؟..
لو استطيع التحدث اليها الآن.. لو استطيع .. لعلمت منها الامر .. ولكن .. من انا حتى تخبره بمشاكلها الشخصية.. مجرد زميل لها في العمل .. ليس له الحق في التدخل فيما لا يعنيه ..ولكن.. العلاقة بيننا اكبر من ذلك.. اننا اكثر من زملاء عمل .. ربما اصدقاء او... انها تفهم ما يتبادر بذهني قبل ان اقوله.. وانا استطيع قراءة عينيها دون ان تفتح شفتيها..ترى هل هذا هو الحب؟.. وهل انا من تحب؟.. هل انا هو؟؟..اريد ان اعلم..وعد اجيبيني ارجوك.. هل تشعرين بالتوتر كلما التقت عينانا كما اشعر به انا تماما؟.. هل تتمنين ان لا ينقضي الوقت سريعا عندما نكون معا كما اتمنى انا ذلك؟.. هل تشعرين بالسعادة كلما رأيتني مقبلا على المكتب كما اشعر انا بها عندما اراك تدلفين اليه؟..هل يشرد ذهنك بالتفكير بي طوال الوقت كما يحدث معي؟.. هل تشعرين بنفسك في عالم آخر عندما ترين الابتسامة على شفتي كما اشعر انا بابتسامتك تسحرني؟ .. هل ترغمك عينانا كلما التقيتا على الغوص في بحر الاخرى وتمنعك من الاشاحة بوجهك؟.. ارجوك اجيبيني يا وعد..هل تحبين شخصا يراك الآن حلم حياته؟..هل تحبيني يا وعد كما احبك.. اجيبيني .. ارجوك..
وظلت افكاره تسبح في عقله .. دون ان تسبب له الا مزيدا من الحيرة.. واليأس من العثور على اجابة واحدة فحسب لأي من تساؤلاته..
*********
قال عماد مداعبا وهو يفتح لليلى باب السيارة: تفضلي يا سمو الاميرة..
قالت ليلى مبتسمة وهي تهبط من السيارة: الن تكف عن حركاتك المسرحية هذه؟..
قال وهو يغمز لها بعينه: كلا وخصوصا معك..
واردف وهو يسير الى جوارها الى ذلك المطعم: هل يعجبك المكان؟..
اومأت برأسها وقالت: كثيرا..
وما ان دلفا الى الداخل واختارا احدى الطاولات.. حتى اسرع عماد يجذب لها مقعد وهو يهمس لها قائلا: تفضلي بالجلوس اميرتي..
التفتت له وقالت بابتسامة عذبة: الا ترى انك تبالغ في معاملتي اليوم كثيرا؟..
قال وهو يشير الى نفسه باستنكار مصطنع: انا ؟.. ابدا..
وهمس لها قائلا بخبث: انا ادللك فقط..
ابتسمت بخجل وجلست على المقعد..وقالت بارتباك: عماد..هذا يكفي..
قال وهو يميل برأسه لها بخبث: ماذا قلت؟..
قالت بانفعال وارتباكها قد وصل اقصاه: يكفي..
ضحك بمرح واعتدل في وقفته وقال: ليتك تستطيعين النظر الى وجهك الآن...
قالت باستغراب: لم ؟.. ما به وجهي؟..
- لقد اصبح في لون ثمرة الطماطم..
قالت باضطراب وانفاسها تتلاحق: اجل.. كله بسببك ..اذهب واجلس على مقعدك.. ام انك تفضل الوقوف خلفي هكذا..
قال مبتسما وهو يمسك ذقنه: لو كنت تريدين الصدق.. فأنا افضل الوقوف خلفك..
قالت بعصبية: عماد يكفي ارجوك الناس بدأت تتطلع الينا..
قال مبتسما بحنان: وما دخلهم بنا؟.. انا وخطيبتي احرار..
لم تستطع التحدث امام ابتسامته الحانية ..ولم تجد امامها سوى ان تطرق برأسها خجلا.. فجذب له عماد المقعد الواجه لها وقال وهو يجلس عليه: يالك من فتاة.. لم اكن ادرك من قبل انك خجولة الى هذه الدرجة..
قالها ورفع ذقنها بسبابته برقة.. فتطلعت اليه ليلى وقلبها يخفق بشدة..وقالت بصوت متقطع: عماد.. فلتنادي النادل ..حتى نقوم بطلب ما نريد..
- الا ترين معي ان بدونه يصبح الوضع افضل؟..
قالت ليلى بصوت مرتجف وقد جف لعابها من حلقها اثر اضطرابها: عماد.. ماذا جرى لك اليوم؟..
قال عماد بابتسامة واسعة: اني سعيد.. لا بل في قمة السعادة. . انني احلق فرحا.. ان كان هذا الوصف يوفي.. فمحبوبتي تجلس امامي ومعي وانا اتبادل معها الاحاديث كما اشاء ..دون ان يمنعنا أي شخص..
توردت وجنتاها خجلا من كلماته لكنها لم تلبث ان ابتسمت قائلة: اظن انك مخطأ..
رفع حاجبيه باستغراب.. فتطلعت ليلى الى نقطة ما خلف عماد..والتفت عماد بدوره ليرى ما تنظر اليه.. وتجهم وجهه للحظة وهو يستمع الى القادم وهو يقول: ماذا تطلبان؟..
ابتسمت ليلى بمرح وهي ترى ملامح عماد المتجهمة في حن قال عماد بهدوء: كأسا عصير الفواكة من فضلك..
سأله النادل قائلا: هل تريد شيئا آخر ايضا؟..
- لا شكرا لك..
انصرف النادل بهدوء مغادرا في حين التفت عماد الى ليلى التي كانت تتطلع اليه وعلى شفتيها ابتسامة مرحة. .فقال عماد: لم تخبريني.. هل يناسبك الاسبوع القادم لحفل الخطبة؟..
اومأت ليلى برأسها بصمت.. فقال وابتسامة مرتسمة على شفتيه: جيد..حسنا اذا وماذا عن خطيبك؟.. هل يناسبك هو الآخر؟..
قالت ليلى مداعبة: ابدا.. افكر بتغييره..
قال عماد بغرور مصطنع: ومن اين لك ان تجدي شابا في مثل وسامتي وشخصي المميز؟ ..
قالت ليلى وفي صوتها رنة خجل: ولم انت واثق هكذا..
- لاني اثق بنفسي.. وادرك جيدا انه لايمكن لفتاة ان تقاوم سحري الخاص..
رقعت ليلى حاجبيها ومن ثم قالت بسخرية: هل بت تمارس العاب السحر؟..
ضحك عماد وقال: تقريبا..
وغمز بعينه مردفا: سحر من نوع خاص جدا..
قالها ومس كفها بانامله برقة.. مما جعل الرجفة تسري في جسدها كله.. وتطلعت اليه بحرج بالغ وقالت بهمس: اريد ان اسألك سؤالا؟..
قال وهو يعقد ذراعيه امام صدره: تفضلي..
ترددت ومن ثم قالت: هل انا اول حب في حياتك حقا؟..
صمت قليلا ومن ثم قال: لقد كنت معجب بفتاة قبلك ولكنها لم تكن تبادلني هذا الاعجاب لهذا لم احاول ان اوضح لها اعجابي هذا.. وانتهى الامر معها منذ ان عرفتك..
قالت بغيرة: هل يزعجك ان سألتك كيف تعرفت عليها؟..
قال بابتسامة : في الحقيقة لا اعلم.. لقد كانت اغلب الاحيان معي..
تطلعت له باستغراب فقال وابتسامته تتسع: انها ابنة عمتي..
عادت لتسأله وغيرتها تكبر بداخلها: وهل تراها كثيرا ؟..
ادرك من سؤالها انها تشعر بالغيرة تجاهه فقال بجدية مصطنعة: اجل كثيرا جدا.. وتأتي لزيارتي كثيرا..
عقدت حاجبيها وقالت بضيق: احقا؟..
رفع حاجبيه بدهشة مصطنعة وقال: اجل لم الاستغراب؟..
قالت بحنق واضح: لا شيء.. لست مندهشة او مستغربة ابدا..
ابتسم وقال: لقد حدثتها عنك وباركت لي على الخطبة.. وتحمست لتراك..
صمتت ليلى وهي تشعر بالضيق .. هل هي الغيرة التي اخذت تنهش في قلبها ؟... مع انه اكد لها ان الامر انتهى مع ابنة عمته..ام انها تشعر بهذا الضيق لأنها ليست اول فتاة في حياته؟..صمتت وهي تبعثر نظراتها بعيدا عن عماد.. وتحاول ان تشغل تفكيرها بأي امر أخر..ورأت النادل بعدها يضع كأسي العصير ومن ثم يتصرف مغادرا..
امسكت بكأسها بهدوء وكادت ان ترتشف منه لولا ان سمعت عماد يقول: ليلى..
تطلعت اليه بتساؤال وقالت: اجل..
قال بابتسامة ساحرة: احبك..
بهتت لوهلة ومن ثم لم تلبث الدماء ان تصاعدت الى وجنتيها ..وقالت بهمس: وانا كذلك..
غمز بعينه وقال: وانت كذلك ماذا؟..
تطلعت له وقالت بخجل: احبك..
قال عماد وهو يتطلع اليها بحنان: اتعلمين يا ليلى.. لقدكانت والدتي تصر علي ان اتزوج.. وخصوصا واني بالتاسعة والعشرين من عمري الآن.. او يمكنك ان تقولي اني على مشارف الثلاثين..ولم اتزوج بعد.. ولكني لم اكن ارغب بالزواج الا من فتاة.. افهمها وتفهمني.. اعجب بها..تبادلني اعجابي.. اميل اليها.. وتبادلني مشاعري..باختصار كنت ارغب بالزواج من فتاة احبها..
قالت متسائلة بفضول: وماهي مواصفات فتاة احلامك؟..
قال وهو يتطلع لها: تستطعين ان تقولي انها تشبهك..فقد تمنيتها ان تكون ذات قلب ابيض.. رقيقة..لا تخلو من المرح..تحب الناس..ذات شخصية قريبة من شخصيتك...و..ذات ملامح رائعة الجمال مثلك..
واردف وهو يتطلع لها: لقد كانت هذه الفتاة مجرد حلم في حياتي.. ولكن ها انذا اراه امامي الآن..
واستطرد وهو يتطلع لها: وانت ماذا كانت مواصفاتك لفارس احلامك؟..
قالت وهي تستجمع افكارها: لقد تمنيته رجل بكل معنى الكلمة..ذا شخصية قوية.. حازم ويأخذ حقه بيده..وفي الوقت ذاته.. تمنيته مرحا..طيبا وحنونا..يرسم البسمة على شفتي لو تضايقت.. ويمسح بانامله دموعي لو بكيت..
واردفت مبتسمة: لقد توقعت في يوم اني لن اجد هذا الشاب الذي رسمته في خيالي ابدا..ولكن المصادفات الذي جمعتني بك.. جعلتني اظن ان القدر يضعك امامي متعمدا..وانك انت من تمنيت بشهامتك التي رأيتك عليها منذ اول لقاء بيننا..
قال مبتسما: اذا فالاحلام تحقق..
قالت بابتسامة: يمكنك ان تقول هذا..وان احلامنا قد نستطيع تحقيقها بأيدينا لو اردنا ذلك..وخصوصا اذا كان اكبر حلم في حياتك..
قال بابتسامة هادئة: لعلك تعنين حلم حياتي الذي كنت اتمناه طوال عمري..والذي تحقق اخيرا..
قالت بخجل : ربما..
تطلع لها بنظرات تمتلأ بالحب وبادلته هي نظراتها الخجولة المتفرقة .. وها نحن ذا نرى ان حلم حياتهما قد تحقق اخيرا..

جنــــون 11-23-2011 01:33 AM

*الجزء الثلاثون*
(أيكما اختار؟)


ما ان عادت وعد الى القسم مرة اخرى حتى اسرعت الى مكتبها لتجمع حاجياتها وقال احمد باستغراب: ستغادرين؟..
قالت دون ان تلتفت له وهي تواصل جمعها لحاجياتها: اجل..
سألتها احمد قائلا بهدوء: ولم؟؟..
ظلت صامتة دون ان تجيبه.. وكاد طارق ان يكرر سؤال احمد لولا ان سمع وعد تجيب: اشعر بالصداع ولا استطيع مواصلة العمل.. ولقد اخذت اذن بالخروج من العمل وقد اذن لي المدير بذلك..
قالت نادية بابتسامة هادئة: سلامتك..
ردت لها وعد ابتسامتها بابتسامة شاحبة وقالت وهي تستعد للمغادرة: اراكم بخير .. الى اللقاء..
قال طارق فجأة : اترغبين في ان اوصلك؟..تبدين متعبة..
هزت رأسها نفيا وقالت: كلا .. اشكرك..
ومن ثم لم تلبث ان غادرت القسم.. ووجهها يحمل بوضوح آثار الحزن والارهاق النفسي على ملامحها..ماذا تفعل في هذه المصيبة؟.. ومن اين جاءت لها؟..هشام.. آخر انسان توقعت ان يسبب لها هذا الحزن الذي تشعر به الآن.. لم هو اناني هكذا؟..لم لا يفكر بي وبمشاعري؟.. اشعر بالقهر.. بالغضب.. برغبة في البكاء..
ولكن الدموع قد جفت في مقلتيها بعد بكائها المتواصل .. شعرت بقلبها ينعصر الما..ماذا تفعل؟.. او ماذا سيفعل هشام الآن؟..لن استغرب ابدا لو انه ينتظرها في منزلها الآن..
وصلت في تلك اللحظة الى الطابق الارضي.. وتنهدت تنهيدة قوية.. تحمل معها كل ما تخفيه في نفسها من ضيق وحزن ..وتوجهت نحو سيارتها..وفتحت باب السيارة.. لتصعد اليها..وما ان استقر بها المقام داخل السيارة..حتى انطلق رنين هاتفها المحمول..استغربت لوهلة من ذا الذي يتصل بها الآن؟ ..ومن ثم التقطته وهي تتطلع الى شاشته.. وتجمدت يدها عليه .. فلم يكن المتصل سوى هشام.. ماذا يريد الآن؟ .. الم يكفيه ما قاله؟..شعرت بالغضب يتفاقم داخلها.. ولكنها آثرت تجاهل رنين هاتفها.. ولكنه ظل يرن باصرار غريب.. وأخيرا اجابته وعد وهي تقول بانفعال: نعم ماذا تريد؟.. سوف تأتي الآن وتختطفني لتتزوجني رغما عني..
وعلى الرغم من الحزن الذي كان يكسوا وجه هشام الا انه قد ابتسم بشحوب وقال: فكرة لا بأس بها..
قالت بحدة: قل ماذا تريد.. وخلصني..
قال هشام بهدوء: اريد ان اتحدث معك بهدوء.. هل هذا ممكن؟..
- الم يكفيك كل ما قلته لي قبل قليل؟.. الم يكفيك؟..
قال هشام وهو يزدرد لعابه: وعد.. قد ترين ان ما اقوله انانية.. ولكن من الصعب علي ان ارى من احب ترسل مشاعرها لشخص آخر غيري..دون ان تتولدفي اعماقي الغيرة وافعل أي شيء لمنعها من ذلك..
قالت بحنق: اقتلني حتى نرتاح نحن الاثنين.. لو كان هذا الحل يرضيك..
قال هشام بحدة: روحي فداك يا وعد.. اقتل من يمس شعرة واحدة من رأسك..كيف تقولين مثل هذا الكلام؟..
قالت وعد بعصبية: ارجوك يا هشام انا متعبة واريد المغادرة.. الى اللقاء..
قالتها واغلقت الهاتف دون ان تنتظر منه جوابا.. هل يريد ان يصيبها بالجنون..ماذا يريدها ان تفعل له.. تحبه بالرغم منها.. أي جنون هذا...اشعلت المحرك بعصبية و...
وفجأة...
سمعت صوت طرقات على نافذة سيارتها.. التفتت لترى ما الامر..ولم تلبث ان شهقت بقوة.. وهي تضع كفها على فمها..وقالت بصوت قد بح من اثر المفاجأة: هشام!!!..
اشار لها هشام ان تفتح نافذتها.. ولكن اثر المفاجأة جعل عقلها يتوقف عن الاستيعاب.. فقالت بارتباك: ماذا؟..
قال وهو يرفع صوته: افتحي لنافذة..
ضغطت على زر النافذة وبدأت تنفتح تدريجيا.. وقالت وهي تتطلع الى هشام: ما الذي جاء بك الى هنا؟..
قال هشام بهدوء: من قال اني غادرت مكاني اصلا..
عقدت حاجبيها بتساؤل وقالت: ماذا تعني؟..
ابتسم بسخرية لنفسه وقال: انا هنا من اول مكالمة اجريتها معك.. لقد جئت لاصطحابك معي او ربما للصعود اليك.. وتوقعت ان حديثي معك بالهاتف سيثمر بنتيجة.. ولكنه زاد الامور سوءا ليس الا.. وخصوصا بعد علمي ان هناك من احتل قلبك..ولهذا فضلت تركك لترتاحي قليلا لاني اعلم ان حديثي معك كان قاسيا بعض الشيء على ان انتظرك حتى ينتهي عملك في الصحيفة..
قالت باستغراب: امجنون انت؟.. تنتطرني لخمس ساعات كاملة..
مال نحوها هشام وقال: ربما اكون مجنونا يا وعد..ولكن لاني احببتك..هذا ما اسميه الجنون.. ان تحب وتضحي بكل شيء حتى بكرامتك دون ان يأبه بك الغير..
تنهدت بصمت ومن ثم قالت: والمطلوب مني الآن؟..
- لا شيء.. اردت ان اعتذر منك عن اسلوبي في الحديث معك هذا اليوم و...
بتر عبارته ومن ثم اردف بجدية: واردت ان اتحدث اليك في مكان ما على انفراد..
قالت بنفاذ صبر: اين مثلا؟..
صمت ومن ثم قال: ما رايك بشاطئ البحر؟..
قالت باستغراب: ولم البحر بالذات؟..
هز كتفيه ومن ثم قال: لا لشيء ولكن لدي ذكرى عزيزة فيه.. وذكراها يجلب على نفسي السرور..
قالت وهي تجاريه لتعرف الى اين يريد ان يصل: حسنا سأكون هناك.. هل يرضيك هذا؟..
لم يجبها وابتعد عنها ليدلف الى سيارته وينطلق بها عابرا الشوارع وهو يفكر في وعد..بينما انطلقت وعد خلفه وهي تشعر بالسخط.. لم علي ان افعل ما يريد؟..لم لا يستطيع ان يفهم اني احب شخص آخر؟..هل حبه لي وصل الى مرحلة الجنون واللا استيعاب؟..حتى انه لا يستطيع ان يفهم انه اخ لي لا اكثر .. يا الهي .. كيف استطيع ان افهمه؟..ليتركني وشأني.. هشام صدقني لا اقصد جرح مشاعرك.. ولكني سأضطر لأن اقول ما سأقوله لك..
رأت سيارة هشام امامها تتوقف امام عند شاطئ البحر.. فتوقفت بدورها.. وتنهدت بقوة وهي تهبط من سيارتها.. ورأت هشام يشير لها بأن تقترب من حيث يقف..زفرت بملل واقتربت منه وقالت: والآن ماذا؟..
تطلع الى الافق البعيد وقال وابتسامة شاردة ترتسم على شفتيه: اتذكرين متى جئتِ الى هنا آخر مرة؟..
عقدت وعد حاجبيها بتفكير عميق وهي تحاول التذكر ومن ثم قالت: اظن انه قبل خمس او ست سنوات..
قال هشام وهو مستمر في لهجته الشاردة: قبل ست سنوات ونصف تقريبا..جئنا جميعا الى هذا المكان.. كرحلة ليوم واحد للاستمتاع بالعطلة الصيفية..كان يوما لا ينسى ..اتذكرينه؟..
استغربت وعد سؤاله عن هذه الذكريات التي حصلت قبل فترة طويلة ولكنها قالت: اجل اذكره.. ولكن بعض المواقف التي حدثت فقط.. لا تنسى انه قد مر زمن طويل عليها..
قال وهو يلتفت لها ويبتسم: لقد كنا انا وانت وفرح نسير بجوار البحر ونتبادل الاحاديث حين سمعتك تقولين: يا لمياه البحر الرائعة.. اتمنى السباحة فيها..
اجبتك حينها بقولي: وما الذي يمنعك؟..
هززت كتفيك وقلت: لا اشعر بالرغبة بذلك الآن..
قاطعته وعد لسرده لما يقوله وقالت مبتسمة: بلى لقد تذكرت الآن..يومها باغتني بحركة مفاجئة لتحملني بين ذراعيك واسقط انا معك في البحر..وقد كانت المياه باردة جدا..
قال هشام وهو يبتسم : ولقد اخذتي تصرخين.. "انزلني يا ايها المجنون.. انزلني.."
ضحكت وعد بمرح وقالت : ولا زلت مجنونا الى يومنا هذا..
قال هشام وهو يلتفت عنها ويتطلع الى صخرة ما في عرض البحر: اعترف بهذا..
ران الصمت بعد عبارته.. ووعد مستغربة حديثه عن ذكريات الامس.. لم يخبرها الآن بمثل تلك الذكريات؟ .. هل يحاول ان يصل الى امر ما؟.. ام انه يريد ان يريها انه هو وهي معا منذ ان كان صغارا..وقبل أي شخص آخر..
هزت رأسها بقلة حيلة.. والتفتت له منتظرة منه ان يتكلم .. ولكنه ظل صامتا..وسألته وعد قائلة: الام تنظر؟..
قال بهدوء: الى تلك الصخرة.. اترينها؟..
واشار الى حيث هي.. واردف هو قائلا دون ان ينتظر جوابها: على الرغم من انها صخرة صلبة لا يمكن ان يحطمها شيء بسهولة.. الا انها تتفتت تدريجيا بمجرد ضربات بسيطة من امواج البحر..
استغربت وعد حديثه ورفعت حاجبيها بحيرة .. فقال هشام مستطردا وهو يلتفت لها ولهجته تملأها المرارة والألم: وهذا ما يحدث لقلبي الآن يا وعد.. على الرغم من صلابته الا اني اشعر به يتحطم ويتفتت تدريجيا من مجرد كلمات قد لا تكوني تقصديها احيانا..وتتعمدينها احيانا أخرى..
أخذت وعد نفسا عميقا ومن ثم قالت وهي تبعدخصلات شعرها المتطايرة عن جبينها: هشام.. الا تتمنى لي السعادة؟..
قال هشام في سرعة: ستكون سعادتك معي يا وعد..لن ابخل عليك بشيء .. كل ما تطلبينه سيكون لك.. ستجدين معي كل ما تريدين .. من حب وحنان..سأحاول قدر الامكان ان اسعدك..
قالت وعدبهدوء شديد: وما ادراك ان سعادتي ستكون معك؟.. هل السعادة ستكون لو لبيت لي ما اطلب؟.. هل ستكون سعادتي لو حصلت على ما اريد؟.. وحتى لو منحتني حبك وحنانك.. فأنا لا استحقهما.. اتعلم لم؟.. لأني لا ابادلك هذه المشاعر..
قال هشام وهو يتطلع الى عينيها بحب وكأنه لم يسمع حرفا من مما قالته: لو طلبت منك الزواج الآن.. ماذا سيكون ردك؟..
اتسعت عينا وعد بصدمة وقالت محاولة ان تغير الموضوع: هشام ارجوك..لا تتـ...
قاطعها قائلا بجدية: ما هو ردك يا وعد؟..
ظلت وعد صامتة دون ان تجيبه..ومر في هذه اللحظة في ذهنها..طيف طارق..هل تتخلى عنه بهذه السهولة من اجل هشام؟..ماذا تفعل؟..هشام اكثر من اخ لها ولا تريد ان تفقده.. وطارق فارس احلامها.. حلم حياتها الذي كانت تحلم به طويلا.. واخيرا وجدته ورأته..ربما يكون طارق لا يبادلها المشاعر.. وتضيع حب اعز انسان على قلبها.. برفضها لهشام..وربما يبادلها طارق المشاعر ..فتخسره الى الابد لو قبلت بهشام.. هشام يعرض عليها الأمر الآن بجدية ومنتظرا جوابها.. ولهذا عليها ان تفكر بالامر مليا..
ورفعت رأسها اخيرا الى هشام الذي يتلهف لسماعها وهو خائف في الوقت ذاته من جوابها.. وسمعها تقول في تلك اللحظة: امنحني وقتا للتفكير.. واعدك ان افكر بالامر بجدية..
ابتسم هشام بهدوء.. كونها تريد مهلة للتفكير هذا لا يعني انها ترفضه رفضا قاطعا بل انها تفكر فيه على الاقل.. وهناك امل في ان توافق على الارتباط به.. وقال مبتسما: خذي وقتك بالتفكير.. ولكن لا تطيلي في اعطائي ردك.. فأنا انتظره على نار..
ابتسمت ابتسامة باهتة وقالت: لم انت متلهف هكذا؟..
قال بمداعبة وهو يدفع جبينها بسبابته: لاني اهوى تعذيبك ولن يكون هذا افضل من ان اقيدك بقيد الزواج..
قالت بمرح مصطنع: فهمت الآن سر اصرارك على الزواج بي.. ليس لأجلي اذا..
قال هشام بحنان: بل لاجلك.. وهل يوجد من هي اغلى منك عندي في هذا العالم؟..
قالت وعدمازحة: اجل والدتك..
قال بابتسامة: لكل منكما محبة خاصة في قلبي..
سألته وعد بغتة بجدية: فرضا لو وافقت يا هشام على الارتباط بك.. ستسمح لي ان اواصل عملي..اليس كذلك؟..
قال هشام مبتسما: اعلم كيف انت متعلقة بالصحافة ولن امنعك ابدا عما تحبين.. ما يهمني هي سعادتك.. وسعادتك فقط يا وعد..
ترددت عبارة هشام في ذهنها (لن امنعك ابدا عما تحبين).. لو تعلم يا هشام انك الآن بطلبك هذا ستمنعني حقا عمن احب.. ستمنعني عمن نبض له قلبي..و من تتلهف عيناي لرؤيته.. لو تعلم ذلك يا هشام.. لو تعلم...
********
زفر طرق بحدة وهو يتطلع الى ساعة يده بملل.. فقال احمد مبتسما: ليس من عادتك انتظار وقت انتهاء العمل هكذا..
قال طارق ببرود: لقد مللت وارغب بالنغادرة..
قال احمد بخيث: وهذا الشعور لم لم يأتي لك عندما كانت وعد هنا؟.. لم شعرت به عندما غادرت فقط؟..
قال طارق بتلقائية: هي التي تضفي جو من المرح هنا طوال الوقت .. هذا القسم كان هادئا صامتا لا يكاد يسمع منه صوت قبل ان تنضم اليه وتبعث فيه المرح ..
قال احمد بخبث اكبر: ليس المكتب فحسب.. هناك اشخاص ايضا كانوا بالكاد يتحدثون.. انطلق لسانهم فجأة منذ ان رأوا وعد..
قال طارق متعمدا عدم الاهتمام وكأنه لا يعلم شيئا عن الامر: ومن هم؟..
قال احمد وهو يبتسم بمكر: موجودون وفي هذا المكتب ايضا..
التفت له طارق وقال وفي عيناه نظرة خبث: لا تقل لي انه انت.. ما الذي ستقوله خطيبتك عنك الآن؟.. لم تصدق وان ترى فتاة واحدة حتى تتغير حالك..
- انظر من منا الذي تغيرت احواله..
- عن نفسي لم تتغير احوالي مطلقا..
قال احمدبسخرية: اجل في هذا معك حق.. وخصوصا وانك قد بت تمزح.. والبرود الذي كان يلازمك اصبحنا لا نراه الا عندما تغادر وعد مكتب..
قال طارق ببرود متعمد: لم مصر على ان لي علاقة بها..
- لانها الحقيقة.. ولكن بصراحة لست اعلم الى الآن.. لماذا لم تعترف لها انت بالامر..
قال طارق بمكابرة: لان ليس هناك ما اعترف به اصلا..
قال احمد بتحدي: اتقسم على ذلك؟..
قال طارق متهربا من الموضوع: اخبرني كم الساعة الآن؟..
قال احمد مبتسما: يمكنك المغادرة الآن انها الساعة الثانية ظهرا..اخرج سريعا حتى تتصل بها وتعرف احوالها بعد حزنها ذاك.. مع انه كان لا بد لك ان تتصل من هنا.. فالجميع هنا يعرف بأمر ما تخفيه بقلبك..
"الجميع"..اظن انك مخطأ يا احمد.. مخطأ بشكل كبير.. لو كان الجميع يعلم بهذا الامر.. لعلمت وعد بالحب الذي احمله لها في قلبي وبنظرات الحنان الذي اخصها بها.. لعلمت بأنها قد سلبت تفكيري بأكمله .. لعلمت انها قد باتت نبض قلبي..وحلم حياتي.. لا اعرف احيانا لم اشعر بأنها تريد ان تتهرب من كلماتي ونظراتي لها.. ليس الامر بدافع الخجل.. هناك سبب اكبر بالتأكيد ..ليتني اعرفه..
نهض من خلف مكتبه وجمع حاجياته في سرعة.. ليغادر القسم.. وما ان هم بمغادرته حتى سمع احمد يهتف من خلفه: على الاقل ودعنا قبل ان تغادر.. ام ان وعد قد انستك وجودنا تماما..
التفت له طارق وقال ببرود: ان كنت تريد اليوم ان تعود الى منزلك يا احمد دون كسور.. فالافضل لك ان تصمت..
ضحك احمد بقوة وقال : كل هذا من اجلها..
التفت عنه طارق بنفاذ صبر وهو يعلم ان النقاش سيستمر لو واصل في الحديث مع احمد.. فقرر المغادرة ومن ثم مغادرة المبنى بأكمله..وما ان وصل الى سيارته حتى احتل مقعد القيادة.. ووضع حاجياته على المقعد المجاور..ومن ثم لم يلبث ان تراءت على شفتيه ابتسامة..وهو يتذكر كلمات احمد.. وكأنه يعلم بما افكر فيه.. وكأنه قد ادرك اني كنت اعد الدقائق والثواني حتى ينتهي وقت العمل واتصل بها..
اشعل محرك سيارته وانطلق بها وفي الوقت ذاته التقط هاتفه واتصل بوعد.. استمر الهاتف بالرنين لوقت طويل دون ان يجد جوابا له.. استغرب الامر.. ربما تكون نائمة او قد تركت هاتفها على الوضع الصامت..توقف عن الاتصال للحظات ومن ثم لم يلبث ان عاود ذلك.. ولكن ما من مجيب...
على الطرف لاآخر كانت وعد تفكر بجدية بالطلب الذي عرضه عليها هشام.. ليس الرفض امرا بهذه السهولة.. هشام رجل بكل معنى الكلمة.. يملك شخصية رائعة تحلم بها كل فتاة.. مرح .. طيب القلب..ساخر.. مرهف المشاعر..هشام هو ابن عمها وتعرفه قبل أي انسان آخر.. عاشت معه لسنين طوال..ويمكنها القول انها عاشت معه العمر كله.. ولكن.. ليس الامر بيدها.. ليته كان كذلك .. لوافقت عليه في الحال...
طيف طارق لا يزال يهاجمها بين فترة واخرى.. وكأن التفكير في هشام بات خيانة لمن تحب..اشعر احيانا ان طارق مهتم لأمري.. اشعر في كلماته احيانا الحنان.. ولكن هل هذا معناه انه يبادلني المشاعر.. لا تخدعي نفسك يا وعد.. انسيت من هي مايا.. حبه الاول الذي لن يبارح قلبه مطلقا.. هي التي تحتل قلبه وعقله وليس أي فتاة سواها..
كانت قد تركتت هاتفها على الوضع الصامت حتى تفكر بهدوء دون ازعاج من أي شخص.. تنهدت بقوة وهي تسند رأسها الى وسادتها وهي جالسة على فراشها والوسادة خلف ظهرها.. ضمت رجليها الى صدرها وهي تشعر بالحيرة.. بالتردد..بم تجيبه ؟..بم؟.. لو كانت تشعر بأن طارق يبادلها مشاعرها لما انتظرت لحظة واحدة حتى ترفض .. وايضا هشام يعلم بأنها تعتبره شقيق لها ومع هذا مصر على الزواج منها.. وهذا يعني انه متمسك بها.. يا الهي ماذا افعل.. ارشدني..
وكأن الله قد استجاب لدعائها.. فالتفتت في تلك اللحظة الى هاتفها لتلتقطه وتتصل على فرح.. ولكنها شاهدت 3 مكالمات لم يتم الرد عليها.. ضغطت على زر الفتح.. وشعرت بالدهشة الكبيرة التي تتغلغل في نفسها وهي ترى ان جميع تلك المكالمات كانت من طارق..ماذا يريد منها؟ ..لم يتصل؟.. ربما كان الامر يتعلق بطلبها في الصحيفة.. اجل ربما هذا.. والا لم سيتصل بي؟...
هزت كتفيها بلامبالاة.. ولكن الهاتف في اللحظة ذاتها عاود رنينه المُلح ولكن بصمت..رأت اسم طارق يضيء على شاشة هاتفها دون ان تقوى على الاجابة.. وازدردت لعابها بصعوبة.. ربما الصحيفة تطلبني.. سأجيبه..وارى ما يريد..ضغطت على زر قبول المكالمة وقبل ان تنطق بحرف سمعته يقول بلهفة: واخيرا!!..
قالت وعد بغرابة: ما الامر؟..هل تتحدث معي؟..
قال معاتبا: اجل.. ما هذا يا وعد؟..لم لا تجيبين؟.. لقد اتصلت بك قبل الآن ثلاث مرات ولم تجيبي..
قالت وعد وهي تلتقط نفسا عميقا: لقد تركت هاتفي على الوضع الصامت ولم انتبه له.. اخبرني..ما الامر وما سر اتصالك؟ ..بالتأكيد الصحيفة تطلبني الآن.. اليس كذلك؟..
قال طارق مبتسما: ليست الصحيفة هذه المرة بل انا..
لم تفهم ما يعنيه فظلت صامتة وعلامات الدهشة تغلف وجهها ..وكأنه قد قرأ افكارها فقال: في الحقيقة يا وعد لقد اتصلت بك لاتحدث اليك في امر يخصك..
خفقات قلبها عادت لتنبض بشكل عنيف.. والحرارة انتشرت في جسدها كله.. مالذي يحدث لي؟.. قالت بصوت مبحوح ومرتبك: يخصني انا؟؟..
ابتسم وقال: اجل يخصك انت..
واردف بصوت هادئ: هل ستعتبرين اني اتدخل في امورك الخاصة لو اني سألتك عن سبب ضيقك وحزنك هذا اليوم؟..
ارتبكت وعد بشدة.. آخر شيء كانت تفكر فيه ان يكون قد اتصل بها للسؤال عنها.. الا يعتبر هذا اهتماما زائدا منه؟..وقالت وعد بعد برهة من الصمت: هل سيضايقك ان اخبرتك اني لا استطيع اجابة سؤالك هذا؟..
شعر طارق بالدهشة وقال بألم وهو يظن انها لا تريد منه ان يتدخل في امورها الشخصية: ولم؟..
وعد لم تكن تريد اخباره عن الامر اولا لأن هذا الامر يخصها وحدها ويندرج تحت بند الخصوصية لديها ..وثانيا لان امرا كهذا لن يهمه كما كانت تظن.. ثم لم تخبره؟ ..هل سيغير ذلك في الامرشيئا؟.. لا تظن..
واجابته بهدوء: لا اريد ازعاجك بمشاكلي..
قال طارق بجدية: وعد.. في يوم سألتيني عن سبب برودي الزائد وانا اجبتك.. وفتحت لك قلبي لاقول لك كل ما اخفيه.. واليوم جاء دورك لتفتحي لي قلبك وتخبريني عما ضايقك..وتجيبي عن سؤالي..
ازدردت وعد لعابها وتوترت اطرافها.. لم لا اشعر بهذه الرجفة الا عندما اسمع صوتك انت بالذات؟..وقالت بصوت متوتر: انه أمر يخصني واخشى...
لم تعرف بم تكمل فصمتت عن مواصلة الحديث فقال طارق بسخرية مريرة: لقد فهمت.. الامر خاص بك وحدك ولا يحق لي معرفته..يبدوا انني قد تخطيت حدودي معك وسألتك عن امر لا يخصني.. معذرة ولكني ظننت اننا على الاقل اصدقاء .. يحق لكل منا معرفة مشاكل الآخر..
"اصدقاء".. اهذا ما استطعت ان تقوله.. اصدقاء فقط.. التقطت نفسا عميقا ومن ثم قالت : نعم نحن كذلك يا طارق .. وسنظل كذلك ..
قالت عبارتها الاخيرة بمرارة.. فقال طارق دون ان ينتبه الى المرارة التي غلفت صوتها:اذا هل يمكنني ان اعيد مطلبي؟..
تتنهدت وعد وقالت:فليكن سأخبرك بالامر.. واخبرني برأيك به..
قال طارق بتردد: انه يتعلق بأبن عمك اليس كذلك؟..
قالت وعد بذهول واستغراب: كيف عرفت؟؟..
قال بهدوء: لا يهم كيف عرفت..
رفعت حاجبيها باستغراب ومن ثم قالت وكأنها قد فهمت: انه احمد.. اليس كذلك؟..
صمت ولم يجبها فقالت بابتسامة باهتة: صمتك دليل على صحة ما قلته..
- دعي احمدوشأنه واخبريني بالامر..
تنهدت وعد بقوة ومن ثم قالت: ان اردت الصدق فهو يتعلق به بالفعل..
قال طارق بضيق لم يعرف سببه: ماذا عنه؟..
قالت وعد وهي تترقب ردة فعله: لقد اعترف لي قبل فترة من الوقت انه ..يحبني..
جاوبها صمت تام.. وانتظرت ردة فعل من طارق ولكنه لم يتحدث.. فقالت وهي تزدرد لعابها بتوتر: الا زلت على الخط يا طارق؟..
اجابها طارق ببرود: اجل..اكملي..
ظنت انها ستلمح في صوته ولو القليل من الغضب او الضيق ولكن بروده هذا لا يعني الا امرا واحدا هو غير مهتم بالامر تماما..شعرت بخيبة الامل..وقالت بعد برهة من الوقت وهي تتنهد: واليوم قد عرض علي الزواج بشكل جدي..
لم يتمكن طارق من اخفاء ضيقه هذه المرة وقال بضيق لا مبرر له: وبم اجبته؟..
تنهدت وعد مرة اخرى ومن ثم قالت: لقد طلبت منه وقت للتفكير بالامر.. فمهما كان الامر جدي ويجب ان افكر فيه باهتمام..
وايضا تفكرين بالامر يا وعد.. ماذا عني انا؟..هل سيكون علي ان اموت مرتين وانا ارى حبي يندفن للمرة الثانية امام عيني؟..وقال بسخرية مريرة: ما المحزن في الامر اذا؟ ..كان ينبغي عليك ان تحلقي من السعادة وانت تسمعين عرض ابن عمك..
قالت وعد بمرارة متحدثة الى نفسها: ( تريدني ان افرح يا طارق.. تريدني ان ابتسم.. وانا اوشك ان اقتل هذا الحب وهذا الحلم الذي كنت احلم به منذ فترة.. منذ ان وقعت عيناي عليك وانا اشعر بهذا الشعور الذي يوتر اطرافي.. لقد سلبت قلبي يا طارق في لحظة دون ان اشعر..اتريدني بعد كل هذا ان ابتسم لو قتلت نفسي يا طارق)..
وقالت بصوت مختنق: ليست المشكلة في عرضه.. بل في انا..
عقد طارق حاجبيه وقال: ماذا تعنين؟..
ماذا تريدني ان اقول لك؟.. اني احبك..ولهذا اشعر بالحيرة.. واشعر بالخوف من ان ارفض هشام.. واكتشف في النهاية ان احلامي لا اساس لها..واراها تتحطم امام ناظري ...التقطتت نفسا عميقا ومن ثم قالت ببطء: ان مشاعري نحو ابن عمي لا تتعدى الاخوة وعندما صارحني بحبه اخبرته بهذه الحقيقة .. ولكنه اليوم بما انه يعرض علي الزواج فأنا اجده قابل بفكرة أني لا ابادله المشاعر..وهي يرضى الارتباط بي على ذلك..
قال طارق ببرود: ولهذا انت الآن تفكرين بالامر بجدية.. ماذا تنتظرين؟.. لم لا توافقين وتحققين له رغبته؟..
قالت وعد بصوت يغلب عليه الالم: ولكنها ليست رغبتي انا..
تنهد طارق هذه المرة.. وحاول ان يجمع افكاره المشتتة.. وكلماته التي اخذت ترفض ان تعترف لوعد انه يحبها ولهذا هو يرفض بشدة ولو الحديث عن زواجها من شخص آخر..حاول قدر المكان ليخفي الاهتمام من صوته.. ربما لان كبريائه يمنعه من الاعتراف لفتاة لا يعلم حقيقة مشاعرها نحوه..
واخيرا تحدث ولكن هذه المرة باهتمام واضح: وعد استمعي الي..انت من سيتزوج لا الآخرين.. لا تفكري بغيرك.. هذا زواج يا وعد.. بمعنى حياة طوال العمر.. شراكة ابدية بين الزوجين.. فكري بالامر بجدية..انت من سيتزوج يا وعد..فكري بنفسك قبل غيرك.. قبل ان تندمي على اتخاذ خطوة ..تعيشين بعدها بألم الى ابد الدهر..فكري جيدا يا وعد..
ظلت وعد صامتة.. وكل كلمة يقولها تعود لتردد في ذهنها.. (افكر بنفسي..انا من سيتزوج..قد اندم لو اتخذت خطوة ما دون ان اقتنع بها.. انها حياة ابدية .. انا من سيتزوج لا الآخرين)..
ران الصمت لوهلة بعد ما قاله ..وارتسمت ابتسامة على شفتي وعد بغتة وقالت متحدثة الى طارق: شكرا لنصيحتك يا طارق.. لو تعلم ان كلامك هذا قد ازال الكثير من حيرتي..
قال طارق بترقب ولهفة: ماذا تعنين بالضبط؟؟..
- سأفكر في الامر بجدية واتخذ الخطوة المناسبة..
ولم تستطع منع نفسها من ان تقول: هل لي بسؤال؟..
قال باستغراب من سؤالها: اجل تفضلي..
قالت بتردد: لم انت مهتم بأمري الى هذه الدرجة؟..
ابتسم طارق ابتسامة باهتة ومن ثم قال: اتسألين يا وعد..لم انا مهتم بك..بفتاة قلبت كياني رأسا على عقب.. الم تهتمي انت بي ايضا في ذلك اليوم عندما جرحت ذراعي؟..
اسرعت تقول: صحيح كيف حال ذراعك الآن؟..
ضحك طارق من سؤالها الذي لم يكن في مكانه وقال: بخير وترسل تحياتها لك..
احست وعد بالاحراج وقالت محاولة تغيير دفة الحديث: لقد كنت مهتمة بذراعك يومها لاني انا كنت سبب في اصابتها اولا وثانيا لانك...
صمتت ولم تكمل فقال طارق بابتسامة هادئة: لاني ماذا؟..
آثرت الصمت وهي لا تعلم ما تقول.. لم تشأ ان تقول أي شيء يفضح مشاعرها لطارق.. وسمعت هذا الأخير يقول: سأخبرك يا وعد.. لم انا مهتم بك..ليس لمجرد انك زميلة وصديقة عزيزة علي الامر يفوق هذا..
دقات قلب وعد اخذت تتسارع بشكل كبير ولسانها اصابه الشلل عن الحديث .. لهفة الانتظار جعلتها تصمت دون ان تنطق بحرف.. وهي بشوق لسماع ما سيقول.. وقال اخيرا بصوت يملأه الحنان: وعد.. انا اشعر بأنك قريبة جدا مني..
اتسعت عينا وعد ولم تستطع الا ان تقول بذهول : انا؟؟؟..
وقبل ان يجيبها سمعت صوت طرقات على الباب تلاها صوت فرح وهي تقول: ايتها السخيفة.. لم تغلقين عليك الباب.. افتحي اريد الدخول... ام تريدين من الآنسة فرح ان تنتظر في الخارج..
هتفت وعد قائلة: لحظة واحدة يا فرح..
ثم عادت لتحادث طارق وقالت: معذرة يا طارق.. ولكن علي انهاء المكالمة الآن..
قال طارق بهدوء: كما تشائين.. اراك غدا..الى اللقاء..
قالت بابتسامة باهتة: الى اللقاء..
ونهضت من فوق فراشها وكلمات طارق الكثيرة تتردد في ذهنها متبعثرة.. وشعرت بالضيق من قدوم فرح في هذه اللحظة ..على الاقل كانت ستفهم سبب قوله انها قريبة منه .. ربما لسبب غير الذي تتصوره.. ربما يعني شيئا آخر تماما..
فتحت وعد الباب لها وهي تقول في حنق: ما الذي جاء بك الى هنا؟..
ضحكت فرح وقالت:اهكذا تستقبلين ابنة عمك الوحيدة؟..
قالت وعد بسخرية: وماذا احصل منك غير كل ضيق في حياتي..
قالت فرح بثقة: بل لولاي انا لعشت طوال عمرك في حالة من الملل..
ضحكت وعد وقالت: في هذا معك حق..
واردفت بخبث: والآن لم جئت الى هنا؟.. لا تقولي لزيارتي فليس من عادتك الزيارة في هذا الوقت من الظهيرة..
قالت فرح وهي تتنهد: في الحقيقة هناك سبب آخر..
واردفت بجدية: لقد حدثني هشام بالامس.. عن امر يفكر به وسيفعله حتى تكوني له.. هل حدث بينك وبينه أي شيء يا وعد.. ام انه لا يزال ينتظر الـ...؟
قاطعتها وعد قائلة: شقيقك يطلب الزواج مني يا فرح..
اتسعت عينا فرح بصدمة وقالت: ماذا؟؟..
قالت وعد بهدوء: ما سمعته..انه يصر على الزواج بي..
قالت فرح بغرابة: ولكنه لم يخبر ايا منا بالموضوع.. والدي نفسه لا يعلم بالأمر..
- يريد معرفة رأيي اولا..حتى يمكنه التقدم رسميا لخطبتي وهو يشعر بالراحة من انني سأوافق ولن ارفضه..
قالت فرح بتردد: وقد رفضتي انت الامر.. اليس كذلك؟..
قالت وعد بهدوء: بل وعدته بالتفكير بالامر بجدية.. انه زواج يا فرح.. وعلي ان اتخذ خطوة حتى لا اندم في المستقبل..
قالت فرح بهدوء: مع اني اتمناك زوجة لاخي.. ولكني في الوقت ذاته اتمنى ان اراك سعيدة.. ايا ستختارين يا وعد.. سأكون معك في اختيارك..
قالت وعد بغموض وهي تتذكر كل ما حدث طوال هذا اليوم منذ اتصال هشام لها صباحا وحتى كلمات طارق الاخيرة : ويبدوا انني قد اتخذت قراري يا فرح..

جنــــون 11-23-2011 01:34 AM

*الجزء الواحد والثلاثون*
(الحب ..ام الكبرياء؟)


القت الشمس اشعتها الذهبية على تلك المساحة الشاسعة من الارض.. وغمرت المدينة بأكملها بنورها الدافئ.. لتعلن صباح يوم جديد.. وتسلل ذلك الضوء الى نافذة تلك الغرفة ليزعج عيني تلك الفتاة ويجعلها تفتح جفنيها وتسدلهما مرة اخرى في ضيق وهي تقول: يا الهي لماذا انسى اغلاق الستائرجيدا في المساء؟..
نهضت من فراشها وتطلعت الى الساعة.. لديها نصف ساعة لتنامها .. ولكن من يأبه بالنوم الآن.. بعد ان استيقظت بالرغم منها ..وبعثرت خصلات شعرها بهدوء.. وهي تحاول ترتيبه.. وقبل ان تنهض من فراشها.. سمت صوت رنين بنغمة وصول رسالة قصيرة.. فالتقطته.. ولم تلبث ان ارتسمت على شفتيها ابتسامة سعيدة وهي تقرأها: ((صباح الخير يا اجمل من بالوجود.. صباح الخيريا نسمة بين الورود..صباح الخير والسرور..يا حبيبتي الغالية... يا مبعث الوجود..))
ابتسمت ليلى برفة وهي تتطلع الى رسالة عماد الرقيقة والحانية والتي تحمل بين طياتها ذلك الحب الكبير الذي يمنلأ به قلبه تجاهها..واخذت تكتب وترسل له رسالة قصيرة تقول: ((يكفيني انك ارسلت كلماتك.. واثبت لي اشواقك ..واني قد بت جزء من احلامك..يكفيني انك قد بعثت لي كلمات حبك وحنانك..والتي تزيد لهفتي للقياك وانتظارك..))
ونهضت من فراشها لتتوجه نحو دورة المياه وقد اختفى أي ملمح من ملامح النعاس والتعب على وجهها لتحل محله ابتسامة واسعة وسعيدة..
وعلى الطرف الآخر..ارتسمت ابتسامة حنان على شفتي عماد الذي كان يستعد لمغادرة غرفته في تلك اللحظة ..واعاد هاتفه الى جيب سترته بعد ان قرأ رسالتها له.. وهمس قائلا بحب: كم احبك..
وما ان غادر غرفته وهبط السلالم حتى استوقفه صوت والده وهو يقول: الى اين يا عماد؟..
التفت عماد الى والده وقال بابتسامة هادئة: الى الشركة..
قال والده بحيرة: لا يزال الوقت مبكرا يا بني..ان الشركة تبدأ اعمالها بعد النصف ساعة تقريبا..
قال عماد بابتسامة: لا بأس يا والدي..لقد استيقظت مبكرا واشعر بالنشاط.. لهذا سأذهب الى هناك على الفور..
قال والده بهدوء: كما تشاء يا بني..
ابتسم عماد بهدوء وغادر المنزل.. وهو يشعر بأن كل ما قاله لم يكن السبب الحقيقي لذهابه مبكرا..انما هي..ليلى.. شوقه للقياها.. وشوقه لرؤيتها.. واصطحابها معه الى الشركة او الى أي مكان آخر.. المهم اه منذ ان فتح عينيه هذا الصباح وهو يشعر بلهفة لرؤيتها على الرغم من ان آخر لقاء لهما كان بالامس فحسب.. والتقط هاتفه المحمول في نفس اللحظة التي دلف فيها الى السيارة.. واتصل بها وهو في شوق لسماع صوتها..وما ان اجابته قائلة: اهلا عماد..
حتى قال بحنان: اهلا بك..كيف حال حبيبتي الغالية اليوم؟..
قالت بابتسامة خجلة: في خير حال..ماذا عنك؟..
قال بابتسامة وهو يشعل المحرك وينطلق بالسيارة: بخير..واشتقت اليك كثيرا..
قالت مبتسمة: لم يمضي على آخر لقاء لنا حتى اربع وعشرون ساعة..
قال وهو يهز كتفيه: وماذا يهم.. انا اشتاق اليك حتى وانت معي..
توردت وجنتاها بحمرة الخجل وقالت مغيرة دفة الحديث: ما سر اتصالك يا ترى في هذا الصباح الباكر؟..
قال بخبث وقد ادرك رغبتها في تغيير دفة الحديث: لسماع صوتك الرائع..
ازدادت سرعة نبضات قلبها وقالت بارتباك: اخبرني حقا لم اتصلت؟..
قال بمرح: اخبرتك الصدق حقا.. لسماع صوتك.. وايضا لاصطحابك معي..
قالت بحيرة: تعني الى الشركة؟..
قال بابتسامة:الى الشركة او الى أي مكان آخر.. فقط كوني جاهزة..
قالت في سرعة: حسنا اذا .. سأكون جاهزة ريثما تصل..الى اللقاء..
قال عماد بحنان: الى اللقاء يا اميرتي..
واغلق الخط وهو يواصل طريقه..متجها الى منزل ليلى.. وشوقه لها يتضاعف..
*********
دلفت وعد الى القسم الرئيسي بالصحيفة وقالت بمرح يبدوا جليا على وجهها: صباح الخير جميعا..
ابتسم احمد وهو يتطلع اليها قائلا: صباح الخير.. من الغريب ان تغادرينا بالامس وانت حزينة.. وتحضري اليوم وانت تبدين في حالة من المرح والسعادة..
نقلت عينياها الى طارق على الفور وقالت مبتسمة: وما الغريب في الامر.. هذه هي الحياة.. يوم سعيد ويوم حزين..
منحها طارق ابتسامة تحمل في طياتها الكثير من الحنان وقال لها: صباح الخير يا وعد..
واردف بهدوء: وانا معك في ما قلته..
ومن طرف آخر قالت نادية وهي تراها تجلس خلف مكتبها: صباح الخير يا وعد.. لقد قلقت عليك حقا.. بسبب حزنك المفاجئ بالامس.. ماذا حدث؟..
لوحت وعد بكفها وقالت بابتسامة: لا شيء.. مجرد مشاكل اعتيادية..
اما احمد فقد قال بخبث متحدثا الى طارق: تقول انك معها في ما قالته.. وما الغريب في هذا؟..فمنذ متى كنت ضدها..
التفتت له وعد واجابته هذه المرة بابتسامة مرحة: كثيرا ما كان ضدي وخصوصا في الايام الاولى من استلام وظيفتي هنا..
قال احمد بمكر: هذا كان في السابق عندما لم يكن يعرفك جيدا .. اما الآن....
قاطعه طارق قائلا وهو يرفع حاجبيه: اما الآن.. فعليك ان تصمت وتعمل بجد اكثر..
التفتت وعد الى طارق.. وقد استغربت منعه احمد من اتمام عبارته.. ربما شعر مع عبارة احمد انه يسخر منه او شيئا من هذا القبيل.. لم تهتم وهي تجلس خلف مكتبها وتخرج من حقيبتها ورقة كانت عليها كلمات من الواضح انها كتبت بسرعة ودون ترتيب.. فاعادت كتابتها فوق احد الاوراق بشكل منظم..
اما طارق فقد التقط من درج مكتبه ورقة مجعدة قد بات من الواضح عليها ان من كتبها كان يرغب في التخلص منها.. وأخذت عينا طارق تلتهمان كلمات تلك الورقة وابتسامة هادئة ترتسم على شفتيه.. ومن ثم لم يلبث ان تطلع الى وعد وهو يعيدها الى درج مكتبه..
وران الهدوء على القسم كله.. قبل ان يقطعه صوت رنين هاتف القسم الذي ازعج الجميع وتركهم يتركون ما بيدهم..والتقط طارق سماعة الهاتف ليجيبها قائلا: قسم الصفحة الرئيسية .. من المتحدث؟..
استمع الى صوت محدثه باهتمام ومن ثم لم يلبث ان قال: حسنا في الحال يا استاذ نادر..
واغلق سماعة الهاتف .. ليتجه الى مكتبه ويجلس خلفه ومن ثم يلتقط عدة اوراق ونادى وعد قائلا: وعد احضري مقعدا وتعالي هنا..
رفعت حاجبيها وقالت: ولم؟..
قال بهدوء: تعالي وستعرفين كل شيء..
نهضت من خلف مكتبها وجذبت لها مقعدا لتجلس بجوار مكتب طارق ومن ثم قالت: ما الأمر؟..
التفت لها طارق وقال: لقد طلب الاستاذ نادر ان نجمع بعض المعلومات اللازمة عن احد المسئولين بالبلاد.. وبعدها سنذهب لعمل لقاء صحفي معه..
اومأت برأسها قائلة: حسنا.. امنحني الاسم فقط..
قال بهدوء: نبيل سالم..
ومن ثم اعتدل في جلسته ليواجه جهاز الحاسوب وقال: سأبحث عن أي معلومات تتعلق عنه في شبكة الانترنت.. اما انت سجلي كل ماامليه اليك..
سألته وهي تعقد حاجبيها بغرابة: ولم لا تقوم بطباعة ما نريد من معلومات؟..
- لسنا نحتاج الا لمجموعة من المعلومات البسيطة والمتفرقة..
اومأت برأسها مرة اخرى وقالت: فليكن..
اخذ يلقي على مسامعها عبارات متفرقة.. ما بين اعمال هذا المسئول..وما بين امور تتعلق بمنصبه وعلاقاته الخارجية.. واخيرا قال طارق بهدوء: اظن ان هذه المعلومات تكفي..
تطلعت وعد الى الورقة التي امتلأت تقريبا بمعلومات عن ذلك المسئول وتمتمت موافقة: اجل .. اظن ذلك..
استدار لها طارق وقال وهو يمد لها كفه: امنحيني الورقة اذا حتى ارى ما كتبته..
منحته اياها..واخذ يقرأها هو باهتمام.. ومن ثم لم يلبث ان وضعها بدرج مكتبه وقال: حسنا سأذهب لأتحدث الى الاستاذ نادر بشأن اللقاء وان كان قد اخذ لنا موعدا مع المسئول ام لا.. وبعدها سوف نغادر نحن لعمل اللقاء..
قالت وعد في لهفة لم تتمكن من اخفائها: تعني اننا سنكون معافي هذا اللقاء..
ارتسمت ابتسامة حانية وقال: اجل.. فيم كان عملنا سويا اذا؟..
قالت بتوتر بالرغم منها من ابتسامته الحانية: ظننت انك اردت مساعدتي لا اكثر..
تطلع اليها لبرهة من الوقت ومن ثم قال: انتظريني لدقائق.. سأعود لنغادر سويا..
ابتسمت وهي تراه يغادر واسرعت هي تعد اوراقها وآلة التصوير بالاضافة الى جهاز التسجيل..واستغرق منها هذا وقتا قبل ان تنتبه الى طارق الذي كان واقفا عند باب القسم وقال: هيا يا وعد سنذهب ..الم تقومي بتجهيز اشيائك بعد؟..
اسرعت تقول: في الحال..
قال وهو يخرج خارج القسم: اسرعي سأنتظرك في....
بتر عبارته وكأنه تنبه الى امر هام ومن ثم قال: لقد نسيت اخذ الورقة..احضريها يا وعد..
فهمت انه يعني الورقة التي قد جمعا فيها المعلومات عن المسئول.. فاتجهت الى مكتبه وقالت متسائلة: في أي درج وضعتها؟..
قال دون ان يلتفت لها وهو يتطلع الى ساعته: الاول..
اسرعت بفتح الدرج والتقاط الورقة المنشودة ...ولكن ...ورقة أخرى استرعت انتباهها..فتأملتها وهي تشعر بأنها مألوفة لها .. خصوصا وهي مجعدة بنحو غريب وكأنها مهملة .. ووجدت فضولها يجبرها على مد يدها والتقاط الورقة.. لمعرفة ما بها.. وعن سر احتفاظ طارق لورقة مجعدة مثلها.. فضت الورقة وسقطت عيناها على اول الحروف...
في اللحظة ذاتها رفع طارق رأسه اليها وقال بضجر: الى متى سأنتظر يا وعد؟.. كل هذا الوقت لاحضار تلك الـ....
بتر طارق عبارته بغتة وهو يلمح عينا وعد التي تنظر اليه بصدمة وغضب..وادرك على الفور سر نظرتها هذه عندما وقع بصره على الورقة التي في يدها..ووجد نفسه يقول في توتر: سأشرح لك الامر..
اما وعد فلم تستمع الى عبارته..لقد ظلت تتطلع الى طارق بعينان تملأهما الصدمة..لقد كان يحتفظ بكلماتها طوال تلك المدة.. من اين حصل عليها؟.. وكيف يمنح لنفسه الحق التعدي على خصوصيتها وقراءة اوراقها الشخصية..لقد علم من هذه الورقة بمشاعرها التي تريد ان تخفيها منذ زمن عنه.. لهذا كان يخصها بذلك الحنان .. لهذا اخبرها بقصته مع مايا.. لم يفعل كل هذا الا عندما قرأ كلمات الاهتمام التي عبرت عنها الخاطرة..لقد تقصد بكل تأكيد الاطلاع عليها.. واحتفظ بها.. هل اهتمامه بي شفقة اذا على مشاعري نحوه؟..
لم يكن عقل وعد يستطيع التفكير في تلك اللحظة.. ويجعلها ترى الامر بوضوح اكبر..وان احتفاظ طارق بالورقة لا تعني الا انه ييريد ان تبقى كلماتها معه دائما.. لم تكن ترى انها فعلت مثل ما فعله طارق بالسماح لفضولها لالتقاط الورقة من درجه ..لم تكن ترى لحظتها سوى ان طارق قد اقتحم خصوصيتها ومشاعرها بغير حق.. وانه قد كان يشفق عليها باهتمامه ليس الا.. ووجدت نفسها تهتف بغضب: كيف تجرؤ على التدخل في خصوصياتي؟..
قال طارق في سرعة: سأشرح لك الامر كله يا وعد..
قالت في حدة دون ان تنتبه الى احمد ونادية الذي ادهشهما هذا الشجار بينهما والذي لم يعرفا سببه: لهذا كنت تهتم لأمري اذا ..لانك كنت تعلم انك قد جذبت انتباهي منذ البداية.. لقد كنت تشفق على مشاعر فتاة بلهاء مثلي ليس الا..
قال طارق بحزم: من قال هذا؟.. لا شيء يدعوني للشفقة.. لا شيء يدعوني لأن انافق في مشاعري.. لا شيء يدعوني للخداع.. ان كل ما افعله او انطق به انما هو الصدق.. ونتيجة لما احمله لك من مشاعر..
وعلى الرغم من رنة الصدق في صوته الا ان غضب وعد اعماها عن الانتباه لصدقه وهي تقول: كيف تسمح لنفسك بالتدخل في خصوصياتي؟.. لقد رفضت انت ان يتدخل أي احد بماضيك.. رفضت مجرد السؤال عنه.. فكيف تسمح لنفسك بالتدخل في خصوصيات غيرك؟..
قال طارق وهو يزفر بحدة: اعترف اني اخطأت بهذا الشأن.. ولكن انتابني الفضول لحظتها على ان اعرف سر هذه الورقة المهملة وظننتها موضوعا آخر تركتيه باهمال.. ولم اكن ادرك انها كلمات رائعة عبرت عن براعة اسلوبك في هذا المجال..
وعلى الرغم من رقته في قولها الا ان هذا لم يهدئ من غضب وعد وقالت بعصبية: هل كنت ستسمح لي بالتجسس على اوراقك واسرارك؟.. هل كنت ستسمح مجرد معرفة جزء من مشاعرك دون ان تقولها انت بنفسك؟..
تطلع اليها طارق بدهشة من انفعالها.. وخيل اليه انه يلمح مايا بعصبيتها وانفعالها الدائم.. لم يعلم لم تذكر مايا الآن؟.. ولكن عصبية وعد المبالغة جعلته يتذكرها وهي تختلق الشجارات معه.. وتصر دوما انها على حق.. وتذكر كيف كان يعالج الموقف وقتها..ولكن هذه المرة من تواجهه وعد وليست مايا.. وعد بعصبيتها ورقتها في آن واحد.. وعد بكبريائها الذي يجعلها ترفض ان يعلم احد بمشاعرها.. تظن الآن انه عندما علم بمشاعر الاهتمام التي تكنها نحوه بادلها هو المشاعر.. ستكون حمقاء لو فكرت هكذا.. وان مشاعره لها ليست سوى شفقة..
وقال اخيرا بصوت هادئ: لم كل هذه العصبية يا وعد؟.. سأشرح لك الامر بهدوء وبعدها يمكنك الحكم بنفسك..
قالت وفي عينيها نظرة لوم: لا احتاج الى شفقتك..
ومرت من جانبه في سرعة لتغادر القسم ولم تكد تفعل حتى فوجئت بطارق يمسك معصمها في قوة ويقول: استمعي الي اولا.. قبل ان تهربي..
قالت في انفعال وغصة تملأ حلقها: انا لا اهرب.. ووفر شفقتك لنفسك..
قالتها وجذبت معصمها من كفه في خشونة..لماذا؟.. لماذا الآن؟..لماذا بعد ان شعرت بالسعادة لأنه يهتم بي ويخصني بنظراته؟.. لماذا بعد ان علمت انه يشعر بقربي له؟..لماذا اكتشف الآن ان هذا ليس سوى مزيج من شفقته وعطفه علي؟..لماذا؟..
لم تعرف الى اين تتجه.. ولكن وجدت قدماها تقودانها الى الممر الذي تقع المصاعد في نهايته.. ووجدتها فرصة مناسبة لابعاد تلك المرارة والحزن من اعماقها..واخفاء دموعها التي تترقرق في عينيها عن الجميع.. ستخرج من الصحيفة لتختلي بنفسها ولو لدقائق او ربما تذهب الى الكفتيريا لترتاح قليلا .. اهم شيء ان تبعد عن نفسها هذا الاحساس بالحزن وتنسى طارق بمشاعر الشفقة التي يحملها لها..
واطلقت تنهيدة الم..لكنها لم تكتمل.. وهي تلمح طارق يقف امامها بجسده الممشوق القوام ليعترض طريقها ويحول عنها التقدم قائلا: قلت لا تهربي.. سنتفاهم اولا..
وضعت كفها على فمها لتمنع شهقة دهشة كادت ان تنطلق من بين شفتيها..وهي التي لم تكن تشعر به يتبعها على الاطلاق ..وقالت ببرود بعد ان تلاشت دهشتها: ابتعد عن طريقي..
قال بصرامة: ليس قبل ان نتفاهم..
قالت والدموع تعود لتترقرق في عينيها: شكرا لك لست احتاج لكلمات الشفقة منك..
قال طارق بعصبيه هذه المرة: عن أي شفقة تتحدثين؟.. هل كانت مشاعري نحوك بهذا القدر من الكذب الذي تصفين؟ ..انني لم افكر يوما حتى بالشفقة نحوك.. ومنذ اليوم الاول لقدومك للمكتب كنت تعلمين اني لم اكن اهتم بأي احد.. فهل كنت سأهتم بمشاعرك واشفق عليها؟..
تطلعت اليه وعد وقد شعرت بصدق منطقه.. ولكنها قالت ببرود: ولكن هذا لا يمنحك الحق بالتدخل في خصوصياتي ومشاعري الخاصة..
قال طارق بتحدي هذه المرة: الم تفعلي المثل؟..
قالت وعد باستنكار: انا؟؟..
- اجل انت.. كيف علمت بأمر هذه الورقة في درجي اذا..الم تلتقطيها من درجي وهي تخصني انا؟..
شعرت بالارتباك وقالت بعد برهة من الصمت: ولكنها تخصني انا..
قال طارق وهو يعقد ساعديه امام صدره: وكيف كنت لتعلمي بهذا لو لم تلتقطيها بنفسك وتقرأيها.. مايدريك وقتها ان الورقة لم تكن لتحمل امور تخصني او شيء من هذا القبيل..
سيطر عليها الحرج والتوتر.. ولقد علمت حقا انها قد فعلت ما ترفضه الآن وبشدة..وتمتمت مدافعة عن نفسها: لم اكن اقصد ذلك..لقد بدت مألوفة لدي .. ليس الا..
واردفت في حدة: والآن..هلا ابتعدت عن طريقي..
لم يتزحزح طارق من مكانه قيد انملة.. فقالت وعد بعناد: فليكن انا من ستبتعد عن المكان..
قالتها وهي تلتفت عنه وتسير مبتعدة.. لكن صوت طارق الصارم جعلها تتوقف في مكانها وهي تستمع اليه وهو يقول: لا تظني يا وعد اني سألحق بك مجددا.. مادمت نرفضين الاستماع الي الآن.. فلن احاول تبرير الامر لاحقا..اما انت فيمكنك الهرب الآن.. يمكنك ان تهربي من الحقيقة كما تشائين..
وجدت وعد نفسها تتوقف وتلتفت له قائلة بحدة: لقد شرحت لي الامر وانتهى الموضوع.. ماذا تريد الآن؟..
قال طارق بجدية: لا لم ينتهي الامر بعد .. فعيناك تقولان ان الشك لا يزال يراودك فيما قلته..
قالت وعد بسخرية وهي تعقد ساعديها امام صدرها: صحيح .. نسيت انك تستطيع قراءة لغة العيون..
قال طارق وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: ولا يفهمها الا من يهتم بصاحبها.. اليس كذلك؟..
توترت وعد بعبارته.. ووجدت يداها تسقطان الى جوارها وهي تتطلع الى اجمل عينان رأتهما في حياتها.. عينان تستطيع ان ترى بداخلها الصدق والحنان.. الصرامة والحزم..المرح وقوة الشخصية.. عينان هي اغرب ما تكون بكل ما تحمله من مشاعر.. وهمت بنطق شيء ما.. لولا ان ارتفع صوت رنين هاتف طارق.. وسمعته يجيبه قائلا:اجل يا استاذ نادر...في الحال.. سنذهب بعد دقائق..الى اللقاء..
ولم يلبث ان اغلق الهاتف ومن ثم قال وهو يتحدث اليها: هيا سنذهب الى اللقاء الصحفي الآن..
قالت بعناد: لا.. لن اذهب الى أي مكان..
قال طارق وهو يهز كتفيه: فليكن يا وعد.. افعلي ما بدا لك..سأذهب الى اللقاء الصحفي وحدي.. ولكن قبل هذا...
بتر عبارته ومن ثم اردف وهو يضغط على حروف كلماته: سأنتظرك لعشر دقائق في موقف السيارات بالاسفل.. عشر دقائق لا غير.. ان لم تحضري فسأغادر..
قالها والتفت عنها ليتوجه الى حيث المصاعد والقى عليها نظرة اخيرة قبل ان يستقل احدها الى الطابق الارضي.. اما وعد فقد توقفت في مكانها للحظات وهي غير عالمة لماتفعله..أتتبعه الى هناك.. ام تحتفظ بكبريائها وتجعله يذهب وحيدا..ولكن لم كل هذا؟..انه على حق في كل ما قاله.. لقد شعرت بصدقه في كل حرف نطق به.. ولكن مع هذا قد تدخل في شيء يخصها.. في مشاعرها التي جاهدت لتخفيها عنه وعن الجميع.. ان طارق هو الانسان الذي تحب..هل تضحي بكرماتها وتذهب اليه؟.. ام تحتفظ بها وتتركه يذهب وحيدا؟..انها تعلم انه جاد فيما يقوله.. وانه سيتركها ويرحل فعلا لو لم تتبعه.. ولهذا ازدادت الحيرة بداخلها اضعافا .. وهي غير عالمة لما تفعله...
وظلت في حيرة من امرها وهي تنقل بصرها بين ركن لمصاعد الذي كان يقف فيه طارق منذ لحظات وبين ساعة يدها التي اعلنت مضي دقيقتين حتى الآن...
**********
ارتفع حاجبا ليلى بحيرة وهي ترى ان سيارة عماد لم تصل بعد.. على الرغم من وقوفها بالخارج لخمس دقائق.. وقالت متمتمة: لقد فال لي انه سيحضر بعد دقائق فقط..ما الذي اخره؟..
واردفت بقلق: اتعشم ان يكون بخير..
اخرجت هاتفها من حقيبتها واتصلت به على الفور.. واستمعت اليه بعد وهلة يجيبها: هل اشتقت الي بهذه لسرعة؟..
تنهدت بارتياح..ومن ثم قالت متسائلة: اين انت يا عماد.. ولم تأخرت؟..
قال بابتسامة: حتى اثأر لنفسي ..ففي المرة السابقة انت من تأخر..اما اليوم فمن حقي انا ان اتأخر..
قالت ليلى بضيق: عماد.. قل الصدق..
قال بهدوء: معذرة يا ليلى ولكن الشوارع مزدحمة.. سأصل اليك بعد دقائق على الاكثر..
قالت بهدوء: سأنتظرك.. الى اللقاء..
وانهت الاتصال.. ولم تمض دقيقة واحدة حتى لمحت سيارة عماد تتقدم منها وتتوقف الى جوارها..فتنهدت براحة وهي تنطلق نحو السيارة وما ان فتحت بابها واستقرت بداخلها حتى قالت بابتسامة شاحبة وهي تتطلع الى عماد: لقد اقلقتني عليك..
قال عماد وهو يغمز لها بعينه: لا داعي لكل هذا القلق يا اميرتي.. ولكن الطرق كانت مزدحمة ليس الا..
قالت بهدوء: ولم لم تتصل بي لتبلغني بأنك ستتأخر لهذا الامر؟..
قال بمرح وهو يعاود انطلاقه بالسيارة:حتى اعرف مدى حبك لي وان كنت ستقلقين علي ام لا..
التفتت له وقالت وفي صوتها رنة خجل: الا زلت تشك في مقدار حبي لك؟..
قال بابتسامة: مطلقا..
واردف وهو يهمس لها: والآن الى اين نذهب.. الى الشركة .. ام الى آخر مكان في هذا العالم؟..
قالت هي بخبث هذه المرة: ليست لدي رغبة في العمل هذا اليوم .. ولكن .. مع هذا لا اريد ان اترك انجاز الاعمال ليوم آخر..
قال عماد بابتسامة واسعة: هذا يعني ان نذهب الى احدالمطاعم .. اليس كذلك؟..
- بل الى الشركة وفي الحال..لا اريد كسلا بعد الآن.. يا سيد عماد.. اتفهم؟..
قال عماد وهو يلتفت لها: افهم جيدا يا اميرتي.. الى الشركة وفي الحال..
قالت ليلى وهي تتطلع اليه: اياك ان تتخذ مسارا مختلفا .. فأنا اراقبك..
قال عماد وهو يضحك: يا الهي هل بت مراقبا الآن؟..
- يمكنك ان تعتبر نفسك كذلك..
قال بحنان: حسنا انا اوافق.. لاني سأكون مراقبا من اجمل فتاة رأيتها في حياتي.. واروع عينين ستظلان تتبعاني طوال الوقت .. ماذا اريد اكثر من ذلك؟..
توردت وجنتيها وقالت ليلى وهي مصطنعة العناد: لا تحاول التأثير علي بكلماتك.. لن نذهب الى أي مكان قبل انتهاء وقت العمل..
هز كتفيه وقال: فليكن.. ولكن انت احتملي ذنب شاب مسكين ..رفضت تحقيق مطلبه..
قالت وهي تعقد ساعديها امام صدرها بهدوء: لا عليك سأحتمله وبكل سرور..
قال وهو يتصنع الحزن: احتملي عذاب الضمير اذا..
قالت ليلى وقد ارتسمت ابتسامة على شفتيها: متى ستكف عن تمثيليتك هذه؟.. قلت لن نذهب الى مكان ما.. قبل ان تنهي اعمالك بالشركة..
- فليكن يا سيادة المديرة..لن اتحرك من مكاني خطوة واحدة قبل ان انهي اعمالي..
قالها بكل حب صادق وهو يتطلع الى ليلى..ليلى التي بادلته بنظرات تمتلأبالحنان والحب..وخفقات قلبها تزداد تسارعا...
*********
أسبل طارق جفنيه بهدوء وهو يسترخي بداخل سيارته الرياضية من نوعها.. وهو مستغرق بالتفكير في امر ما.. ثم ما لبث ان فتح عينيه وقال وهو يتطلع الى ساعته: يبدوا انها أعند مما توقعت..
قالها وهم بادارة المحرك.. لولا صوت تلك الخطوات التي اقتربت من سيارته.. فالتفت الى صاحبها.. او صاحبتها ان اردنا الدقة ..وابتسم بهدوء وهو يراها تتقدم منه وتفتح الباب المجاور له.. وتدلف الى الداخل بصمت.. ومن ثم تشيح بوجهها عنه.. فقال طارق وهو يدير المحرك بالفعل هذه المرة: لقد كدت امضي في طريقي لو تأخرت لدقيقة فقط..
قالت وعد بحدة: لم آتي لأجلك.. لقد جئت من اجل اللقاء الصحفي..
هز طارق كتفيه وقال: اعلم.. لم يطلب احد منك المجيء لأجلي..
تطلعت اليه وفي اعماقها شعرت بالحنق الشديد.. أي انسان هو هذا؟.. الا يفهم ان يقرأ ما بين السطور؟.. الا يفهم انها لم تقل هذا الا لتبين له انها قد جاءت من أجله؟.. ومن أجله فقط..فليذهب اللقاء الصحفي الى الجحيم.. المهم هذا الانسان الغريب بجاذبيته.. والفريد بشخصيته.. ما يهمها بالامر برمته هو ولا احد سواه..وعلى الرغم من ان الامر متوتر بينهما الا انها القت بكرامتها خلف ظهرها وتحطم عنادها كله امامه.. وهي ترى نفسها تجمع اشياءها وتهبط الى حيث هو.. هذا هو طارق..انسان يجعلها تتصرف عكس ما تريد.. يجعلها تتصرف بأشياء خارجة عن ارادتها..
وازدردت لعابها في توتر.. وهي تفكر..ما حدث بينهم كانت مشكلة وانتهت.. وادركت وعد ان كلاهما كان مخطئا.. فمن ناحية قراءة طارق لورقة تخصها.. ومن ناحية اخرى فعلها شيء مماثل عندما حاولت معرفة كنه تلك الورقة في درجه.. ولكن يبدوا ان ما حدث جعله متحامل عليها.. فها هو ذا يقود السيارة دون ان يتبادل معها حرف واحد ..هل هو غاضب من تصرفاتها يا ترى.. ايهما له الحق في الغضب.. هي ام هو؟..
وتوقف طارق اخيرا امام مبنى متوسط الحجم.. وقال وهو يلتفت لها: لم كنت تتطلعين الي طوال الطريق؟..
شعرت بالحتق منه.. وقالت متعمدة السخرية: ربما كنت معجبة بك..
وعلى الرغم من انه انتبه الى سخريتها الا انه قال بصدق: ليس الامر غريبا اذا .. فانا ايضا معجب بك..
شعرت بالصدق في كل كلمة ينطق بها وقالت بتردد: تظن اني سأصدق سخريتك هذه؟..
قال طارق بحزم: اولا انا لا اسخر منك.. وثانيا يمكنك تصديق ما تشائين..فلست مجبرا على ان اقسم لك..
ما هذا الذي فعلته؟.. يبدوا انها قد زادت الطين بلة.. ورأته يفتح باب السيارة ويهبط منها دون ان يضيف كلمة اخرى ..وهبطت من السيارة في سرعة وقالت وهي تناديه في سرعة: طارق..
كاد ان يلتفت لها ولكن صوت نداء آخر كان يهتف بأسمه جعله يلتفت الى صاحبته وقال وهو يرى تلك الفتاة وهي تقترب منه وعلى شفتيها ابتسامة مرحة: هل تعرفيني يا آنسة؟..
قالت الفتاة بابتسامة واسعة: لم تتغير كثيرا يا طارق.. سوى انك قد ازددت ضخامة..
تطلعت اليها وعد في غرابة.. هذه الفتاة تعرفه وتحدثه باسلوب مبسط وكأنه صديق قديم لها.. وكما انها تمزح معه .. ولكن هل يعرفها طارق؟..
تطلع اليها طارق في حيرة ومن ثم قال: هل التقينا من قبل يا آنسة؟..
ضحكت الفتاة بمرح ومن ثم قالت: لم اكن اظن ان ذاكرتك تمتاز بسرعة النسيان.. هل نسيتني بهذه السرعة؟..
قال طارق وهو يتطلع لها بتمعن: ملامحك ليست غريبة علي.. ولكني لا اتذكر اين رأيتك من قبل..
قالت الفتاة بلهجة ذات مغزى: هيا ايها القائد.. يمكنك التذكر.. انا واثفة..
حركت هذه العبارة بداخل طارق العديد من الذكريات القديمة والدفينة.. وثال بعد ان اتضحت له هوية محدثته: لقد مضى زمن طويل منذ التقينا آخر مرة يا (رنا)..
قالت رنا بمرح: سبع سنوات واربع شهور تقريبا..لم نرك بعدها ابدا وافترقنا جميعا..اخبرني ما هي احوالك؟..
على الجانب الآخر كانت وعد تشعر بالحنق.. اولها لتجاهل طارق لوجودها تماما.. وثانيها هذه الفتاة التي اخذت تتحدث اليه بتبسط كبير..يبدوا انها قد كانت صديقة او زميلة له يوما ..ولم تستطع كتم حنقها اكثر من ذلك.. فقالت والضيق يبدوا جليا على وجهها: اظن اننا قدتاخرنا على المقابلة الصحفية يا طارق..
تطلعت اليها رنا بخبث ومن ثم قالت: من هذه الآنسة؟.. صديقتك ام خطيبتك؟..فأنا لا ارى في اصبع أي منكما خاتم زواج..
توترت وعد لمجرد الفكرة وارتجف قلبها.. لمجرد ان تخيلت ان اسم طارق قد يزين اصبعها يوما.. وانها ستكون زوجته .. ولكن هل سيحدث هذا يوما حقا ويتحقق حلمها .. ام ان احلامها ستتلاشى كالظلام مع بزوغ فجرالواقع؟..
وسمعت طارق يقول في تلك اللحظة: نسيت ان اخبرك انا الآن صحفي في جريدة الشرق..اما هذه الآنسة فهي...
بتر عبارته واردف وهو يلتفت الى وعد ويتطلع لها وابتسامة ترتسم على شفتيه: فهي اعند فتاة رأيتها في حياتي..زميلتي بالعمل.. الآنسة وعد عادل..
قالت رنا بخبث: اعند من مايا؟..
لم تعلم رنا انها بكلماتها هذه كادت ان تنكأ جرح طارق الذي لم يلبث ان التأم مع الزمن..اما وعد فقد تطلعت الى تلك الفتاة بدهشة واستنكار شديدين.. لم ادخلت اسم مايا بالموضوع؟..الآن ستعود لطارق مشاعره القديمة..وحبه الاول.. ولن اكون انا سوى صفر على الشمال..
وقال طارق بهدوء: لكل منهما شخصيتها المتميزة..
قالت رنا بابتسامة: تتحدث عن مايا وكأنها لا تزال على قيد الحياة.. الا تزال تذكرها؟..
قال طارق وهو يطلق زفرة حارة: ومن ينساها..
شعرت وعد بالضيق يزداد في اعماقها..وهي تستمع الى كل حديثهم..مايا.. مايا.. لقد سأمت منها.. من هذه الفتاة التي احتلت قلبك يوما يا طارق.. لقد بت احقد عليها مع انها لم تعد في هذا العالم.. هل تعلم لم؟..صحيح انها فارقت الحياة ولكنها لا تزال تحيا في قلبك وعقلك..
وقالت بعصبية: اظن اننا قد تاخرنا اكثر مما ينبغي على اللقاء.. ان كنت تريد المكوث هنا فابقى.. اما انا فسأغادر..
قال طارق وهو يرفع حاجبيه ويلتفت لها: ولم كل هذه العصبية؟..
كادت ان تصرخ في وجهه: ( لأني احبك ولا احتمل وجودك مع سواي)..
ولكنها كتمت مشاعرها وهي تشيح بوجهها عنه بصمت .. فقال طارق متحدثا الى رنا: معذرة ولكن فعلا وقتي ضيق.. سعدت بالحديث معك..
قالت رنا بمرح: وانا كذلك ايها القائد.. اخبرني .. هل لديك مقابلة مع رئيسي بالعمل؟..
قال متسائلا: اتعملين هنا؟..
اومأت برأسها ايجابيا ومن ثم قالت وهي تتجه نحو المبنى: هيا سنذهب معا..
سار طارق الى جوارها .. في حين تطلعت اليه وعد بنظرة حانقة قبل ان تسير الى جواره من الجهة الأخرى..وعلى الرغم من ان طارق كان يختلس النظرات اليها الا انها لم تنتبه اليه وهي تشعر بالحنق الشديد.. دائما مايا هي من تقف حائلا بيني وبينه.. والآن هذه الفتاة من تكون؟..يبدوا انها كانت صديقته ايام الجامعة..تباً لكل شيء.. ولمشاعرها التي احبت انسانا قلبه ملكا لغيرها..
ودلفا ثلاثتهم الى المصعد في تلك اللحظة.. وضغطت رنا على زر الطابق الثاني.. في حين ضغط طارق على زر الطابق السابع ..وعادت رنا لتتحدث قائلة : اتذكر آخر مرة رأيتك فيها يا طارق كنت باردا.. هادئا الى اقصى حد.. حتى وداعك لنا لم يكن يحمل أي حياة..لقد كانت في عينيك نظرة حزن عميقة.. اما الآن فها انذا اراك وفي عينيك نظرة متفائلة مقبلة على الحياة من جديد.. واراك تبتسم بسعادة حقيقية.. يبدوا ان للزمن اكبر تأثير على ما حدث لك من تغيير..
قال طارق بابتسامة: ليس الزمن فحسب..بل الاشخاص ايضا..
قالها والقى على وعد نظرة مختلسة.. كان يتمنى ان يصل اليها ما يقصده..وانها السبب في اعادة البسمة والامل اليه.. ولكن يبدوا ان القدر كان يمنعهما من ان يوضح أي منهما للآخر مشاعره.. فقد كانت وعد شاردة في تلك اللحظة وهي تسند ظهرها الى احدى زوايا المصعد..وافكارا كثيرة في ذهنها.. تتقاذفها يمنة ويسرة وهي غير قادرة على التفكير السليم..
وما ان وصل المصعد الى الطابق الثاني حتى قالت رنا وهي تلتفت الى طارق: سعدت بلقائك يا طارق.. وارجو ان يتكرر لقائي بك..
قال طارق وهو يراها تغادر المصعد: وانا كذلك..
تطلعت رنا الى وعد ومن ثم قالت بابتسامة: الى اللقاء يا آنسة وعد.. واهتمي بطارق..
تطلعت اليها وعد بنظرة باردة ومن ثم قالت وشبح ابتسامة ساخرة يرتسم على شفتيها: اظن انه اكبر من ان يحتاج للاهتمام..
قالت رنا بخبث وهي تلقي عليهم نظرة اخيرة: ربما اهتمام من نوع خاص..
واغلق المصعد ابوابه قبل ان تسألها وعد عما تعنيه..واختلست نظرة الى طارق..هل يا ترى شعرت ان بيني وبينه علاقة ما؟.. او انني احمل له مشاعر خاصة.. لقد اسرفت في عصبيتي وانا اتحدث اليها ..ربما لهذا قد لاحظت انني قد تضايقت لحديثها ووقوفها معه..
ظلت صامتة دون ان تنبس ببنت شفة.. وهي تتطلع الى طارق الصامت بدوره.. والذي اكتفا بمراقبة تلك الارقام الضوئية التي كانت تظهر تصاعديا على شاشة المصعد..الى ان وصل المصعد اخيرا الى الطابق السابع فتوقف بحركة خافتة وانفتحت ابوابه..
وقال طارق وهو يخطوا الى خارج المصعد: اتبعيني..
عقدت حاجبيها بعصبية.. امر آخر يلقيه اليها.. من يظنها تابعة له.. سارت خارجة من المصعد..وهي تشعر بالحنق والسخط الشديد ..ترى لم يتصرف معها هكذا.. بسبب ما حدث بينهم قبل قليل..ام لسبب آخر؟..
وصل طارق في تلك اللحظة الى مكتب السكرتيرة وقال: انا صحفي من صحيفة الشرق وادعى طارق جلال..اتيت انا وزميلتي وعد عادل لاجراء مقابلة صحفية مع السيد نبيل سالم.. ولدينا موعد معه..
قالت السكرتيرة بهدوء: اعلم.. ولكن السيد نبيل منشغل بمكالمة هاتفية هامة.. انتظرا لدقائق فحسب ريثما ينهيها..
عقد طارق حاجبيه لوهلة ومن ثم قال: لا بأس..
اشارت السكرتيرة للاريكة التي كانت بنصف طول الجدار تقريبا..وقالت: تفضلا..
توجه طارق في بساطة ليجلس على الاريكة.. والتفت الى وعد التي كانت تتطلع اليه وقال بصوت هادئ: ما بالك لا تجلسين؟..
جلست على الاريكة بصمت دون ان تنطق ببنت شفة وقال هو في تلك اللحظة وهو يتطلع اليها بنظرة لم تفهمها: والآن ما الذي يضايقك؟..
كان السؤال غريبا ولم تتوقعه وعد ابدا.. ورفعت هذه الاخيرة حاجبيها وقالت بدهشة: يضايقني؟؟..
اومأ طارق برأسه ايجابيا ومن ثم قال: اجل هناك ما يضايقك منذ ان انطلقنا من الصحيفة ..فما هو؟..
على الرغم من ان وعد كانت تنوي اخباره بما يثير في نفسها كل هذا الضيق .. الا انها وجدت نفسها تشيح بوجهها بعناد وتقول: لا شيء ابدا..
التفت عنها ومن ثم لم يلبث ان قال بعد ان زفر بقوة: هذا بسبب تجاهلي لك في مبنى الصحيفة..اليس كذلك؟..
كانت تريد ان تجيبه بنعم.. ولكنها لم تفعل.. ربما كان عنادها او كبريائها اللذان وقفا حائلا دون ان تنطق بكلمة.. في حين قال طارق بهدوء وهو يلتفت لها: اتعلمين لما فعلت ذلك وتركتك خلفي في مبنى الصحيفة؟..
ظهرت الحيرة جليه في عينيها فقال مردفا: لانني اعلم كم انت عنيدة وانني لو اصررت على مجيئك معي لازدادت شدة عنادك.. ورفضت القدوم بشدة.. ولهذا لم اجد امامي حلا سوى ان اتركك تختارين احد الامرين بنفسك.. ودون ان يضغط عليك احد.. وكنت اشعر بانك سوف تحضرين .. ولم اخطأ في حدسي..
قال عبارته الاخيرة بابتسامة وهو يتطلع الى وعد التي كانت تعلم انه حق في هذه النقطة.. لو اصر على قدومها ما كانت لتحضر.. وكان عنادها هو من سينتصر عليها في النهاية.. ووجدت نفسها تقول في تلك اللحظة: وماذا عن تجاهلك لي طوال الطريق .. وحتى في هذه الشركة؟..
هز كتفيه ومن ثم قال: ذلك لاني كنت انتظر حتى تهدئي قليلا واتمكن من الحديث اليك بهدوء.. كنت اعلم اني لو ناقشتك في الامر لانفجرت في وجهي بكل غضب وعصبية..
هتفت وعد بحدة وسرعة: وحديثك مع تلك الفتاة .. كان قلقا من غضبي ايضا؟..
تطلع اليها طارق بدهشة..وارتفع حاجباه لعبارتها.. وتطلع اليها لفترة من الوقت باستغراب.. قبل ان يلتفت عنها وترتسم على شفتيه ابتسامة تحمل ما بين الغموض والسرور: هل تشعرين بالغيرة يا وعد؟..
تطلعت اليه وعد واتسعت عيناها بذهول.. فلم تدرك عندما نطقت عبارتها السابقة انها قد اعلنت مشاعر ضيقها من تلك الفتاة وبمنتهى الوضوح.. وهذا لا يعني سوى امرا واحدا..وشعورا واحدا تحمله بداخلها وتحاول ان تخفيه..شعور يسمى..
الغيرة...

جنــــون 11-23-2011 01:35 AM

* الجزء الثاني والثلاثون*
(هل يجب ان اقولها؟)


ارتفع حاجبا ليلى باستغراب وهي ترى عماد يوقف سيارته في احد المواقف يهدوء بجوار عدد من المنازل .. هي لم تنتبه الى تغييره لمساره ابدا.. وربما تكون هذه المنازل في مثل خط سير الطريق المؤدي الى الشركة تقريبا.. وقالت اخيرا بدهشة وهي تلتفت له: لم توقفت هنا؟..
التفت عماد اليها وقال وهو يشير الى المنازل التي كانت على يمينه: ما رأيك بهذه المنازل.. اهي جيدة؟..
اومأت برأسها وقالت باستغراب:بل ممتازة .. ولكن لم؟..
ابتسم عماد وقال: لآخذ رأيك بها فحسب..
قالت ليلى باستغراب: هل قام صاحب هذا المنزل بعقد صفقة معك من اجل نوافذ هذا المنزل أو..؟
قاطعها عماد قائلا وهو يقتح باب سيارته: يمكنك ان تقولي انه قد عقد معي صفقة بالفعل..
هتفت به وهي تراه يغادر السيارة: الى اين؟..ماذا عن الشركة؟..
قال عماد بمرح: ستجد من يهتم بها.. ولنهتم نحن بشؤوننا..
قالت بحنق: عماد هل تريد ان تترك الشركة هكذا من دون شخص يشرف عليها ويديرها من اجل اخذ رأيي بمجموعة من المنازل فحسب..
قال عماد بابتسامة: وماادراك إن اخذ رأيك في هذه المنازل لن يكون بمقدار اهمية ادراة الشركة..
تطلعت اليه بحيرة فقال: اهبطي الآن من السيارة وسنتحدث بالامر لاحقا..
فتحت باب السيارة لتهبط منها.. ومن ثم تسير الى جواره الى تلك المنازل التي كانت قيد الانشاء..ولكن مع هذا فقد بدت رائعة بتصميمها الخارجي الانيق..وقالت ليلى وهما يعبران بابه الامامي ويدلفان الى الردهة: يبدوا المنزل جميل جدا وخصوصا مع طريقة بناءه هذا بالاضافة الى الردهة التي تبدوا واسعة جدا ومصممة بطريقة انيقة..
التفت لها عماد وقال: اذا فالمنزل يعجبك..
قالت في سرعة: بكل تأكيد.. انا لم اقل غير هذا أ...
بترت عبارتها بغتة وعقدت حاجبيها ومن ثم التفتت اليه لتقول: عماد لا تقل لي ان هذا المنزل ليس سوى....
بترت عبارتها ولم تكمل فضحك عماد وقال بمرح: ما يدور بذهنك صحيح.. انه منزلنا..
اتسعت عيناها بدهشة ومن ثم قالت: ولم لم تخبرني بالامر منذ البداية؟.. ومتى قمت بشرائه وكيف؟..
ابتسم وقال: لم اخبرك بالامر لأني كنت اريدها ان تكون مفاجأة لك..ومتى قمت بشرائه وكيف..فأنا قمت بذلك قبل يومين وليس شراءا بالمعنى المعروف..وانما دفعت مبلغ من المال كمقدم لثمن المنزل.. وسأدفع الباقي كأقساط شهرية الى ان يصبح المنزل ملكا لنا..
قالت وهي تزدرد لعابها من اثر المفاجأة: ولكن الا ترى ان الوقت لا يزال مبكرا على شراء منزل .. يمكنني ان اعيش في منزل والديك فيما بعد ..لن اعترض على هذا مطلقا..
التفت لها عماد وقال بحنان: اعلم يا ليلى .. ولكني ارغب في ان يكون لنا منزلنا الخاص.. وحياتنا الخاصة .. هذا المنزل الذي سنختار الوان جدرانه بانفسنا.. وسنختار اثاثه بمفردنا دون تدخل من أي احد.. انت تفهميني يا ليلى اليس كذلك؟..
ابتسمت ليلى وقالت : اجل افهم انك شخص مبذر للنقود..
ضحك بمرح وقال وهو يجذبها من كفها: تعالي سأريك الردهة من زاوية افضل..
وتوقف عندما اقترب من تلك الزاوية ومن ثم قال: ما رأيك؟.. هنا سنضع طقم الجلوس.. سيكون عبارة عن اريكة ومقعدين ومكتبة بالاضافة الى جهاز التلفاز..
قالت بابتسامة وهي تلوح بسبابتها: ولا تنسى ان تضيف التحف واللوحات التي ستجعل المكن اجمل بالتأكيد..
ابتسم وقال: هذه اشياء سنقرر شراءها فيما بعد.. المهم الآن هي الاشياء الرئيسية..
واضاف وهو يشير لها ان تتبعه: سأريك الآن غرفة اخرى..
تبعته الى حيث توجه ومن ثم قال وهو يقف عند باب تلك الغرفة: هذا هو اكثر الاماكن التي ستقضين فيها وقتك على ما اظن..
قالت مبتسمة: لقد فهمت.. انه المطبخ اذا..
واردفت وهي تلتفت اليه وتقول بضيق مصطنع:ولكن ليس انا من سيقضي فيه وقتا طويلا.. بل الخادمة..
قال عماد بدهشة مصطنعة: من قال انني سأحضر خادمة الى المنزل؟..
قالت وهي تصطنع الاسف: رباه.. لا تقل لي اني سأضطر لتنظيف جميع الاواني بيدي هاتين..
قالتها ورفعت كفيها في حركة تلقائية..وفوجئت بعماد وهو يمسك بكفيها ويقول بحنان: لا.. لن تفعلي شيئا في هذا المنزل سوى اصدار الاوامر..انت هنا اميرة هذا القصر.. اتسمعين؟.. اميرته فحسب..
رفعت عيناها اليه وقالت بابتسامة: عن أي قصر تتحدث؟..
قال وعلى ثغره ارتسمت ابتسامة مليئة بالحنان: هذا الذي تقفين على بساطه يا سمو الاميرة..
ضحكت ليلى برقة ومن ثم قالت: اتعلم..انت تجيد المثيل كثيرا..
قالتها وجذبت كفيها من كفيه فقال وهو يميل نحوها: لست كذلك يا سمو الاميرة..كل مشاعري انما ابثها لك من هذا القلب الذي اختطفته معك..
قالت ووجنتيها قد توردتا خجلا: كف عن حركاتك المسرحية هذه ولنكمل جولتنا..
قال وهو يشير نحو السلم: فلنصعد الى الطابق الثاني اذا..
اومأت برأسها وصعدت معه.. وهناك توقف امام احد الغرف وقال مبتسما: لو عرفت لمن هذه الغرفة سأمنحك ترقية استثنائية..
ضحكت وقالت: صحيح لقد نسيت انك المدير لوهلة..ولا اشك يوما لو انه حدث خلاف بيننا ان تقوم بفصلي من العمل..
هز كتفيه وقال بلامبالاة مصطنعة: هذا يتوقف على نوع الشجار..
ومن ثم اردف وهو يتطلع الى داخل الغرفة: والآن لمن تتوقعين ان تكون هذه الغرفة..
قالت مفكرة: اظن انها ستكون غرفتنا نحن.. اصحيح؟..
هز رأسه نفيا ببطء ومن ثم قال: لا..غير صحيح..
سألته في سرعة: اذا؟..
قال وهو يغمز بعينه: انها غرفة (حلا)..
تطلعت لها بدهشة كبيرة وقالت: من هي حلا؟؟..
تقدم منها ومن ثم قال مبتسما: ملاكنا الصغير يا ليلى..
توردت وجنتا ليلى ومن ثم قالت: لقد ظننت ان الرجال يفضلون الاولاد في العادة..
- ليس كل الرجال سواء.. ولكنني افضل ان تكون فتاة حتى تحمل ملامح والدتها ..
قالت ليلى بمرح بغتة: وما ادراك ربما لايرزقنا الله غير الاولاد..
قال مبتسما: اهم شيء انك والدتهم.. وانا متأكد انهم سيحملون ملامحك..
وقال وهو يتوجه نحو النافذة ويتطلع منها.. تلك النافذة التي كانت مجرد اطار في جدار الغرفة دون أي لوح زجاجي: لقد اخترت هذا المنزل بالذات لانه اولا سيكون في خط سيرنا باتجاه الشركة..
قالت مبتسمة وهي تقترب لتقف الى جواره: اجل لهذا لم اشعر انك قد غيرت مسارك طوال الطريق..
وواصل عماد قائلا وكأنه لم يسمعها: وثانيا لاني استطعت الحصول عليه بسعر مناسب وذلك بفضل مهندس من العائلة الذي يعمل في الشركة ذاتها..
قالت ليلى مبتسمة: اظن انه يتوجب علي ان اشكره..
قال مبتسما: لقد فعلت بالنيابة عنك..
واردف بحنان وهو يحيط كتفها بذراعه ويضمها اليه: متى سيأتي هذا اليوم يا ليلى.. اليوم الذي نجتمع في هذا المنزل بالفعل..ونتطلع الى اطفالنا الذين سيكبرون امام اعيننا ليبدأوا مسيرة حياتهم..
قالت ليلى بخفوت: وربما كان هناك عماد آخر منهم ..يحب فتاة التقى بها بعد عشرات الصدف الغريبة التي جمعت بينهم..
ضحك وقال: او ربما ليلى اخرى.. توجه لخطيبها النصائح على عدم تبذير النقود..
شاركته ليلى الضحك.. وهما يرسمان في ذهنيهما الكثير من الاحلام الوردية التي يتمنان تحقيقها يوما ما..
**********
الغيرة...
ترددت هذه الكلمة المكونة من ستة حروف في ذهن وعد..هل هي حقا تغار على طارق الى هذه الدرجة؟..هل هي الغيرة حقا.. واذا كانت كذلك.. فالغيرة هي الوجه الآخر للحب..فلو علم طارق انها تشعر بالغيرة عليه.. فهذا يعني انها تحبه.. لا تفسير آخر.. لهذا عليها ان تتهرب من الاجابة.. وبأي وسيلة كانت.. ولكن كيف؟..
وشاهدته يلتفت لها وهو يتطلع لها بابتسامة .. وازدردت لعابها بتوتر اثر ابتسامته.. شعرت ان ابتسامته هذه تحمل كل الثقة بما قاله..وانه يثق بحقيقة مشاعرها تجاهه..وقالت وعد في تلك اللحظة محاولة الدفاع عن نفسها: عن أي غيرة تتحدث يا...
(سيد طارق .. المدير ينتظرك في مكتبه)
زفرت وعد بحدة مع هذه النجدة التي جاءت لتنقذها من تبرير موقفها..وشاهدت طارق ينهض واقفا..فنهضت بدوره وسمعته يقول وهو يتوجه نحو باب المكتب: اشكرك يا آنسة..
تبعته وعد..وبداخلها تولد شعور بالارتياح..ان هذه المقابلة ستأخذ وقتا طويلا سينسى خلالها ما قاله لها..وعن موضوع الغيرة هذه...
ومضت ساعتين من الوقت استغرقاها في اللقاء الصحفي ..وبعدها سألها طارق : اتريدين توجيه أي اسئلة اخرى..
هزت رأسها نفيا فقال طارق متحدثا الى المدير: اشكرك يا سيد نبيل..و سعدنا بلقاءك..
ابتسم السيد نبيل وقال: وانا كذلك..
قال طارق وهو ينهض من مجلسه ويمد يده مصافحا:نراك بخير.. الى اللقاء..
صافحه المدير بهدوء.. في حين اكتفت وعد بهز رأسها وقالت: الى اللقاء يا سيد نبيل..
وغادرت مع طارق المكتب..وقال وهو يسير الى جوارها في ذلك الممر: انه من القلائل اللذين يتعاونون مع الصحافة..
قالت وعد بابتسامة: لاحظت ذلك انا ايضا..
وصلا في تلك اللحظة الى حيث المصاعد.. فضغط على الزر منتظرا احدها وقال: ربما يكون سبقا صحفيا افضل من سابقه هذه المرة..
سألته قائلة: ماذا تقترح اذا ليكون عنوان لمثل هذا اللقاء؟..
فكر قليلا ومن ثم قال: لا يزال الوقت مبكرا.. على اختيار العنوان.. ولكن بما ان اللقاء كان يحوي اغلبه على العلاقات الخارجية واثرها في التطور فأنا اقترح ان يكون العنوان هو...شمس التطور تطل من الخارج و...
صمت وعقد حاجبيه في تفكير ومن ثم هتف هو ووعد في آن واحد: وتتسلل الى نافذة الداخل!..
تطلعت اليه وعد لوهلة بدهشة ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تضحك بمرح: يبدوا وان افكارنا متقاربة..
قال طارق بابتسامة واسعة: بل استطعت قراءة ما بذهني قبل ان اقوله..
قالت وعد بمرح وهي تدلف الى المصعد الذي وصل لتوه وفتح ابوابه:ليست لدي القدرة على قراءة الافكار..
قال مبتسما وهو يدلف خلفها ويضغط على زر الطابق الارضي: ربما ليس قراءة الافكار..نستطيع القول تخمين ما يدور بذهن الشخص قبل ان ينطقه وذلك لمعرفتك بشخصيته وطريقة تفكيره..
ضحكت وعد وقالت: ها قد عدنا للفلسفة..
التفت لها وقال: ليس ما اقوله فلسفة.. وانما لمعرفتي بشخصيتك وانك قادرة على قراءة ملامح من امامك وقادرة على فهم ما يدور بذهنه لو عرفت شخصيته..
واردف وهو يضغط على حروف كلماته: وكثيرا ما تستخدمين هذا الاسلوب للهرب..
غمغمت بدهشة: الهرب؟؟..
التفت لها وقال وفي عينيه نظرة غامضة: اجل الهرب.. فغالبا ما تهربين من كلمات الاهتمام او الحنان التي اوجهها لك ولا زلت اجهل السبب الى الآن..
تطلعت اليه بدهشة ومن ثم لم تلبث ان قالت بتردد: انا لا اهرب وانما..وانما...
عقد حاجبيه وقال: وانما ماذا؟.. هناك شخص ما في حياتك .. وانت لا تريدين ان يكون لك أي علاقة بآخر..أليس كذلك؟..
قالت في سرعة: لا .. الامر ليس هكذا..وانما...
قال وهو يمسك بكتفيها بغتة ويتطلع الى عينيها مباشرة: وانما ماذا يا وعد.. اجيبيني ارجوك..
ازدردت لعابها وتحاشت نظراته وهي تقول: الحقيقة انني اخشى ان تكون...
قال بلهفة وهو يحثها على مواصلة حديثها: ان اكون ماذا؟.. تحدثي يا وعد ارجوك..
ترددت طويلا ولم تستطع ان تخبره ان سبب هذا الهروب هي مايا .. تخشى انها لا تزال في قلبه وما زال يحبها..الحب الاول لا يمكن ان ينسى بسهولة.. هو كالطفل الذي يكبر مع الانسان.. وكالجذور التي تتشبث به..
ووجدت طارق يترك كتفيها بغتة ويستدير عنها.. وفهمت السبب على الفور.. لقد وصل المصعد الى الطابق الأرضي ..وانفتحت بوابتاه على مصراعيها .. فسار بخطوات هادئة مغادرا المصعد.. وسارت وعد الى جواره دون ان يتبادلا كلمة واحدة.. تطلعت له وعد بتردد بطرف عينها.. اتخبره سبب هروبها من مشاعره.. وهروبها من اهتمامه وكلماته .. اتخبره انها تخشى ان لا تكون مشاعره نحوها سوى الاعجاب والاهتمام او ربما الميل على الاكثر ..وعندها سيتحطم قلبها وسيصبح فتاتا..لن تحتمل ان ... ولكن ربما يكون ما يحمله لها من مشاعر هو ...الحب... لا .. لا تكوني واهمة يا فتاة.. ان مايا قد تغلغلت بداخله من المستحيل ان ينساها او ان يبعدها عن تفكير لحظة واحدة .. الم يقل هذا بنفسه لتلك الفتاة..الم يقل انه لا يستطيع ان ينساها وانه...
(مصادفة..)
جاء هذا الهتاف من خلف كل من طارق ووعد ..واستدارت هذه الاخيرة الى مصدر الصوت ولم تلبث ان عقدت حاجبيها بضيق وهي تلمح رنا تقف خلفهما..وتلك الاخيرة تردف بابتسامة: مصادفة ان اراكما وانا قادمة الى المؤسسة .. واراكما وانا اغادرها ايضا..
قال طارق وهو يتطلع الى ساعته في سرعة: ولكن الوقت لا يزال مبكرا على المغادرة..
ضحكت رنا وقالت : لقد فهمتني بشكل خاطئ.. عملي لم ينته بعد.. ولكن مغادرة المؤسسة هي جزء من عملي ..حيث سألتقي بمدير شركة أخرى وافهم منه سبب اعتراضه على منتجاتنا.. واحاول ان اشرح له الامر.. انت تعلم هذه الامور المعقدة..
ابتسم طارق وقال: اجل .. اعرفها جيدا..ومن منا لا تواجهه هذه الصعوبات في عمله..
قالت وهي تتجاوزهما مبتسمة: عن اذنكما الآن.. واياك وان تنساني يا طارق مرة اخرى..
قال طارق وهو يضحك بمرح: اعدك ان احاول..
تطلعت اليه رنا وقالت بهمس هي تغادر المكان مبتعدة عنهما: لا يزال رائعا ووسيما كما عهدته دائما.. لقد عاد طارق القديم..يبدوا انه استطاع ان يتغلب على ما حدث له في الماضي اخيرا..
وعد وحدها لم تكن تبتسم.. او تشاركهما الحديث.. كانت تشعر بالحنق يتضاعف في اعماقها.. ما الذي تريده منه هذه الفتاة.. الآن تذكرته بعد مرور سبع سنوات.. الآن اصبحت تفكر فيه بعد ان نبض قلبها هي -وعد- بحبه..
سار طارق الى حيث سيارته دون ان ينتبه الى امارات الغضب التي علت وجه وعد.. ودار حول مقدمة السيارة ليحتل مقعد القيادة وينتظر من وعد الركوب..وصعدت وعد الى السيارة ولكن في هذه المرة لاحظ الغضب البادي على وجهها.. انطلق بالسيارة وهو في حيرة من امره.. لم تغضب ان شاهدته يتكلم مع فتاة خرى؟..انها الغيرة بالتأكيد.. والغيرة هي الوجه الآخر للحب.. ولكن تصرفاتها معه لا تثبت له ابدا انها تحبه.. انها تتهرب منه ومن كلماته وكأنها ترفضها.. انه حتى لم يسمع منها كلمة واحدة تبثه فيها حنانها او حتى اهتمامها.. ما عدا يوم اصابته.. وكان هذا شيء طبيعي يومها لانها كانت المسؤولة عما حدث له.. وايضا تلك الخاطرة..لم كتبتها اذا؟.. ان هذا يعني انها مهتمة به.. ولكن تصرفاتها تشير الى العكس.. احيانا يراها مهتمة به واحيانا اخرى لا مبالية..احيانا يرى في عينيها نظرة حنان واحيانا اخرى لا يرى سوى نظرة عابرة لا تحمل اية مشاعر ..احيانا يراها متلهفة لرؤيته واحيانا اخرى يشعر بالجفاء في تصرفاتها..او يستطيع ان يقول انها تتعمد الرسمية معه في احيان كثيرة..انه يشعر بالحيرة.. كأنه تائه لا يعلم ماذا يفعل ..هل وعد تبادله مشاعره؟.. ام انه مجرد اعجاب؟..
واخيرا تحدث وهو يحاول ان يجعل صوته هادئا قدر الامكان وهو يتسائل: ما الامر؟..ماذا بك؟..
اجابته بضيق واضح: لا شيء ابدا..لا تشغل نفسك بي فقط انتبه للطريق..
قال طارق وهو يزفر بحدة: هل بدر مني ما ضايقك؟..
عقدت وعد ساعديها امام صدرها وقالت بسخط: ابدا لم تفعل أي شيء..
قال بحيرة: انت لم تخبريني حتى الآن .. مم تخشين؟.. وما الذي يدفعك للهروب من كلماتي..
قالت وعد بعصبية: لا شيء يدعوني للهروب..ولم اهرب اساسا؟..
قال بضيق وهو يختلس النظرات اليها: هذا السؤال يجب ان توجهيه لنفسك..
قالت بعصبية اكبر: لست مهتمة لامرك اساسا حتى اهتم بالهروب من كلماتك..
قال طارق بعصبية هذه المرة: وماذا عن كلماتك التي كتبتها في تلك الخاطرة؟..
بهتت لوهلة ومن ثم لم تلبث ان اشاحت بوجهها وقالت بارتباك: لقد استغربت شخصيتك الغامضة والتي تتسم بالبرود ..لهذا كتبتها..
قبض طارق على مقود السيارة بكل قوته وكأنه يبث له انفعاله.. ومن ثم قال: وهذا الشخص البارد الاحاسيس قد تغير بسببك انت..
قالت وعد وهي تتطلع عبر النافذة بحنق: وما الذي فعلته انا حتى تتغير؟..لا شيء..لم افعل شيئا على الاطلاق..
كان كلاهما يشعر بانفعال يحاول تفريغه بأي وسيلة.. فمن ناحية وعد وغيرتها التي تكاد تنهش قلبها.. وتكاد تتيقن من ان طارق سيكون مخلصا للابد لحبه الاول.. ومن ناحية اخرى .. طارق ومشاعره المضطربة.. وهو غير عالم ان كانت وعد تهتم به..ام لا..غير مدرك ان كانت تبادله المشاعر.. ام انها كما قالت ..مجرد اهتمام بالشخصية ليس الا..حيرته تتضاعف.. وانفعاله يزداد.. ماذا يفعل ليعلم حقيقة مشاعرها؟.. ماذا يفعل؟..هل...
( انتبه يا طارق..!!)
اخترقت هذه العبارة- التي القتها وعد- اذنيه فجأة ..وجعلتاه يستيقظ من تأملاته.. ليكتشف بعتة..ان يكاد يصطدم بالسيارة التي امامه..لن يكون هناك مجال لضغط الفرامل.. لهذا ادار المقود بغتة على نحو مباغت وقال لوعد في حزم: تشبثي بمقعدك..
اغمضت وعد عينيها وقلبها ينبض بانفعال..وقبضت بكل قوتها على المقعد لتتشبث به.. في حين استطاع طارق السيطرة على الوضع بعد ان انحرف بغتة الى جانب الطريق وتوقف فيه متفاديا الاصطدام.. وقال وهو يسند رأسه بمسند المقعد: كل شيء على ما يرام الآن..
والتفت لها مستطردا: أأنت بخير؟..
وجدها تطرق برأسها لتخفي دموعها التي تترقرق في عينيها وتقول بصوت مختنق: فقط لأني اشبهها.. فقط لاني اذكرك بها.. لهذا تغيرت لانها عادت للظهور في حياتك من جديد.. حبك الاول الذي لا يمكنك انتزاعه من قلبك..اما انا فلاشيء .. دائما على الهامش.. مجرد خيال لمن تحب.. مجرد انعكاس لها..
اتسعت عينا طارق وقال بانفعال: انت لا تفهمين .. لا تفهمين ابدا..تظنين اني ارى مايا فيك انت لمجرد تصرفاتكما المشتركة .. ولكن هذا ليس صحيحا ابدا..انت وعد وهي مايا.. كلاكما فتاة مختلفة..ان كنت سأهتم بك فهذا لاني اهتم بوعد نفسها.. وان كنت سأبثك كلمات الحنان فهذا يعني انني اوجهها الى وعد.. ربما ما شد انتباهي بك في البداية فقط هو بعض الصفات المشتركة بينكما.. ولكنكما في النهاية شخصيتان مختلفتان تماما...
واردف وانفعاله يتضاعف: وعد لم لا يمكنك ان تفهميني؟.. لطالما قرأت ملامح وجهي.. هل يجب ان اقولها؟.. الا ترينها في نظرة عيني وانا اتطلع اليك؟..الا تسمعينها في نبرة صوتي وانا اتحدث اليك؟..الا تشعرين بها في لمسة كفي لك؟..
قالها وهو يمسك بكفها مما ارجف جسد وعد بأكمله وجعلها تلتفت له وقلبها ينبض بانفعال وطارق يتابع:الا تستطعين ان تشعري بها في كل هذا؟.. ايجب ان اصرخ واقولها؟.. حسنا سأفعل ان كان هذا ما تريدينه..سأقول اني احبك.. احبك ..احبك ..احب وعد.. وليس أي فتاة اخرى سواها .. احب تلك الفتاة العنيدة..تلك الصحفية الذكية والجريئة ..وعد الرقيقة الحانية.. المرحة والعصبية.. فهل هذا يرضيك الآن؟...
صمت تام اطبق على السيارة بعد عبارته تلك..هدوء خيم على سيارته لم يجرأ ايهما على قطعه..والدموع التي كانت تترقرق في عينا وعد قد جفت تماما.. وكلماته تتردد في ذهنها دونما توقف.. شعور هو اشبه بالذهول والصدمة وعدم التصديق..وكأنها لم تستوعب ما قاله بعد.. تحاول ادارته في ذهنها عشرات المرات لتجد السبيل لاستيعابه..لا يمكن ان تتحقق الاحلام بهذه البساطة.. لا بد وانها لم تستمع الى العبارة جيدا.. لابد انها تتخيل..
ومن طرف آخر كان طارق يلوم نفسه لفضحه لمشاعره على هذا النحو وفي لحظة انفعال..لم قالها الآن؟..لم اعترف بحبه لها؟..انه لا يرى منها أي شيء يدل على مبادلته هذه المشاعر..فلم قالها؟..لم؟..
وجد وعد تجذب كفها من يده بهدوء.. فابتسم لنفسه بمرارة وقال: يجب ان نعود الى الصحيفة الآن..
اسرعت وعد تقول وهي تلتفت له: طارق..
التفت لها وقال بهدوء: ماذا؟..
ابتسمت بخجل وارتباك وقالت: الا تريد ان تعلم مم اخشى؟ .. ولم كنت اهرب من كلماتك طوال الوقت..
التفت عنها وقال: لم يعد هذا مهما الآن..
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت: الا يهمك ان تعرف حقا؟..
وازدردت لعابها لتردف بتوتر: لقد كنت اخشى من ان تكون مايا لا تزال في قلبك.. لا تزال في عقلك.. تسيطر على كيانك ومشاعرك بأكملها..انت نفسك اثبت انها لا تزال في قلبك بسردك تلك الحكاية.. وحديثك عنها وكأنها لا تزال على قيد الحياة.. واخيرا قولك لزميلتك منذ ساعات انك لا تستطيع ان تنساها..
تطلع طارق اليها لفترة من الوقت ومن ثم قال: سأسألك سؤالا واجيبيني عليه بصراحة..
اومأت برأسها فاردف متسائلا: هل يمكنك نسيان اهلك؟.. نسيان اصدقائك او زملاء الدراسة..نسيان من كان لهم ولو لحظات بسيطة في حياتك؟.. هل يمكنك هذا؟.. ان النسيان معناه ان الشخص لم يعد في حياتك نهائيا.. وانك تقتلعينه بلا رحمة من ذاكرتك.. ليكون لا شيء..لا اظن ان أي شخص في هذا العالم باستطاعته نسيان اهله او حتى زملائه..لانه عندها سيكون قد اخفاهم من حياته نهائيا.. هل ادركت ما اعنيه جيدا؟..
تطلعت اليه بدهشة وعيناها متسعتان وهي تحاول ادارة ما قاله في ذهنها..ومن ثم لم تلبث ان ارتسمت ابتسامة على شفتيها وقالت: اجل لقد فهمت..
قالتها وهي تعتدل في جلستها وابتسامتها لا تفارق شفتيها.. ووجدت طارق يقول في تلك اللحظة بتردد: وعد.. انا اشعر ان مشاعري التي اشعر بها تجاهك من طرف واحد.. اصحيح؟..
تطلعت له وعد بطرف عينيها وقالت: ربما...
تطلع لها بدهشة ومن ثم لم يلبث ان قال وقد ارتسمت بتسامة على شفتيه وقد ادرك محاولتها في عدم منحه اجابة صريحة: ماذا تعنين؟..
التفتت له وقالت وهي تتطلع له بعينان يملأهما الحب والحنان: باستطاعتك قراءة لغة العيون.. دعها هي من تمنحك الاجابة..
اتسعت ابتسامة طارق وقال وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: هل اعد هذا تحديا لي؟..
هزت وعد كتفيها وقالت: اعتبره ما تشاء..
وابعدت عينيها عنه بعد لحظة وقالت : والآن اخبرني هل فهمت شيئا من عيني؟..
اومأ طارق برأسه وقال وهو يلتفت عنها: اجل.. ادركت اني كنت مخطئا..
ارتسمت الدهشة على وجهها فاردف وهو يغمز بعينيه: في ان مشاعري من طرف واحد وحسب..
توردت وجنتيها بحمرة الخجل ورأته ينطلق بالسيارة وعلى شفتيه يحمل ابتسامة سعادة ورضا وحنان.. لقد استطاع ان يعلم اخيرا بمشاعرها نحوه من نظرة عينيها التي كانت تحمل له في هذه المرة كل الحب والحنان..
وعد ايضا استطاعت ان تعلم بمشاعر طارق لها.. تلك المشاعر التي جاهدت طويلا لتعرف كنهها وهاهو ذا القدر يمنحها الاجابة وبكل وضوح.. وهو ينتظرها لتتخذ قرارا فيما عرضه عليها هشام سيحدد مصيرها باكمله ..اما بالقبول او الرفض..
وانطلقت السيارة بهما لتبدأ مرحلة جديدة في حياة كل منهما..
*******
اخذ هشام يخط بقلمه الرصاص تلك الخطوط بشرود شديد على لوحة الرسم الهندسية في مكتبه بالعمل.. وعقله يسترجع ذلك الحوار الذي دار بينه وبين فرح بالامس..عندما طرق باب غرفتها وقال بشيء من الهدوء: فرح هل يمكنني الدخول؟..
جاءه صوتها وهي تقول: بكل تأكيد ادخل..
فتح باب الغرفة ليدلف الى الداخل وشاهدها جالسة خلف جهاز الحاسوب والتفتت له لتقول بمرح: هشام يستأذن قبل الدخول.. يالها من معجزة.. لابد وان في اذني خلل ما هذا اليوم..
قال هشام وهو يتجه ليجذب له مقعد ويجلس الى جوارها متجاهلا عبارتها: اخبريني ماذا تفعلين؟..
قالت وهي تهز كتفيها بملل: اقوم بعمل بحث للجامعة..
سألها قائلا: هل هذا سيستغرق منك الكثير؟..
التفتت له وقالت مبتسمة: هشام.. لم لا تدخل بالموضوع مباشرة؟..
زفر هشام بحدة ومن ثم قال: هل اخبرتك وعد بشيء؟..
كانت تعلم ما يعنيه ولكنها قالت متظاهرة بعدم معرفتها بطلبه من وعد: شيء مثل ماذا؟..
اشاح بنظراته بعيدا قبل ان يقول: لقد طلبت رأيها في موضوع وانا انتظر جابها.. فهل اخبرتك بشيء؟.. لقد علمت انك كنت اليوم في منزلها..
قالت فرح مبتسمة: وانا اقول لنفسي لم يطرق الباب؟.. ولم يبدوا مهذبا الى هذه الدرجة؟.. ان الامر يتعلق بوعد وبجوابها المنتظر على شيء ما..
واردفت وهي تميل نحوه: ولكن ما هو هذا الشيء؟..
تردد هشام طويلا قبل ان يحسم قوله ويقول: في الحقيقة لقد طلبت وعد للزواج..
اصطنعت على وجهها الدهشة وقالت: هكذا يا هشام.. تطلبها للزواج دون ان تأخذ رأي والدي على الأقل..
قال هشام بحزم: لا اظنهم سيعارضون الامر ابدا..
- على الاقل يكون لديهم علم بالموضوع..
قال وهو يلوح بكفه: دعينا من هذا الموضوع الآن واخبريني هل اجابتك بشيء ام لا؟..
قالت باقتضاب: لا.. لم تجب بشيء ابدا.. كل ما قالته انها ستفكر بالامر مليا وانها ستتخذ القرار قريبا..
تطلع لها هشام لوهلة ثم لم يلبث ان قال وهو يعقد حاجبيه: اذا فقد كنت تعلمين بالامر منذ البداية..
قالت فرح بلهجة مرحة: امر مهم كهذا لا يمكن ان يخفى على شقيقتك ابدا..
- لم تظاهرت بالعكس اذا؟..
- كنت اريدك ان تخبرني عن القرار التي اتخذته بنفسك..
واردفت بهدوء: اتعلم يا هشام.. مشكلتك انك لا تستمع لنصائح الغير ابدا.. تظن ان كل شيء من حقك ان تحصل عليه في هذا العالم.. مشكلتك ان اعجبك شيء ما فانك تصر على امتلاكه على الرغم من ان هناك العديد غيره في هذا العالم الكبير..هذا كله يعود الى طبيعتك الانانية المتملكة..
اشار الى نفسه باستنكار وقال: انا؟؟..
اومأت برأسها وقالت: اجل انت..لقد تربيت منذ ان كنت صغيرا على ان تحصل كل ما تريد ويبدوا ان هذه الخصلة قد كبرت معك مع مرور الزمن..
قال بحنق: اخبريني ما سر هذه المقدمة السخيفة؟..
قالت وهي تهز كتفيها: لانك لا ترى من حولك سوى وعد.. ووعد فقط.. اخبرني هل فكرت بجدية بأي فتاة اخرى سواها.. فقط لان وعد امام ناظريك عليك ان تختارها هي وتتزوجها هي.. هكذا تفكر.. ولكن اعلم ن الحب ليس هكذا.. مادامت وعد لا تبادلك المشاعر.. فابحث عن حب حقيقي..ابحث عن فتاة تحبها وتحبك.. ولا تضيع سنوات عمرك في انتظار وعد..
قال هشام بضيق: انت لا تعلمين من هي وعد بالنسبة لي.. ان وعد هي الهواء الذي اتنفسه.. هل تريدين بكل هذه البساطة ان ارمي مشاعري تجاهها خلف ظهري..انه امر مستحيل.. امر لن يمكنني فعله مطلقا..
قالت فرح بحدة: لا يوجد مستحيل في هذا الموضوع.. انت من تعلق نفسك بها.. وتراها كل شيء في هذا العالم.. وبامكانك ان تبعدها عن ذهنك وتبدأ حياة جديدة مع فتاة اخرى سواها لو اردت..
قال هشام بعصبية: لا تظني ان الامر بمثل هذه السهولة ابدا..
قالت فرح وهي تميل باتجاهه: وليس بمثل تلك الصعوبة ايضا.. اليس كذلك؟..

تراجع هشام برأسه عن تلك اللوحة الهندسية بعد ان افاق من ذكرياته..وهو يفكر في عبارة فرح السابقة.. احقا من السهل نسيان ذلك الحب؟..ذلك الحب الذي رافقه منذ سنوات عمره الاولى..هل يمكن له ان يلقي فجأة بكل شيء خلف ظهره ويبدأ من جديد؟.. يبدأ مع فتاة غير وعد..هل الامر بهذه البساطة التي يظنونها؟..صحيح ان حبه من طرف واحد.. ولكن هذا لا يعني ان يستسلم بهذه البساطة.. فربما تبادله وعد حبه هذا يوما و...
(استاذ هشام.. اريد رأيك في هذا المخطط الهندسي)
التفت هشام الى تلك الفتاة التي تطلعت اليه بتردد وهي منتظرة رده.. انها المهندسة الوحيدة هنا بين مجموعة من الهندسين الرجال.. وقد اثبتت قدرتها على انها اهلا لذلك وانها في مستوى مهارتهم.. بل انها تفوقهم احيانا..
اسمها (شذى)..فتاة بسيطة هي..في الخامسة والعشرين من عمرها..متواضعة.. ذكية..مخلصة ومجتهدة في عملها.. تفضل البساطة ولكن لها طموحاتها .. خيالها الواسع يجعلها تبتكر العديد من التصاميم..تمتلك ذلك النوع من الجمال الهادئ .. ولها عينين جميلتين تخفيهما تلك النظارة الطبية.. المهم ان شذى نشعر بالاعجاب الكبير تجاه هشام.. لم ينتبه هشام له مطلقا او ربما لم يعره أي انتباه..فقد كان يقتصر في معاملته لها على الرسمية وفي حدود العمل ..
ومد هشام يده لها وقال بهدوء: دعيني اراه..
منحته الرسم وقلبها يخفق.. تتمنى سماع كلمات الاطراء والمديح منه..تتمنى ان يعجب بعملها..وبالتالي ربما بها.. ووجدته يقول وهو يتطلع له بامعان: جيد..
تطلعت له بخيبة امل.. اهذا كل ما استطاع ان يقوله..جيد فقط..وقالت تستحثه على المواصلة: وماذا عن شكل النوافذ.. وشكل الغرف..
طوى التصميم وقال وهو يمنحها الرسم: لا بأس ابدا ..ولكن افضل ان تأخذي رأي رئيس القسم بهذا الشأن وليس رأيي انا..فأنا لن افيدك بشيء..
قالت شذى في سرعة: من يدري ربما يفيدني رأيك كثيرا..
قال وهو يعقد حاجبيه: من أي ناحية تعنين؟..
زفرت وقالت: لا اعني شيئا.. انس الامر..
التفت عنها.. وهو غير مهتم بما قالته.. في حين واصلت هي عملها وهي تشعر بخيبة الامل الحقيقية.. هذا الشاب لن ينتبه لها ابدا.. يعاملها برسمية تفوق الحدود.. انه حتى لا يتبادل معها سوى التحية على الاكثر..في حين تنهد هشام وهو يتطلع الى ساعته.. لم يبق شيئا وينتهي وقت العمل.. واختلس نظرة عابرة الى شذى.. ترى هل تعنين يا فرح ان اترك فرصة لنفسي بالتعرف على فتاة اخرى؟.. اني لا ارى من شذى الفتاة المناسبة لي ابدا.. فتاة طيبة وبسيطة .. هادئة وجادة احيانا.. وبصراحة لا اراهاتتفق مع فتاة احلامي التي حلمت بها..
وابتسم بسخرية لنفسه.. فتاة احلامه التي تخيلها واحبها لا تبادله المشاعر.. من يدري ربما من تخالف صورة فتاة احلامه ويبدأ معها حياة جديدة وتبادله المشاعر..ربما لو منح لقلبه فرصة اخرى.. ربما لو استطاع ابعاد وعد عن ذهنه..
هز رأسه محاولا نفض تلك الافكار عن ذهنه وهو يغادر مكتبه ويلتقط سترته قائلا: الى اللقاء جميعا..
ودعوه جميعا في حين تابعته عينا شذى وهو يغادر المكان ..اما هشام فقد غادر المبنى والعديد من الافكار لا تزال تراود ذهنه..وترفض الابتعاد عنه..وانطلق بسيارته.. وهو لا يزال حائرا.. ماذا لو رفضته وعد من جديد؟.. ما الذي سيفعله؟..هل سيستطيع ان ينساها وينسى الحب الذي جمعه بها بهذ البساطة؟.. لا ..بكل تأكيد لا.. وعد ليست مجرد فتاة في حياته.. وعد هي نبضات قلبه وكيانه كله.. بدونها يشعر بأنه لا قيمة له.. وانه يفتقر الى شيء شديد الاهمية.. ولكن... ماذا لو وافقت وعد على الزواج به؟..عندها ستنتهي أي مشكلة وسيعيش سعيدا ابد الدهر..و ستكبر معه الاحلام و...
انتزعه من افكاره بغتة ذلك الارتطام القوي الذي كان مبعثه تلك السيارة التي ارتطمت بسيارته من الخلف .. والذي جعله يرتد في مقعده بقوة..ورأسه يكاد يصطدم بالمقود ..وازاح دهشته وتوتره في سرعة وهو يفك حزام مقعده ويخرج من سيارته هاتفا بعصبية: أي حماقة تلك؟.. الا ترى امامك يا هذا حتى تحطم سيارتي على هذا النحو؟..
رأى باب السيارة يفتح وسمع صوت يقول: ولكن انت من توقف فجأة يا سيد..
عقد حاجبيه بشدة فالصوت كان لفتاة.. ورآها تغادر السيارة وعلى وجهها علامات التوترالشديد..كانت تبدوا مرتبكة وهي تقف بجوار سيارتها..كانت جميلة بحق بذلك الشعر الكستنائي القصير.. وتلك الخصلات المبعثرة على جبينها ووجنتيها..وعيناها الواسعتان..وبشرتها البيضاء التي تتخللها بعض الحمرة عند وجنتيها..
ولكن هشام لم يأبه بكل هذا وهو يقول بحدة: هذا ليس عذرا..
قالت الفتاة وهي تلوح بكفها بارتباك: كيف تريدني ان اتفادى الاصطدام وانت توقفت بسيارتك فجأة؟..
قال بعصبية: هذه مشكلتك وليست مشكلتي..
قالت الفتاة بهدوء:حسنا يمكنني تحمل تكاليف اصلاح السيارة..فقط سأتصل بادارة المرور حتى تعلم بالامر.. وبالتالي ستتولى شركة التأمين اصلاح سيارتك و...
قاطعها قائلا: وهل تظنين انني متفرغا لك او لادارة المرور التي لن تصل الا بعد مضي وقت طويل؟.. ان لدي موعدا مع شخص ما.. وعلي مقابلته بعد ربع ساعة فحسب..
قالت الفتاة بنفاذ صبر: وما الذي يمكنني عمله اذا؟..
صمت هشام قليلا ومن ثم قال: انت مستعدة لتحمل نفقات اصلاح السيارة وفي الوقت الذي اريد.. اليس كذلك؟..
اومأت برأسها ايجابيا.. فقال بلامبالاة: اذا امنحيني رقم هاتفك.. وسأقوم بالاتصال بك عندما...
قاطعته بدهشة وحدة: مستحيل..ماذا تقول يا هذا؟.. اتطلب بكل وقاحة رقم هاتفي و...
قاطعها بانفعال: لا تظني بنفسك الكثير يا آنسة.. فلست حتى افكر بالنظر اليك.. واذا كان هذا الامر يزعجك الى هذا الحد.. امنحيني رقم أي شخص آخر حتى اقوم بالاتصالى به واخبرك بأن هذا الوقت المناسب لاصلاح السيارة..
قالت ببرود: سأمنحك رقم المنزل اذا..
قال بملل: لا بأس..
همت بقول شيء ما.. ولكنها قالت وهي تلتفت لسيارتها: لم لا تسجل رقم سيارتي وتمنحه لادارة المرور .. وعندها سينصلون بي ويبلغوني عن الامر وسيحل الامر دون تعقيدات..
- ادارة المرور تطلب تواجدك او هويتك.. فمن سيصدقني لو منحتهم رقم سيارتك فحسب؟..
زفرت بحنق ومن ثم قالت: لا خيار اذا..
واخذت تمليه رقم هاتف المنزل..ومن ثم قالت: والآن يمكنني المغادرة اليس كذلك؟..
قال في سرعة: سأخبرك باسمي حتى تعلمي انني المتصل اذا ما اتصلت بك..انا ادعى هشام..
عقدت حاجبيها ومن ثم قالت: فليكن..والآن عن اذنك..
ابتعدت عنه بسيارتها اما هو فقد توجه نحو سيارته وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة.. ابتسامة غامضة الى ابعد الحدود...

جنــــون 11-23-2011 01:35 AM

*الجزء الثالث والثلاثون*
(ألقاءها من صنع القدر؟)


استغرقت وعد قي عملها .. واخذت تضع اللمسات الاخيرة لتقريرها.. وتعيد مراجعته.. واختيار الصور المناسبة له.. وقالت في سرعة وهي تنهض من خلف مكتبها: عن اذنكم سأسلمها لرئيس التحرير..
واسرعت تغادر القسم..وفي تلك اللحظة التفت احمد الى طارق وقال: ما هذا اراكما سعيدان.. مع ان شجارا قدحصل بينكما هذا الصباح فقط.. ما الامر؟.. هل حدث تطور ما في الآونة الاخيرة؟..
قال طارق وهو يقوم بترتيب بعض الاوراق: اولا اظن انك تتدخل فيما لا يعنيك.. وثانيا هل ستحاسب المرء على سعادته ايضا؟..
قال احمد بابتسامة: ما اراه على وجهيكما يفوق السعادة.. اكاد اقسم انكما قد...
قاطعه طارق في سرعة: لقد تشاجرنا وتصالحنا وانتهى الامر.. هل انت مرتاح الآن؟..
هز احمد كتفيه وقال: بل لست مقتنعا ابدا..هناك شيء يفوق هذا بكل تأكيد..
قال طارق بهدوء: ربما ولكن لا تظن انك ستعلم بكل شيءفي هذا العالم و...
بتر عبارته عندما دلفت وعد الى القسم وقالت بابتسامة وهي تفرد اصبعيها السبابة والوسطى علامة النصر: يبدوا وان تقريري قد حاز على اعجاب رئيس التحرير اخيرا..
قال احمد بحماس:احقا؟.. لا بد وانه قد اعترف بمجهودك الكبير اخيرا..
قالت وعد بابتسامة واسعة: يبدوا هذا..فقد وعدني بمكافأة نهاية هذا الشهر..
وقالت نادية وهي تلتفت لها: واخيرا قام بتصرف صحيح طوال فترة عمله هنا..
اما طارق فقد تطلع الى وعد بابتسامة ونظرة يطل منها الفرح وقال: انا سعيدلأجلك..
توجهت وعد لتجلس خلف مكتبها ومن ثم قالت وهي تتطلع له: اشكرك..
ولكن نظرتها كانت تحمل له كل الامتنان..على سعادته الواضحة من اجلها وانه يشاركها سعادتها هذه.. وسمعت بغتة رنين هاتفها معلنا عن وصول رسالة..فالتقطته وتطلعت الى الرسالة التي كانت تقول: (مبارك..يا حلم حياتي) ..وكان مرسلها هو طارق بنفسه.. التفتت له بدهشة.. فغمز لها بعينه ولم يعلق..فابتسمت بحنان وهي تعيد الهاتف الى حقيبتها.. وتعود لتنغمس في عملها..دون ان تنتبه الى مرور الوقت.. وان وقت الاستراحة قد حان الا عندما سمعت صوت هامس يقول: لقد غادر الجميع ..لم يبقى سوانا هنا.. اتفضلين تضييع فترة الاستراحة من اجل انجاز العمل؟..
رفعت رأسها بحدة له وقالت بدهشة: طارق..
قال مبتسما وهو يضع كفيه في جيبي سترته: اجل انا طارق.. هل نسيتيني ام ماذا؟..
قالت مبتسمة: الامر ليس هكذا.. ولكنك فاجأتني..
قال وهو يتطلع لها: حسنا هل ستتركين العمل الآن ونشارك الجميع فترة الاستراحة.. ام تفضلين البقاء بين هذه الاوراق؟..
قالت وهي تبعد الاوراق قليلا وتستند الى مسند مقعدها: ما رأيك؟.. ايهما افضل؟..
مد لها كفه وقال بابتسامة: كل قواعد المنطق تقول ان الانسان بحاجة الى فترة الاستراحة..والآن هيا..
ترددت قليلا قبل ان تمد لها كفه.. فامسك بها في راحته وساعدها على الوقوف..وهنا ارتجف جسدها كله .. احست بالحرارة تمنتشر بكل جزء من جسدها.. ما الذي يحدث لها كلما لامست كفه؟.. وارتبكت بشدة مما دفعها لتجذب كفها بهدوء وتقول: هيا بنا..
سار الى جوارها في ذلك الممر وقال: يبدوا وانك تتقدمين بالصحافة بسرعة كبيرة..
قالت وهي تلتفت له وفي عينيها نظرة استعلاء مصطنعة: لم ترى شيئا بعد..
ابتسم وقال: حقا؟.. اذا يجب ان اكون حذرا في المرات القادمة..
ابتسمت وقالت: اظن انه يتوجب عليك ذلك حقا..
التفت عنها وقال بغتة في هدوء: اتعلمين يا وعد.. هناك امر يحيرني ؟..
قالت باهتمام : ما هو؟..
قال بابتسامة وهو يتطلع لها : انت..
اشارت الى نفسها وقالت باستغراب: انا ..لم؟..
قال وهو يبدوا شاردا: تجمعين بين النقيضين.. لا اعرف كيف ولكنك تمزجينهما في مزيج غريب رائع.. الضعف والشجاعة .. الرقة والصلابة .. العصبية واللامبالاة ..العناد والاهتمام..
ابتسمت وقالت بخجل: ربما اكون مختلفة عن غيري قليلا..
قال مبتسما: لا يوجد ربما.. بل بكل تأكيد.. انت تختلفين عن أي فتاة رأيتها في حياتي.. بالنسبة لي انت فتاة رائعة..قلما تراها في هذا العالم.. فتاة رائعة الجمال وذكية..فتاة لا تستسلم ابدا لأي شيء..فتاة يصعب ان تجد مثلها في هذا العالم..
واردف وهو يميل نحو اذنها ويهمس: ولهذا احبك..
عادت الحراة لتسري في جسدها وضربات قلبها لتخفق بسرعة غريبة .. والتفتت له وازدردت لعابها لتحاول نطق شيء ما لكنها لم تستطع..فالتفتت عنه وارتباكها وتوترها قد بلغ مداه.. وسمعته يقول في تلك اللحظة عندما وصل الى تلك الكافتيريا: ها قد وصلنا..ماذا تريدين ان اقوم بالشراء لك؟..
قالت وعد بارتباك: اشكرك.. سأقوم بذلك بنفسي..
قال بابتسامة: ايلازمك عنادك هذا كثيرا؟..
ابتسمت ابتسامة باهتة وقالت: انه جزء من شخصيتي..
غمز بعينه لها وقال: اعلم.. والآن ماذا تطلبين؟..
قالت مستسلمة: حسنا فليكن احضر لي معك....
اخذت تخبره بما تريد فقال هو بهدوء: انتظريني على احدى الطاولات ريثما آتي بوجبتينا..
اومأت برأسها فاتجه مبتعدا..في حين توجهت هي لتجلس خلف احدى الطاولات..وهناك..اسندت ذقنها الى كفها وهي تتطلع الى طارق في مزيج من الاهتمام والحنان..الشخص الوحيد الذي خفق قلبها بحبه..بسحره الغريب الذي جذبها اليه..وبشخصيته القوية التي زادت اعجابها به..بعيناه الحازمتان التي تشعرها بصلابة هذا الانسان..و...
بغتة اقتحم ذلك الجسد مجرى نظرها..ليمنعها من مواصلة التطلع الى طارق ويصنع حائلا بينها وبين هذا الاخير..وسمعت صوتا يقول: كيف حالك يا آنسة وعد؟..
رفعت نظرها الى صاحب الصوت ولم تلبث ان رفعت حاجبيها باستغراب وقالت: هل تعرفني يا سيد؟..
لم يجب على سؤالها بل قال وهو يشير الى المقعد المواجه لها: هل هذا المقعد لأحد؟..
اومأت برأسها ايجابيا وقالت: بلى.. لزميل لي..
جذب المقعد وقال بلامبالاة وهو يجلس: لا يهم..بالتأكيد انت لا تعرفين من اكون.. اليس كذلك؟..
مطت شفتيها دون ان تجيب.. فقال : فليكن سأعرفك بنفسي ..انا سامر أنور..صحفي بالصفحة الاقتصادية و...
قاطعته وعد قائلة ببرود : هل استطيع ان اخدمك بشيء يا سيد؟..
قال في سرعة: ليس تماما.. ولكن بصراحة لقد اعجبت بطريقة كتاباتك ورغبت بالتعرف على وعد الانسانة.. لا الصحفية..فهل لديك مانع؟..
تطلعت اليه بضيق ومن ثم قالت: اولا يا سيد سامر انا لم اسمح لك بالجلوس او الحديث الي..وثانيا لا اظن ان حديثا كهذا يصلح بالصحيفة.. وثالثا...
قاطعها سامر بحدة: انا اعلم السبب..
قالت ببرود: سبب ماذا؟..
قال وهو مستمر بحدته: ذلك الجليد المتحرك..هو السبب.. الجميع هنا يقولون انكما على علاقة ما..وانكما دائمي الذهاب سويا الى كل مكان..ولهذا فأنت لا ترغبين بان تكون لك أي صلة مع شخص آخر..خصوصا بعد ان أثر عليك بكلماته المعسولة..
قالت بعصبية: لحظة.. عن أي كلمات معسولة تتحدث..من ذا الذي يحاول السيطرة علي الآن..هو ام انت؟..انت الذي جلست لتقول انك معجب بي.. وترغب بالتعرف علي .. ولا اعرف ماذا.. استمع الي يا سيد.. الاستاذ طارق لم يحاول يوما الحديث معي خارج نطاق العمل في هذا المبنى.. وهو يحترم وظيفته ومكان عمله جيدا..
قال سامر وهو يهز كتفيه: انه لا يستحقك بكل صراحة..
تطلعت اليه بغضب وهمت بقول شيء ما .. لولا ان ارتفع صوت طارق وهو يقول ببرود شديد: من الذي يستحقها اذا؟ .. انت؟..
التفت سامر اليه..وقال بلهجة لامبالية وكأنه لم يقل أي شيء منذ لحظات: اهلا طارق.. كيف حالك؟..
قال طارق بلامبالاة مماثلة: بخير..
ومن ثم اردف بسخرية وهو يمسك بمعصم وعد ويعاونها على النهوض: عن اذنك.. فيبدوا انك ترغب بالجلوس على هذه الطاولة لمدة طويلة..
عقد سامر حاجبيه بحنق.. ومن ثم لم يلبث ان قال بعد ان ابتعد كل من وعد وطارق عنه وابتسامة ساخرة على شفتيه: لا بأس يا طارق..ولكن لن تكون هذه هي المرة الأخيرة ..خذها كلمة مني..
اما طارق ووعد.. فقد اتجها ليجلسا على طاولة اخرى بعيدا عن سامر.. وقال بضيق: ماذا كان يريد منك ذلك التافه؟..
قالت وعد وهي تزدرد لعابها: دعه منك.. انه لا يستحق ان تشغل نفسك لأجله..
قال طارق بحزم: لم تجيبي عن سؤالي..
تنهدت وقالت: يقول انه قد اعجب بكتاباتي ويرغب بالتعرف علي ..
قال بضيق اكبر: وبم اجبتيه؟..
قالت وعد وهي تتطلع الى طارق بحنان: طارق .. انه لا يستحق ان تشعر بكل هذا الضيق لأجله.. مجرد انسان تافه لا يستحق مجرد الاهتمام..
كرر طارق سؤاله قائلا: بم اجبتيه يا وعد؟..اريد ان اعرف..
- حسنا.. لقد اخبرته بأنه قد جلس دون اذن مني.. وانه قد تحدث الي دون ان اسمح له بذلك.. وحديثه هذا لا يصلح لأن يكون في مكان عمل كهذا..
قال طارق بسخط: انه لا يكف عن حيله تلك.. كلما صادفته فتاة جديدة بالصحيفة.. يجري خلفها..ويوهمها باعجابه وبتعلقه بها..وما ان تصدقه الفتاة .. حتى يتركها وكأنها لا شيء..اتذكر آخر مرة اجبر فتاة على ترك الصحيفة والانتقال للعمل الى مكان آخر..
قالت وعد بابتسامة باهتة: لست ممن يهتمن بامثاله.. ثق بهذا ..ثم انني...
بترت عبارتها واعتراها الارتباك مما جعل طارق يقول باهتمام: ثم انك ماذا؟..
كانت تريد ان تقول له انها تراه افضل من ذاك الشاب بملايين المرات ولكن خجلها تغلب عليها بالنهاية وجعلها تقول: ثم انني اردت ان اشكرك.. لأنك خصلتني منه..
قال طارق بشك: اهذا ما كنت تريدين قوله حقا؟..
قالت بابتسامة مفتعلة: بالتأكيد.. اذا ماذا كنت اريد ان اقول؟..
قال بهدوء: لا اعلم ولكنه شيء يبعث على نفسك الارتباك .. ربما امر يتعلق بـ...
قالت بتوتر: بماذا؟..
قال وهو يميل نحوها ويقول وهو يغمز بعينه: امر يتعلق بمدحي..او ربما يتعلق باعجابك بي..وانني افضل من ان تهتمي بسواي..
تطلعت له وعد بدهشة وارتباك شديدن ومن ثم قالت وهي تمط شفتيها: يالك من مغرور..
قال بابتسامة: ليس غرورا بل ثقة بالنفس..
قالت في سرعة: لم اكن ارغب الا في شكرك.. لان ذلك الصحفي.. كان ضيفا ثقيلا بالفعل..وقد خلصتني منه..
قال بابتسامة جذابة: حقا؟..
قالت بارتباك وقد وترتها ابتسامته: اجل حقا..
ارتفع بغتة صوت رنين هاتف طارق المحمول.. فاخرجه من جيب سترته ومن ثم تطلع الى الرقم بحيرة وقال وكأنه يتحدث الى نفسه: من ذا الذي يتصل بي؟..
اسرعت وعد تسأله: ماذا تعني؟..
قال وهو يضغط زر اجابة الاتصال:انه رقم غريب..
ومن ثم اجاب هاتفه قائلا: الو.. من المتحدث؟..
صمت قليلا ومن ثم قال: اجل انا هو....حسنا سآتي في الحال...
قالها واغلق الهاتف فقالت وعد بحيرة: من كان المتصل؟..
قال طارق وهو ينهض من على مقعده: سأضطر الىالمغادرة الآن يا وعد..عن اذنك..
اسرعت تمسك بكفه قبل ان يغادر وقالت في سرعة وقلق مكررة سؤالها: من كان المتصل يا طارق؟..
قال بابتسامة باهتة وهو يجذب كفه بهدوء: لا تقلقي.. عندما اعود سأخبرك بكل شيء..
التفت عنها وكاد ان يبتعد لكن حاجبيه لم يلبثا ان انعقدا فقال وهو يعود للالتفات لها: والافضل ان لا تجلسي وحيدة.. شاركي اي من الصحفيات طاولتهن .. فذلك الوغد لا يزال ينظر باتجاهك..
ابتسمت وعد بمرح لا يتناسب مع الموقف وقالت: لا تقلق علي.. استطيع تدبر امري.. وتلقينه درسا لن ينساه لو حاول الاقتراب مرة اخرى..
مال نحوها طارق بصرامة: لن تجلسي وحيدة يا وعد .. وستغيرين مكانك .. الآن..
قالت وعد وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: وماذا لو قلت لا ..او لنقل .. لن اغير مكاني قبل ان تخبرني عن هوية المتصل بك..
قال ببرود وهو يمسك بذراعها ويجبرها على الوقوف: والدتي..
قالت بسخرية: حقا.. لم اعلم ان لوالدتك كل هذه السرية التي تحيطها بها..
قال متجاهلا سخريتها: انظري هناك حيث تجلس الاستاذة نادية مع عدد من الصحفيات .. شاركيهم الطاولة..فلا اظنهم سيمانعون..
قالت وهي تصطنع التفكير: وماذا لو رفضوا جلوسي معهم.. ماذا سأفعل حينها؟..
قال طارق بجدية: وعد ان ذهابي يعد امرا ضروريا.. ولا يمكنني تركك للجلوس وحيدة بينما هذا الوغد يسعى خلفك.. ارجوك خذي الامر بجدية اكبر..
قالت بابتسامة رقيقة: الا تثق بي؟..
قال وهو يومئ برأسه: بلى.. ولكني لا اثق به هو..
ومن ثم قال في سرعة: اعلم انك ستنفذين ما قلته على الرغم من عنادك الذي تتمتعين به.. اليس كذلك؟..
فكرت قليلا ومن ثم قالت بمرح: حسنا ليس لدي حيلة سوى تنفيذ اوامرك يا استاذ طارق..ولكن عندما تعود سأطالبك بشرح مفصل عن كنه هذا المتصل الذي ترفض الاخبار عنه..
ابتسم لها طارق وقال وهو يلتفت عنها: انتظريني ريثما اعود..
تطلعت له وعد وهو يغادر المكان ومن ثم قالت بشرود وهي تتطلع الى النقطة التي اختفا فيها: سأنتظرك...الى الابد..
********
تردد هشام قليلا وهو يتطلع الى هاتفه .. قبل ان يحسم امره ويضغط ازرار هاتفه في سرعة خشية ان يتراجع.. وسمع رنينا متصلا قبل ان يجيبه صوت طفولي يقول: الو ..من؟..
ابتسم هشام وقال: انا هشام..ومن انت؟..
قال الطفل ذو الستة اعوام: انا فارس..اسمي فارس..
- وكم عمرك يا فارس؟..
أخذ الطفل يعد على اصابعه ..فأخطأ العد عدة مرات.. قبل ان يقول بضيق: خمسة او ستة .. لا اعرف..
ضحك هشام وقال: حسنا لا بأس..اخبرني يا فارس.. هل لديك اخوات؟..
اسرع فارس يقول: اجل لدي اخت واحدة كبيرة وهي طيبة ولكنها احيانا تغضب مني..
قال هشام مبتسما: وما اسمها؟..
قال الطفل ببراءة: اسمها هو....
وجد الطفل يصمت قليلا ومن ثم يقول وكأنه يحادث شخص ما على الطرف الآخر: لا اعرفه .. ولكنه يقول ان اسمه هشام.. يبدوا لطيفا..
ثم سمع هشام صوت فتاة تقول : لا بأس اذهب انت..
ومن ثم التقطت سماعة الهاتف وقالت: الو .. من المتحدث؟..
قال هشام مبتسما: اعتقد ان الصغير قد اخبرك بمن اكون..
قالت وهي تريد التأكد: انت هشام؟..
قال وهو يهز كتفيه: اجل انا هشام.. من صدمتِ سيارته ..او ربما اقول حطمتِ سيارته ليتناسب المصطلح مع ما حدث حقا..
مطت الفتاة شفتيها وقالت: الامر لا يتعدى كوني قد كسرت مصباحا واحدا لسيارتك.. على العموم.. انا مستعدة لاصلاحها..استمع الي هل تعرف تلك الورشة لتصليح السيارات بالمنطقة الخامسة ؟.. انها تقع قريبا من الشارع الثاني..بالقرب من فندق الساحل..
قال هشام وهو يعقد حاجبيه متذكرا: بلى لقد عرفتها..
قالت في سرعة: سأكون هناك بعد نصف ساعة من الآن..الى اللقاء..
قالتها واغلقت السماعة قبل ان تمنحه فرصة اخرى للحديث.. والتفتت الى شقيقها الصغير لتقول بتأنيب: فارس.. ليس كل شخص يتحدث معك على الهاتف تخبره بكل شيء..
قال فارس متسائلا: هل اكذب عليه اذا؟..
قالت وهي تربت على رأسه: بل اسأله عمن يريد..او بأمكانك استدعائي او استدعاء والدانا..اتفقنا؟..
اومأ فارس برأسه ايجابيا.. فقالت مبتسمة: اجل هكذا انت تكون رجلا كبيرا..
ثم لم تلبث ان اتجهت نحو غرفتها التي تقع بنهاية الممر .. لتستعد لمغادرة المنزل.. وعلى الطرف الآخر..ابتسم هشام امام المرآة وهو يعقد رباط عنقه وقال متحدثا الى نفسه: ترى .. هل لقاءها من صنع القدر؟..
(لقاء من؟..)
جاءه هذا السؤال من عند الباب .. فقال دون ان يلتفت: الا تكفين عن عادة التجسس يا فرح؟..
قالت مبتسمة: من قال اني كنت اتجسس.. لقد سمعتك تتحدث.. وظننت انك قد جننت واصبحت تحدث نفسك.. فجئت لاستطلع الأمر..
قال وهو يرتدي حذائه في سرعة: يمكنك اعتباري اذا اني قد فقدت عقلي..و اني قد كنت اتحدث الى نفسي..
سألته قائلة: الى اين انت ذاهب؟..
التفت لها وقال: هل يهمك الامر الى هذا الحد؟..
قالت وهي تهز كتفيها: مجرد سؤال..
قال مبتسما: الى ورشة تصليح للسيارات..
قالت فرح بحنق: لا تسخر مني..
قال وهو يغمز بعينه: اقسم اني ذاهب الى هناك..
قالت فرح بحيرة: حقا؟.. اذا من هذه التي لقاءها من صنع القدر؟..
قال بسخرية: الورشة.. لقد التقيت بها مصادفة بالطريق..
قالت فرح بعصبية: هشام.. لا تكن سخيفا..
قال بغرور: لست كذلك.. الكل يقول اني خفيف الظل..
قالت فرح بسخرية: بل خفيف العقل..
اتجه نحو باب غرفته وقال: معذرة يا شقيقتي العزيزة .. ولكني لا املك الوقت للجدال معك..
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت بضيق: اراهن ان في الامر سر ما..
سمعته يقول وهو يبتعد عنها: ستخسرين الرهان اذا..
وغادر المنزل باكمله بعدها..منطلقا بسيارته الى تلك الورشة..وطوال الطريق وعقله يفكر في الامر بجدية اكبر .. ربما تكون هذه الفتاة قد وضعها القدر امامه من اجل ان تكون في حياته.. ربما تكون تعويضا من القدر له..تعويضا عن وعد التي ترفض حبه وتعتبره مجرد اخ لا اكثر .. ويبدوا انها سترفض الزواج منه كذلك في القريب العاجل ..لقد تمسك بخيط امل واه عندما طلب منها الزواج ولكن ..لقد قالتها بلسانها.. انها تحب شخصا آخر ولا تحبه هو مهما فعل او سيفعل..وربما كما قالت فرح.. الحب لا يأتي بالاجبار.. انه احاسيس نشعر بها فجأة.. وما دامت لم تشعر بها كل تلك السنوات..فهل ستشعر بها الآن؟..
ومن يدري ربما يكون لتلك الفتاة التي وضعها القدر امامه الكثيرمن الاثر على نفسه ..نظرته الاولى لها لم تكن بذلك الوضوح.. لهذا ربما رغب في معرفة امور اكثر عنها.. ولكن كيف الطريق الى هذا؟..
توقف بعد ربع ساعة من قيادته السيارة بجوار تلك الورشة التي وصفتها له تلك الفتاة..وخرج من سيارته ليقف الى جوارهذه الاخيرة ويعقد ساعديه امام صدره منتظرا وصول تلك الفتاة.. وبعد خمس دقائق لمح سيارتها وهي تقترب من المكان ..ووجدها توقفها الى جوار سيارته..وقال وهو يراها تغادر سيارتها: اهلا.. لقد تأخرت في الحضور..حوالي خمس دقائق..
قالت الفتاة وهي تمط شفتيها: هل انت دائما دقيق في المواعيد والامور الى هذه الدرجة؟..
قال بابتسامة: احيانا..
واردف: والآن ماذا يا آنسة؟..
قالت بضجر: سأتولى الامر مع الورشة..بامكانك الذهاب لو اردت ..
تحرك مبتعدا قليلا عن المكان.. ولكنه لم يغادره.. بل ظل يراقب الفتاة وهي تتناقش مع احد الموظفين بالورشة وتشير الى سيارة هشام من حين لآخر..ومن ثم رآها تومئ برأسها وتلتفت عن الموظف متجهة لسيارتها.. ولكنها توقفت بغتة بدهشة وتطلعت الى هشام قائلة: الم تغادر بعد؟..
اشار الى سيارته وقال: وكيف اغادر وسيارتي ستظل هنا؟..
شعرت بالحنق منه..هل يحاول تمثيل دور الغبي معها؟.. وقالت ببرود: يمكنك المغادرة بالحافلة..او بسيارة اجرة..
قال بسخرية: حقا؟..لم اكن اعلم من قبل..
عقدت حاجبيها بضيق ومن ثم التفتت عنه متوجهة نحو سيارتها .. فقال يستوقفها: لحظة يا آنسة..
التفتت له وقالت بنفاذ صبر: ماذا؟..
قال وهو يهز كتفيه: انت المسئولة عما حدث سيارتي.. واصلاحها هنا في الورشة.. ومسئولة ايضا عن انه لم يعد لدي سيارة لأعود بها الى المنزل..
قالت الفتاة بحدة: والمطلوب ؟..ألست الآن أصلح سيارتك على نفقتي الخاصة؟..
ركل حجرا صغيرا بقدمه وقال وهو يهز كتفيه: بلى.. ولكن ماذا عن عودتي الى المنزل؟..هل تريدين ان اعود باحدى الحافلات التي تبعد اقرب محطة لها عن هنا حوالي كيلومترين ..ام تريدين ان انتظر وصول سيارة اجرة الى هنا وان ادفع لها من جيبي الخاص.. وانت المسئولة عن كل هذا..
قالت الفتاة بحنق: ان كنت تريد مالا لركوب سيارة اجرة .. فسأعطيك ما تريد..كان ينبغي ان تقول اني ارغب بمال منذ البداية بدلا من...
كانت تتحدث وتهم بفتح حقيبة يدها.. حين سمعت هشام يقاطعها بحدة: لست متسولا يا آنسة..
التفتت له بغضب وقالت: ماذا تريد اذا؟.. الا تظن انك قد تجاوزت حدودك بالفعل؟..
قال بلامبالاة: لا.. لا اظن..كل ما اطلبه منك..ان توصليني الى المنزل..
فغرت فاهها بدهشة وقالت: ماذا؟..
قال مبتسما: هل اذنك تعاني مشكلة ما؟..قلت بأني اريد ان توصليني الى المنزل لأني لم اعد املك سيارة للعودة بها الى هناك بسببك..
تطلعت اليه بدهشة ممزوجة بالحنق..ياله من جرئ.. ايطلب منها ان توصله..وبكل هذه البساطة.. وسمعته يقول في تلك اللحظة: يقولون ان الصمت علامة للرضا والموافقة.. لهذا سأعتبر انك قد وافقت..
قالها واتجه بكل ثقة الى سيارتها ليفتح الباب المجاور ويجلس ..كل هذا امام عينيها.. وكأنها لم تعد تملك من امرها شيئا..وكأن هذه السيارة هي سيارته هو لا هي.. توجهت له وقالت بغضب وهي تتطلع اليه من نافذة السيارة: من فضلك يا سيد..لا اريد مشاكل..اهبط فورا..
عقد ذراعيه امام صدره وقال: اترفضين مجرد ايصالي بعد ان حطمتي سيارتي.. لاحظي بأني لم اطلب الشيء الكثير.. ولم اطلب منك تعويضا حتى عما اصاب ذراعي نتيجة لقيادتك السيئة..
تطلعت اليه بدهشة.. ولم تدرك انه ممثل بارع برسم كل تلك الجدية على وجهه لحظتها..فلم تجد حلا للتخلص من مضايقته لها سوى ايصاله الى حيث يريد..هزت كتفيها بملل قبل ان تتوجه الى الباب الآحر وتستقر على مقعد القيادة..وقالت وهي تدير المحرك: لا تظن اني راغبة بتوصيلك..انا مضطرة لذلك حتى اتخلص من مضايقاتك..
قال مبتسما وهو يضع يديه خلف رأسه: حقا؟..هل اسبب لك الضيق؟..
قالت بحنق:بأكثر مما تتصور..
قال وهو يصطنع اللامبالاة: جيد اذا..
التفتت له وقالت بحدة: الى اين اذهب الآن؟..اين الطريق الى منزلك؟..
قال بهدوء شديد: نهاية الطريق ومن ثم يمينا..
ران الصمت لدقائق بعد عبارته..ومن ثم لم يلبث ان قال قاطعا الصمت الذي غلفهما :لقد سأمت هذا الهدوء.. ما رأيك ان نتحدث قليلا بدلا من هذا الصمت المتواصل؟..
قالت ببرود:بالنسبة لي افضل الصمت على سماع صوتك..
ابتسم وقال وكأنه لم يسمعها: سأعرفك بنفسي اولا.. انا ادعى هشام..هشام شريف..ابلغ من العمر السابعة والعشرين من عمري.. واعمل ...
قاطعته قائلة بنفاذ صبر: من طلب منك ان تقرأ بطاقتك الشخصية على مسامعي؟..
قال مبتسما : لا احد.. اعتبريني اتحدث مع نفسي..
قالت بحدة: انت كذلك بالفعل..
في حين قال هو مكملا: واعمل مهندسا في الشركة المتحدة للمقاولات..واخيرا..عازب..
تتطلعت اليه ببرود ومن ثم قالت: والآن الى اين اتجه؟..
قال وهو يتطلع من النافذة بلامبالاة: يسارا..
واردف وهو يتطلع الى الطريق بهدوء شديد: والآن اول منعطف على اليسار ..
قالت وهي تنعطف يسارا: نسيت ان اخبرك.. يمكنك ان تذهب لأخذ سيارتك غدا..فقد اخبرني ذلك الموظف انه سينتهي من اصلا....
قاطعها بغتة: يكفي.. الآن توقفي على جانب الطريق..
توقفت على جانب الطريق ومن ثم قالت بحيرة: ارى انها منطقة تجارية ..ولا يوجد فيها أي منزل .. سوى تلك العمارة البسيطة .. فهل تسكن باحدى الشقق؟..
قال وهو يهز رأسه نفيا: لا ابدا..
التفتت له وقالت متسائلة: اذا؟..لم جئنا الى هنا؟..
اشار باصبعه الى خارج النافذة ومن ثم قال: لأني ارغب بالذهاب الى هناك..
عقدت حاجبيها وقالت: المطعم؟؟..
قال مبتسما: اجل .. فلم اتناول طعاما منذ الصباح.. واشعر بالجوع الشديد.. وفكرت بالحصول على وجبة بسيطة الآن .. ما رأيك هل تشاركينني؟..
قالت وقد اتسعت عيناها بدهشة: لابد وانك تعاني من مشكلة ما في عقلك..تصطحبني الى هنا من اجل ان تتناول وجبة طعام .. كان بامكانك الحصول على ما تريد بمنزلك..دون ان تسبب لي كل ...
قاطعها قائلا:لا اظن اني قد تسببت في تأخيرك عن أي عمل هام ..اليس كذلك؟..ثم ما المشكلة ان طلبت تناول وجبة الآن؟.. هل يعد المرء مجنونا ان تحدث بصراحة وتصرف بحرية؟..
قالت بحدة: هذه ليست صراحة وحرية.. بل جرأة ووقاحة..
قال وهو يهز كتفيه: فليكن .. سميها ما تشائين..المهم اني سأهبط لتناول وجبة ما.. ولن ارفض ان شاركتيني المائدة..
قال عبارته الأخيرة وهو يبتسم لها بجاذبية..تطلعت له لوهلة بغرابة.. ولم تستطع ان تنكر بأنه وسيم بعيناه البنيتان الجذابتان ..وان ابتسامته قد زادته وسامة.. وقالت وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه : اسمعني جيد يا سيد.. لو انك ستهبط فاعلم اني سأغادر المكان على الفور..لست مستعدة على ان اجاريك في العابك..
قال وهو يغمز لها بعينه ويفتح باب السيارة: فليكن.. افعلي ما يمليه عليك ضميرك..وغادري ان اردت.. ولكني اكرر ..لو اردت مشاركتي فلن ارفض..
قالها وهبط من السيارة..متجها الى ذلك المطعم..تاركا اياها في حيرة من امرها.. هل تتركه وتمضي؟ ..ام تنتظره؟ ..او ربما تقبل بعرضه؟.. لا .. مستحيل.. أي تخريف هو هذا.. اشارك شابا غريبا مائدته .. والادهى ان معرفتي به لم تزد على نصف يوم لا اكثر.. انا لا اعرفه.. ولا اعرف من يكون وكيف هي شخصيته واخلاقه.. وبماذا يفكر بالضبط.. انه يبدوا لها شابا جريئا .. ولكنه في الوقت ذاته.. يمتلك شخصية ساحرة استطاعت ان تؤثر عليها و...ما هذا الذي تقوله؟؟.. لقد بدأت تهلوس حتما ..يبدوا ان هذا الشاب قد افقدها عقلها تماما..
والآن ماذا تفعل؟.. كيف تتصرف تجاه هذه الشاب الأحمق؟..تضاعفت حيرتها عشرات المرات ومن ثم لم تلبث ان اتخذت قراراها وقالت: سأنتظره..اجل سأنتظره ريثما ينتهي.. وحسب...

جنــــون 11-23-2011 01:35 AM

*الجزء الرابع والثلاثون*
(الى متى سيمكنك الانتظار؟)

شعرت وعد بالملل وهي تجلس على تلك المائدة التي تضم نادية وعدد من زميلاتها واخيرا هي.. لم يكن مبعث مللها هو الاحاديث الدائرة.. بل بسبب قلقها على طارق.. منذ ان غادر المكان منذ نصف ساعة لم يعد حتى الآن ولم يحاول الاتصال بها ليخبرها عن ما هنالك..ما الأمر؟..هل المكالمة الذي جاءت له مهمة الى هذه الدرجة.. والى ان يغادر مبنى الصحيفة بأكمله من اجلها؟..
(هيا يا وعد.. لنعد الى القسم.. لقد انتهت فترة الاستراحة ..)
التفتت وعد الى نادية صاحبة العبارة السابقة .. وقالت وهي تزفر بحدة: حسنا..
قالتها ونهضت من مكانها وسارت بالممر بشرود..حين سمعت نادية تقول: صحيح.. اين الاستاذ طارق؟..لقد كان يشاركك الطاولة في بداية فترة الاستراحة..
التفتت لها وعد وقالت: جاءته مكالمة هاتفية.. غادر على اثرها مبنى الصحيفة..
- مكالمة هاتفية؟..وممن؟..
قالت وعد وهي تزفر مرة اخرى بحدة: ليتني اعرف..
قالت نادية متسائلة: الم يخبرك الى اين هو ذاهب؟..
هزت وعد رأسها نفيا ببطء ومن ثم قالت: نعم لم يخبرني ..كل ما قاله ان المكالمة هامة وتستدعي مغادرته لمبنى الصحيفة..
قالتها ومن ثم دلفت الى القسم الذي كانتا قد اقتربتا منه في طريقهما..ورمت بنفسها خلف مكتبها بضيق.. وهي تتطلع الى مكتبه الفارغ.. اين هو؟.. لماذا لم يعد حتى الآن؟ ..لم؟ .. ربما يكون منشغلا بالأمر الذي استدعى خروجه ..او ربما ما اخره هو ازدحام الشوارع لا اكثر ..لم لا تتصل به؟..اجل لم لا تفعل؟.. لتطمئن وتعرف اين هو وما الذي اخره؟..
اخرجت هاتفها المحمول من حقيبتها وضغطت رقم هاتفه باصابع متوترة..قبل ان تستمع الى الرنين المتواصل على الطرف الآخر ..وانتظرت في لهفة اجابته.. ولكن انقطع الرنين دون ان يجيب.. اعادت الاتصال به مرة اخرى .. ولم يجب ايضا..تبا..اين هو الآن؟.. اين هو؟..
اعادت الهاتف الى حقيبتها بعصبية.. وتطلعت الى مجموعة الاوراق النصف مكتملة امامها..هل لديها مزاج رائق للعمل الآن؟..هل يمكنها ان تعمل بهدوء وهي لا تعلم الامر الذي استدعى طارق مغادرته للمبنى..هل الار بمثل هذه الخطورة حقا؟.. حتى يرفض اخبارها او اخبار أي شخص آخر و...
خطرت لها بغتة فكرة .. جعلتها تلتفت في سرعة الى احمد وتقول: استاذ احمد..
التفت لها وقال: اجل..
ازدردت لعابها ومن ثم قالت: منذ متى غادر الاستاذ طارق الصحيفة؟..
قال وهو يتطلع الى ساعة يده: منذ نصف ساعة تقريبا..
عقدت وعد حاجبيها بتفكير..اذا فهو يعلم بأمر مغادرته .. وربما يعلم بالامر الذي جعله يغادر الصحيفة على عجل ..وسألته قائلة بلهفة: هل اخبرك بسبب مغادرته؟..او الى اين هو ذاهب؟..
صمت احمد للحظة ومن ثم لم يلبث ان قال بابتسامة: ان كنت تريدين اية اجوبة.. فاطلبيها منه هو بنفسه..
قالت وعد في سرعة: انت تعلم اذا الى اين قد ذهب..
قال وهو يهز كتفيه: ليس تماما..
- اخبرني بالله عليك اذا..الى اين قد ذهب؟..
تردد احمد طويلا وقال: صدقيني.. سيخبرك بكل شيء بنفسه .. لا تتعجلي الامور..
التفتت عنه وقالت بعصبية: هل الامر يستدعي كل هذه السرية؟.. هو لا يطارد عصابة من اللصوص وقد ذهب للقبض عليهم الآن على ما اظن..حتى تخفوا الامر عني بهذه الطريقة..
قال احمد وابتسامته تتسع: من يدري ربما يفعل.. مع طارق لن يمكنك تخيل القادم ابدا..
لم تعلق على عبارته.. بل اخذت تكمل ما بدأته من عمل بضيق وعصبية .. لم لم يخبرها بمكان ذهابه؟.. لم يتركها لكل هذه الحيرة والقلق .. لم يصر على ان يغلف نفسه بغلاف من الغموض فيما يفعل.. الا يحق لها ان تعلم الى اين قد ذهب على الاقل؟...
(وعد.. آنسة وعد)..
انتزعها الصوت من افكارها التي سيطرت عليها..وقالت وهي ترفع رأسه لنادية ناطقة العبارة السابقة: اجل.. ماذا هناك؟..
قالت نادية بابتسامة مشفقة: هاتفك يرن..
انتبهت لتوها الى رنين هاتفها..والتقطته بلهفة من حقيبتها..ولم تكد ترى رقم المتصل.. حتى هتفت بكل القلق الذي في اعماقها: طارق .. اين انت؟..اخبرني ارجوك..لا تتركني في حيرة من امري هكذا..
قال طارق مبتسما: هوني عليك يا وعد.. الامر لا يستحق كل هذا..
قالت بحدة: اجل لأنك لست في موضعي الآن.. لهذا تتكلم بكل هذا البرود.. بينما انا هنا.. لا اعرف اين انت؟.. وما الذي دعاك للمغادرة فجأة؟..او ربما ان مكروها قد حدث ...
بترت عبارتها ولم تستطع ان تكملها..فقال طارق بهدوء: لقد وعدتك بأن اخبرك بكل شيء عندما اعود..
- ولم ليس الآن؟..
- الموضوع طويل ويطول شرحه..
قالت وعد بقلق واهتمام: طارق ..أأنت بخير حقا؟..
قال طارق بحنان: انا بخير يا وعد.. لا تقلقي ابدا..
قالت بهمس: عدني..
قال متسائلا: بماذا؟..
قالت بصوت خافت: ان لا تتركني اقلق عليك هكذا مرة اخرى ..
ابتسم بحنان وحب.. ومن ثم قال بهمس: اعدك..
واردف: وعلى فكرة.. فأنا قريب من مبنى الصحيفة ..سآتي الى القسم في الحال لأزعج احمد قليلا..
ارتسمت ابتسامة على شفتي وعد وقالت: دعه وشأنه.. انه صديق مخلص جدا.. ويندر وجود اصدقاء مثله..
سألها قائلا: وكيف عرفت؟..
قالت بحنق: لقد رفض اخباري بمكانك وظل مصرا على اخفاء الامر عني..كما اتفقتما .. اصحيح؟..
قال طارق بابتسامة: لقد وعدني ان لا يخبر احدا بمكاني لو اخبرته..ولكني طلبت منه اني لو تأخرت لفترة طويلة بعض الشيء ان يخبرك الامر.. فأعلم انك ستكونين قلقة علي حينها ..
قالت متسائلة بحيرة: ولكن.. لم لم تجب على هاتفك؟..
قال مجيبا: معذرة فقد نسيته في السيارة لحظتها..
واردف قائلا: والآن الى اللقاء يا وعد..فقد وصلت الى مبنى الصحيفة..
قالت بهدوء: الى اللقاء..
اغلقت الهاتف .. وارتسمت ابتسامة ارتياح على شفتيها بعد محادثة طارق لها فقد تأكدت على الاقل انه على مايرام ..وانه لم يصب بأي مكروه ..انها تشعر براحة نسبية على الرغم من جهلها لمكان تواجده طوال تلك المدة السابقة.. و...
( ام اقول اني وصلت الى قسم الصفحة الرئيسية)
التفتت وعد الى صاحب الصوت وقالت هامسة باسمه في لهفة: طارق..
ابتسم وقال: كيف حالكم جميعا؟.. يبدوا انكم قد استمتعتم في عدم وجودي..
قال احمد مبتسما: كثيرا.. وخصوصا ان المكتب كان فارغا منك ومن سخريتك..
اما نادية فقد قالت: اين كنت كل هذ الوقت يا استاذ طارق؟..
قال طارق ملوحابكفه: الامر ليس بمثل تلك الاهمية ابدا.. فلا تقلقوا بشأني..
واردف وهو يتطلع الى احمد بابتسامة: اراهن انك اول من اشتاق لوجودي في هذا القسم..
قال احمد مبتسما: ابدا..لقد تخلصت منك بكل صراحة..
اما وعد فقد كانت تتابعه بعيناها في لهفة.. وهي تحاول ان تستشف من ملامحه ما يحاول ان يخفيه عنها بداخله..وشاهدته يتجه ليجلس خلف مكتبه ومن ثم يلتفت لها ويبتسم ..ابتسامته كانت اقرب الى المرح وهو يشير الى شيء ما على طاولتها..تطلعت اليه في حيرة وعيناها تتسائلان عما هنالك..وانتبهت بغتة الى انه يشير الى هاتفها المحمول.. فأمسكت به ورفعت عيناها متسائلة ..بمعنى هل هذا ما قصده..فأومأ برأسه بهدوء.. ولم يكد يفعل حتى ارتفع رنين هاتفها معلنا عن وصول رسالة..انتفضت بدهشة..ولم تلبث ان رفعت عيناها الى طارق وهي تتطلع اليه في حنق لارعابها على هذا النحو.. اتسعت ابتسامته المرحة مما اكد لها انه حقا من ارسل تلك الرسالة لها..التقطت الهاتف وفتحتها لتقرأ حروفها التي كانت تقول: ( سأخبرك بكل شيء بعد ان تنتهي فترة العمل بالصحيفة.. اعدك..ومعذرة ان كنت قد اقلقتك علي)..
اغلقت الرسالة ووضعت هاتفها في حقيبتها وكأنها لم تهتم برسالته ابدا..وواصلت عملها بهدوء..فارتفع حاجبا طارق لوهلة من ردة فعلها .. لكنه لم يلبث ان لمح تلك الابتسامة التي جاهدت طويلا لتخفيها في اعماقها.. ابتسامة تحمل كل معنى للارتياح والاطمئنان والسعادة...
**********
تطلع هشام بابتسامة ماكرة من خلال النافذة الى تلك السيارة .. التي وقفت بسكون الى جوار المطعم..لقد تعمد اخذ طاولة الى جوار النافذة الزجاجية للمطعم..وقد اختار موقعا لا يمكن لها من خلاله ان تلمحه من الخارج.. ليراقب تحركات تلك الفتاة وما ستفعله..هل ستنتظره؟.. ام ستغادر غير مبالية به..وعندما شاهدهالم تغادر المكان بعد دخوله الى المطعم.. ادرك بأنها ستنتظره..ولن تغادر ..ولهذا تعمد التأخير بجلوسه في المطعم..وكلما جاء النادل ليأخذ طلبه قال بابتسامة هادئة: انني انتظر شخصا وربما سيتأخر..
وهكذا كان يضيع من الوقت متعمدا حتى يزيد من فترة تأخيره..وتطلع الى ساعته وقال وابتسامته الماكرة تتسع: فلنرى.. الى متى سيمكنك الانتظار؟..
وجاءه النادل للمرة الثالثة وهنا قال هشام وقد ادرك ان النادل قد بدأ يشك في كونه زبونا: احضر لي عصير برتقال طازج..
اومأ النادل برأسه وقال: فليكن يا سيدي.. اترغب في أي شيء آخـ...
قاطعه هشام بغتة وهو يقول في سرعة وحماس وهو يتطلع من النافذة: اجعلهما اثنين..
اومأ النادل برأسه وهو يستغرب حالة الحماس الذي سيطرت على هشام بغتة.. وانصرف مبتعدا..في حين قال هشام وهو يعقد ساعديه امام صدره: لقد استسلمت اخيرا.. وهاهي ذي قادمة بنفسها الى هنا..
فقد شاهد تلك الفتاة تهبط من سيارتها وهي تتجه الى حيث المطعم.. ويبدوا من طريقة سيرها انها غاضبة والى اقصى حد..وهاهي ذي تتلفت في المطعم بحثا عنه وما ان لمحته حتى توجهت اليه وقالت وهي تقف في مواجهة مائدته و تحاول السيطرة على عصبيتها: لقد تأخرت كثيرا يا سيد.. الى متى تظنني سأنتظر؟..
قال بابتسامة: لا اذكر اني قد طلبت منك انتظاري..
قالت بحدة وانفعال: صحيح انت لم تطلب مني ذلك..ولكن انا الحمقاء التي انتظرتك..ظنا مني انك ستحترم انتظاري لك وستأتي سريعا.. لا ان تجعلني انتظرك كل هذا الوقت خارجا وكأنني سائق اجرة خاص لـ...
قاطعها هشام قائلا وهو يضع سبابته امام شفتيه: اهدئي قليلا واجلسي حتى نتفاهم.. الكل يتطلع اليك..
اختلست النظرمن حولها فأدركت صدق ما قاله.. ترددت طويلا قبل ان تجلس بارتباك وتقول : اسمع ان لم تغادر هذا المكان بعد خمس دقائق قسأمضي في طريقي ولن آبه بك..
قال وهو يهز كتفيه: وما ذنبي ان كانت خدمة هذا المطعم بطيئة..
في نفس الوقت رأى النادل يقترب منهما ويضع امامهما كأسي العصير .. فقال وهو يشير الى الكأسين: ارأيت .. لقد احضرهما لتوه..
قالت بحنق: اتحاول اقناعي انك قد قمت بطلب هذا العصير منذ ان دلفت انت الى هنا..ولم يحضرهما الا الآن؟..
قال هشام وهو يلتفت الى النادل: احضر غداء لشخصين من فضلك..
اسرعت تقول وهي ترى النادل ينصرف: لحظة واحدة.. من قال اني اقبل دعوتك لتناول الطعام .. انا هنا من اجل ...
قاطعها هشام قائلا ببرود: ومن قال ان الوجبة الاخرى لك؟..
- اذا لمن؟..هل يوجد شخص ثالث معنا؟..
قال بابتسامة مستفزة: اشعر بالجوع .. وارغب بتناول وجبتين..فهل يزعجك هذا في شيء؟..
قالت وهي تشيح بوجهها عنه في غضب: من فضلك يا سيد ..لقد تطوعت بايصالك الى مكان سكنك..لهذا احترم ما فعلته تجاهك..وحاول ان لا تتسبب في تعطيلي اكثر من ذلك .. تناول ما تريد في سرعة.. اما انا فسأنتظرك بالسيارة و...
قال هشام بلهجة جدية وجدتها غريبة عليه: الا تعلمين ان عمل المكيف طوال فترة توقف السيارة يؤدي الى تعطله وربما تعطل السيارة كذلك؟..
قالت وهي ترفع حاجبيها بحيرة واستغراب: احقا؟..
اومأ برأسه وقال: بلى ان هذا الامر حقيقي واقسم على هذا..
واردف وهو يعتدل في جلسته قليلا: ولهذا اظن انه من الافضل لك انتظاري هنا.. لن اتأخر كثيرا..
قالت بسخط: اشك في هذا..
كان هشام يحاول ان يستبقيها معه بشتى الطرق.. يريد ان تمنحه فرصة ليتحدث اليها ..يريد ان يعرفها عن قرب..يعرف اشياء اكثر عنها.. شخصيتها.. هواياتها.. دراستها ..طريقة تفكيرها .. فهو يشعر بأنها تعويض من القدر له..
وقال هشام بابتسامة: بدلا من الشجار.. ما رأيك في ان نتحدث قليلا؟..
قالت وهي تسند ذقنها الى قبضتها في عصبية: انا لا اتحدث مع شاب لا اعرفه الا للضرورة..
قال هشام وابتسامته تتسع: بل تعرفينني..وتعرفين انني ادعى هشام وانني مهندس..وماذا عنك؟..
تجاهلت السؤال الموجه لها تماما.. فقال بهدوء: فليكن.. على الاقل ماذا تدرسين؟..او ماذا درست؟..
رفعت عيناها اليه وقالت بملل: هل يهمك الامر الى هذه الدرجة؟..
قال وهو يلوح بكفه: لا.. مجرد سؤال لتمضية الوقت..
تطلعت الى نقطة وهمية ومن ثم قالت: فليكن اذا.. انا ادرس تخصص الديكور..
قال مبتسما: ممتاز اذا..فتخصصانا متقرابان الى حد ما.. سأخطط انا لتصميم المنزل ..وانت تخططين للديكور الداخلي له..لو حدث وتوظفت يوما في الشركة التي اعمل بها..
قالت بحنق: سأستقيل وقتها بكل تأكيد..
قال وهو يتطلع لها: هل ترينني ثقيل الظل الى هذه الدرجة؟..
كان عقلها يجيب بلا..تعترف بأنه ليس كذلك ابدا..بل انه مرح ودائم الابتسام.. يأخذ الامور ببساطة كبيرة.. وعلى الرغم من انه جرئ الى درجة كبيرة الا انه مهذب في الوقت ذاته و...
ابعدت تلك الافكار عن ذهنها في سرعة وقالت: ما رأيك انت في شخص يدعو نفسه ليوصله شخص ما الى مكان سكنه بنفسه؟..ومن ثم تراه يأخذك الى مطعم لرغبته في تناول الطعام وبعدها يتركك تنتظر نصف ساعة واكثر خارجا..
قال هشام بسخرية: شخص ثقيل الظل حقا..
وقال مردفا وهو يصطنع الاهتمام: ولكن من هذا الشخص؟..
قالت بسخرية هي هذه المرة: تستطيع ان تراه في المرآة لو نظرت اليها بنفسك..
قال ساخرا: وكذلك انت .. تستطيعين ان ترينه لو نظرت الى نفسك في المرآة..
عقدت حاجبيها بغضب وهمت بأن ترد عليه..لولا ان وضع النادل امامهما طبقي الطعام..فقالت هي وهي تشيح بوجهها: اسرع بتناول ما تريد فأريد ان اعود الى المنزل.. سيقلقون علي لو تأخرت لساعة أخرى..
قال هشام مبتسما: ومن سيقلق عليك؟..فارس؟..
تطلعت اليه بدهشة ومن ثم تذكرت ان شقيقها قد حادثه عندما اتصل وربما اخبره باسمه..ولم تجب عليه بل تطلعت من خلال النافذة بشرود.. وسمعت هشام في تلك اللحظة يقول: لو ترغبين في مشاركتي الطعام فلن امانع..
ودون ان تدرك ارتسمت على شفتيها ابتسامة ..ابتسامة لاحظها هشام.. فقال وهو يتطلع لها: اتعلمين انها اول مرة اراك في وضع يخالف تجهم وجهك ..
التفتت له وتطلعت اليه بحيرة فأردف مبتسما: انها المرة الاولى التي ارى فيها ابتسامتك..
ادركت في تلك اللحظة فقط انها ابتسمت لعبارته السابقة ..ولم تعلق على ما قاله.. بل عادت لتلتفت عنه وتطلع من النافذة بشرود اكبر...
*********
قال طارق مبتسما وهو يغادر الطابق الارضي لمبنى الصحيفة برفقة وعد: هل حقا قلقت علي الى تلك الدرجة؟..
التفتت له وقالت باستنكار مصطنع: من قال هذا؟..
قال وهو يشير اليها: صوتك من قال هذا وانا اتحدث اليك عن طريق الهاتف..
واردف وهو يقلد طريقتها في الحديث: طارق اين انت؟..لماذا لم تعد؟.. لماذا لم تخبرني بمكانك؟..لماذا جعلتني اقلق عليك؟..لماذا...
قاطعته وهي تقول بسخرية: لماذا تحدث نفسك الآن؟..
قال وهما يسيران باتجاه المواقف: اردت ان اؤكد لك فقط انك كنت شديدة القلق علي؟..
قالت في سرعة: لماذا تفسر اسألتي عنك هكذا؟..
التفتت لها وقال وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: ولماذا تكابرين؟..
اسرعت تقول وهي تتوجه نحو سيارتها: انا لا اكابر وانما احاول شرح وجهة نظري.. فعندما كنت ...
قاطعها في سرعة: الى اين انت ذاهبة؟..
تطلعت له بحيرة ومن ثم قالت مجيبة: الى سيارتي بكل تأكيد..
قال وهو يضع كفيه في جيبي سترته: الا يهمك معرفة مكاني؟..
قالت في لهفة: بلى .. بكل تأكيد..
فتح الباب المجاور لسيارته وقال بابتسامة: اذا اصعدي ..وسأخبرك بكل شيء في الطريق..
قالت متسائلة وهي تتجه نحوه: والى اين سنذهب؟..
هز كتفيه وقال : وفيم يهم؟..
واردف وهو يميل نحوها: المهم ان نكون معا..
احست برجفة في اطرافها وهي تراه يميل نحوها وتطلعت له لوهلة ومن ثم قالت بخجل: ربما معك حق..
قالتها ودلفت الى سيارته لتجلس الى جوار مقعد القيادة الذي احتله طارق..وانطلق بالسيارة وقال وهو يخشى من ردة فعلها: لقد كنت بــ...بمركز الشرطة..
تطلعت اليه وعد بعينان لا تفهمان.. وكأنها لم تستوعب ما قاله ..وقالت بصوت مرتبك: هل تمزح؟..
قال وهو يهز رأسه نفيا: وهل يوجد مزاح في امر كهذا؟..
قالت بانفعال: ماذا تعني اذا؟.. لم كنت هناك؟..
قال بهدوء وهو يختلس النظر اليها: اتذكرين ذلك الشاب.. الذي تعرض لك لمرتين..
اومأت برأسها وقالت بدهشة: بل اذكره ولكن لما...
بترت عبارتها واتسعت عيناها وقالت مردفة وهي تلتفت له: هل من الممكن ان يكونوا قد عثروا علىدليل او شاهد ضده؟ ..
قال طارق وهو يتطلع الى الطريق الممتد امامه: لم ارد ان اخبرك عندما اتصلوا بي صباحا واخبروني بأنهم يرغبون في ان اتواجد بالمركز بخصوص ذلك الشاب الذي تعرض لك..خشية ان يكون الامر ليس في صالحي فتلومي نفسك وتظني انك السبب فيما قد يحدث لي..ولهذا غادرت المكان بعد ان تكتمت على الامر وتوجهت الى المركز لأجد ان هناك شاهد رأى كل ما حدث وشهد بأن ذلك الشاب قد تعرض لك اولا ومن ثم هاجمني فجأة دون ان احاول التهجم عليه..
تطلعت له وعد ومن ثم لم تلبث ان ابتسمت بحنان وقالت: الهذا السبب لم تخبرني بالامر؟..
قال طارق مبتسما: لم اكن اريدك ان تلومي نفسك على ما حدث ابدا فأنت لم تفعلي شيئا ابدا سوى انك كنت ذاهبة لتأدية عملك.. ليس ذنبك ان حاول ذلك الوقح التعرض لك.. وليس ذنبك انني قد حاولت الدفاع عنك واصبت..
سألته قائلة بابتسامة: حسنا وماذا فعلوا بشأن ذلك الوقح؟..
قال طارق بهدوء: اظنهم سيسجنونه.. ولكن اظن ان المدة ستكون قصيرة جدا..فهو يبدوا من عائلة ثرية وذات نفوذ..
قالت وعد بغضب: تبا.. اهذا هو العدل؟.. يسجنونه لفترة قصيرة وقد اصابك في ذراعك لمجرد انه ابن عائلة ذات نفوذ..
قال طارق وهو يوقف السيارة في احد المواقف: لا تقلقي نفسك.. لقد قلت اني اظن فحسب.. ومن يدري ربما ينتصر العدل في النهاية؟..
قالت في سرعة: سأحاول ان لا تتعرض لأي مشكلات بسببي مرة اخرى..
قال متسائلا: وكيف هذا؟..
قالت بصوت مرتبك بعض الشيء: قد لا اذهب مرة اخرى وحدي في مهمة صحفية..
قال باهتمام وهو يلتفت لها: احقا يا وعد.. لن تفعلي؟..
شعرت ببعض الخجل ومن ثم لم تلبث ان قالت بابتسامة: لقد قلت قد..اي ربما اجل.. وربما لا..
و صمتت لوهلة ومن ثم قالت بعد ان لاحظت توقف السيارة: لم توقفت هنا؟..
قال وهو يلتفت لها ويتطلع اليها: ما رأيك بدعوة من شاب بسيط مثلي على الغداء؟..
ارتسمت ابتسامة على شفتيها وقالت وهي تلتفت عنه بخجل: بسيط؟.. يالك من متواضع.. الجميع يقول انك افضل صحفي في الصحيفة..
- يبالغون لا اكثر..
واردف متسائلا: والآن ما رأيك هل توافقين على دعوتي؟..
ابتسمت بخجل وقالت: وهل استطيع ان ارفض دعوة من افضل صحفي بالجريدة؟..
قال باستنكار: فقط؟..الهذا تقبلين دعوتي؟..
التفتت له وقالت بحنق: طارق انت تفهمني.. فليس هناك أي داع لتجر مني الحديث..
قال وهو يصطنع الضيق: كيف افهمك وانت لا تتحدثين؟..
قالت وهي تزفر بحدة: فليكن.. ولأنك اكثر البشر برودا..
قال بسخرية: كان من الاجدر بك ان لا تتحدثي ما دمت ستمتدحيني بهذه الطريقة..
قالت مبتسمة: حسنا ولأنك ذا شخصية متميزة..
لم يعلق على عبارتها.. واصطنع التطلع من خارج النافذة ..فقالت وهي تضع سبابتها اسفل ذقنها: لا يكفي ايضا..
واردفت وهي تهمس بحنان: ولأنك الشخص الوحيد الذي جذب اهتمامي له منذ اللحظة الاولى..
التفت لها بشك مصطنع.. فأسرعت تقول: كما وانك قد وقفت الى جواري طويلا وساعدتني .. واصبت بسببي..
مال نحوها وقال بابتسامة: وايضا؟..
فتحت الباب المجاور لها وقالت بكبرياء وهي تخرج من السيارة: لا شيء..
فتح الباب بدوره وقال وهو يخرج من السيارة: لماذا تكابرين؟ ..
قالت وهي تهز كتفيها: لا اكابر وانما اقول الصدق..
قال وهو يسير الى جوارها: من اين تعلمت العناد؟..
قالت بهدوء: لست عنيدة..
ضحك وقال: ماذا؟.. لست ماذا؟.. ان وعد هي العناد بعينه..العناد مجسد بداخلك..
قالت بحدة: لست كذلك..
قال وهما يدلفان الى ذلك المطعم: هل تريدين اثبات .. حسنا ..بماذا تسمين اصرارك على الذهاب في لقاء صحفي لوحدك؟ ..
- رغبة في اثبات الذات..
- يالك من فتاة.. ولكن دعينا من هذا الآن..ولنتحدث في امر آخر..
- امر مثل ماذا؟..
كاد ان يجيبها لولا ان شاهد النادل يقترب منهما ويقول: طاولة لشخصين؟..
اومأ طارق برأسه .. فسار النادل امامهما ليرشدهما نحو احدى الطاولات وقال بابتسامة هادئة: هل تناسبكما؟..
قال طارق بهدوء : جيدة..
احتلت وعد احد المقاعد.. واحتل طارق المقعد المواجه لها..فقدم لهما النادل قائمتين للاطعمة ومن ثم قال بهدوء: اترغبان بأي خدمة اخرى اقدمها لكما؟..
اجباته وعد هذه المرة قائلة: لا .. شكرا لك..
انصرف النادل مغادرا.. فقالت وعد بابتسامة: يبدوا مطعما ممتازا..
قال طارق في هدوء: احضر احيانا الى هنا.. ولقد قررت ان تكون اول دعوة لك في مطعم ممتاز كهذا..
قالت بابتسامة مرحة: تجيد الاختيار اذا..
تطلع لها وقال بحنان: بأكثر مما تتصورين.. والا لم احببتك دون سواك؟..
خفق قلب وعد في قوة.. انه يبدوا اكثر حنانا من أي مرة رأته فيها.. صوته يبدوا يحمل كل حب الدنيا.. وعيناه تحملان لها مزيجا من هذا وذاك وهو يتطلع اليها.. وحاولت قول أي شيء .. ولكنها لم تستطع.. احست بالكلمات تهرب من على لسانها في كل مرة تريد فيها ان تبثه مشاعرها ..ولهذا اكتفت بان تهرب بنظراتها بعيدا..وسمعت طارق يقول في تلك اللحظة: وعد ..لم لا تقولينها؟ ..الى متى ستهربين من الحقيقة؟..لقد رأيتها في عينيك.. ولكني اتمنى ان اسمعها بصوتك ..اسمعك وانت تنطقينها بنفسك..
قالت وهي تصطنع عدم الفهم: اقول ماذا؟..
تطلع الى عينيها مباشرة وقال بهمس: قولي بأنك تبادليني مشاعري ..
ارتسمت على شفتيها ابتسامة مرحة بغتة وهي تقول: حسنا كما تريد..انك تبادليني مشاعري..
قال طارق بضيق: وعد!..
قالت مبتسمة بمرح: ماذا؟..الم تطلب مني ان اقول تلك العبارة؟ ..
ابتسم بالرغم منه وقال وهو يتطلع اليها بحب: وتقولين بعد كل هذا بأنك لست عنيدة..
قالت وهي تضحك: لست كذلك..
تطلع الى ضحكتها المرحة بشرود.. وذهنه يشرد للتفكير في امر ما..امر يتمنى ان ينفذه في اسرع وقت كان..

جنــــون 11-23-2011 01:36 AM

*الجزء الخامس والثلاثون*
(هل هو الوداع؟)

قالت الفتاة التي التقى بها هشام وهي تدلف الى سيارتها متحدثة الى هذا الأخير في حنق: اسمعني يا سيد.. لو حاولت هذه المرة ايضا ان تقودني الى مكان آخر غير مكان اقامتك..فأقسم على ان اتركك وارحل..فلست اعمل سائقة لعائلتك..
قال هشام بابتسامة وهو يستقر في المقعد المجاور لها: ومن قال لك اننا نقبل بسائقة مثلك لا تعرف القيادة وتصطدم بالسيارات التي امامها..
التفتت له وقالت بغضب: يجب عليك ان تشكرني لأني لم اخبر ادارة المرور بما حصل والا لكان التعويض من نصيبي انا..
قال هشام ببرود مثير للاعصاب: لم اكن اعلم من قبل ان التعويض من حق المتسبب في الحادث..
صاحت به في انفعال: انت من توقف فجأة في الطريق ولهذا اصطدمت بسيارتك ومع هذا ...
قاطعها هشام قائلا بملل: اذا انتهيت من حديثك الممل هذا فأخبريني حتى اصف لك الطريق الى مسكني..
ادارت المحرك بغضب لتنطلق بالسيارة.. وافكار شتى دارت في ذهنها.. من يظن نفسه هذا الوقح.. بدل ان يشكرها على اصلاحها لسيارته على نفقتها الخاصة ..تراه يتعمد استفزازها واثارة حنقها وسخطها.. وكأنه يستمتع بذلك ..ولكن مع هذا تشعر بأنه شاب مختلف.. لا تعلم من أي ناحية .. ولكن تشعر ان له شخصيـ...
( اول منعطف على اليمين الآن)
ايقظها صوت هشام من شرودها ..فاختلست النظر اليه قبل ان تنعطف بسيارتها الى اليمين..اما هشام فقد كان يعيش في صراع ..صراع بين قلبه المتعلق بوعد..ورغبته في بدء حياة جديدة.. حياة مع انسانة تبادله المشاعر بحق .. لا ان يتذلل في طلب هذا الحب..
تنهد بحرارة وهو يسند رأسه الى مسند المقعد..انه يشك ان قلبه سيتعلق بأخرى سوى وعد.. ولكنه في الوقت ذاته..ليس متأكدا .. فمن يدري ربما يتغلل حب فتاة اخرى الى وجدانه ..فتكون حبه الوحيد.. والحلم الذي طالما حلم به..ان يكون مع فتاة تحبه بحق في ذلك المنزل الذي سيصممه بنفسه.. من اجله ومن اجلها..
وقال في تلك اللحظة بهدوء: سيري في خط مستقيم بعد هذه الاشارة الضوئية..
استغربت الفتاة صمته المتواصل وشعرت بأن شيء ما يشغل تفكيره فقد كان يتعمد الحديث اليها في كل لحظة.. اما الآن فهو يبدوا صامتا اكثر من اللازم.. ما به؟.. هل يشغل تفكيره امر ما او انه...؟..وما الذي يهمني انا؟..فليكن ما يكون.. ووجدت نفسها تقول في تلك اللحظة بهدوء: والآن الى اين؟..
قال باقتضاب: يسارا..
ظنت انه سيكتفي بهذه القول لكنه اردف: لا تقلقي انه الطريق الى مكان اقامتي بالفعل هذه المرة..
قالت بابتسامة باهتة: ومن الذي يضمن لي ذلك؟..
قال بهدوء: اقسم انه كذلك..
قالت وهي تختلس النظر اليه: اتعلم.. استغرب تناولك لوجبتين في ذلك المطعم..
ابتسم وقال: لقد اكتفيت بواحدة فقط.. اما الأخرى فأنا لم المسها..
قالت باستغراب: ماذا؟..لم تلمسها؟.. ولكني رأيتك تتناول الوجبتين بالفعل..
- كنت اتظاهر بتناول الثانية فقط.. وانت لم تكوني مهتمة لتنظري الى الاطباق التي امامي..
ابتسمت وقالت: اذا فقد كانت الأخرى لي بالفعل..
قال هشام بسخرية: لا بل للنادل.. فقد اشفقت عليه وقررت ان امنحه وجبة طعام مجانية..
مطت شفتيها وقالت: انه يستحق الوجبتين .. لا واحدة..
قال مبتسما: وماذا عني انا..الا استحق تناول أي وجبة؟..
وجدت نفسها تقول في سخرية: بلى.. ولكن بالسم..
ضحك هشام وقال: لم اكن اعلم انك تكرهيني وتتمنين موتي الى هذه الدرجة..
أنبت نفسها كثيرا على ما قالته.. كيف تتبسط معه هكذا؟ .. من اين تعرفه؟ .. ولكن عليها ان تعترف ان اسلوبه المبسط في الحديث هو ما شجعها على ان تسترسل في الحديث معه.. وسمعت هشام يقول في تلك اللحظة: اتجهي الآن يمينا..
واردف قائلا: ولكنك لم تخبريني بعد..
قالت بدهشة: اخبرك بماذا؟..
قال بصوت هامس بعض الشيء وهو يلتفت لها: هل حقا تكرهيني ؟..
توترت وقالت: اكرهك؟..ولم اكرهك؟..
قال وهو يهز كتفيه: ربما لأني انسان ثقيل الظل كما تقولين..
قالت محاولة السيطرة على توترها: اسمع يا سيد..انني لم اعرفك الا منذ صباح هذا اليوم فقط.. فليس هناك ما يدعو لأن اكرهك..
قال بهدوء: معك حق .. ليس هناك ما يدعوك الى كرهي .. فأنت سترتاحين من رؤية وجهي قريبا..والى الابد..
ظهرت الحيرة على وجهها وسألته قائلة: ماذا تعني؟..
وبدل ان يجيبها.. قال بصوت حازم بعض الشيء: توقفي هنا.. هذا يكفي..
اوقفت السيارة الى جانب الطريق وقالت متسائلة: اتقيم في هذه المنطقة؟..
ابتسم وقال: اجل بالجوار من هنا..ما رأيك ان ادعوك على كوب من العصير بدل دعوتي السابقة لك والتي ...
تطلعت له بضيق فقال وابتسامته تتسع: انا امزح لا غير..لا تتطلعي الي هكذا..ثم اني اشكرك على ايصالي.. وكذلك على تحملك لي طوال تلك المدة..اعلم اني شخص ثقيل الظل احيانا..ولكن ها انتذا ستتخلصين مني اخيرا ومن ثقل ظلي ولن ترينني بعدها..
الآن فقط فهمت ما يعنيه.. الآن فقط ادركت ان بايصالها له سيفترقان وربما الى الابد..مهمتها انتهت..وكذلك لقاءها به..هل يمكن ان تراه مرة اخرى؟.. احتمال هذا لا يزيد على خمسة في المائة..لم تعلم لم شعرت بالضيق لهذا الفراق السريع بينهما .. وعلى الرغم من انه تعمد اثارة حنقها وعصبيتها طوال ذلك الوقت الذي قظته معه .. الا انها شعرت بأنه استطاع السيطرة على تفكيرها طوال الوقت..ربما لشخصيته المختلفة عن كل الشبان الذين رأتهن من قبل..وربما لأنه الوحيد الذي بدا لها جريئا الى درجة كبيرة.. وربما لانه ...
قاطع افكارها صوت هشام وهو يقول: سأغادر الآن ..واراك بخير .. ربما نلتقي مرة اخرى .. من يدري ..المهم أني قد قضيت وقتا جميلا معك هذا اليوم بحق..
التفتت له في حدة واتسعت عيناها بدهشة وهي تتطلع اليه ..وابتسم هو مردفا: وعلى الرغم من اني لم اعرف عنك شيئا سوى انك تدرسين الديكور..الا انني ارى انك فتاة ذات قلب ابيض..طيبة ومحبة لمساعدة الآخرين.. واعذريني لو سببت لك الضيق.. ولكن ..هذا هو انا كما يقولون.. وهذه هي شخصيتي..
وجدت نفسها تبتسم ابتسامة مريرة وتقول وهي تهز رأسها نفيا: ابدا لم تفعل ما يثير الضيق .. ولكني انا التي ابدوا في احيان كثيرة حادة المزاج ومتسرعة..
قال مبتسما: وانا اشهد على ذلك..ولكن هل لي بسؤال؟..
صمتت فأردف وابتسامته تتسع: الن تخبريني باسمك حقا؟..
قالت مبتسمة: سأترك لك فرصة تخمينه..
قال مبتسما بسخرية: اذا فهو ...ياسر..
قالت وهي تمط شفتيها: سخيف..
- سترتاحين من سخافاتي ايضا..
واستطرد قائلا وهو يهم بفتح باب السيارة: اظن انه يتوجب علي المغادرة الآن.. فقد اثقلت عليك اكثر من اللازم..الى اللقاء..
قالت وهي تتطلع اليه وفي عينيها نظرة حزينة: اظن انه يتوجب عليك ان تقول الوداع..
التفت لها وقال بابتسامة: لا تتسرعي..قد نلتقي ذات يوم.. وتتمنين انت وقتها لو ان هذا اللقاء لم يحدث ابدا..
كادت ان تجيبه بلا.. انها تتمنى ان تلتقي به مرة اخرى بالفعل .. لم تعلم لم؟ ..مجرد رغبة بداخلها تجعلها تتمنى ان تلتقي به مرة اخرى.. وقالت مصطنعة اللامبالاة وهي تلتفت عنه: وكيف سيحدث ذلك اللقاء الآخر كما تقول ؟..
قال مبتسما: سأقود سيارتي بعد ان يتم اصلاحها الساعة الثامنة صباحا في المنطقة الرابعة بالشارع 22..يمكنك الاصطدام بسيارتي هناك وفي ذلك الوقت..
واردف قائلا بمرح وهو يخرج من السيارة : ويمكنك ايضا زيارتي في مكان عملي .. الشركة المتحدة للمقاولات .. لا تنسي..اخبريهم بأنك ترغبين بمقابلة افضل مهندس بالشركة وستلتقين بي في الحال..
قالت بضيق: لابد وانك تهذي..اذهب الى الشركة لمقابلتك .. من تظن نفسك؟..ومن تظنني حتى افعل هذا؟..
اغلق باب سيارتها وقبل ان ينصرف قال وهو يميل نحو النافذة: هشام شريف..افضل المهندسين على الاطلاق..اما انت ففتاة قد اعجبت بي..
قالت وهي تمط شفتيها: هل هذه كذبة ابريل؟..
غمز لها بعينه وقال: لا فنحن الآن بشهر يونيو..
وثم قال وهو يرفع يده مودعا: والآن الى اللقاء يا آنسة..
وابتعد عن سيارتها مديرا ظهره لها.. وسار بخطوات هادئة بداخل احد الممرات.. وعينا تلك الفتاة تتابعه..ومن ثم لم تلبث ان قالت بابتسامة: معك حق..انها ليست كذبة ابدا..
واردفت وابتسامة حزينة ترتسم على شفتيها وهي تنطلق بالسيارة: الوداع يا..هشام..
قالتها وانطلقت بالسيارة وحزن غريب يعتصر قلبها لهذا الفراق بعد لقاء قصير لم يتعدى الساعتين..وتمنت من كل قلبها ان تلتقي به مرة اخرى.. وقريبا..
*********
ابتسمت وعد وقالت وهي تلتفت الى طارق الذي احتل مقعد القيادة: شكرا ..
التفت لها طارق وقال: على ماذا؟..
اشارت الى الخارج وقالت: على اعادتي الى حيث سيارتي..
قال مبتسما: اكنت تريدين ان اتركك تعودين سيرا على الاقدام اذا؟..
قالت مبتسمة: ولم سيرا على الاقدام؟..الا توجد سيارات اجرة؟..
مال نحوها وقال: بلى توجد.. ولكن من قال اني سأسمح لك بركوبها وحدك؟..
قالت بمرح: لن يختطفني احدهم ونحن في منتصف النهار..
واردفت قائلة: والآن الى اللقاء.. اراك غدا..
ابتسم قائلا وهو يتطلع لها: الى اللقاء..
فتحت باب السيارة لتخرج منها.. ولوحت بكفها مودعة .. قبل ان تتوجه نحو سيارتها وتنطلق بها..كانت تشعر بسعادة كبيرة في هذا اليوم بالذات.. ماذا تريد اكثر من هذا.. من تحب اعترف لها بحبه اخيرا.. وحلمها على وشك ان يتحقق اخيرا ..آلاف الاحلام التي تخيلتها اخذت تنسجها مع طارق .. مع فارس احلامها..ولكن لا تزال هناك مشكلة بسيطة عليها ان تجد حلا لها..هشام..بم تخبره؟..لو رفضته فما هو السبب لذلك؟..انها لا تريد جرح مشاعره.. انه يعلم انها الآن لا تعتبره اكثر من اخ.. ومع هذا فهو متمسك بها..
تنهدت بحرارة وهي توقف سيارتها بجوار المنزل..وهبطت منها لتتوجه الى باب المنزل وتبتسم قائلة وهي تدلف اليه: لقد عدت..
قالت والدتها بدهشة: وعد..اين كنت كل هذا الوقت؟ ..ولم تأخرت الى هذه الساعة؟..
اضطرت وعد للكذب وقالت بتوتر: لقد كان لدي عمل اضافي بالصحيفة..
قالت والدتها متسائلة: وهل تناولت طعام الغداء؟..
اومأت وعد برأسها ايجابيا..فسألها والدها بابتسامة: وكيف حال مقالاتك؟..
ابتسمت وعد وقالت بمرح: بالصفحة الاولى دائما بكل تأكيد..
ومن ثم اردفت في سرعة: عن اذنكما.. سأصعد الى غرفتي لأغير ملابسي..
كانت تحتاج لأن تختلي بنفسها.. واسرعت الى الطابق الاعلى ودلفت الى غرفتها .. لتلقي بنفسها على السرير وتفكر في امور متفرقة..طارق..حبيبها الوحيد.. وحلم حياتها..الذي يكاد يتحقق اخيرا..وهشام..ابن عمها العزيز الذي تعتبره اكثر من شقيق لها.. لا تريد ان تكون سبب في آلامه ..يجب ان لا تنسيها سعادتها ان برغم كل شيء هشام لا يزال يحبها من كل قلبه ..وان ...
قاطعها رنين هاتفها المحمول ..فالتقطته وابتسمت عندما شاهدت رقم الهاتف الذي يضيء على شاشته.. وقالت بمرح: يا الهي .. هل افكاري تتحول الى واقع بهذه السرعة؟ ..
قال هشام بابتسامة: اشك اني كنت محور تفكيرك قبل دقائق..
قالت مبتسمة وهي تعتدل في جلستها: من قال انك كنت محور تفكيري لقد احتللت جزء بسيط منه فحسب..
قال بخفوت: كحياتك تماما..
- المشكلة انك ابن عمي وانا مضطرة لان تحتل جزء كبير من حياتي..
قال هشام بهدوء: حسنا يا وعد.. سأسألك للمرة الأخيرة.. ومهما كان جوابك سأتقبله..هل تقبلين الزواج بي؟..
صمتت وعد للحظات وهي تفكر في وسيلة لبدء الحديث معه ..ومن ثم لم تلبث ان قالت بصوت حاولت ان تجعله هادئا: انت تعلم يا هشام اني اتمنى لك السعادة .. ولكن.. سعادتك لن تكون معي..صدقني.. انت انسان رائع لا تستحق فتاة مثلي لا تبادلك مشاعرك.. بل تحتاج الى فتاة تحمل لك بداخلها كل الحب ..لا يمكن ان تظل على احتمال ان ابادلك مشاعرك يوما .. بل يجب ان تكون متأكدا من ان من ستتزوجها تبادلك المشاعر بالفعل ..فأنا ...
قاطعها هشام وقال بسخرية مريرة: هل اكمل انا يا وعد؟ ..حسنا سأفعل..فأنت تعتبريني كأخ تماما وربما لا تتطور العلاقة بيننا لأكثر من ذلك.. وعلي ان ابدأ من جديد و اجد فتاة تحبني بحق..بدل من انتظار ان تحبيني يوما.. اليس هذا ما اردت قوله؟..
قالت وعد بحنان: هشام انت انسان رائع.. وليت المشاعر كانت بيدي.. فعندها كنت انت اول من سأحب..
قال هشام وهو يتنهد بحرارة: من هو؟..
قالت بحيرة: من تعني؟..
- من تحبين..
قالت وعد بارتباك: اسمعني يا هشام اخبرتك من قبل سواء اكان هناك شخص في حياتي او لم يكن.. فأنت ستبقى دائما شقيقي العزيز..
قال هشام وقبضة باردة تعتصر قلبه: الا يحق لي معرفة من اختطف قلبك على الاقل؟..
صمتت دون ان تجيبه..فقال بألم: فليكن يا وعد..افعلي ما تشائين..ولكن...
بتر عبارته وقال بابتسامة شاحبة وهو يردف: ولكن لو ضايقك فأخبريني حتى آخذ حقك منه..
ابتسمت وعد وقالت: ماذا اريد اكثر من ان يكون لدي ابن عم يحميني بكل قوته من كل من يضايقني..
واردفت قائلة : ولكن اتعلم هناك من يضايقني بالفعل..
سألها قائلا : ومن هو؟..
قالت بمرح: رئيس التحرير.. لو تستطيع تلقينه درسا.. فلن انسى صنيعك هذا ابدا..
قال هشام بابتسامة باهتة: معذرة يا فتاة..فلم اقل اني سأعمل حارسا شخصيا لك.. ثم ان تعرضي لرئيس التحرير..قد ينشر بالصحيفة.. وتكون وصمة عار في تاريخ افضل المهندسين على الاطلاق..
قالت بابتسامة: وانا من ستتكفل بنشر هذا الحدث..
قال هشام بسخرية: يالك من خائنة.. ادافع عنك..فتتسبين في فضيحة لي..
- وما المشكلة ان كنت سببا في شهرة ابنة عمك الوحيدة؟ ..
- ابحثي لك طريق آخر للشهرة بدلا من استغلال طيبتي..
واردف بابتسامة شاحبة: والآن يا وعد..اظن انه يتوجب علي توديع حلمي في ان تكوني من نصيبي الى الابد..لهذا فسأقول لك للمرة الاخيرة.. انك لو غيرت رأيك في أي وقت فستجدينني دائما مستعد للارتباط بك..
قالت مبتسمة: حتى ولو بعد خمسون عاما..
قال بسخرية: ومن قال اني سأموت على ذكراك.. سأكون متزوجا حينها ولدي من الاولاد والاحفاد ما يكفي..
قالت مبتسمة: يالك من شاب..الم تقل انك مستعد للارتباط بي في أي وقت..
هز كتفيه وقال: ولكني لم اقل اني مستعد لأن اظل عازبا طوال عمري..
قالت وعد مبتسمة: اتمنى من كل قلبي ان تتزوج سريعا من فتاة تحبها وتحبك..
- هل تفكرين بالتخلص مني بهذه السرعة؟..ثم حتى لو تزوجت من قال اني سأدعك وشأنك..
- الا تخشى ان تقيم زوجتك الحرب على رأسك؟..
قال هشام بسخرية: سأخبرها بأنك شقيقتي بالرضاعة..
ابتسمت وقالت: ومن يصدق كاذب مثلك..
قال هشام بهدوء: سأغلق الآن يا وعد.. فلدي ما اقوم به ..واتمنى ان تعيشي سعيدة مع من اخترتيه بنفسك..
قالت وعد بهدوء مماثل: واتمنى ان تحيا انت ايضا بسعادة في حياتك القادمة مع فتاة تحمل لك الحب في قلبها بقدر ما تحمله لها..
قال بابسامة حانية: الى اللقاء اذا يا ابنة عمي الحمقاء..
قالت بابتسامة: الى اللقاء يا ابن عمي الأحمق..
قالتها واغلقت الهاتف .. وابتسمت بشحوب وهي تشرد بأفكارها وتتطلع الى السماء الملبدة بالغيوم من النافذة.. وهمست قائلة: اعذرني يا هشام.. اعلم اني حطمت حلمك برفضي .. ولكن صدقني .. لو كنت املك مشاعري لما اخترت سواك .. ستظل دائما اغلى شخص لدي في هذا العالم ..ولكن لست انا من اختار فارس احلامي..بل قلبي ..الذي اختار طارق وخفق لمرآه.. وارتجف مع لمسته ..ارجوك اغفر لي يا هشام.. لو سببت لك الألم والحزن برفضي لك ..واتمنى من كل قلبي ان تحظى بفتاة تستحقك بالفعل..
ايقظها من شرودها وحديثها مع نفسها صوت رنين الهاتف مرة اخرى..فانتفضت في حدة..قبل ان تزفر وتلتقطه لتتطلع الى رقم عماد الذي يضيء على شاشته..ورفعت حاجبيها باستغراب .. ما الذي يدعوا عماد للاتصال بها؟.. واجابته قائلة بهدوء: اهلا عماد ..كيف حالك؟..
قال عماد مبتسما:بخير.. ماذا عنك ايتها الصحفية؟..
- بخير..
- لقد قرأت لك عدد من المقالات.. تبدين صحفية جيدة..
قالت باستنكار: جيدة فقط؟..لو تعلم كم اكابد من العناء لتسجيل حوار فقط..
ابتسم وقال: اعتقد ان هذا هو عملك الذي اخترتيه بنفسك ويجب ان تتحمليه..
قالت مبتسمة: معك حق..
قال بغتة بجدية: في الحقيقة يا وعد.. لقد اتصلت بك حتى ادعوك الى حفل الخطبة..
قالت بابتسامة واسعة: واخيرا..منذ متى وانت وخطيبتك تحضران لها؟..
قال بهدوء: منذ اسبوعين تقريبا..
قالت وعد متسائلة في لهفة: ومتى ستكون؟..
- بعد غد..
اتسعت عيناها وقالت: انت تمزح بكل تأكيد..
ابتسم وقال: لا.. لا افعل ابدا..
قالت وهي تمط شفتيها بضيق: ولماذا تدعوني مبكرا هكذا؟..
اتسعت ابتسامته وقال: معذرة يا وعد.. ولكن كنت ابحث عن صالة للحجز منذ اسبوع.. وقد وجدت واحدة اليوم اخيرا ..وكان هناك يومان يمكن ان احجزهما..احدهما بعد غد ..والآخربعد شهر.. وانت تعلمين انني لا استطيع ان ااجل جميع الترتيبات التي اعددتها لبعد شهر كامل..
قالت مبتسمة: حسنا لقد سامحتك..ولكن اظن انني لن استطيع تجهيز نفسي خلال فترة قصيرة كهذه.. لهذا اخبرك منذ الآن قد لا احضر..
قال مبتسما: افعليها وانظري ماذا سيحدث..
- ماذا تستطيع ان تفعل؟..
- سأرسل احدهم لأخراجك من المنزل بالقوة..
قالت مبتسمة: فليكن.. وتهنياتي لكما مقدما..
- شكرا لك.. وحذاري ان لا تحضري.. الى اللقاء الآن.. فهناك قائمة طويلة علي ان ابلغهم بهذا الموعد المفاجئ..
قالت مبتسمة: الى اللقاء واوصل سلامي الى خطيبتك..
- يصل..مع السلامة..
قالها واغلق الهاتف.. والتفت ليتطلع الى ليلى التي تجلس معه على تلك المائدة في احد المطاعم وكانت تنظر اليه بنظرات متضايقة ومن ثم سألته قائلة: مع من كنت تتحدث؟..
قال مبتسما وهو يتطلع لها:اظنك استمعت للمكالمة كلها..
قالت بحنق: ليس كلها.. ولكني علمت انها فتاة.. ولكن تهتم لحضورها كثيرا الى الحفل.. فلم؟..
مال نحوها وقال: ولم تظنين انت ذلك..الأني مغرم بها مثلا؟..
اشاحت بوجهها بعصبية وعقدت ساعديها امام صدرها لتقول: ربما..
قال مبتسما بسخرية وهو يومئ برأسه : معك حق.. وانا اجلس مع خطيبتي وقبل حفل الخطبة بيومين فقط.. سأتحدث مع فتاة اغرمت بها فجأة هكذا..
مطت شفتيها وقالت: ولم لا؟..
قال مبتسما: اظن ان الفكرة بدأت تروق لي فعلا..
التفتت له وقالت بحدة : عماد..
قال بمرح: نعم سيدتي..
تسائلت وقد خفتت حدت صوتها بعض الشيء: من كانت تلك الفتاة؟..
قال في هدوء: ابنة عمتي..وهي ترسل تهانيها لك..
قالت متسائلة بغيرة: وهل انت نهتم لحضورها الى هذه الدرجة؟..
- ايتها الحمقاء.. فيم تفكرين؟..انها ابنة عمتي وحسب ولن تكون أي شيء آخر.. فأنا لدي حبيبة واحدة فقط.. وها انذا امتع عيناي برؤيتها..
قالت مبتسمة وهي تطرق برأسها: انحبني حقا؟..
امسك بذقنها برقة وقال وهو يتطلع الى عيناها: الديك شك في هذا؟..
قالت بخجل وهي تبعد خصلات من شعرها خلف اذنها بارتباك: لا وانما اردت ان.. اسمعها منك..
امسك بكفها بغتة وقال بحنان: فقط..اهذا ما تريدينه ..حسنا يا آنسة ..اسمعت عن قيس..انا هو .. انني مجنونك يا ليلى ..احبك يا توأم روحي .. احبك يا شريكة حياتي القادمة ..احبك وكل حرف انطق به يشهد على هذا الحب ..
توردت وجنتاها .. وشعرت برجفة لذيذة تسري في اطرافها مع لمسته .. وهمست قائلة: وهل ستخلص لهذا الحب الى الابد؟ ..
قال بصدق وحنان: مادام في جسدي نفس يتردد..
قالت مبتسمة بخجل وهي ترفع وجهها له: حسنا انا اصدقك يا قيس..اعني يا عماد..
قال عماد بابتسامة حب: متى يأتي موعد حفل الخطبة يا ليلى؟..
قالت بابتسامة مرحة: بعد غد..ولم انت مستعجل هكذا؟ ..
قال بحنان وحب كبيرين: حتى ارى اجمل حورية تأتي لتجلس الى جواري في ذلك الحفل وهي في كامل جمالها وروعتها..
توردت وجنتاها بشدة وقالت بارتباك: عماد.. الا تكف عن اثارة ارتباكي؟..
- ولم؟..لا اظن اني قلت أي شيء خاطىء يا ايتها الحورية..
تطلعت اليه بطرف عينها وقالت: هل تتعمد ذلك ام ماذا؟..
ضحك بمرح وقال: يمكنك قول هذا..
واردف وهو يميل نحوها قائلا بهمس: فأنت تزدادين جمالا وانت خجلة..
ارتجف جسدها في قوة لكلماته ..واشاحت بوجهها لتخفي ارتباكها..وقالت: انا لم اخجل ابدا..
قال بسخرية: اجل واضح..
قالها ومن ثم التفت الى النادل ليطلب منه احضار طلباتهما.. وتطلعت اليه ليلى بحب كبير.. يا الهي كم هو صغير هذا العالم ..شاب التقت به مصادفة .. وحصلت مشادة بينهما مرتين .. المرة الاولى كانت متعمدة والمرة الثانية كانت عن طريق الخطأ.. ومن ثم جاء القدر ليوظفها عنده وتكون تحت امرته .. وهاهي ذي اليوم ترى نفسها ترتدي خاتما يحمل اسمه.. هل هذا حلم يا ترى؟.. ام ان حلم حياتها قد تحقق اخيرا؟...
************
اخذ هشام يتطلع الى شروق الشمس عبر النافذة بذهن شارد.. والى ذلك الضوء الخافت الذي أخذ يبدد ظلام الامس.. والى ذلك اللون الارجواني الذي أخذ يكسو السماء..لينتشر ضوء الشمس رويدا رويدا على امتداد البصر..
وتنهد هشام بمرارة قائلا: حسنا يا هشام.. يجب ان تعترف انها النهاية.. والنهاية لكل شي..لأحلامك.. لحبك.. ولحياتك التي تخيلتها طويلا.. والتي كانت بطلتها هي وعد..يجب ان ينسدل الستار هنا .. وتعلن كلمة النهاية ليصفق الجمهور.. ربما اعجابا وربما الما على البطل ومن ثم يرحلون غير آبهين بأي شيء.. ولكن من سيحزن على شخص مثلي.. كان له دورا هامشيا في هذه المسرحية بأكملها.. دوره يقتصر على حب ابنة عمه بكل ما امتلك من مشاعر.. ويتخيلها فتاة احلامه.. حتى يصطدم بالواقع وهو يراها لا تهتم به وهي تحب آخر سواه..وها هو ذا يجرع كأس المرارة لوحده دون ان يشعر به أي احد..
وزفر بحدة مواصلا: هل هي النهاية حقا يا هشام؟..ماذا عن منزل الاحلام الذي صممت له رسما هندسيا بنفسك؟..هل سينتهي هو ايضا كما انتهى حبك لوعد؟..لا اعلم..ولن اعلم ما يخفيه المستقبل لي.. ولكن...اظن انه بامكاني تغيير المستقبل قليلا.. وبدء حياة جديدة ..ربما..تكون مع تلك الفتاة..
قالها وعاد ذهنه ليشرد من جديد..في امور عدة..امور قد تتعلق بالماضي او بالمستقبل القريب..ورمى بنفسه على الفراش ليحظى بساعات ولو كانت قليلة من النوم..ولم تكد الساعة تعلن العاشرة صباحا.. حتى استيقظ من نومه وارتدى ملابسه على عجل حتى يذهب الى تلك الورشة ليستلم سيارته.. ومما سهل عليه الامر انه اليوم كان يوم اجازة..خرج من غرفته ليتوجه الى الطابق السفلي..وهناك شاهد فرح ووالدته يتناولان طعام الافطار..وابتسمت هذه الاخيرة قائلة بحنان: هشام.. هلم معنا..تناول طعام الافطار..
قال مبتسما وهو يلتفت لها: ومنذ متى تناولت افطارا يا امي؟..
قالت فرح وهي تبتسم ابتسامة مرحة: دعك منه يا امي.. الا ترين انه سمين جدا.. ويريد عمل حمية مكثفة لتخفيف...
بترت عبارتها بغتة وتأوهت نتيجة لأمساك هشام بشعرها وقال هذا الاخير بابتسامة ساخرة وهو يميل نحوها: لم اسمعك جيدا.. من هو السمين هنا؟..
التفتت الى امها وقالت: امي انظري ماذا يفعل؟..
عقدت والدتها حاجبيها وقالت بضيق: هل انت طفل يا هشام؟..ما هذه التصرفات الصبيانية؟.. دعها وشأنها..
قال وهو يترك شعرها بلامبالاة: عليها ان لا تسخر مني مرة اخرى.. والا وجدت نفسها معلقة على السطح..
قالت فرح وهي تعقد ساعديها امام صدرها: يالك من متحذلق .. ولكن الى اين انت ذاهب؟..أليس اليوم هو يوم اجازة؟ ..
قال مبتسما: بلى.. ولكن هل يمنع هذا خروجي؟..
سألته والدته هذه المرة قائلة: حقا يا هشام.. الى اين انت ذاهب في هذه الساعة المبكرة؟..
هز كتفيه وقال: الى ورشة لتصليح السيارات..
قالت فرح بحنق: ما الامر مع تلك الورشة؟.. كلما اسألك عن مكان ذهابك ستقول الورشة..
- انا لا اكذب.. الم تلاحظي يا اختي البلهاء ان سيارتي لم تعد موجودة امام المنزل؟..
قالت فرح وقد انتبهت لهذا الامر للتو: صحيح.. انت على حق .. ولكن لماذا اخذتها الى هناك؟.. هل بها عطل ما؟..
اومأ برأسه وانصرف مبتعدا وهو يقول: عن اذنكم الآن..
وغادر المنزل لينطلق باحدى سيارات الاجرة الى الورشة.. وما ان وصل الى هناك بعد خمسة عشرة دقيقة تقريبا.. حتى نقد سائق الاجرة اجره واتجه ليتحدث مع احد الموظفين بشأن سيارته ..الذي قال بعد ان تأكد من ملكية هشام للسيارة وخصوصا وانه رآه بالامس مع الفتاة التي تفاوضت معه في امر السيارة: يمكنك استلامها يا سيد.. ان الامر لم يتعدى اعادة تركيب مصباح خلفي جديد..
قال هشام بهدوء: وهل استملت من الآنسة التي تحدثت معك بشأن السيارة بالأمس مبلغ التصليح ؟..
قال الموظف وهو يهز رأسه نفيا: لا يا سيدي .. ولكنها قالت انها ستأتي فور تسلمك السيارة..
قال هشام وهو يعقد حاجبيه بتساؤل: وكيف ستعلم انني قد استلمت سيارتي؟..
- سنتصل بها فقد تركت رقم هاتفها معنا و...
قاطعه هشام قائلا: لا داعي لذلك..
قال الموظف مستغربا: ماذا تعني يا سيدي؟..
قال هشام وهو يسلمه مبلغ من المال: هل هذا المبلغ كاف لتصليح السيارة؟..
- اجل يا سيدي ولكن...
قال هشام بهدوء: لا يوجد لكن..خذ المال .. واذا جاءت الآنسة لتدفع المبلغ ايضا.. اخبرها ان المبلغ قد دُفع..
قال الموظف وهو يومئ برأسه: فليكن يا سيدي..
- اريد وصل بدفعي للمبلغ المطلوب كاملا..
اومأ الموظف برأسه مرة اخرى..ودلف الى الورشة ليختفي فيها دقائق.. ومن ثم يعود ليسلم هشام الوصل..وتوجه هذا الاخير ليستقل سيارته هذه المرة وينطلق بها..وبرزت في رأسه بغتة تلك الفكرة..فأسرع ينفذها وهو يضغط ارقام ذلك الهاتف...

جنــــون 11-23-2011 01:36 AM

*الجزء السادس والثلاثون*
(لماذا لم تخبريني؟)


اومأ الموظف برأسه مرة اخرى..ودلف الى الورشة ليختفي فيها دقائق.. ومن ثم يعود ليسلم هشام الوصل..وتوجه هذا الاخير ليستقل سيارته هذه المرة وينطلق بها..وبرزت في رأسه بغتة تلك الفكرة..فأسرع ينفذها وهو يضغط ارقام ذلك الهاتف...
واستمع هشام الى الرنين المتواصل على الطرف الآخر.. حتى اجابه صوت طفولي يقول: الو..من؟..
قال هشام مبتسما: الا يوجد سواك ليجيب على الهاتف يا فارس..
قال فارس وهو يهز رأسه: لا.. ولكني اسرع كلما اسمع صوت الهاتف.. فربما يكون ابي.. فأخبره بم يحضر لي معه وهو قادم..
قال هشام: حسنا يا صديقي.. هل لي ان اطلب طلبا منك؟..
قال فارس بجدية طفولية: من انت اولا؟..
قال هشام وهو يصطنع الدهشة: ماذا؟.. الم تعرفني يا فارس حقا؟..انا هشام..
قال فارس بحيرة: هشام من؟..
- الذي حدثك بالامس.. واخبرته ان عمرك ربما يكون خمس او ست سنوات..
- انا لا اعرفك..
ابتسم هشام وقال: فليكن يا صغيري..ولكن هل لك ان تنادي شقيقتك لأتحدث اليها قليلا؟..
قال فارس متسائلا: من تعني؟..(غادة)؟..
بهت هشام لوهلة من ثم قال بخبث: اجل هي غادة.. اذهب لتناديها بسرعة..
اسرع فارس يقول: حسنا..
ومن ثم اسرع راكضا الى تلك الغرفة التي تحتل نهاية الممر.. وطرقها قائلا: غادة.. غادة.. افتحي..
فتحت الباب واطلت عليه قائلة: ماذا تريد يا فارس الآن؟..لن امنحك مزيدا من الحلوى..
اشار نحو الهاتف وقال: لا اريد حلوى.. ولكن..هناك من يريدك على الهاتف..
قالت متسائلة: ومن يريدني على الهاتف؟..
اجابها وهو يلوح بكفه ويبتسم: ذلك الذي اتصل بالأمس.. لقد فعلت كما اخبرتني.. ولم اخبره بأي شيء..فقط سألته من هو والى من يريد التحدث..
شعرت غادة بالتوتر..وقالت بصوت حاولت ان تجعله هادئا: من تعني؟..هشام؟..
اومأ برأسه ايجابيا..قأزدردت لعابها لتسيطر على توترها وقالت وكأنها تحدث نفسها: حسنا سأذهب للتحدث اليه..
سارت ببطء في ذلك الممر القصير باتجاه الهاتف..وهي تشعر بتوترها يزداد.. والتقطت سماعة الهاتف والشك يراودها في ان يكون هشام.. فما الذي سيدعوه للاتصال بها؟.. ولكن ربما امر يتعلق بسيارته هو ما دعاه الى ذلك.. واجابت قائلة وهي تزدرد لعابها: الو .. من المتحدث؟..
قال مبتسما: كيف حالك يا آنسة؟..
حاولت ان تخفي اللهفة في صوتها وهي تقول: انت!..لم تتصل بي الآن؟.. هل هناك حادث آخر تعرضت له وتريد مني دفع نفقات التصليح لك؟..
اتسعت ابتسامته وقال: ليس بعد.. فلقد تسلمت سيارتي للتو .. ومن يدري ربما اصطدم بسيارة بعد قليل..فأتصل بك لتدفعي نفقات التصليح..
قالت وهي تصطنع الضيق: لم تخبرني بعد..لم تتصل بي؟..
قال وهو يهز كتفيه: للسؤال عن احوالك..
اسعدها انه مهتم لأمرها وقالت في سرعة: انا بخير..
قال متابعا وكأنه لم يسمعها: ولأشكرك على اصلاح السيارة ..
قالت بلا مبالاة: انا لم افعل شيئا.. انا التي تسببت في الحادث.. لهذا علي ان ادفع تعويض لك..
قال مبتسما: اذا فأنت تعترفين انك المتسببة في الحادث..
مطت شفتيها دون ان تجيب فأردف: على العموم لقد اتصلت للسؤال عن احوالك ولأشكرك و...
بتر عبارته بغتة.. فسألته قائلة: وماذا؟..
قال بلهجة جعلتها تشعر ان ما سيقوله مهم: ولأخبرك بأمر ما..
تسائلت قائلة: وما هو؟..
- لم اكن اريد ان اخبرك ولكن... اظن انه يتوجب علي ان افعل .. وخصوصا وانها ربما تكون المكالمة الأخيرة بيننا ..
انصتت له بكل حواسها وقالت وهي تشعر بالارتباك.. وقد احست ان ما سيقوله يتعلق بها: اجل.. ماذا تريد ان تقول؟..
قال بصوت بدت فيه الجدية: في الحقيقة انا... انا...
ازدردت لعابها وقالت بتلعثم وفد تسلل اليها الخجل منه لأول مرة: انت ماذا؟..
ابتسم وقال: في الحقيقة انا قد دفعت نفقات تصليح السيارة.. فلا حاجة لك لللذهاب الى هناك ودفعها..
اتسعت عيناها وقالت بغضب: ماذا؟.. ابقيت دقيقة كاملة صامتا لتقول لي هذا فقط؟..
قال بخبث: لم؟..اكنت تتوقعين سماع شيء آخر؟..
مطت شفتيها وقالت بحنق: لا لم اكن اتوقع أي شيء آخر.. فأنت دائما هكذا.. تقول كل ما هو سخيف..
قال مبتسما: حسنا.. سأعدي لك شتمك لي هذه المرة.. والآن الى اللقاء..
اسرعت تقول: لحظة واحدة..
- ماذا؟..هل اشتقت لي بسرعة هكذا ام لا ترغبين في ان انهي المكالمة ابدا؟..
قالت بحنق: كف عن سخافاتك واخبرني..لماذا دفعت مبلغ تصليح السيارة؟..
قال وهو لا يزال محتفظا بابتسامته: اولا اشفقت عليك من القدوم مجددا ودفع المبلغ ..
عقدت حاجبيها وقالت: وثانيا؟..
- وثانيا.. لم اكن اريد ان اجعلك تدفعي أي مبلغ وانا من كان سببا في ذلك الحادث.. فلولا وقوفي المفاجئ بالطريق لما اصطدمت بي..
قالت بدهشة: اذا لماذا كنت تقول منذ البداية انني السبب في الحادث؟.. وانه يتوجب علي ان ادفع جميع مصاريف التصليح .. ما دمت تعترف بنفسك انك السبب في الحادث.. هذا بالاضافة الى دفعك مبلغ التصليح.. وكأن.. وكأن لم يكن لكل ما فعلته أي داع..اخبرني لماذا؟..
قال بابتسامة مقلدا اسلوبها: سأترك لك فرصة تخمين هذا..الى اللقاء الآن..
- الى اللقاء..
قالتها ومن ثم اغلقت الهاتف..ليظهر شبح ابتسامة على شفتيها وهي تتمتم: يالك من شاب..
واعتلت تلك الابتسامة شفتيها وهي تتوجه نحو غرفتها.. وقلبها ينبض بسعادة غريبة تعرفها للمرة الاولى في حياتها...
********
ابتسم طارق وقال وهو يوقف سيارته بجوار منزل وعد: يبدوا وانها ستكون مفاجئة كبيرة لها..
قالها ومن ثم ضغط رقم هاتف وعد.. التي ما ان استمعت الى رنين الهاتف حتى اجابته قائلة بابتسامة واسعة: اهلا طارق .. كيف حالك؟..
ابتسم وقال: بخير.. وماذا عنك؟..
- على ما يرام..
- وما الذي تفعلينه الآن؟..
هزت كتفيها ورمت بنفسها على ذلك المقعد لتقول: لا شيء مهم.. وانت..ما الذي تفعله؟..
قال بابتسامة وهو يتطلع الى منزلها: اتجول بالسيارة قليلا.. اتودين مرافقتي؟..
قالت مبتسمة: ليت هذا ممكن.. ولكن كما تعلم اليوم هو يوم اجازة ولن اتمكن من رؤيتك في الصحيفة..
اتسعت ابتسامته وقال: من يدري.. ربما ترينني في مكان آخر..
تطلعت الى سقف الغرفة وقالت مبتسمة: مثل ماذا؟..
- بجوار منزلك مثلا..
ضحكت وقالت: يا للخيال.. كيف ولماذا ستكون بجوار منزلي؟..
قال بهدوء: كيف بسيارتي.. ولماذا.. ربما لرؤيتك.. وربما لـ...
- لماذا؟..
قال بحنان مفاجئ: وربما لطلب يدك..
جاوبه صمت تام.. مما جعله يقول: وعد الا زلت على الخط.. اتسمعيني؟..
ازدردت وعد لعابها بصعوبه ولم يستطع الا سماع صوت تنفسها المتوتر.. فقال مبتسما: ما بك؟..لم اقل ما يخيف..
شعرت وعد يضربات قلبها المتسارعة تتعالى وكأنها ستصل الى مسامع طارق.. وازدادت قوة امساكها لهاتفها المحمول وهي ترى ارتجافة يدها وجسدها كله..واردف طارق بهدوء: وعد .. اترغبين برؤيتي حقا؟..
ازدردت لعابها مرة اخرى وقالت بصوت متلعثم: أ..أجل..
قال مبتسما: تمني هذا فقط؟..
قالت بحيرة: ماذا تعني؟..اتمنى ماذا؟..
- ان ترينني..
قالت بابتسامة باهتة: وهل تتحقق الامنيات؟..
- ربما.. فقط تمني انت ان ترينني وربما تتحقق امنيتك..
- لا اعلم ماذا افعل.. ولكن سأجاريك فيما تقوله..حسنا انا اتمنى رؤيتك..
قال بدهشة بغتة: يا الهي..كيف وصلت الى هنا؟..
قالت بدهشة: اين؟..
- انظري من أي نافذة تطل على الشارع الامامي لمنزلكم..
كادت ان تسأله لم؟..لكنها لم تفعل وهي تسرع خارجة من الغرفة وتنطلق الى الصالة العلوية لمنزلهم..لتطل منها الى الشارع الامامي.. وهنا شهقت بقوة وقالت: انها سيارتك..
قال بحنان وهمس: ارأيت ان الاماني تتحقق احيانا..
قالت متسائلة بدهشة: ولكن لماذا جئت؟..
ابتسم وقال: الم اخبرك سابقا؟..لرؤيتك..
قالت بقلق: اسرع بالمغادرة قبل ان يراك والدي وتقع في مشكلة..
شاهدته يخرج من سيارته في تلك اللحظة وهو يقول: ومن قال اني لا اريده ان يراني..
شاهدته يتجه الى المنزل وقالت وقلقها يتضاعف: طارق..اسرع بالابتعاد..لا تقترب اكثر..
رفع رأسه الى الطابق العلوي وهو يبحث بعيناه عنها في احدى تلك النوافذ المطلة على الشارع..وقال مبتسما: اهبطي لتفتحي لي الباب فسوف اطرقه بعد لحظات..
اسرعت تهبط درجات السلم نحو الطابق السفلي وقالت بهمس: ما الذي تحاول فعله؟..
- رؤيتك فحسب..
اسرعت تتجه نحو الباب الرئيسي.. وشاهدها والدها فقال بدهشة: الى اين يا وعد؟..
توقفت عن جريها واغلقت هاتفها بتوتر لتزدرد لعابها وهي تقول بارتباك: كنت متوجهة الى...
انقذها من ارتباكها صوت رنين جرس الباب..فقال لها والدها: افتحي الباب..
اومأت برأسها ايجابيا وتوجهت نحو الباب وهي تشعر بقدماها تتثاقلان عن التقدم..وعقدت حاجبيها وهي تفكر.. ما الذي يفكر فيه؟..ولماذا جاء؟..ألرؤيتي كما يقول؟ ..ولكن لن يفعل هذا علنا وبوجود والداي هنا..اذا فيم يفكر؟.. هل من الممكن انه قد جاء لـ...
اعتراها الخجل عند تفكيرها الاخير.. وارتسمت ابتسامة متوترة على شفتيها وهي تقول وهي تفتح الباب: من؟..
ابتسم طارق عندما انفتح الباب وقال وهو يتطلع الى قلقها: صديق..
ابتسمت وقالت بصوت هامس: واي نوع من الاصدقاء تعني؟..
غمز بعينه وقال: الاوفياء بكل تأكيد..
ارتبكت فجأة وقالت: لكن ما الذي جاء بك الى هنا حقا؟..
قال بهدوء: لا تقلقي.. فقط اخبري والدك اني صحفي معك بالصحيفة وارغب في التحدث اليه..
- ولكن...
قاطعها قائلا: قلت لا تقلقي..
اومأت برأسها في ارتباك.. وقالت وهي تتنحى عن الباب قليلا: تفضل بالدخول.. ريثما ابلغ والدي بما تريد..
سار الى الداخل بخطوات هادئة وواثقة وقال وهو يلتفت لها: منزلكم جميل على الرغم من بساطته..
ابتسمت بهدوء ولم تعلق على عبارته وهي تتجه الى حيث يجلس والدها وقالت بصوت مرتبك: هناك من يريد رؤيتك يا ابي..
ترك الصحيفة من يده وقال متسائلا: ومن هو؟..
اشاحت بنظراتها بعيدا وقالت بصوت متوتر بعض الشيء: انه ..الصحفي طارق جلال .. زميل لي بالصحيفة.. ويرغب في التحدث اليك..
قال والدها وهو يعقد حاجبيه: وفيم يحدثني؟..
هزت وعد رأسها وقالت: لست اعلم.. لم يخبرني بشيء..
- فليكن ابلغيه ان يحضر الى حجرة المعيشة واطلبي من الخادمة ان تعد لنا كوبين من العصير ومن ثم اصعدي الى غرفتك..
أومأت وعد برأسها ايجابيا ومن ثم توجهت الى طارق مرة اخرى وقالت بتوتر: والدي ينتظرك.. تقدم معي..
ابتسم طارق وقال: فليكن آنستي..
سار الى جوارها وقال مردفا: ما الذي يدعوك الى كل هذا القلق؟..
التفتت له وقالت: قدومك المفاجئ هذا..
وضع كفيه في جيبي بنطاله وقال مبتسما: اظن انك انت من تمنى رؤيتي وهاقد تحققت امنيتك..
فتحت له باب غرفة المعيشة وقالت وهي تنظر اليه بحنق: لم اكن اعلم انك تقف بجوار المنزل منذ البداية والا لما تمنيت هذا..
- ولم لا؟..
قالت وهي تراه يدلف الى غرفة المعيشة: لانك ستضع نفسك في المشاكل الآن..
التفت لها وقال: اقولها لك للمرة الثالثة..لا تقلقي..
تنهدت وقالت: افعل ما تشاء.. فلم اعد افهمك..
قالتها واغلقت الباب.. لتتوجه الى المطبخ وتقول للخادمة: اعدي كأسين من العصير.. وخذيهما الى غرفة المعيشة..
اومأت الخادمة برأسها.. في حين التفتت وعد لتتطلع الى باب غرفة المعيشة.. وتقول متحدثة الى نفسها: ترى لماذا جئت اليوم الى هنا يا طارق؟.. ألسبب ما يتعلق بك؟..ام لأمر يتعلق بي انا؟..
(( ربما لرؤيتك.. وربما لطلب يدك))
انتفضت بغتة وهي تتذكر عبارة طارق .. ترى اجاء الى هنا من اجل هذا السبب حقا؟...
**********
ابتسم هشام وقال وهو يتحدث الى احد الموظفين في ادارة المرور: حسنا هل تقوم بهذه الخدمة لي؟..
تطلع الموظف الى الورقة التي منحها له هشام منذ دقائق ومن ثم قال: سيد هشام.. انت تمنحني رقم السيارة ونوعها والاسم الاول فقط من اسم مالكتها.. ولكن لن تستفيد شيئا لو ان السيارة ليست باسمها..
قال مبتسما: وسأستفيد كثيرا لو كانت كذلك..
هز الموظف رأسه وقال: لو لم يكن صديقك زميلا لي .. لما قمت بهذا العمل..
هز هشام كتفيه وقال: ولم لا تقوم به؟..
عقد الموظف حاجبيه وقال: اشعر انك تريد معلومات عن هذه الفتاة..لسبب شخصي..
ابتسم هشام بزاوية فمه وقال: حسنا وان كان الامر كذلك.. ما الذي سيضرك في الامر؟..
- لا شيء ولكن كما اخبرتك.. لم اكن لأستخرج معلومات عن صاحب هذه السيارة لولا ان صديقك هو من طلب مني ذلك..
- حسنا اذا.. استخرج مالديك من معلومات.. ومن ثم امنحني اياها..
واردف بصوت منخفض: دون ان تمثل دور المثالي..
اخذ الموظف يبحث في اجهزة الحاسوب المختلفة.. واستمر بحثه لعدة دقاءق.. قبل ان يقول وهو يقوم بطباعة ورقة ما: هذا كل ما لدينا بشأن مالك السيارة..
مد له يده بالورقة.. فاختطفها هشام في سرعة وقال بابتسامة: لا بأس.. شكرا لك..وسلم لي على صديقي..
مط الموظف شفتيه وهو يراقب هشام الذي ابتعد وهو يمسك بالورقة في يده.. ويتجه ليغادر ادارة المرور..ومن ثم يسير بخطوات سريعة بعض الشيء الى حيث اوقف سيارته.. وما ان احتل مقعد القيادة..حتى اسرع يلتهم كلمات تلك الورقة.. وارتسمت على شفتيه ابتصامة انتصار وهو يقول: هه.. ان السيارة باسمها بالفعل كما توقعت..
واخذ يقرأ بصوت مسموع بعض الشي: الاسم (غادة ابراهيم)..تاريخ الميلاد 1985..
واردف وابتسامته تتسع:عنوانها مسجل بالكامل ايضا..هذا يجعل الامور اسهل بكثير..وكذلك رقم هاتفها هي ووالدها ورقم المنزل كذلك..وهي لا تزال طالبة في الجامعة..كل هذا يجعل الامور ابسط مما تخيلت..
والقى بالورقة على المقعد المجاور له.. قبل ان ينطلق بسيارته ويقول وهو يبتسم بزاوية فمه: ها هو ذا اللقاء قد يتجدد بيننا يا غادة.. من قال ان القدر لم يضعك في طريقي عمدا؟..لتتغير حياتي قليلا.. ولأنسى ما اعانيه من آلام قليلا...
**********
صمت والد وعد طويلا بعد ان استمع الى طارق الذي انتهى من قول كل ما اراد قوله .. وانتظر تعليقا من والد وعد.. ولكن هذا الاخير ظل صامتا.. حتى ان طارق شعر بأن في الامر سر ما.. وقال متسائلا: ما الأمر يا سيد عادل؟.. لقد شرحت لك كل ظروفي.. واخبرتك اني امتلك منزل اسكن فيه انا واسرتي.. وبامكاني ان اوفر مسكن آخر ان اردت.. كما وان راتبي لا بأس به ابدا و...
قاطعه والد وعد قائلا بهدوء: ليس لدي ادنى اعتراض عليك يا بني..فأنت تبدوا لي منذ النظرة الاولى.. بأنك رجل بكل معنى الكلمة.. وانا أفخر لو كان لي ابن مثلك ولكن...
اذا في الامر سرا ما كما توقع..ولكن ماذا هناك؟ ..واسرع يتسائل بما خطر في ذهنه: اذ ما الامر يا سيد عادل؟..
قال والد وعد وهو يزفر بحدة: معذرة يا ولدي.. ولكن ..ولكني لا استطيع ان اقبل بزواجك من ابنتي..
وكأن صاعقة اصابت طارق..ووجد نفسه يقول بذهول: ولكن لماذا؟..
قال والد وعد بابتسامة باهتة: لو انك جئت قبل يومين لكان الامر مختلف.. كنت سآخذ رأي وعد على هذا الزواج.. وبعدها كنت سأوافق دون ادنى اعتراض .. ولكن الآن الامر قد اختلف..
قال طارق وهو يكور قبضته بقوة: اخبرني ما الامر؟ .. ما الذي يدعوك الى الرفض؟.. اخبرني بالله عليك..
حاول والد وعد ان ينطق هذه العبارة بهدوء ولكنها خرجت بالرغم منه متوترة وهو يقول: ان ابنتي مخطوبة..
تطلع له طارق غير مصدقا .. وقال بحدة : مخطوبة.. أي كلام هذا.. انها لا ترتدي أي خاتم للخطوبة.. كما وانها لم تتحدث عن أي امر يتعلق بهذه الخطوبة المزعومة..
عقد والد وعد حاجبيه وقال: ان وعد لا تعلم شيء عن امر هذه الخطبة.. انها بيني وبين عمها فقط..
قال طارق وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره في عصبية: هل لك ان توضح الامر قليلا لي؟..
- استمع الي يا استاذ طارق.. لقد جاء عم وعد لطلب يدها لابنه هشام قبل يومين.. وبما اننا دائما نرى هشام ووعد على وفاق وانهمامناسبان لبعضهما وخصوصا وانهما ابناء عم قد تلقيا التربية معا منذ الطفولة..ادركنا انهما سيوافقان على امر هذه الخطبة ولن يعارضاها.. لهذا فقد وعدت اخي بأن كل شيء سيتم كما يريد.. وان وعد ستتزوج هشام ابن عمها كما طلب..
قال طارق وعيناه متسعتان: ولكن هذا ظلم لكلا الطرفين .. فقد لا ترغب وعد بالزواج من هشام.. وقد لا يرغب هو بهذا الزواج..
قال والد وعد وهو يزفر بحدة: اخبرتك سابقا اننا على علم انهما لن يعارضا هذا الامر وانهما تقريبا موافقان.. خصوصا وان هشام ابن عمها قد لمح لوالده عدة مرات برغبته بالزواج من وعد..
عقد طارق حاجبيه وقال: وماذا عن وعد؟.. هل هي الاخرى لمحت بالموافقة على هذا الزواج..
- تقريبا .. اجل..
توتر جسد طارق ووجد والد وعد يردف:ان هشام شاب يصعب على أي فتاة ان ترفضه.. فهو مهندس ويمتلك راتبا ممتازا وذا شخصية مميزة ووسيم الطلعة.. ولا اظن ان وعد ترفض شاب كهذا.. الست معي في هذا؟..
تطلع طارق للحظات الى والد وعد ومن ثم قال ببرود:اجل.. من الصعب عليها ان ترفض شاب يتملك كل هذه الصفات.. وخصوصا وانه ابن عمها وهو احق بها..
واردف وهو ينهض من مكانه: اظن ان علي المغادرة الآن يا سيد عادل.. وتشرفت بالتعرف عليك..
قالها ومد يده مصافحا الى والد وعد.. الذي صافحه وقال بابتسامة باهتة: الفتيات كثيرات يا بني.. ستجد من تصلح لتكون شريكة لحياتك من بينهن..ولا تدع رفضي يؤثر عليك..
قال طارق بشحوب: صحيح يا سيد عادل.. الفتيات كثيرات .. ولكن واحدة منهن فقط هي وعد.. ولا اعتقد اني سأجد شريكة لحياتي كما تمنيتها..فقد خسرتها .. ومرتين..
تطلع له والد وعد وقال بهدوء: هل ابنتي تعني لك الكثير الى هذه الدرجة؟..
قال طارق وهو يجاهد لرسم ابتسامة على شفتيه: بأكثر مما تتصور..
- اعذرني يا بني.. هذا الامر ليس بيدي.. فلقد منحت عمها كلمة.. ووعدته بالموافقة على هذا الزواج..
هز طارق رأسه وقال: لا داعي للاعتذار.. فأنا اتفهم هذا الموقف..وربما كما قلت ستوافق وعد على ابن عمها.. ولن ترفضه..
قال والد وعد بابتسامة باهتة وهو يرى آثار الحزن وخيبة الامل جلية في عينيه: انت صحفي رائع.. وانا اقرأ معظم مقالاتك .. اكمل المشوار الذي بدأته.. ولا تتوقف امام أي عقبة ..مهما كانت ..
تنهد طارق وقال: حتى لو كانت هذه العقبة.. هي ضياع الحلم الذي سعيت لتحقيقه طويلا.. حتى لو كانت خسارة حلم حياتي بأكمله..
ربت والد وعد على كتفه وقال: انت لا تزال شابا يا بني.. والحياة ممتدة امامك..
تنهد طارق مرة اخرى وقال: عن اذنك الآن يا سيد عادل.. مع اني كنت اتمنى ان اناديك بلقب عماه..
تطلع والد وعد الى طارق الذي غادر غرفة المعيشة.. واتجه الى الباب الرئيسي ليغادر المنزل.. لكنه لم يلبث ان توقف حين سمع صوتها وهي تناديه قائلة: طارق.. توقف.. الى اين انت ذاهب؟..
قال بسخرية مريرة: لم يعد لبقائي أي داع..
قالت وعد بدهشة: ماذا تعني؟..انت لم تخبرني حتى بسبب قدومك الى هنا..
التفت لها وقال بنظرة رأت فيها وعد.. الألم والغضب في آن واحد: لماذا لم تخبريني من قبل بأنك مخطوبة؟..
مخطوبة..مخطوبة..هل يعنيني انا؟.. هل يمزح؟..متى تمت خطبتي؟.. لم يخطبني احدهم ابدا..ورأته يغادر المنزل وهو يغلق الباب خلفه في حدة.. وتجمدت قدما وعد وهي تتطلع الى النقطة التي اختفا فيها طارق..وعادت عبارته لتتردد في ذهنها .. لماذا لم تخبريني من قبل بأنك مخطوبة؟..ولكن.. ولكني.. لست مخطوبة.. لست كذلك ابدا.. ارجوك .. عد وافهمني بالامر كله يا طارق.. لا ترحل هكذا .. وتتركني في دوامة من الاسئلة والحيرة..ارجوك عد ...

جنــــون 11-23-2011 01:36 AM

*الجزء السابع والثلاثون*
(لماذا علي ان اعاني مرتين؟)

تجمدت قدما وعد في مكانها وهي غير قادرة على الحراك.. وقد تذكرت نظرة طارق اليها التي كانت تحمل كل الغضب والالم..لم كان ينظر اليها بتلك النظرة؟.. وما معنى عبارته الاخيرة؟.. هل اخبره والدها بشيء؟.. لو كان الامر كذلك.. فان والدها يعلم سبب ما قاله طارق قبل قليل..
اخذت تبحث بعيناها عن والدها في الردهة .. لكنها لم تجد أي أثر له.. ووجدت نفسها تتوجه بخطوات متثاقلة الى غرفة المعيشة.. وفتحت الباب بهدوء شديد وقالت بصوت مرتبك وهي تطل برأسها الى الداخل: ابي .. هل انت هنا؟..
جاءها صوته هادئا اقرب الى البرود وهو يقول: اجل يا وعد.. اتريدين شيئا ما؟..
تقدمت منه وعد وقالت: ابي .. لقد غادر الاستاذ طارق وهو يبدوا..متضايقا بعض الشيء.. فلم؟.. في ماذا تحدث اليك؟.. وماذا قلت له حتى يتضايق هكذا؟..
تطلع والدها اليها بنظرة حانقة وقال:هل هو تحقيق يا وعد؟..هل ستمارسين مهنتك علي؟..
اسرعت تهز رأسها نفيا وتقول: كلا.. ابدا يا والدي.. كل ما اردت معرفته هو سبب قدوم زميلي الى هنا.. وسبب تضايقه الى هذا الحد..
صمت والدها ولم يجبها .. فأسرعت تقول: ارجوك اخبرني يا والدي.. ان كان الامر يتعلق بي..
نهض والدها من مقعده وسار بضع خطوات وقال وهو يشبك اصابع كفيه خلف ظهره: انه كذلك بالفعل..
قالت وعد برجاء: ما الامر اذا يا والدي.. ما الذي اراده الاستاذ طارق بالمجيء الى هنا؟..
التفت لها والدها بغتة وقال: طلب يدك..
تطلعت له وعد ببلاهة وكأنها لم تفهم ما قاله.. وقالت متسائلة: ماذا؟.. طلب يدي انا؟..
اومأ والدها برأسه ايجابيا..فأحست وعد بالنشوة والسعادة ..واخذ قلبها يخفق في شدة.. ولكن كل هذا تلاشى بغتة وهي تتذكر عبارة طارق لها..ووجدت نفسها تقول بصوت مرتجف وكأنها تدرك الاجابة مسبقا: وهل.. اخبرته اني..مخطوبة؟..
تطلع لها والدها لوهلة ومن ثم قال: هل اخبرك هو بهذا الامر؟..
قالت وعد وهي غير مستوعبة لكل ما يحصل: لقد كان مغادرا المنزل ويبدوا عليه الضيق.. فاستوقفته وسألته عن سبب مغادرته هكذا..وبدل ان يجيبني سألني قائلا بسبب عدم اخباره اني مخطوبة من قبل..
واردفت وهي تتطلع الى والدها وغصة مرارة تملأ حلقها: هل انت من اخبره اني مخطوبة يا والدي؟..
تنهد والدها وقال: اجل.. انا من اخبره بذلك..
ارتجف قلب وعد في قوة وقالت بصوت اقرب الى البكاء: لماذا اخبرته بذلك يا والدي؟؟..لماذا؟؟..
رأت في عيني والدها نظرة حزينة وقال: لأنك كذلك بالفعل..
اتسعت عينا وعد ووجدت نفسها تقول بانفعال:ماذا تقول يا والدي؟.. انا مخطوبة؟.. أي قول هو هذا؟..
قال والدها بهدوء: اهدئي يا وعد..لا داعي لكل هذا الانفعال .. لقد جاء عمك قبل يومين وحدثني بشأن رغبته في ان تكوني زوجة لابنه ..
جلست وعد على اقرب مقعد لها وهي تشعر ان قدماها لم تعودا قادرتان على حملها وقالت بذهول:ماذا؟.. هشام؟..
استطرد والدها قائلا: لقد كنا نراكما دائما يا وعد.. نتمنى دوما ان نراكما معا الى الابد.. ولهذا كانت رغبتنا في زواجكما تكبر مع الايام..وهشام قد لمح لأخي عدة مرات برغبته في الزواج بك..ولقد شعرت انك لن ترفضي هشام.. فمن اين ستحصلين على شاب مثله؟.. ولهذا اخبرت اخي بموافقتي على طلبه..
رفعت وعد رأسها لوالدها وقالت بذهول: دون ان تأخذ رأيي حتى يا والدي..
قال والدها بابتسامة باهتة وهو يقترب منها ويضع كفه على كتفها: وعد يا صغيرتي..اخبرتك بأننا كنا نراكما دائما معا.. ونراكما سعداء وعلى وفاق.. ورأينا انه من المناسب ان نتوج علاقتكما بالزواج..
اطرقت وعد برأسها وقالت والدموع تترقرق في عينيها: ولكن يا والدي .. علاقتي بهشام لم تتعدى الاخوة.. كنت اراه دائما كشقيق لي والا لما رأيتني اتبسط معه في الحديث على هذا النحو..ان هشام اخي.. وانا لا استطيع الزواج به ..ارجوك افهمني يا والدي.. انا ابنتك الوحيدة.. هل تقبل ان اتزوج على هذا النحو؟..
قال والدها وهو يربت على كتفها: سأحاول ان اتحدث مع اخي في هذا الامر.. لكن لا استطيع ان اعدك بشيء الآن..
تطلعت اليه وفي عينيها نظرة رجاء..ومن ثم لم يلبث والدها ان قبل جبينها وقال بحنان: اصعدي الى غرفتك الآن يا وعد.. وسأتحدث مع عمك بالامر بعد قليل.. وسأخبرك بما سيحدث بيننا ..
تطلعت وعد الى والدها للحظات.. ومن ثم لم تلبث ان وقفت بتثاقل وسارت بخطوات بطيئة وغادرت غرفة المعيشة.. وترقرقت الدموع في عينيها بغتة وهي تشعر بتلك الغصة في حلقها.. لماذا؟.. لماذا الآن؟..عندما جاء طارق لخطبتها..لم يحصل كل هذا؟.. لم لا اشعر بالسعادة التي طالما تمنيتها وبحثت عنها؟.. لم؟؟..
واسرعت تصعد درجات السلم وهي تنطلق باتجاه غرفتها.. والدموع التي كانت تترقرق في عينيها منذ دقائق.. تغلبت عليها وسالت على وجنتيها في الم وحرقة..وما ان وصلت الى الغرفة حتى اغلقت الباب خلفها في قوة.. والقت بنفسها على فراشها ودموعها لا تتوقف عن الانهمار وصوت نحيبها يصل الى مسامع من بالخارج..واخذت تقول بأنين: لماذا الآن يا ابي؟.. لماذا تحطم حلمي وهذا الحب الذي نسج بين قلبينا؟..لقد رحل طارق دون ان يفهم الامر.. ودون ان يعلم اني قد رفضت هشام من قبل..واني لم ولن احب سواه..رحل وهو يظن اني مخطوبة لشخص آخر..
لم تجد امامها من حل سوى ان تتصل بطارق وتفهمه الامر كله .. اسرعت تلتقط هاتفها وتضغط رقم هاتفه المحمول.. وانتظرت سماع اجابته بعد الرنين المتواصل.. ولكن انقطع الخط دون أي اجابة..اعادت الاتصال عدة مرات.. وفي كل مرة لا تسمع سوى انقطاع الخط ..وقالت بألم وهي تتطلع الى هاتفها: لم لا تجيب يا طارق؟.. اعلم انك تشعر بالحزن لما حصل.. ولكني اقسم لم اكن اعلم بشيء.. والا لرفضت كل ما يحصل هنا..ولم اكن لأضعك في موقف كهذا..
مسحت دموع عينيها بأناملها وشردت بتفكيرها بعيدا وهي تفكر في حل لهذا الامر.. طارق يرفض الاجابة.. ووالدها وعدها بأن يرى الامر مع عمها.. ولكن هل سيتم حل هذه المشكلة بالفعل؟..تطلعت الى ما حولها بعيون دامعة .. وتوقفت بغتة عند آلة التصوير.. وهنا عقدت حاجباها باصرار وقالت: لن يحل هذه المشكلة الا صاحب الشأن وحده..
قالتها واخذت تضغط رقم ذلك الهاتف .. منتظرة الاجابة بلهفة...
**********
التقط هشام هاتفه وقال بابتسامة واسعة: يمكنني الآن ان اتحدث مع المتسرعة غادة..
ضغط رقم هاتفها..ولكن رنين هاتفه المستمر جعله يتوقف عن هذا..ويتطلع الى الرقم الذي يضيء على شاشة هاتفه بدهشة..واجاب قائلا: اهلا وعد.. ما الذي حدث لك؟.. فأنا اعلم انك لا تتصلين بي الا عندما تحدث مصيبة ما وتر...
قاطعته وعد قائلة بعصبية: ليس وقت مزاحك الآن يا هشام.. الامر اكبر من هذا..
قال هشام بهدوء: حسنا وما الذي حدث؟..
هدأت من عصبيتها قليلا ومن ثم قالت: والدك..
عقد حاجبيه وقال بتساؤل: ماذا به؟..
ترددت قليلا ولكنها لم تلبث ان حسمت امرها وقالت: لقد طلبني لأكون زوجة لك.. وابي قد وافق..
قال هشام بدهشة: ماذا تقولين؟..أأنت واثقة؟.. والدي لم يخبرني بأي شيء عن هذا الامر ابدا..
قالت وعد بألم: لو لم أكن واثقة من هذا الامر لما اتصلت بك.. ثم ان الامر كان بين والدي ووالدك فقط.. ولهذا لم يعلم به كلانا..
ابتسم هشام وقال بسخرية ليلطف الجو قليلا: هل الزواج بي يسبب كل هذا الحزن.. لا تقلقي يا ابنة عمي العزيزة سأكون طيبا معك و...
قالت وعد بصوت باكي: هشام لم لا تفهمني.. لا احد يستطيع حل هذه المشكلة سواك.. وانت لا تأبه بي.. ولا تفعل شيء سوى السخرية مني والتفكير في نفسك..
قال هشام بهدوء: انا يا وعد؟.. فليكن سأقبلها منك لأن اعصابك متوترة.. كل ما اردته ان الطف الجو قليلا..
اطرقت برأسها في الم وقالت: اريد حلا لهذه المشكلة يا هشام.. ارجوك افعل شيئا..
صمت هشام قليلا ومن ثم قال: فليكن يا ابنة عمي العزيزة.. سأحل الموضوع بنفسي.. ولا تقلقي.. اعتبري ان الموضوع انتهى منذ هذه اللحظة..
قالت وعد بشحوب: لو استطعت ان تنهي هذا الموضوع بالفعل يا هشام.. فلن انسى معروفك هذا ابدا..
ابتسم هشام ابتسامة باهتة وقال: انظري للقدر.. انا بنفسي من يمنع زواجي بك..ولكن اتعلمين لم افعل هذا؟.. لاني احبك.. وكما تقولين انت دائما من يحب يتمنى السعادة لحبيبته ..ولهذا فأريد ان اراك سعيدة دائما حتى لو كان هذا على حسابي انا ..
قالت وعد وهي تمسح دموعها: ولكن ما الذي ستفعله؟..
قال مبتسما: هذا امر لا يخصك.. فقط دعي الامر لي.. واذهبي لتغسلي وجهك.. وكفي عن بكاءك هذا..
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي وعد وقالت: حسنا.. الى اللقاء.. وافعل كل ما بوسعك..
قال بهدوء: الى اللقاء..
اغلق هشام الهاتف ومن ثم قال وهو يبتسم بسخرية: هيا يا هشام..افعل ما تطلبه منك.. وامنع زواجك منها بنفسك..
تنهد في حرارة قبل ان يخرج من غرفته ويتوجه نحو درجات السلم .. ليهبطها الى الطابق الاول.. وهناك شاهد فرح تتطلع الى احد الافلام بالتلفاز فسألها قائلا: اين والدي؟..
قالت دون ان تلتفت له: اظن انه بالمكتب..
سار مبتعدا عنها الى حيث غرفة المكتب.. ووقف في مواجهة الباب لثواني.. ليلتقط انفاسه ومن ثم يطرق الباب بهدوء ويدلف الى الداخل..وترك والده ما كان بيده وتطلع اليه قائلا: هشام..جيد انك جئت لوحدك.. فقد كنت ارغب في ان اتحدث اليك في موضوع يخصك..
قال هشام وهو يتفدم منه ويضع كفيه على الطاولة التي يجلس خلفها والده: وانا جئت لأحدثك في الموضوع نفسه يا والدي..
عقد والده حاجبيه وقال بتساؤل: وهل تعلم انت فيم اريد ان احدثك؟..
اومأ هشام برأسه وقال: بشأن وعد..أليس كذلك؟..
ابتسم والده وقال: وما رأيك؟.. لقد كنت اريدها ان تكون مفاجأة لك..
قال هشام وهو يشيح بوجهه قليلا: ابي.. انا لا اريد الزواج بوعد..
هتف فيه والده بحدة: ماذا؟.. اكنت تلمح لي طوال تلك الفترة بأن اخطبها لك من اجل ان تقول انك لا تريدها في النهاية؟.. اكنت تتسلى فحسب يا هشام؟..
هز هشام رأسه نفيا ومن ثم قال:لا.. فقبل ان تذهب انت الى عمي.. تحدثت مع وعد بشأن رغبتي بالزواج بها.. ولكنها ..رفضت ..
- ولم ترفضك؟..اتظن انها ستجد شابا افضل منك يصلح ليكون زوجا لها؟..
تنهد هشام وقال:لا يهم ان كانت ستجد ام لا.. المهم انها صارحتني بأني لست اكثر من اخ في حياتها.. وانا لا اقبل ان اتزوج من فتاة تراني اخاها فقط..
قال والده وهو يتطلع اليه: هشام يا ولدي.. انت لم تعد صغيرا.. انت في السابعة والعشرين من عمرك.. ولديك العمل والمال والمسكن.. لا ينقصك سوى زوجة تشاركك حياتك.. وانا لم ارى افضل من وعد لك..لهذا فمهما كانت مشاعرها لك قبل الزواج..فقد تتغير بعده..
قال هشام بحزم: على العكس يا والدي.. لو تزوجت من وعد وهي لا تحمل لي الا هذه المشاعر.. فهناك نسبة ضئيلة جدا في ان تتغير مشاعرها نحوي ..اما الامر الغالب حدوثه فهو ان تبقى مشاعرها كما هي ولا تتغير ابدا..
كلمات هشام التي خرجت من بين شفتيه ادهشته هو نفسه قبل ان تدهش والده.. كيف يقول هذا؟.. وهو الذي كان يرفضه بشدة.. ودائما ما يؤكد ان المشاعر من الممكن ان تتغير بعد الزواج..هل اصبح الآن يؤمن بطريقة تفكير وعد وفرح.. وبأنهما على حق في ما قالتاه..ام انه يبحث عن أي عذر يقدمه لوالده حتى يستطيع رفض هذا الزواج؟..
واردف قائلا وهو يتطلع الى والده: ابي سوف اذهب الى عمي لأخبره بأمر رفضي لزواجي من ابنته..
اتسعت عينا والده وقال بعصبية: ماذا تقول يا هشام؟؟.. ستذهب لعمك لتخبره انك لم تعد راغبا في ابنته..هل تريد ان تحرجني وتحرج نفسك امامه؟..
لوح هشام بكفه وقال: لن يحرج احد يا والدي.. فأنا متأكد ان والد وعد سيتفهم الموضوع.. وخصوصا عندما يعلم انك لم تستشرني قبل ان تذهب لخطبة وعد لي..
عقد والده حاجبيه وقال: وماذا عن اتفاقي معه؟.. وقرارنا الذي اتخذناه.. هل ستنهيه هكذا كما يحلو لك؟..
قال هشام بهدوء: ابي سأحل هذه المشكلة بنفسي.. فهي تخصني انا ووعد فقط..ولن يتعرض أي منكما للحرج.. اعدك بهذا.. والآن عن اذنك..
قالها واستدار في سرعة مغادرا المكتب.. واسرع والده يهتف به: هشام ..توقف..انتظر..
ولكن هشام لم ينتظر بل اسرع يغادر المنزل وينطلق بسيارته متجها الى منزل عمه.. في اقصى سرعة تمكن من السير بها في الشوارع العامة...
**********
قال عماد بابتسامة وهو يتحدث الى ليلى عن طريق الهاتف: كيف حالك اليوم؟.. وهل انهيت استعدادك للحفل؟..
قالت ليلى مبتسمة: مع هذا الموعد المبكر جدا.. لا اظن اني سأنتهي ابدا..
- انتبهي فلم يبقى لك سوى يوم واحد..
دست اصابعها بين خصلات شعرها وقالت: لا داعي ان تذكرني بهذا في كل مرة اتحدث اليك فيها وتوترني على هذا النحو..
قال عماد بمكر: ولم تتوترين؟..
زفرت بحدة وقالت: لأني اولا لم انهي جميع التجهيزات.. وثانيا اخشى ان لا اظهر بشكل لائق في الحفل.. وثالثا ان يوم كهذا من الطبيعي ان اتوتر فيه وانا ارى كل الانظار الموجهة لي..
هز عماد كتفيه وقال: تجهيزاتك يمكنك انهائها حتى بعد الحفل..وبالنسبة لك.. فأنت فاتنة بدون مساحيق تجميل فكيف بها..وستبهرين الجميع بجمالك وخصوصا انا.. اما عن الانظار الموجهة لك.. فستكون موجهة لي انا ايضا..
ارتسمت على شفتيها ابتسامة خجلة بعض الشيء وقالت:اتظن انك وجدت حلا لتوتري هكذا؟..
قال بثقة: بكل تأكيد..
ابتسمت بمرح وقالت: اجل فلابد ان تجد الحل لجميع المشكلات ..يا سيادة المدير ..
قال عماد في هدوء: دعي عنك المشكلات والمدير.. وتذكري اني خطيبك الآن..
قالت بمرح: ومن قال اني قد نسيت..
قال عماد مبتسما: سأعطيك ترقية استثنائية لو اخبرتني ما يبرهن على حبك لي اذا..
ضحكت ليلى وقالت: ما هذا الاستغلال؟.. خطأي اني قد وافقت على الزواج من رئيسي في العمل..
- انا انتظر..
- وستنتظر طويلا..
ضحك قائلا: يالك من قاسية.. الا تشفقين علي قبل يوم واحد من حفل خطوبتنا.. وتخبريني بمشاعرك..
هزت كتفيها وقالت: ولم افعل وانت تعرفها..
- يالك من فتاة..
قالت مبتسمة: حسنا ولكن كلمة واحدة فقط..
- وانا موافق..
صمتت قليلا ومن ثم قالت بهمس: اشعر بالنعاس..
- ليلى.. كفى مزاحا..
قالت مبتسمة: اليس الشعور بالنعاس هو مشاعر ايضا؟..
قال بسخرية: دعي هذا النوع من المشاعر لك..
- فليكن ولكن اهدئ اولا..
صمت قليلا ومن ثم قال: لقد هدأت.. تحدثي الآن يا ايتها الجميلة..
التقطت نفسا عميقا ومن ثم قالت بخجل: حسنا انا اشعر بالشوق اليك الآن بالفعل..
قال بخبث: هذا فقط ما تريدين قوله؟.. الا تريدين قول شيء آخر؟..
قالت بخبث بدورها: لا.. لا شيء.. وماذا عنك؟..
قال مبتسما بحنان: لدي الكثير من الحديث لأتحدث اليك فيه.. ولكن سأتركه للغد..
واردف بهدوء: والآن سأتركك لتنامي.. فأشعر ان صوتك متعب حقا..
- اخبرتك اني اشعر بالنعاس ولكنك لا تصدق..
- حسنا الى اللقاء اذا يا خطيبتي العزيزة..
- الى اللقاء يا سيادة المدير..
ابتسم عماد وهو يغلق الهاتف .. وشرد تفكيره بعيدا وهو يلقي بجسده على الفراش.. وظهرت صورة ليلى امام عينيه.. وسمع صوتها يعود ليدوي في اذنيه..وارتسمت ابتسامة حانية وهو يغلق عينيه قائلا : متى يأتي الغد يا ليلى؟..
وعاد عقله وقلبه ليسبحا بعيدا مع ليلى...
***********
مخطوبة...
الفتاة الوحيدة التي استطاعت اخراجي مما اعانيه من برود في المشاعر بعد ما حدث قبل ثماني سنوات..الفتاة الوحيدة التي اثارت اعجابي .. الفتاة الوحيدة التي امتلكت مشاعري كلها ..الفتاة الوحيدة التي احببتها بصدق وعاطفة ..بعد ان فقدت مايا ..الفتاة الوحيدة التي كنت مستعدا للارتباط بها مهما حدث..تكون في النهاية مخطوبة..
لماذا؟..لماذا علي ان اعاني فقدان من احب مرتين؟.. لماذا علي بعد ان فقدت مايا الى الابد اعاني من استحالة زواجي بوعد مرة اخرى؟..لماذا؟..الا يحق لي ان احيا في سعادة؟.. اليس من حقي ان اتزوج من احب لأحقق حلم حياتي؟.. لماذا يحدث لي كل هذا؟..لماذا؟..
لقد احببتها بصدق.. ومنحتها مشاعري كلها.. اقسم على هذا .. لقد كنت ارى الامل في عينيها كلما نظرت اليها .. كانت تمنحني دائما الامل بأن حلمي سيتحقق ذات يوم وسأتزوجها.. ولكن...
سحقا.. سحقا لكل شيء.. في كل مرة امنح قلبي لفتاة ما.. اراها تبتعد تاركة اياي.. واجد نفسي وحيدا بعد ان فقدتها..في كل مرة يحدث هذا.. لقد تركتني مايا من قبل.. وهاهي ذي وعد تفعل المثل.. هل علي ان اشعر بنفس الالم والمرارة مرتين في حياتي؟..
تطلع طارق الى الهاتف الذي توقف عن الرنين منذ دقائق وقال بألم: وعد ارجوك توقفي عن الاتصال بي.. انت لا تعلمين انك تقتليني بهذا.. وتجعليني اتألم قبل ان تتألمي انت نفسك..
ربما انا لا استحق ان احيا في سعادة كالآخرين.. ربما كانت السعادة حلما مستحيلا لا يمكنني تحقيقه ابدا.. او ربما احققه في العالم الآخر فقط.. ولكني.. اتمنى شيئا واحدا فقط الآن..اتمنى ان...
ارتسمت ابتسامة ساخرة بغتة على شفتيه وقال: لقد تمنيت هذا من قبل يا طارق.. ولكن لا تحلم كثيرا بالحصول على كل ما تريد.. فأحلامك لا تتحقق ابدا.. بل تنتهي بفقدانها الى الابد.. حتى لو كانت امنيتك هي.. الموت...
***********
تطلع والد وعد الى هشام الذي يقف امامه في الردهة وقال بدهشة: هشام .. ما الذي جاء بك الى هنا؟..
قال هشام بهدوء شديد: جئت حتى اوقف ما يحصل..
- ما الذي تعنيه؟..
قال هشام دون مقدمات: انا ارقض الزواج بوعد..
اتسعت عينا والد وعد وقال: ماذا؟..
قال هشام وهو يهز كتفيه: انت ووالدي فقط اتخذتما هذا القرار .. دون ان تسألاني انا او وعد..ولهذا فمن حقي ان ارفض هذا الزواج الذي لا نقبل به كلانا..
عقد والد وعد حاجبيه ومن ثم قال: ولكن والدك يقول انك انت من لمح مرارا وتكرارابانك ترغب في الزواج من ابنتي ..
عقد هشام ساعديه امام صدره ومن ثم قال: ابي فهم تلميحي بشكل خاطئ.. لقد لمحت له بأني ارغب في الزواج.. ولكن ليس من وعد..
تطلع له والد وعد بنظرة حازمة ومن ثم قال: وماذا عن والدك؟..
- لقد تفاهمت معه في هذا الامر.. واخبرته ان وعد لا تعتبرني اكثر من اخ لها..ولهذا فأنا قد جئت الى هنا حتى انهي هذا الامر معك..
واردف برجاء: ارجوك يا عمي.. عليك ان تقدر مشاعر وعد..ان زواجها بي قد يألمها ولن يسعدها مطلقا..
تطلع له والد وعد بنظرة غامضة ومن ثم قال: اذا هكذا هو الامر..
واردف وشبح ابتسامة يرتسم على شفتيه:انت لمحت للزواج من ابنتي بالفعل.. ولكن وعد قد رفضت هذا الزواج لانها تعتبرك اخ لها.. اليس كذلك؟..
تطلع له هشام بدهشة ومن ثم قال وهو يزفر بحدة: بلى ..هذا ما حدث..
ارتسمت في هذه المرة ابتسامة على شفتي والد وعد وقال: غريب منك ان تسعى لرفض هذا الزواج اذا..
تنهد هشام وقال بشرود: لا يهمني شيء.. سوى ان ارى وعد سعيدة..
قال والد وعد بهدوء: انت تعلم اني اعتبرك انت وفرح منذ ان كنتما صغارا ابنائي.. ولهذا فأنا اوافق على أي قرار اتخذته انت ووعد..لانكما ابناي وسعادتكما تهمني قبل أي شيء.. وقد كنت سأتحدث مع والدك في هذا الموضوع.. لولا قدومك الى هنا..
تنهد هشام بارتياح ومن ثم قال: اذا فأنت ترفض هذا الزواج ايضا..
- أي قرار يسبب لك او لوعد الحزن والالم ارفضه بشدة..
قال هشام بتردد: واين هي وعد الآن؟..
اشار والد وعد الى الطابق الاعلى ومن ثم قال: انها لم تهبط من غرفتها منذ ان علمت بالامر..
قال هشام متسائلا وهو يشيح بنظراته: هل يمكنني ان اراها واتحدث اليها؟.. فربما اذا علمت ان الموضوع قد انتهى.. تخرج من عزلتها هذه..
استدار عنه والد وعد وقال وهو يغادر المكان: يمكنك هذا..
ابتسم هشام وقال بسعادة: اشكرك يا عمي على ثقتك هذه ..
التفت له والد وعد وقال مبتسما: انت ابني يا هشام.. الم تدرك هذا بعد؟..
التمعت نظرة السعادة في عيني هشام.. واسرع يصعد السلالم متوجها الى غرفة وعد..وما ان وقف امام بابها.. حتى ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه وهو يطرق الباب قائلا: وعد.. ايتها البلهاء افتحي الباب..انا هشام..
رفعت وعد رأسها بحدة عن الفراش.. وقالت بدهشة: هشام..
اسرعت تمسح دموعها وقالت بصوت لم تخف منه رنة البكاء بعد: ماذا تريد يا هشام؟..
ثال مبتسما: سأقول ان فتحت الباب فقط..
سمع صوتها من خلف الباب يأتيه مبحوحا وهي تقول: لم تتغير ابدا يا هشام.. لا تزال قادراعلى اقناعي ..
ووجدها تفتح الباب بهدوء ومن ثم تقول : والآن ماذا تريد؟..
تتطلع هشام الى وجهها في حنان ومن ثم قال: وعد..
رفعت رأسها اليه وتطلعت اليه في رجاء ..منتظرة ان يخبرها عن محاولته في انهاء امر الزواج هذا.. وان كانت قد نجح في ذلك ام لا...

جنــــون 11-23-2011 01:37 AM

*الجزء الثامن والثلاثون*
(هل سيحضر؟)

وجدها هشام تفتح الباب بهدوء ومن ثم تقول : والآن ماذا تريد؟..
تطلع هشام الى وجهها في حنان ومن ثم قال: وعد..
رفعت رأسها اليه وتطلعت اليه ..منتظرة ان يخبرها عن محاولته في انهاء امر الزواج هذا.. وان كانت قد نجح في ام لا...
فقال هشام مردفا بهمس: وعد..لم كل هذا البكاء؟.. لا شيء في هذه الدنيا يستحق دمعة واحدة من عينيك.. صدقيني .. لا شيء ..
اسرعت وعد تقول : هشام .. دعك مني.. واخبرني بما حصل .. اخبرني هل انتهى الامر.. ام انك لم تستطع اقناعهما بانهاء هذا الزواج الذي يرفضه كلانا..
ابتسم هشام بسخرية وقال وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره: يرفضه كلانا؟..كلا انت مخطأة يا وعد.. انت من يرفضه وحدك..
تراجعت وعد خطوة للوراء وقالت: هشام.. الم تقنعهما بأن يتراجعا عن قرارهما الذي اتخذاه بنفسيهما دون استشارتنا حتى؟..
هز هشام راسه نفيا ومن ثم قال: ولم افعل؟..
قالت وعد كالمصعوقة: لم تفعل؟.. الا تعلم لم؟.. لأني لا ارغب بهذا الزواج..
قال هشام بحزم: ولكني انا ارغب بأن يتم هذا الزواج..
قالت وعد وهي تضع كفها اما شفتيها: هشام .. انت.. انت...
امسك هشام بمعصمها بغتة ومن ثم قال: اجل انا لم افعل شيئا مما قلته..
قالت وعد بصوت اقرب الى البكاء: قل انك تمزح..
قال هشام بسخرية: اتحبينه الى هذه الدرجة؟.. الست قادرة على الزواج بغيره حتى؟..
قالت وعد بتوتر: هشام ما الذي تقوله؟..
جذبها من معصمها ومن ثم قال بصرامة: تعالي معي..
- الى اين؟..
قال في هدوء: سنتحدث قليلا..
رأته يتجه الى الردهة العلوية ومن ثم يجلس على احد المقاعد.. فجلست بدورها قائلة وتوترها يتضاعف: ماذا تريد ان تقول؟..
ابتسم ابتسامة غامضة ومن ثم قال: لقد...انتهى الامر..
تسائلت قائلة بدهشة: ماذا تعني؟..
تطلع لها وقال بابتسامة: انت حرة منذ الآن ويمكنك الزواج بما تشائين..
قالت وعد بارتباك وهي غير قادرة على الاستيعاب: وما قلته قبل قليل..ماذا كان؟..
اسند رأسه لمسند المقعد ومن ثم قال: مجرد مسرحية للتلاعب باعصابك..
اتسعت عيناها ومن ثم قالت : ماذا تقول؟..
ضحك بسخرية ومن ثم قال: ليتك رأيت وجهك حينها .. كنت موشكة على البكاء..
ركلت وعد ساقه بقوة وقالت بغضب: ايها السخيف.. لقد كاد قلبي ان يتوقف..
امسك بخصلات من شعرها بغتة وشدها بقوة قائلا: اياك وان تتمادي بضربي مرة اخرى.. والا انا بنفسي سأنزل الآن الى والدك.. واطلب يدك منه..
ابتسمت وهي تشعر بالألم من امساكه لشعرها: ومن سيدعك تفعل هذا؟..
ترك شعرها ومن ثم قال بهدوء: المهم اني قد وفيت بوعدي واووقفت هذا القرار.. واجبرت والدك ووالدي على ان يتراجعا عنه..
قالت وعد وهي تتطلع اليه: لست استغرب هذا.. ممن لديه وسيلة غريبة في الاقناع..
اغمض هشام عينيه وقال: لقد نجحت هذه الوسيلة مع الجميع يا وعد..وكل من رغبت في اقناعهم بأمر اريده..
واردف وهو يفتح عينيه ويتطلع اليها: فيما عداك انت..لقد فشلت في اقناعك بالموافقة على الزواج مني..
قالت وعد بشرود: ربما لان المشاعر هي اقوى ما يمتلك الانسان وليست هناك أي قوة في العالم تستطيع تغييرها..
- ربما معك حق في هذا.. فأنا لست قادرا على ان انسى مشاعري تجاهك بعد كل هذا الوقت.. وبعد ان رفضتيني بنفسك.. ولازلت تحاولين بكل قوة على ان لا يتم زواجك بي ابدا..
قالت وعد وهي تشير الى نفسها: صدقني يا هشام انا لا استحقك .. انت لا تستحق فتاة مثلي تراك اخاها.. بل تستحق فتاة تراك كفارس احلامها.. انت تستحق من هي افضل مني بكثير ..
واردفت بابتسامة باهتة: هشام..هل تذكر عندما طلبت مني فرح ان اتمنى امنية في عيد ميلادي..اتعلم ماذا تمنيت حينها؟..
التفت لها فأردفت قائلة: لقد تمنيت حينها ان تنساني.. وتجد فتاة تحبك بحق..لأني لم ارد لك ان تتألم بسببي..
رفع هشام حاجبيه بغرابة ومن ثم قال وهو يسند رأسه لمسند المقعد: يبدوا ان جزء من امنيتك قد تحقق..
واردف قائلا بابتسامة: هناك فتاة حقا..
ابتسمت وعد وقالت بلهفة: ومن هي؟.. وكيف التقيت بها؟..
قال مبتسما: لست اعرف عنها سوى القليل جدا.. اما كيف عرفتها فلقد صدمت سيارتي..
قالت وعد بدهشة: ماذا؟..
قال في هدوء:ولكن مشاعري نحوها لا تتعدى الاعجاب بشخصها.. ولكن من يدري ربما تتحقق امنيتك ذات يوم ..
قالت وعد متسائلة: وماذا عنها هي؟..
هز هشام كتفيه وقال: لا اعلم ..ولكني اشعر بأنها ربما تكون تحمل لي القليل من الاعجاب..
ابتسمت وعد وقالت: هذا جيد اذا..
قال هشام فجأة وهو يلتفت لها: وعد.. الن تخبريني من يكون؟..
تنهدت وقالت: فليكن يا هشام.. انت فعلت الكثير من اجلي.. وانهيت امر الزواج هذا اليوم.. لهذا سأخبرك ..انه ..زميل لي بالصحيفة ..
تطلع لها هشام ومن ثم قال: لقد كنت اتوقع هذا.. ولكن ايهما؟..طارق ام احمد؟..
قالت في دهشة: اتعرفهما؟..
ابتسم وقال: لقد زرت الصحيفة مرتين.. وسألت هناك عن كل من يشاركونك القسم..وعرفت اشياء كثيرة عنهم..
قالت وعد بحنق: هل كنت تتجسس علي؟..
غمز بعينه وقال: بل اطمئن فقط..
تنهدت وقالت: يالك من شاب..
قال في سرعة: لا تغيري الموضوع.. واخبريني .. ايهما؟..
ازدردت لعابها وقالت: حسنا انه.. طارق..
تطلع لها لفترة ومن ثم التفت عنها وقال: لقد سمعت انه يلقب بالجليد المتحرك.. لبرودة تعامله مع الجميع..لطوال فترة عمله بالصحيفة.. ولكنه مع هذا صحفي ممتاز..
قالت وعد بهدوء: ولكنه لم يعد يعامل الجميع ببرود .. لقد تغير..
ابتسم هشام بخبث وقال: منذ ان رآك .. اليس كذلك؟..
تلعثمت ولم تستطع الاجابة فقال هشام مردفا: لا يهم يا وعد.. ما يهمني الآن هو ان اراك سعيدة فقط.. حتى وان كانت سعادتك هذه مع سواي..
**********
نهض طارق من فراشه بتثاقل وهو بالكاد يفتح عينيه..شعر بصداع حاد يكتنف رأسه بغتة وعرف السبب..انه لم ينم الليلة الماضية الا قبيل الفجر.. فمن الطبيعي ان يشعر بهذا الصداع وهو ينهض من نومه في ساعة مبكرة كهذه..
امسك برأسه في الم وغمغم قائلا بغضب: لماذا انا بالذات الذي عليه ان يعاني مرتين؟..لماذا؟..
تذكر قبل ثماني سنوات.. عندما فارقت مايا الحياة امام عينيه.. يومها ظل متسمرا في مكانه ولم يتحرك من جوار فراشها.. حتى ارغمه عدد من الاطباء على الخروج من غرفتها.. ولكنه مع هذا غادر بعدها المشفى بهدوء شديد وقلبه يحمل اكبر معنى للحزن.. وتوجه الى منزله ليعاني وحده هناك.. يعاني فقدانه لمايا الى الابد.. انعزل عن الناس لفترة زادت على الشهر حتى اكتسب شخصه ذلك البرود الشديد في التعامل مع الناس..واصبح يتحاشى الناس وعلاقاته معهم .. ربما لان عقله الباطن كان يرفض تلك العلاقات خشية ان يفقد شخص عزيز عليه من جديد..
ولكن وعد غيرت كل هذا.. وحطمت كل القواعد التي وضعها له.. جعلته يبتسم ويضحك من جديد.. جعلته يتمنى ان يعرفها عن قرب ويكتشف شخصيتها.. تمنى ان تعجب به كما اعجب هو بها.. لقد جعلته يتخطى ذلك الخط الذي وضعه لنفسه.. ويتعلق بها.. لا بل احبها وعشقها.. والآن هاهي ذي تثبت له انه لم يكن عليه من البداية ان يتبع مشاعره واول خفقة قلب له تجاهها..كان عليه ان يتجاهل كل شيء .. ويقتل مشاعره.. حتى لا يكون الآن في مثل هذا الموقف.. ويعاني مجددا..
وتنهد بمرارة وهو ويشعر بالالم يعتصر قلبه..التقط هاتفه الذي اغلقه منذ الامس حتى لا يضعف ويجيب على أي من مكالمات وعد..يريد ان ينساها.. او يبعدها عن حياته على الاقل.. حتى تبدأ هي حياتها كما تشاء.. ويغادر هو حياتها الى الابد..
سار بتثاقل الى دورة المياه.. وغسل وجهه في سرعة وهو يهمس قائلا بألم: ليت .. ليت هذا مجرد حلم.. استيقظ منه.. واجد ان وعد لازالت حرة وقد تكون لي يوما.. ليت هذا ممكن..
اسرع يستعد للذهاب الى الصحيفة وكأنه يريد ان يفارق هذا المكان الذي قضى فيه بالامس اسوأ ايام حياته بأسرع وقت ممكن..وغادر المنزل ببرود كبروده السابق.. لينطلق بسيارته الى مبنى الصحيفة..وهناك صعد بالمصعد الى الطابق الثاني ليدلف الى قسم الصفحة الرئيسية دون ان يلقي التحية على أي من المتواجدين بالقسم.. ولكنه اختلس تظرة سريعة الى مكتب وعد.. الذي كان فارغا.. وواصل سيره ليجلس خلف مكتبه..وهناك التقط مجموعة من الاوراق التي لم ينهي كتابتها بالامس وواصل كتابتها وكأن لا شيء يهمه على الاطلاق..
وعلى الجانب الآخر..تطلع له احمد بغرابة ومن تصرفه الغريب هذا وخصوصا وانه لم يلقي عليهم التحية حتى.. والتفت الى نادية التي هزت رأسها في قلة حيلة.. والتفت احمد الى مكتب وعد..وقال بصوت مرتفع بعض الشيءوهو يريد ان يرى تأثير ما سيقوله على طارق: صحيح.. لقد تأخرت الآنسة وعد بالمجيء الى هنا على غير عادتها.. ما الامر؟..
رفع طارق رأسه بهدوء الى احمد لكنه لم يلبث ان عاد ليواصل علمه..في حين قالت نادية بحيرة: احقا لا تعرف ان وعد قد اخذت اجازة هذا اليوم يا استاذ احمد؟..
قال احمد وهو يهز رأسه نفيا: لا لست اعلم ذلك..لم أخذت هذه الاجازة؟..
قالت نادية مبتسمة: اليوم حفل خطبة ابن خالها..وقد اخذت هذه الاجازة لكي تستعد لهذا الحفل لانها لم تمتلك الوقت الكافي للاستعداد ..
قال احمد متسائلا: لكنها لم تدعوا أي منا لهذا الحفل ..فلم؟ ..
قالت نادية بهدوء: كما تعلم فهذا الحفل عائلي فحسب وهو لأفراد عائلتهم فقط..كما وان بطاقات الدعوة ليست ملكا لها بل لابن خالها وهو بالتأكيد قد منحها عددا بسيطا جدا لتوزيعه على اقاربهم.. ولا اظن ان هناك ما يكفي لنا ايضا..لهذا فوعد ليس لها أي ذنب في عدم دعوتك الى هناك..
عقد احمد ساعديه امام صدره وقال: ولكني كنت ارغب حقا في الذهاب الى الحفل..
- ولم؟..
قال احمد وهو يهز كتفيه: هكذا فقط..
وتطلع طارق لهم بهدوء شديد حتى لم يبدوا عليه انه قد شرد بذهنه الى الوراء قليلا وقبل يومين من الآن...

(لقد تبقيت معي واحدة اضافية)..
رفع طارق رأسه الى وعد التي كانت تجلس امامه في تلك الكافتيريا بمبنى الصحيفة وقال بحيرة: ماذا تعنين؟..ما هو الشيء الذي تبقى معك؟..
ابتسمت وعد وقالت: بطاقة دعوة لحفل خطبة ابن خالي..لقد منحني خمس دعوات لأقوم بتوزيعها على اقربائنا.. وبقيت واحدة اضافية لأن احدهم لن يحضر..
قال طارق مبتسما: امنحيها لاحدى صديقاتك اذا..
هزت وعد رأسها نفيا وقالت: انه حفل عائلي وللمقربين منا فقط.. لهذا...
بترت عبارتها بغتة فتطلع لها طارق وقال: انا لا افهمك ما الخطأ ان منحت احدى صديقاتك..اليست من المقربين لك؟..
اردفت وعد وكأنها لم تسمعه وهي تخرج بطاقة الدعوة وتضعه امامه على الطاولة: لهذا سأمنحها لك..
قال طارق بدهشة: انا؟.. ولم انا بالذات؟..
ابتسمت وعد ابتسامة رقيقة وقالت: لاني اتمنى ان تحضر الى الحفل..فهل ستفعل؟..
اومأ طارق برأسه ايجابيا وقال مبتسما: بالتأكيد سأفعل..من اجلك فقط..

عاد طارق الى عالم الواقع وزفر بحرارة وهو يشعر ان آلامه كلها انطلقت مع هذه الزفرة..ورفع رأسه بهدوء شديد الى أحمد وقال: اتريد الذهاب الى ذلك الحفل حقا؟..
قال احمد وهو يشعر بالغرابة من سؤال طارق: ماذا تقول؟..
قال طارق ببرود: قلت اتريد ان تذهب الى ذلك الحفل؟..
اومأ احمد برأسه وقال: بلى.. ولكن كيف سأستطيع الذهاب من دون بطاقة دعـ...
قبل ان يكمل عبارته القى طارق ببطاقة الدعوة اليه لتسقط على مكتب وعد..وتستقر فوقه..فقال احمد بدهشة: ألديك بطاقة دعوة؟..
- ما رأيك انت؟..
قال احمد متسائلا: وكيف حصلت عليها؟..
مط طارق شفتيه دون ان يجيب..فقال احمد مردفا وهو ينهض من خلف مكتبه ويلتقط بطاقة الدعوة: وانت الا تريد الذهاب؟ ..
قال طارق باقتضاب: لا..
التفت له احمد وقال مبتسما بخبث: احقا لا تريد الذهاب على الرغم من ان وعد قد دعتك بنفسها؟..
قال طارق ببرود: قلت لا.. هل لديك مشكلة في السمع؟..
تطلع له احمد باستغراب..اولا دعوة وعد له والتي يرفض قبولها .. على الرغم من ان وعد ستكون هناك.. كما وانه كان يشعر بالضيق عندما كنت انطق اسم وعد مجردا من اية القاب.. فما السبب الآن؟.. وكأنه لم يهتم حتى.. هل تشاجرا ام ماذا؟..
هز احمد كتفيه وقال: هذا شأنك.. سأذهب انا عوضا عنك .. ولكن اشك انك لن تذهب الى الحفل حقا ..وخصوصا ان وعد ستكون هناك ..
التفت عنه احمد ليعاود الجلوس خلف مكتبه.. ولكنه توقف بغتة وقال: دعني اقول لك كلمة اخيرة قبل هذا ..مهما حدث .. فلا تستسلم بسهولة.. وتترك حلمك يضيع من بين يديك..لا تتخلى عنه وتهرب .. بل واجه الواقع وقاتل من اجل تحقيقه.. لانه ...
بتر احمد عبارته..والتفت الى طارق ليردف بحزم: لانه حلم حياتك..
تطلع له طارق بصمت وقال متحدثا الى نفسه: اتخلى عنه؟..لا يا احمد.. لست انا من يتخلى عن احلامي.. بل احلامي هي التي تتخلى عني .. لتتركني اعاني وحدي دون السبيل الى تحقيقها .. مجرد امنيات واحلام احاول تحقيقها ولا تكون في النهاية سوى اوهاما وخيالات.. لأن الواقع يختلف.. وهاهو ذا حلمي يتحطم امام هذا الواقع لمرة ثانية...
********
(تبدين شاحبة..ما الامر؟)
نطقت فرح هذه العبارة وهي تتطلع الى وعد التي احتلت احدى الطاولات مع الاولى في حفل الخطبة.. وقالت وعد وهي تهز رأسها: لا شيء.. فقط انا اشعر بالتعب قليلا لاني لم انم جيدا ليلة البارحة..
- ولم؟..
- انه الارق لا اكثر.. لا تقلقي نفسك..
قالت فرح وهي تمنحها مرآتها الصغيرة: خذي.. انظري الى وجهك.. ثم اطلبي الي ان لا اقلق..ان شحوبك هذا يدل على انك لم تذوقي طعم النوم بالامس ابدا..
شردت وعد وتحدثت الى نفسها قائلة: طارق لم لم تجب على مكالماتي او حتى رسائلي؟.. لماذا تفعل هذا بي وبنفسك؟ .. لو قرأت رسائلي فحسب لعلمت ان كل شيء قد انتهى.. ويمكننا الآن ان...
قاطعت فرح افكارها قائلة: انظري الى نفسك ايضا.. دائمة الشرود هذا اليوم.. انت لست وعد التي اعرف..
ابتسمت وعد بخفوت وقالت متصنعة المرح: وهل يمكن لفتاة اخرى مثلا ان تتنكر بملامحي؟..
قالت فرح بجدية: وعد انا لا امزح.. انت لا تبدين بخير.. اخبريني ما الامر؟..
اطرقت وعد برأسها في صمت .. وكادت فرح ان تهم بقول شيء آخر لولا ان ارتفع صوت رنين هاتفها المحمول.. فالتقطته واجابت قائلا: اهلا.. كيف حالك؟..اين انتما الآن؟.. لقد تأخرتما.. حسنا حسنا سأخبرها..الى اللقاء..
انهت فرح المكالمة فسألتها وعد قائلة: من كان المتصل؟..
اجابتها فرح قائلة: لقد كان هشام.. يقول انه هو وعماد بالطريق الى هنا..
قالت وعد وهي توفر بحدة: لقد تأخرا بالمجيء الى هنا..
اومأت فرح برأسها وقالت: بلى هذا صحيح..وقال ان السبب في هذا التأخير هو عماد.. فقد اراد ان يعود الى منزله فجأة ليجلب شيء قد نسيه من هناك..
واردفت فرح قائلة: وبالمناسبة هو ينتظرك عند باب الرئيسي للصالة..
قالت وعد بحيرة: من تعنين؟..
قالت فرح مبتسمة: شقيقي بالتأكيد..
- ماذا يريد؟..
هزت فرح رأسها وقالت: لست اعلم.. لم يخبرني بشيء..
نهضت وعد من مكانها وقالت: حسنا سأذهب اليه..
سارت بين الطاولات بهدوء وتوجهت الى حيث الباب الرئيسي حيث رأت هشام واقفا وهو يسند ظهره للجدار.. فنادته قائلة: هشام..
اسرع يتجه نحوها فأردفت: ماذا كنت تريد؟..
منحها هاتفه وقال: خذي امنحيه لليلى فعماد سيتصل بعد قليل بها ويرغب في ان يتحدث اليها في امر ما..
قالت وعد بملل: ولماذا علي انا ان اقوم بهذا؟.. لماذا لم تطلب من فرح ذلك؟..
قال مبتسما: اردت ان اتعبك قليلا..
قالت بحنق: ثم لماذا لم يتصل هشام على هاتفي او هاتف فرح مباشرة؟..
- يمكنك سؤاله عن هذا..
مطت شفتيها وقالت: حسنا هل هناك أي شيء آخر؟..
اومأ برأسه وقال: اجل..
- ماذا هناك ايضا؟..
مال نحوها وقال بهمس: تبدين فاتنة هذا اليوم..
ابتسمت وهزت رأسها قائلة: يالك من شاب .. ألن تكف عن هذا؟..
- عن ماذا بالضبط؟..
رفعت رأسها اليه وقالت: السخرية مني..
قال مبتسما: ومن قال اني اسخر منك.. انها الحقيقة..
- لا اظن انك قد امتحدتني في يوم الا على سبيل السخرية..
غمز بعينه وقال: في هذه المرة الامر يختلف.. لأنك تبدين فاتنة بالفعل..
قالت بمرح: لو كان ما تقوله ليس سخرية.. فأشكرك على مجاملتك..
واستدارت عنه.. فأسرع يقول: انتظري للحظة..
قالت وعد وهي تبتعد: عن اذنك يا هشام.. سأوصل الهاتف الى ليلى..
زفر هشام بحدة وهو يراها تبتعد متوجهة الى ليلى.. وما ان وصلت الى حيث تجلس هذه الاخيرة حتى قالت مبتسمة: يبدوا انه لا يستطيع الانتظار لسماع صوتك..
قالت ليلى متسائلة: من تعنين؟..
سلمتها وعد الهاتف وقالت: ومن غيره.. العريس بكل تأكيد.. سيتصل بعد قليل للحديث معك..
قالت ليلى بحيرة: وهذا هاتف من؟..
-انه لابن عمي هشام.. خذي وقتك.. فلا اظن انه سيهتم بالهاتف الى هذه الدرجة..
ابتسمت ليلى بخفوت.. في حين ابتعدت وعد عن المكان لتأخذ ليلى حريتها في التحدث الى عندما يتصل..ولم تمضي دقائق حتى ارتفع رنين الهاتف.. فأجابته ليلى وقالت مبتسمة: اهلا عماد..
قال عماد بحنان: اشتقت اليك كثيرا..
قالت بابتسامة: بالامس فقط كنا معا..
واردفت متسائلة: ولكن لماذا تأخرت؟..
قال مبتسما: لا تغضبي لذلك.. ولكني قد نسيت شيء بالمنزل وعدت لأخذه..
قالت في حيرة: وما الذي يدعوك للاتصال بي الآن؟.. لم لا تدخل على الفور؟..
- اردت ان اقول لك شيء قبل دخولي..
صمتت لتترك له مجالا ليردف: اردت ان اقول اني احبك .. احبك بصدق.. وسأظل احبك الى الابد..
صمتت ليلى بخجل .. ومن ثم قالت بعد برهة من الصمت: وانا كذلك..
قال عماد بهمس: هذا ما اردت قوله ومعرفته منك.. والآن الى اللقاء.. فأنا اقف امام الباب الرئيسي للصالة..
اومأت برأسها وقالت: حسنا.. الى اللقاء..
انهت مكالمتها وبغتة انقطعت الموسيقى عن العزف.. واتجهت الاضواء الى ذلك الباب.. ليفتح رويداً رويدا..ويطل واقفا خلفه عماد بزيه الرسمي الانيق والفاخر.. ليبدوا في اشد وسامته.. وبجانبه هشام الذي رسم على شفتيه ابتسامة لا مبالية.. ووضع كفيه في جيبي سترته..وان كان يبدوا اكثر وسامة من عماد نفسه بحلته الفاخرة..
وسار عماد ببطء الى حيث ذلك المسرح الذي كان على شكل مقعدين تلتف حوله الغصون واوراق الأشجار ..ويتوسطهما طاولة على شكل نافورة مياه.. وعلى جانبي المقعدين استقر تماثلين صغيرين من العصافير.. فبدى المسرح وكأنه جزء من حديقة صغيرة..
واتسعت ابتسامة عماد عندما وصل الى حيث تجلس ليلى.. فمد لها كفه وقالبصوت خفيض: مبارك..
صافحته قائلة بخجل: اشكرك..
مال نحوها ليطبع قبلة حانية على جبينها وهمس بحب: تبدين فاتنة ..
ازدردت لعابها وقالت وهي تشعر بالتوتر والخجل: وانت تبدوا وسيما كذلك ..
جلس على المقعد المجاور لها وقال: عذرا على تأخري..
اطرقت برأسها وقالت: لم يحدث شيء..
( بل حدث.. لقد اقلقت ليلى عليك يا عماد)..
التفت عماد الى فرح ناطقة العبارة السابقة والتي سارت وعد الى جوارها..وقال الاول بابتسامة:عذرا يا آنسات.. فقد عدت الى المنزل لآخذ شيء قد نسيته..
همت وعد بقول شيء ما ولكن وجدت عماد يتطلع لها ويقول باهتمام: تبدين شاحبة الوجه يا وعد؟.. ما الامر؟..
رسمت وعد على شفتيها ابتسامة وقالت: ابدا لا شيء .. ولكني لم انم جيدا ليلة امس..
تطلعت ليلى الى عماد في ضيق لاهتمامه بوعد.. في حين ابتسم فرح وقالت: على العموم قد جئنا هنا للمباركة ولتهنئتكما..واخبرك منذ الآن ان ليلى هي شقيقتنا الثالثة..
اومأ عماد برأسه وقال وهو يلتفت الى ليلى: بكل تأكيد..
بينما التفتت فرح الى وعد وقالت: هيا يا وعد..
اسرعت ليلى تقول: الهاتف..
ابتسمت فرح وقالت: سآخذه انا..
التقطت الهاتف وقالت وهي تسير بجوار وعد مغادرين المسرح: سآخذه الى هشام.. انتظريني على الطاولة التي كان نحتلها قبل قليل..
اتجهت وعد بهدوء نحو الطاولة.. لتجلس على احد مقاعدها.. ومن ثم تعود للشرود من جدبد.. هل سيحضر طارق الى الحفل؟.. لقد دعته بنفسها.. فهل سيلبي رغبتها ويأتي؟.. ام سيمتنع عن القدوم.. لقد قال انه سيأتي من اجلها.. فهل سيفعل؟.. هل ....
(وعد.. هناك من يريد رؤيتك)
انتفضت وعد بحدة ازاء امساك فرح بكتفها فقالت هذه الاخيرة: هل اخفتك؟..
هزت وعد رأسها نفيا ومن ثم قالت: لقد كنت شاردة الذهن وحسب..
واردفت متسائلة: لم تخبريني.. من ذا الذي يريدني؟..
قالت فرح بخبث وهي تشير نحو الباب الرئيسي للصالة: يقول انه زميلك في الصحيفة..
خفق قلب وعد في قوة.. لقد جاء طارق.. جاء اخيرا.. سأخبره بكل شيء.. وكل ما حدث.. سينسى عندها ما كاد يحدث.. وسنبدأ صفحة جديدة معا..
ووجدت نفسها تنهض من مقعدها في سرعة لتقول: سأذهب لرؤيته..
اسرعت وعد تسير بين الضيوف.. وهي تتوجه بلهفة الى الباب الرئيسي..فهناك سيكون طارق.. لقد حضر.. ولم يتراجع عما قاله لها.. وارتسمت ابتسامة سعيدة على شفتيها وهي تشعر بقلبها يرتجف بين ضلوعها.. وما ان وصلت الى الباب الرئيسي .. حتى تلفتت بحثا عنه وهي تقول بصوت خفيض بعض الشيء: طارق.. هل انت هنا؟..
شاهدت احدهم يقف عند زاوية من المكان.. وهو يدير لها ظهره.. فالتمعت عيناها بلهفة وسعادة وهمست قائلة: طارق..
وبغتة اختفت تلك اللهفة من عينيها وشعرت بالتوتر وهمست بقلق متحدثة الى نفسها: كلا هذا ليس طارق.. انه اقصر من طارق بقليل .. كما وان بنية جسمه تختلف عنه..
ووجدت ذلك الشاب يلتفت لها وهو يقول بابتسامة: وعد.. كيف حالك يا صحفيتنا الجريئة؟..
ارتسم الالم في عيني وعد وقالت بصوت لم يخف منه رنة الاحباط: بخير.. ماذا عنك يا استاذ احمد؟..
تطلع لها لوهلة ومن ثم قال: معذرة لتخييب ظنك.. اعلم بأنك كنت تنتظرين طارق.. لانه الوحيد الذي يمتلك بطاقة الدعوة.. ولكن قال انه لن يأتي ومنحها لي..
اعتصر قلب وعد ألما ورددت قائلة بحزن: لن يأتي..
قال احمد في هدوء: هذا ما قاله..
اطرقت وعد برأسها في الم.. لقد كانت تتمنى قدوم طارق .. والآن هاهي ذي ترى احمد قد جاء بدلا منه.. وهو بنفسه من منح احمد الدعوة.. وألقت حزنها خلف ظهرها لثواني لتقول: تفضل يا استاذ احمد بالدخول..
ابتسم بهدوء وسار الى جوارها الى الداخل.. وقال بخبث: اتعلمين.. اشك انه لن يحضر..
التفتت له وعد في حدة وقالت: اتعني طارق؟..
قال مبتسما: ومن غيره.. لا اظن انه لن يأتي ويفوت على نفسه رؤيتك..
ابتسمت وعد بسخرية مريرة وقالت: انت لا تعلم انه يرفض سماع صوتي فحسب.. فماذا برؤيتي؟..
هز احمد كتفيه وقال: لست انت فحسب.. انه يشن الحرب علينا جميعا ويرفض الاجابة على أي منا..
هزت وعد رأسها في استسلام وقلة حيلة.. فقال احمد بابتسامة واسعة: لم اكن اعلم من قبل ان العلاقة بينكما وصلت الى هذا الحد..
قالت وعد متجاهلة ما قاله: تفضل يا استاذ احمد بالجلوس.. سأذهب انا لشرب كأس من العصير..
واسرعت تبتعد عنه ..هاربة من كل شيء.. من المها.. وحزنها.. وخيبة املها في ان يحضر طارق الى هذا الحفل.. واحست بغصة في حلقها.. واغمضت عيناها بقوة لتقول بألم متحدثة الى نفسها: لماذا لم تحضر يا طارق؟.. الم تقل انك ستأتي ومن اجلي؟.. لم اعهدك تتراجع عن كلامك يوما؟.. فلم تراجعت الآن؟..لو حضرت ستعلم بالحقيقة كلها.. ستدرك ان الامر قد مر بسلام وانني لم اعد مخطوبة لأحد.. بل حرة نفسي.. انك حتى تقطع كل وسائل الاتصال بيننا.. حتى مكالمتي ورسائلي القصيرة لا تجيب عليها.. لو فعلت فقط..لما كان كلانا يتعذب الآن..
تنهدت بحرارة.. وتوجهت عائدة في سيرها.. لولا ان رأت فرح تقترب منها وتقول: اين كنت كل هذا الوقت؟..
قالت وعد بهدوء: استقبل الضيف..
اشارت فرح باتجاه الباب الرئيسي وقالت:حسنا ولكن يبدوا ان هناك امر ما قد حدث.. فبعض الضيوف تجمعوا حول الباب الرئيسي..
عقدت وعد حاجبيها وقالت: سأذهب لأرى الامر..
قالت فرح في سرعة: سآتي معك..
سارت وعد بخطوات سريعة بعض الشيء لتغادر الصالة وتتوجه الى حيث رأت عدد قليل من الضيوف قد تجمعوا حول المكان .. وقالت وهي تحاول المرور من بينهم: من فضلكم.. ارغب بالمرور لارى ما الذي يحصل هنا و...
بترت عبارتها اثر صوت حارس الامن الذي جاء حازما بعض الشيء وهو يقول: من فضلك.. لقد تلقيت اوامر بعدم السماح لاي شخص بالدخول دون بطاقة دعوة وانا انفذها..
قال الشاب الذي يقف في مواجهة حارس الامن: لكني اخبرتك اني من اقارب العريس.. ولو سمحت لي بالدخول لأكد لك المدعوين ذلك..
قال حارس الامن في صرامة: لو كنت من اقاربه فلماذا لم يمنحك بطاقة دعوة؟..
- اخبرتك.. لقد اضعتها..
ازدردت وعد لعابها في تلك اللحظة..هذا هو صوته.. صوت طارق.. هل هو مجرد شاب يشبه طارق في صوته ام انه هو حقا؟..انه يشبهه حتى في اسلوب وطريقة حديثه.. المشكلة اني لا استطيع رؤية ما امام هذا الجمع من الضيوف .. لو يسمحون لي بالمرور فقط ..
وسمعت ذلك الشاب يقول باصرار: انت فقط اطلب من احدى المدعوات القدوم الى هنا وستأكد لك هذا..
قال حارس الامن بشك: ومن هي ؟..
- الآنسة وعد عادل.. ابنة خال العريس..
تسارعت نبضات قلب وعد في تلك اللحظة.. اذا فهو طارق بالفعل.. انا لا احلم.. انه هنا.. وقد جاء من اجلي.. لم يخلف بوعده او يتراجع..لقد جاء.. اخيرا...

جنــــون 11-23-2011 01:37 AM

*الجزء التاسع والثلاثون*
(ما الذي سيفعله؟)

سمعت ذلك الشاب يقول باصرار: انت فقط اطلب من احدى المدعوات القدوم الى هنا وستأكد لك هذا..
قال حارس الامن بشك: ومن هي ؟..
- الآنسة وعد عادل.. ابنة خال العريس..
تسارعت نبضات قلب وعد في تلك اللحظة.. اذا فهو طارق بالفعل.. انا لا احلم.. انه هنا.. وقد جاء من اجلي.. لم يخلف بوعده او يتراجع..لقد جاء.. اخيرا...
واسرعت تقول للاشخاص اللذين يقفون امامها: من فضلكم .. ارغب بالمرور..
في نفس اللحظة كان حارس الامن يقول: سأفعل وسأرى ان كنت صادق فيما تقوله..
( لا داعي لذلك يا ايها الحارس..)
التفت الحارس الى وعد ناطقة العبارة السابقة.. والتي كانت قد استطاعت المرور من بين الجمع للتو.. وقال: ماذا تعنين يا آنسة؟..
قالت وعد وقد ارتسمت ابتسامة حالمة على شفتيها ونظرة السعادة واضحة في عينيها وهي تلتفت الى طارق: انا هي وعد عادل..
-حسنا وما رأيك فيما يقوله هذا الشاب؟..
اومأت براسها وقالت: انه من اقاربنا بالفعل..
صمت حارس الامن للحظات ومن ثم قال: ما دام الامر كذلك.. فيمكنك الدخول يا سيد..
ابتسم طارق وقال: الم اقل لك منذ البداية انني من اقاربهم بالفعل؟..ولكنك تفضل الطرق المعقدة..
ومن ثم التفت الى وعد ليقول: هيا بنا يا وعد..
تطلعت له وعد بنظرة لهفة وفرح وقالت بهمس: لقد جئت..
اسرع طارق يقول للجمع الموجود بالمكان: لقد انتهت المشكلة يا سادة.. يمكنكم المغادرة..
ومن ثم جذب وعد من معصمها معه وقال بحنان: لم اكن استطيع ان اخلف بوعدي لك.. لقد وعدتك ان آتي من اجلك.. وها انذا هنا..
قالت وعد بحيرة: ولكن الاستاذ احمد قال انك اخبرتهم بعدم حضورك..
التفت لها وقال: لقد كنت افكر في عدم القدوم بالفعل.. ولكن لم استطع ان افوت علي فرصة ان اراك للمرة الاخيرة..
قالت وعد بدهشة: ماذا تقول؟.. لا يوجد مرة اخيرة يا طارق..
- ماذا تعنين؟..
دلفا في تلك اللحظة الى الصالة الرئيسي.. فجذبت معصمهامن كفه وعقدت ساعديها امام صدرها لتقول: لو اجبت على احدى مكالماتي.. او على الاقل قرأت احدى رسائلي القصيرة .. لفهمت ماذا اعني..
سمعت وعد بغتة صوت فرح يأتيها من الخلف وهي تقول بحنق: كيف تذهبين وتتركيني؟..
قالت وعد مبتسمة: المعذرة.. لقد نسيت انك كنت معي..
قالت فرح متسائلة: ماذا حدث؟..
لم يهتم طارق بسماع ما دار بينهما من حديث..بل االتقط هاتفه في سرعة.. وقام بفتحه ليجد اربع رسائل لم يقرأها وكلها من وعد..واخذ يقرأ الرسلة الالى في لهفة والتي كانت تقول (لماذا لا تجيب يا طارق؟.. لم اكن اعلم بالامر.. اقسم لك.. لقد حدث كل شيء دون ان اكون على علم به.. صدقني انا لا ارغب بالزواج من ابن عمي..لا ارغب بذلك.. ارجوك اجب)..
تطلع لوعد لبرهة والتي كانت تتحدث الى فرح..وواصل قراءته للرسالة الثانية..(طارق لقد انتهى كل شيء تقريبا .. ابن عمي غير موافق على الزواج بي ايضا بهذه الطريقة ومادمت غير قابلة لهذا الزواج.. وسوف يقوم باقناع الجميع بالتراجع عن هذا القرار )..ردد طارق في نفسه قائلا: تقريبا فقط..الم ينتهي الامر نهائيا يا وعد؟.. ولكن علي ان لا استعجل الامور.. وانتظر حتى النهاية..
وفتح الرسالة الثالثة والتي كانت تقول ( طارق.. لقد انتهى الامر.. لقد الغي هذا الزواج بأكمله..وانا حرة نفسي منذ الآن.. فقط اجب على مكالماتي حتى لا نحيا كلانا في هذا الالم)..
ارتسمت ابتسامة مليئة بالسعادة على شفتي طارق.. وهمس قائلا بفرحة: واخيرا .. واخيرا انتهى هذا الكابوس.. واخيرا يا وعد..
كاد ان يردد هتافه بصوت عالي ولكن تمالك مشاعره.. واسرع يفتح الرسالة الاخيرة..وكانت هذه هي كلماتها ..( لقد قلتها لي مرارا يا طارق.. وطلبت مني قولها مرات عديدة.. وكنت دائما اتهرب.. ولكن لم يعد هنالك مبرر لاخفاء هذا الامر اكثر.. لو اردت اعترافا مني يا طارق .. فها انذا اعترف لك.. بأني احبك.. لن اكون لسواك يا طارق.. لن اكون.. لانك حلم حياتي)..
ردد طارق بخفوت: حلم حياتها..
وسرعان ما تذكر عبارة احمد له حين قال: مهما حدث .. فلا تستسلم بسهولة.. وتترك حلمك يضيع من بين يديك..لا تتخلى عنه وتهرب .. بل واجه الواقع وقاتل من اجل تحقيقه.. لانه ..حلم حياتك..
وابتسم طارق مغمغما وهو يعود للواقع ويتطلع الى وعد بسرور ممزوج بالحب متحدثا الى نفسه: اجل يا وعد.. لن اهرب مرة اخرى.. بل سأواجه هذا الواقع.. وسأقاتل من اجل تحقيق حلمي.. لانه حلم حياتي بأكمله..
والتفتت له وعد في تلك اللحظة عندما انتبهت بأنه يتطلع اليها وقالت بحيرة: ما الامر؟..
صمت ولم يجبها.. واكتفى بأن يرسم على شفتيه ابتسامة حانية..في حين قالت فرح في تلك اللحظة هامسة لوعد بخبث: لم اكن اعلم من قبل ان زملائك بالصحيفة بمثل هذه الوسامة..
قالت وعد في ضيق: كفي عن هذا..
لكزتها فرح بمرفقها وقالت بمرح: استطيع ان اقسم انك معجبة به.. بل وربما اكثر من ذلك.. وهو ايضا يبادلك تلك المشاعر.. انظري اليه كيف يتطلع اليك..
اختلست وعد نظرة الى طارق ومن ثم قالت: ليس هناك شيء مما قلته..
قالت فرح وهي تغمز بعينها لها: ان كان الامر كذلك.. فعرفيه علي اذا..
قالت وعد في غيرة واضحة:فرح.. ماذا تقولين؟.. هل جننت؟..
ضحكت فرح بمرح وقالت: لقد كشفت نفسك بنفسك يا فتاة.. انا لم اجلب شيئا من عندي.. ها انتذا تغضبين لاني اردت التعرف عليه فقط..
قالت وعد مكابرة:اني اتحدث عنك.. فمن الجنون ان تطلبي ان اعرفك على شاب ما..
غمزت فرح بعينيها مرة اخرى وقالت: انا اعلم ما تعنينه.. والآن سأترككما لوحدكما.. عن اذنك..
ما ان ابتعدت فرح قليلا عنهم.. حتى فوجئت وعد بطارق يميل حوها ليهمس في اذنها قائلا: وانا ايضا احبك..
خفق قلبها في قوة.. وتصاعدت دماء الخجل الى وجنتيها لتلتفت لطارق وتقول بارتباك: ماذا تعني؟..
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي طارق.. وامسك الهاتف بقبضته ليضعه امامها ويقول: هذا..
ادركت ما يعنيه على الفور..فاطرقت برأسها في خجل..وهي تشعر بدقات قلبها المتسارعة.. وازدردت لعابها بارتباك.. فقال طارق بابتسامة حانية: ليتني لم اجب على مكالماتك منذ زمن اذا..
اشاحت بوجهها عنه لتخفي ارتباكها ومن ثم قالت: لقد كنت قلقة عليك لأنك لم تجب على مكالماتي الليلة الماضية .. لهذا فقد ارسلت تلك الرسالة الاخيرة لعلها تذيب اصرارك على عدم الاجابة علي.. ولكنك.. لم تفعل..
تنهد طارق بحرارة ومن ثم قال: لو تعلمين يا وعد.. اني قضيت بالامس اسوأ ايام حياتي.. لقد رفضت الاجابة على الجميع ولم آبه بالنظر الى الهاتف حتى.. لهذا لم انتبه الى أي من رسائلك.. لقد كنت على حافة الانهيار يا وعد.. ولقد شعرت اني افقدك الى الابد.. بقرار تزويجك هذا.. كنت اعلم انه لا شأن لك بالامر.. ولكن.. قلت ما قلته لك بالامس حتى ارى ما ستفعلينه.. هل ستوافقين على هذا الزواج.. ام ستسعين لرفضه وانهائه؟..
واردف وهو يتطلع اليها بحب: ولقد فعلت ما كنت اتمناه لقد رفضت هذا الزواج وانهيته.. من اجلي..
هزت وعد رأسها وقالت: الفضل يعود لابن عمي.. لقد ساعدني بحق في انهاء هذا الزواج.. وربما لولا مساعدته هذه لما استطعت اقناع عمي بالتراجع عن قراره..
عقد طارق حاجبيه وقال بشك: ولكني سمعت من والدك ان ابن عمك هو من لمح للزواج بك.. فلماذا اذا يسعى لانهاء هذا الزواج..
تطلعت له وعد بصمت.. لا تستطيع ان تخبره انه قد فعل هذا لانه يحبها.. ويتمنى رؤيتها سعيدة.. لا تستطيع ان تخبره انه قد ضحى بحلمه بالزواج منها عندما انهى امر هذا الزواج.. وكل هذا من اجلها..لا يمكنها ان تخبره بذلك حتى لا تزيد من ضيقه وخصوصا بعد كل ما حدث..
واسرعت تقول مديرة دفة الحديث: الن تأتي للمباركة لابن خالي يا طارق؟.. هيا فسأعرفك عليه..
قالتها وادارت له ظهرها وهي تهم بالابتعاد عنه ولكن امسك طارق بمعصمها بغتة ليوقفها.. وقال بابتسامة غامضة: لا.. هناك امر اكثر اهمية يجب علي ان افعله..
التفتت له وتطلعت اليه بحيرة فأردف: ولن اجد افضل من هذا الوقت لكي افعله..
قالت بغرابة: وما الذي تود ان تفعله؟..
اتسعت ابتسامته الغانضة وهو يقول: خذيني الى والدك اولا.. وبعدها ستعرفين كل شيء..
توترت اطراف وعد وقالت بتردد: طارق.. انت لا تفكر في ان...
اومأ برأسه وقال مبتسما: دقيقة الملاحظة كما عهدتك يا وعد.. اجل انا افكر في ان اعيد طلبي على والدك من جديد..
ازدردت لعابها وتمتمت قائلة: ولكن الا ترى ان المكان غير مناسب لهذا..
- بل هو كذلك.. لقد خسرتك مرة يا وعد.. ولا اريد ان اخسرك مرة اخرى..
اطرقت برأسها في خجل وقالت: كما تشاء..
امسك بكفها وقال بحب: اذا خذيني اليه..
سارت الى جواره وهي تصحبه الى والدها قائلة: اتعلم.. لقد ادهشتني بما فعلته حتى تستطيع الدخول الى الحفل دون بطاقة دعوة..
قال مبتسما: انسيتي انني صحفي ويمكنني بسهولة ايجاد أي طريقة للدخول الى أي مكان..
تطلعت اليها وقالت: أأنت واثق من نفسك الى هذه الدرجة؟..
هز كتفيه وقال: انا لم آخذ لقب افضل صحفي بالجريدة عبثا..
ابتسمت وعد وقالت بمرح: ولو لم احضر اليك الى حيث حارس الآمن وقمت بالتأكيد على ما قلته..ماذا كنت ستفعل؟ ..
قال مفكرا: كنت سأتصل بك.. او سأجد حيلة اخرى لأدخل الىالحفل..وصدقيني لن اعدم الوسيلة.. اهم شيء كان لدي في تلك اللحظة ان اراك ولو لمرة اخيرة..
توقفت بغتة عن السير .. مما دعا طارق الى الالتفات لها وهو يقول متسائلا: ماذا هناك؟.. لماذا توقفت؟..
هربت بنظراتها حتى لا يلحظ توترهاوقالت: انه هناك.. يمكنك الذهاب اليه لوحدك..
تطلع طارق حوله بحثا عن والد وعد وقال عندما رآه: حسنا وما الذي يخيفك لو جئت معي؟..
حاولت السيطرة على ارتجافة اناملها وهي تقول: طارق ارجوك.. اذهب اليه وحدك.. وسأنتظرك هنا..
ضغط على كفها بحنان وقال: بل سنذهب معا..
التفتت له ووجدت نفسها تنظر الى عينيه بامعان.. وكأنها تريد قراءة ما يجوب بداخله.. لم ترى برودا هذه المرة.. لم ترى حزما او صلابة.. كل ما رأته في تلك اللحظة كان دفئا وحبا وحنانا.. شعرت بأن عيناه تحتويها بداخلهما.. وان لمسة كفه تبثها الامان الذي تنشده.. ووجدت نفسها تقول بشرود: اجل .. سنذهب معا..
ابتسم وسار الى جوارها حتى وصل الى حيث والدها وهنا قال: اهلا يا سيد عادل..
التفت والد وعد اليه وقد غمرته الدهشة عندما شاهدطارق في هذا الحفل.. ولكن دهشته خفتت تدريجيا عندما رأى وعد الى جواره.. فأدرك حينها ان وعد هي من دعت طارق بنفسها الى هذا الحفل.. وابتسم بحنان ابوي وهو يحدث نفسه قائلا: يبدوا انه يعني لها الكثير هي ايضا.. اشعر بالندم لاني حطمت تلك السعادة التي اراها في عينيها الآن وهي معه في المرة السابقة..
وقال متحدثا الى طارق: اهلا استاذ طارق.. كيف حالك؟..
قال طارق وهو يمد يده لمصافحته: بخير.. ومبارك حفل الخطبة هذا..
قال والد وعد بلهجة ذات مغزى: أشكرك..واتمنى ان ابارك انا لك عما قريب..
فهم طارق ووعد ما يرمي اليه والد هذه الاخيرة.. فارتسمت ابتسامة على شفتي طارق.. بينما توردت وجنتي وعد وهي تحاول ان تهرب بنظراتها بعيدا لتستقر على أي شيء..وقال الاول: يبدوا ان هذا سيكون قريبا اذا حدث ما اتمناه باذنه تعالى ..
واردف بصوت حاول ان يجعله حازما قدر المستطاع: سيد عادل.. اني اكرر مطلبي.. واطلب الزواج من وعد.. فما هو رأيك؟..
صمت والد وعد لدقيقة كاملة بدت لطارق ووعد وكأنها ساعة كاملة.. وتوترت وعد وهي تنتظر قرار والدها بترقب ولهفة..في حين لم يستطع طارق اخفاء توتره وهو ينقل بصره بين وعد ووالدها بين الحين والآخر.. واخيرا تحدث هذا الاخير قائلا: لقد اخفيتي عني يا وعد اعجابك بشاب ما.. واخفيتي عني انه يود الارتباط بك ايضا..
اسرعت وعد تقول بلهجة قلقة ومضطربة: لم اكن اعلم شيئا عن امر الارتباط هذا يا والدي.. لقد جاء طارق بنفسه اليك يومها دون ان اعلم بهذا الامر..
قال والدها وهو يرمقها بنظرة حازمة : انا لم انهي كلامي بعد.. لقد كنت دائما المدللة في المنزل.. تفعلين كل ما يحلو لك.. لهذا...
بتر عبارته ونقل بصره بين طارق ووعد قبل ان يردف بابتسامة: لهذا لن استطيع الا الموافقة على طلبك يا طارق.. وانا ارى كل هذه السعادة في عيني ابنتي..
تطلعت وعد الى والدها في عدم تصديق ومن ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة واسعة.. وكادت ان تهم بقول شيء ما.. لولا ان مال والدها نحوها وقال : طبعا هذا ليس قبل موافقة العروس نفسها.. هه.. ما رأيك يا وعد؟.. هل تقبلين بالزواج من طارق؟..
ازدردت وعد لعابها.. وظلت صامتة وهي تشعر بالحروف تهرب من على لسانها.. وان كانت تشعر بقلبها يكاد يرقص فرحا بعد موافقة والدها.. والاقتراب من تحقيق حلمها.. وسمعت والدها يقول في تلك اللحظة: احيانا يكون الصمت علامة للموافقة.. ولكن احيانا اخرى ربما يكون للرفض.. والا ما رأيك يا طارق؟..
قال طارق بابتسامة واسعة: انا معك في هذا..
اتسعت عينا وعد.. ماذا يقولون؟.. أي رفض هذا بعد ان لم يعد على تحقيق احلامي سوى خطوة واحدة؟.. كيف ارفض وانا ارى اني على وشك لارتباط بمن احب وبمن تمنيت؟ .. كيف ارفض وفارس احلامي الذي حلمت به منذ صغري يطلبني للزواج .. كيف؟..
واسرعت تقول: لا لست ارفض..
ضحك والدها قائلا: اذا فهذا معناه انك توافقين..
تنبهت للتو على الموقف الذي وضعها فيه والدها..وارتبكت بشدة.. والتفتت الى طارق لتراه يضحك بدوره .. فقالت بحنق: كفا عن الضحك..
قال طارق بمرح: وان لم افعل..
قالت بعصبية: بل ستفعل والا ...
- والا ماذا؟..
وجدت نفسها تقول بدلال: سأرفض الزواج بك..
قال بابتسامة واسعة: لن تستطيعي..
قالت في سرعة: بل استطيع..
همس قائلا: بل لن تفعلي.. لانك تبادليني مشاعري..
قالت مبتسمة: هل تراهن؟..
اومأ برأسه وهو يرسم على شفتيه ابتسامة سعيدة.. فقالت وعد مردفة بمرح: كسبت الرهان اذا..
ومن مسافة بعيدة بعض الشيء.. تطلع اليهما ذلك الشاب وقال وهو يتنهد بحرارة: يبدوا ان املي في ان تكوني لي يا وعد.. قد انتهى تماما..ولكن حسبي الآن ان ارى هذه السعادة في عينيك.. وهذه الابتسامة على شفتيك..واتمنى من كل قلبي.. ان تعيشي في سعادة .. مع من اخترتيه بنفسك.. اما انا.. فيبدوا اني سأبدأ مشوارا لحياة جديدة منذ هذه اللحظة ...
*********
(لماذا كل هذا الضيق الذي اراه على وجهك؟)
قالها عماد وهو يتطلع الى ليلى بابتسامة هادئة واردف قائلا: الا يفترض ان تبتسمي لان الناس من حولك يتطلعون اليك في هذا الحفل؟..
قالت ليلى بغتة: لماذا كنت مهتما بها؟..
- من تعنين؟..
قالت بحدة: وعد ..وهل يوجد سواها؟..
قال وشبح ابتسامة على شفتيه: وهل هذا ما يضايقك؟..
قالت ليلى وهي تلتفت عنه: الم تكن الفتاةالتي تريد ان تتزوجها لاعجابك بها؟..
امسك بذقنها وادرا وجهها اليه ليقول برقة: انت قلتيها بنفسك.. مجرد اعجاب ولا شيء آخر.. وها انذا ارتبط بالفتاة التي لم ولن احب سواها..
تطلعت اليه وقالت : ولكنك كنت مهتما بها كثيرا..
قال في هدوء: لانها ابنة عمتي.. وكنت سأهتم بفرح او هشام بالقدر ذاته..
واردف بابتسامة: ثم لم اكن اعلم من قبل انك غيورة الى هذه الدرجة..
- لست كذلك.. كل ما في الامر انك كنت تود الارتباط بهذه الفتاة .. لهذا فأنا...
قاطعها عماد قائلا: لهذا انت تخشين ان تشغل تفكيري وانسى خطيبتي الموجودة الى جواري..اليس كذلك؟..
مطت شفتيها دون ان تجيب فقال وهو يميل نحوها قليلا ويمسك بكفها: كيف تفكرين في امر كهذا هذا وقد تأخرت من اجلك؟..
رفعت حاجبيها في عدم فهم وقالت: تأخرت من اجلي انا؟..
اومأ برأسه ايجابيا..وقال وهو يضع احدى كفيه في جيبي سترته: اجل.. فلقد قمت بشراء شيء ما لأجلك.. ولكني كنت مستعجلا في مغادرة المنزل لهذا فقد نسيته هناك.. وفي اللحظة التي كنا قد اقتربنا فيها من صالة الحفل.. تذكرت اني قد نسيته.. وجعلت هشام يعود الطريق بأكمله من اجل هذا الشيء..
اتسعت عيناها بدهشة ومن ثم قالت بحنان: هل فعلت هذا حقا؟..
اومأ برأسه ايجابيا.. فالتفتت عنه وتوردت وجنتاها بحمرة الخجل قبل ان تقول: حسنا وما هو ذلك الشيء الذي كلفك مشقة العودة من اجله؟..
اخرج كفه من جيبه ببطء ومن ثم قال وهو يرفعها لتكون في مواجهتها: هذا..
وفرد راحته لتتدلى تلك السلسلة الذهبية التي اخذت تتلألأ على اضواء القاعة القوية.. وتدلى في نهايتها ذلك القلب الذهبي.. وتطلعت ليلى الى السلسلة في دهشة .. قبل ان تلتفت الى عماد وتقول: هذا لي؟..
أومأ برأسه بابتسامة واسعة وقال: لقد اخترته بنفسي..واتمنى ان يعجبك..
قالت بامتنان: بكل تأكيد.. انه رائع .. اشكرك..
ولاحظت في تلك اللحظة ان هناك كلمة محفورة على سطح ذلك القلب.. فالتقطته قائلة: دعني اره للحظة..
وهنا استطاعت ان تقرأ ما كان محفورا عليه.. لقد كانت كلمة واحدة فقط..(احبك).. ولكنها تغلغت في مشاعرها واثرت في نفسها اشد التأثير..ووجدت اصابعها ترتجف بالرغم منها وهي تطلع الى القلادة..والتفت اليها عماد ليقول بقلق: ليلى .. ماذا بك؟..لماذا ترتجفين؟..
التفتت له لتقول بصوت متقطع من شدة التأثر: اشكرك يا عماد..
ارتفع حاجباه بحنان وغمغم في همس: اتبكين يا ليلى؟..
شعرت لتوها بالدموع التي ترقرقت في عينيها فأسرعت تمسحهابأناملها قبل ان تسيل على وجنتيها.. وقالت بعد برهة من الصمت: لا.. انها دموع الفرح.. فلم يسبق لأحد ان اهتم بي على هذا النحو..
تطلع اليها وقال وفي عينيه نظرة حنان وحب: ليلى سأكون كل شيء لك في هذا العالم.. انا زوجك.. وسأبقى الى ابد الدهر احيطك بحبي وحناني..انت حبيبتي وزوجتي يا ليلى.. كيف لا تتوقعين ان اكون مهتما بك..
قالت ليلى وهي تطلع الى عماد بفرح: اشكرك يا عماد.. لو تعلم كم خففت عني كلماتك هذه..
قال في وهو يلتفت عنها ويتطلع الى جهة ما: ثم يا عزيزتي الجميع مهتم بك.. وليس انا وحدي.. لقد حضرت والدتك الى هذا الحفل.. وكذلك والدك..
قالت ليلى في سرعة: ابي هنا.. لقد ارسلت له بطاقة دعوة ولكن ظننت انه لن يحضر..
قال عماد مبتسما: عزيزتي الجميع مهتم بك.. الجميع..
تطلعت الى حيث يقف والدها ورأته يبتسم لها بحنان وسعادة.. فقالت مبتسمة: معك حق..
ومن ثم قالت وهي تلتفت الى عماد: يبدوا انه كان مهتم بي طوال الوقت ولم انتبه.. كنت دائما اتمناه الى جواري.. واشعر انه قد قصر في حقي عندما انفصل عن والدتي وترك المنزل.. ولكنه كان يتابع اخباري..لقد قال لي ذات مرة عندما جاء لزيارتنا ان كان العمل الجديد جيد او لا.. وانا لم انتبه اني لم اخبره أي شيء عن العمل.. الا بعد فترة.. ان والداي مهتمان بي .. وليس كما كنت اظن..
قال عماد موافقا: الم اقل لك..
- ان هذا اليوم هو اسعد ايام حياتي حقا..
قال عمادا بحب: وانا كذلك يا ليلى..
سمعا بغتة صوت والدة عماد وهي تتقدم منهما قائلة: عماد..
التفت لها عماد بتساؤل.. فأردفت قائلة بابسامة: هيا انهض انت وعروسك.. فسترتديان خانما الخطوبة الآن..
التفت عماد الى ليلى التي تطلعت اليه ..فابتسم بهدوء وهو ينهض واقفا.. ووقفت ليلى بدورها..وهنا منحت والدة عماد كل منهما علية على شكل وردة حمراء.. وضع في كلتيهما خاتم الخطوبة..
ومن بعيد ابتسمت وعد وقالت في سرعة: طارق اسرع سيرتديان خاتم الخطوبة..
تقدم طارق الى حيث تقف وقال مبتسما: ولم انت مستعجلة هكذا؟.. سترتدين واحدا قريبا..
قالت وهي تعقد ساعديها امام صدرهابحنق: مضحك جدا..
ومن ثم اردفت وهي تتطلع الى عماد الذي امسك بكف ليلى اليمنى ليلبسها الخاتم وقالت: اليس رائعا؟..
قال طارق مبتسما: من عماد؟..
مطت شفتيها قائلة: اجل عماد.. اليس رائعا؟..
قال وهو يومئ برأسه: معك حق..انه رائع بالفعل..
قالت بضيق: طارق لا تمثل علي دور الغير الفاهم لأي شيء.. انت تعلم اني اقصد الخاتم..
قال طارق وهو يلتفت لها: انه رائع .. ولكن صدقيني سترتدين ما هو اروع منه في حفل خطبتك..
قالت مبتسمة: اهذا وعد؟..
قال بتأكيد: اجل .. حتى وان كان هذا على حساب نفسي..
- سيكون على حساب ميزانيتك ايضا..
تطلع اليها طارق بحنان وقال: صدقيني يا وعد.. انا لم اعد اريد أي شيء في هذا العالم سواك.. لا تهمني كل كنوز العالم لو كنت سأحصل عليها من دونك..
التفتت وعد عنه ومن ثم قالت وهي تتطلع الى ما امامها بشرود: صدقني يا طارق.. لقد كنت حلما يراودني منذ الطفولة.. لقد حلمت بك كثيرا.. ان التقي بذلك الرجل الذي يمنحني حبه وحنانه.. ان التقي بذلك الرجل الذي يحميني من أي خطر..ان التقي بالرجل الذي يخفق قلبي لأجله..
وابتسمت وهي تلتفت الى طارق قائلة: ويبدوا ان الحلم قد اصبح حقيقة اخيرا...
**********
تنهد هشام بحرارة وهو يتطلع الى ماحوله.. ومن ثم قال بابتسامة شاحبة: حسنا..انها بداية حياتي الجديدة للبحث عن حب حقيقي هذه المرة..
ووضع كفيه في جيبي سترته واردف بشرود: ولكن .. هل سيكون حقيقيا هذه المرة حقا؟..
وما ان انهى عبارته حتى لامست انامله هاتفه المحمول الموجود بجيب السترة.. فأخرجه من جيبه وتتطلع اليه لبرهة قبل ان يقول: ستكون البداية منذ هذه اللحظة..وان لم افعل هذا الآن فأظن اني لن افعله ابدا..
تطلع الى ساعة معصمه التي اعلنت الحادية العاشرة تقريبا وهو لا يزال يجلس في حفل الخطوبة وقال: لا اظن انها نائمة الآن..
وابتسم بسخرية مستطردا: وحتى لو كانت كذلك.. لا بأس من ايقاظها من احلامها..
قالها واسرع يتصل بغادة.. واستمع الى الرنين المتواصل وهو يترقب اجابتها.. وعلى الطرف الآخر.. كانت غادة جالسة تتصفح احد الكتب بملل حين ارتفع صوت رنين هاتفها.. والتقطته من جوارها ومن ثم شعرت بالحيرة من هذا الرقم المجهول..وقالت متسائلة: هل اجيب ام لا؟..
تطلعت الى ساعة يدها ومن ثم قالت: لا اظن ان احدهم سيتصل بي في هذا الوقت الا اذا كان امرا مهما..
واجابت قائلة: الو .. من المتحدث؟..
جاءها صوت هشام قائلا: مر زمن طويل.. اليس كذلك؟ ..
ارتفع حاجباها بدهشة كبيرة بعد ان تعرفت على صوته.. وادهشها معرفته برقم هاتفها المحمول..ولكنها لم تلبث ان سيطرت على دهشتها..وقالت وهي تصطنع عدم معرفتها به: من المتحدث؟..
قال مبتسما: الم تعرفيني بعد يا آنسة؟..
قالت ببرود: من تريد يا سيد؟..
قال بسخرية: فارس..
ارتسمت بالرغم منها ابتسامة على شفتيها وقالت مكابرة: لا يوجد لدينا احد بهذا الاسم..
قال مبتسما: كيف لا وقد منحني هو هذا الرقم لأتصل به..
قالت بدهشة: هو من اعطاك هذا الرقم؟؟..
ضحك بسخرية وقال: اذا فهناك من يوجد بهذا الاسم حقا..
بهتت لوهلة ومن ثم قالت بحنق: ماذا تريد؟..ومن اين حصلت على رقم هاتفي؟..
قال بهدوء: لا يصعب علي ان اجد رقم هاتف من اصطدمت بسيارتي ذات يوم..
ومع انها كانت تشعر ببعض السعادة لاتصاله بها.. واهتمامه بايجاد رقم هاتفها.. الا انها لم تكن تريد ان تواصل هذا الامر مع هشام والذي لا تعرف نهايته.. انها حتى لا تعرف هشام بشكل جيد.. لا تعرف عنه الا القليل جدا.. ولهذا لا تريد ان تتبسط في الحديث معه ويجب ان تضع حدودا لها للتعامل معه..
وقالت وهي تصطنع الضيق: لم تخبرني بعد بما تريده..
قال مبتسما: الم تشتاقي لي ولسماع سخافاتي؟..
قالت ببرود: ومن يشتاق لسماع السخافات؟..
قال بثقة: انت.. وخصوصا اذا كانت مني..
قالت بحدة: يبدوا انك واثق من نفسك اكثر من اللازم.. ارجوك لا تتصل بي مرة اخرى.. لقد ظننت ان امرا مهما وراء اتصالك ولكن يبدوا انك لا تفكر الا في التسلية..
قال بغتة بجدية: اهذا ما تريدينه؟..
بوغتت بجديته وقالت متسائلة: ماذا تعني؟..
اردف وكأنه لم يسمعها: ان لا اتصل بك ابدا..
لم تعرف بم تجيبه .. ان عقلها يرفض ان تحادث شابا دون سبب ما.. ولكن مشاعرها تتمسك به وتتمنى ان يتصل بها.. لا تعلم لم هذا الشاب بالذات الذي انشغل تفكيرها به.. ولكن ... عليها ان تنهي هذا المر بأية وسيلة ..
وعاد هشام يكرر سؤاله: اترغبين في ان لا اتصل بك مرة اخرى حقا؟..
ازدردت لعابها في توتر ومن ثم قالت في سرعة وكأنها تخشى ان تتراجع: اجل..
تحولت جديته الى سخرية وقال: لن افعل اذا .. ما دام هذا ما تريدينه..
اتسعت عيناها وقالت في حدة: اتتعمد استفزازي؟..
قال مبتسما: ان اردت الحقيقة.. اجل..
عقدت حاجبيها بضيق ومن ثم قالت وهي تحاول السيطرة على اعصابها: سأغلق الخط الآن.. الى اللقاء..
قال وهو يضغط على حروف كلماته: هل استفزتك كلماتي بهذه السرعة يا آنسة غادة؟..
قالت بحنق: انها محض سخافات لا اكثر وانا لا يهمني ان...
بترت عبارتها بغتة..وانتبهت لهذا الامر للتو.. لقد نطق باسمها .. كيف عرفه؟ ..وقفز السؤال من ذهنها الى لسانها لتقول بغرابة: كيف عرفت اسمي؟..
عرف هشام انه اصاب الهدف ومنعها من اغلاق الهاتف.. وقال مبتسما: في الحقيقة .. لقد اجريت اتصالات عديدة عنك عن طريق رجالي و...
قاطعته بعصبية: واجهزة التصنت وكاميرات المراقبة.. اليس كذلك؟..
قال بدهشة مصطنعة: ما ادراك؟.. هل كنت تعملين معنا ولا اعلم؟..
قالت متسائلة بانفعال: اخبرني الآن من اين عرفت اسمي؟..
- سأقول ولكن بدون انفعال او غضب..
- حسنا.. قل ما لديك..
بلل هشام شفته بلسانه ومن ثم قال: في الحقيقة لقد جمعت بعض المعلومات عنك عن طريق رقم سيارتك..
قالت متسائلة بغضب: ماذا تقول؟..كيف سمحت لنفسك بأن تجمع المعلومات عني؟..
قال مبتسما: الم تقولي انك لن تغضبي؟.. ولكن سأخبرك بالسبب .. لقد اردت ان اعرف عنك المزيد ما دمت ترفضين ان تخبريني أي شيء عنك..
تملكها الاضطراب بغتة وخفت غضبها.. ووجدت نفسها تتسائل قائلة: ولماذا اردت ان تعرف المزيد عني؟..
قال بسخرية: لاني اردت ان اعرف هوية الفتاة التي صدمت سيارتي ..
قالت بحنق: هل تهمك سيارتك الى هذه الدرجة؟..
قال بابتسامة: بأكثر مما تتصورين..
قالت غادة وهي تمط شفتيها: اخبرني.. هل انت معتاد على التحدث باسلوب السخرية هذا دائما؟..
- تقريبا.. لم تسألين؟..
- لاني ضجرت منك ومن سخريتك..
اتسعت ابتسامته وهو يقول: حسنا سأنهي المكالمة اذا ما دمت قد اثرت غضبك بما يكفي لهذا اليوم..
- سخيف..
قال بهدوء: لا بأس سأقبل الاهانة مرة اخرى.. ليس لأجلك بل من اجل فارس..
ابتسمت وقالت: انت لا تعرفه حتى..
قال بثقة: سأعرفه ذات يوم.. لا تتعجلي الامور.. والآن الى اللقاء..
اغلق هشام الخط.. وشعر ببعض الارتياح.. ان غادة لا ترفضه كليا.. بل انها ترفض ان تكون لها صلة بشاب لا تعرفه جيداكما يبدوا.. انه يشعر بأنها معجبة به بالفعل.. ولهذا سيحاول ايجاد أي فرصة قادمة لمحادثتها.. لعلها تقبل به في حياتها...

جنــــون 11-23-2011 01:38 AM

*الجزء الاربعون والاخير*
(هل هي بداية لحلم حياتي؟)


سار طارق الى جوار وعد في مبنى الصحيفة..وتسللت اصابعه لتمسك بكفها وهو يهمس لها قائلا: بم تشعرين؟..
التفتت له وقالت بابتسامة خجلة: بالسعادة والنشوة لأن جميع احلامي ستحقق قريبا..
قال طارق بابتسامة: اتمنى يا وعد ان احقق لك جميع احلامك بالفعل..
تطلعت اليه وقالت: انت اكبر احلامي ومادام قد تحقق فلا تهمني اية احلام اخرى أو...
( يا للمشهد العاطفي.. انه يصلح ان يكون حدثا لصحيفة الغد ..بعنوان (صحفية مبتدأة تقع في غرام صحفي منذ النظرة الاولى)..)
التفت لقائل العبارة السابقة كلا من طارق ووعد باستنكار ودهشة وتطلعا الى سامر الذي وقف في مواجهتهما ويرسم على شفتيه ابتسامة ساخرة ..واردف هو قائلا: انت لا تتحدثين معه الا فيما يختص بالعمل اليس كذلك يا آنسة وعد؟..
واستطرد بسخرية: وانا اشهد على ذلك وانا ارى اصابعكما المتشابكة..ونظراتكما الهائمة..
اسرعت وعد تقول بعصبية: اصمت ايها الحقير..
اشار لها طارق بالصمت وقال: دعيه يا وعد.. سأجعله يندم على كلماته التي نطقها قبل قليل..
ضحك سامر بسخرية: وما الذي ستفعله يا ايها العاشق؟..
عقد طارق حاجبيه وقال: وعد هي خطيبتي ..
قال سامر بدهشة مصطنعة: حقا؟.. لم اكن اعلم.. اذا لم لا ترتديان خاتما خطبة ؟..
قال طارق بصرامة: اسمع يا هذا.. ان صدقت او لم تصدق ..فهذا شيء لا يهمني.. ولكن اقسم لو حاولت مجرد التحدث الى وعد مرة اخرى.. فستدفع الثمن غاليا..
قال سامر باستهزاء: لم تقل لي بعد بم تستطيع ان تفعله..
قال طارق بصرامة اكبر: طردك من هنا لو استلزم الامر..
تطلع اليه سامر لوهلة ومن ثم قال وهو مستمر باستهزاءه: هل تم ترقيتك الى منصب المدير يا هذا؟.. على العموم سنرى من فينا سينتصر في النهاية..
واردف وهو يبتعد عنهما: مع السلامة يا عزيزي..
في تلك اللحظة التفتت وعد الى طارق وقالت بعصبية: لم تركته يتحدث اليك بهذا لااسلوب؟.. كان الاجدر بك ان تحطم اسنانه قبل ان يتفوه بكلمة مما قال..
التفت لها طارق وقال بهدوء: وهذا ما يريده.. ان يستفزني حتى اتشاجر معه واقوم بضربه.. وعندها سيستعمل هذا الامر كسلاح ضدي.. ويثبت انني قد تعديت عليه في مبنى الصحيفة وامام الجميع.. مما قد يؤدي الى فصلي من عملي.. هل فهمت الآن يا عزيزتي لم تركته يتحدث كما يحلو له؟..
بهتت وعد لما قال وخصوصا ان هذا الامر لم يخطر بذهنها ابدا ومن ثم قالت : بلى.. ولكن لم ادرك ان ما يفكر فيه هو افتعال مشاجرة بينكما.. لقد ظننت انه يريد ان يثبت انه لم يتراجع بعد عن ملاحقتي على الرغم من تجاهلي الدائم له..
تنهد طارق وقال: انه يريد ان يثبت هذا ايضا.. لهذا حاولي قدر الامكان ان تكوني معي طوال الوقت..
اومأت برأسها ايجابيا وسارت الى جواره الى حيث القسم وهناك ما ان دلفت اليه حتى سمعت احمد يهتف قائلا: واخيرا وجدتك .. اين كنت ؟.. لديك مهمة صحفية..اسرعي بتجهيز ما تحتاجينه..
التفت طارق الى احمد وقال: ولكن المدير لم يخبرني بأي شيء عن هذه المهمة..
قال احمد مبتسما: انت لن تكون معها هذه المرة.. بل انا.. لان المدير سيرسلك في مهمة مختلفة..
قال طارق مستنكرا: ماذا تقول؟.. لقد كان دائما ما يرسل وعد معي في أي مهمة.. فلم ارسلها معك انت هذه المرة؟..
- لست اعلم.. يمكنك سؤاله..
واردف وهو يميل نحو طارق ويهمس له: ثم لا تكن شديدة الغيرة هكذا.. انا صديقك الا تثق بي؟..
تطلع له طارق لبرهة ومن ثم سار عنه مبتعدا الى حيث مكتبه .. وعندما رأى وعد تستعد للمغادرة قال: وعد ..كوني على حذر .. وليكن مقالك افضل بكثير هذه المرة..
قال احمد بمرح: سيكون.. مادامت معي.. والآن هيا..
اومأت وعد برأسها والتفت الى طارق قائلة: سأذهب الآن ..اراك بخير ..
في حين قال احمد عندما رآها تقترب منه: ما رأيك في اثارة غيرته قليلا..
قالت وعد مبتسمة: صدقني ستكون انت اول من سيفرغ فيه غضبه..
غمز احمد بعينه وقال: لا عليك..
وقال بصوت مسموع: هيا بنا يا وعد.. اسرعي..
عقد طارق حاجبيه في عضب وهتف قائلا: احمد كف عن سخافاتك.. لست طفلا حتى تمثل علي بهذه الطريقة..
ابتسمت وعد وقالت: الم اقل لك؟..
في حين قال احمد وهو يلوح بكفه: لا تقلق على وعد ستكون معي بأمان يا طارق..
قالت وعد مستغربة: مادخل ما قلته الآن بما فعلته قبل قليل؟..
قال بمرح: لكي يهدأ وينسى ما حدث قبل قليل..
واسرع يخرج من القسم في حين القت وعد على طارق نظرة اخيرة قبل ان تمضي في طريقها..وما ان شعرت نادية ان طارق هدأ بعض الشيء حتى قالت: اسمعني يا استاذ طارق.. ان مهنة الصحافة التي اخترناها جميعا.. تستوجب علينا ان نلقي بعض الامور خلف ظهرنا..مثل ان نحصل على قسط من النوم بعد الظهر .. او نتأكد من اننا سنعود في وقت محدد.. اننا احيانا عندما نعود الى المنزل بعد عناء يوم طويل.. لا تمضي ساعة واحدة حتى يعيدون الاتصال بنا لنعود من جديد من اجل عمل ما ..وكذلك قد نذهب يوما مع فريق صحفي كامل.. او ربما مع رجل اوفتاة.. ان هذه المهنة تستوجب علينا هذا الامر .. واليوم انت ترى وعد تذهب مع صديق لك وقد شعرت بكل هذه الغيرة والغضب من اجل ذلك .. فماذا لو رأيتها تذهب مع شاب لا تعرفه؟..
كور طارق قبضته ومن ثم قال بحدة: ان كان الامر يستلزم ذلك.. فسأطلب منها ان تستقيل من هذه الوظيفة..
قالت نادية وهي تهز رأسها نفيا: خطأ يا استاذ طارق.. انت تعالج خطأ بآخر.. فبدل ان تجد حلا للمشكلة.. تحاول ان تمنع وعد من وظيفة احلامها.. الوظيفة التي تمنتها طويلا..
قال طارق بعصبية: ما الحل في رأيك اذا؟.. اتركها تذهب مع اي صحفي في الصحيفة كما تشاء..
- يمكنك ان تطلب من المدير ان تكون معك بدلا من ذلك الصحفي لو كنت متفرغا.. ولا اظن انه سيرفض طلبا لافضل صحفي لديه في الصحيفة..
عقد طارق حاجبيه وقال: وماذا لو لم اكن موجودا؟..ماذا سأفعل حينها؟..
قالت نادية بهدوء: يمكنها الذهاب مع الاستاذ احمد.. هل هذا يريحك بعض الشيء؟..
واردفت في حزم: ثم حتى لو انك قد طلبت منها ان تستقيل ووافقت .. فستفعل هذا لأجلك.. ولكن ان احست يوما انها قد فقدت الوظيفة التي تمنتها بسببك.. فستشعر بالندم.. وستراك دائما سبب في فقدانها لو ظيفتها..وستتحمل انت هذا الذنب ..
صمت طارق ولم يعلق على عبارتها وان اشغل ما قالته تفكيره فاستطردت قائلة: اسمع يا استاذ طارق.. لكل منا احلامه.. وكل انسان يسعىلتحقيقها..ويبذل الكثير من اجل ذلك.. لهذا لا تهدم أي حلم بيدك.. بل حاول ان تكون سببا في تحقيقه.. وعد تحتاجك الآن.. وتحتاج لأن تكون الى جوارها .. وتحققا احلامكما معا.. ولا يجب ان تكون سببا في هدم هذه الاحلام.. اتفهم ذلك يا استاذ طارق؟ ..
رفع طارق رأسه الى نادية.. وتطلع اليها لبرهة مندهشا..وعاد ليطرق برأسه في تفكير.. ولم يعلم لم في تلك اللحظة بالذات خطرت له العبارة التي قالها منذ قليل لوعد ..(اتمنى يا وعد ان احقق لك جميع احلامك بالفعل)..لقد اخبرها انه سيحقق لها جميع احلامها.. فما باله يسعى لمجردالغيرة تحطيم اول حلم حققته..هل هو اناني الى هذه الدرجة حتى يفكر بنفسه ناسيا انه يهدم بذلك احلام من احب؟..
ورفع رأسه الى نادية مرة اخرى ولكن في هذه المرة ارتسمت ابتسامة على شفتيه وقال: معك حق.. سأحاول علاج المشكلة بدلا من التفكير بأنانية .. هذه الوظيفة اختارها سوانا لاننا تمنيناها طويلا.. ومن الانانية ان احرم وعد منها ..واهدم احلامها بيدي..
صمت طارق للحظات ومن ثم اردف بحزم: لقد وعدت وعد ان احقق لها احلامها.. ولن اتراجع عن كلماتي هذه ابدا.. انني اثق بها.. اثق في مقدرتها على حماية نفسها.. واثق في مشاعرها لي ..لهذا لو لم استطع يوما ان اكون معها في اية مهمة صحفية.. فستكون بخير وبأمان.. اليس كذلك؟..
ابتسمت نادية وقالت: بكل تأكيد.. انها لم تعد تلك الصحفية المبتدأة التي جاءت الينا قبل ثلاثة شهور وهي لا تعلم عن عملها الا القليل.. لقد باتت صحفية جيدة جدا.. وذات قلم مميز.. ان البعض يحسدها هنا في الصحيفة لانها تدربت تحت اشراف افضل صحفي في الصحيفة بأكملها..
تنهد طارق بارتياح ومن ثم قال بشرود: سأسعى لتحقيق احلامك يا وعد.. اعدك بهذا..
*********
صوت رنين الجرس انتشر في ذلك المنزل حتى قالت غادة التي كانت تتصفح احدى المجلات: فراس.. اذهب وافتح الباب..
قال فراس بملل: ولم انا؟..
قالت غادة مبتسمة وهي تلتفت اليه: لانك رجل..وعليك ان تقوم بأعمال الرجال..
تطلع اليها فارس للحظات ومن ثم قال بغرور طفولي وهو يتجه نحو الباب: حسنا ولكن يجب عليك ان تنفذي ما اطلبه لاني رجل ..
وما ان وصل الى الباب حتى كاد يفتحه فقالت غادة محذرة: كم مرة قلت لك يا فارس.. لا تفتح الباب قبل ان تعرف من خلفه..
قال بابتسامة طفولية: لقد نسيت ..
ومن ثم قال بصوت مرتفع: من؟..
سمع صوتا رجوليا يقول: افتح ايها الشقي الصغير.. اشتقت اليك كثيرا..
قال فارس بفرح وهو يفتح الباب: انه خالي..
اطل خاله من خلف الباب وقال وهو يربت على رأسه: كيف حالك يا فارسنا الصغير؟..
سأله فارس من فوره: ماذا احضرت لي معك؟..
ابتسم الخال وقال: لا شيء..
التفت فارس الى غادة وقال: غادة.. ما هو هذا الـ (لاشيء)؟ ..
ضحكت غادة وقالت وهي تترك ما بيدها وتتجه الى حيث يقف خالها مع فارس: انه نوع من انواع الحلوى يا صغيري..
قال فارس بفرحة وهو يلتفت الى خاله: احقا؟..
ضحك الخال وقال: غادة لا تورطيني مع هذا الصغير.. فلن يدعني وشأني فبل ان اشتري له هذا الـ (لاشيء)..
مالت غادة نحو فارس وقالت: ان خالي يعني انه لم يحضر لك معه أي شيء..
قال فارس بحنق: ولم لم يشتري لي شيء؟.. لقد قال لي عندما زارنا انه سيحضر لي كل ما اريد..
ابتسم الخال وقال: ولكنك لم تخبرني بأي شيء تريد حتى احضره لك..
قالت غادة مبتسمة: دعك منه يا خالي وتفضل الى الداخل..
قال خالها متسائلا: اين والدتك؟..
اسرعت تقول: سأناديها في الحال..
توجهت الى غرفة والدتها وما هي الا دقائق حتى كان الجميع مجتمعين بالردهة.. حين قالت غادة مبتسمة وهي تتحدث الى خالها: كيف احوالك يا خالي بعد انتقالك الى منزلك الجديد؟ ..
قال خالها بسرور: كل شيء على ما يرام.. المنزل في افضل حالاته .. وكل شيء فيه ممتاز.. ولكني في الحقيقة افكر في ان اضيف غرفة للمنزل..
تساءلت غادة قائلة: ولم تريد ان تضيف مثل هذه الغرفة؟..
- احتاجها للاجهزة الرياضية التي امتلكها.. بالاضافة الى عدد من الحاجيات التي لم اجد لها مكانا بالمنزل الى الآن ..وقلت اني سأتصل ببعض العمال اليوم او غدا .. وسأبحث عن مهندس جيد من اجل هذه الغرفة..
- اتحتاج مجرد غرفة الى رسم هندسي حقا؟..
- على ما اظن ان كل بناء مهما كان صغيرا يحتاج الى مثل هذا الرسم.. ولكني ايضا ارغب في ان اصمم تلك الغرفة على طريقة خاصة سأشرحها لذلك المهندس..
(هشام شريف..افضل المهندسين على الاطلاق)
انتفضت غادة بغتة عندما جال في ذهنها عبارة هشام التي قالها لها في ذلك اليوم الذي اوصلته الى منزله..انه مهندس.. وربما يستطيع مساعدة خالها في عمل تلك الغرفة التي يريدها..هل هذا عذر جديد تقدمه من اجل ان تتحدث الى هشام مرة اخرى؟.. لا لا ان من تعرفه افضل من من لا تعرفه.. فما يدريها ان المهندس الذي سيتفق معه خالها سيقوم بذلك التصميم على الوجه الاكمل وكما يريده خالها تماما.. وربما يطلب لهذا التصميم ثمنا باهضا.. قد يكون هشام جريئا ولكن شهم رغم ذلك.. لا يمكن ان يخدع احدا وهي تشعر انه سيعمل بنزاهة.. ربما لأجلها سيفعل...ماذا بي؟.. لماذا اصبحت افكر بهذه الطريقة.. انه مجرد مهندس وسأطلب منه تصميما لا اكثر وسيقوم به مقابل اجر..
اقنعت نفسها بهذه الفكرة وقالت متحدثة الى خالها بتردد: انا اعرف مهندسا جيدا..وربما يفيدك..
تحدث خالها قائلا: ومن اين تعرفينه؟..
شعرت بالارتباك يعقد لسانها.. وتلعثمت لفترة قبل ان تقول: لست اعرفه.. وانما صمم لمنزل صديقتي احدى الغرف.. وقد اعجبني تصميمها الهندسي لهذا فأنا اخبرك عنه الآن..
قال خالها بهدوء: ان كان الامر كذلك.. فأطلبي منها ان تمنحك رقم هاتفه لاتصل به واتناقش معه..
نهضت غادة من مكانها وقالت في سرعة: حسنا..
قالت والدتها في غرابة: الى اين؟..
قالت غادة بارتباك: سأتصل بصديقتي.. فهاتفي بداخل الغرفة..بالاذن..
توجهت الى غرفتها وشعرت انها تتسرع بالاتصال به.. طوال عمرها كانت فتاة متسرعة وتتخذ قراراتها بسرعة .. فلم الآن تأنب نفسها على تسرعها.. اليس هذا ما تريده.. ان تتحدث اليه.. وتسمع صوته مرة اخرى..و.. يكفي هذا يا غادة انت ستتصلين به من اجل عمل ليس الا..
ومرة اخرى اقنعت نفسها بذلك وحسمت امرها وهي تتصل به.. وما ان سمعت صوته حتى راودها التوتر والارنباك وهو يقول بابتسامة: الو..من المتحدث؟..
مطت غادة شفتيها وقالت: اعلم ان رقمي لديك.. فلا تمثل علي انك لا تعرف اني المتصلة..
قال هشام بدهشة مصطنعة: من؟.. غادة؟.. بصراحة لقد اندهشت عندما رأيت رقم هاتفك.. لقد ظننت ان شقيقك قد عبث بهاتفك واتصل بي بالخطأ..
قالت غادة بحنق: استمع الي انا اتصل بك من اجل عمل..فلا تظن أي شيء آخر..
قال هشام بسخرية: واي عمل هذا؟.. هل هو دعوتي على العشاء؟..
شعرت غادة بالعصبية من سخريته.. دائما يتمكن من استفزازها.. ولكن على الرغم من هذا فسخريته لها طابع خاص ..اسرعت تنفض هذا الشعور عنها وقالت بحدة: انت آخر من افكر في دعوته ولو على كوب من الشاي..
ضحك هشام وقال: ولم ؟..
توترت من السؤال .. واجابت بارتباك: لانك.. لانك شاب جريء ووقح..
قال هشام بسخرية: ما هذا؟.. تتصلين بي وتشتمينني.. يجب عليك ان تحمدي الله وتشكريه لانك لو كنت تحادثين شخص آخر غيري لاغلق الخط في وجهك..
احست بالخطأ مما قالته .. فحقا لم يكن عليها ان تشتمه.. لقد كان يمزح معها ليس الا.. وقالت بندم: معذرة لم اقصد.. ولكن انت من استفزني بكلامك..
قال مبتسما: لايهم.. اخبريني أي عمل هو هذا.. الذي جعلك تتواضعي وتتصلي بي..
ازدردت لعابها ومن ثم قالت: خالي انه يرغب في تصميم هندسي لأحدى غرفه بالمنزل..
قال مبتسما: وما الطلوب مني ؟..
- ان تعد هذا الرسم بالتكيد..
قال في هدوء: الشركة التي اعمل بها تستخدم هذه الرسوم لصالح مشاريعها.. أي اننا نحن المهندسين بالشركة.. نعد تلك الرسمات من اجل مشاريع الشركة..
قالت متسائلة وهي تشعر ببعض القلق: اهذا يعني انك لن تتمكن من اعداد الرسم الهندسي الذي يطلبه خالي؟..
قال بثقة: لا بل سأقوم باعداده.. دعي كل شيء لي.. فقط فلتحضروا غدا الى شركة المقاولات في الساعة التاسعة صباحا.. وسأتحدث انا مع المدير بهذا الشأن قبل وصولكما .. ومن ثم اريد ان يريني خالك منزله حتى احدد له الحجم المناسب لتلك الغرفة..
ربما ما اثار دهشة غادة وابعث على نفسها السرور في الوقت نفسه.. انه قد تحدث بصيغة الجمع.. وكأنه يطلب منها القدوم مع خالها.. في حين تعمد هشام ذلك حتى يتجدد لقاءه بها.. هذا اللقاء الذي تمناه منذ فترة.. وقالت غادة بابتسامة: فليكن سأخبره بذلك..والآن الى اللقاء..
- لحظة واحدة؟..
- ما الامر؟..
ابتسم هشام وقال: أي مبنى تريدون تصميما له في المستقبل فأنا بالخدمة.. لا تنسي انني سأحصل على اجر مقابل ذلك..
قالت غادة مبتسمة: لو برهنت لنا انك مهندس جيد.. فمن يدري ربما تكون مهندس العائلة بالمستقبل..
قال هشام بابتسامة ساخرة: اهذه وظيفة جديدة؟.. على العموم انا لست جيد فحسب بل مهندس ممتاز.. وسترين ذلك بنفسك.. عندما يمتدح خالك عملي.. او ترينه بعينيك..
- واثق جدا..
- من حقي ان اثق بنفسي..
قالت غادة في سرعة: لا تصدق نفسك.. المهم الآن.. اننا سنأتي غدا في التاسعة صباحا كما اخبرتنا.. والآن الى اللقاء..
قال هشام مبتسما: الى اللقاء ايتها المتسرعة..
لم تعلم غادة لم شعرت بالسعادة بعد تلك المكالمة.. ربما لانها تحدثت الى هشام مرة اخرى.. وربما لانها اكتشفت من كلامه انه يريد رؤيتها.. وربما لانها ستراه غدا.. وارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها وهي تنظر الى هاتفها المحمول بنظرات حالمة.. ومن ثم لم تلبث ان نفضت تلك المشاعر عنها واسرعت تغادر غرفتها لتخبر خالها بما حدث ..
********
قال عماد مبتسما وهو يقود سيارته والى جواره ليلى: لم اكن اعلم انك تحبينه الى هذه الدرجة؟..
التفتت له ليلى التي كانت تتطلع الى القلادة في شرود وقالت في دهشة: احبه؟.. ومن هذا الذي احبه؟..
قال مصطنعا الالم: من اهداك هذه القلادة.. حتى انه انساك وجودي تماما وجعلك تتطلعين الى القلادة طوال الوقت دون ان تأبهي بي..
تنهدت ليلى براحة وقالت مبتسمة: اجل احبه.. وفيم يضايقك هذا؟..
قال عماد وهو يختلس النظر اليها: لا شيء.. فقط انا احسده ..لانه استطاع امتلاك قلب فتاة فاتنة مثلك..
قالت ليلى مبتسمة: لا بأس يمكنك ان تتخيل نفسك مكانه..
قال عماد بابتسامة واسعة: احقا؟..
ضحكت ليلى بمرح ثم ما لبثت ان قالت متسائلة: ولكن الى اين نذهب نحن الآن؟.. لقد قلت انك ستدعوني الى مكان ما.. فالى اين؟..
قال مبتسما: الى منزلنا بعد الاضافات..
قالت ليلى مبتسمة وهي تلتفت اليه: هل هناك ما اضفته حقا؟..
أومأ برأسه وقال: اجل اثاث الطابق الثاني ولكن ليس بأكمله ..واتمنى ان يعجبك ذوقي..
قالت ليلى بمرح: اتمنى انا هذا ايضا.. فأخشى ان انصدم من بذوقك في اختيار الاثاث..
صمت عماد للحظات ومن ثم قال وهو يوقف السيارة بجوار المنزل ويلتفت لها وفي عينيه نظرة حزم: سأخصم من راتبك عشرة ايام..
قالت ليلى بحزن مصطنع: يا للمدير المتسلط..
قال عماد وهو يصطنع الصرامة: بل خمسة عشر يوما.. ما رأيك الآن؟..
اسرعت ليلى تقول وهي تحاول ان تمنع الابتسامة من الظهور على شفتيها: لا.. لم يتبقى لي من الراتب شيئا.. لقد كنت اعني اني سأنصدم من رؤية ذوقك الرائع بالاثاث..
ضحك عماد وقال: في هذه الحالة ستحصلين على مكافأة..
فتحت ليلى باب السيارة وقالت وهي تهبط منها: دعني اراه بنفسي.. واخبرك برأيي..
هبط بدوره وسار الى جوارها قائلا: الم تقولي انه رائع ولم يعد له أي داع لرؤيته؟..
تأبطت ذراعه وقالت بابتسامة: من يدري؟..
ربت على كفها الممسكة بذراعها وقال: لو لم يعجبك.. انا مستعد لاستبداله بآخر..
دلفا الى المنزل ومن ثم قال وهو يتطلع الى الطابق الاعلى: انه خاص بالغرف الموجودة بالطابق الاعلى..
اومأت ليلى برأسها وقالت: فلنصعد لرؤيته اذا..
اخذا يصعدان السلالم وما ان وصلا الى الطابق العلوي حتى قال عماد مبتسما: سأريك غرفة حلا اولا..
التفتت له وقالت متسائلة: اريد ان اسألك لم اخترت اسم حلا بالذات؟..
قال بخبث: ان كان لا يعجبك.. فما رأيك بوعد؟..
قالت بضيق: لا حلا افضل بكثير..
ضحك عماد وقال: الم اقل لك؟..
ومن ثم لم يلبث ان فتح باب الغرفة وقال: انظري الى غرفتها بنفسك ..
تطلعت ليلى بانبهار الى ورق جدران الغرفة والذي كان عبارة عن صور لأطفال وحيوانات برسوم طفولية.. والى السجادة التي تطرزت عليها صورلالعاب مختلفة جمعت ما بين الدمى والسيارات..واخيرا الى السرير الذي كان يسع طفل في العاشرة من عمره تقريبا..وابتسمت باعجاب قائلة: انه اروع مما توقعت..
- لانه ذوقي..
ضحكت وقالت: لا تكن مغرورا..
ابتسم وقال وهو يتناول راحتها في كفه: تعالي سأريك غرفة اخرى..
وسار في الممر ليفتح لها باب الغرفة المجاورة وقال: ما رأيك بهذه؟..
تطلعت الى الداخل بغرابة ومن ثم قالت: انها فارغة..
ضحك وقال: لاني اردت ان تختاري اثاث هذه الغرفة بنفسك ..
واردف بصوت متهدج:انسيت؟.. انها غرفتنا..
التفتت له ليلى بغتة وشعرت بتصاعدالدم الى وجنتيها وقالت وهي تشعر ببعض الارتباك:حسنا ما رأيك ان نذهب الآن لنختار الوان الستائر والجدران..
قال عماد موافقا: لا بأس.. هيا..
تبعته ليلى لتهبط درجات السلم من جديد.. وهي ترسم بعين الخيال آلاف الاحلام والامنيات التي ستحققها في هذا المنزل.. منزلها هي وعماد وفقط...
********
(طارق..هل انت متضايق بسبب ما حدث هذا الصباح؟)
قالتها وعد وهي تتطلع الى طارق الذي كان منهمكا في عمله منذ ان وصلت مع احمد من تلك المهمة الصحفية.. والذي لم يتبادل معها منذ ان وصلت حرفا واحدا واكتفى بالتطلع اليها بنظرة غامضة..ووجدته وعد يرفع رأسه لها ويقول: ولم اتضايق؟.. ما حدث كان جزءا من عملك..
ازدردت وعد لعابها بتوتر وقالت: ولكن تعابير وجهك تقول عكس ذلك وانك قد تضايقت عندما غادرت المكان برفقة احمد ..
- لا استطيع ان انكر هذا.. لقد تضايقت بالفعل في البداية .. ولكن عندما ادركت ان الامر لا يتعدى جزء من عملك .. فقد ابعدته عن ذهني..
قالت وعد وهي تتطلع اليه: طارق انت تريد ان تقول لي شيئا ما .. اليس كذلك؟..
زفر طارق بحدة وقال وهو يومئ برأسه: بلى..
وتطلع الى ساعته قبل ان يقول: ولكن ليس الآن.. سأخبرك بعد ان تنتهي فترة العمل هنا..
قالت وعد بهدوء: كما تشاء.. فلم يبقى على انتهاء العمل سوى نصف ساعة..
مر الوقت بطيئا على وعد وهي تنتظر بفارغ الصبر مرور نصف ساعة حتى ينتهي وقت العمل..وما ان اعلنت الساعة تمام الثالثة .. حتى سمعت احمد يقول وهو ينهض: الى اللقاء ..اراكم غدا .. المعذرة فأنا مستعجل فخطيبتي تنتظرني على نار الآن ..
ابتسمت وعد من تعليقه .. ومن ثم لم تلبث ان التفتت الى طارق الذي كان يصطنع ترتيب درج مكتبه حتى ينتظر مغادرة احمد ونادية..وما ان غادرا.. حتى قالت وعد بابتسامة باهتة: اظن انه بامكانك التحدث الآن..
قال طارق متسائلا بعتة: لو طلبت منك يا وعد الاستقالة من عملك هذا..فماذا سيكون ردك؟..
تطلعت اليه وعد بذهول ورددت قائلة: الاستقالة من عملي؟؟ ..
- اجل.. ماذا سيكون ردك يا وعد؟.. لو طلبت منك ذلك ..
قالت وعد متسائلة وغصة تملأ حلقها: ولكن.. لماذا؟..
قال طارق وهو يتطلع اليها بابتسامة هادئة: وعد انت ستكونين زوجتي قريبا.. وذهابك وايابك مع سواي سيثير العديد من المشاكل بيننا..
قالت وعد وهي تشير الى نفسها: الا تثق بي؟..
- بلى.. ولكن لا اثق بهم هم..لا اثق بمن سيرافقك..
اطرقت وعد برأسها وظلت صامتة.. في حين تطلع اليها طارق بلهفة واهتمام منتظرا اجابتها.. انه لم ينس بعد ما دار بينه وبين نادية من حديث هذا الصباح.. ولكنه كان مصرا على ان يفتح هذا الموضوع مع وعد على الرغم من انه بنفسه قال انه يثق بها وسيتركها تعمل في وظيفة احلامها..
ووجد وعد ترفع رأسها اخيرا وتقول بشحوب: انت تعلم يا طارق انك اغلى انسان على قلبي.. وانك حلم حياتي بأكملها ..وتعلم ايضا ان هذه الوظيفة هي وظيفة احلامي.. الوظيفة التي طالما تمنيت الحصول عليها..
وصمتت لحظات لتتمالك نفسها قبل ان تقول وهي تشيح بوجهها: صحيح ان الوظيفة كانت جزءا من احلامي .. ولكنك انت كل احلامي..لهذا لو طلبت مني ان استقيل فسأوافق.. من اجلك..
ارتسمت ابتسامة على شفتي طارق دلت على الارتياح والسرور الذي تسلل الى قلبه.. وقال مبتسما: لكني لن اطلب منك ذلك.. اردت ان اختبر مشاعرك فحسب.. حتى ارى جوابك لو طلبت منك هذا يوما..
التفتت له وعد بدهشة وقالت:الا زلت تشك بمشاعري تجاهك؟ ..
تنهد طارق وقال: ان التضحية بأحد احلامك يا وعد امر صعب ..واصعب مما تظنين ..ولقد جربت هذا بنفسي..
قالت وعد متسائلة باهتمام: جربته؟..كيف؟..
قال طارق بهدوء: اتذكرين رنا؟.. تلك الفتاة التي قابلناها عند مبنى تلك الشركة.. والتي اثارت في نفسك الغيرة تجاهي..
شعرت وعد بالضيق من ان تلك الفتاة لها علاقة بالموضوع.. وقالت: بلى اذكرها.. ماذا بها؟..
- عندما كنا ندرس سويا في الجامعة وعلى مشارف العام النهائي لنا.. قالت لي انها قد تحدثت مع احد معارفها من اجل الحصول على عمل لها.. على الرغم من عدم حصولها على الشهادة الجامعية بعد..وقد رشحتني انا لهذه الوظيفة ايضا..
قالت وعد في غيرة واضحة: ولم انت بالذات؟..
ابتسم طارق وقال: لا اظن ان الامر يتعدى كونها قد رأت اني قد اجتهدت في تخصصي وحصلت على درجات جيدة جدا فيه.. المهم ان الوظيفة كانت ممتازة.. وكان من المستحيل على احد رفضها .. وخصوصا بذلك الراتب المغري .. ولكني رفضتها..
قالت وعد بدهشة: ولم فعلت؟..
- من شروط الحصول عليها ان اتوقف عن الدراسة بالجامعة.. صحيح ان احد احلامي كان الحصول على مثل تلك الوظيفة.. ولكني ضحيت به من اجل حلم آخر.. الا وهو الحصول على الشهادة الجامعية..
واردف وهو يتنهد: لهذا اخبرك ان اصعب امر قد تتعرضين له هو التضحية بأحد احلامك..
ابتسمت وعد وقالت بحنان: لا تقارن نفسك بهذا يا طارق.. لقد اخبرتك من قبل.. قد تكون هذه الوظيفة هي جزء من احلامي.. ولكن انت حلم حياتي..
قال طارق بحب: لم يخب ظني بك با وعد.. ستظلين دائما تلك الفتاة الرائعة.. التي يجري حبها في عروقي..
قالت وعد بلهجة مرحة بغتة: هيا اسرع بترتيب اوراق عملك.. فأنا اشعر بالجوع.. سأدعوك على الغداء.. ما رأيك؟ ..
قال طارق مبتسما: موافق على ان ادعوك انا..
لوحت بكفها ووقالت وهي تلتقط حقيبتها: لا يهم.. سأنتظرك بالاسفل..
اومأ برأسه وهو يراها تغادر المكتب..ولم يعلم لم شعر ببعض الضيق فجأة عندما غابت عن عينيه.. ولكنه اسرع باعداد اوراقه للغد حتى يلحق بها متجاهلا ذلك الشعور الذي راوده..واكملت وعد طريقها لتستقل المصعد الى الطابق الارضي.. وعندما غادرت المصعد.. سمعت صوت رنين هاتفها.. فالتقطته وابتسمت بمرح وهي تجيبه قائلة: اهلا فرح.. كيف حالك؟..
قالت فرح بصوت غاضب: ما هذا ايتها السخيفة؟.. ايحدث كل هذا وانا آخر من يعلم..
ضحكت وعد وقالت وهي تواصل طريقها الى خارج المبنى: ماذا تعنين بكل هذا؟..
قالت فرح بحنق: خطبتك بكل تأكيد..
قالت وعد مبتسمة: لم يحدث شيء رسمي بعد.. انه مجرد حديث..
قالت فرح متسائلة: ولكن من هو؟..
قالت وعد بصوت حالم: انه من رأيتيه معي بالامس.. انه يعمل معي في نفس الصحيفة ويدعى طارق..
قالت فرح بدهشة: ذلك الوسيم.. لا اصدق..كيف ارغمته على المجيء لخطبتك؟..
قالت وعد بحدة: هيي انت يا فتاة.. لست ارغم احد على شيء .. ان اراد طارق فعل شيء فسيفعله بنفسه.. انه ليس من ذلك النوع الذي يأمره أي شخص كان..
قالت فرح بخبث: اذا فربما كان الحب هو السبب..
ابتسمت وعد وقالت: ربما..
قالت فرح مبتسمة: لم تخبريني بأي شيء ابتها الماكرة.. حتى كيف كان لقاءكما الاول على الاقل..
قالت وعد بابتسامة وهي تستعيد ذكرى ذلك اليوم: كل ما استطيع ان اصفه به.. انه كان لقاءا عاصفا و...
(اهلا.. كيف حالك؟..)
بترت وعد عبارتها والتفتت في حدة الى صاحب العبارة السابقة .. ومن ثم لم تلبث ان عقدت حاجبيها وقالت متحدثة الى فرح: سأحدثك بعد قليل يا فرح.. الى اللقاء..
وعادت لتلتفت الى صاحب العبارة وقالت بحنق: والآن..ماذا تريد؟..
قال سامر بسخرية: صحيح اين صديقك ذاك صاحب التهديدات؟ ..
قالت وعد ببرود: اولا انه خطيبي.. وثانيا هو في طريقه الى هنا حقا ..
ضحك سامر بسخرية وقال: اجل صدقتك.. فالنرى اذا ما الذي سيفعله لو اقتربت منك كما كان يقول..
وسار بضع خطوات متقدما منها ووعد تحاول ان لا تجعله يلحظ ذلك التوتر الذي طرأ عليها.. واردف هو قائلا: من الحماقة ان يتركك تخرجين وحدك.. الا يخشى عليك خطيبك المزعوم ذاك؟..
قالت وعد بعصبية: لا اريد ان اضيع وقتي معك.. ابتعد عن طريقي ..
لكن سامر تعمد ان يقف امامها مباشرة مانعا اياها من التقدم وقال وهو يميل نحوها: اخبريني .. ما الذي اعجبك فيه؟..
قالت وعد بحزم وهي تتطلع اليه: على الاقل هو ليس مخادعا..
عقد سامر حاجبيه وقال بحدة: ان كنت تقصدينني فأنت مخطئة.. لم اخدع أي فتاة ابدا..
قالت وعد بسخرية: ومن تحدث عنك او عن أي فتاة.. ولكن من يشعر انه قد ارتكب خطأ .. لابد وان يزل لسانه ذات يوم بالاعتراف ..
قال سامر بخشونة: اتعلمين انك فتاة وقحة..
قالت وعد بحدة: لابد وان تظهر على حقيقتك وخصوصا بعد ان علمت انه لم تعد كلماتك المعسولة ذات نفع معي..فقناعك الزائف قد بدأ يسقط الآن ليظهر وجهك الحقيقي ..
قال سامر بغضب: ايتها الـ...
قاطعه بغتة صوت طارق وهو يقول في صرامة: اياك وان تشتمها ..
واردف بصوت اكثر صرامة: لقد تجرأت على الاقتراب منها على الرغم من اني قد حذرتك..
تطلع له سامر وقال بلامبالاة: اهلا طارق..لقد كانت مغادرة المكان وقد عرضت عليها ان اوصلها في طريقي ليس الا..
تقدم منه طارق وقال بصوت يجمد الدم في العروق: اسمع يا هذا .. انني اكره المخادعين امثالك.. لقد بت مكشوفا للجميع بالصحيفة.. وان لم تبتعد عن طريقنا فستندم.. اتفهم؟..
قال سامر بسخرية: كف عن تهديداتك التي لا طائل منها و...
قاطعه طارق وهو يجذبه من ياقة قميصه اليه وقال بصرامة: ان لم تسمعني جيدا.. فسأعيدها مرة اخرى.. قلت ابتعد عن طريقنا ..وحذاري ان تقترب من وعد مرة اخرى..
وشدد من قبضته مردفا: وانت اكثر من يعلم اني عندما اقول شيئا فأنا اعنيه ..وللمرة الاخيرة احذرك..نحن لسنا في مبنى الصحيفة الآن.. ويمكنني ان اجعل من جسدك هذا جثة هامدة على الطريق العام..
ظهر التوتر لأول مرة في عيني سامر.. وقال وهو يحاول تدراك الموقف: لم اكن اود ان اسيء اليها صدقني.. لقد كنت اتحدث اليها فحسب..
التفت طارق الى وعد.. التي ارتبكت وهي ترى في ملامحه كل تلك الصرامة.. وقال لها: اخبريني .. هل اساء اليك؟..
كانت وعد تريد ان تجيبه بالايجاب ولكنها احست انها لو فعلت ذلك ستتسبب في مشكلة جديدة لطارق .. فقالت بابتسامة باهتة: لا.. لقد كان يحاول التحدث الي ليس الا..
قال سامر في سرعة: ارأيت؟.. لم احاول الاساءة اليها على الاطلاق ..
ازاحه طارق عنه في خشونة وقال : اذهب واياك ان ارى وجهك مرة اخرى..
عدل سامر من هندامه ومن ثم اسرع يبتعد.. في حين قالت وعد وهي تقترب من طارق مبتسمة: لأول مرة اراك على هذه الدرجة من الغضب..
قال طارق هو يحاول ان يهدئ اعصابه: لقد كان يستحق ذلك حتى لا يفكر مجرد تفكير ان يقترب منك مرة اخرى..
قالت وعد وهي تعقد كفيها خلف ظهرها: ولكني سعيدة ..لاني رأيتك تحاول حمايتي للمرة الثانية وتدافع عني بكل قوة ..
التفت لها طارق وقال مبتسما: يالك من فتاة.. اتظنيني اصمت عنه اذا وانا اراه يحاول ايذائك..
ضحكت وعد وقالت: ولكنك ارعبتني بنظراتك..
قال طارق وابتسامته تتسع: فلننسى هذا الامر.. ولنذهب لتناول وجبة الغداء.. فلست وحدك الجائعة..
اومأت وعد برأسها وهي تسير الى جواره.. وان شعرت بداخلها ان هذه هي البداية.. البداية لتحقيق احلامها..التي ستتحقق بوجود طارق فقط...
*********

انشغل هشام باعداد ذلك الرسم الهندسي في مبنى الشركة .. لمنزل ما وقد صمم نوافذه وابوابه بشكل مميز الذي جعله نادرا من بين المنازل..وزفر بتعب وهو يسند ظهره الى مسند المقعد..لكنه لم يلبث ان عاد لمواصلة عمله و..
(هناك زوار يطلبون رؤيتك.. ايها المهندس هشام)
كاد هشام ان يسأل ذلك الموظف ناطق العبارة السابقةعن هؤلاء الزوار .. لكنه رآه يبتعد.. ورآها تظهر امام عينيه .. آية من الجمال تسير على قدمين.. هي بنفسها بشعرها الكستنائي القصير وخصلاته المبعثرة على جبينها وملامحها الرقيقة ..ورأى من خلفها ذلك الرجل الذي غطى الشيب فوديه فاكسبه مظهرا وقورا..وادرك على الفور انه خالها الذي تحدثت عنه..
وفي نفس اللحظة كان الخال يهمس لغادة قائلا: لا اعلم سر اصرارك على المجيء معي..
ازدردت غادة لعابها وقالت: انه الفضول ليس الا.. لرؤية منزلك وما ترغب باضافته عليه من تعديلات..
قال خالها بشك: اهذا السبب حقا؟..
اومأت برأسها في ارتباك وهي تحاول تحاشي اسئلة خالها وسألها هو: ايهم ذلك المهندس المدعو هشام؟..
ومع انها كانت تنظر باتجاهه.. وهو بدوره كان ينظر باتجاهها الا انها قالت: لقد قال ذلك الموظف الذي اوصلنا الى هنا .. انه يجلس خلف آخر مكتب على اليمين .. أي بجوار مكتب تلك المهندسة..
انقبض قلب غادة بغتة.. وهي تشعر بالضيق الشديد.. الم يجد مكانا آخر الا بجوار مكتب تلك المهندسة؟.. هل انتهت مساحة القسم فجأة ليكون الى جوارها؟..ومن جانب آخر كان هشام يتابع نظرات زملاءه بالمكتب التي تركزت على غادة واخذت تتابعها باعجاب.. وعقد هشام حاجبيه.. ما بالهم؟..الم يلتقوا بفتاة في حياتهم؟.. والتفت الى احدهم وهو يتطلع له بنظرة حازمة ولكن زميله غمز له بعينه بخبث ..وعاد هشام ليلتفت الى غادة وخالها وسمع هذا الاخير يقول: أأنت المهندس هشام شريف؟..
اومأ هشام برأسه وقال : اجل انا هو..
قال الخال بهدوء: انا فؤاد حازم.. لقد حدثتك بالامس ابنة اختي بشأن التصميم الخاص بالغرفة التي اود ان اضيفها بالمنزل..
مد هشام يده مصافحا وقال مبتسما: بلى وقد اعددت كل شيء لذلك .. وقد وافق المدير ان اقوم بهذا التصميم لك على ان تقوم بالمقابل بالدفع لصالح الشركة..
قال فؤاد متسائلا:لا بأس ولكن متى ستبدأ باعداد هذا الرسم؟ ..
اجابه هشام قائلا: بعد ان ارى الموقع ومساحته والشكل المناسب الذي سيتم على اثره اختيار مساحة الغرفة وشكلها الخارجي..
قال فؤاد بابتسامة هادئة: اذا هل نذهب الآن لرؤية المنزل؟..
اومأ هشام برأسه ومن ثم التفت الى شذى قائلا: هيا يا آنسة شذى.. سنذهب الآن..
اتسعت عينا غادة بدهشة واستنكاروقالت: هل سترافقنا هذه المهندسة ؟..
اومأ هشام برأسه وقال وهو يلتفت الى غادة: اجل..
عقدت غادة ذراعيها امام صدرها وقالت مصطنعة اللامبالاة: ولم هي بالذات؟.. اعني ان القسم مليء بالمهندسين..فلم اخترتها هي؟..
قال فؤاد بغرابة: غادة.. ماذا تقولين؟.. وما دخلك انت؟..
هزت كتفيها وقالت وهي تخفي توترها: مجرد سؤال..
ابتسم هشام قي تلك اللحظة وقال: لا يغرنك يا آنسة غادة انها مجرد فتاة.. فهي مهندسة بارعة.. ولديها افكار ممتازة ..ثم لست انا من اختارها لترافقنا.. بل المدير..
ظلت غادة صامتة وهم يغادرون القسم.. وان حاولت ان لا تجعل شيء من الغيظ المعتمر بداخلها من الظهور على وجهها ..وما ان غادروا مبنى الشركة .. حتى قال هشام: امنحني عنوان منزلك يا سيد فؤاد حتى اذهب انا والآنسة شذى اليه..
عقدت غادة حاجبيها بضيق اكبر.. ايضا يريد الذهاب معها لوحده.. فليحلم.. مادمت هنا فلن تهنئ معها ولو للحظة واحدة .. وقالت وهي ترسم ابتسامة على شفتيها.. وان ظهرت نظرتها ماكرة بعض الشيء: ما رأيك يا خالي ان نذهب جميعنا في سيارتك؟.. فقد لا يستطيع المهندس ان يتعرف الطريق الى منزلك ..
قال فؤاد بحيرة: ولكن يا غادة.. اذا ذهبنا جميعا بسيارتي.. فسيكون علي أن ...
قاطعه هشام قائلا وهويختلس النظرات الى غادة : لا بأس.. يمكنك ترك سيارتك هنا يا سيد فؤاد.. وسنذهب جميعا بسيارتي.. وسأعيدكما الى هنا بعد الانتهاء من عملنا بمنزلك ..
قال فؤاد بابتسامة هادئة: لا بأس..
اشار لهم هشام عندها الى احدى السيارات وقال: انها تلك السيارة الرياضية..
لم تكن غادة تحتاج لان يشير اليها.. فقد تعرفتها منذ الوهلة الاولى.. كيف لا وقد صدمت هذه السيارة ذات يوم؟ ..كيف لا وقد كانت هذه السيارة سببا للفاءها بهشام؟ ..وتوجهت الى تلك السيارة من فورها وتعمدت ان تتجه الى الباب الخلفي من جهة السائق..ورأت هشام يقترب منها في تلك اللحظة وهمس لها قائلا وهو يتجه الى الباب الامامي: يالك من متسرعة.. الا تنتظرينا حتى؟..ثم ماهذه الحيل القديمة؟ ..
همست له بخفوت قائلة: ماذا تعني بقولك هذا؟..
فتح الباب الامامي له وقال دون ان يلتفت لها: اصرارك على الذهاب جميعا في سيارة واحدة..
كادت ان تعلق على عبارته ولكنها وجدته يحتل مقعد السائق .. فزفرت بحنق وهي تحتل مقعدها الخلفي بدورها ..وسمعت خالها يرشد هشام الى الطريق حيث منزله.. ولكنها لم تأبه بذلك .. بل اختلست النظرات الى شذى التي تجلس الى جوارها.. كانت فتاة جميلة .. لا يمكن انكار هذا ..بالاضافة الى انها مهندسة بارعة كما كان يقول عنها هشام منذ قليل..وافكارها ممتازة و...
شعرت بغصة في حلقها وهي تتذكر كلماته.. لقد كان يمتدح تلك الفتاة امامها.. وهي لم تنل سوى السخرية منه..لماذا يمتدح تلك الفتاة ويسخر منها هي؟.. هل هو معجب بهذه المهندسة يا ترى؟.. اذا لماذا يظل على اتصال بي لو كان كذلك؟.. ربما هو يتسلى ولا يريد اكثر من تضييع الوقت .. ولكن...لا تعلم لم تشعر انه مهتم لأمرها.. تماما مثلهاهي و... يا الهي.. ما بالي.. كلما تذكرت هشام ..يصل تفكيري الى الاهتمام وربما الميل والحب!!.. لا.. انا احب هشام.. مستحيل.. انه مجرد اعجاب لا اكثر..
ولكن دقات قلبها اخذت تخفق بعنف من تفكيرها ذاك.. وكأنها تشهد على مشاعرها تجاه هشام.. ورفعت رأسها الى المرآة الجانبية.. وركزت نظراتها على ملامحه.. انه وسيم ..لا بل اوسم مما كنت اظنه.. وابتسامته تزيد من هذه الوسامة .. واسلوبه الساخر يجعله ذا طابع فريد.. لم اقابل شاب مثله في حياتي.. لا يستطيع المرء التفريق بين جده وهزله ..
وبينما هي غارقة في افكارها.. لم تلحظ عينا هشام الذي شعر بنظراتها.. وابتسم لها بسخرية وهو يتطلع لها ..واتسعت عيناها لوهلة في دهشة من ابتسامته الساخرة ..ولم تلبث ان اشاحت بوجهها عنه في حدة .. والتقط هو هاتفه المحمول ليكتب رسالة قصيرة في سرعة وعيناه على الطريق في الوقت ذاته..وانتفضت غادة بحدة عندما سمعت صوت رنين هاتفها معلنا عن وصول رسالة قصيرة..وازدردت لعابها لعلها تسيطر على توترها.. وفتحت تلك الرسالة .. وشعرت بدهشة بالغة لان مرسلها كان هشام..واخذت تلتهم كلماتها التي كانت تقول (ما بالك؟.. الم تري شاب وسيم في حياتك حتى تلتهمينه بنظراتك ؟) .. ارتفع حاجبا غادة بذهول.. كيف يجرؤ؟..ياله من وقح.. واسرعت تضغط ازرار هاتفها بعصبية لترسل له رسالة قصيرة بدورها .. وما ان سمع هو نغمة وصول الرسالة.. حتى التفت الى المرآة الجانبية وتطلع الى غادة للحظة رأى فيها ملامحها الغاضبة.. وفتح الرسالة التي كانت تقول ( بل لأول مرة ارى فيها شاب قبيح وسخيف مثلك)..اتسعت ابتسامته الساخرة واسرع يرسل لها رسالة اخرى والتي كانت تقول ( لا تكذبي.. لقد كانت نظراتك لي هائمة .. ايوجد فتاة تتطلع الى شاب قبيح بذلك الهيام؟ ..اعترفي بما يجول في داخلك)..
وما ان وصلت الرسالة الى غادة حتى عقدت حاجبيها بحدة.. هل فقد عقله؟.. بالتأكيد هو كذلك.. يريدني ان اعترف .. وبم اعترف؟ .. ويبدوا انه قد اصابه الجنون في سن مبكرة .. لقد اخطأت عندما نظرت اليه حتى..دارت هذه الفكار في رأسها وهي تعيد هاتفها الى حقيبتها ببرود..
وفي تلك اللحظة كان هشام قد وصل الى منزل خالها.. فأوقف السيارة ليهبطوا جميعا منها ويتجهوا الى الداخل..وسار خال غادة الى الداخل وهو يرشدهم الى الحديقة الخلفية التي يفكر ان يقوم ببناء غرفة على احد زواياها..واقترب منه هشام وشذى.. فأحذ يشرح لهم خالها الشكل الذي يرغبه للغرفة ومساحتها التقريبية.. وغادة تتطلع اليهم بنظرات غاضبة.. وهي ترى عمل هشام المشترك مع شذى.. تراه يتبادل معها الكلمات ويتناقش في كل شيء.. ليتها كانت مكانها الآن لتتمتع بحديثها اليه.. حتى لو كان ساخرا او مستفزا..تريد ان تكون بقربه ولو للحظات..
شردت بأفكارها ونظراتها مثبتة على كل من هشام وشذى.. الى ان قاطعها صوت خالها وهو يقول: غادة.. تعالي معي الى الداخل..
التفتت الى خالها وقالت بدهشة: ولماذا؟..
جذبها من كفها لتقترب منه وقال لها بهدوء: سنعد العصير لهما.. فكما ترين الجو حار..
اختلست غادة نظرة الى هشام وهمست لنفسها قائلة: (تريدني ان اغادر يا خالي واتركهما لوحدهما..هذا من سابع المستحيلات .. لن يهنئا معا وانا موجودة.. وسترى يا هشام ما الذي سأفعله؟)..والتفتت لخالها قائلة ببرود: فليكن..
دخلت مع خالها الى داخل المنزل وتوجهت الى المطبخ الذي كان يطل على الحديقة الخارجية.. وشردت بافكارها وهي تطل من النافذة لتراهما يعملان معا..تبا لها.. لم اختارها المدير هي بالذات؟..الا يوجد مهندسين بالشركة باكملها حتى يختارها هي؟..واسرعت باعداد العصير لتأخذه الى الخارج .. فقال لها خالها: انتظري قليلا.. سآخذه انا اليهما..
التفتت غادة الى خالها وقالت بابتسامة: وماالفرق؟..اذهب انت واسترح وسآخذه انا اليهما..
تطلع اليها خالها بغرابة لسر اصرارها على ان تأخذ العصير لهما.. اما هي فقد توجهت الى الخارج وتعمدت ان تحمل كأسي العصير الى شذى اولا وقالت بابتسامة مصطنعة: تفضلي..
التقطت شذى بهدوء كأس العصير وقالت بهدوء: اشكرك..
ومن ثم أعادت انظارها الى مساحة الارض الواسعة.. وتوجهت بالكأس الآخر الى هشام وقالت بابتسامة واسعة هذه المرة:تفضل العصير..
قال هشام مداعبا وهو يلتقط الكأس: ولم منحت احدالكأسين الى شذى اولا..أخشى ان يكون السم موجودا في كأسي..
قالت بسخرية: لن اقتلك وانت في بيت خالي.. ربما لو كنت خارجه لفكرت بالامر..
قال وهو يميل نحوها ويغمز بعينه: لا تستطيعين ..
قالت وهي تمط شفتيها: ولم لا؟..
قال بعد ان ارتشف قليلا من كأسه: انسيت.. حيلتك في ان نبقى جميعا في سيارة واحدة..ثم نظراتك لي بالسيارة ..واخيرا نظرات الضيق التي توجهينها لي انا وشذى كلما كنا معا.. ماذا يعني كل هذا غير انك تميلين لي وتشعرين بالغيرة من شذى..
اتسعت عيناها باستنكار واحست بالتوترهي تشعر انه يلمس شيئا من الحقيقة وقالت بحدة: أي قول تقوله؟.. اغير ممن وعلى من؟.. من تلك المهندسة التي لا تمتلك حتى نصف جمالي.. وعليك انت .. هذا هو المستحيل بعينه.. ربما لو انتهى الرجال بالكرة الارضية.. ربما حينها تستطيع ان تظن مثل هذا الظن..
ضحك هشام بسخرية وقال بخبث: ولم كل هذا الغضب؟.. يمكنك ان تقولي بكل بساطة..انك لا تهتمين لامري.. بدل كل تلك التبريرات او بدل ان تمتدحي جمالك امامي..
اشارت له بيدها وقالت بحنق: هذا فقط حتى لا تفكر اية افكار سخيفة بشأني..
ابتسم وقال: لقد اقنعتيني بتبريراتك بكل صراحة..
قالت غادة وهي تتطلع اليه بشك: اتعلم.. اشك ان المدير هو من طلب منك ان تكون تلك المهندسة معنا..
قال وهو يهز كتفيه: وهل يصنع ذلك فارقا؟..
كادت ان تجيبه.. لكنها تريثت قليلا وفكرت ان ما تقوله سيفضح مشاعرها.. لذا فقالت ببرود: ابدا.. ولكني اردت ان اكتشف ان كنت تخدعنا او لا..
قال مبتسما: اطمئني لست اخدع احدا.. لقد طلب مني المدير اصطحابها معنا حقا..لما لديها من خيال واسع تجعلها تبتكر تصاميم ممتازة..
سألته قائلة: ومنذ متى تعملان معا؟..
قال هشام بسخرية: لم؟.. هل تفكرين بمنحها مكافأة على سنوات خدمتها في الشركة؟..
قالت بعصبية: بل افكر في ان اعرف كم من السنوات قد احتملتك تلك الفتاة..
- حسنا .. انها سنتان لا اكثر..
ضيقت غادة عينيها ..اذا فهو يعرفها منذ وقت طويل..وربما تلك الفتاة معجبة به او ربما هو كذلك يبادلها تلك المشاعر ..وقالت غادة بهدوء:هل اسألك سؤال وتجيب عنه بصراحة؟ ..
قال هشام وهو يبعد عينه عنها ويتطلع ال العمل الذي تقوم به شذى: هذا يتوقف على السؤال نفسه..
تابعت غادة نظراته ورأته يتطلع الى شذى باهتمام.. ولكنه في الحقيقة كان يتطلع الى ما تقوم به شذى من عمل.. ووجدت نفسها تقول بعصبية: لماذا تتصل بي دائما وتزعجني باتصالاتك ما دمت غير مهتم لأمري كما تقول؟..
التفت لها وقال بابتسامة جذابة: ومن قال اني لست مهتم لأمرك؟ ..
خفق قلب غادة في قوة.. وازدردت لعابها بارتباك ومن ثم قالت وهي تبعد عينيها عنه باضطراب: مهتم؟.. ولم انت مهتم؟ ..
هز كتفيه وقلا: لانك صدمت سيارتي وحطمتيها فلابد ان تدفعي ثمن هذا بأن اضايقك لسنة كاملة..
فغرت فاهها بدهشة ومن ثم لوحت باصبعها في وجهه وقالت بغضب: اسمعني يا هذا.. كف عن الحديث عن السيارة لاني قد اصلحتها لك..وان كنت لا تفكر الا في مضايقتي فاعلم اني استطيع انا الاخرى ان احيل حياتك جحيما..
قال بسخرية: حقا؟.. ثم يا آنسة انا من اصلحها على حسابي لا تنسي هذا.. واعلمي ايضا اني لست ممن يمكنك تهديدهم ..
- وهذا ما لا افهمه لماذا اخذتني الى هناك اذا وطلبت مني ان اصلح سيارتك؟.. اكل ذلك كان تمثيلا فقط؟..
وبدلا من ان يجيبها منحها كأس العصير وقال مبتسما: شكرا علىالعصير..
وابتعد عنها ليواصل عمله.. وفي داخلها شعرت غادة بالغضب والعصبية.. ليس من تصرفاته وحسب.. بل لانه دائما يشير الى ان علاقتها به لا تتعدى التسلية او مضايقتها.. وشعرت بغضبها هذا يتضاعف.. عندما رأت تلك الابتسامة من هشام.. لم تكن لها بل لشذى.. ووجدت نفسها تصرخ فيه هاتفة: هشام ..
استغربت شذى مناداتها لهشام من غير اية القاب.. ولكن تسرع غادة الدائم هو ما يجعلها تتصرف دون تفكير.. في حين التفت لها هشام وقال بدهشة وهو يعود ادراجه لها: ما بالك لم تصرخين هكذا؟..
ارتبكت وقالت: ان .. اعني ان.. هناك حشرة رأيتها على قدمي..ولهذا صرخت بخوف..
قال بسخرية: ولم تصرخين باسمي بالذات؟..اخبرتك يا آنسة انك تهمين بي.. فلم لا تعترفين؟..
اسرعت تقول: في احلامك..
ولوحت له بيدها وهي تبتعد عنه وقد حققت ما ارادته بابعاد هشام عن شذى قائلة: عن اذنك..
وابتسمت ابتسامة سعيدة وخجلة وهي تلقي على هشام نظرة أخيرة..وكأنها نظرة اعتراف لمشاعرها له..
*********
يسيران جنبا الى جنب..بخطوات هادئة تخشى ان تفسد ذرات الرمل.. متشابكي الايدي.. مثبتين للجميع أي حب يجمعهما ..ونظرات الهيام وهمسات الحنان التي تنطلق من بين شفتيهما بين الحين والآخر..واخيرا توقفت هي لتقول بابتسامة : اذا فهو الغد ..
قال هو مبتسما: اجل انه اليوم الذي كنت انتظره منذ زمن طويل.. يوم عقد قراننا يا وعد..
التفتت له وعد وقالت: احقا كنت تنتظره؟..
اومأ طارق برأسه وقال بحنان: واقسم علىهذا..
تردد ت قليلا ومن ثم قالت: ولكن ماذا عن مايا.. ماذا عن رنا؟؟..
تطلع طارق الى عينيها مباشرة وقال: مايا هي الماضي يا وعد.. اما انت فالحاضر والمستقبل..
مست كلماته شغاف قلبها..وقالت بتردد: ورنا؟..
ابتسم وقال: ماذا بها هي الأخرى؟.. انا لم ارها منذ فترة طويلة ولا اعرف عنها أي شيء سوى انها كانت زميلة لي ايام الجامعة..
- فقط..
وضع كفه على كتفها وضغط عليه بحنان وحب قائلا: اجل فقط.. ولا تدعي غيرتك توهمك لما هو اكثر من هذا..
تطلعت وعد الى الافق البعيد والى مياه البحر النقية..وقال بابتسامة حانية: اتعلم لم احب هذا المكان؟..
لم يجب وان ظهر على وجهه التساؤل.. فقالت مبتسمة: لانه في هذا المكان رسمت شخصية فارس احلامي.. وبدأت اتخيل بداية لحلم حياتي..
ابتسم قائلا: وكيف بدأ هذا الحلم؟..
قالت بشرود: لقد كنت اتخيل نفسي اغرق في البحر فينقذني .. او اراه يسير الى جواري بجانب مياه البحر..
قال طارق بمرح: اظنك تقصديني في هذه الحالة..
همست وعد وقالت: ومن قال انك لست حلم حياتي الذي حلمت به طويلا..
التقط طارق كفها بين كفيه وقال بحنان: وانت يا وعد.. لست مجرد حلم تمنيته طوال السنين الماضية.. لست مجرد حلم راودني في احلامي.. بل اصبحت واقعا منذ هذه اللحظة..
وامسك بذقنها ليرفع رأسها اليه ويتطلع الى عينيها بحب وهو يقول: لو كان ما نحن فيه حلما فلا توقظيني منه ارجوك..
تطلعت اليه وقالت مبتسمة: وهل تشعر بالاحلام؟..
قالتها وهي تبعد كفه عن ذقنها برفق.. وتمسك بها وهي تقول بمرح: هل يمكنك اللحاق بي؟..
غمز بعينه وقال: جربيني فقط..
تركت كفه في سرعة وقالت بمرح وهي تجري مبتعدة عنه: الحق بي اذا..
ارتسمت على ثغر طارق ابتسامة تحمل ما بين السعادة والمرح وهتف بها قائلا: لقد اخترت الشخص الخطأ لتتحديه..لاني سألحق بك بعد دقيقة واحدة فقط..
قالت وعد بابتسامة واسعة وهي تجري بكل سرعتها: ارني ما لديك اذا..
اسرع يجري خلفها وقال : انت من اردت هذا..
قالت وعد بتحدي: لن تستطيع اللحاق بي ابـ...
قاطعها صوته وهو يقول: من هذا الذي لن يستطيع اللحاق بك؟..
شهقت وعد وهي تراه امامها واخذت تبطأ من سرعتها ولكن مع هذا اصطدمت به .. فضحك هو قائلا وهو يمسك بكتفيها ويبتطلع الى وجهها الذي توردت بحمرة الخجل: ما الامر؟.. هل اكتشفت لتوك اني عداء ماهر؟..
ابتعدت وعد خطوة الى الخلف وقالت مبتسمة بخجل: انت خصم لا يستهان به ابدا..
داعب وجنتها وقال بهمس: هل عرفت هذا الآن فقط؟..
تسارعت ضربات قلب وعد وهي تشعر بلمسته الدافئة والحنونة.. كانت تريد ان تقول شيئا ما.. ولكن توترها عقد لسانها وجعلها مكتفية بالصمت..واردف طارق قائلا وهو يتطلع اليها بحنان: لو تعلمين كم احبك يا وعد..
اطرقت برأسها بخجل ولم تقوى على الاجابة.. فابعد طارق كفه ليلتقط كفها في راحته وقال: هل نكمل طريقنا الآن؟.. ام انك ستتحديني مرة اخرى؟..
هزت وعد رأسها نفيا وقالت : لست في حاجة لان اتحداك.. فقد علمت أي خصم هو انت..
- اجل انت محقة فقد استطعت ان اهزمك واحتل قلبك..
اشارت اليه وقالت مبتسمة: وانت.. الم اهزمك انا ايضا؟..
قال طارق بحنان :بل استطعت ان تقلبي كياني رأسا على عقب.. لم اعد استطيع التفكير الا بك.. لم اعد ارى من حولي سواك.. لقد بت اتلهف لسماع صوتك بمجرد ان انهي اتصالي بك.. اصبحت اتمنى رؤيتك بعد ان نفترق للحظة.. ارأيت أي انسان جعلتيني ؟.. لقد بت مجنونا بك..
تطلعت اليه وعد بحب ولهفة كبيرين.. وكانت نظرتها هذه تكفيه.. ليواصل سيرهما معا على رمال ذلك الشاطئ الذي شهد حبهما في كل لحظة قضياها فيه...
*******
( لم اكن اعلم ان لدي ابنة عم بمثل هذا الجمال..)
قالتها فرح بابتسامة واسعة وهي تحتل المقعد المجاور لوعد على المسرح وتستمع الى انغام الموسيقى التي ملأت تلك الصالة الواسعة .. والتفتت لها وعد قائلة: لا تجامليني اكثر من هذا.. ثم لم تجلسين هنا؟ ..
قالت فرح مبتسمة: اولا انا لا اجاملك.. وثانيا انا اجلس هنا من اجل تسليتك.. ام انك تضايقت مني.. وتريدين قدوم عريسك باسرع وقت ممكن..
قالت وعد مبتسمة: اجل اريده ان يأتي..
ضحكت فرح ومن ثم قالت: يا للخبيثة.. اتحبينه الى هذه الدرجة؟..
قالت وعد وهي تهز كتفيه: هو زوجي الآن ومن حقي ان احبه.. اليس كذلك؟..
- بلى ولكن ماذا عن قبل ذلك..هل كنت تحبينه قبل ان ترتبطي به؟..
اجابتها وعد بشرود وبنظرة حالمة: سأكون كاذبة ان اجبت بلا.. لقد اسرتني عيناه منذ ان رأيته لاول مرة.. وخفق قلبي لرؤية وسامته.. وسحرني غموضه.. كان غامضا بأكثر مما تتصورين.. لا يتكلم الا نادرا.. ووجدت نفسي فجأة معه في مهمة صحفية..
قالت فرح تستحثها على المواصلة: وبعد اكملي..
ضحكت وعد وقالت: لقد كان دائما ما يوجه لي الملاحظات على اني صحفية مبتدأة لا تعرف شيئا.. في حين كنت انا احاول ان اثبت له العكس باستفزازه احيانا..
قالت فرح بدهشة: انت وطارق؟؟..
اومأت وعد برأسها ومن قم قالت: قد تستغربين ما اقوله لك.. وانا نفسي لم اكن اتوقع يوما ان ارى نفسي في هذا المكان او اكون زوجة لهذا الشاب الرائع.. لقد حصلت على اكثر مما اتمنى يا فرح..
قالت فرح مبتسمة: اتمنى لك السعادة يا وعد من كل قلبي..
قالت وعد بامتنان: اشكرك.. وانا اتمنى لك السعادة انت.. وهشام..
واردفت متسائلة: بالمناسبة ماهي اخباره؟.. اعني بعد ان علم بأمر اقتراني بطارق..
قالت فرح وهي تزفر بحدة: اطن انه كان يعلم بهذا الامر قبلنا جميعا.. فلم تبد عليه أي لمحة من آثار الدهشة..وحتى الاستنكار لم اره على وجهه.. واكتفى بأن يقول : اتمنى ان تحيا بسعادة مع من اختارته بنفسها..
قالت وعد باهتمام: الم يبدوا عليه الحزن او الغضب؟..
قالت فرح بهدوء: لقد رأيت لمحة من الحزن في عينيه سرعان ما اختفت.. وكأنه يحاول ان يبدأ من جديد..
- اتمنى ان يجد فتاة احلامه قريبا التي تستطيع ان تجعله ينساني.. فشقيقك انسان رائع يا فرح..
كادت فرح ان تهم بقول شيء ما.. لولا ان وجدت والدة وعد تتقدم منها وتقول: سيدخل طارق الى صالة الحفل بعد قليل ..
رددت وعد بهمس: طارق..
اسرعت فرح تنهض وتقول بخبث: اذا اتركك معه..
ورأته وعد في تلك اللحظة واقفا عند البوابة الرئيسية للصالة ..وما ان تغيرت انغام الموسيقى الى انغام خاصة حتى ارتفعت عيناه الى حيث تجلس وعد.. وسار الى حيث هي بخطوات هادئة وواثقة.. وهو يرسم على شفتيه ابتسامة عكست ما بداخله من سعادة لهذا اليوم الذي تمناه..وواصل سيره وعيناه معلقتان بذلك الملاك الذي يتطلع له ببسمة خجلة..وما ان وصل اليها حتى قال بهمس: مبارك..
كادت ان تشكره لولا ان وجدته يميل نحوها ويقول بهمس: احبك يا وعد..
قالها ومن ثم طبع على جبينها قبلة تمتلأ بالحب والحنان..ومن ثم اردف قائلا: تبدين رائعة الجمال هذا اليوم..لا اكاد اعرفك..
ضحكت وعد بخجل..وان شعرت بقليها يخفق بسرعة غريبة.. وكأنه سيخرج من بين ظلوعها..ورفعت عيناها له لتتأمله لاول مرة في هذا الحفل.. وعندها تعلقت عيناها به وهي تلمح وسامته التي تضاعفت مرتين على الاقل بحلته الفاخرة .. وجلس طارق الى جوارها قائلا: اخبريني الا تريدين ان اكتب موضوعا في الصحيفة عن حفلنا هذا؟..
قالت وعد باستغراب: اتتحدث بجدية؟..
قال بابتسامة واسعة: ولم لا؟.. اتظنين انك لا تستحقين هذا.. يكفي انك وعد.. الفتاة الوحيدة التي استطاعت ان تختطف قلبي..
قالت وعد مبتسمة: مع اني صحفية ولكني افضل ان لا يعلم الناس عن امرنا شيئا.. فليقرأوا ما يهمهم من اخبار العالم.. اما نحن فلنا عالمنا الخاص..
قال طارق بابتسامة اعجاب: معك حق..
في تلك اللحظة شاهدت فرح تقترب منهم وتقول بابتسامة: سترتديان خاتمي الخطوبة الآن..
قالتها وسلمتهما علبتين اخذت كل واحدة منهما شكل نصف قلب..وقالت وعد مبتسمة: اتعلمين يا فرح .. اني لم ارى خاتمي ابدا..
تطلعت لها فرح بحيرة فأردفت وعد قائلة: لقد رفض طارق ذلك.. وقال انها مفاجأة..
قالت فرح وهي تميل نحوها: لا بأس سترينه الآن..
قالتها ومن ثم اشارت للمصورة بأن تتقدم.. فنهض كل من طارق ووعد واقفين وفتحت وعد علبتها لترى خاتما فضيا بسيطا وان دل على ذوق رفيع.. ورأت نفش اسمها عليه..وبجانيه تاريخ عقد قرانهما.. وابتسمت بشرود وهيام حين قال طارق مبتسما: النساء اولا.. هيا مدي لي يدك اليمنى..
مدت له كفها بتوترها.. فالتقطها في راحته وهمس قائلا بحنان: ولم ترتجفين؟..
قالت وهي تزدرد لعابها: لا اعلم.. انه التوتر والقلق الذي سيطرا علي منذ دخلت الى صالة الحفل..وانا اشعر بأن كل من في الحفل ينظرون الي..
قال طارق بهمس: بكل ـاكيد.. لانك العروس.. ولكن انسي كل من حولك ..وانظري الي فقط ..
قالت بابتسامة مرتبكة: هذا يزيد من توتري..
ضحك طارق بمرح وقال: لست مخيفا الى هذه الدرجة.. فقط انظري الى عيناي..
تطلعت الى عينيه وشعرت حينها ان نست العالم من حولها ..شعرت بنفسها تغوص في بخر عينيه الدافئ .. وترى فيهما كل حبه وحنانه.. ونقلت بصرها الى حيث كفها ورأته يلبسها خاتم مرصع بالماس..وهتفت قائلة وهي غير مصدقة:أهذا ما عنيته عندما قلت ان الخاتم مفاجأة..
قال وهو يضغط على كفها بحنان: لقد وعدتك بأن ترتدي ماهو اروع من خاتم زوجة ابن خالك.. وها انذا أفي بوعدي..
تطلعت له بامتنان وقالت بابتسامة: اشكرك يا طارق.. اعلم انه باهض الثمن وقد...
قاطعها قائلا: لا تقولي شيئا.. اخبرتك مرارا ان كنوز العالم لن تعوضني عنك..
واردف بابتسامة: اطن انه دورك الآن..
التقطت الخاتم الفضي من علبتها.. وامسكت بكف طارق لتلبسه الخاتم وكادت ان تبعدها بعد ان فعلت.. لولا ان فوجئت بطارق يمسك بكفها ويرفعها قائلا بهمس: مبارك يا عروسي..
قالها وقبل كفها بكل ما يحمله لها من حب وهيام..ولم تعد وعد تشعر بنفسها.. لقد رأت في عيني طارق ما حلمت به طويلا .. رأت هياما وحنانا .. يكاد يغمرها بنظراته الدافئة ..وقاطع شرودها صوت عماد وهو يقترب منهاو يقول: وعد.. ما كل هذا الجمال؟.. لقد ظننت اني قد اخطأت القاعة في البداية..
لكزته ليلى التي كانت تقف الى جواره وقالت بحنق: كف عن مدح جمالها امامي..
التفت لها عماد وقال مبتسما: ما الامر ايتها الغيورة؟..اني اتحدث الى ابنة عمتي..فما الذي يضايقك في الامر؟..
اشاحت بوجهها وقالت بضيق: لا شيء..
في حين عاد عماد يلتفت الى وعد ومد يده مصافحا وهو يقول بابتسامة واسعة: مبارك يا وعد..
قالت وعد مبتسمة: اشكرك..
والتفتت الى ليلى مردفة: اعتذر يا ليلى ان كنت قد سببت لك الضيق..
اسرعت ليلى تقول: لا .. لم اقصدك.. بل عماد.. الذي دائما يمتدح الفتيات امامي..
اشار عماد الى نفسه وقال باستنكار: انا افعل؟..
قالت وعد مبتسمة: يجب ان تكون سعيدا يا عماد.. لان الغيرة لا تدل الا على الحب..
قال عماد بحنان وهو يلتفت الى ليلى: اعلم هذا..
وتوجه ليصافح طارق ويهنئه ومن خلفه ليلى.. في حين ابتسمت وعد بسرور وهي ترى فرح تتقدم منها وقالت هذه الاخيرة وهي تصافحها: مبارك يا ايتها العروس.. مع اني كنت اود سماع جميع التفاصيل منذ لقاءكما وحتى هذه اللحظة..
قال وعد بسخرية: ساسجلها لك علىأشرطة (فيديو)..
قالت فرح بابتسامة: لا تسخري مني.. فصدقيني لن اتركك بعد الآن حتىتخبريني بكل ما حدث بينك وبين خطيبك الوسيم ذاك..وبكل ما سيحدث..
قالت وعد مبتسمة: بكل تأكيد سأخبرك ولكن ربما بعد مائة عام..
وفي تلك اللحظة سمعوا جميعا صوت هشام وهو يتقدم من فرح ويبعدها قائلا: ما هذا ؟.. هل ستحكين لها حكاية حياتك الآن؟.. دعيني ابارك لابنة عمي..
ابتسمت وعد بامتنان الى هشام الذي صافحها وقال بابتسامة حانية: مبارك يا وعد.. اتمنى ان تعيشي بسعادة مع طارق..
واردف وهو يضغط على كفها وهو يميل نحوها قليلا: مبارك يا اختي..
لم تعلم وعد لم في تلك اللحظة شعرت بالدهشة والسعادة في آن واحد..ربما لأن هذا هو اول الطريق لينساها هشام بعد ان ادرك الواقع وانها لن تكون له .. بل ستكون كشقيقته طوال عمره ..وقالت بابتسامة واسعة: اشكرك يا هشام.. واتمنى لك السعادة انت ايضا..
التفت هشام عنهاوان القى عليها نظرة اخيرة.. ثم اتجه الى طارق وقال مبتسما وهو يصافحه: مبارك يا طارق.. انت اليوم تختطف من بيننا مدللة العائلة..واعلم انك لوضايقتها فأنا من سيكون لك بالمرصاد..
قال طارق مبتسما: ستكون في عيني وقلبي دائما..
- اتمنى هذا..
ومن ثم اردف وهو يلتفت الى وعد: كنت افكر ان امتدحك اليوم لانه حفل خطوبتك.. ولكن بصراحة خشيت من ان تحدث مشاجرة بيني وبين طارق..
ضحكت وعد وقالت: لا اظنك تمتدح احدا في حياتك..
قال مبتسما وهو يهم بالابتعاد عنهم: اليوم سأفعل يا ايتها العروس الجميلة..
قالها والتفت عنهم مبتعدا عن المسرح.. فقالت وعد وهي تلتفت الى طارق: الا ترى معي انه شاب رائع وقلما نرى في هذا العالم شباب مثله؟..
التفت لها طارق وعقد حاجبيه ليقول: من أي ناحية تعنين؟..
قالت وعد وكأنها لم تستمع الى عبارته: لقد ضحى بالكثير من اجلي.. ضحى بحلم حياته من اجل ان يراني سعيدة..انه شاب رائع بالفعل..
قال طارق بهدوء: ستجعليني اغار من هشام هذا..
قالت وعد مبتسمة: انه شقيق لا اكثر.. صدقني لو لم يكن كذلك لما رفضت الزواج به..
همس لها قائلا: وقبلت الزواج بي.. لانك تحبيني .. اليس كذلك؟..
قالت وعد بلهجة مرتبكة: اسأل قلبك..
- ليته يجيب..
ابتسمت وعد بخجل وقالت: انظر الى عيناي اذا..
قال طارق وهو يهز رأسه: لا استطيع تفسير ما اراه بهما..
قالت وعد وهي تلتفت عنه: اذا انت تريدني ان اقولها.. ولكن لن افعل..
- يالك من عنيدة..
ابتسمت وعد بمرح وقالت: هذه هي انا..
قال طارق وهو يلتقط كفها في راحته: ولهذا بات قلبي لا يعشق سواك..
قالت وعد وهي تبتسم بسعادة: لو نظرت الى عيناي لعرفت الى أي مدى يحمل لك قلبي من حب..
قال طارق بابتسامة جذابة: قوليها يا وعد..
اطرقت برأسها ومن ثم قالت بخجل وارتباك: احبك يا حلم حياتي..

ومن بعيد التقط هشام هاتفه الذي اخذ يرن باصرار وما ان رأى الرقم الذي يضيء على شاشته حتى اجابه قائلا بابتسامة: اهلا غادة.. كيف حالك؟..
قالت غادة بحدة ومن دون مقدمات: انا اتصل بك منذ ساعة.. لم لا تجيب؟ ..
قال وهو يهز كتفيه: لم استمع اليه فأنا في حفل الآن..
قالت متسائلة بفضول: أي حفل هذا؟..
- حفل خطوبة..
- خطوبة من؟..
اجابها بسخرية: خطوبتي..
جاوبه صمت تام ادرك من خلاله ان غادة قد صدمت مما قاله.. فقال بابتسامة: لا تحزني هكذا.. انا امزح انها حفل خطوبة ابنة عمي..
انفرجت اسارير غادة وشعرت براحة كبيرة تغمر قلبها ولكنها قالت بلامبالاة مصطنعة: ولم احزن؟.. ما شأني انا بك؟..
قال بسخرية اكبر: احقا؟.. اذا لم يبدوا صوتك سعيدا الى هذه الدرجة؟..
قالت غادة بابتسامة: دعنا من هذا واخبرني.. ماذا فعلت بالرسم الذي طلبه منك خالي؟..
قال بهدوء: لقد اتممته تقريبا..
قالت غادة بضيق: انت وتلك الفتاة؟..
- وتقولين انك غير مهتمة.. اجل انا وتلك الفتاة.. ولا داعي لان تتضايقي منها..
قالت بحدة بالرغم منها: انا لست متضايقة ابدا..
قال بسخرية: رويدك.. لم اقل ما يغضب..
واردف بجدية: ااسألك سؤالا يا غادة؟..
شعرت غادة بالدهشة من حديثه هذه هي المرة الاولى التي يوجه لها سؤالا جادا.. وقالت وهي تزدرد لعابها: بكل تأكيد ..
رفع عينيه الى وعد التي تقف الى جوار طارق وابتسامة سعيدة وحالمة تملأ وجهها ومن ثم قال وهو يتنهد: ماذا ستفعلين ان رأيت حلم حياتك يتلاشى امام عينيك؟..
قالت غادة باستغراب: ماذا تعني بالضبط؟..
- سأعطيك مثالا.. تخيلي انك حلمت يوما بشراء جهاز حاسوب جديد.. وجمعت المال لذلك طوال سنوات عدة.. وفوجئت بعد ذلك ان المال قد سُرق..وان امنيتك قد انتهت وان تعبك قد ذهب ادراج الرياح..
قالت غادة بهدوء: ان كان هذا ما تعنيه.. فسأخبرك بما سأفعله .. صحيح انني سأحزن واشعر بخيبة الامل.. ولكن سأحاول ان ابدامن جديد .. الحياة ممتدة امامي طويلة.. وما خسرته استطيع تعويضه بحزم واصرار وقليل من الامل ..اليس كذلك؟..
شعر هشام بالدهشة من حديثها ومنطقها الذي اثار اعجابه.. والتفت عن وعد وكأنه قد حسم امره ليسير مبتعدا وقال بابتسامة: اظن ان معك حق في هذا .. لم استسلم؟ .. وانا استطيع تعويض حلم حياتي؟ ..
قالت غادة مستغربة: عن أي حلم تتحدث؟.. ماهو حلم حياتك يا هشام؟..
قال هشام بغموض: من يدري ربما يكون قريبا جدا مني وانا لا اشعر..
قالت غادة بحيرة: هشام.. هل لك ان توضح.. انا لا افهم حرفا مما تقول..
قال هشام بهدوء: ستفهمين يا غادة حينما يحين الوقت المناسب لذلك ..
قالت غادة باصرار: بل الآن..
قال هشام وهو يضحك: لا تتصرفي كالاطفال..لن اخبرك بشيء الآن..
- بل ستفعل..
- لن افعل وحتى لو ترجيتني..
-هشام...اخبرني ارجوك..
- لن افعل ..وهذه هي كلمتي الاخيرة..حينما يحين الوقت المناسب سأخبرك بكل شيء..
قالها وهو يخرج من الحفل.. وهو يودع حلم حياته الاول.. ويبدأ بداية جديدة .. مع من قد تكون تعويض القدر له.. وحلم حياته الحقيقي...
وكانت هذه هي البداية فقط.. البداية لحلم حياته الجديد..

************************


لا.. لن اقول انها النهاية.. بل هي مجرد بداية .. بداية لأحلام الكثيرين.. بداية لحلم طارق ووعد وامنياتهما في عالمهما الجديد ..بداية لحلم عماد وليلى واحلامهما التي نسجت حول منزلهما المشترك.. وبداية لحلم هشام الذي بدأ حياة جديدة.. وحاول ان يعثر على الحب الصادق.. الذي سيكون مع غادة..
ارجو ان تكون نهاية الحكاية قداعجبتكم و نالت رضاكم .. حاولت بشتى الطرق ان اجد فكرة جديدة تختلف عن الكثير من القصص التي قرأتها.. واتمنى ان اكون قد وفقت في ذلك.. "حلم حياتي" قد عكست احلام الكثيرين منا .. لا يهم ان كان حبا او مجرد حلم في الحصول على الشيء البسيط.. المهم ان نحارب من اجل الحصول عليه ولا نخضع بسهولة للهزيمة.. لو استطعنا ان نحصل عليه فهو ملكا لنا.. وان لم نستطع.. فعلينا بدء حياة جديدة وحلم جديد مع قليل من العزم والاصرار والامل..
انتهت "حلم حياتي".. ولنا لقاء مع قصة جديدة باذن الله في القريب العاجل.. واتمنى ان تكون جيدة..وفي النهاية اريد ان اعرف انتقاداتكم لحلم حياتي.. واقتراحاتكم لقصتي القادمة..

تمت


الساعة الآن 09:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية