![]() |
، يوقِّع على بعض الأوراق الخاصَة بعمله الشخصي، ينظرُ للساعة يترقبُ بشوق موعدٍ مع صوته الذِي يُحب ويشتاق له، هو الحياة في كل شيء، هو الوطن حين أحتاج للإنتماء، جهَّز نفسه لموضوع الملكة، يُفكِر بطلب رؤيتها ولكنه منحرج من اشقائِها، وصفُ والدته لا بأس به ولكن أشعرُ بمبالغتها، أحتاج أن أراها. سمَع صوت ريف ليتجه نحو الصالة العلويَة : يسعدلي مساك والدته : ومساك يارب ، فصول حبيبي وش رايك تنام وتريِّح عينك عشان يكون وجهك منور بكرا ضحك ليُردف : ليه وجهي مبيِّن تعبان ؟ والدته : مررة يا بعد قلبي أبتسم : يمه عادِي أطلب شوفتها ؟ والدته : إيه عادِي وش فيها من حقك فيصَل : بس مستحي من يوسف ومنصور .. مدري أحس صعب الموضوع والدته : لآ تستحي ولا شي .. قل لهم بشوفها ولا خل عمك ضاري يجيب لك راسهم فيصَل أتسعت إبتسامته لحضُور إسم عمه الذِي دائِمًا " يجيب العيد " : تبيني أنفضح والدته : لا تنفضح ولا شي .. قوله وبيضبط فيصل : طيب يمه في حال ما عجبتني وش أسوي ؟ والدته بسخرية : سو نفسك ميِّت قبل أن يُعلق عليها أندفعت بكلماته : بتعجبك ونص .. لا تفشلنا مع أهلها ، البنت كاملة والكامل الله فيصل : يمه أنتِ عندك كل بنات الرياض كاملين والدته : حرام عليك ما عُمري مدحت لك وحدة .. و هيفاء تهبِّل ماشاء الله تبارك الرحمن .. ثقل ورزانة وسنع وعقل .. وش تبي أكثر ؟ فيصل : خوفي أنصدم فيها والدته : منت مصدم أقولك البنت تهبِّل .. وعليها رقص ماشاء الله عيني عليها باردة فيصل : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه وأنا أبيها ترقص!! أنا أبي وحدة تكون .. قاطعته : تكون ذكية وتهتم في شغلك وتحاول تساعدك ويكون عقلها متفتح ومتعلمة .. كل هالمواصفات في إنسانة وحدة إسمها هيفـــــــــــــاء *مدَّت بإسمها حتى تضع له حدًا في تردده* فيصل : يمه والله خايف يكون ذوقك شين لأني مقد جربته والدته : يا قليل الخاتمة أقولك البنت قمر تهبل ماشاء الله! وأنت شايف أخوانها مزايين يعني ماراح تطلع غير عنهم فيصل : يا كثر البنات الشيون وأخوانهم مزايين .. ماهي قاعدة ذي والدته : الحين تبي الجمال ولا لأ ؟ فيصل : أبي شخصية بالمقام الأول وشكل يفتح النفس بالمقام الثاني والدته : شكل يفتح النفس فهذا الشي منتهين منه والله لا تخلي نهارك ليل وليلك نهار من تأملك فيها فيصل أتسعت محاجره بدهشة من وصف أمه التي تُشعره بأنها ملاكًا على الأرض : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههه والله يا يمه تراك بتؤثمين إذا كنتِ تبالغين والدته : رجعنا لموضوعنا القديم! أقولك البنت قمر يا ولدي ليه ما تصدقني .. قلت لك تشبه يوسف وأنت شايف يوسف ماشاء الله تبارك الرحمن زينه محدن يختلف عليه .. وفيها شبه من منصور بعد .. البنت مزيونة فيصل : مقياس الجمال يختلف ممكن أنتِ تشوفينها مزيونة لكن أنا ما أشوفها شي والدته : فيصل دبلت كبدِي أقولك كذا تقولي كذا !! تعبتني .. هيفاء تناسبك خذها مني وتوكل على الله ، يوقِّع على بعض الأوراق التي تدرج تحت إسم " مركز إعادة التأهيل في ولاية يوتا – أمريكا – " ، ليجلس بالقُرب منه، يُبلغه الخبر الأسوأ على الإطلاق ولا طاقة له للرفض، بصوتٍ يشتدُ إتزانًا : هناك بتلقى واحد سعودي وبيساعدك، صمَت قليلاً ليُكمل : ماراح أعتذر لك يا تركي على اللي أسويه لك الحين، عشت طول عمرك حر تطلع متى ماتبي وتدخل ماتبي ، ما حاسبتك على شي .. ولا شيء حاسبتك عليه ولا رفضت لك طلب، لكن الحين منت حرّ .. بتجلس في المصحة هناك لين ترجع تركي اللي نعرفه ذيك الساعة أبعد وكوِّن حياتك بعيد عنَّا ..... تعرف شي؟ أني متسامح كثير والغلط يتصلح ونغفره لك .. لكن الخيانة يا تركي صعبة! تخوني في بنتي هذي اللي مقدر أسامحك عليها ...... روح واجه الحياة بروحك .. حسّ بالنعمة اللي كنت فيها، هذا إذا قدرت تواجه الحياة .. هذا إذا قدرت تنام وأنت مرتاح الضمير .... يا هي قوية يا تركي كيف قدرت تنام طول هالسنين وكيف قدرت تطالعني وتحط عينك في عيني وأنت تغدرني في اليوم مليون مرررة ... *أردف كلماته الأخيرة بضغطِه الشديد على أسنانه وكأنه سيقتله الآن بنظراته* ...... بس لو أعرف كيف ... ضرب بكفِّه على الطاولة بغضب ليقف : الله لا يسامحك .. الله لا يسامحك ........... وخرج بخطواتٍ تحشرُ أصابعها بحُزنٍ عميق. وضع يداه على أذنيه وملامِحه يتدفقُ منها الحزن/البكاء، تم الحُكم عليه بسجن جسدِه في مصحَةٍ لا يعرفُ عنها شيء سوَى أنها ستُحاصره وتمنعه من العيش، كان يجب أن نُفكر قبل أن نرتكب أخطائنا بعواقبِ ما نفعل. ، تتراجع خطوتيْن للخلف لينجذب سمعُها لكلماتِه الخافتة اللاذعة و الساخرة، بلعت ريقها بصعُوبَة ما تسمَع. بضحكَة : أنتظرها تولد آخذ ولدِي وأطيِّرها لأهلها هيفاء : ههههههههههههههههههههههههه ههههههه تذكرت جدِّي الله يرحمه .. ماشاء الله عليه ما خلاّ وحدة من القبيلة الا ما تزوَّجها .. كثَّر نسله على الفاضي أستغفر الله يوسف يصخبُ بضحكتِه : هذي حوبة حريمه كلهم ماتوا صغار ... لا يجي الحين أبوي ويعطيك محاضرة في إحترام الأموات هيفاء : فديت طارِي جدي الله يرحمه ويغفر له يوسف: آمين أخذت نفسًا عميقًا لتدخل : السلام عليكم : وعليكم السلام يُوسف بإبتسامة : زين نزلتي .. تعالي بهدُوء جلست بجانبه دُون أن تنطق كلمَة أو حرف، هيفاء نظرت لجوِّها المشحون لتنسحب بهدُوء وتتركهم ، ألتفت عليها : وش فيك ؟ مُهرة دُون أن تنظر إليه لفظت بغضب : تعرف تستغل الظروف لصالحك يُوسف رفع حاجبه : أيّ ظروف ؟ مُهرة بحدة ألتفتت عليه و لا يفصلُ بينهما سوَى بعضُ الهواء العابر : تتفاخر عند أختك بكل شيء سخيف تسويه بحقي !! يُوسف عقد حاجبيْه : وش اللي تفاخرت فيه ؟ مُهرة بقهر تنظرُ له : لا تحاول تستغفلني!! أنا بنفسي سمعت .. كذِّب أذني بعد! يوسف : وش سمعتِ ؟ فهميني عشان أعرف وش الخرابيط اللي تقولينها مُهرة وقفت ولكن يد يوسف شدًّ على معصمها حتى لوَى كفَّها وبغضب : ماني أصغر عيالك!! أنتبهي لكلامك معي سحبت كفَّها وهي تُدافع عن الغصات الي تتراكم في جوفها : أنا بطير لأهلي قبل لا تطيِّرني تنهَّد بعد أن فهَم ما سمِعت : غبية!! حتى المزح تآخذينه بجد .. وبعصبية أردف : الله والنفسية الزبالة يوم تآخذين المزح كذا !! مُهرة بمثل عصبيته : ولا أنا أصغر عيالك عشان تكلمني بهالطريقة!! وش المزح في الموضوع !!!!! ولا هالكلام فيه مزح بعد يوسف : روحي أسألي هيفا عن وش كنا نتكلم! بس أنتِ تنهبلين لو جاء يوم و ما نكدتِّي عليّ فيه ... وتركها خارجًا. ، تجاهل كلماتِهم وتوصياتِهم، عقلُه لا يسيطر عليه إلا فكرة واحِدة، فِكرة " غادة " فقط، يسيرُ متجهًا لشقتِه بعد أن دخل منطقتهم الصاخبة، نظَر لغُرفته الشديدة الترتيب ، وضعَ حقيبته على الأرض ونزع قميصه المُتسِخ بقطراتِ الدماء، أرتدى على عجل وهو يسابق عقربُ الثواني، أخذ معطفه وخرج ليتصل على الرقم الذِي أعطاهُ إياه فيصل : السلام عليكم وليد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ناصر : وليد ؟ ، السادسَة التي تمرُ على سماء باريس كتوقيتٍ للعصر، تنهَّد بعُمق وهو يشعرُ بأنَّ نبضاته تقترب للنفاذ، هزّ قدمِه اليمنى كثيرًا لا يستطيع أن يُخفي توتره وترقُبه لمجيئه. محمد الذِي ألتقط حضُوره على بُعدِ أمتار، همس : جا .. خلك ثقيل ولا ترتبك وقف فارس معَه ليبتسم عبدالرحمن مُسلمًا عليهُما. محمد : بشِّرنا عن حالك عساه تمام ؟ عبدالرحمن : الحمدلله بخير محمد : معك محمد إبراهيم وولدي مشعل عبدالرحمن : والنعم والله.. أقترب النادِل الفرنسِي ليُضيِّفهُما بالقهوة العربيَة في صالة الفُندق المخصصة لكبار الشخصيات. محمد : ماعليك زود، صمت قليلاً حتى أكمل : مالي في المقدمات يا بو سعود ، إحنا جايينك وطامعين بالقُرب، نبي بنتك الكبيرة لولدنا مشعل ، وقفْ بعد أن أتزن بمشيْه، يشعرُ ببعض الألم في قدمِه اليمنى ولكن تحامل وهو يرتدِي لبسه الذي أتت به أثير صباحًا، لآيعرف كيف يُراضيها الآن! أو كيف يشرحُ بها، لا يُحبذ أبدًا ضيقها أو حتى زعلها، أقترب من المرآة نظر لرأسه المُغطى بالشاش والجرحُ الذِي يعتلي حاجبه، أخذ نفسًا عميقًا ليرتدِي جاكيته وصدره مازال يؤلمه في كل حركة. يعرفُ أنها ستخرج غدًا لذلك بخطواتٍ خافتة أتجه إليْها قبل أن ينتبه له أحدًا. . . أنتهى |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة () المدخَل للـ الأخطل الصغير. عِشْ أَنْتَ إِنِّى مِتُ بَعْدَكْ وَأَطِلْ إِلَى مَا شِئْتَ صَدَّكْ كَانَتْ بَقَايَا لِلغَرَامِ بِمُهْجَتِى فَخَتَمْتُ بَعْدَكْ * أَنْقَى مِن الفَجْرِ الضَّحُوْكِ وَقَدْ أَعَرْتَ الفَجْرَ خَدَّكْ وَأَرَقُ مِنْ طَبْعِ النَّسِيْمِ فَهَلْ خَلَعْتَ عَلَيْهِ بُرْدَكْ واَلَذُّ مِنْ كَأْسِ النَّدِيْم وَقَدْ أَبَحْتَ الكَأْسَ شَهْدَكْ * مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ عَدَلْتَ أَمَا رَأَتْ عَيْنَاكَ قَدَّكْ وَجَعَلْتَ مِنْ جَفْنَيَّ مُتَّكَأً وَمِنْ عَيْنَيَّ مَهْدَكْ روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ ! الجُزء ( 59 ) قلت لكم عن مفاجئة يوم الإثنين : ( بس ماش فيه أحد داعي علينا :p على العموم إن شاء الله الخميس أحاول اضبط الوضع وأقولكم، بالنسبة لتعليقاتكم كان ودِّي أعلق عليها بس ما أمداني لكن برِّد على شيء، اللي يقولون الجوهرة حامل : ( ليه دايم الغثيان والدوخة مرتبطة بالحمل : ( طيب والله فيه مليون شي يخلينا ندوخ *فيس متعقد* ، يعني وش هالسرعة اللي بتحمل فيها. وأحب أقولكم يوم الإثنين دايم البارتات تكون بليل يعني حرام تنتظرون من العصر لأن ببساطة أنا أرجع من الدوام العصر فأكيد بآخذ وقتي، غير كذا، أنتم تعرفون أننا دخلنا بالقسم الأخير من الرواية والله يتممها على خير إن شاء الله يعني ممكن نآخذ وقت في هالقسم يتعدى الـ 15 بارت إذا ما وصلنا العشرين ، فأتمنى جد أنكم توقفون معاي زي ماعودتوني بدعمكم في هالقسم الأخير و إن شاء الله أني ماراح أخيِّب الظن. ( ) أخذ نفسًا عميقًا ليرتدِي جاكيته وصدره مازال يؤلمه في كل حركة. يعرفُ أنها ستخرج غدًا لذلك بخطواتٍ خافتة أتجه إليْها قبل أن ينتبه له أحدًا بوقتٍ محضُور من الزيارات، فتح الباب بهدُوء ليطل برأسه عليها، كانت مستيقظة تنظرُ للشباك ودمُوع السماء التي تتساقط عليه ، كانت في أوَّجِ سرحانها وغيابُ الوعي عن واقعها، أفكارها المُزخرفَة بأسماء الكثير والكثير، وتنتهي بك يا عزيز! تنتهِي بعينيْك الداكنتيْن ولمعةُ الوحشة بها، كانت مُكابرتِي فخ! كان تجاهلِي لك كذبة! صدقتها ولم تخطُو خطوةٍ لإدانة هذه المسافات المُزيَّفة، كُنت أنتظرك، أنتظرُ إعتذارك، أن تقُول " مللنا المكابرة تعالي نبني في هالبلد حُبنا " ، تبتزُ قلبي يا عزيز بكلِ أوجاع الدُنيا، أُريدك! أنت تعلم جيدًا أنني أريدك ولكن تعلمُ أكثر أنني قادرة على العيش بعُزلة ولا أعيشُ مع الذل حتى لو كان على حساب قلبي! لا تبتز هذه القناعات وتجعلنِي أطلبُ الطلاق بلذاعةٍ تخضعُ لها، لا أُريد والله وأنت تعلم كم أُحبك، كم أشتاقُ لك، كم أحزن منك وكم أخافُ عليك ، تعلم يا عزيز أنني أُجَّن بعشقي لك. أقتربت خطواته لتلتفت إليْه، كانت عينيْها السمراوتيْن مُتلألأة بالدمع المُكابر مثل قلبها. جلس على طرفِ السرير بجوارِها : تبكين ؟ رتيل بقوَّة تضجرُ منها حواسَّها : لأ عبدالعزيز : عيونك تقول شي ثاني رتيل تنهَّدت لتمسح دمعٌ لم يسقط بعد، ضغطت على عينيْها لتفتحها بهدُوء : والحين وش تقول ؟ عبدالعزيز بإبتسامة خافتة : تقول حنِّيت رتيل توترَّت من عُريْ حزنها وبمثل خفوته : لمين ؟ عبدالعزيز هز كتفيْه باللامعرفة : أنا أسألك مين ؟ رتيل لوَت شفتِها السُفليَة وهي تُصارع جيُوش الحزن في قلبها، نظراتها تلتصقُ بعينه : بتطلع ؟ عبدالعزيز صمت لثوانِي كثيفة مشتتًا نظراته على كفِّها، رفع عينه : ايه رتيل بلعت ريقها : بحفظ الرحمن عبدالعزيز : بس ؟ رتيل شدَّت على شفتيْها، يُريد أن يبكيها بكُل الدوافع التي تعرفها ولا تعرفها أيضًا، هزت رأسها بالإيجاب ولو نطقت حرف ستغرق ببكائها والجوُ الماطر يستنزفُ دمعها. عبدالعزيز يقف ليقترب منها، أنحنى لتُغمض عينيْها بخفُوت، قبَّل ما بين حاجبيْها، هذا المكان الذِي مازال أثرُ الجرح به، الجرحُ الذِي يجهله ولا يعرفُ عنه شيء سوَى أنها سقطت عليه ولا يدرِي بأن خبر زواجها منه كان سببًا للندبَة المالحة. أشعرُ بالإنتماء لهذه الجهة المقدسة، تحديدًا ما بين حاجبيْك، أشعرُ بأنها ليْ وحدِي ولا تخصُ غيري، عاد بخطواتِه للخلف، نظر إليْها لثوانِي أرعشت قلبُ رتيل، خرَج وبمُجرد خروجه سالت دمعتها المحبُوسة في محجرها، سحبت أقدامها لتلتوي على نفسِها وتضع جبهتها على ركبتيْها، حزينَـة وغارقة ولا أُريد شيئًا إلا أن تسهر معي هذه الليلة وتُجالسني، كان صعبًا أن أطلب منك. ، متوتِر، يشعرُ بأن قلبه سيقتلعُ من مكانه أو رُبما ضخُّ الدم سيغيَّر مساره بمُجرد ما ينظرُ إليْه عبدالرحمن، 29 سنَـة مضت من عُمره لم يراه بها أحدٌ من معارفِ والده طبيعي جدًا أن لا يعرفه وطبيعي أكثر أن يندهش الجميع إن سمعوا أنَّ لرائِد إبن. صمت قليلاً حتى أكمل : مالي في المقدمات يا بو سعود ، إحنا جايينك وطامعين بالقُرب، نبي بنتك الكبيرة لولدنا مشعل عبدالرحمن بإبتسامة لم يُخفي تفاجئه : وألف نعم فيكم محمد : الله ينعم بحالك، و مشعل الحمدلله معه دكتوراه علوم سياسية من جامعة بريستول ومستقر في لندن وكوَّن نفسه بنفسه مو ناقصه إلا بنت الحلال و ماراح نلقى أحسن من بنتك له عبدالرحمن بإعجاب لهذا الصامت أمامه ، يبدُو من النظرة الأولى أنه خجُول : ماشاء الله تبارك الرحمن، وإحنا يا بو مشعل نشتري الرجَّال بأخلاقه .. بالنسبة ليْ يبقى رآي البنت هو الأول والأخير ... والله يكتب اللي فيه الخير محمد : تآخذ راحتها بالتفكير لكن ودِّي أقولك أنه مشعل ناوي يستقر في لندن عشان شغله إن كان مافيه مانع .. عبدالرحمن أخذ نفس عميقًا، هذا الأمر يجعله يغرق بتفكيره كثيرًا وليس من السهولة أن يضع إبنته في خانةٍ تجاور شخصٍ يجهلُ عائلته ولم يسمع بها من قبل : مثل ما قلت لك يبقى رآيها الأول والأخير ... ما سمعنا صوتك يا مشعل ؟ فارس بلع رجفةُ حنجرته وبنبرةٍ مُتزنة مُبتسمة : أنا تحت أمرك عبدالرحمن بإبتسامة صافية : الله يزيدك من فضله، كم صار لك هنا ؟ فارس : بلندن من فترة دراستي وهالفترة بباريس عشان أبوي .. الوالد يشتغل في البنك الإسلامي محمد : وطبعًا جبته بس عشان نخطب له بنتك الله يحفظها عبدالرحمن بنظرة مُدققة لفارس : و أنت يا مشعل ماشاء الله دكتور وتخصص مرغوب! ليه ما فكرت بالزواج من زمان ؟ فارس شعَر بالورطة الحقيقة، أردف بإتزان : كنت مشغول بدراستي وبعدها كوَّنت لي تجارتي الصغيرة بلندن فما كان عندِي الوقت الكافِي أني أفكر بالإستقرار، وهالفترة حسيت بحاجتي للزوجة اللي تكملني وأكمِّلها عبدالرحمن رفع حاجبِه حتى يستشفِ شخصيته من أسئلته : و حاط في بالك مواصفات معيَّنة ؟ فارس بثقة : أهم شيء تكون متعلمة وقايمة في نفسها وأظن عبير في هالصفات محمد دعسَ على قدمِه من أنَّ " عيدًا " سيأتِ مُبكرًا من كلمات فارس. عبدالرحمن أبتسم : عبير!! واضح أنك مآخذ فكرة كاملة عنها فارس دُون أن يرتبك، أردف بإتزانٍ كبير : إلا الزواج ما ينبني على أراء الغير، لازم شي محسوس ويكون عن إقتناع عبدالرحمن : و وش الشي المحسوس اللي خذيته عن عبير ؟ فارس صمَت لثوانِي مُرتبكَة حتى أردف بمحاولة تخفيف حرارة جسدِه التي بدأت تفور : خذينا السي في الكامل عن بنتك طال عُمرك ضحك عبدالرحمن ليُردف : وأنا طمعان أقرأ السي في ! فارس بإبتسامة وديَّة : السي في الله يسلمك يقول أظفُر بذات الدين لكن الطمع خلاني أقول أظفر بذات الدين والجمال والحسب و هذا التعريفْ ما يرادفه باللغة إلا بنتك أبتسم عبدالرحمن حتى بانت أسنانُه وهو ينظرُ إليْه بإعجاب كبير : ماعليك زود يا مشعل ، تضع آخرُ أغراضها في الحقيبَة، بعد عدةِ أيام سيكُون حفل ختام الدورة والتدريب الذِي أستغرق أكثر من ثلاثِة شهور، شعرت بالإنجاز بأنها حققت هذه الدورة بمستوى عالٍ، ستفتقد الأجواء الفرنسيَة، والإستيقاظ على رائِحة الخُبز والمكرون، تحتاج أن تسيرُ وتركض إلى مالانهاية في طُرقِ "كَان" حتى تستغلُ كل ثانيَة بهذه الأجواء الماطرة وضحكاتِ السماء وتوهِجها. خرجَت من شقتها وهي تلفُ الوشاح حول رقبتها، مرّ على بالها إتصال منيرة ليتعرج جبينها، تنهَّدت لا تُريد التفكير بها أو بكلماتها. نظرت له بدهشَة : إستاذ نواف!! نواف الذي كان سيدخل إلى العمارة : أهلا ... نفض قميصه المُبتَّل. افنان تتشابك كفوفها بربكة : هلابك نواف : شفتك ما جيتي اليوم قلت أجي وأتطمن من باب الزمالة *أردف كلمته الأخيرة بسخريَة يُحرج بها ملامح أفنان بعد كذبتها* أفنان : خلصت شغلي أمس وماكان عندِي شي اليوم نواف أخذ نفس عميق : دام كِذا تآمرين على شي ؟ أفنان بإندفاع عفوِي لم تقصد به شيء: ليه ؟ نواف رفع حاجبه بدهشَة لتلتقط أفنان حُمرة وجنتيْها، أكملت قبل أن يُعلق : أقصد يعني .. بحفظ الرحمن ... شتت نظراتها وهي تنزل آخر عتبات الدرج مُتجهة للخارج. نواف من خلفها : أفنان ألتفتت عليه ، أقترب منها والأمطار تُبللهما : ودي أقولك شي أفنان : تفضَل نواف : يعني .. آسف على اني أحرجتك بسالفة الأوراق .. ماكان قصدِي أفتش بملفك وأشوف بياناتك أفنان تُقاطعه : لا عادِي حصَل خير و .. أصلا نسيت الموضوع نواف بإبتسامة : أشوفك على خير أفنان أكتفت بإبتسامة خافتَة وأنسحبت بهدُوء للسير على الرصيف بطريق يُعاكس طريقه، شعَرت أن نبضاتها ستخرج من مكانها بمُجرد أن صوته مرّ عليه، " وش فيني أنا !! " مُجرد إعجاب عابر وسيمُر أنا أثق بميُولي وقلبي، دائِمًا ما تبتسم عاطفتِي ودائِمًا ما تنسى. ونواف إحداهم. ، وليد خمَّن من صاحب هذا الصوت ليُردف : إيه معاك وليد ناصر أخذ نفسًا عميقًا : أنا ناصر، أتوقع فيصل خبرك عني وليد صمت لثواني طويلة ليُردف : إيه .. وصلت باريس ؟ *سأله وهو متأكد أنه وصَل من الرقم الفرنسي الذي ظهر على شاشته* ناصر : إيه وليد : طيب .. هي الحين في شقتها ... راح أرسلك العنوان ناصر بصوتٍ ينخفض تدريجيًا : أنتظرك وليد : مع السلامة .. وأغلقه. كتب له رسالة نصيَة وقلبُه ينبض في كل حرف وكل كلمة ويضيق أكثر بالنقطة التي تُنهي السطر، كُنت أخشى النهايَة، يُرعبني جدًا الكوبليه الأخير، ليت الساعة تتنازلُ عن مبادِئها وتُخفف من سُرعتها، أحتاج أن يتلاشى ناصِر ولا أراه، أحتاج ذلك بشدَّة وأنا أعرفُ عن المستحيلات في هذا العالم. يا فجوة الحُزن التي نمَت بيْ. دقائِق وهو يسيرُ على الرصيف، حتى أضاء هاتفه بالرسالة، قرأ لتتوهجُ عيناه المُحمرتيْن، قريب جدًا منها، عاد بخطواته ليعكس خط السير مُتجهًا للجهة الأخرى، يعدُ الخطوات ولولا العابرين لركَض بشدَّة نحوها، أدخل يديْه الباردة في جيُوبه وملامحه شاحبَة بعد ان فقد دماءه إثر نزيفه الباكي، يشعُر بأن قلبه سيتوقف عن النبض، لا يعرف كيف سيراها بعد كل هذه الفترة! شيء من المستحيل يحدُث الآن أمامه، ينظرُ للعمارة ليدخلها بعد أن بلله المطر، أتجه نحو المصعد و ضغط على الدور الرابع، ثواني وأقلُ من أجزائها ليسير بإتجاه غُرفتها، أوَّدُ لو أنني أصرخ لمن حولِي وأنادي عليْك. و بأجزاءِ الثواني كانت تُخطط للخروج، فتحت الباب لتنتبه أنها نسَت هاتفها، تركت الباب المفتوح طرفه لتعُود لغرفتها وتبحث عن هاتفها. وقف عند الباب المفتوح، و تُفاحة آدم التي تُزيِّن عنقه تتحشرجُ ترتفع قليلاً وتهبط كثيرًا، دفع الباب بخفُوت لينظُر للصالة الخاليَة، ألتفت لطاولة المطبخ التي عليها جاكيتها، أقترب منه ليُلملم بين كفيّه ويُقربه من أنفه، هذه غادة!! ، كتم نفسه برائحتها و قبائلٌ بقلبه تتساقط حُزنًا، سمَع خطواتِها الخفيفة، ألتفت ليراها عند أحدِ الرفوف القريبة من النافذة، لا يرىَ سوى ظهرها، أطال نظرَه حتى خشيَ أن يسقُط من الحشُود التي تُصيب قلبه بمُجرد ما إن رآها، ترفع شعرها الأسود بيديْها جانبًا بعد أن أزعجها وهي تحاول البحث عن هاتفها، تأفأفت ليبلع ريقه الواقفُ بكامل إتزانه أمام جسدِها المُصيبة، هذه " الأفأفة " لا تمرُ إلا من نبرتها، هذا الليلُ البارد هوَ شعرَها، هذه البيضاء الشهيَّة هي مُرادف لشخصٍ واحد، هي غادة ولا غيرُ الغادة من تستعمرُ البياض في كفيَّها و عرقُها النابض خلف رقبتها، ثبِّت يقيننا يالله ما عاد بأجسادِنا قوَّة تتحملُ مجرَّة بأكملها تلتوِي حول جسدِ أنثى، ترك الجاكيت على الكُرسي ليقترب بخُطى لاصوت لها، اللهم أنَّ هذه الأنثى تُزيد إيمانِي بك وبقُدرتك، هذه الأنثى التي لا أعرفُ ممن خُلقت، هل خلقت من ماءٍ وتُراب أم خُلقت من حباتِ التُوت ؟ هل خُلقت من طِين أم خُلقت من ماءٍ شفاف يُشبه شفافيه عينيْها. على بالِي أن تتلبسنَا السماء ولا تجرحنا الأرضِ بتقاطعاتِ طرقها، على بالِي " أحبك من جديد ". ألتفتت لتتجمدُ عيناها عليه، ألتصق ظهرها بالنافذة بعد أن أطلقت شهقَة خافتة مُرتعبة، بعد الفترة التي شعَرت بأنها سنين وسنين منذُ 2007، مازال هذا الأسمرُ الذِي أتسابق من أجله إلى النافذة حتى أراه واقفًا مع عبدالعزيز، مازالت هذه العينيْن اللذيذة التي تُشبِه جدائِلُ ليلٍ دافىء، هو ذاتُه ناصِر فارسُ أحلام الصِبَى، أوسمُ رجال الكون بعيني، أجملُ الرجال على الإطلاق بعينِ هذا الكون، أنفُه الشاهق وعوارِضُه الخفيفَة التي تتزيَّن بسكوكة، هذا هو ناصِر لم يتغيَّر سوَى أنه أزدادْ عِرضًا ووسامةٌ، وسامةُ الناضجين التي تقتلُ تمايل النساء من حوله، تقتلهن حتى يسقطن موبوءات به، أبناءُ الثلاثينات لا يعرفون أنهم يُصيبوا الفتيات بنظراتهم، ولن يعرفُوا أبدًا معنى أن تكُن ثلاثينيًا أسمر، معنى أن ترى الوسامةُ تنضج أمامك. كان ينتظرها، ينتظرُ أن تركض لأحضانِه ولكن نظراتها كانت أكبرُ جرحٍ تلقاه في حياته، كانت نظرات تتعرفُ عليه فقط، يا عذابُ عيني وصدرِي الذي يشتهيك، يا عذابُه وأنتِ بعيدة. هل تأتين أم أأتِ ؟ أنا الذِي أمُوت بك في الحياة مئة مرَّة وأعيشُ على صوتِك، هل تقتليني بموتٍ جديد أم أنا الميتُ على كل حال ما ضرَّني أن أحفر قبري! همست ببحةِ السماء الماطرة وعينيها تتدافعُ بها الدمُوع : ناصر!!! توسَّل إليْها بعينيْه المُشتاقة، و ذليل العاشقين عزيز يا غادة. يشعرُ ركبتيْه تخونه وهو يحاول أن يُصدِّق بأنه يراها، هذه هيَ، بلع غصَّةُ الحنين الذي مضَى، " لِك في حشرجَة الصُوت حُب ما أندثَر، خلنَا نبني فيه من هالصحرآ بلد ، لِك في وسِط هالقلب من الحنين سمَاء تستحضِر كل ما مرَّها صوتِك ، خلنَا نلملم كفوفنا ونجمِّع بكي السمَا، خلنَا نغتسِل من مواجعنا ونبتسم لأجل حُبنا، يا جنُونِي ، لِك مقطع قصِيدة ما تمُوت لو مرضت، لو رحلتِ يجيني طارِيك عسَّاس لأجِل يثُور الحنين ويبكيك " هذا إسمِي " ناصِر " الذي نسيتهُ بين شفتيْك في يومنا الأخير، هذا إسمي الذي أشعرُ بفخره وهو يمرُ على لسانك، هذا إسمِي الذي أناديه ولا أسمع صداه بعد أن خطفتِ الصدى وكل شيء بعينيْك، هذا الصدى استرده الآن. لم تقوَى، تشعرُ بقلبها الذِي يركضُ إليه ويصطدمُ بصدرها بشدَّة لا طاقة لها بها، جلست على ركبتيْها وهي تنظرُ لجمُودِه أمامها، أخفضت رأسها ليُدثِّرها شَعرها وتتساقطُ دموعها المالحة. عاد خطوةٌ للخلف، هذا البُكاء المالح أعرفه، أعرفُ كيف العينيْن تتلألأ كـ ليلٍ يغيبُ به القمر وتُرثيه النجوم ! " يا غايبة عنِّي، ردّيني ويَاك، لِك في نبرةِ الصدر موَّال حزين، رجعِّيه معاك يا غادة " وضع يديْه على رأسه وأنظاره على الأرض، هذه حقيقَة، هذا الألمُ بعينِه يواجهه، " تعالِي " أنقذِي حياتي من الحياة دُونك، أرتفع ضغطُ دمِّه الذِي يتفجرُّ بحُمرةِ جسده المريض بها، نزف أنفُه للمرة الثانية، يا حُزنِي كيف لأمرِ عودتك يُلخبط هذه الدُنيا ويجعل كل شيء .. كل شيء بلا إستثناء يبكِي .. مطرًا ودمًا. أرفقِي بيْ! وأنا أعترفُ بقدرِ الدماء التي تفُور على غيابك ، أعترفُ بلهجةِ نجد التي جفَت مثل ما جفوتِ ، أعترفُ بنبرتِك وأنتِ تُرددين البيت الشعري الذي تُفضلينه " فينيّ بـدو مـاتـوا ظمـا لـ المواصيـل وَ وجيههـم من لاهـب الشـوق سمرَا "، من لاهِب الشوق سمرَا يا عين ناصر، قلبهُ يبتهِّل وعيناه تحكِي، أعيانِي الوقوف ردِّيني بخُطاك، أروِي عطش فقيرٍ يا غادة، أرويني يا غنيَّة وعيُونك على غناك ترفع السبابة، يا كاملة الزين وش بقى من الزين ما أستحلتَه ملامحك، يا كاملة الوصف سقطت الأوصاف من بعدِك، أنا الذِي لا أعرفُ من الأوصافِ غيرك ولا أعرفُ كيف أصف إلا بـ " جميل جدًا يُشبه غادة ". أختنقت، هذا الهواء يهربُ من الشقَة، لم يعدُ لها قدرًا تستطيعُ التنفس به، أحتاجت أن تعانق أيّ شخص، أيّ أحدٍ يُخبرها بأنه معها، بأنه بجانبها، بعد كُل هذا تراه، هو زوجها! هو الذِي تُحب ولكن .. لا مجال للأسئلة كيف ومتى! 5 سنوات لا أعرفُ عنها شيء، بإنكسار رفعت عينيها إليْه ، أستسلم تمامًا، خُذنِي إليْك، خُذني لصدرِك، لقلبِك، لبين ذراعيْك ولا تُخرجني لهذه الدُنيا أبدًا. ناصِر ينخفضُ صوته مرضًا و ذراعيه تسقطُ على جانبيْه دُون حِراك، طالت نظراته وهي تسرقُ من بينهم زمَن وعُمر، تنظرُ لصدرِه ولمعطفه، عقلُها الواقف عند عتبَةِ زمنٍ مُعين طلّ عليه بتطفُل لثوانِي قليلة مشهدٌ فات من عمرهما، مشهدُ من الحياة البائسة، مشهدٌ حشَر بها جسدِها الغضّ في معطفه وسَار معها على الطريق الممتلىء بالثلوج : يا رب العباد !! بكلمتِه المبحوحة في صوتِه تزايد فوضى دمعها على ملامحها البيضاء، لتُردف بضِيق الكلمات بعد صمتٍ دام أكثرُ من ثلث ساعة ولا يحضرُ سوَى بكاء الأجساد في حين كانت ملامحُ ناصِر مُتجمدة مُحمَّرة والأكسجين يبدُو أنه لا يصلها : آسفة لم يفهم أسفها، لم يفهم ما تعني، بنبرة غاضبة تشتدُ كثيرًا : ليـــه ؟ غادة تُشتت نظراتها المُتضببة بالدمع، تنزوِي في زاويـة الصالة : أنتظرتك، لكن ... مقدر .. مقدرت أتذكرك يسترجعُ نظراتها الأولى، حُرقـة عينيْها التي تنظرُ إليه، أبتسم بسخريَة وهو يشعرُ بأن غليانٍ في رأسه وكأن نزيفًا يُدغدغ خلايا مخه : أنا ؟ مقدرتِ تتذكريني أنا!! أنتِ غادة أو مين ؟ صرخ بقوَّة فرغ بها غضبه : أنا ناصر!! .. "ينخفضُ صوته المكسور " ناصر يا غادة! .... كيف تضيعين مني ! غادة بلعت غصتها بصرخه لتُردف بكلماتٍ سريعة حتى تتفادى عينيْه الغاضبة : ما أتذكر سنواتي الأخيرة معك .. والله ما أتذكر ناصر يقترب بخُطاه إليْها لتنكمش حول نفسها، أقترب حتى جلس بقُربها وعيناه تفيضُ بالحمرة : طالعيني، قولي أنك غادة اللي أعرفها .. اللي أنتظرتها .. اللي مشتاق لها كثييير غادة تشد على شفتيها حتى لا تنطلقُ شهقاتها العالية، نظر لشفتيْها المرتجفة، أنتظر جوابًا، أنتظر أن تقول له " غادتِك "، تمرُ الثواني لتشطره أنصافًا دُون أن يسمع منها ما يجعله يصطبر على اللحظات التي مرَّت دونها : غادة!! غادة ببكاء : أرجوك لا تضغط عليّ! أنا ما أعرفك .. ما أعرف إلا أنك صديق عبدالعزيز ... بتملُك شدَّها ليُوقفها حتى لاصق صدره صدرها، عانقها حتى أوجعها بشدَّةِ عناقه، أضطرت أن تقف على أطراف أصابعها لتستنشق رائِحة العُود التي خلف أذنه، ألتوت أقدامه التي تخشبَّت بحقيقة ما يرى، ومازال يُردد " ثبِّت يقيني يالله " ، سقطت معه على الأرض وهو يتنفس عنقها وشعرَها، هي رائِحتها لم تتغيَّر، هذه الرائِحة التي أدُوخ بها وأتجدُد عشقًا، يالله! قليلاً من الصبر والرحمَة. دمُوعه التي هطلت بإستمرار طوال الأيام الماضيَة لم تهطل وهو يعانقها، كان جامِدًا ماعدا قلبه وعرُوقِ دمه التي تثُور عليه وتعلنُ الهرولة لجسدِ غادة. حفرت أصابعها على ظهره، أشعرُ بإنتمائِي لك، رائِحة الماضِي التي أشتاقتها تتنفسها، أنت الذِي أجهلُ صفاتِه وحدُود شخصيته، " وَدِّيني " مثل ما تُريد وتشتهي. يالحياة، يا ذرات الأكسجين التي تطوف حولِي بعناقك وتقتلنِي، " ودِّيني .. وخذني لك " مرَّت الدقائِقُ المُتعبة الذابلة بسُرعة، أطالُوا العناق حتى تيبَّست أجسادهم المرضي عنها بالحُب، صوتُ بكائها الذِي لم ينقطع في حضرةِ صمته الذِي مازال مفجوعٍ بها، حاولت أن تُبعده ولكن كان يُحكم قيده عليها، كان يُوصل لها مقدار شوقِه وهو يُدخلها بجسدِه بخُطى الكلماتِ الميتَة التي تحاول الحياة : لا تكذبين! لا تكذبين وأنا اللي أنتظرتك غادة في غياب الوعي التام، لا يحضرُ سوَى قلبُها وضباب يُغطي عينيْها الممتلئة بالدمع. ناصِر بنبرةٍ عالية تحشرج بها الحنين : وش سويتي بدوني؟ وين كانت أراضيك! وينها يا غادة ينخفضُ صوتِه بحُزن وهو يكتمُ نفسه بعنقها، لا يُصدق إلى الآن بأنها غادة ، بدأ هذيانُه ولا يعرفُ بأيّ الكلمات ينطق : وأنا لما جيت أعانقك خذوك منِّي .. خذوك ..... يا زُود حزني فيك وشلون خذوك مني غادة ببكاء عميق، تُخفض رأسها لتغرق ملامِح ناصِر بشَعرِها، تقاطعت كلماتها بتأتأةِ الحنين : مدري والله مدرِي وش كنت ووش صرت .. أنا ما أتذكر شيء أبعد جسدها ليصرخ واقفًا وهو يُشارف على السقوط، أضطرب بسيْره وهو يعُود مرةً للخلف ومرةً لليمين : كذابة!! أنتِ ما تعرفين وش قاعد تسوين فيني! حرَّة قلبي في موتك كانت أهون من الحين .. ليه .. بس أبغى أسألك ليه غبتي كل هالمدة ؟ وين كنتِ فيه ؟ غادة تُغلق أذانها بكفيّها : ما أعرف .. أتركني ناصر : يا قو قلبك وشلون هان عليك ... وين حبنا ؟ كيف تنسيني بهالسهولة! غادة جلست على الأريكة وهي تنحني بظهرها وتغطي وجهها بكفيّها، غرقت ببكائها بينما غرق صوت ناصر بحُرقة الذي مضى دونها. ناصر ينظرُ لها بضُعف، برجاء : نسيتيني؟ نسيتي ناصر يا غادة!! غادة أعتلى صوت بكائها بعتابه الحارّ، أكمل بصوتٍ يرتجف به الحب : ما فكرتي تتصلين؟ ما فكرتي تقولين اللي محترق بغيابك وش مسوي؟ ما أصدق أنك تكونين بهالأنانية! صرخ : بهالحقارة يا غادة!! ..... دفعَ الطاولة الزجاجية بقدمِه غاضبًا يكاد يجنّ جنونه ليتناثر الزُجاج .... بجنُون الصابر الذِي أنفجر : كملتي حياتك بدوني وأنا أستخسرت الضحكة على نفسي بدونك!! .. مستحيل تكونين غادة! ليتني ما عرفت بوجودك .. ليتني صدقت كذبة موتك ولا شفتك تنكريني كذا .... شعَر بالغثيان وأنّ الإختناق يقتربُ منه، خرج بخطوات سريعة من الشقة وهو يسيرُ للأسفل مُتجهًا للخارج، بسرعتِه كانت دماءه تنزف وتفُور، " هذه كذبـة " . . " يا حسرة قلبي من يشفي له طعونه ". ، تحت فراشها بعد أن نامت بُضع ساعات حتى أستيقظت على أذانُ الفجر، صلَّت وعادت لدفء سريرها الذِي ينبعثُ منه ضوء هاتفها، تقرأ ما يخصُ إستفساراتها التي لم تتجرأ أن تنطقها، كانت تعلم جيدًا أن تُركِي لم يُبقِي لها شيئًا يُساعدها على الأمل، تفهمُ نظرات سلطان الذِي لم يكُن ينتظر منِّي شيئًا ولكن أن يعرف الحقيقة أمرٌ هيِّن ولكن أن يُجرب بنفسه مالحقيقة سيشعرُ بقهرٍ يتجدد في داخله، أفهمُ جيدًا شعُوره وأفهم جيدًا شعُوري الذِي لم يتنازل ويفهمه، لم أكُن بِكر رُغم أنك أول رجلٍ في حياتِي، رُغم ذلك أنا أراك كل الرجال، كلهم بلا إستثناء، ولكن مرّ على ذلِك وقتُ طويل، مرّ الكثير الذِي جعل جسدِي يتكورُ حول نفسِه ويبقى لرجلٍ واحِد وهو أنت، لم أنقص شيئًا، مازلت فتاتُك ولا يُحدد ذلك " غشاء "، لا يُحدد ذلك فقدِي لبكارتي، ما دُمت بنتًا لم يلمسها من الرجال أحدًا، من لمسنِي لا يمتُ للرجولة بصلة وليس محسوبًا عليكم، لذلك لا تسألنِي من لمسِك قبلي؟ لم يلمسنِي أحدًا، فقط أنت. وأنا الضائعةُ بك ومنك. تركت هاتفها بعد ان قرأت سبب شعُورها بأنها بِكر رُغم أنها ليست بِكر رُغم أنها رأت الآثارُ على مفرشها، كان السبب بسيطًا جدًا ، بسيطًا لجعلِ قلبها الطِفل يفهمُ أشياءً لم تفهمها من قبل، مازلت يا تُركي تحضرُ فيني، أنا التي لم أكُن شخصية جبانة وضعيفة مثل ما أنا أخافُ الآن حتى من ظلِّي، أخافُ من الأصواتِ الغريبَة والحركات المُباغتة. أبعدت الفراش لترفع شعرها الطويل للأعلى كذيلِ حصانٍ، أقتربت من المرآة تُدقق في ملامحها البيضاء الشاحبة، أخذت نفسًا عميقًا، لم يعُود إلى الآن ؟ رُبما أستغرق وقته في العمل أو رُبما لا يُريد أن يراني، أكثرُ شيئًا يجرحُ أنوثة المرأة أن يُقابلها الرجل بالرفض. هذه الإهانة لا تتقبلها أيّ أنثى كيف بأنثى وهبتهُ كل شيء ومن ثم رفضها؟ رُبما نَدِم على الليلة الفائتة ؟ ولكن رفضته! رفضتهُ بكل شيء أعطاهُ الله لها، لم أستسلم له ولكن تبقى قوته ورجولته فوق كل شيء، ورُغم كل هذا يرفضني الآن؟ يرفضني وكأنني أريده رُغم أنني لم أصرِّحُ بذلك، لم ألفظها من بين شفتيّ. نزلت للأسفل في عُتمة الطابق الأول، دخلت المطبخ لتفتح نُور الجهةِ اليمين فقط ويبقى بقيةُ أجزاء المطبخ مُعتمة، أخذت قارورة مياه زمزم الكبيرة لتُفرغ نصفه في كأسِها، تمتمت بهمس : اللهم أني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعا وشفاءً من كل داء. بخطواتٍ هادئة كان يُراقبها بعد أن دخلت المطبخ، خلف جسدِها يسحبُ الكأس من يدِها ليضعه على الطاولة قبل أن يسقط من فرط فزعِها، ألتفتت عليه لتلتصق أقدامه بأقدامها، أشتد خوفها وطريقة سيرهُ إليْها تُشبه شخصًا تُبغضه، نظرت إليْه برُعب وصدرها يهبط ويعلُو بكثافة. سلطان أطال نظره لثوانِي وهو يشعرُ بقلبها الذِي سيخرج من مكانه، عاد عدةِ خطواتٍ للخلف ليلتفت للطاولةِ الأخرى ويسكبُ له من الماء، بالصوت اللامُبالي يقذفها : نمتِ اليوم كله وتوك تصحين! الجوهرة بلعت رجفة ريقها، صمتت طويلاً حتى تُجهِّزُ جيوشِ كلماتها الساخرة : أجاري زوجي اللي ما يرجع الا متأخر دُون أن يلتفت إليْها وهو ينحشرُ في العتمة ،ينظرُ لكأس الماء : و نعم الزوجة الجُوهرة صمتت وهي تتأمله، هذه القوة التي ترتديها قليلاً وسرعان ما تتلاشى، ليتك تعرف أن المؤسف في كل شيء أنني أحببتك قاسيًا ولم تنظرُ إليّ إلا جريحة، ولا أعرف إن كنت تحبني أيضًا جريحة. ألتفت عليها بعد أن أفرغ المياهُ في جوفه : وش تنتظرين ؟ الجوهرة شتت نظراتها لتلفظ ببرود : ولا شيء بس كنت أفكر بكتاب أقرآه سلطان ودّ أن يُحرجها : ووش الكتاب ؟ ونظراتها مُعلقة في عينه : بصعد وبشوف أيّ كتاب أقرآه سلطان و مزاج " الإستلعان " يُرفرف به : وكل هالوقت تفكرين كيف تصعدين فوق ؟ محتارة الدرج ولا الأصنصير ؟ أحمرَّت ملامِحها من طريقه تحجيره لها، بسخرية رُغم جمود ملامحها : تصدق! كنت أفكر كيف أصعد سلطان ألتفت بكامل جسدِه ليسند ظهره على حافةِ الطاولة : طيب .. وش تنتظرين ؟ لا يكون خايفة تصعدين لوحدك الجوهرة لوَت شفتِها السُفلية لتجذب أنظار سلطان لشفتيْها، بخطواتٍ مُتنرفزة صعدت للأعلى، له قُدرة رهيبة في إستفزازي بأبسطِ الأشياء، صعدت للدور الثالث الذِي تخافه، قاومت كل شيء حتى تتجه نحو مكتبته التي شتمتها في داخلها كثيرًا. صعد خلفها والإبتسامة تُزيِّن محياه، شعَرت بخطواته ولكن تجاهلته تمامًا وهي تقف أمام رفّ الكُتب. سلطان من خلفها : محتاجة مساعدة ؟ الجوهرة بحدَّة : لا سلطان بتملُك حقيقي، يتجه نحوها ليسحب إحدى الكُتب وينظرُ لعنوانها : أقرأي هذا الجوهرة : ماأبغى سلطان بصيغة الأمر : قلت أقرأيه الجوهرة نظرت إليْه : خلاص ماأبغى أقرأ شي سلطان يضع الكتاب في مكانه : يكون أحسن الجوهرة : يعني المسألة عناد! سلطان يجلس على الأريكَة التي في الزاويـة : مُشكلتك ما تعرفيني زين وهذه إهانةٌ اخرى، أن تتهمني بجهلك وأنا التي أعرفُ كل شيء عنك، شعَرت بالدماء وهي تسيلُ من أنفها، بحثت بعينيْها عن مناديل حتى أتجهت نحوه بقُربه كانت علبة المناديل. بصوتٍ مُربِك لحواسها : ما تنزفين إلا بالبكي والخوف! وأنتِ لا بكيتي ولا خفتِي!! وش صاير لك؟ الجوهرة ترفعُ رأسها لتوقف النزيف، مرَّت ثواني طويلة حتى تقع عيناها عليْه : أنت اللي مشكلتك ما تعرفني سلطان بهدُوء : عرفيني عليك! وش سبب هالدمَ ؟ الجُوهرة بقهر : رفعت ضغطي ... وأتجهت نحو الدرج ليُراقبها بعينِه، وضعت يدها لتقف طويلاً، شعَرت بأن إغماءة تتسلل إليْها. سلطان بِـ شكْ وقف وأتجه إليْها لتلتفت إليْه : دوخة بسيطة ... ونزلت ، لم يُطيل وقوفه حتى نزل إليْها، سُرعان ما أنزوَت في الفراش وغطَّت وجهها به. أخذ نفسًا عميقًا ليجلس بقُربها ويُبعد الفراش بعد أن نزع حذائه العسكري : كليتي شي ؟ الجوهرة ألتزمت صمتها سلطان : على أكلك العصر ؟ الجوهرة : ما أشتهيت شي سلطان : طبيعي بتدوخين وأنتِ ما أكلتِ شي .. قومي أكلي لك شي ولا تكذبين وتقولين أنك بتنامين وأنتِ توّك صاحية الجوهرة أستعدت بجلستها لتنظُر إليْه : من مبدأ إيش مهتم في أكلي؟ من مبدأ أنك شفقان ولا تحس بتأنيب الضمير ولا ... يُقاطعها بحدَّة : من مبدأ ما يعنيك الجوهرة بعناد : ومن هالمبدأ أنا ما ودِّي آكل سلطان بتهديد : تعاندين كثير وماهو من صالحك! الجُوهرة ترفعُ كلا حاجبيْها بطريقةٍ مُستفزة لسلطان، تعابيرُ وجهها هذه المرَّة فزَعت لصوتها الذي دائِمًا مايكُون في محل جُبن. نظر إليْها بتعجُب، ليشدّ على أسنانه ومن بينهُما أتى صوته حادًا غليظًا : بالله؟ الجوهرة شعَرت بالخوف ، ولكن تظاهرت بعكسِ ذلك مُشتتة نظراتها مسكَ ضحكتِه، لأولِ مرَّة يشعرُ بأن نظراتِه تُرعبها : عندِك شي تبين تقولينه ؟ الجُوهرة دُون أن تنظر إليْه : ممكن تتركني أنام سلطان دُون أن يحبس إبتسامته : قوليها وعينك في عيني وبعدها بتركك الجوهرة لم تفهم مزاجه هذه الليلة، ألتفتت عليه لترمش أكثرُ من مرة في الثانية سلطان غرق بضحكته الطويلة ليُردف : تصبحين على سعادة الجوهرة عرفت لِمَ يضحك، كان واضحًا جدًا أن ملامحِي الشاحبة مُرتعبة، يشعر بالإنتصار لنفسه لأن أستطاع ببساطة أن يفرض قوته عليّ، ما أشدُ قسوتِك يا سلطان. يُتبع |
تضع رأسها على صدرِه الدافىء وشعرها الطويل ينسابُ على ظهرها جانبًا، خلخل أصابعه البيضاء في شعرَها و الصمتُ مترسب في حناجرهم، رفعت عينها له ليبتسم : وش تفكر فيه ؟ عبدالرحمن بتنهيدة : اليوم جو ناس يخطبون عبير أتسعت إبتسامتها لتُبعد رآسها وتتربع على السرير بجانبه: مين ؟ عبدالرحمن : ما أعرفهم واضح عايشين حياتهم برا إسمه مشعل المحمد .. عنده دكتوراه في العلوم السياسية ومستقر في لندن ضي : ماشاء الله ، الله يكتب لهم اللي فيه الخير .. لآيكون منت موافق؟ عبدالرحمن : مدرِي عايلة ما أعرفها ولا أدري وش طبايعهم ولا عاداتهم ضي : تحسسني أنه دايم زواجات القبايل ناجحة! هذا هُم يعرفون عادات بعض ويا كثر ما يحصل الطلاق، دام مؤهلاته كويسة ماشاء الله ومستواه كويِّس وأخلاقه زينه خلاص .. لاتوقف نصيبها .. بالنهاية أنت ماراح تجلس لها العُمر كله عبدالرحمن : وش يعرفني عن أخلاقه! أقولك الرجال ماعندي أيّ خلفية عنه ولا عن عايلته، تبيني أرمي عليه عبير وبكرا تجيني تشتكي منه ؟ ضي : أسأل عنه، كلم أبوه وقوله وين ساكنين وفي أيّ حيّ ووين يشتغل! وروح للأماكن هذي وأسأل عنه عبدالرحمن : أنا لما شفته أرتحت له ، يعني حتى كلامه وأسلوبه جذبني لكن ما أدري وش ممكن يصير بعدين ضي : يا عبدالرحمن يا حبيبي! كم مرة خطبوا عبير وتردّهم وأنت تعرف قبايلهم وعوايلهم، بكرا ذنبها بيكون في رقبتك وعبير وصلت لعمر محتاجة فيه لشخص ثاني يكملها عبدالرحمن وكلمات ضي تُقنعه وتجعله يعيش الحرب بين قناعاته وخوفه من المستقبل. أكملت : وهذي رتيل تزوجت! أكيد بتتحسس أنها الكبيرة وإلى الآن ما شافت حياتها ، أنا يمكن ماأفهم عبير كثير زي ماأفهم رتيل ، ويمكن حتى كلامها معي أحيانًا أحسه تتحاشى تتعمق فيه لكن واضح جدًا حاجتها لشخص ثاني عبدالرحمن تنهَّد : أمرنا لله بسأل عنه وأشوف ضي بإبتسامة متورِّدة : خلنا نفرح فيها وننبسط، يكفينا اللي جانا ، أقترب فجرُ إسطنبُول وخفتت أضواء الصخب في شوارعها المُزدحمَة الراقصَة بتنغنج. بعد أن أستغرقت بالتسوق ساعاتٍ كثيرة لم تملّ منها، كانت تُفرغ غضبها وحُزنها بالشراء، لم تستفد منه شيئًا، لم يكُن لها الزوج التي تطمح، ناحت أحلامها بجانبها ومازالت واقفة على قدمها، مازلت أكابر وأحامل على حُزني، كثيرٌ عليّ أن تُحزني هكذا. نظرت إليْه وهو يُرتب بعض حاجياته في الحقيبة الاخرى، بللت شفتيْها بلسانها وهي تأخذ نفس عميق حتى تتحدث معه، أتكأت على الجدار : ريَّان دُون أن يلتفت عليها : نعم ريم تحاول أن تُمهِّد له بتبسيط الطلب : بعد ما نرجع إن شاء الله، أبغى اجلس كم يوم بالرياض ماابغى أروح الشرقية على طول ألتفت عليها : كم مرة تناقشنا بهالموضوع! بلعت ريقها بربكة : طيب أنا أناقشك الحين عشان نتفاهم ريَّان بحدة : لا ريم : طيب ليه؟ عطني سبب وأقنعني ريَّان : ماني مضطر أعطيك أسباب ريم شتت نظراتها : ما يصير كذا لازم نتناقش تعطيني أسبابك وأعطيك أسبابي وبعدها تقرر ريَّان : ريم لا تكثرين حكي وفلسفة على راسي قلت لك اللي عندي ريم : وأنا ماني موافقة ريان رفع حاجبه : نعم ؟ ريم : اللي سمعته .. ماني موافقة أرجع الشرقية على طول بدون لا أشوف اهلي ريان : لآحقة عليهم ريم بقهر : طيب ليه تمنعني كذا! ليه تعاملني من الأساس كذا ريَّان : تعرفين أنك تجيبين النكد!! ... وأستلقى على السرير لينام دُون أن يعير نقاشها أيّ إهتمام. ريم بقوةِ شخصيتها التي تتذبذبُ كثيرًا أمام رجلٍ يُحييها لحظات ويُميتها أيام، تكتفت : هالحكي ما يمشي! لك شخصيتك ولي شخصيتي ما يصير تعاملني كأني أشتغل عندك وتفرض شخصيتك على شخصيتي ..... ريان أنا ماأعرف وش فكرتك عن الزواج! من جينا هنا وأنت يوميًا تبكيني وتضايقني ... والله لو أني ذابحة واحد من أهلك ما تسوي كذا! صارحني وقولي وش مضايقك فيني .. يمكن أقدر أغيره أو يمكن أنت فاهمه غلط .. بس هالطريقة ما تمشي أبد .. كيف بنعيش إذا إحنا نكتم على نفسنا وكل واحد يعيش لحاله .. الزواج شراكة نكمل فيه بعضنا ونستقر .. لكن ........ بربكة شفتيْها : ما أطلب منك شي كثير.. بس أبي أفهمك ! فهمني وش يعجبك وش اللي يرضيك وأسويه ريَّان أستعدل ليسند ظهره على السرير : خلصتي ؟ ريم بتوتر : إيه ريَّان عاد للإستلقاء : تصبحين على خير .. أتسعت محاجرها وهي تنظرُ إليْه، رُغمًا عنها تدافعت دموعها لتسقط على ملامحها المُتيبسَة بحركته الأخيرة، كيف تتغاضى عن هذه الإهانة؟ ، يقرأ بعض الرسائِل التي أتت بالظرف البُني، رفع عينه لسعد الجالس أمامه ويبدُو النعاس يقترب منه : أحرقها سعد بدهشَة : ما تحتاجها ؟ مقرن بهدُوء : لآ ماأحتاجها ... عبدالرحمن وسلطان صاروا يشكون فيني .. أستغفر الله بس سعد : حسبي الله على أمل هي اللي شككتهم فيك ما يدرون أنك تخاف عليهم أكثر منهم مقرن : وصلنا لنص الطريق مقدر أبعد وأوقف، يحسبوني خاين!! يا كبرها عند ربي سعد : لا تهتم! دامهم ما قالوها في وجهك أتركهم .. أكيد بيتراجعون أو ما عندهم دليل يثبت هالشي مقرن : كلها يومين وراح يواجهوني، لكن أنا مازلت أبغى أكمل اللي بديته، كل شخص لازم يتعاقب بذنبه واللي سببوا حادث أهل بو عبدالعزيز راح ينكشفون إذا مو اليوم بكرا ، فِي يومٍ جديد، الساعَة تُشير للثالثة عصرًا بتوقيت باريس، يجلس بمُقابل والده وضحكاتهم تتواصل دُون إنقطاع، ألتفت عليه : الله لا يشمت العدو فينا دخَل إحدى رجاله الذِين يبغضهم فارس : إلى الآن جواله مغلق رائد بحلطمة : أستغفر الله!! وش صاير له ذا قطع فجأة فارس : مين يبه ؟ رائد : واحد نشتغل معه فارس بهدُوء : أنا أسألك عن إسمه رائد بسخرية : كنك بتعرفه!! صالح فارس عرف أنه عبدالعزيز ليردف : وش فيه ؟ رائِد : عندنا شوية شغل وكنا متفقين على اليومين اللي فاتت لكن أنقطع فجأة فارس : يمكن سافر رائد : أنا أظن كذا! يسويها هالنكبة فارس بإبتسامة يُغير أجواء والده المشحونة بالعمل : تدري يبه أحس مبدئيًا بيوافق على شخصي لكن ممكن يتردد بموضوع أنه ما سمع في العايلة ومايعرفها رائد : ولا يهمك كل شي مرتب، بيسأل وكل علومك الزينة بتجيه فارس بهدُوء : طيب وعبير ؟ ماراح اقولها أني فارس رائد بإندفاع : أنحرك قدامها لو تقولها أنك فارس، أتركها مع أبوها فارس بضيق : وافقت على طريقتك بس طبعا ماراح أكذب عليها رائد : لاحول ولا قوة الا بالله .. لا تطلعني من طوري وش قلت لك أنا!! فارس وقف بعصبية : عن إذنك .. وخرج وهو يُفكر كيف يُخبر عبير متجاهلاً سلطة والده، من المستحيل أن يبدأ حياتها معها كذبًا وبسخريَة نبرته الداخلية " هذا إذا وافقت عليّ ! " ، يا رب قلبُها أجعل الخيرةُ بجانب قلبي. ، يطرق الباب، مرةً ومرتيْن وثلاث وفي كل مرَّة تحتدُ ضرباته عليها، تفكيره الأبيض أستعمرتهُ خلايا السواد والحقد، يشعرُ بأنه كبت نفسه لعهُود طويلة، لن يُبعدها أحدًا ولن يأخذها أحدًا، هي تخصني وحدِي، الذِي يحب لا يضر من يُحب ولكن الذي يُحب يسرق من يحب دُون أن ينتبه هل يضره أم لا! لو أُخبر عبدالعزيز لجنّ جنُونه، لستُ انانيًا حتى لا أخبرك يا عزيز ولكن هذه الفترة أنا أحتاج غادة ، أحتاج عقلها أن يكون ليْ فقط حتى أروِّض نسيانها، كيف تنساني بسهولة؟ هل تكذب أم أنها تحاول أن تُخبرني أنها تريد الإنفصال بطريقةٍ مهذبة، كيف أستطاعت العيش كل هذه الفترة دُون أحدٍ ؟ أنا آسف يا غادة إن كنت سأقهرك! إن كنت سأضرك فأنا لا أعرف طريقًا متزنًا أكثرُ من ذلك. فتحت الباب ليدخل دون أن يترك لها فرصة الإختيار، بكلماتٍ هادئة : جهزي أغراضك وبتروحين معي غادة برعشة شفتيْها وأصابعها تتشابك مع بلوزة بيجامتها: وين أروح ؟ ناصر جلس ليرفع عينه التي باتت لا تُفهم : عندك 10 دقايق حتى تجهزين نفسك ولا بآخذك بشكلك هذا غادة التي لا تعرف عن هذه القساوة شيئًا أردفت : كيف تآخذني! لو سمحت يا نـ قاطعها بغضب : قلت لك 10 دقايق غادة بأعصابها المُتعبة تحشرجت دموعها : لا تضغط عليّ! شوف أوراقي الطبية وتأكد بنفسك ناصر بمثل حدتِه مُتجاهلاً كلماتها : 9 دقايق غادة بضيق : وين عبدالعزيز ؟ ناصر وقف : يعني ماتبين تآخذين معاك شيء غادة بغضب : ليه ما تفهمني! أنا ماأعرف مين أنت ولا مين ...... ناصر يُقاطعها بعصبية بالغة أعتلى بها صوتُه لآخر مدى : لا تقولين ماأعرفك! .. أخلصي عليّ !!! غادة برجاء : لو سمحت! ناصر يُمسكها من زندها ليشدَّها نحو غرفتها : 5 دقايق ألبسي فيها وأطلعي لي غادة تتساقط دمعاتها الحارَّة، رضخت لصوته الغاضب وهي تعود خطوةٍ للخلف من صوت الباب الذِي أغلقه بقوَّة، نزعت بيجامتها لترتدِي على عجل أول ما رأته أمامها في الدولاب، أخذت معطفها الأسود الذِي يصل لمنتصف ركبتها، سحبت الإيشارب لتلفه وتُغطي شعرها الداكن، ودَّت لو أنها تهرب، لكن لا مفر وهو جالس بالصالة، خرجت له بتشتيت نظراتها، بغضته لتصرفه معها ولحدةِ كلماتها وقساوتِه. وقف : بإسم مين الغرفة ؟ غادة : وليد ! أمال فمه : ومن متى المعرفة معه ؟ غادة : دكتوري ناصر بعصبية : دكتورك!! وطول هالفترة كنتي عنده لم تُجيبه حتى صرخ عليها : كنتِي عنده؟ لم تعتاد أبدًا على هذا الصراخ لتنطق بملوحة دمعها : لا بس .. بس كان معاي لأن ما كان فيه أحد جمبي ناصر يفتح الباب ليُشير لها بعينه اللاذعة أن تخرج، أتجهَا لشقتِه وهو يفكر بطريقة يخرج بها من باريس! يجب أن يخرج بأسرع وقت قبل أن ينتبه عبدالعزيز. كيف يُخرج لها أوراقها الرسمية ! يجب أن يتحدث مع والده هو الوحيد الذِي يملك الواسطة في هذا الموضوع. بُضع دقائقٍ حتى أوصلها لباب شقته، ألتفت عليها وهو يدخل : دايم تعيّشيني بالتناقضات! تغيريني كثير، تخليني أتصرف بأشياء ما ودي أتصرف فيها .. لكن تحمَّلي! تحملي يا غادة مسألة أنك ما تتذكريني ... بحدَّة يكمل : تنسين الكون كله بس ماتنسيني.. لكن أنتِ اللي تبين هالشي .. أنتِ بنفسك تمشين لهالطريق وودك فيه !! لا تحاولين تتأملين شي مني .. مثل ما خسرت بتخسرين معايْ! إذا كنت أنا بضيع راح تضيعين معاي ... وأعتبري هالشي مثل ماتبين .. أعتبريه حتى تهديد ... ، أرتدت الجاكيت بصعُوبة وهي تتذمر : أستغفر الله ليت إيدي اليسرى اللي أنكسرت عبير : الحمدلله بس أنها عدت على خير! رتيل بضيق : الحمدلله على كل حال بس يختي وش ذا كيف أصبر كذا! ما أعرف أسوي شي بإيدي اليسرى ضي تُغلق حقيبة رتيل لتُردف : يالله مشينا .. رتيل : ابوي وينه ؟ ضي : مشغول .. وبعدين أنا ما أكفي ؟ أبتسمت : إلا تكفين ونص بس أستغربت أنه ما جا عبير : عبدالعزيز ما جاك الصبح ؟ رتيل هزت رأسها بالرفض لتخرج من غرفتها الكئيبة وحامِي الرقبة بدأ يُضايقها، أتجهتَا للخارج و بأولِ خطوةٍ تحت السماء الغائمة كانت أمامهم أثير. دبّ الشك في قلبها من وجودها في المستشفى على الرغم من خروج عبدالعزيز، بإبتسامة تُخفي الكثير : مساء الخير رتيل ببرود : مساء النور أثير : الحمدلله على سلامتك رتيل ودَّت لو تنطق " الله لا يسلمك " : الله يسلمك أثير بإغاضة : الله ستَر وماراح فيها وجهك .. عبير شعرت بالقهر يفيضُ بها فكيف رتيل! ، كانت ستسحب رتيل وتدخلان السيارة ولكن رتيل بدأت بالحرب الكلامية المُستفزة : غلطتي في المكان اللي تتشمتين فيه! إذا عبدالعزيز مزلِّب فيك فمشكلتك مع عبدالعزيز ماهي معي! ضي مسكت ضحكتها وهي تشتت نظراتها للطريق، بينما عبير أتسعت بإبتسامتها وهي تتكأ على باب السيارة. أثير بنبرةٍ مُتغنجة : الله أعلم مين اللي مرمي على جمب ومسحوب عليه! عاد تصدقين كنت متوقعة أني بدخل منافسة بس للأسف نافست نفسي لأن محد جمب عبدالعزيز غيري ومحد عايش مع عبدالعزيز غيري ! لكن أنتِ يا قلبي وش موقعك بالإعراب! زوجة فقط وبالإسم لكن فعليًا مافيه إلا زوجة وحدة اللي هي أنا رتيل أمالت فمها وهي تشدُ على شفتِها السفليَة، ضحكت بخفُوت لتردف : تنافسين نفسك!! عفوًا بس مين قال أنه لك وجود عشان أنافسك! أنا لو أبي عبدالعزيز يجيني قدرت أخليه يجيني ولا تحاولين تشككين عشان ماتحطين نفسك في مواقف بايخة! عبير مسكتها من معصم يدها اليسرى : ما نبغى نتأخر رتيل بخبث : تهنِّي فيه فعليًا " أردفت كلمتها الأخيرة وهي تقلد نبرة صوتها " ركبُوا السيارة لتتحرك مُبتعدين عن المستشفى، أطلقت ضي ضحكاتها : هههههههههههههههههههههههه بدآ شغل الضراير رتيل : شفتوها! انا ماتحرشت فيها بس هي اللي تحرشت وتتحمَل! قال أنافس قال!! مدري وش جايبها عبير : ما أتوقع جاية عشانك وكيف تدري بموعد خروجك أكيد جاية عشان شي ثاني رتيل صمتت قليلاً لتُردف بخوف : لآيكون حامل! عبير : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههه وش هالدجاجة اللي بتحمل بهالسرعة رتيل : تسويها الحيوانة ذي! بس لا ما أتوقع .. لا مستحيل أنا متأكدة عبير : تراها عايشة معه يعني خلاص ! إذا مو اليوم بكرا رتيل بتوتر وهي تتذكر كلماته في الرياض " ماراح تكونين أول بنت في حياتي " ، أخذت نفس عميق : حيوان لو يسويها ضي : تآخذين بنصيحتي؟ رفعت عينها لها لتُردف ضي : أنسي اللي فات، أدري جرحك!! ممكن ذلِّك لكن أنتِ بعد ما قصرتي.. أقطعي هالشر ولا تتركين أثير تتمكن منه، حتى لو ما يحبها إذا عطته كل شي طبيعي بيميل لها .. رتيل فكري بالمستقبل وش تبين تصير حياتك؟ قاعدة تضيعين عمرك بهالمُكابرة رتيل بقهر : انا ما أكابر وأفكر بالمستقبل! ودام هو أختار حياته مع أثير بكيفه .. أما أني أتنازل لا والله ماني متنازلة ! يتحمَّل كلامه معاي عبير : في ذيك الفترة كل الظروف كانت تجبره وتجبرك بعد تتصرفون كذا! وأصلا كانت أعصابكم تعبانة .. لآتزيدينها أكثر ضي : صادقة عبير .. رتيل ليه تبين تخسرينه ؟ رتيل تنهدَّت : هو خسرني ماهو أنا ضي : طيب تنازلي لو شوي.. ماأقولك سلمي نفسك له بس يعني شوية تنازل تخلينه هو بنفسه يشوف رغبتك وتتقدمون بعلاقتكم رتيل : أنتم ما تحسون فيني! أقولكم قهرني ماكان يخليني أنام ليلي من قهري منه .. وفوق هذا كان يذلني بكلامه وعايرني بأسوأ الأشياء وبعد كل هذا أتنازل! لا والله ماني متنازلة لو يصير اللي يصير ...... ضي بضيق : بس أنتِ تحبينه ؟ رتيل بلعت غصةُ صوتها : اللي خلاني أحبه يخليني أحب غيره ضي : ببساطة كذا ؟ يا قو قلبك يا رتيل .. تخسرين سعادتك عشان .. قاطعتها : عشان عزة نفسي! مسألة أني أهين نفسي عشان قلبي هذي مستحيلة وما هي صايرة، إن تنازلت مرة بيخليني أتنازل كثير وبيذلني كثير لأن داري أني بالنهاية راح أتنازل لكن هالحكي ما يمشي معي ! بخليه يدفع ثمن حكيْه ويعرف قدره ومن خسر بأفعاله عبير عقدت حاجبيْها : عُمرك ما كنتِ شخصية ماهي متسامحة! رتيل : مقهورة منه ودفاعكم عنه يقهرني زيادة ضي : انا ماأدافع عنه بس أنا أشرح لك من وجهة نظري، إثنينتكم غلطتُوا! صلحوا أغلاطكم وعيشوا زي هالعالم والناس رتيل تنهَّدت : ممكن نسكر الموضوع!! ، في سكُونِ ليلِ الرياض، رفعت شعرها المموَّج جانِبًا وهي تخط الكحل على جفنها، أرتدت فستانًا ناعمًا يصِل لمُنتصف الساق ويُظهر إنتفاخ بطنها الخفيف، تعطرت وهي تنظرُ لنفسها نظرةً اخيرة، ألتفتت على الطاولة التي جهزَّتها بالعشاء الذي لم تطبخه منذُ فترة طويلة، أتجهت لهاتفها حتى تُخبره كتبت له بالواتس آب " يُوسف " دخَل للمحادثة وظهرت علامةُ الصح المزدوج كنايةً أنه قرأ ولكنه لم يرد، شعَرت بحجمِ زعله لتتصل عليه ولولا أنها تخجل أن تنزل في هذه الساعة للأسفل لكانت نزلتْ وتحدثت معه فالأكيد انه بالمجلس الآن أو رُبما مع هيفاء، مرةً ومرتيْن ولا يُجيبها حتى أعطاها " مشغول " ، كتبت له بالواتس آب " تعبانة حيل " أبتسمت وهي تراقب شاشتها حتى لاحظت الصح المزدوج، كانت ستكتب له بعد أن أستغرق الثواني ولم يُجيبها لولا أنه فتح الباب لترفع عينها بإتجاهه. نظر إليْها بعد أن أنقبض قلبه خشية أن يُصيبها شيء، ضاعت نظراته في عينيْها السوداوتيْن، هذه الأنيقَة كم من مرَّة يجب أن نُخبرها أن اللون الكُحلِي فاتِنٌ على جسدها الأبيض! أقتربت بخطواتها وأصابعها تتداخل في بعضها البعض : آسفة يُوسف شعَر بأن شيءٌ غريب بهذا العالم يحدث، إعتذارها الذي لم يتخيَّل أنه سيحدث حدث! أبتسم : مين داعي لي اليوم ! أتسعت إبتسامتها حتى بانت غمازةُ خدها الأيسر : يعني رضيت علينا ؟ يُوسف يقترب حتى لاصقت أقدامِه أقدامها : أطلع حيوان إذا ما رضيت ضحكت بخفُوت و ملامِحها البيضاء تسرِي بها الحُمرَة خجلاً، قبَّلها بالقُرب من عينيها التي تقتله أكثرُ من مرَّة، وهي التي تحكِي وتبكي وتُثرثر وتعتب وتغضب وتضيق وتحزن في عينيْها، هذه السوداويتيْن يملكان سحرًا حائلي. مُهرة بخجَل تُمسك معصمه لتتجه معه نحو الطاولة التي جهزتها : بذوقِّك طبخي اليوم يُوسف ينظرُ للأطباق التي منظرها بحدِ ذاته يُشبعه، بعد يومٍ أحتد به مزاجه كانت الراحة في ختامه، إبتسامتها لوحدِها تُدخل الفرح لقلبه، والغمازة التي لا تظهر كثيرًا أمامه يشتاقُ إليْها. ، واقفًا مُتكىءً على مكتبِه، بدأ يحك عوارِضه كنايةً عن غضبه وهو ينظرُ لمتعب الذِي بلع ريقه بصعُوبة بعد أن خلى المبنى وأنتهى الدوام الصباحي، أردف : أيوا وش أسوي ؟ متعب : يعني لقيتها .. الحمدلله سلطان بسخرية : كذا نزلت من السماء متعب إبتسم إبتسامة بلهاء ليُردف : سبحان الله سلطان بهدُوء : يا سبحان الله ! كل شيء هنا صدفة وينزل من السماء .... متعب : تعرف يا بُو بدر احيانا الواحد من كثر الضغط يضيِّع وينسى .. ولا أنا والله كنت أعرف أنه الملف عندِي بس سبحان الله ما لقيته الا اليوم سلطان يهز رأسه مُستهزءً بكلماته ليُردف : وأنا ما أقتنعت بالعذر! قلِّي شي ثاني يقنعني ولا .. أنت تعرف وش بسوي متعب : هالحين تؤمن أنه الله أحيانا يرسل ملائكته على هيئة بشر ، يعني ممكن أحد لقى الملف وحطه لي سلطان يمسح على وجهه : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ، متعب لا تخليني أفصل عليك! ملف فجأة يختفي بعدها يطلع .. متعب أرتبك : طيب هالحين فكِّر بالمعنى مالنا دخل بالوسيلة .. والمعنى أنه وصل الملف سلطان يتجه ليأخذ هاتفه ومفاتيحه بعد إنتهاء الدوام بالنسبة له : طيب يا ولد إبراهيم .. حسابك ماهو الحين حسابك بعدين لا فضيت لك .... خرج ليسير خلفه متعب : الله يشهد أني بحثت عنه وأنت شفتني يوم كنت أدوّره سلطان : كل غلطة يتحملها صاحبها متعب بضحكة حاول يستعطفه : ترى المعاش بحّ سلطان كتم ضحكته ليلتفت عليه قبل أن يدخل المصعد : عزابي ماعندك لا شغل ولا مشغلة! وين يروح ؟ متعب : قطية إستراحة سلطان بإبتسامة : مشكلتي أحبك ولا كان هفيتك الحين باللي معي *أشار لهاتفه* متعب تنهد براحة أن أبتسم هذا يعني أن الأمور محلولة : أدفع عُمري كله عشان تبتسم .. يعني أتطمن على أموري غرق بضحكتِه الطويلة ليُردف : ما أعصب الا لما تعصبني أنت وأحمد! ولا أنا هادي متعب : ما ودِّي أكذبك طال عُمرك لكن قوية والله سلطان يضغط على زر الطابق الأول : ههههههههههههههههههههههههه هههههههه أنا أوريك القوية بكرا ! تجي بلبسك العسكري بخليك تتدرب معي نزَل للأسفل ليتجه نحو سيارتِه السوداء، دقائِق قليلة حتى خرج من منطقة عملِه ليدخل في شوارع الرياض الصاخبة، أضواء السيارات تُغرقه في التفكير، تتشابك في داخله ألف فكرة وفكرة، إبتداءً من الجوهرة نهايةً في مقرن، مسك هاتفِه ليدخل الواتس آب ينظرُ لآخر دخول لها، قبل دقيقتين! لم تنام بعد. تمرُ التقاطعات بخفَّةِ تفكيره حتى ركَن سيارته أمام بيته، خرجت أمامه العنود، تجاهلته تماما وهي تركب السيارة التي تبعد عن البيت عدة خطوات، ألتفت ليرى بها " ماجد "، عقد حاجبيْه بغضب وهو يفتح الباب ويبحث بعينه عن حصَة ، تقدَّم لها بالصالة دُون أن ينتبه للجوهرة الجالسة خلفه : كيف تطلع معاه بنتك ؟ حصَة : قول السلام طيب سلطان تنهَّد : وش هالمصخرة اللي قاعدة تصير حصَة : أنا رفعت إيدي منها! كيفها هي وأبوها سلطان صمت قليلاً ليُردف : على يوم بتنذبح .. طيب وين الجوهرة ؟ قبل أن ترد عليه حصَة التي أتسعت بإبتسامتها، أتى صوتُها من خلفه : أنا هنا ألتفت، يكرَه أن يقع في فخِ الغباء ، قطعت إنظاره الموجهة للجوهرة : تعشيت ؟ سلطان : لآ حصَة : أجل بروح أحط لكم العشا الجوهرة وقفت : خليك حصة أنا بروح أجهزه حصَة تدفعها برقة لتُجلسها وبنظرة ذات معنى : خليك أنتِ في نفسك ... وخرجت. سلطان جلس وهو يسند ظهره على الكنبَة بتعب، بعد أن مدَّد يديْه وفرقع أصابعه ألتفت عليها : متى صحيتي ؟ الجوهرة : ما نمت العصر.... أبوي نهاية هالأسبوع يبغى يرجع الشرقية ... كلمته وقلت له أني برجع معه سلطان بجمُودِ ملامحه : وش قلتِي له ؟ الجُوهرة تعرف أسلوبه جيدًا، يُحب أن يسأل حتى يستفرد بغضبه، أرتعش لسانها : قلت أبغى أرجع معه سلطان : وقررتي من كيفك! الجُوهرة : بيت أهلي ما أحتاج أستأذن فيه سلطان بغضب : لا! ومرة ثانية ما تفكرين من كيفك وتقررين وين بتروحين ووين بتجين الجُوهرة بحدةِ كلماتها وهي تُمثِّل البرود في ملامحها : أنا قلت لأبوي وأنتهى الموضوع سلطان صمت حتى وقف والغضب يفيض به : كيف يعني أنتهى الموضوع! أقسم بالله لو تعتبين باب البيت ماراح تلقين في وجهك الا القبر الجُوهرة بربكة وهي تُشتت نظراته بعد أن أقترب منها: طيب أبغى ارجع! صار لي فترة طويلة ما شفت أمي سلطان بحدة كبيرة : قلت لا ! تفهمين عربي ولا لأ ؟ الجُوهرة وقفت تحاول أن تتخلص من خوفها منه : لا ما أفهم! أبغى أرجع سلطان يحاول أن يُمسك أعصابه أمامها : ناوية على نفسك اليوم ؟ الجوهرة : ليه ما تفهم أني ... قاطعها بعصبية : قلت لا ! أنتهى النقاش بالنسبة ليْ! ثاني مرة ما تفكرين من نفسك ... لأنك ما تعيشين لحالك فيه عالم حولك تستأذنين منهم الجُوهرة أمالت شفتِها السفليَة، تُجاهد أن لا تبكِي بعد توبيخه لها، أردفت بهدُوء : طيب أنا الحين أستأذن منك ! سلطان : وأنا وش قلت ؟ الجُوهرة : بس ما عندك أيّ مبرر! هذولي أهلي ومن حقي أشوفهم سلطان : وتوِّك تفكرين فيهم .. تلعبين على مين بالضبط ؟ الجوهرة رفعت عينها له بدهشَة لتندفع بكلماتها : طول وقتي أفكر فيهم! ولا أنت أصلا تجلس بالبيت ولا تجلس معي عشان أقولك وش أفكر فيه ووش ما أفكر فيه .. حلوة ذي تغلط وتحط غلطك عليّ سلطان يُمسكها من معصمها بغضب ليخرج بها متجهًا للأعلى الجوهرة بخوف : راح أصرخ لحصَة . . . . . ، لم تتوقع أن يحتال عليها بهذه الصورة ولم تتوقع أن يكذب عليها والدها حتى تلتقِي بعبدالعزيز وقفت أمامه وهي تشتدُ غضبًا من تصرفات الجميع بحقَّها : وش تبي ؟ عبدالعزيز : ممكن تجين معاي ماراح نطوَّل ، نص ساعة وبنرجع رتيل : لآ مو ممكن عبدالعزيز : طيب كيف نخليه ممكن ؟ اعطته ظهرها وهي تسير بإتجاه المصاعد الكهربائية، مسكها من معصم يدها اليسرى : رتيل .. بس شويّ رتيل تنهدّت : أكيد وصلت لك الأخبار من حرمك المصون ! عبدالعزيز : ما وصل لي شي رتيل : بحاول أصدقك .. تقدر تقول اللي عندك هنا لأني بنام عبدالعزيز : فيه أحد ينام الحين ؟ رتيل : إيه أنا عبدالعزيز بضيق : رتيل! لا تآخذين الأمور بإستخفاف .. جد عندي موضوع معك رتيل بسخرية: موضوع زي مواضيعك اللي فاتت عبدالعزيز ضحك ليُردف بإغاضة : لا هالمرة الموضوع جسدي رتيل ودَّت لو تصفعه، ضربت صدره بقبضة يده اليسرى : معفن ... مسكها وأحكم قيده على معصمها ليخرج بها إلى خارج الفندق ويغرقُ بضحكاته : أمزح رتيل تشعر بأن أعصابها بأكملها مشدودة : مزحك ثقيل عبدالعزيز : بعض مما عندِك رتيل تنهدت : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه .. يعني وين بتوديني ؟ عبدالعزيز : بما أنه ماعندي سيارة راح نمشي رتيل : لوين . . عبدالعزيز : شقتي ألتفتت عليه بغضب و . . ، تضع يدها على قلبها المُرتجف من حضُور الرجل الذِي سيقترن إسمها بإسمه، تشعر بأن قلبها سيقتلع من محجره، لم تُجرب النظرة الشرعية رُغم أنه سبق وتقدَّم لخطبتها، هذه المرة الأولى وتشعر بالضياع الفعلي : يممه قلبي بيوقف نجلاء بضحك تستفز خوفها : حاولي تطالعينه طيب عشان تقولين لنا الأخبار هيفاء : كيف أطلع له ؟ لا بطَّلت خلاص قولوا له يشوفني بالعرس نجلاء : شكلك حلو والله خليك واثقة .. يالله روحي صار له ساعة ينتظر ومعاه يوسف هيفاء : ومنصور ؟ نجلاء : لأ قال يوسف أقرب لهيفا عشان ما تنحرج هيفاء : ياربي وش أسوي! يختي جتني أم الركب نجلاء : هههههههههههههههههههههههه لا إله الا الله .. تعوّذي من الشيطان وأدخلي قبل لا تجي أمك وساعتها بتحسبك من شعرك هيفاء تأخذ نفس عميق : يارب يارب ... طيب إذا سألني ما أرد عليه صح ؟ نجلاء تضرب صدرها برقة : ورآه! فاهمه الحيا غلط .. ردي عليه على قد السؤال هيفاء تتجه نحو المجلس الجانبِي، وهي تقرأ كل آيات القرآن التي تحفظها، حتى فتح يوسف الباب الذي تذمر من الإنتظار وكان سيأتِ ليُناديها ولكن تفاجىء بوقوفها، توسلت إليْه بنظراته لأشياء لا يفهمها يوسف، أبتسم ليُهلِّي بها مُستفزًا كل أعصاب هيفاء : هلا بالشيخة .... رفع عينه فيصل لتلتقط حضُورها . . . ، يتأملُها، يُطيل نظره بها وكأنه يستكشفها من جديد، مازال يشعُر بغربةِ جسدها عنه، يراقب تفاصيلها الصغيرة التي مازالت تحتفظ بها ولم تتغير بعد، تُشتت نظراتها من ربكة عينيْها التي تحدق بها. ناصر بهدُوء : ماراح تقولين لي وش سويتي في غيابي ؟ غادة بمثل هدوئه : ما أتذكر ناصر الذي لا يستطيع أن يستوعب أو يُفسِّر أو حتى يُجمِّع بعقله الذي مازال تحت تأثير الصدمة حتى لو كانت ملامحه تُوحي بغير ذلك، لا يستطيع ان يتزن بتفكيره أو يصِل الخيوط ببعضها، كم يلزمني من الوقت حتى أستوعب وأفكر بطريقةٍ لا تتحمل غبائي في هذه الدقائق، نظر إليها بحدة حاجبيْه : ليه تكذبين ؟ غادة بقهر : ما أكذب قلت لك ما أتذكر ناصِر يضرب بكفِّه على الطاولة غاضبًا : تكذبين! من عيونك واضح تكذبين .. انا أعرفك أكثر من نفسك وأعرف كيف تكذبين غادة بنبرةٍ لم تقصد بها الإستفزاز : لا ماتعرفني! لو تعرفني ما كان كذبتني وخذيتني كذا يقترب منها ليحاصر كتفيْها وهو يُمسكهما بيديْه : أنتِ ما توعين لحكيْك ولا تعرفين وش قاعدة تقولين!!! .. غيروك .. واضح أنهم غيروك غادة بضيق : أتركني أروح .. ما أبغى أجلس هنا .. ناصر : لمين بتروحين! ماعندك أحد غيري غادة : عندي وليد .... ناصِر وقف وهو يشعُر بأن الدُنيا بأكملها تتجمَّد أمام عينِه . . . . . . ، يضع شريحةُ هاتفه الأخرى التي لا علم لوالده بها، يجلسُ بالمقهى المعتاد وبالكرسي المعتاد أيضًا، الكُرسي الذي يخص العبير، كتب رسَالةً إلى الإسم الذِي رمزهُ بـ " عزيز "، " أحتاج أشوفك ضروري، والليلة إذا أمكن .... فارس " ، مُقتطف/لمحة " بحماس تتكلم غاضبَة وهي تندفعُ بالكلمات الحادَّة ومن فُرطِ الإندفاع تفتحت أزارير قميصَها، لم يستطع الوقوف وهو يجلس على الأريكَة غارقًا بضحكاته : كم مرة قلت . . . . " . . أنتهى ، |
المدخل لـ عبدالرزاق عبد الواحد. أشعلتِ حبَّكِ في دمائي وسكنتِ في زَرعي ومائي ومَلأتِ كلَّ مواسمي وملَكتِ حتى كبريائي إن كنتُ بعضاً من رَجاكِ فأنتِ لي كلَّ الرَّجاءِ أنا ما خلَعتُكِ من دمي أنا ما دفعتُكِ من سمائي وفعلتِ أنتِ فَبعتِني يا ليتَ بيعَ الأوفياء! ياني.. وحسبُكِ إن أقُلْ ياني، يُغالبني بكائي! ويعودُ بي هذا النِّداءُ لِعزِّ أيّامِ النِّداءِ أيّامَ كان الزَّهوُ يملؤني بأنَّ لكِ انتمائي وبأنَّ قَلبَكِ لا يُثيرُ رَفيفَهُ إلاَّ لِقائي وبأنّ عينَكِ، عينَ ميدوزا سَناها من سنائي وبأنّني الغالي لديكِ وأنتِ أغلى من غَلائي وثقي بأنكِ رُغمَ ما سَفحَتْ نصالُكِ من دمائي وَبِقَدْرِ ما للتّافهين كَشَفتِ ياني من غطائي ما زلت ياني أجملَ الـ لَحظاتِ حتى في شقائي! ما زلتِ كلَّ رفيفِ أجنحَتي وكلَّ مَدى فَضائي ما زلتِ نَبضَ دمي، وأعظمَ ما يُحَقِّقُ لي بَقائي ما زلتِ أنتِ مَجَرَّتي وغَدي المشعشعَ بالضياءِ لا تُطفئيها مَرَّةً أخرى.. فَناؤكِ في فنائي! روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ ! الجُزء ( 60 ) ألتفتت عليه بغضب لا تكاد تُصدِّق بأن والدها يوافقه ويصادِق على أفعاله بكل أريحية دُون أن يُلقِي لموقفِي منه أيّ إهتمام، عبدالعزيز أهانني بإرادة والدِي ودُون هذه الإرادة لمَا ذلَّني أبدًا. : طبعًا لا عبدالعزيز أدخل يديْه في جيوبه ليبتسم : صدقتِي؟ أصلاً مستحيل نروح .. أثير هناك .. رتيل أخذت نفس عميق: عبدالعزيز يكفي تضايقني أكثر!! عبدالعزيز : وأنا ماأبغى أضايقك .. تذكري الهدنة اللي قلنا عنها !! رتيل بضيق : وأنت خليت فيها هدنة! تقهرني وتضايقني بعدها تقول هدنة عبدالعزيز تنهَّد : طيب خلينا نمشي .... وأتجهَا لحيٍّ أقل صخبًا، دخلا في إحدى المقاهي المنزويَة بهدُوءها. وضعت هاتفها على الطاولة وهي تأخذ الهواء بطريقةٍ تُوحي بأنها تختنق، رفع عينه لها : أنا تعبت من هالموضوع! خلينا نقرر من هاللحظة رتيل : يعوضني الله عبدالعزيز أمال فمِه بمثل حركتها الدائِمة التي ترتبط معه بها ولم يلحظها بعد، أطال صمته ليقطعه بجمُود : يعني ؟ رتيل شتت أنظارها دُون أن تُجيبه. وبدأت تسرق الغطرسَة والساديَّة من جوفِ عزيز، بدأت تستنسخُ قساوتِه كما يليقُ بالحزن الذي تسبب به في قلبها. عبدالعزيز : وش تقصدين يا رتيل! رتيل : اللي فهمته عبدالعزيز : وهذا قرارك ؟ رتيل أرادت أن تلسعه بعذابِ الضمير لتُردف بقسوَة أحتدَّت بنبرتها : لا! القرار لك ولأبوي .. من متى كان لي قرار ؟ مثل ما طبختوها .. طلعوا لكم مخرج منها عبدالعزيز يُشتت أنظاره للمقهى الخاوِي من كل شيء عدَا العجوز الذي يجلس خلف الطاولة التي بجانب الباب، عاد عينه إليْها : نطلع لنا مخرج!! أنتِ شايفة انه موضوع تافه عشان .. تُقاطعه : بالنسبة لي تافه عبدالعزيز بغضب : لآ تستفزين أعصابي يا رتيل!! رتيل ألتزمت صمتها وهي تتشابك بأصابعها مع مفرش الطاولة. عبدالعزيز : صدقيني محد بيخسر غيرك! أحكمي عقلك وأعرفي كيف تفكرين وتقررين رتيل بإستفزاز صريح : قلت يعوضني الله عن خسارتك عبدالعزيز أخذ نفسٌ عميق : ما عندك غير هالحكي ؟ رتيل بإنفعال لم تستطيع أن تُسيطر على كلماته الفاتِرة في حضرة غيرتها المُنتشية : ماهو على كيفك ولا هو على مزاجك متى ماتبي تجي ومتى ما روقت مع أثير نسيتني عبدالعزيز : متى نسيتك ؟ رتيل : أسأل نفسك ... عبدالعزيز رفع حاجبه : مشكلتك ماهي معي على فكرة .. مشكلتك مع قلبك اللي يناقضك رتيل : أجل أترك لي مشاكلي بروحي! أنا أحلها مع نفسي عبدالعزيز بدأت قدمه اليمنى بالإهتزاز والضرب على الأرض : تفكرين بمستقبلك كيف يكون ؟ رتيل : أحلامي مالك فيها مكان عبدالعزيز شدّ على شفتيْه : يعني أفهم أنه قرارك أخير! رتيل ودَّت لو يقُول شيئًا يعاندها به، لو يرفض وينكر القرار، والله لأتحجج بكل شيء في يدِي وأرضخُ لك، لو كلمة! فقط كلمة تُبلل جبينُ القلب المتعارك بحزنه، فقط كلمة وأعفُ عنك، لكنك أقسى من أن تتنازل عن كبريائك أمام أنثى مثلي، أقسى بكثير من أن تشعرُ بأن الحياة ضئيلة ولا تستحق أن نعيشها بهذه الصورة، أقىسى بكثير يا عزيز من أن تعتذر ليْ ولو إعتذارٌ مُبطَّن. عبدالعزيز : كنت متوقع شي ثاني! لو أدري أنه كلامك بيكون كذا .... ما كان جيت .. ما كان خليتك تسمعيني إياه رتيل بضيق تقاوم رعشاتُ عينيْها : وش كنت متوقع؟ أقولك راضية أنه أثير تشاركني فيك! ولا أقول أنه إهاناتك ما عادت تعني شي .. وش بالضبط منتظر منِّي ؟ عبدالعزيز يُثبِّت نظراته في عينيْها المتلألأة بالدمع : شي واحد ما أفهمه فيك! .... شي واحد يا رتيل ماني قادر أفهمه ... كيف تتلذذين بتعذيب نفسك! تجمدَّت ملامحها، ستكره نفسها لو تبكِي أمامه، بلعت غصتَّها وهي تقاوم الحشُودِ الذائبة في عينيْها : أعذِّب نفسي!! غلطان .. لو يصير اللي يصير ما يهمني وأظن كل شي يثبت لك هالحقيقة ما يحتاج أقولك وأزيد عليك .. حتى عقب الحادث لو لا سمح الله صار فيك شي كنت بحزن عليك لمُجرد شخص عادِي.. ممكن أحزن على أيّ شخص في الشارع! لكن مستحيل أندم على وقت راح بدون لا أكون معك .. لأنك ببساطة ما تعني لي شي، أشك حتى أنه أثير تعني لي أكثر منك!! يُطيل النظر بها، لعينيْها التي تصدق وتُهينه كثيرًا، للكلمات الحادَّة التي تُنصِّف القلب وتُسقطه، تُبادله الإهانة ذاتها ولكن يخشى أن نبرة الصدق هذه واقعٍ وليس من أوهامه، أردف بإبتسامة تُخفي قهره : تحاولين تبنين كلامك على أشياء ماهي موجودة! تكذبين الكذبة وتصدقينها رتيل بغضب ترفع عينها المُحمَّرة بالرعشة وصدرها الذِي يعتلي بالنبض : ما أبني كلامِي! أنا فعلاً ما عندي غير هالكلام .. لا تجرب تستخف فيني بحكيْك أو حتى تفكر تضايقني بأثير! وهالمرَّة أنا اللي بصارح أبوي عشان يعرف قدر اللي معطيه هالثقة عبدالعزيز : خلصتي كلامك ؟ تكاثرت الدموع في محاجرها، كيف للغيرة أن تتسرب إلى عيني، كيف لكلماته أن تشطرني نصفيْن؟ كيف لإسمها البسيط أن يقف كالغصَّة في صوتِي؟ كيف لكل هذا يجتمع في رجل! قاسٍ يا عبدالعزيز ويعزُّ على قلبِي أن تكون هكذا، يا حُزني المتواصل منك، يا حُزني الذي لم يجفّ بعد! لم يتضائل بعد، مازال في قوتِه، في تماسكه، وأنت وحدِك من تُبدده وأنت وحدِك من تستلذُ بتماسكه على قلبي. يهمس : مين يوجع الثاني يا رتيل؟ أنتِ اللي توجعين نفسك أتى صوتها الباكي، تعرَّت من مُكابرتها لتنهمر دموعها بقساوةِ الغيرة المترسبة في محجر عينها : أنت تضايقني! تهيني كثير يا عبدالعزيز هذا وأنا ما أجرمت في حقك أبد، كل هذا عشان أدافع عن نفسي في وقت الكل بما فيهم أبوي أرخصني .. وش سويت لك بالضبط عشان تقهرني بكل شي يجي في بالك؟ قولي بس وش سويت وأنا مستعدة أعتذر لك الحين وننهي كل هذا .. أنهارت لتغرق كلماتها في البكاء، بكلماتٍ مُتقاطعة يعلُو بها بكائها : أنت اللي بديت! وانت اللي ضايقتني! في كل شيء .. في كل شيء والله تقهرني .... ما أطلب منك شي.. بس أحترم قلبي ... بإنكسار أردفت : أحترمه لو شويَّـة وقف ليتجِه للكرسي الذي بجانبها ويجلس عليه : وأنتِ؟ يا كثر ما توجعيني يا رتيل وتقولين ما أجرمتي في حقِّي! ببحَةِ الوجَع : اللي سويته ولا شي! بس أنت ما قصرت في أكثر شي يوجع البنت سويته! رحت وتزوجت عبدالعزيز : قضيتك ماهي أثير .. انا متأكد من هالشي رتيل: قضيتي بأنه فيه شخص ثاني موجود في حياتك!! تقبل تهين أثير ؟ .... جاوب على سؤالي تقبل ؟ عبدالعزيز بهدُوء : مستحيل أقبل أحد يهينها أرتفع صدرها بشهيقها المتأني دُون زفير، ليُكمل : إن كان في بالك أني أستغل أثير فأنتِ غلطانة وأني جايبها لمجرد أني أهينك فأنتِ في مصيبة .. لأن أنا قادر أهينك بدون ما أستخدم أحد، لكن أنا .. أبغى أثير يا رتيل لا يُدرك بالوجَع أبدًا، لا يُدرك بحزني ولن يُدرك، لِمَ حظي بهذا السوء؟ لِمَ الحزن يتربص لي في كل محاولة أبتسم بها! في كل مرة لا أرى شيئًا يستحقُ الحياة، يُجدر بي أن أهنئك يا عزيز فأنت كسبت وأفقدتني المتعة في الحياة. ألتفتت عليه بكامل جسدِها لتلتصق به، تأمل دمعُها بعينيْه التائهتيْن، كيف يجب أن نُخبر هذه السمراء بأن لاتبكِي؟ كيف نُخبرها بأن البُكاء منها يعنِي : إنقلاب وكارثَة، بأن ملامحُ الجميلات يُحرِّم عليهن الدمع، أنا أعترف أنني قادر على فعل كل شيء، وأن أقاوم رغباتِي بكل ماهو سيء ولكن أمام دموعك أنا جدًا سيء يا رتيل وأعني بجدًا سيء أنني مستعد أن أنقض العهُود كما ينقضها اليهود! أنقضها بكل عنف دُون أن أسأل عما سبق وعما سيأتِ، ما بيننا أكبرُ من هدنَة، ما بيننا عمرٌ لا يقبل أبدًا أن يتعطل بهُدنة. رتيل بألم : تبغاها ؟ يعني كنت تبغى تتزوجني بس عشان تضايق أبوي .. وتضايقني .. تعرف وش اللي موجعني؟ كنت أظن أنك ليْ وهي الدخيلة بيننا .. بس طلعت أنا اللي مالي مكان بينكم .. كيف تقدر يا عبدالعزيز تسويها فيني؟ بدأت تفقد شعورها بعقلها وبإتزان تفكيرها، أنهارت تمامًا وهي تُعاتبه بألمٍ يقذفُ نفسه بجسدِها : علمني كيف تقدر توجعني كذا ؟ يخي أنا وش سويت في حياتي عشان تسوي فيني كذا !! ليه ما تفهم .. حرام عليك .. تدري بشعوري .. تدري بأنه قلبي معك وتوجعني! .... يجلس بجانبها جامدًا سوى من عينيه المحاصرة لعينيْها المرتعشتيْن، بلاوعي ضربت يدِها التي تُغطيها الجبيرة في الطاولة وهي تعلن جنونها الآن على حُبها وإنهيارها عليها، سحب يدَها حتى لا تكسرها أكثر لتعتلي نبرتها ولا يفصلُ بينهما سوى هواءُ عابر : أنا الغبية اللي أتحراك وأنت أصلاً قلبك معاها عبدالعزيز بنبرةٍ حانية : رتيل ..... خلاص .. تُخفض رأسها : ذليتني، كرهتني بنفسي، قهرتني بكل شيء حتى بأبوي، سويت كل شي ممكن يسيء لي .. وش بقى أكثر ؟ عبدالعزيز يسحب كرسيْها أكثر حتى يلتصق تمامًا وما عاد الهواء العابر يمرُّ بهما، أصبحت الأنفاس هي من تمرٌ وتطوف حولهما : كانت ردَّة فعل لكلامك .. ما كان هدفي أني أضايقك .. والله ماكان هدفي أني أجرحك وأوجعك رتيل : هذا وما هو هدفك .. كيف لو كان هدفك وش كنت بتسوي فيني!! عبدالعزيز أبتسم بضيق : اهدي ولا تبكين عشان أقدر أتناقش معك رفعت عينيْها الباكية : أنا أبكي على حظِّي .. على حياتي الضايعة ... يقُاطع لذاعةُ كلماتها ليسحبها لحضنه، شدَّها حتى ودّ لو أنها تدخلُ فيه : ما تضيع حياتك وأنا جمبك ..... يهمسُ بدفءِ أنفاسه في أذنها : رتيل ... خلينا ننسى كل اللي صار .. أمحيه من بالك رتيل بصوتٍ مخنوق : وأثير ؟ عبدالعزيز : تجاهلي وجودها في حياتي رتيل ببكاء الغيرة : كيف أعتبرها مهي موجودة وهي تعيش معك !! يُبعدها بهدُوء ليمسح دمعاتها بأصابعه لتُكمل بوجَع : كيف تحب لك شخصين ؟ عبدالعزيز يُطيل الصمت والضياع في عينيْها التي يكرهها بقدر ما يُحبها، هذه العينيْن التي دائِمًا ما تُجرِّد قلبه من كل الكلمات، حتى أُصبح لا أعرفُ كيف أواسِي قلبك ولا أعرف كيف أواسي نفسي! يُمسك كفَّها الأيسَر ليضغط عليه بكفِّه الأيمن، تنظرُ له بضياعٍ تام، لا أعتبُ عليك وعينيْك خمَاري، وأني والله يا حبيبي أخافُ العُريّ وأخافُ من نظراتِ المارَّة وأغار!.. أغارُ من العابرين والطُرق التي تراك ولا تراني فكيف بالإناث؟ كيف أقبل أن تأتِ أنثى وتسكُن معك؟ أن تراها وهي تستيقظُ أمامك؟ أن تُبصرها وهي تنام بجانبك؟ كيف أقبَل بأن تُشاركها طعامها، أن تُشاركها أمورها الحياتية الصغيرة والكبيرة، كيف أقبل بكُل هذا دُون أن يُخدشَ قلبي؟ دُون أن يضيق بيْ ويُحزنني؟ كيف أقبَل بأن ترى عيناك غيري؟ : ما توفِي يا عزيز .. ما توفي لا ليْ ولا لأثير ... عبدالعزيز وهو يتلاعبُ بأصابعه على باطنِ كفَّها، عقد حاجبيْه بوجَعٍ أكبر : ما كنت متخيِّل ولو للحظة حتى بأكثر لحظاتي تشاؤم أنه حياتي بتكون كذا ! اني بتزوج بهالطريقة .. أنه بيكون على ذمتي ثنتين مو وحدة! .. كنت أحلم مثل الكل .. كنت أحلم بالبيت اللي بيجمعنا وبالأطفال اللي بيحملون إسمي .. كنت أحلم .. كنت أحلم فيك .. بس أنا ما حققت ولا أيّ شي من أحلامي ..... أنا ماني متضايق من أبوك .. بالعكس أعتبره بمقام أبوي، أنا متضايق لأني أفلست من هالدنيا .. لأن ماعاد أنتظر أحد ولا أحد ينتظرني ، متضايق لأن أبوي ماهو معايْ.. لأن أمي ماهي جمبي .. متضايق من أشياء كثيرة فقدتها وفقدت نفسي فيها، بس قولي لي تقدرين تعيشين بدون أبوك؟ ..... تُخفض رأسها لتسقطُ دمعتها الحارَّة على كفِّه التي تتغلغل بكفِّها، عبدالعزيز يتعرى بجروحه تمامًا، لم يعد يُفيد الإسْرَار بشيء : ما تقدرين وأنا مقدر يا رتيل، إذا غبتي ساعة بتفقدك أختك وبيفقدك أبوك وبيفقدك مقرن وبيفقدونك أعمامك .. وبنات عمك والكل .. طيب أنا ؟ مين بيفقدني ؟ محد .. أفهميني بس .. يُشتت أنظاره بضياع : أفهمي أنه القصد أبد ماهو أني ماني قادر أوفي لأثير أو لك .. ، رفع فيصل عينيْه ليلتقط حضُورها، تجمدَّت ملامحه بأنها بعيدة وجدًا عن وصف والدتِه، لم تَصدِق بشيء سوَى شعرها الطويل ماعدا ذلك خرافات من أمي التي ترى شيءٌ لا أراه، أخذ نفسًا عميقًا وهو لا يرمش أبدًا، يوسف القريب منها يهمس بإبتسامة ساخرة : تبين تقهوينه ؟ هيفاء تُهدده بنظراتها العنيفة وتشعرُ بالإختناق وهي لم ترى سوَى أقدامه، بلعت ريقها لتتوسَّل إليْه بنظراتٍ ثرثارة، يوسف وقف لم يعد يعرف ماذا تريد منه بالضبط ؟ ودّ لو يتركها لوحدها حتى تتورط ولكن لم تتم الملكة بعد ولا يجُوز أن تختلي به لوحدها، جلست لتلتصق بيوسف. يوسف يحاول بكل ما أعطاه الله من قوة أن لا يضحك بموقفٍ يجب عليه أن يكون الأكثر إتزانًا، طال صمتهم وطال ملله منهما. فيصل تنحنح ليُردف : شلونك يا هيفا ؟ هيفاء بصوتٍ متقطع : بـ.. بخير يوسف أشفق عليهم ليحاول هو الآخر بفتح موضوع : طيب يا فصِيل تقدر تقولنا الصفات اللي تبيها في هيفا فيصل هدده بعينه ليشدّ على أسنانه : فصِيل بعينك!! يوسف أتسعت إبتسامته حتى بانت اسنانه : يالله يا بُو عبدالله لا تبطي علينا عندِك 10 دقايق بس فيصل ينظرُ لهيفاء التي تكاد تذوب في خجلها، بشرتها البرونزيَة مغريَّة حدِّ التأمل، عينيها شديدة الشبه بيُوسف يشعرُ بالضياع أمامها : ما عندي صفات محددة يوسف غرق بضحكته الطويلة وهو يُشير له بيدِه دُون أن تنتبه هيفاء بأنه " تخرفن " فيصل مسح على وجهه حتى لا يضحك ويضيع " البرستيج " يوسف : طيب فيه شي ثاني ودِّك تقوله ؟ فيصل : وأنت مخليني أتكلم يوسف : يالله قول وش عندِك ؟ فيصل بإبتسامة متزنة : أنا مستعجل ، عندِي شغل وأبي زواجنا يكون بأقرب وقت يوسف لم يستطيع أن يُمسك نفسه ليضحك بخفُوت وبنبرةٍ ساخرة : عندِك شغل! فيصل بإندفاع : والله محدد هالشي من زمان ومنصور عنده خبر يوسف يلتفت على هيفاء بإستلعان : موافقة يا هيفا ؟ طبعًا إذا ما وافقت بتضطر تنتظرها فيصل يُراقب حركة شفتيْها المرتجفة. يوسف : وش قلتي ؟ هيفاء بحركة عفوية تغرز أصابعها في ذراعِ يوسف مُعبِّرة عن شدَّة الحرج التي تشعرُ بها. يوسف : نعتبرها موافقة وصلى الله وبارك فيصل أتسعت إبتسامته : أجل ألف مبرووك يوسف وقف ليتجه مع فيصِل للخارج حيثُ مجلسهم الذي أجتمع فيه الجميع، أطالوا وقوفهم أمام الباب وأصواتهم تخفت قبل أن يدخلا للمجلس. خرجت هيفاء دُون أن تنتبه أنهما مازالا واقفيْن ، رددت وهي تهفُّ على نفسها بيدِها بعد أن أعتلت حرارة جسدها والخجل مازال يُسيطر عليْها لتُنادي على والدتها بنبرة توشك على البكاء : يممممممه ... يممه وش ذا .. يوسف تنحنح حتى تنتبه لهُما بينما فيصَل تمتدُ إبتسامته لآخر مداها. شهقت وهي تتراجعُ للخلف وتشتمُ نفسها ويوسف وفيصل وكل عائلتها في ثواني قليلة، ودَّت لو الأرض تنشق وتبلعها حالاً .. حالاً. ، الجوهرة بخوف : راح أصرخ لحصَة . . . تعتلي قبضته لتُحاصر زندها وهو يصعدُ وهي تقاوم الصعود وتتمسك بالدرج : سلطاااان يقترب منها ليفكُّ يدها من الدرج ويُحكم سيطرته على كلتا يديْها بيدِه ويصعدُ بها، أندفعت وهي تكرهُ نفسها أكثر حين ترضخ له : طيب آسفة .. خلاص آسفة ... سلطان : أنا أعلمك كيف تتطاولين وتعلين صوتك عليّ! .... دخل بها لغرفتهما وأغلق الباب. بقساوة ينزعُ حزامه العسكرِي الغليظ من بنطاله، تنظرُ له بدهشَة بعد أن تجمدَّت عروقها، ألتصق ظهرها بالباب : عمتِك ما رضيت عليها بالكفّ وأنا حتى الحريقة ترضاها عليّ !!! سلطان بغضب : طيب يالمحترمة! يوم تعرفين تحاضرين وتناظرين !! شوفي نفسك كيف تكلميني!! الجوهرة بربكة كبيرة أمام غضبه، أردفت بصوتٍ ركيك : وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ... وأنت على طول قدَّمت الضرب تهزمه دائِمًا بالقرآن، بالآيات الي تعبره لتُمسك غضبه وتليِّنه، مدد أصابعه ليسقط الحزام على الأرض وقبل أن ينطق شيئًا أوجعتهُ بقدر الوجع الذي يترسبُ في قلبها، لتسخَر بكلماتها بجديَّة الحزن : وأظن أنك هاجرنِي بليَّا شي! ما هو ناقص بعد تحط في بالك الهجر سلطان يقترب منها لتلتصق أقدامهما المتقابلة، بتنهيدته المتأنية : طيب يا حلوة الجوهرة من قهرها لا تعلم ماذا تقول : لآ ماني حلوة!! سلطان يكره أن يضحك في وقتٍ تضطرب به أعصابه ويرتفعُ به الغضب، أبتسم :وش تبيني أناديك ؟ انتبهت لكلماتها ليحمَّر وجهها، حاولت أن تُبيِّن اللاخجل : نادني الجوهرة سلطان : طيب يالجوهرة بكلم أبوك وأعزمه عندنا قبل لا يرجع نظرت له بملامحٍ أرتخت، شعرَت بأنه يفكّ قيدها تمامًا، هدأت أنفاسها وضاعت نظراتها في كل شيء بالغرفة ما عداه رُغم أنه لا يترك لها فرصة لتأمل شي وجسدُه يلاصقها تمامًا، لا تعرف كيف أنه يرضخ بسبب كلمةٌ بسيطة منها! أن يوافق على ذهابها لوالدها بعد رفضه. سلطان بخبث يقطعُ سلسلة أفكارها : عشان أقطع يقينك بالروحة له تغيَّرت ملامحها للأسوأ بعد أن رأت أملاً وسُرعان ما تبخَّر، لتتسع إبتسامته : تبين شي ثاني ؟ لأن ماراح أرد لك طلب الجوهرة أمالت شفتِها السفليَة بغضبٍ شديد بعد سخريته بها، لا تعرف كيف تزورها القوة والجرأة أحيانًا، أندفعت : طيب يا حلو .. منك أنت بالذات ما أبغى طلبات سلطان يُقلد نبرتها : لا ماني حلو الجوهرة أخذت شهيق ونست الزفير من العصبية التي تُسيطر عليها : لآ تقلدني!! سلطان مازال يُعاند، يشعرُ أنه يصغر 10 سنوات للخلف بتصرفاته : ناديني سلطان الجُوهرة تُشتت نظراتها، تخاف من كلماتها القاسية أن تأتِ وهي تنظرُ لعينيه : يقول عني صغيرة عقل وما يشوف حاله سلطان يضع ذراعيه على الباب لتُحاصر جسدِها : ما تبيني أمزح معك ؟ الجوهرة : أنت ما تمزح أنت تهين وبالشرع ما يجوز أنك تمزح بالإهانة سلطان بإبتسامة : عاد أنا مزحي كذا الجوهرة : وأنا ماأحب مزحك سلطان : غصبًا عنك تحبينه .. بغرورة الذِي يغيضها يُكمل : كل شي منِّي مجبورة أنك تحبينه الجوهرة تعضُّ شفتها بغضب حتى أحمرَّت بالدمّ : طيب أبعد سلطان : وإن ما بعدت ؟ الجوهرة تكاد تجَّن من تصرفاته التي لا تعرفُ بدايتها من نهايتها، كيف مزاجه يتلون بالدقيقة مئة مرَّة : سلطان سلطان يُمسك ضحكته ليقترب أكثر فوق إقترابه الشديد : حاولي تدلعيني بكلمة ثانية وأبعد الجوهرة : منت صاحي! سلطان : هذي من معجزات القرآن، تقرأين عليّ آية وتضيعني الجوهرة أضطرب نبضها وهو يتصادم في صدرها : طيب .. ممكن تبعد ؟ الحين حصة بتدوِّر علينا سلطان بسخرية لاذعة : صادقة ماحسبناها! عمتي بتدوِّر علينا الحين وبتخاف إن ما لقتنا شعرت بغباءها وسطحيتها في التبرير : سلطان لو سمحت جد أتكلم سلطان : قلت دلعيني بإسم وأفكر أبعد الجوهرة : طيب يا حلو ممكن شوي غرق بضحكته : دلعيني دلع رجال الجوهرة رفعت عينها لتُغيضه : يا سبحان الله حتى بالدلع ما ترضى تنتقص رجولتك بشي سلطان يُغيضها أكثر : ما تنقص برجولتي الكلمات الجوهرة : طيب إسمك ماله دلع رجولي سلطان : إلا له .. أنتِ فكري وأنا بفكر معاك الجوهرة تعرف ماذا يقصد : ما أؤمن فيه سلطان أدرك أنها فهمت قصده : وأنا ما أؤمن باني أبعد الحين طال صمتها لثوانِي طويلة حتى أردف بقهر : طيب يا سلطاني ممكن تبعد ؟ أبتسم : ولا تفكرين بيوم أنك بتقدرين تبعدين الجوهرة وعينيها لا تستطيع ان ترفعها إليه، لاصق بطنه بطنها ولا فُرصه للحركة : طيب أبعد سويت اللي تبيه سلطان يستمتع في إغاضتها وقهرها : قوليها وأنتِ حاطة عينك في عيني الجوهرة بقهر أندفعت بغضبها : أنت تبغى تهيني وبس! سلطان بهدُوء : الحين هالكلمة بتهينك! أجل يا ضعفك إذا الكلام يهينك الجوهرة تضع يدها على صدره محاولة أن تُبعده ولكنه كالجدار واقف. سلطان بخبث : أعدّ لما الثلاثة وبعدها تشهدِّي .. واحد . . . . . إثنين . . . . نظرت لعينيْه وهي تفيضُ بالقهر، ستصبح هذه اللحظة من أسوأ الأشياء التي أحزنتني منه، يتلاعب بيْ مثلما يُريد، يُثبت أنه متمكن منِّي، بأني لا أستطيع أن أنسلخ منه، يُرضي غروره على الداوم بأنني غير قادرة على الإبتعاد، ليتني أفعل رُبع ما تفعل وأشعُر بأنني فعلاً مُتمكنة منك، بنبرة هادِئة : ممكن يا سلطاني تبعد لـ لم تُكمل من قُبلتِه المُفاجئة التي قطعت عليها سيرَ الكلمات الخافتة، أتشعرُ بالضياء الذي يتوهَّج بجُغرافية جسدِي كُلما مررت بيْ؟ كم يلزمُ غيرك من الرجولة حتى يجيء نصفك؟ كم يلزمهم وأنت تختصرُ عليّ كل الرجال؟ مشكلتِي والله أنني أحبك ولا أعرفُ طريقًا أبتعدُ به عن حُبك، لا أعرفُ طريقًا للهرب وأنت لم تُبقِي ليْ مكانًا للهرب، رُغم أنك أكثرُ شخصٍ يُهينني، يستفزني، يُغضبني ويُحزنني ويُبكيني إلا أنك أكثرُ شخصٍ أشعرُ بأنِّي دُونه أعيشُ في غربة، مُشكلتي أيضًا أن عينيْك تُجهض كل محاولاتي البائسة في النهوض من وعثاءِ حُبك! كيف لك أن تحملُ هذا القدر من الرجولة القاسية لأنثى بسيطة مثلي؟ كل لك أن تحمل كل هذا الجمال العنيفْ الذِي يجلدُ قلبٌ هشّ مثلي؟ إن كُنت يومًا موسوعة أنا ثقافتُك يا سلطان. أبتعد وهو يُبلل شفتيْه بلسانه، يومًا ما سأذهب ضحيَة لعينيْها الشفافتيْن وثلجيةُ ملامحها الناعمة، كيف لمجرَّة تدُور حول جسدِ أنثى وأضيعُ أنا في شمسها وقمرها ؟ لم تتجرأ أن تنظرُ إليه، وهي تتجه نحو الدواليب من الربكة لم تعد تعرف ماذا تفعل، دُون أن يلتفت إليها خرجَ للأسفل. وضعت يدها على صدرها وهو يرتفع ويهبطُ بشدَّة : يا الله عليك! ، وقف وهو يشعُر بأن الدُنيا بأكملها تتجمَّد أمام عينِه، أنا مستعد أن أعلن إنسلاخي من كل الأشياء التي تربيْتُ عليها مُقابل أن يتلاشى وليد من هذا الوجود، مُقابل أن تعود ذاكرتها كما كانت، مُقابل أن تكُون ليْ وحدِي، وحدِي أنا لا يُشاركني بها أحد. زفرَ أنفاسه الغاضبة : وليد!! حسبي الله .. بصراخ : تنسين شي إسمه وليد!!! أنتِ زوجتي رضيتي ولا ما رضيتي ... لا تخليني أفقد أعصابي معاك فوق ماني فاقدها غادة بحنق : أقولك فاقدة ذاكرتي ماني عارفة إذا أنت تصدق بكلامك ولا تكذب .. وش يذكرني .. الله يخليك أتركني .. أتركني بس أرتب أوضاعي يشدِّها حيثُ الجزء الآخر من الصالة التي تُخزِّن بها الذكريات بلا إنقطاع، تحبسُ أصواتهم وكلماتهم الضيِّقة الحزينة والسعيدة المُتغنجة، فتح الحاسوب المحمول ليُشغل إحدى الأقراص ناصِر : شوفي بنفسك وأعرفي مين الصادق ومين الكذَّاب غادة بتشتيت نظراتها : عارفة ماله داعي أشوف .. لو سمحت ناصر رفع حاجبه والغضب يسيطر على أعصابه: صار بيننا لو سمحت؟؟ بعد غادة نظرت إليْه والمقطع يُحمِّل حتى يُفتح : لا تضغط عليّ ناصر عقد حاجبيْه الحادتيْن : ما أضغط عليك!! هذا شي ضروري عشان تعيشين! أنتِ ما تعرفين تعيشين بدوني وأنا مقدر أعيش بدونك .. عشان كذا ضروري تكونين معايْ!! مفهوم ؟ غادة تنظرُ للشاشة التي أتسعت بصورتها وصوتها الذِي أنهمر على مسامعها. تسير من بعيد في مكانٍ كان بالماضِي مقهى، مهجور جدًا لا تسمع سوى صدى أصواتهم، تنظرُ للكاميرا الموجهة إليها : للحين تصوّر ناصر بضحكاتِه اللامُنتهية: تأخرتي قلت أوثق المكان .. وقف ووضع الكاميرا دون أن يوقفها على الطاولة المتصدِّعة تعانقه وتتنفسْ عِطره : وحشتني ناصر : ماهو أكثر منِّي .. جلسا على الكنبة الرثَّة .. هالمرة بعد عجئة سير؟ غادة : ههههههههههههه لأ أبوي فتح معي تحقيق وعطاني محاضرة بطول وعرض ناصر : مانيب متكلم عن أبوك غادة وبأصبعها تداعب خدّه الخشن : هو تقدر ؟ ألتفت عليها ووجهه يُقابل وجهها : بصراحة لأ غادة وترى بقايا أحمر شفاه على خده : مع مين جالس قبلي ؟ ناصر ويراها من المرآة المتكسِّرة على الجدار :يامجنونة هذا رُوجك !! غادة وتقترب منه لتمسح بأصابعها بقايا رُوجها على خدّه وبمرواغة من ناصِر ليُقبلها لكن ألتفتت للسقف وكأنها تتأمله ناصر : لا والله ؟ غادة بإبتسامة تنظرُ لِمَا حولها : هالمكان من متى مهجور ؟ ناصر : تبخلين على اللي مشتاق لك ؟ غادة : عشان تطفش مني بعد الزواج ناصر : مين قايلك هالحكي غادة ضحكت لأنه يعرف من ينصحها ويُعطيها كل هذه المواعظ. ناصر : نصايح حكيم زمانه عبدالعزيز !! شغله عندي ذا أتركيه عنك لو تسمعين له صدقيني تضيعييين .. غادة : ههههههههههههههههههههههههه بس أنا أقتنعت بكلامه ناصر : لازم يخرّب عليّ كل شيء هالولد غادة : قولي وش أخبارك ؟ ناصر : ماشي حالي غادة : أنت بس ناظر عيوني وأتحداك بعدها ماتقول أنك بألف خير ناصر بحُب وعينه بعينيها : وعيُونك تعطيني درُوس بالفرح بالسعادة يابعد ناصر أنتِ غادة أبتسمت وهي تنظر للكاميرا : للحين شغالة ؟ ناصر ألتفت عليها ويسحبها ليُغلقها . . أضطربت وقلبُها يصطدم بصدرها الذِي تبلل بالكلمات الخجلى التي لا تعرفُ كيف كانت تتجرأ بنطقها أمامه، أحمرَّت خجلاً من حركاتها وكلماتها معه، هذه العلاقة لا تُوحي بانها سنة أو سنتين، جُرأتي تُوحي بأن الذي مضى عمرًا كاملًا. أخذت نفسًا عميقًا وهي تصارع دموعها : لا تشغل شي ثاني دُون أن يلتفت لها يُشغل القرص الآخر الذي هو نفسه لم يراه منذُ فترة طويلة بعكسِ الذي سبقه. على القارب الذي يعبرُ نهر السين ولا يُشاركهم به أحد، تُمسك الكاميرَا وهي تصوِّره وأطرافها ترتجفْ ببرودةِ الأجواء : ناصر خلاص أبعدنا خلنا نوقف هنا ناصر يُجمِّع كفيْه وهو يُدلكهما حتى يتدفئ : الجو يناسب القصيد غادة تضع الكاميرَا لتثبت الصورة على أجسادهم من بطونهم حتى أقدامهم، أقتربت منه حتى يُحكم قيده على يديْها ويُدفئهما، قرَّبها إلى الأعلى وكانت تُوحي بأنه قبَّلهُما غادة تزفرُ أنفاسها الباردة ليحملها ناصر بخفَّة ويجعلها تجلسُ أمامه، صدرُه يلاصق ظهرها وذراعيْه تُحيطها : متى نتزوج ؟ غادة : ههههههههههههههههههههههه كم مرة سألت هالسؤال ناصر : وبضِّل أسأل لين يرحمنا أبوك ... غادة : هانت! ما بقى شي ويجي تقاعد أبوي وبعدها أكيد بيعجِّل في الزواج تُطبق الشاشة، ترفضُ أن ترى حياتها السابقة بعينيْها، تعالت أنفاسها وهي تتوسَّلُ إليه : يكفي! .. ما فيني حيل أشوف أكثر يضع كفِّه على كفِّها : وأنا ما فيني حيل أشوف صدِّك تلتفت إليْه وملامحها تُضيء بالدمع : طيب هذا فوق طاقتي! والله فوق طاقتِي ... ناصر بغير وعي/إتزان : مافيه شي إسمه فوق طاقتك! يعني تبين حياتك هذي؟ اللي ماتعرفين فيها حتى إسمك غادة : أنا مشتتة عطني الوقت اللي يخليني أستوعب كل هذا ناصر : وأنا من يعطيني الوقت ؟ غادة ودمُوعها تتساقط : أرجوك ناصر ناصر يقف مُبتعدًا عنها : يا قساوتك! وبعصبية بالغة يرتفعُ على سطحه مُلكيته بها : بس طلعة من هنا لو تموتين ما طلعتي! حياتك هنا! مالك مكان عند غيري .. مالك مكان أبد يُتبع |
، تمرُّ الأيام بصورةٍ مُهيبة، الهيبة التي تجعل الجميع ينحنِي إليْها، لا أعرفُ كم من الوقت يلزمُ أبناء جنسنا حتى يستوعبُ أن الهجر لا يزيدُ قلوبنا إلا مضرَّة/كدرًا! يراقبها وهي تأكل بهدُوء بعد أن أعتادت الأكل باليسار والآن تحاول أن تعتاد على يدِها اليمين التي نستها طوال الفترة الماضية، رفعت عينها : فيه شي بوجهي ؟ عبدالعزيز أبتسم : لأ رتيل : شككتني بحالي، اليوم عندك شغل ؟ عبدالعزيز : إيه أنتظر أبوك يجي رتيل : ما نام إلا الفجر عبدالعزيز : الله يعينه ... نظر للمصعد الذي أنفتح بخروج عبير .. طيب 10 دقايق يا رتيل وتمشين معي .. ماهو أنتظرك ساعة! رتيل تنظرُ لعبير التي لم تتوقع أن تجد عبدالعزيز اليوم بحُكم الأشغال التي أزدحمت في الأيام الماضية عبدالعزيز دُون أن ينظر إليها : شلونك عبير ؟ عبير بخفوت : بخير الحمدلله رتيل : طيب 10 دقايق وأجيك ، خرج ليتركهما عبير : ليه ما قلتي لي أنه بيجي اليوم ؟ رتيل : نسيت ..... تنظرُ لمحادثات الواتس آب ... يارب صبِّرني عبير : مين ؟ رتيل بشغف تلتفت عليها بكامل جسدها : تذكرين اللي تمشي مع صديقة هيفاء الطويلة .. اللي دايم تسوي بشعرها حفلة عبير ضحكت لتُردف : إيه عرفتها .. إسمها هناء مدري نهى رتيل : المهم قبل كم يوم جتني تعزمني لعرس أخوها قلت لها أني ماني في الرياض! راحت قالت لهيفا أني أكذب وأني أنا أتحجج عشان ماأجي .. جتني هيفا تقول أشوى أنه عندك عذر عشان ماتجين عرسهم أنا وش عذري! المهم الهبلة هيوف كتبت هالكلام في محادثتها .. وسوَّت لها فضيحة تُقلد صوتها رُغم أنها لم تسمعه إلا لمرةٍ واحدة : أنتم ماتبغون تجون بكيفكم محد غاصبكم ! ليه تنافقون وتمثلون عليّ وأنتم وأنتم .. ههههههههههههههههههههههههه تفجرت البنت .. هيفا كلمتني الصبح تقول مسوية نفسها ميتة ما ترد على هواشها .. تو الحين كاتبة لي نهى .. ما فيه تقدير للعشرة تتزوجين وماتقولين لي ؟ بغيت أحط لها ضحكة طويلة وأقولها عفوا مين أنتِ ؟ يختي غصب تحط بيننا عشرة وأنا ما شفتها الا مرة وحدة غرقت عبير بضحكتها لتُردف : هبلة هالبنت! لا تردين عليها وأسفهيها رتيل : عقلها صغير أستغفر الله .. مشكلتي ما أحب أحش بأحد عبير بسخرية :بسم الله على قلبك ماتحبين تحشين أبد! رتيل : يعني صراحةً فيه ناس غصب يخلوني أحش ولا أنا ما ودي .. تحسين كأنهم يقولون لك تكفين حشِّي فينا عبير : أصلاً أنا ما أدانيها يختي قلق مررة رتيل : مدري كيف صديقة هيفا تماشيها! أبد الضد منها عبير : تخيلي في ناس تشوفك وتقول .. كيف هيفا تماشي رتيل ؟ رتيل : يآكلون تراب! الحمدلله صدق أني أسوي أشياء غبية في حياتي بس ماني قلق ولا نشبة ولا أهايط .. الله يآخذ سيرة الهياط يختي تذكرني بناس وصخة عبير: سبحان الله كل الناس وصخة ماعداك رتيل غرقت بضحكتها لتُردف : أستغفر الله الله يتوب علي بس آخر وحدة بحشّ فيها وإن شاء الله أني بعدها بتوب، تعرفين بنت صديقة أبوي اللي إسمه مدري إسم جده معاذ .. اللي تعرفنا عليها أيام الثانوي .. عبير أتسعت محاجرها : لآ تقولين لي أنك متواصلة معها إلى الآن .. قديمة مررة رتيل بحماس الموضوع : معي في الواتس آب ، المهم أرسلت بي سي حق .. تُقلد صوت الدلع : البنات الكيوت و اليايْ .... المهم كتبت المناكير وعلاقتها بالحب .. قلت لها طيب اللي ماتحط مناكير ؟ فشلتني الكلبة وقالت ماهي بنت ماتدخل من الفئة المعنية بالبي سي ! قلت طيب اللي تحط مناكير شفافة ؟ قالت لي لحوج! قلت طيب اللي تحط مناكير زي لون شعرك .. الحيوانة عطتني بلوك .. عبير : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههه قسم بالله أنك حقيرة يا رتيل رتيل بصخب ضحكاتها : قهرتني الكلبة أجل أنا لحجية وهي صابغة شعرها أصفر .. يا ليته أشقر بعد .. عاد هذا قبل سنين يمكن أنها الحين صبغته أسود وعقلت عبير صمتت وشتت أنظارها لتلتفت رتيل للواقف أمامها : خلصتي حشّ ؟ رتيل بإبتسامة ونظراتها العفويَة تبتسم معها : باقي أنت ما حشينا فيك عبدالعزيز : قومي معي منتِ كفو أحد ينتظرك رتيل تقف : طيب خلاص ... أتجهت معه للخارج وبنبرة الفلسفة الغير مقنعة : تعرف عبدالعزيز وش يروقني ؟ لاحظت أنه أكثر شي يروقني لما تكون سعيد عبدالعزيز ألتفت عليها : بحاول اصدق رتيل : هههههههههههههههههه جد أتكلم! أنت أنبسط يا قلبي وأنا اروق عبدالعزيز تنهَّد : تحبين تتطنزين على علاقتنا كثير! ملاحظ هالشي و أصلا هالفترة واصلة معي وأنتظر الزلة على ايّ أحد عشان أتهاوش معه رتيل : هذا شي يرجع لخلل عقلك لكن ظاهريًا أنت سعيد عبدالعزيز يعض شفتيه ليحاوط رقبتها بذراعه ويُنزل رأسها ناحية بطنه رتيل : خلاص خلاص آسفين .. عورتني توَّها راجعة لي رقبتي تبي تطيِّرها بعد عبدالعزيز يتركها : أنتِ ما تروقين يا قلبي أنتِ تهايطين رتيل أتسعت بإبتسامتها : أستغفر الله أستغفر الله .. اليوم بجلس أستغفر عن كل شخص حشيت فيه ... عبدالعزيز : أنتِ كويِّس ما تحشِّين في ظلك رتيل عقدت حاجبيْها : تبالغ مرة .. أنت والله اللي كويِّس ما تتهاوش مع ظلِّك عبدالعزيز : بس أنا أقولك وش اللي مروقك هاليومين ؟ رتيل : وشو ؟ عبدالعزيز وهو يسير بجانبها على الرصيف الصاخب : أنك صايرة ما تتهاوشين معي وتعاندين! عشان كذا أمورنا طيبة رتيل : إذا أنت ما نرفزتني ما اتهاوش معك عبدالعزيز بخبث : ولا عشان ماتشوفين أثير رتيل وقفت وهي تعضُّ شفتها السفلية بحقد. عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه هههههههههه بترجع الليلة لازم تقومين بواجب السلام رتيل تُكمل سيْرها حتى لا تلفت إنتباه أحد : شفت! ما ترتاح إلا إذا عصبتني وأنا مروقة .. يخي أتركني أنبسط لو يوم عبدالعزيز : أبشري على هالخشم رتيل أبتسمت : طيب .. وين بتوديني اليوم ؟ عبدالعزيز يواصل خبثه المُتغزل : لقلبي رتيل ضحكت لتُردف : لاحول ولا قوة الا بالله .. جد عزوز عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههه وصرنا نقول عزوز ؟ رتيل : عفوية لا تجلس تدقق عبدالعزيز : طيب عندي لك موضوع سري سري سري للغاية .. حتى بينك وبين نفسك لا تفكرين فيه رتيل رفعت حاجبها : وشو ؟ عبدالعزيز : يخص أختك عبير رتيل : إيه وشو .. خوفتني عبدالعزيز : خلينا نجلس بالأول بمكان هادي وأقولك ، ينظرُ لساعته بربكة : والله لا يعلقني معك ترى إحنا واعدينه .. أحمد : طيب أنت توترني .. أبلع لسانك وبطبعهم الحين متعب يقترب للنافذة التي تطلّ على بوابة المبنى الرئيسية : إن جاء ومالقى الأوراق بيقول أننا مو قد الوعد وعاد والله لا يمسكها علينا سنة قدام أحمد : متعب إكل تراب .. دبلت كبدي ووترتني معك .. بيجي وبيلقى كل شي جاهز متعب : بيمسكني دوام ليلي والله لا يذبحني معه .. انا أعرفه أحمد يرمي عليه علبة المناديل : يخي أسكت متعب صمت قليلاً ليُردف بصوتٍ عالِي : جاء .. جاء ..... أحمد يسحب الأوراق من الآلة ليركض للطابق الثاني الذي يحتوي على مكتبِ سلطان، متعب يسحبُ بقية الأوراق التي نساها الغبيُ الآخر وهو يركض خلفه ... دخل أحمد لمكتبه. متعب الذِي أصطدم بالطاولة وآلمت بطنه، تحامل على ألمه ليركض نحو مكتبه وتجاوز بابه ليعُود للخلف بـ " سحبَةِ " أقدامه التي أنزلقت نحو الداخل ... وضع الأوراق على مكتبه بترتيب. مرّ زياد بكُوب القهوة ليسحبها منه متعب ويضعها على طاولة سلطان. زياد بسخرية : ممشيك على الصراط ! أحمد : وش تحس فيه ؟ متعب : عشان يشوف القهوة باردة ويعرف أننا مجهزين كل شي من زمان .. ذكاء يا حبيبي ذكاء ... وخرجا مُتجهين لمكاتبهم. أنفتح المصعد ليتجه سلطان دُون أن ينتبه للربكة التي حصلت قبل قليل، وقبل أن يدخل مكتبه تراجع عدة خطوات للخلف ونظرُ لمتعب ، أشار له من خلف الزجاج أن يأتِيه. متعب تبعه : سمّ سلطان ينظرُ للقهوة التي واضح أنها سبقت شفاهُ أحد : مين داخل مكتبي ؟ متعب : محد بس أنا الصبح حطيت الأوراق اللي طلبتها مني سلطان رفع حاجبه : وهذي القهوة مين له ؟ متعب شعر بالورطة الحقيقية : لي أنا طال عُمرك! .. نسيتها ... أقترب وأخذها. سلطان يجلس ويطيل النظر بعينِ متعب ليستنسخ الكلمات منها : وجهك ما يبشِّر بالخير متعب وفعلاً يُريد أن يبكي الآن من قهره، مهما فعل يشك به سلطان : علمني وش أسوي! كل شي أسويه تشك فيه سلطان بجمُود : بعد أبكي زي الحريم متعب ويشعرُ بأنه تعقَّد تماما من هذا العمل : ما أبكي بس أشرح لك الحرقة اللي في صدري سلطان لم يتمالك نفسه من الضحك : حرقة بعد !! متعب : هذي الأوراق وجاهزة .. والحين تجيك القهوة زي ما تحبها .. أنت بس آمرني سلطان يضع يده على خده ويتكئ : متعب ماودِّك تترقى ؟ تدخل دورة وتآخذ رتبة جديدة متعب ببلاهة : لا .. أنا كذا مرتاح سلطان : طيب فارق متعب : شكرًا ... وخرج سلطان أبتسم على كثرة أخطائه الفادحة والغبية إلا أنه يُسعده حضوره، مسك الأوراق ليُراجعها بعد أن عاود نشاطُ عبدالعزيز مع عبدالرحمن في باريس. بدأ العدّ التازلي لإنتهاء الجوهي أو إنتهاءُ إدراتنا! ، دخَل لتلتقط عينيْه جلوسها على السرير وبين أحضانها عبدالله، تُلاعبه بأصابعها وتُغني له بصوتٍ خافت، بإبتسامة : مساء الخير رفعت عينيها : مساء النور ... بربكة أردفت : كانت هنا هيفاء وخلته راحت تشوف أمها ... يوسف : أصلا عادِي مافيها شي .... جلس بجانبها : رحتي الجامعة اليوم ؟ مهرة : إيه قبل شوي رجعت ... هالكورس إن شاء الله أتخرج وأرتاح من هالهم يوسف يأخذُ عبدالله من أحضانها ويُقبِّل خده : وزين خدوده يا ناس ... مُهرة أبتسمت : أحترت فيه مو طالع على واحد فيكم .. بس فيه شبه من عمِّي يوسف : طالع على سميَّه ... أنا أدعي الله أنه طنازتي على خلقه ما تطلع في عيالي مُهرة : ههههههههههههههه عقب وش؟ تطنزت وأنا اللي بآكلها يوسف : انا واثق بجمالهم .. دام أني أبوهم غصبًا عنهم يطلعون حلوين مُهرة : إذا ولد انا بسميه وإذا بنت بكيفك .. علاقتي مع أسماء البنات مهي كويسة يوسف بضحكة : أنتِ إسمك كله على بعضه مو كويِّس مُهرة رفعت حاجبها : إسمي اللي مو عاجبك معناه .. يُقاطعها : والله داري وش معناه .. بس أنا كذا ما أحب الأسماء العنيفة .. أحب الركَّة *الرقة* *أردف كلمته الأخيرة بضحكة عميقة* مُهرة : لو بنت وش بتسميها ؟ يوسف : ريَّانة بلا منازع وبخليها لولد عمَّها عبدالله مُهرة : تدري لما كنا صغار كانوا مسميني لولد خالي مساعد .. بس تزوج يوم كنت في اول سنة جامعة يوسف : شفته ؟ مُهرة : إيه كان موجود يوم جيت حايل ... لحظة عندي أخته حاطة صورته ... أخرجت هاتفها لتفتح بروفايل إبنة خالها على صورة أخيها يوسف لم يُدرك من قبل أنه يغار بهذه الصورة الشديدة، نظر للصورة بحدَّة : طيب مُهرة بعفوية : بس قهرني! يعني لما تفكر طول مراهقتك بأنك بتكون معه وتبني أحلامك على هالأساس بس آخر شي كسر قلبي وتزوج وحدة ثانية يوسف بسخرية : بسم الله على قلبك اللي كسره مُهرة : ههههههههههههههههههه جد أتكلم يعني بوقتها ما كنت أشوف من الرجال أحد غيره .. يوسف بهدُوء يُقاطعها : مُهرة ممكن تبطلين حكي في الرجَّال اللي تزوج قدامي تجمدَّت ملامحها بالإحراج : ما كان قصدي يوسف : داري .. وضع عبدلله على السرير ليستلقي بجانبه مُرهقًا من العمل ... مُهرة تقترب منه : بكرا موعد الدكتورة .. بتجي معاي .. بيكون الساعة 10 الصبح يوسف وهو مُغمض العينيْن : طيب يعني بتداومين ولا كيف ؟ مُهرة : لآ ماراح أحضر .. بس أنت بتطلع من دوامك ؟ يوسف : إيه ولا يهمك مُهرة ألتزمت صمتها وهي تُطيل النظر به، من أنفاسه يتضح أنه لم ينَم بعد، قطعت الهدوء : طيب إذا ما تبغى تنام أجلس معاي لأنه مو جايني النوم ومحد في البيت .. طلعت هيفاء مع عمتي ونجلا يوسف مازالت عيناه مغلقة : من آثار الحمل أنك تكونين قلق؟ مُهرة أبتسمت : لأ بس طفشانة يوسف يفتح عينيْه : تعرفين تسوين مساج لرآسي مهرة : لأ يوسف : حايلية على وش ؟ مهرة : ليه الحايليات لازم يعرفون كل شي يوسف : إيه مين أسنع حريم بالسعودية ؟ بنات الجنوب وبنات الشمال مُهرة : ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههه على كيفك تقسِّم ... بالعكس نجد مسنعات بعد يوسف : بالنسبة لي أنا أشوفهم التوب مهرة بخبث : مجرِّب ؟ يوسف : أنتِ أدخلي معي الإستراحة وبتشوفين حوار الثقافات اللي يصير مهرة : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههه ما تمِّل وأنت تتطنز على ربعك يوسف : تراني أحبهم وأغليهم على كثر طنازتي! تحسبينا زيكم .. نتطنز من الغيرة والكره مهرة : يخي لا تعمم .. كل شي حريم وحريم .. فيه الشين وفيه الزين دايم يوسف : طيب بجلس أقول كل شوي " بعض " و " بعض " .. خلاص أكيد ما أقصد التعميم يعني كل حريم حايل سنعات هذا أنتِ غير عنهم ما قلت شي مُهرة عقدت حاجبيْها : طيب نام خلاص يوسف يضحك بصخب ليُردف : أنا لاحظت فيك صفة خايسة مُهرة تكتفت : إيه وشهي يوسف : ما تتقبلين الأراء ... مُهرة : وشنوحك كل ما قلنا لك كلمة قلت ما تتقبلين الأراء! يوسف : هههههههههههههههههههههه إيه طلعي اللهجة مُهرة أنتبهت لكلمتها لتُردف بنبرة حائلية بحتة : أنا هاتس طبعي ما يعجبنن الطنازة وكل ما قلت شي تحندر بوه تسنِّي مِكفرة يوسف : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه ههه يا ولد .. لا لا هذا كلام كبير .. كيف أرد عليك الحين مُهرة بإبتسامة عريضة : والله وش زين اللهجة بس لأني متعودة على الرياض ما صرت أحكي فيها ، يُقابله في إحدى المقاهِي القريبة من شقته ليشرح له بطريقة لا يستوعبها قلبه العاشق، يُردف بحنق : ومع مين كانت جالسة ؟ وليد يتأملُ ملامحه الحادَّة، دائِمًا ما كنت أملك قناعة أن فئة ناصِر يملكُون وسامةٌ قاسيَة، قاسية حتى على أنفسهم حين تحتدُ بالغضب : كانت جالسة مع وحدة إسمها أمل ناصر : ومين تطلع ؟ وليد بهدوء : ما أعرف! ناصر : وطيب هي وينها الحين ؟ وليد : هربت ناصر : هربت!!!.. ليُردف بغضب : تستهبل على مخي ؟ وليد : أنت شايفني بموضع إستهبال! أنا أكلمك جد كانت معاها وهربت ... مالها وجود بعد ما هبَّلت في غادة وخلتها تشك في نفسها وفي قدرتها على عودة الذاكرة .. كانت تتذكرك وتتذكر ناس كثير بس بطريقة مشوشة لكن حصل لها الحادث الأخير وفقدت كل ذكريات السنوات القريبة وصارت تتذكر الماضي البعيد .. وهذي حالة من حالات فقدان الذاكرة الرجعي اللي مالنا أيّ سيطرة عليها ولا تحكم عليها الحوادث وتصنيفها .. لأن الحوادث اللي تأثر على الرآس تختلف نتايجها من شخص لآخر .. انا ماراح أحبطك .. لكن صعب جدًا أنه غادة ترجع لها ذاكرتها بهالظروف .... تقدر تعيش معها وتبدأ من جديد ... ناصر شد على شفتِه : كيف يعني أعيش معها وأبدأ من جديد ؟ مافيه علاج ثاني وليد : قلت لك الإصابات في الرآس تختلف، بالنهاية 80 بالمية من العلاج يعتمد عليها هي وعلى نفسيتها، لكن أنا أقولك من واقع التجارب .. إذا فقدت ذاكرتها للمرة الثانية صعب ترجع لها، .. أقولك كدكتُور غادة واقفة ذاكرتها لزمن معين وهذا الزمن كان فيه ناس تثق فيهم، مستحيل الحين تتكيف بسهولة وهالصدمات منك راح تضرها أكثر ما تفيدها .. المطلوب منك أنك تجيب لها ناس كانت تعرفهم قبل 2007 وتثق فيهم عشان يساعدونها في ذكرياتها .. لأنها ببساطة أنت في موضع غير ثقة بالنسبة لها ولذاكرتها ناصِر يُطيل نظره به ليُردف ببرود : وأنا أقولك خلك بعيد عنها .. وهالنصايح ماتهمني في شي وسالفة أنه ذاكرتها واقفة عند زمن معين أنا أرجِّع لها ذاكرتها يا شيخ بدون خدماتك ... و خرج ليتصل على والده ويسأله عن أوراق غادة التي لم يُصارحهه بها، يُدرك بأنه سيكذبه ويشكُ في عقله، أكتفى بأن يرمز لها بإسمها السابق " رؤى ". في جهةٍ أخرى كانت تبحث في شقته بعد أن حبسها به، كانت تنظرُ للصور التي تجمعهم وضحكاتهم التي تلامسها بأصابعها، فاض الحنين بها، ما أقسى الحزن وما أقساه على قلبي، كيف أستردُ صوتِي الذِي أقرأه خلف هذه الصور والرسائل، كيف أستردُ ضحكتي التي تُرسم على هذه الأوراق! كيف أستردُ ذاتي التي ضاعت، سقط دمعها على عينِ عبدالعزيز الذِي يتوسطهما بالصورة، أشتاق لك يا عزيز، أشتاق لك فوق ما تتصوَّر، أشعر بأن غيابك مُختلف عنهم، أنت الذِي كنت قريبًا منِّي في لحظاتِ حُزني وإنزعاجِي، أنت الأب في مكوث أبي في الرياض، أنت وحدُك الذِي أشعرُ بأنه يجمع كل التصنيفات " أب، اخ،صديق، حبيب " أشتقت، أشتقت . . . تقرأ على الصورة التي كُتب على طرفها " فيني بدو ماتوا ضما للمواصيل " ، نزلت دموعها بإنسيابية ليُكمل قلبها على روح عبدالعزيز التي تحنُّ لها : وجيههم من لاهب الشوق سمرا عضت شفتِها تحاول أن تُمسك دمعها الشفاف من عُمق السقوط، كثيرٌ عليها أن تتحمَّل هذا الكمُ من الذكريات، هذا الكمُّ من الحزن، دقائِق قليلة حتى أنفتح الباب لتلتفت عليه. ينظرُ ليديْها التي تعانق الصور، أقترب منها : مساء الخير غادة الرافعة شعرها ككعكة في منتصف مؤخرة رأسها، تسيلُ دموعها دُون أن يواسيها الليل الطويل الهابط على رأسها، نظراتها الضعيفة تخنق ناصِر، تهزمه بكل ما تملكُ من رقَّة. ناصر بهدُوءٍ متزن : إن شاء الله كلها كم يوم وراح نطلع من باريس غادة بلعت الغصة التي تبحُّ معها صوتها : لوين ؟ ناصر : إلى الآن ما قررت بس أكيد مكان قريب ماراح نبعد كثير عن فرنسا.. غادة أخذت نفس عميق : ممكن أسألك سؤال ؟ ناصر بضيق : ممكن أطلب منك أنك ما عاد تستأذنين لطلباتك وأسئلتك .. تجرحيني يا غادة! .. تجرحيني كثير لا قمتِي تعاملني كأني غريب عنك غادة شتت أنظارها للصورة التي بين يديْها : مو قصدِي .. انا .. بس أبغى أعرف وين عبدالعزيز ؟ ناصر : بهالفترة ماهو هنا .. إن شاء الله في الوقت المناسب راح تشوفينه غادة : هو بخير ؟ ناصر : إيه بخير الحمدلله غادة بحزن يشطرُ قلبها، لا أحد يفهم معنى أن أفقد الأخ الذي يوازي مقام الأب : يدري عنِّي ؟ ناصر : غادة .. راح تشوفينه قريب غادة تسيلُ دمعتها التي لم تقل حرارتها عن كل دموعها التي عاشت في ركامها طوال السنة الفائتة والنصف الذي يفوت الآن : مشتاقة له حيييل ينظرُ لها وهو يشعرُ بالعجر من أنه لا يستطيع أن يعانقها بكامل إرادتها، أن يمسح دموعها دُون أن تنفر منه، دُون أن تضيق، أن يُقبِّل كل دمعة تسقط منها ويحكي لها أنها جميلة جدًا عندما تبتسم، أن يرى ضحكاتها التي أعتادها، هذا وجهُ غادة الثاني! ليست غادة المرحة السعيدة التي أعتاد أن يغرق في حضنها ويعُود كمراهق أمامها، هذه ليست غادة التي أضيعُ في عينيْها وأحكي لها من الكلماتِ شعرًا ونثرًا ، هذه ليست غادة التي أستمتعُ بإغاضتها لأرى عُقدة الحاجبيْن التي أشتهي أن أقبِّلها دائِمًا، هذه ليست غادة التي تحاول أن تبتعد كُلما حاولت أن أقترب لتزيد لوعة قلبي، لتزيد من شغفِي بأن أعنِّف ملامحها بقبلاتِي وتعنيفِي رقيق ما دام يسكنها، هذه ليست غادة التي تبكِي مرَّة وتضحكُ مرَّات، هذه ليست غادة والله ولكن ذاتُها التي أتولَّعُ بعشقِ عينيْها وأغرقُ بشفتيْها، هي ذاتُها من أحب، هي ذاتُها التي تزيدُ عذابِي وتُميتني في كل مرَّة، الذاكرة مُضحكة للغاية! إن وددنا تذكُر شيءٍ بسيط نجد أنفسنا ننسى! وإن حاولنا النسيان نجد أنفسنا نتذكرُ أبسط التفاصيل، مُضحكة لأنها تستفزُ قلبي! تستفزُ حبي الذي لا يسكنه أحدٌ سواك. ، لم تعتاد بعد على أجواءِ الشرقيَة الرطِبة والتي بدأت بالميل للبرودة قليلاً، لم تعتاد على جوّ البيت الخاوِي، ولولا وجُودِ أفنان كان من الممكن أن تنهار من وحدتِها، منذُ أتينا هنا وأنا لا أراه إلا أوقاتٍ قليلة، يستغلُ أيّ محاولة للإبتعاد، لا أراه إلا عندما ينام وأحيانًا أنام قبله ولا أراه، ولا أراه إلا عندما أستيقط وأحيانًا يستيقظ قبلي ولا أراه وما بينهما أنا ضائعة لا أعرفُ أين مستقرِ أقدامه، كثيرٌ عليّ أن أتحمَل كل هذا، كل هذا الهجر والصدّ وانا في أولِ حياتي معه، إما أن يختار طريقًا صالحًا لحياتنا أو " بلاها هالحياة " ، حتى ملكةُ هيفاء لم أستطع أن أحضرها، كان يعاقبني على أخطاءٍ بسيطة، على صوتِي الذي يعتلي لحظة من فيضِ قهري، أنا لا أفهمك يا ريَّان ولا أريد أن أفهمك مطلقًا. رفعت عينيْها على دخوله، صدَّت لتُكمل قراءة الكتاب الذي لم يستهويها يومًا، و دائِمًا في لحظاتِ وحدتنا وعُزلتنا نبرع في ممارسة أكثرُ الأشياء سوءً وأكثرُ الأشياء كرهًا للقلب، أقرأ حتى أملُّ وأنام، لا شيء مفيد يمكنني فعله غير هذا، لأني ببساطة لا أريد التفكير بك، لا أريد أن أفكِر لِمَ يتصرف بهذه الصورة ؟ ظنوني السيئة بك تتجدد في كل لحظة وأنا لا أحبذ مناقشتها مع عقلي. يسحبُ الكتاب بتأني بين يديْها ليجلس أمامها، ترفعُ عينها له : تآمر على شي ؟ ريَّان : ليه جالسة لوحدك ؟ ريم ببرود تتضحُ به حدةِ الحُزن في نبرتها : كذا .. مزاج ريَّان : طيب أنزلي معي .. ريم : أبغى أجلس بروحي ريَّان رفع حاجبه : ليه ؟ ريم : أمر يخصني ريَّان بهدُوء : وأنا أبغى أعرف وش الأمر اللي يخصك ؟ ريم بحدة تكررها وكأنها تبدأ الحرب على ريَّان : أمر يخصني ريَّان يشدُّ على شفتيْها : يعني ؟ ريم : أمر يخصني ريَّان بغضب : ريـــــــــــــــــــم! لا تطلعين جنوني عليك ريم تنظرُ إليْه بعصبية لتقف : تطلع جنونك! لآ أنا أبغاك تطلعها عليّ ... أنا أصلا ماأعرف كيف متحملتك إلى الآن ... أنا منتظرة بس المصيبة اللي بتحجج فيها عشان أفتَّك منك ريَّان يقف وبنبرةٍ حادة : أنتبهي لحدودك معي لا قسم بالله .. تُقاطعه بنبرةٍ تعتلي للصراخ : لا تحلف عليّ! ماني أصغر عيالك تقسم وتحلف ... أحترمتك بما فيه الكفاية لكن أنت منت كفو إحترام! أنت حتى ظلك تشك فيه ... يُقاطعها بصفعة على خدِها الناعم،أخفضت رأسها لينساب شعرها على جانبيْه، لم تستوعب بعد أنه ضربها ومدّ يده عليها، هذا الإجرامُ بعينه مثلما كانت تراه في أعين اخوتها اللذين يُحرمُّون الضرب كمبدأٍ دائِم، المبادىء التي تربت عليها جميعها تلاشت أمام ريَّان، لا تعرفُ كم من الطاقة تلزمها حتى تتحمَّل وقع إهاناته المتكررة سواءً بلسانه أو بأفعاله. ريَّان : وغصبًا عنك بتحترميني ... خرج ليتركها في فوضى حواسها التعيسة. لم تعد تشعرُ بأقدامها، لم تعد تشعر بمقدرتها على الوقوف لتجلس على الأرض، سقطت دموعها التي تسيرُ ببطء، هذه الحياة في كل يوم تقتلني، في كل يوم تُميتني بتأنِي لا يستحقه قلبي أبدًا. ، تسكبُ له القهوة وهي تنظرُ له بإستمتاع حقيقي بالحياة التي تبتسمُ لها، بأن إبنها يتزوج وتفرحُ به وتنتظرُ الحلم الذِي يتحقق في رؤيَةِ احفادها : متى يجي العيد بس ؟ عاد عيد الأضحى كل سنة أحسه يجي عادِي مو زي الفطر بس هالسنة غير دام بيحصل فيه شرف زواجك أبتسم فيصَل ليُرضي غرور والدته : طبعًا هالسنة كلها غير والدته : ما قلت لي وش صار بالشوفة ؟ كل مرة تتهرب فيصل : هههههههههههههههههههههه لأن يا يمه ما أبغى أحرجك صراحة وصفك شرق والبنت غرب والدته عقدت حاجبيْها : أفآآ ! فيصل : إيه والله .. ما صدقتي الا بشي واحد وهو شعرها ما عدا ذلك مع إحترامي لك يا يمه لكن عيونك تشوف شي ما اشوفه والدته : إلا والله أنها تجنن و يقاطعها : داري أنها تجنن لكن ماهي بنفس أوصافك .. أولا ماهي بيضا .. سمرا والدته تشهق : إلا والله أنها بيضا وبياضها ماهو بياض عادي فيصل تتسع محاجره : يمه لا تحلفين! أنا شايفها والدته : أقول لا تخبلني البنت شايفتها وبيضا ماشاء الله تبارك الرحمن .. بيضاها مثل أختك ريف وأكثر فيصل يشعرُ بأنه سيُجَّن من والدته : يمه لا يكون وصفتي لي بنت غيرها و وروني بنت ثانية.. هم عندهم غير هيفا ؟ والدته : إيه ريم و تزوجت والحين ما عندهم غير هيفا فيصل بضيق : لآ يمه والله غلطانة ... أستغفر الله كيف ! صدقيني يمه يمكن مخربطة بأختها أو بوحدة ثانية والدته : إلا هيفا نفسها أنا شايفتها بيضا وش ملحها فيصل بتشويش : ماني مستوعب! أتصلي على أمها وأسحبي الحكي منها ، في تلك الجهة التي تستمتعُ بها هيفاء بعد أن هُلكت بالتسوق : شي مو طبيعي والله .. خل يأجل العرس يعني صعبة أحقق كل هذا بوقت قياسي يوسف : طيب ماهو لازم كل شي جديد .. والدته بإندفاع : وش تبيه يقول عننا ! ما عطيناها مهرها ؟ يوسف : خلاص خلاص .. خله تحلله قرش قرش هيفاء بضجر : باقي لي أشياء كثيرة ما سويتها .. لا ما ينفع والله خل يأجله .. ما أتحمل يصير الزواج بالعيد! والدته : إلا يمديك .. بس أنتِ لا تقلقين نفسك ... وخرجت يوسف: أسمعي مني أشتري بعد العرس .. خليه يدفع لك بعد هيفاء أبتسمت : لا يا حبيبي لازم كل شي كل شي جديد ... كأني توني مولودة يوسف يُظهر ملامح التقرف : عندك تشبيهات مدري وش تبي! أنا قلت لك رايي كرجِل وفيصل شخصيته حافظها حفظ .. أستغفر الله بس نسيت هو نظام التدقيق في اللبس .. وأناقة وماأعرف أيش هيفاء تضرب صدرها بخفَّة : وتبيني ماألبس أشياء جديدة عنده عشان بكرا يعلق عليّ يقول بنت عبدالله لابسة .. يُقاطعها : اصلا الرياجيل مع بعض مستحيل يحكون في لبس زوجاتهم! بس يعني ممكن يجيك كمخة يحكي هيفاء : زي ربعك مثلاً يوسف : لكل قاعدة شواذ .. ربعي ما يحكون عن حريمهم بس يحكون من باب حل المشاكل والفائدة يُتبع |
، أخذ نفسًا عميقًا، لا يعرف ماذا يفعل بوالده الذي يواصل سلطته عليه وكأنه إبن العاشرة وليس التاسعة والعشرُون، يُردف : طبعًا لا يا يبه .. يكذبون عليك وتصدقهم! رائِد : وهذي الحسابات وشهي؟ قلت لي بتترك الشرب؟ لكن طلعت كلمتك ماهي كلمة رجال فارس بإندفاع : تركته .. والله تركته .. رائد : توَّه قبل كم يوم شارب قدامي وتقول تركته فارس : بهالفترة أحلف لك بالله أني ما شربت شي .. والحين أروح للمستشفى أسوي تحليل يثبت أني ما شربت شي في اليومين اللي فاتت رائد : أنا أبغى مصلحتك! بالنسبة لي يهون أنك تسوي كل شي قذر في الحياة إلا أنك تشربْ! الشرب بالذات ماأبيه يقرِّب صوبك فارس بسخرية : يعني بتفرق مررة ؟ رائد : بالنسبة لي تفرق وتفرق كثير .. لأنك لو ادمنته مستحيل تبعد عنه وأنا ماأبغاك تدمن أشياء ماتقدر تتشافى منها فارس بضيق : طيب .. أوامر ثانية ؟ رائد : على مين أتصلت أمس ؟ أرتعشت شفتيْها بالتوتر : على مين ؟ رائد : أنا أسألك فارس : ما فهمت .. امس كنت هنا رائد : أنت تقابل أحد بدون علمي! فارس بتوتر عميق يُحاول أن يخفيه بنبرته المتزنة : طبعًا لا .. أصلا طول الليل كنت عندك رائد بنظرة الشك : وش عرفِّك أني أقصد الليل فارس أخذ نفس عميق : أنت قلت توّ رائد : لآ ما قلت فارس بضيق : إلا يبه قلت رائد بعصبية : تكذب ؟ والله العظيم أنك تكذب ... لم يترك له مجال للدفاع عن نفسه ليصرخ به : مين عبدالعزيز ؟ ، في شقتِه تندفعُ كلماتها الغاضبة : أنت بس تبغى تهينني .. تدوِّر أكثر شي يضايقني وتقوم تسويه عبدالعزيز بهدُوء : الحين الشقة تضايقك؟ أنتِ سألتيني وأنا جاوبتك .. لا تعرفُ كيف للشقة أن تستفزُ غيرتها، كيف لهذه الألوان التي تظهرُ بها لمسات أثير أن تُغيضها، كيف لكل هذا أن يُحزنها وهو جماد! رتيل بإنفعال : طيب يالله خلنا نطلع لأني أختنقت هنا عبدالعزيز بإستفزاز : أختنقتِ ؟ هذا بكرا بيصير بيتك! رتيل بحماس تندفعُ بكلماتها الحادة الغاضبة : لآ والله! لو أيش ما جلست فيه دقيقة عقبها! يالله رحمتك على عبادِك .. على فكرة كل مرة تثبت لي أنك بحاجة لدكتور نفسي! تقول خلينا نسوي هدنة وأوعدك ما أقول شي يضايقك وبعدها بدقيقة تقهرني! منت صاحي .. والله أنا لو أيش ما اسوي .. لو أترجاك ما تتغيَّر تبقى عبدالعزيز اللي يتلذذ في تعذيب غيره .. تتفتحُ أزارير قميصها من فرط إندفاعها وحماسها بالغضب، ليجلس عبدالعزيز على الأريكة ويغرقُ بضحكاته الصاخبة : كم مرة قلت يا قلبي لا تعصبين عشان نفسك؟ شفتِ كيف ؟ الضرر وصل لملابسك رتيل تُعطيه ظهرها وهي تتلوَّن بالإحراج، أولُ مرَّة لا تلبس شيئًا تحت القميص سوَى ملابسها الداخلية، أعتادت أن تلبس شيئًا دائِمًا ولكن حظُها يُثبت لها في كل مرَّة أنه من سيء إلى أسوأ، تُغلق الأزارير بتوتر كبير. عبدالعزيز يقف بعد أنا أطالت وقوفها : يالله خلينا نطلع رتيل دُون أن تنظر إليه تسحب معطفها وترتديه، يلتفت بضحكة مُستفزة : يعني الحين مستحية ؟ رتيل : ممكن تآكل تراب ؟ عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههه بس لونه رهيب أهنيك رتيل شعرت بالحرارة تفيضُ بجسدِها، وقفت في منتصف الدرج وهي تنظرُ إليْه بقهر/بحرج عبدالعزيز يُكمل سيره للأسفل وهو يدندن : الأصفر جميل .. جميل ... جميل رتيل وبأكملها يتحول لونها للأحمَر، تُقلد صوته : معفن .. معفن ... معفن عبدالعزيز يُغيضها أكثر بعد أن خرجا : يا ويل حالي من الأصفر .. قطَّع قليبي معاه رتيل بجدية : عبدالعزيز لو سمحت .. خلاص ..... عبدالعزيز ألتفت عليها : عندِك حب للأصفر مدري من وين تذكرين الفستان اللي شفتيه بباريس معاي أول ما تعرفت على شخصيتك الفظيعة رتيل : إيه أتذكر يوم خليتك تتخرفن وتخاف عليّ عبدالعزيز أنقلبت ملامحه : إيوا بالضبط لما خليتك تطيحين على الأرض وتشربين مو مويتها رتيل : ههههههههههههههههههه تحاول تستفزني بس صعبة عليك عبدالعزيز بإبتسامة يستفزها فعلاً : بس طبعًا اليوم تغيَّرت نظرتي للأصفر رتيل تحمَّرُ وهي تحاول أن تتخلص من إحراجها، تضرب كتفه بغضب لتسير أمامه، يتبعها بضحكاته : طيب أنا وش ذنبي؟ مين فتح القميص أنا ولا أنتِ ؟ رتيل بغضب : ممكن تنسى الموضوع! اعتبر نفسك ما شفته .. عبدالعزيز : طيب بوعدِك اني أنسى كل شيء لكن الأصفر مستحيل .. هههههههههههههههههههههه رتيل : حيوان عبدالعزيز رفع حاجبه : مين الحيوان ؟ رتيل : يالله! يالله .. خلاص أنا حيوانة .. ممكن توصلني وتتركني بعدها عبدالعزيز بجدية : طيب بموضوع عبير تلتفت إليه وهي تسترجعُ ما قاله له تحتاج لأيام حتى تستوعب ، يُردف : وهالكلام طبعًا بيني وبينك ، أتفقنا ؟ رتيل بتشتت : أتفقنا .. بس يعني؟ كيف بتقول لأبوي ؟ عبدالعزيز : إن شاء الله مسألة يومين وراح يقتنع أبوك رتيل بضيق: طيب وعبير؟ عبدالعزيز : كل شي في مصلحتها .. مستحيل يضرَّها، وأنا أعتبرها مثل أختي مستحيل أقبل بأنه أحد يضرّها .. تطمني رتيل تنهدَّت : طيب ... طيب بحاول أتكلم مع عبير إذا كانت معارضة عبدالعزيز : ما أتوقع تعارض .. يعني إذا عرفت أنه دكتور وإلى آخره من هالهبال بتوافق رتيل بوجَع : ولا وحدة فينا تزوجت زي العالم والناس! ليه قاعد يصير معنا كذا ؟ أحيانا أقول وش الشي العظيم اللي سوَّاه أبوي عشان يتعاقب فينا إحنا الثنتين عبدالعزيز ويشعرُ بالضمير اللاذع : طيب هي أنرمت عليه! زواجها عادِي .... وممكن لو تزوجت بطريقة تقليدية ما كان راح تكون سعيدة وممكن هالزواج يكون خيرة لها رتيل بسخرية : زي زواجي منك مثلاً! عبدالعزيز : أنكري أني ماني خيرة لك ؟ رتيل أخذت نفس عميق : ترى عندي أشياء تخليني أقول أنك منت خيرة ليْ فخلنا ساكتين ومحترمين نفسنا عبدالعزيز بإبتسامة لم تُطيل وعيناه تسقط على الرسالة التي أضاءت هاتفه من بو سعود . . . . . . . ، ينظرُ للشاشة التي تُخبره بكل حدَّة أن الأشياء تسقطُ من سيطرته، تُخبره بأن طوال هذه الأشهر كانت أعماله قائمة على " خطأ " يا لذاعةُ هذا الخطأ في وقتٍ حرج وفي عملٍ ضيِّق كهذا ! يا قساوة هذا الخطأ على قلبه كمسؤولٍ يتحملُه. أيُّ خيبة هذه التي تكسرني! أيّ خيبة هذه تكسرُ قلب رجلٍ عُلِّق في العمل، بلع ريقه الجاف ليُردف بهدُوء يُخبر عن خيبته الشديد : بلغهم إجتماع طارىء الساعة 7 الصبح بكرا أحمد : إن شاء الله .. شيء ثاني طال عُمرك ؟ سلطان : لا خرج ليتركه بقمةِ حزنه، بقمةِ غضبه، بقمةِ قهره، هذا فوق طاقته، كيف يتحمَّل كل هذا ؟ كيف يستطيع أن يحكمُ سيطرته على نظامٍ بات يخرجُ الجميع عنه، لم يعد يعرف من يخون ومن يَصدق ؟ ضرب الطاولة بقدمِه، يُريد أن يكسِّر أيّ شيء أمامه، هذه الخدعة لا يتحملها ، هذا الخطأ لا يعرفُ كيف يعترف به، سنة وأكثر وهو يعملُ على معلومة خاطئة! يالله كيف ؟ نظر لهاتفه الذي أهتزّ برسالة ، قرأها مرارًا بعينيْها ولثواني طويلة رُغم أنها قصيرة، بحروفٍ إنجليزية بسيطة، أعادها مرةً أخرى بعينيْه " كانت هزيمتك امرٌ مؤقت، لكن لم أتوقع يوم أن تصل إلى هذا العمق " يقرأ ما بين السطور ويستكشفُ ما هو العمق الذي لم يتوقعه، أخذ هاتفه ليتصل على الجوهرة بإستعجال وهو يخرج من عمله الخاوي في الساعات المتأخرة من الليل، لم تُجيبه ليتصل على الحرس الذي تم تعيينهم : آمرني طال عمرك سلطان : فيه شي صاير ؟ : لآ كل أمورنا تمام سلطان : أنتبه أكثر وأنا جايك : إن شاء الله سلطان يُغلقه بعد أن تحشرج به الحزن إلى آخر حد، وصوتُ سلطان العيد يحضر بقوَّة في ذاكرته، يمرُّ على قلبه بكلماتِه التي دائِمًا ما كانت تُخفف وطأة غضبه. " سلطان العيد : تعرف كم مرَّة قلَّت ثقة الموظفين فيني؟ تعرف كم خطأ حصل تحت إدراتي! كثير لكن كانت في أشياء تشفع لي، لكن أحيانا الأخطاء تكون بسيطة لكن أنت بموضع مفروض أنك ما تخطأ ، أنت لازم ما تخطأ أبد، لأن أخطائك ممكن تروِّح لك حياتك .. فاهم عليّ؟ " يكتبُ رسالة لعبدالرحمن وهو يقود سيارته بعد أن أطال بإتصاله معه قبل ساعة تقريبًا " طلبت منهم إجتماع بكرا .. عبدالرحمن أنت لازم ترجع " ينظرُ للحيّ البعيد عن وسطُ الرياض الصاخب، أخذ نفس عميق وهو ينظرُ للحرس أمام بيته، نزل : أبغاك تفتح عينك كويِّس الليلة : هذا واجبي طال عُمرك سلطان يربت على كتفه وهو الذي يحتاجُ من يربت على كتفِه : يعطيك العافية .. .. لم يتقدم سوى خطوتين في إتجاه البيت وتجمدَّت أقدامه، أستنفر الحرس الذي يحاصرون قصره، حتى بدأوا في تغطيَة المكان. شعرَ بألم الرصاصة التي أخترقته، صوتُها اللاذع الذي أعتاد أن يسمعه في التدريبات كان مختلف جدًا لأنهُ شعَر بضربات قلبه التي تندفع بقوَّة، سقط على ركبتيْه وهو يشعرُ بالهزيمة الحقيقية. البعيد عن الذي أحاطُوا جسد سلطان، يُبلغ عبر الجهاز اللاسلكي : مجهول الهويَة .. على بعد 20 متر تقريبًا ... أغلقوا الطريق العام . . . . . . . أنتهى |
المدخل لـ حبيب الألب :$ ، نزار قباني. وعدتك أن لا أعود ..وعدت ... وعدتك أن لا أموت إشتياقا ...ومت .. وعدت مرارا ..وقررت أن أستقيل ... مرارا .. ولا أذكر أني إستقلت .. وعدت بأشياء أكبر مني ...فماذا غدا ستقول الجرائد عني .. أكيد .. ستكتب أني جننت ..أكيد ... ستكتب أني إنتحرت ... وعدتك أن لا أكون ضعيفا ..وكنت ... وعدتك أن لا أقول بعينيك شعرا ..وقلت .. وعدت ...بأن لا ... وأن لا ..وأن لا ... وحين إكتشفت غبائي ...ضحكت ... وعدتك أن لا أبالي ...بشعرك حين يمر أمامي ... وحين تدفق كالليل فوق الرصيف ...صرخت .. وعدتك أن أتجاهل عينيك ...مهما دعاني الحنين .. وحين رأيتهما تمطران نجوما ...شهقت .. وعدتك أن لا أوجه ..أية رسالة حب إليك .. ولكنني رغم أنفي ... كتبت ... وعدتك أن لا أكون بأي مكان ...تكونين فيه .. وحين عرفت بأنك مدعوة للعشاء ..ذهبت .. وعدتك أن لا أحبك ...كيف ؟... وأين ؟ ... وفي أي يوم وعدت ؟؟؟... لقد كنت أكذب ..من شدة الصدق ... والحمدلله أني كذبت ... روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ ! الجُزء ( 61 ) شعرَ بألم الرصاصة التي أخترقته، صوتُها اللاذع الذي أعتاد أن يسمعه في التدريبات كان مختلف جدًا وهو يشعَر بضربات قلبه التي تندفع بقوَّة، أندفعت حتى سقط على ركبتيْه وهو يشعرُ بالهزيمة الحقيقية، شعرَ بالغصَّة التي تُضبب عليْه رؤيته سوى من الأقدام السوداء التي توافدت عليه، لو كان الألم يخصني لوحدِي لمَا أهتممت بما يحصل الآن؟ لو الألم في قلبي فقط وليس في قلب الرياض لكَان الأمرُ عاديًا! لم يفرق كثيرًا عن الحزن الذي عاش معي طوال السنوات الفائتة، ولكن! كعادةِ حُزني يجيء قاسيًا أكثرُ مما أتوقع . . تقطَّعت أفكاره عندما أصطدمت جبهتهُ على الأرض ليُغلق عينيْه بسلامْ. خرجَت من الحمام وهي تلفُ المنشفة حول جسدها الغضّ، بعد أن أطالت في إستحمامها وصوتُ الماء الذي غرقت بالتفكير به جعل سمعها يغيب عن كل شيء حولها، أتجهت نحو سريرها لتُمسك هاتفها، تنظرُ للمكالمة الفائتة منه، رفعت حاجبها بإستغراب، غريب أن يتصل عليها في هذا الوقت وهو وقت عودتها من العمل! لم تستغرق بتفكيرها الكثير وهي تسمعُ صخب الأقدام في الأسفل، أقتربت من النافذة لتعُود بعد أن تذكرت بأنها تطلُّ على الشارع، بخطوات سريعة أتجهت لإغلاق أنوار الغرفَة لتقترب من النافذة مرةً أخرى وتسقطْ عينيْها عليه وهو ملقى على الأرض وحوله بعضُ الرجال التي لا تعرفهم وصوتُ الإسعاف الذي أخترق قلبها قبل أن يخترق سمعُها الرقيق، قبضت يدها على الجدار وهي تجاهد على الإتزان، على الوقوف وعدم الذوبان في حزنها، ثبِّتني يالله فلا حول لي ولا قوَّة، ثبتنِي يالله وإنا إليك راجعُون، لا يُفيد أن أواسِي قلبي في مصائِبه، لا يُفيد أبدًا والدمعة تنصهرُ في عيني وتسقط، والآن بلا أيّ حواجز، بدوافعِ حُبك التي أعلمها والتي لا أعلمها، بالأسباب الخادعة التي تحججتُ بها لأُصادق عليها، بالأسباب الصادقة التي كذبتُ بها، بـ " أحبك " التي لم أنطقها يومًا لعينيْك، أعترفُ بأهميتك في حياتِي وفي حياة حصَّة، في هذه اللحظة لا رجلٍ بجانبنَا، لا رجلٌ نركضُ إليه حتى يُطمئنَّا عليك، لا رجل يا سلطان، رُكن هذا البيت وأساسه كيف تغيب؟ كيف تُلقى على الأرض هكذا؟ وأنا عرفتُك شامخًا شاهقًا ثابتًا قويًا لايهزّك شيء، حتى الكلمات مُنك تأتِ شامِخة تهزُّ أرضِي وتُزلزلني، بقدر الحزن الذي سببته في قلبِي أنت قدرِي ولا مجال للمفرِّ منك، أنت نصيبي مهما حاولت إنكاره، وأنت قسمتِي وإن منعت منِّي يومًا قسمتي منك، أنت كل الأشياء في حياتي، وليس من السهل عليّ أن أتقبل تلاشي هذه الأشياء برمشةِ عين!، يا حُزني الذي لا يُريد الإنسلاخ مني أبدًا! يا حُزني الذي يواصل التغلغل بيْ، ما كفاكْ إعوجاجُ الضلع بيْ ؟ تراجعت وعقلها مشوَّش، أتجهت نحو الدولاب لترتدِي ملابسها وعقلها غائب عنده، نزلت للأسفل وهي تُنزِل طرفِ كُمَّها وتشعرُ بأن حرق باطن يدها كان بالأمس من الحموضة التي تسرِي به في لحظةِ خوفها عليْه، أنتبهت للصالة التي تُضيء بأنوارها، رأت حصَة تغرق في إتصالاتها، وقفت أمامها وصدرها يرتفعُ بعلوِ الحُب في قلبها حصَة رفعت عينها التي تجهلُ ما يحدثُ تحديدًا : سلطان مايرِّد! مدري وش صاير برَا .. سمعتي الإسعاف ؟ الجوهرة شدَّت على شفتِها حتى لا تفلتُ الشهقات منها، تدافعت دموعها على خدها لتقف حصَة بخوف : وش صاير؟ ... تكلمي الجُوهرة بإختناق : هو سلطان اللي برا ... تجمدَّت ملامحها من أن مكروهًا أصابه، لا تعلم ماذا سيحصلُ بحياتها لو غاب عنها، لا تتحمَلُ الحداد الذي سيغيِّم عليْها لسنواتٍ طويلة، لن أتحمل أن يغيب دقيقة، فكيفْ بأن يسقطُ بمكروهٍ، بلعت غصتها : شفتيه ؟ الجُوهرة هزت رأسها بالإيجاب وهي تُجاهد أن لاتنهار ببكائها وتُصبِّر نفسها بتعويذاتها الداخلية " يارب سلِّم .. سلِّم ". حصَة تُمسك هاتفها وهي الأكثرُ إتزانًا وصبرًا، تتصل على من يحرس القصر ولم يستطع أن يحرس قلب إبنها وإبن عينيْها، مهما تسلَّح جسدُك بالحمايَة المعدنيَة لن تستطيع أن تمنع قدرُ الله، مهما فعلت وفعلت لن تجِد قوة تقفُ بوجهِ القدر، لن تجد أبدًا لأن الله وحدهُ المتصرف القادِر القدير لا يُشاركهه أحدًا. ، " تعال بسرعة يا عز، فيه أشياء جالسة تفلت منَّا "، وقف مُتجمدًا في مكانه وهو يعلم تمامًا أن الأمر يخص رائِد، رُبما عرف بلقاءه مع فارس، أو رُبما لم يعرف بعد! ولكن أدرك الخطر بمُقابلتي له، بالطبع يُراقب إبنه! يا الله كيف فلتت منِّي هذه؟ ماذا لو عرف أني صالح ذاته؟ إلهِي لَكَمْ ستتوافد علينا الكوارث، لن يغضُّ عنِّي بسهولة سيجيء إنتقامه مدويَّا ولكن من تسبب في موت " الحياة " بعيني لن يفلتْ أيضًا بهذه السهولة، تمامًا مثل ما ستفعل رائِد سأفعل قبلك لتعرف أنَّ تفكيرك في تلك اللحظات بإضرار عائلتي كان مُكلفًا جدًا. ألتفتت عليه : وش فيك وقفت ؟ عبدالعزيز يسير بجانبها : خلينا نستعجل .. مسك معصمها ليسرَان بخطوات سريعة للشارع الآخر. بشك ترفع حاجبها : وش صاير لك أوجعت أيدي .. عبدالعزيز : مو صاير شي بس أبغى أوصل بسرعة رتيل عقدت حاجبيْها : أبوي فيه شي ؟ عبدالعزيز : لآ .... عبرَا التقاطع المخضَّب بأقدامِ المارَّة بعد أن أضاءت علامةُ المشي باللون الأخضر الذِي يُشع على جنبات الطريق الممتلىء بالدكاكين الصغيرة، وصلا للفندق الذي كان قريبًا ولم يستغرق منهما سوَى بُضع دقائق، على عجَل دخل وهو يُخبرها : أصعدي فوق .... تقدَّم ناحيتهُ وهو جالسٌ على الكُرسي الجلد ينتظره : وش صاير ؟ عبدالرحمن بجديَّةِ القهر في صوته : تلخبط الوضع بين رائد وبين شخص ثاني .. عبدالعزيز بعدم فهم : إيه .. يعني ؟ عبدالرحمن : عبدالعزيز ركِّز معي .. أبغاك تفكر بعقل ماهو بعاطفة .. أتفقنا ؟ عبدالعزيز بلع ريقه من هذه المقدمة التي تُوحي لشيءٍ عظيم، تعلقت عيناه بشفتيْ عبدالرحمن بترقب. عبدالرحمن : رائِد الجوهي هدد والدك الله يرحمه وبالحادث .. صح عبدالعزيز : إيه عبدالرحمن : كان مجرد تهديد جمدت عينيْه في عينِ عبدالرحمن، بنبرةِ الخيبَة : يعني؟ عبدالرحمن : ماهو هو ورى الحادث .. لكن يتعامل مع طرف ثالث زي ما فهمنا قبل .. المشكلة أنه الطرف الثالث اللي محنا قادرين نعرفه .. يعرفنا ويعرف خططنا .. وهو اللي قاعد يعطِّل الأشغال اللي بينك وبين رائد وآخر شي سبّب الحادث اللي مع رتيل ونفس الحادث سوَّاه في أهلك .... لكن أنا وسلطان تأكدنا من بعض الأشياء ونتوقع بنسبة 80 بالمية أنه في ليلة الحادث أرسل رائد رجاله ليضرُّون أبوك وفي نفس الوقت تدخل الطرف الثالث .. وهنا حصلت الخيانة من رجال رائد وعشان كذا هو مازال يجهل حياة ... سكَت بعد أن شعر بأنه يسترسل ويكشفُ أشياء لا يجبْ كشفها. عبدالعزيز : يجهل حياة مين ؟ عبدالرحمن بإتزان : يجهل حياتك .. الحين كل هذا ممكن نتفاهم فيه بعدين ..... بنضطر نغيِّر خطتنا لأن رجال رائد يعرفونك وإلى الآن ساكتين تهديد غير مباشر لنا وإحنا ماراح نرضخ لتهديداتهم فعشان كذا من الحين راح نتصرف ..... لأن كل أشغالنا اللي من الرياض أنبنت على معلومات غلط وسلطان قاعد يحاول يتصرف لكن بما أننا هنا راح نحاول نتصرف بطريقة ثانية قبل لا يطيح الفاس بالرآس وتكون ردة فعل رائد عنيفة وذكرى الحادث لها صوتٌ مُؤذي يتحشرج في القلبْ ويشطرهُ مرارًا حتى يعلقُ بثقُوبه التي خلَّفتها كل هذه الأيام، الآن هو يواجه الكارثة لأنه الجندِي المكشوف في هذه اللعبة، هو وحده من سيكُون محل الخطر لأنه يتحمَّل خطأهم الفادح بالمعلومات، كان أبي قريب مني في الرياض، كان يأتِيني بالحلم فقط ليقُول " لا تغلط يا عبدالعزيز "، ليتك معي فقط لأخبرك عن الأخطاء التي أبتليتُ بها منذُ رحيلك، ليتك كُنت معي لتعرف ماذا يفعلُ إبنك في غيابك؟ لم يُترك ليْ عقل أفكر به بإتزان، أنا أخطأت، أخطأت ولكن مُشتاق أن أسمع صوتك، " تعال ليْ " مرَّة في الحلم وعاتبني مثل الأيام الأولى، " تعال " وأخبرنِي عن فداحة ما أفعله، " تعال " وسأخبرك أنني غرقتُ في وعثاء الحياة ولم يعدّ في قلبي شيءٍ سوى أن أسمع صوتك مرةً أخرى، لِمَ هجرتوني هذه الفترة؟ لِمَ أبتعدتهم عنِّي ! لِمَ لمْ أعد أسمعكم، أتحسسُ أصواتكم، " من فينَا يموت ؟ " أظن أنني بدأت بالسيْر البطيء نحو الموت ولا أحد يربتُ على كتفي أو يشدُّ على ذراعِي. يقطعُ سلسلة الحنين الذِي تترسب في عقله : عبدالعزيز أنا عارف كيف تفكر! لكن إن شاء الله أننا راح نسيطر على الموضوع .. صارت لنا أصعب من المصايب ولله الحمد والمنة قدرنا نعدِّيها وإن شاء الله راح نعدِّي هالشي .. راح نفكر بطريقة تنهي اللي بينك وبين رائد وتختفي عنه .... إلا إذا صار شي يخص الطرف الثالث .. بنضطر نكمِّل لكن بنحاول نكشف مين جالس يتلاعب فينا بأقرب فرصة وبنفهم وش قاعد يصير عشان نتصرف من هالمنطق .. فاهم عليّ ؟ عبدالعزيز تنهَّد بعُمق الخيبة التي يشعرُ بها : طيب .... ، بغضبٍ صرخ به ليرتعشُ غشاء إذنه : مين عبدالعزيـــز ؟ فارس ببرود : تعرفت عليه أول ما جيت هنا رائِد يقف بمُقابله وهو يُشير له بالسبابة : لا تحاول تلعب معي يا فارس لأن والله ما راح أرحمك فارس بهدُوء الثقة : قلت لك تعرفت عليه .. صدقتني أهلاً وسهلاً ما صدقتني .. لم يُكمل من اللكمة التي أتت بجانبِ شفتِه، تراجع عدَّةِ خطوات للخلف من أثرِ اللكمة وهو يمسح الدماء التي تآلف معها بتكرار ضرباتِ والده له، بغضب أنفجر عليه : كثرة الشك تقتلني .. جاوبتك جواب رجَال إذا أنت ما تصدق فهذا شي راجع لك .. وش تبيني أسوي لك عشان تصدق !! وإسمه ماهو عبدالعزيز .. رجالِك نقلوا لك المعلومة غلط ... إسمه أحمد يستغل المواقف المرتبكة الضيِّقة التي تجيء به نبرتِه بكذبٍ صادق يستطيع به أن يخدع والده، أردف : تآمر على شي ثاني؟ ولا باقي كفّ للحين في خاطرك ! رائد وهو الذِي بدأت أعصابه تضطرب بتأخير صالح وبمماطلته التي تُشعره بالشك والربكة من أن يحدث أمرًا يُجهض كل صفقاته التجاريَة المُحرَّمة قانونيًا : ليه تحب تضايق أبوك؟ فارس تنهَّد ليلفظ بضُعفِ قلبه أمام والده الذي يشعرُ بأنه الوطن وكل شيء في هذه الحياة : ما اضايقك! لكن أنت تقهرني .. بكل خطوة تراقبني .. تظن بأني ممكن أضرِّك في يوم ؟ طبعًا لا والله لا يبقِّي فيني نفَس لو حصَل وجاء هاليوم رائِد جلس على كُرسيْه الجلد : أنت ما تعرف عن هالدنيا! أنت حتى ظلالك ممكن تخونك .... فارس بهدُوء : أعرف يايبه بس ظلالك ماراح تخونك لو كان شغلك صح! ... بطِّل شغل في هالأشياء الوصخة وإحنا راح نعيش صح رائد ببرود يضع بعض الأوراق أمامه : هذي أشياء أكبر منك ... ماراح تفهمها ، تُفلت شعرها ليُكمل إلتواءاتِه على كتفها، أخذت نفسًا عميقًا وهي تسمعُ الكلمات التي لا تفهمها تمامًا سوى بأن الغضبْ يجرِي في أوردةِ والدها والمصائِب تُحاصِر جسدِ عبدالعزيز. عبير بضيق من هذه المشاكل التي تسلبْ الراحة من عينيّ والدها : إن شاء الله خير ضيْ تحضنُ المخدَّة على بطنها بقوّة تُسكِن بها الحزن الذِي سقط من صدرها ليترسبْ كألم ومغص يُؤلمها، أردفت : هالمصايب ماراح تبعد عنَّا أبد، دايم تطيح في راسهم هو وسلطان ... رتيل تسحب كُرسي التسريحة لتجلس عليه : طيب الحين وش مشكلتهم ؟ ضي : وتتوقعين أبوك بيقولي ؟ رتيل أبتسمت بضيق : حتى شغله وأنا بنته ماأعرف وش سالفته ضي: بس أنه فيه ناس داخلين على الخط في موضوع عبدالعزيز.. مدري مافهمت كثير بس فيه أشياء تلخبطت عندهم وشكلها قوية مررة .. وبعد الحادث اللي صارلك مع عبدالعزيز أنه اللي سببوه بعد هُم نفسهم ... تنهدت لتُكمل : ماأعرف بهالشغلات ولا أفهم فيها .. عبير : تعبت والله ... عقلي تشوَّش ودِّي أختفي لين يهدا كل شي رتيل بشك رفعت حاجبها : ليه صاير شي غير هذا ؟ ضي : أبوك اليوم كلم عبير عشان شخص تقدم لها رتِيل تُظهر هدوئها وهي تعرف تمامًا من عبدالعزيز كل شيء : جد!! ومين ؟ عبير تُشتت نظراتها للنافذة، هذا الموضوع يستزفُ عاطفتها المولَّعة بشخصٍ تجهله، كم من الحُب ينبغي أن نستهلك حتى نتحلى بطاقة كافيَة لمواجهة نهايَتنا، أنا المولودة في شهرِ ديسمبر أعتدتُ النهايات، أن تتلاشى الأحلام في نهايَةِ العالم وتسقط كورقةِ تقويم، كُنت أخشى البدايات دائِمًا وأنا كائنَة لا تقبلُ بتسلل الخطوةِ الأولى لها، كُنت أخشاك بدايةً لكن سُرعان ما تغلغلت بيْ والآن أعدُّ النهاية لزوالك، لرفعِ حصارك عن قلبي، أوافق؟ رُبما تأتِ موافقتي ليست لأنه " مشعل " ولكن لأني أريد أن أنساك، ورُبما يأتِ رفضي ليس لأني " لا أريد مشعل " ولكن بدأت أستلذُ بتعذيبك ليْ، نحنُ النساء بإمكاننا السقوط من أجل الحُب، بإمكاننا أن نُنهي الحياة من أجل هذه الحُب ولكن بإمكاننا أيضًا أن نكبح هذا الحُب ونرفضه رُغم أننا نريده من أجل الشعارات الزائفة " عزةُ النفس والكرامة " وهذا يدخلُ في تعذيب الذات الذي بتُّ اتآلفُ معه والأهم من كل ذلك " من أجل الله "، سيجيء يومًا أقولها في وجهك وأنا بجانبِ غيرك، سيجيء هذا اليوم الذي أقول فيه " تركتُك لله ". ضي : إسمه مشعل دكتور جامعي معه دكتوراه علوم سياسية رتيل : وأبوي موافق ؟ ضي : تقدَّم لها من فترة لكن كان متردد والحين وافق بعد ما سأل عنه .. بقى الراي لعبير رتيل بلعت ريقها لتُردف بإتزان : وأكيد عبير ماراح ترفضه .. صح عبير ؟ ألتفتت عليها : وليه ماأرفضه ؟ رتيل صمتت لثواني طويلة حتى قطعته : يعني مؤهلاته كويسة وأبوي بنفسه وافق عليه .. يعني أكيد مناسب لك .. تعرفين أبوي مو على أيّ أحد يوافق!! عبير ببرود : طيب ممكن أرفض .. يعني ما فكرت بالموضوع وأبوي فاجئني .. يبي لي وقت عشان أقرر رتيل : وش رايك ضي ؟ ضي المشتتة وقلبها بجانب عبدالرحمن في هذه اللحظات : قلت لها .. الرجَّال جدًا مناسب لها وما ينرَّد عبير بنبرةِ الشك التي تفهم بها شقيقتها جيدًا : تعرفينه رتيل ؟ سمعتي فيه رتيل : لا ما أعرف مين يكون أصلا ولا قد سمعت بعايلته حتى عبير : إحنا ما قلنا إسم عايلته رتيل أرتفع صدرها بالربكة ليهبط بشدَّة : أقصد ما سمعت بإسمه .. يعني ما قد مر عليّ أحد إسمه مشعل في حياتي كلها عبير : فيه شي ما أعرفه ؟ رتيل : وش فيك عبير! قلت لك بس رايي .... والقرار راجع لك عبير : أحس فيه شي تعرفينه وماتبين تقولين لي رتيل : ولا شي صدقيني ... أنا بس توترت من سالفة أبوي وعبدالعزيز ودخلتوا عليّ بسالفة هالمشعل فقلت رايي دامه دكتور ماشاء الله فأكيد إنسان متزن وواعي ومثقف .. ويناسبك عبير بضيق : بس مو غريبة أبوي يوافق؟ ماهو من جماعتنا .. يعني صعب يوافق على ناس غريبيين عنَّا ضي : دام أخلاقه زينة ووظيفته ممتازة ومستواه الإجتماعي جدًا ممتاز .. ليه يرفض ؟ عبير : مدرِي!! بدون لا أصلي إستخارة أنا ماني مرتاحة لموضوع شخص غريب ما قد سمعنا فيه ولا نعرفه ضي : يعني لو تعرفينه بتضمنين حياتك بتكون سعيدة معاه ..... صدقيني عبير ماتدرين وين الخيرة شعرت بثقب قلبها، لتقف : عن إذنكم ..... أتجهت نحو الحمام لتغلق عليها الباب وتنسابْ دموعها بهدُوء، تكره أن تضعف بهذه الصورة القاسية ، لا اعرف كيف ابدأ حياة مع شخص لا اعرفه، لا أعرف كم يلزمني من الحجج حتى أُعيب هذا الشخص الذِي يدعى " مشعل "، لا اعرف عنه شيء سوى إسمه ومؤهلاته العلمية وفقط! وأنا التي بدأت أؤمن بالقلوب وإنتماءاتِها، وماذا عنه؟ هل سأنساه؟ هل سأنسى صوته الذي أقتبستُ منه رجولته العنيفة لقلبي، هل سأنسى نبرةُ الكلمات التي تسيرُ ببطء والأخرى التي تهرول بعجل، هل سأنسى صباحاتٍ تبدأُ برسائله الصيفيَة الرقيقة، هل سأنسى الليالِ التي تغزَّل بيْ بها، كُنت أدرك أن عقاب الله ليْ مدويَّا، هذا الـ " مشعل " لا أشعرُ بحسنِ أخلاقه، لستُ أسيء الظن ولكن أؤمن بأنّ الله يُمهل ولا يهمل، وبأن الله غفور رحيم .. وأنا ما بينهما ضائعة، ضائعة تمامًا لا أدرِي هل سيكُون مشعل عقابٌ ليْ على معصيتي لله أم سيكُون تعويضٌ من الله، ليتني لم اعرفك، لم أسمعُ صوتك وأتولعُ به، مرّ صوتِك كالخطيئة التي نندمُ عليها ولكن لا نقتلعُ منها، مرّ صوتُك كالدُخان الذي نشتمه ليلاً نهار ونعرفُ أضراره ولكن نُمارسه، أتى حُبك عاصفًا فأستحلَّني. ، تقطعُ الساعات قلبها الذِي يواصل الدُعاء والحديثُ خفيَّةً لله، على سجادتِها تنظرُ للساعة التي تُشير للسابعة صباحًا ولا إتصال يُطمئنها، سجدتْ لتُغرق دمعاتها الشفافة الأرض " يالله إنَّا عبادُك لا نسألُ أحدٌ غيرك، ندرك بأن هذه الدُنيا بما فيها من كائناتٍ وبشر لن تستطيع أن تقدم لنا المعونة، لن تقدر أن تقف بوجهِ ما قدرته لعبادِك، فـ يارب نحنُ نسألك أنت وحدك، إنا نسألك بكل إسم سميتهُ به نفسك، أنزلته بكتابِك أو أوحيته لأحدٍ من خلقك أو آثرته في علم الغيب عندِك أن لا تُرينا به مكروهًا، يالله أنت ما أمرتنا بالدعاء إلا لتستجيب لنا فيارب ردَّ عنه كل مكروه وأذى ولا تُفجعنا به " وقفت وهي تمسحُ بكائها، نزعت جلالها لتنظرُ لهاتفها الذي يُمارس قساوته على قلبها، لا يهتز ولا يُضيء لرسالةٍ تُريح صدرها الهائجُ له، لن تنتظر أكثر، لن تستطيع الإنتظار أكثر، أتصلت على من تملكُ رقمه ولا تتصل به أبدًا، هذا الرقم الذي كتبه لها سلطان على يدِها بلحظةٍ أقشعر بها جسدها بأكمله من حركته. منذُ فترةٍ طويلة، منذُ ان عينَّ رجالٌ حول هذا البيت يحاصرونه من كل مكان، على عجلٍ يرتدِي ملابسه حتى سحب قُبعته العسكرية وألتفت عليها : عندِك أرقامهم كلهم صح ؟ الجوهرة التي كانت مغتاضةً منه ومن أذى لسانه على قلبها: لا سلطان : طيب بسرعة سجليه .. الجوهرة : جوالي طافي بس لحظة أشحنه ... سلطان بخطواتٍ سريعة توجه لها حتى أرتطمت أقدامه بأقدامها، يُخرج من جيبه قلمًا ويسحب يدها ليكتب لها على باطنِ كفَّها وأنفاسه تختلط بأنفاسها المُضطربة، رفع عينه لها : متى ما صار شي أتصلي عليه .. اتفقنا ؟ الجوهرة سرحت في عينيْه ليغيب سمعُها عن صوته، حرَّك لها يدِه لتستوعب : طيب إلهِي لَكَمْ كان صوتُك مدعاةٍ للتأمل، كم كان صوتُك فرصةً للتفكُر، ضغطت على زر الإتصال وهي تأخذ نفسًا عميقًا : السلام عليكم : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، آمري يا أم بدر أرتعش قلبُها، حتى أرتجفتْ شفتيْها وضاعت الأحاديثُ منه، " أم بدر " كيف لهذه الكلمة أن تُشتتني هكذا! كيف لهذه الكلمة أن تُغيِّب وعييْ لأفكر فقط بإسم " بدر " و " أم التي تقترنُ به، يا شدةُ الفتنة التي تمرُ على لسانِ من يُناديها " أم بدر " يا شدةُ الفتنة التي تشطرُ قلبها ولعًا، أن أحمل طفلاً من ملامحك الهادِئة وإن قسَت، أن نناديِه مثلما تُحب ولن أتدخل أبدًا، يالله على هذه الأحلام التي تعبرُ ألسنة الغرباء وهُم لا يدرُون أيُّ حزنٍ يجلبون لنا. : أم بدر معاي ؟ الجوهرة بربكة : ايوا .. أبغى أسأل أنتهت العملية : توني طلعت من الدكتور وطمَّنا، الحمدلله يقول الإصابة طفيفة ما جت بالعمق، يعني الله ستر وجت على السطح وماكانت قريبة من القلب، إن شاء الله بكرا الصبح راح يصحى ... الجوهرة : الحمدلله، ماراح نقدر نشوفه اليوم ؟ : للأسف لا وما أظن لو كان بو بدر واعي بيرضى .. أعذريني طال عُمرك الجوهرة تفهمت لأنها تعرف جيدًا كيف يُربي رجاله على قوانينه وطباعه : طيب مين عنده الحين ؟ : تطمَّني كلنا موجودين وماراح نتركه الجوهرة بضيق : طيب إذا صار شي ثاني ياليت تبلغني : إن شاء الله الجوهرة : مع السلامة : بحفظ الرحمن .. وأغلقه ليترك الجوهرة تُصارع نوبة حزنها، كيف تنتظر للغد حتى تستيقظ عيناه والآن الساعة السابعة، كيف سأتحمَّل قسوة هذا اليوم بأكمله، ليت والِدي كان هُنا حتى أبلغه ويذهب إليْه، يالله هل من المحتمل أن يكذب عليّ ؟ من الطبيعي أن يحاول أن يستر أيّ شيء يُخيفني ويُرهبني فهذه عادات سلطان الذي يُخبرنا بشيء عكس الواقع فقط لنبتسم، ليتني كُنت موجودة بجانب الهاتف عندما أتصل آخر مرة، ليتني سمعتُ صوته ونبرتُه حتى أطمئن على قلبه، هل كان بخير وقتها أم لا ؟ نزلت للأسفل حتى تُطمئن حصَة التي لم تُغلق عيناها طوال الأمس من شدةِ الأسى عليه. ، لستُ ضعيفة لك ولن أستسلم أبدًا حتى تتمادى بضربك، إن ضربتني مرَّة فانت قادر أن تُكررها مرةً و مرتيْن وثلاث وأربع وأكثر، لن أضعفُ أبدًا وستعرف من هي " ريم " يا ريَّـان، سيعلم جيدًا بأن خلفِي أشقاء لن يُرضيهم أبدًا ما يحدثُ بي، أتصلت على منصور الأقربُ لها ولأنها تثق بإتزانه كثيرًا، لم تمرّ سوى دقائِق حتى أجابها وهو يدخلُ لمكتبه في العمل : هلا بالصوت والله ريم ببحةِ بكائها الليلة الماضية : هلابك، شلونك ؟ منصور بشك : بخير .. فيك شي ؟ ريم لم تكُن تجهِّز نفسها للبكاء أمام أخيها ولكن سؤال " الحال " دائِمًا ما يُتعب حالنا أكثر، بضيق : أبغى أسألك الحين أنت في الشركة ؟ منصور : إيه ريم : طيب ينفع بعد ما تخلص تكلمني ... ضروري منصور : الحين ماعندي شي .. قولي ريم : منصور أبغاك تجيني ... منصور يجلس بخوف من أن حُزنًا اصابها وهي بعيدة عنهم : وش فيك ريم ؟ ريم : مقدر أقولك بالجوال .. أبي أشوفك منصور : طيب قولي عن أيش؟ شغلتي بالي ريم ودموعها تتدافع على خدها : أبي أتطلق .. منصور صمت لثواني طويلة حتى أردف : ليه؟ وش مشكلتك معه ؟ ريم بصوتٍ تتحشرجُ به الخيبات وتؤلم قلب منصور معها : ما أبغاه يا منصور .. أحس بموت لو جلست أكثر منصور : بسم الله عليك .. طيب ريَّان وينه ؟ ريم : مدري منصور : طيب أبو ريان ؟ ريم : ما شفته من يومين منصور : طيب ... أنتِ الحين أهدي وأنا بكلم أبوي عشـ تُقاطعه : ما أبي أبوي يدري ... لا جيت هناك أنا أكلمه بنفسي منصور تنهَّد : طيب لأن أصلا أنا لازم أناقشك أول وأعرف وش الموضوع .. ما يصير كذا تطق بمزاجك تبين طلاق وبعدها تندمين ريم بقسوة الأنثى إذا خُذِلت : ماراح أتناقش بشي، أنا قررت وخلاص ... ماأبي ريَّان وأبي أتطلق منه وبأسرع وقت بعد منصور بتضايق من إندفاعها ليُردف بحدة : ريم! هذا طلاق مو لعبة ... وش هالمصيبة اللي مسويها ريَّان عشان تطلبين الطلاق .. ريم بمثل حدتِه : مدّ إيده عليّ منصور تفاجىء ليصمت لثواني حتى يُردف : ضربك!!! ريم بضيق دمعها الذي ينسابُ بصوتها : ترضاها عليّ؟ منصور بغضب يقف : طبعًا لا ... ما تجي صلاة الظهر إلا أنا عندك ... وأغلقه. ، تُغلق من إبنتها وهي مُجعدة الجبين، تحزنُ أضعافًا من أضعافها، ومهما تعاظم الألمُ والوجع في قلوبنا فأضعافُ عظمته يسكنُ قلب الأم، : الله لا يفجعنا فيه. أفنان ضاقت من الخبر وكأن الحُزن يقف كالغصة كُل مرةٍ تبتسمُ الحياة لأختها : آمين ... والدتها بتنهيدة : الله يعنيهم بس ... حتى بوسعود ماهو موجود في الرياض! أفنان : يمه صح بغيت أسألك .. تركي مغيِّر رقمه ؟ والدتها : يقوله أبوك، قلت أبي أكلمه قالي مسافر ولا تتدخلون فيه .. أبوك يبي يجنني! أكيد متمشكلين مع بعض وإحنا اللي نآكلها أفنان رفعت حاجبها بشك : صار له أكثر من شهرين ما شفناه .. وش هالقطاعة!! حتى أكلمه بالواتس آب ما يرد .. والحين بعد آخر دخول لها قبل فترة طويلة ...... غريبة أنه أبوي متهاوش معه؟ يا كثر ما كانوا يختلفون بس ما توصل للهواش! والدتها : وش أسوي بعد! عجزت معه كل يوم أكلمه عنه ويقولي لا عاد تفتحين السيرة ... الله يحنن قلبه على أخوه ما له أحد غيره !! أفنان : وريَّان ما يسأل عنه ؟ والدتها : لأ أفنان : أجل أكيد متهاوش مع ريان والدتها : على طاري ريَّان مدري وش فيها ريم هاليومين .. أخوك بعد الثاني يبي يذبحني أفنان أبتسمت بسخرية : زين ما أنهبلت لين الحين! والدتها بنظرةٍ حادة : أفنان ووجع! أفنان : الجلسة مع ولدك ما تنطاق عاد شوفي الحين وش مسوي مع بنت الناس ووش مهبب . . أنحنت لوالدتها لتُقبِّل رأسها ... سلام يا حبيبة قلبي ... وخرجت لتصعد لغُرفتها ويهبُّ عليْها ذكرى آخر يوم لها في كَان، أبتسمت لتتلاشى بسرعة من شعورها بالذنب. الساعة الحادية عشر صباحًا – توقيت باريس – كَان. أنتهى التكريم لتحصَل على المرتبة الرابعة في هذه الدورة الشتويَة، أتجهت نحو مكتبها وهي تتلذذ بطعمِ الشوكلاته السويسرية، وضعت باقة الورد وشهادتُها على الطاولة لتجلس سُمية أمامها : وش رايك نصيع ؟ أفنان : ههههههههههههههههههههههههه ه نصيع! يعني يدخل تحت أيش ؟ سمية بشغف : بما أنه الحين الوقت ما يساعد وش رايك الليلة نفلَّها ونروح نايت كلُوب ! أفنان بدهشة : مستحيييل سمية : ماراح نرقص ولا راح نشرب .. بس نتفرج ونوسّع صدرنا أفنان : لآلآ مستحيل ما أدخل هالاماكن سمية : هي مرَّة وحدة في العمر جربي وماراح تخسرين شي أفنان : ماأضمن نفسي أخاف لا رحت أستسهل أذوق شي ولا أتحمس أسوي شغلة غلط سمية : ليه بزر ما تقدرين تسيطرين على نفسك!! أفنان بجديَّة : ماهو سالفة مقدر أسيطر على نفسي لكن الأنبياء وهم الأنبياء كانوا يدعون الله ويستعيذون من الشرك! وهم أنبياء كانوا يخافون يقعون في الشرك فما بالك إحنا .. يعني أخاف أستسهل شي إذا دخلته سمية تنهدت : يالله قد أيش نكدية يا أفنان الله يعين اللي بيآخذك أفنان : ماني نكدية بس ننبسط بدائرة الأشياء المباحة ... يعني والله أيام ما أجتمع مع بنات عمي عبدالرحمن أفلَّها وننبسط ونسوي أشياء فظيعة لكن ما نتجرأ نسوي زي هالأشياء من خلفها : عذرًا على المقاطعة ألتفتت عليه لتتسع إبتسامتها : هلا سميَة بنظرة الخبث التي تفهمها أفنان جيدًا : طيب عن أذنك فنو ... نواف : مبروك أفنان : الله يبارك فيك ... وشكرًا على كل اللي سويته وماقصرت جد ساعدتني كثيير نواف بنبرته الهادئة : العفو .. واجبنا بدأت أصابعها تتشابك من الربكَة ليقطع ربكتها : متى طيارتك ؟ أفنان : بكرا الساعة 4 العصر نواف : توصلين بالسلامة . . أفنان : الله يسلمك، توصي شي ؟ نواف : سلامتك، ومن هالنجاح لأكبر يارب ... عقبال ما نشوفك محققة نجاحات ثانية أفنان : آمين الله يسمع منك ... أرتعشت شفتيْها لتشدّ عليها بأسنانها والرجفة تتضح على ملامحها المُشتتة. نواف أرتبك من أن يفتعل أيّ موضوع ليُطيل وقوفه معها، بإبتسامة لم تكُن لتخرج : فمان الله .. ، تحسس الأبوة وهو ينظرُ للجنين في بطنها، رُغم أن لا شيء يتضح ولكن قلبه الذي ضخّ الدم بصخب كان يحكِي عن شوقه لرؤيته أمامه، جلس بعد أن أرتدت مُهرة عبائتها ليستمع للنصائح الثقيلة من الدكتورة، كان مُتمللاً لآخر درجة من أشياء يعرفها بديهيًا، ألتزم هدوئه حتى ألتفت بدهشة : وشهووو ؟ مُهرة أحمرَّت خجلاً لتُشتت نظراتها لكل شيء ماعداه، أردفت الدكتورة بإتزان : شو بك ؟ يوسف : لا خلاص ولا شي : إزا عندك سؤال تفضَل يوسف إبتسم بسخرية : ما قصرتي هو بقى شي ما قلتيه بإبتسامة تُبادله : ولازم تنتبه من هالشي منيح يوسف يُقلد لكنتها : شِي تاني ؟ : يا يوسف ما عم تآخد الأمور بجدية ... عم بحكِيك حتى ما يصير شِي مستئبلا *مستقبلاً* يوسف يُحرج مهرة : لأني أنا بالفطرة مكتسب هالعلم المُذهل وعمليًا بعد ضحكت الدكتورة بصخب لتُردف : ما عليه طوِّر معلوماتك البدائية يوسف : معلوماتي ماهي بدائية لكن مصدوم يعني كيف ...... ولا أقول أستغفر الله اللهم لا إعتراض بس مُهرة تضرب قدمه ليصمت : طيب دكتورة فيه شي ثاني ؟ الدكتورة : لا ... يوسف : شكرًا الدكتورة التي أستمتعت بوجود يوسف : عفوًا تعَ معها كتير مُهرة تهمس ليوسف : سلِّم عليها بعد .... وخرجت. يوسف أكتفى بإبتسامة وخرج خلفها : من هالجهة يالحبيبة مُهرة بغضب بعد أن أخطأت الممر، عادت لتخرج لمواقف السيارات. ركبت وأغلقت الباب بغضب. يوسف بإستفزاز لمُهرة : ههههههههههههههههههههه لو أدري أنه مواعيدك كذا كان كل يوم جاي معك مُهرة أخذت نفس عميق : لو سمحت يوسف خلنا نرجع البيت قبل لا أنفجر الحين يوسف بإبتسامة يُحرِّك سيارته : كنت أمزح وش دعوى زعلتِي ؟ مُهرة : تضحك معها ومطيِّح الميانة وتقول أمزح! يوسف : أحمدي ربك قدامك وماهو من وراك مُهرة ألتفتت عليه بحدَّة ليُكمل : يعني قبل كل كلمة أقولها بجلس أقول تراني أمزح مُهرة : بس فيه حدود! يعني ترضى أنكِّت مع دكتور يوسف : أقطع راسك مُهرة بغضب : يعني أنت حلال بس أنا لأ يوسف : أنا ما نكَّت بس كنت مصدوم فعلا من المعلومة وهي ضحكت فضحكت معها مُهرة بسخرية : مررة مصدوم! يوسف ألتفت عليها عندما وقف عند الإشارة : بذمتِك .. مو أنصدمتي زيي ؟ مُهرة مسكت نفسها لتضحك رُغم أن الحرج يلوِّن وجهها بالحُمرة : كمِّل طريقك يوسف : ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههه وتوصينا بعد .. أستغفر الله بس مُهرة بربكة وهي تشعرُ بالحرارة من أقدامها إلى شعرها : يوسف خلاص يوسف : خليك وسيعة صدر يالشمالية مُهرة : وسيعة صدر بس ما ينفع بعد تجلس تطيِّح الميانة مع اللي يسوى واللي مايسوى .. وخلاص ماعاد تروح معي شكرًا مستغنية عنك يوسف : أفآآ .. كل هذا عشان المزيونـ ترمي عليه علبة المناديل : لا والله تغزَّل فيها بعد .. يوسف يركن سيارته : الحين اللي قدامه القمر وش له بالنجوم ؟ مُهرة تنزل وهي تضحك : يارب أرحمني.. منت صاحي يدخل معها : أصلا والله ما جت عيني في عينها .. بس كنت أستفزك .. ماتعودتي على أسلوبي؟ مُهرة : تعودت بس ... مسكت بطنها بوجَع ... آآه يوسف أقترب منها بخوف لتصخب بضحكتها في منتصف الصالة : تعوَّد بعد أنت يوسف : قليلة خاتمة .. مناك يالله عطيتك وجه مُهرة : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه هههههههههه ه من خلفهم : الله يديم ضحكاتكم يوسف ألتفت لوالده : آمين ويديمك فوق رآسنا مُهرة بحرج سلمت عليه : شلونك ؟ بومنصور : بخير الحمدلله .. يوسف : شفت يبه وش تسوي بولدك ؟ مُهرة تُشير له بعينيْها بأن يصمت ولكن أسترسل بإغاضة : أنا مو قلت لك الشماليات إذا حقدوا أبليس يتبرأ منهم بومنصور : زين حظك يوم خذيت شمالية مُهرة ضحكت لتُردف : ماعليك زود يوسف : أظن ما عاد لي جبهة ، في ساعاتِ النهار المُتأخر في باريس، يسيرُ يمينًا ويسار، لا يعرفُ كيف يُحكم سيطرته على عقله ليُفكر بإتزان أكثر، لا أحد في الرياض يُكمل أعمالنا وسلطان مُصاب! كيف أعود الآن؟ كل خططنا راحت هباءً منثورا وهي مبنية على خطأ، كلها والآن يُريدون أن يقتلعُوا جذور الثبات فينا ويتعرضون لسلطان! كم من الصبر سأتحمل حتى أعرف من وراء كل هذا. قطع سلسلةِ أفكاره المتلخبطة : ما تثق فيني ؟ عبدالرحمن : مو مسألة ما أثق فيك ... لكن صعب أخليهم ثلاثتهم عندك عبدالعزيز : بحجز غرفة عندهم وبجلس بالفندق .... ماني طالع ولا راح أتركهم ... عبدالرحمن مشوش فعلاً، مسألة أن يعود للرياض معهم ستضره مثلما تضرّ سلطان الآن في ظلّ هذه الأحداث المربكة عبدالعزيز : خلاص تطمَّن هم في الحفظ والصون .. عبدالرحمن : طيب .. ماراح أطوِّل بأقرب وقت أنا عندكم .. عبدالعزيز لا أوصيك لايطلعون برا هالمنطقة، خلهم قدام عينك وجوالك الثاني أغلقه، أختفي عنهم ولا تحاول تطلع كثير عشان محد ينتبه عليك .. وبس يصير شي تتصل عليّ وإن كان شي طارىء تتصل على مساعد .. عطيتك رقمه صح ؟ عبدالعزيز : إيه عندي رقمه .. أبشر عبدالرحمن تنهد : تبشر بالجنة .... وصعد للأعلى متجها لغرفة بناته المقابلة لغرفته : السلام عليكم : وعليكم السلام ضيْ وقفت متجهةً إليْه وهي تترقبُ ما آلت إليْه الظروف، ليُردف : راح أرجع الرياض بس راح تجلسون هنا لأن ما ينفع ترجعون معي هالفترة ... معاكم عبدالعزيز، ماأبغى طلعات كثيرة وأي شي تبونه عندكم عز عبير : وعمي مقرن ؟ عبدالرحمن : بيرجع معاي ... مفهوم ؟ رتيل بضيق : طيب متى بترجع؟ عبدالرحمن :إن شاء الله أسبوع ماهو أكثر عبير قبلَّت جبينه : توصل بالسلامة لحقتها رتيل لتُسلِّم عليه : درب السلامة عبدالرحمن : الله يسلمكم ... خرج متجهًا لغرفته لتلحقه ضيْ. ضي بشك : فيه شي ثاني صاير ؟ عبدالرحمن يفتح دُولابه بهدُوء : لا ضي تُمسك يده لتمنعه من وضع ملابسه : أنا بجهز شنطتك على ما تتحمم دُون أن يعلق أتجه نحو الحمام، يشعر بأنه أفلس من الكلام وماعاد يستهويه ان ينطق حرفًا وتفكيره غائب فعليًا عند الرياض وما يحدثُ بها الآن، من فكرة أنّ أحدٌ يتسلح ويجُول الشوارع دُون أيّ رادع، وليس شخصًا أو شخصيْن فهذه الجماعة بيننا ولكن لا نلحظها، هذه الجماعة الأكيد أننا نعرفها ولكنها تُمارس النفاق العلني، من بعد سلطان العيد أصبح المستهدف سلطان بن بدر! ومن بعدهم الأكيد أنني أصبح مستهدف حتى تتلاشى عائلتي كما تلاشت عائلةُ سلطان العيد . . ماذا يحدثُ في هذه الدنيا؟ كيف يمرُّ كل هذا الوقت دُون أن نكتشف من! لو كُنت أنت يا مقرن سيكُون عقابك لاذعًا. تمرُ دقائِقه أسفل الماء المتصبب على جسدِه بحدَّة تفكيره، أخذ نفسًا عميقًا ليخرج والمنشفة تلفُّ خصره، نظر إليْها وهي تُغلق الحقيبة، بإبتسامة باردة تُخفي حزنها من أن يذهب إلى الرياض دُونهم : ألبس بسرعة قبل لا يدخلك برد ... أتجهت نحو نظام التدفأة لتُشغله، تنهَّد وهذه التنهيدة يُسمع صداها في قلب ضي الذي وقفت تتفكرُ بهذه الأنفاس الحارقة التي تخرجُ من بين شفتيْه. لم يستغرق في إرتداء ملابسه الكثير وهو يأخذ معطفه وحقيبته الصغيرة التي تحوِي جوازاتهم والبطاقات المهمة، أخرج جوازاتِ رتيل وعبير وضي ليضعهم في خزنةِ الغرفة : أنتبهي لها يا ضي ضي : إن شاء الله أغلق الخزنة لتتقدم له ضي وهي تلفُّ حول رقبته وشاحًا قطنيًا يقيه من برد باريس هذه اللحظات : توصل بالسلامة قبَّل جبينها ليهمس : الله يسلمك ... ديري بالك على نفسك وعلى البنات ضي : لآ توصي حريص ... المهم أنت أنتبه على نفسك وأتصل عليّ بس توصل وطمّني عبدالرحمن أكتفى بإبتسامة تُطمئنها، طوال عُمره كان ينشرُ الإبتسامات في أوجِ المشاكل فقط ليُشعر من حوله بأن الأمور جيِّدة وهذه العادة نتوارثها جميعًا بدايةً من عبدالله اليوسف حتى سلطان بن بدر. ، يُقطِّع أظافره بأسنانه أمام تذمر والده وهو يُرتب أوراقه : نكبنا الله ينكبه ... الحين كيف نوصله! فارس الذي يعرف جيدًا ما يحدث الآن والصراعات التي في الرياض، أردف : يبه سمعت وش صاير بالرياض! رائد بعدم إهتمام : وش فيها بعد فارس : أدخل مواقع جرايدنا الإلكترونية شوف الأخبار العاجلة رائد رفع عينه : تكلم وش صاير! فارس : مكتوب بالخط الاحمر العريض مجهول يطلق النار على سلطان بن بدر أمام بيته رائد يعقد حاجبيْه : أمام بيته! مستحيل الحيّ كله أمن فارس : وش دعوى مستحيل! مو انت قدرت عليه رائد أبتسم بسخرية : لكل قاعدة شواذ .. لكن مين اللي متعرض له مو كاتبين شي ثاني فارس : لأ رائد : غريبة! ليه كاتبينها في الجرايد .. أكثر شخص يحاول يبعد الصحافة عن هالمواضيع هو سلطان فارس : مو كتبوا قبل .. محاولة إختطاف أسرة سعودية في باريس .. ماقالوا أنه الأسرة إسمها عبدالرحمن بن خالد آل متعب .. يعني حتى الصحافة بعد تعرف كيف تبعد نفسها عن المساءلات رائد : ما تلاحظ انك مستفز ؟ فارس أبتسم : طالع عليك رائد : أنا الحين عقلي في شي ثاني ... صمت قليلاً حتى أردف : يعني سلطان الحين ماهو مقابل شغله!! ... أيش هالصدف الحلوة هههههههههههههههههههههه فارس : تلقاه بين الحياة والموت وأنت يا يبه تضحك .. عاد ماهو لهدرجة رائد : أنا ماأضحك عليه شخصيًا هو كيفه يموت يعيش يمرض يصير فيه اللي يصير لكن أني أضبط أشغالي على روقان بدون مراقبة من احد ... بس الكلب صالح ماهو هنا ولا كان أستغليت هالفرصة فارس : وش الشغل اللي بينك وبين صالح رائد : ما يخصِّك فارس رفع حاجبيْه الحادتيْن : طيب حقك علينا تدخلنا فيما لا يعنينا ... وقف .... رائد : على وين ؟ فارس : طفشت بعد وأنا أطالعك كيف تسبّ اللي حولك رائد : ماشاء الله ... أفصخ جزمتك وأضربني بعد فارس : حاشاك ... طيب يايبه وش أسوي عندك رائد بسخرية لاذعة : قولي عن أحلامك المستقبلية فارس تنهَّد : يبه أنا ممكن أتقبل أيّ شي لكن الأحلام ما تتحمل السخرية رائد : أبشر على الخشم فارس إبتسم بمثل إبتسامة والده المُشعة : متى ماتبي تروق ومتى ماتبي تهاوش .. ماعاد أعرف لك يبه رائد : مزاج الله يعيذك منه ... فارس بهدُوء : تدري أني أكتب رائد : تكتب إيش ؟ فارس : روايات رائد بسخرية : ماشاء الله تبارك الرحمن .. وش هالخبال فارس تغيَّرت ملامحه للضيق ليُكمل : وأكتب نثر رائد : هذي وظيفة المترفين أبعد نفسك عنها فارس : الحين الكتابة للمترفين صارت .. والله من السجن اللي خليتني فيه صرت أكتب ولا أنا قبل ويني ووين الكتابة رائد : تدري وش اللي مضايقني فيك! أنك كلب وذكي لكن تستغل هالشي بأشياء تافهة فارس بدهشة : الكتابة تفاهة! على فكرة قريب إن شاء الله بخلص روايتي وراح أنشرها رائد : أعزمني على حفل توقيع الكتاب فارس بضيق : يبه خذ الموضوع بجديَّة رائد : وناوي تكتب بعد فارس رائد الجوهي فارس : إيه رائد : أذبحك .. تعرف وش يعني أذبحك!! أتركك من لعب هالعيال وشوف لك شي نفتخر فيه فارس : يبه هذي كتابة ما شفت أدباء العالم كيف يفتخرون فيهم رائد : وأنت من متى تكتب ؟ فارس : 4 سنوات أو 5 .. مدري بالضبط رائد : طيب جيب لي أقرأ روايتك .. فارس : لأ رائد رفع حاجبه بضحكة خبيثة : ليه ؟ كاتب أشياء فوق 18 سنة فارس رُغمًا عنه إبتسم : ماأبغاك تقراها كذا .. مزاج بعد رائد بإبتسامة : عن أيش تتكلم ؟ لا يكون عن عبير فارس : ماني غبي عشان أكتب قصتي في كتاب ... عن شي ثاني ماتتوقعه رائد : وإذا خمنته وش لي؟ فارس : اللي تبي رائد : حتى لو أمنع الكتاب فارس : حتى لو تمنعه رائد : طبعا قصة حُب .. عارفك ناقص حنان فارس : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه مغرقني بحنانك وش لي بحنان غيرك رائد وبانت أسنانه من إبتسامته الواسعة : طيب لمِّح لي .. مين أبطالك فارس هز رأسه بالرفض : أنا عند وعدي إن جبت لي الفكرة بنسى شي إسمه رواية ، في عصرِ الشرقيَة الخافت، تسللت قبل أن يلحظها أحد لتركب بجانبه، ألتفت عليها : وينه ؟ ريم : ماهو في البيت منصور رُغم أنه يشعر بتصرفه الخاطىء ولكن مسألة أن يمدّ يدِه على أخته وكأن لا أحد خلفها تُثير في داخله ألف مبرر ومبرر بأن يتصرف هكذا، حركّ سيارته خارجًا من الحي، أردف : ماراح تقولين لي وش السبب! ريم : ما أفهمه ولا قدرت أفهمه منصور : بأيش ؟ ريم : مدري يا منصور! غير عنكم كثيير .. كنت متوقعة شي لكن أنصدمت.. قلت يمكن بداية زواج وعادِي لكن بعدها أكتشفت أني مقدر أعيش معاه أبد، إنسان تفكيره غير عنِّي وأصلا أحسه ماهو متقبلني .. منصور عقد حاجبيْه وعينه على الطريق : وليه ضربك؟ وش قلتي له ؟ ريم : رفعت صوتي عليه منصور صمت قليلاً ليُردف : وليه رفعتي صوتك؟ ريم : السالفة سخيفة بس لأنها تراكمت عليّ أشياء كثيرة أنفجرت منصور : وش السالفة يا ريم؟ أنا أبي أعرفها ريم بإختناق ونبرتها تُجاهد أن تبتعد عن البكاء : سألني ليه جالسة بروحي! وقلت له أنه أمر يخصني ولما سألني وش هالأمر ما جاوبته وقلت له يخصني قام عصب عليّ وقال لا تطلعين جنوني عليك وأنا عصبت بعد .... يعني يتركني بالأيام يا منصور وبعدها يجي يسألني ليه جالسة بروحي! يبغاني أجلس عند أهله وهو أصلاً ما يسأل عني ولو ما خالتي تسأل عني كان ما كلف على نفسه وجاني، إنسان ما يقدرني ولا يحترمني ولا حاسب ليْ حساب وش أبي فيه؟ هذا غير كلامه على الطالعة والنازلة منصور بضيق : دايم في بداية أيّ زواج تصير هالمشاكل ريم : بس أنا وش يحدِّني ويخليني أصبر! لا عندي عيال أصبر عشانهم ولا شي .. دامه ضربني مستحيل أرجع له منصور : أنا مستغرب من أنه مد إيده عليك! ريان مو من هالنوعية ريم : أنا منصدمة في شخصيته وأنت بعد راح تنصدم .. إنسان ثاني ماهو مثل اللي نسمع ، أتى اليوم الثانِي لاذعًا بعد أن توترت أعمالهم وتنظيماتهم، رُغم شعوره بالألم ولكن كان جمُود ملامحه وقلةِ حديثه أمر مُثير للشك في نفسِ عبدالرحمن : طيب خلك يوم ثاني وبعدها أطلع سلطان : ماراح أتركك بروحك عبدالرحمن : وأنا مقدر أشيل الشغل؟ .. يا سلطان تعوّذ من الشيطان جرحك ما طاب سلطان يلفُّ صدره الشاشْ الأبيض ليُغطي أثرُ العملية التي حدثت له : ماراح أجلس دقيقة وحدة هنا ... دخل الدكتور بإبتسامة : شلونك يا سلطان سلطان : تمام ... الدكتور : وش قاعد تسوي؟ وين بتروح ؟ سلطان : أنا مضطر أطلع الدكتور : معليش يا سلطان أنت طالع من عملية جراحية ماهو عملية عادية عشان تطلع! سلطان ببرود : شكرًا على المعلومة .. عبدالرحمن يتقدم للدكتور : مافيه إمكانية أنه يطلع الحين ؟ الدكتور رفع حاجبيْه : يوقع ويتحمل مسؤولية نفسه لكن حتى ما يتضاعف عليه شي مفروض أنه يجلس .. عبدالرحمن : طيب تقدر تجيه البيت؟ عشان الفحوصات الدكتور : كلِّم الإدارة وممكن يوفرون ممرض يجيه وأنا طبعًا عبدالرحمن : خلاص دام كذا بيرتاح في البيت الدكتور ينظرُ لسلطان الذي لم يترك له فرصة للنقاش : الحركة الكثيرة بتسبب لك مضاعفات .. أنتبه عبدالرحمن : شكرًا لك الدكتور : العفو .. واجبنا .. وخرج ليتركهما في صراعاتهم الداخلية. عبدالرحمن : يعني يعجبك كذا ؟ مستحيل بتقدر تروح الشغل سلطان يرتدِي حذائه بصمتٍ مُهيب ليقطعه بنبرةٍ خافتة : على الأقل أراقب هالشغل من البيت عبدالرحمن يخرج هاتفه : بتصل على الجوهرة تجهِّز لك غرفة بالدور الأول .. ولا تقولي بصعد عشان ما أهفِّك كف الحين سلطان رفع عينه ليبتسم بتعبِ ملامحه المستنزفة طاقتها بشدَّة، من عبدالرحمن يتقبَّل كل الكلمات السيئة التي من الممكن أن تستفزه من شخصٍ آخر. عبدالرحمن : ليه ما خليت عمتك تجيك هنا ؟ حرام عليك شوي ويموتون من خوفهم عليك سلطان : ماله داعي هذاني بجيهم عبدالرحمن : ولو! حتى ما سمعوا صوتك ولا تطمنوا! .. سلطان يقف ليشعر بوخزٍ على جانبِ صدره مكانِ الرصاصة، تحامل على وجعه : يالله نمشي؟ عبدالرحمن يضع هاتفه على إذنه : لحظة ... هلا الجوهرة ....... بخير .... يبه الجوهرة جهزي غرفة لسلطان تحت ،نص ساعة بالكثير وإحنا عندكم ..... إيه .... مع السلامة ... وأغلقه. سلطان :أنت رايح لهم ؟ عبدالرحمن : أيه من جيت وأنا يوميًا عندهم .. والله حالتهم ما تسرِّك والغلط عليك!! سلطان تنهَّد ليخرج ومن خلفه عبدالرحمن الذي أتجه نحو الإستقبال حتى يوقع على خروجه، دقائِق عديدة حتى أتجهَا للسيارة التي تحركت بإتجاه الحيْ الذي باتت الكثافة الأمنية عليه كبيرة. سلطان : وش صار مع عبدالعزيز ؟ عبدالرحمن : خليته ما على تهدآ الأوضاع ونشوف صرفة مع رائد سلطان : تعرف مين أشك فيه ؟ عبدالرحمن : غير مقرن ؟ سلطان : أحس فيه أشياء كان يعرفها سلطان العيد الله يرحمه وما قالنا عنها! عبدالرحمن : وش ممكن تكون ؟ سلطان : فكرت ببومنصور! لكن أستبعدت أنه يعرف شي وإحنا مانعرفه عبدالرحمن : ممكن تهديدات الحادث من رائد ما كانت تخوفه عشان كذا ! .. صمت حتى أردف بنبرةٍ أعلى : يالله يا سلطان! كانت قدام عيوننا ومافهمناها سلطان : وش ؟ عبدالرحمن : لو بو عبدالعزيز كان يدرِي بأنه مجهز له حادث وسمع هالتهديدات ما كان خذآ معه أهله .. ولما كلمناه قبلها كانت لعبة من الشخص الثالث ... أننا نشك في رائد سلطان عقد حاجبيْه ليُردف بدهاء : وليه منعوا يعطون عزيز إجازة! رُغم أنها إجازة لمدة ساعات بس؟ أكيد أنه فيه أحد مكلم إدارته .. وهالشخص هو نفسه اللي قاعد يتلاعب بين عبدالعزيز ورائد .. لأنه كان يبي عبدالعزيز حيّ عشان يستغله لكن إحنا كنا أسرع لما أخذناه فعشان كذا قام ينتقم منَّا واحد واحد .. وقاعد يشكك رائد عشان يخلي رائد هو اللي ينفذ إنتقامه لنا وهو يطلع منها باردة ... عبدالرحمن : دامه ما تركنا نشك فيه وما خلانا نمسك عليه دليل فهذا معناته أنه بيننا يا سلطان سلطان : وأكيد أنه ماهو مقرن! .. أنا ممكن أشك فيه بأشياء ثانية لكن شي صار قبل سنة وأكثر مستحيل يكون هو وراه عبدالرحمن : وليه زوروا بفحص الدي أن إيه .. ليه كانوا يبون غادة بعيدة عن عبدالعزيز .. هذا يعني أنه فعلا الشخص الثالث كان يبي يستغل عبدالعزيز بشي .. ودامه كان يبي يستغله فهذا معناته يبي منه أشياء .. وهذا معناته .. تنهَّد ليُكمل عنه سلطان : أنه سلطان العيد كان وراه أشياء مانعرفها عبدالرحمن يحك جبينه بعد أن وقف للإشارة الحمراء : وهالشي كيف غاب عنَّا كل هالفترة! يعني طول الفترة نوجه خططنا للجوهي وهي غلط! هذا إحنا تورطنا واللي بالمدفع عبدالعزيز سلطان مازال يشعر بحرقة القهر في صدره : يا كثر الأغلاط اللي تصير لكن مثل هالغلط ماني قادر أستوعبه! عبدالرحمن : خلنا نفكر الحين فيما بعد الغلط سلطان تنهَّد وهو ينظرُ للبيت الذي أبتعد عن اليومين الفائتين : بكرا بيصير الإجتماع ؟ عبدالرحمن : إيه جهزت كل شي .. سلطان : تكلم متعب يجيني البيت ويجيب معه كل الأوراق عبدالرحمن :سلطان أنت منت ناقص .. مدري متى تستوعب أنك طالع من عملية ماهو بسهولة تتحرك وتشتغل سلطان : جتني اللي أكبر من ذي وماصار شي .. يرحم لي والديك يا عبدالرحمن لا تزنّ عليْ عبدالرحمن خرج ليتجه نحوه ولكن سلطان لم يكُن يحتاج مساعدته، أتجهَا للباب الداخلي وخطواتِ سلطان أتضح بها العرج الخفيف من ألمِه الذي لم يلتئم بعد. منذُ أن سمعت صوتُ الباب حتى نزلت بخطوات سريعة نحوه لتقف في منتصف الدرج وتتعلق عيناها به، بملامِحه السمراء التي تفقدُ سمرَّتها بشحُوبها، بقدمِه الذي أنتبهت لعرجها الخفيف ولشعرِ وجهه المبعثر بفوضوية تُثير الفتنة في قلب صبيَّة مثلي، كان حضُورك غيثٌ على ارضٍ جفَّت بأيامٍ قليلة، كُنت غصنٍ يابس ينتظرُ من يُبلله، لم يكُن غيابك عاديًا بل كان مُكلفًا جدًا، حرمني من النوم ، " الوسائدُ أرق " و عيناك نُعاس، كان مُكلفًا بأنه كسَر ضلعُ الراحة وبات إنتمائِي لضلعك مهما أعوجّ بيْ. عبدالرحمن بإبتسامة وديَّة : اللهم أني موجود .. الجوهرة بربكة أحمرَّت وجنتيْها : حياك عمي .. الحين أخليـ يُقاطعها : جعل يكثر خيرك أنا طالع .. أنتبهي لسلطان .... وخرج دُون أن يترك لها فرصة للحديث. مشت بخطوات خافتة نحوه وهي تعدُّ كم من عصبٍ ينهارُ في داخلها وينتحر : جهزت لك الغرفة اللي عند مكتبك سلطان مُشتت نظراته وعيناه المشتاقة لحصَة تبحثُ عنها : وين عمتي ؟ الجوهرة : طلعت مع العنود بس كلمتها والحين جايَّة ... بتوتر لم تشعر إلا بالدمع ينحشر في عينيْها : الحمدلله على السلامة سلطان يتجه نحو الغرفة التي جهزتها له دُون أن يرد عليْها وفي داخله لم يقصد التجاهل بقدرِ الإشتياق الذي يطلُّ مكابرًا وشاهِقًا وأنا أقدامي رقيقة لا تتسلقُ كل هذا العلو ببساطة يا سلطان، وقفت لتواسِي عبرتَها، تحاملت وحاولت أن تُظهر إتزانها لتتجه خلفه، نظرت إليْه وهو ينزع حذاءه. حاولت أن تُظهر عدم إهتمامها في مشاعرها لتُردف بجديَّة : التكييف زين ولا أقصِّر عليه ؟ دُون أن يرفع عينه: زين يستلقي على السرير بعد أن شعر بأنَّ رأسه يدُور به وغليانٍ يجرِي بأوردتِه، فيوميْن لم يتحرك بهما كفيلة بفعلِ به كل هذا بعد أن تحرك قليلاً، أقتربت لترتجف شفتيْها من ملامحه التي تغيَّرت للضيق وكأنه يعاني أمرًا ما : يوجعك شي؟ سلطان أخذ نفس عميق : لا .. سكري النور وبس تجي عمتي خليها تصحيني الجُوهرة لم تتحرك بعد أمرِه، تشعرُ بخيبة لاذعة لا يتحمَّلها قلبها، تعامله الجاف معها يزيد حُزنها أضعافًا، لِمَ كُل هذا؟ أأصبحت شخصًا عاديًا لا يعنيك أمره؟ ألا يعنيك أمرُ قلبي الذي أبتهلّ بك وبكى عليك! ألا يعنيك أنني أنتظرتُك يوميْن بشدَّةٍ تعني " أحبك " بصورةٍ لا تنتمي إلا لقاموسك، ألا يعينك أنّ عينايْ تسألُ عنك وأنت أمامي؟ ألا يعنيك بأنك تقرأ شوقي في محاجري ومع ذلك لا تُبالي! ألا يعنيك شيئًا من هذا يا سلطان؟ سلطان رفع حاجبه بإستغراب من وقوفها : الجوهرة فيه شي ثاني! الجوهرة بعتابٍ حاد : إيه سلطان : وشو ؟ الجوهرة بثقتها الصاخبة : أنا نظر إليْها وأطال بنظره لعينيْها الحادتيْن، تُشبهني إن حاولت أن تغضب رُغم أنها تفشل في كل مرَّة ولكن هذه الأنثى تواصل بعنفوانها السيطرة عليّ وأواصِل في كل مرَّة في صدِّ عُنفِ شفتيْها التي سُرعان ما تذُوب: وش فيك أنتِ ؟ الجُوهرة بقهر تراجعت لتُجلده بالصدّ : ولا شي ... لتتجه نحو الباب فيقطعها صوته : الجوهرة وقفت دُون أن تلتفت عليه لتلفظ بقسوة بدأها لتنهيها : بس تحتاج شي ناديني بكون جالسة بالصالة ... ألتفتت عليه : تبغى شي ثاني؟ سلطان : تعالي الجوهرة بهدُوء : قولي من هنا سلطان بصيغة الأمر : قلت تعالي الجُوهرة وتبدأ حرب الضمير معه، يتجاهلها قبل دقائق والآن يُريدها وأنا لستُ تحت رحمة مزاجك : تمسي على خير ... بعصبية بالغة : يعني أوقف؟ أتجهت بخطواتها نحوه لتقف، سلطان : قربي أقتربت أكثر حتى ألتصقت بالسرير، بنبرةٍ متلاعبة : جيبي المخدة الثانية .. الجوهرة تنحني عليه لتسحب المخدة التي بجانبه وتحاول أن ترفع رأسه لتضع تحته وهي تنحني بأكملها ليقترب صدرها من صدره، كانت ستبتعد ولكن يدِّه كانت في وجه هذا الإبتعاد، مسكها من ذراعها لـ . . .. ، صخب بضحكته إلى حدٍ لا مُتناهي، لم يستطع أن يسيطر على نفسه وهو يرى ملامحه والدته المندهشة : أجل تان!! فيصل بإبتسامة : الله يوسِّع صدرها بس ... أول مرة يمه أشوف وجهك يقلب ألوان كذا والدته : مناك بس ........... وجلست بهاجسِ من أن هيفاء تغيرت ملامحها فيصل : بس والله التان ماهو شين والدته : أنت عجبتك ؟ فيصل هز رأسه بالإيجاب : حبيت ملامحها بس يمكن أحبها أكثر بالبياض .. بس والله السمار ماهو بشين .. وبضحكة أردف : إلا فتنة والدته : تقول أمها يروح بسرعة في جهةٍ أخرى بعد أن أغلقت الهاتف منها : حسبي الله على أبليسك يا هيفا .. حسبي الله بس .. تسوين اللي تسوين ترجعين لي بيضا اليوم قبل بكرا هيفاء : لا تخافين قبل العرس بتشوفيني قشطة ريَّانة جلست وهي تشتمُ حظَّها : أنتِ وأختك تبون تجننوني! منصور : ريم مانزلت اليوم؟ ريَّانة : بغرفتها! تبي تقهرني .. من أول مشكلة خذت أغراضها وجت منصور : يمه لا تزيدينها عليها! لو المشكلة بسيطة كان ماخذيتها بس خلِّي ريان يتأدب ريانة : وريان وش سوَّى ؟ قولي وش سوّى منصور تنهد : هذا بينها وبينه .. المهم أنه ريم ما ودَّها فيه واللي شرع الزواج شرع الطلاق ريانة تضرب صدرها : طلاق في عينك !! هذا وأنت الكبير العاقل تبي أختك تتطلق منصور : دام ماراح يتفاهمون ليه تكمل معه بكرا تجيب منه عيال وتبتلش! الطلاق الحين ولا الطلاق بعدين .. والدته : منصور لا ترفع ضغطي .. يوسف دخل على نقاشهم الحاد : وش فيكم ؟ والدته : أخوك كبر وأنهبل! يبي ريم تتطلق يوسف ألتفت على منصور : ممكن أفهم وش هالمشكلة العظيمة اللي بين ريم وريَّان! يخي خلنا على بينة عشان نعرف نتصرف منصور : إذا ريم تبي تقولك خلها تقولك .. لكن مسألة أنه ريم ترجع له أنا ماراح أوافق والدته بعصبية : عساك ما وافقت! بس يجي ريان ماتتدخل بينهم وخلهم يحلون مشاكلهم بروحهم منصور بغضب : لآ بتدخل! ريم ماراح ترجع له يا يمه ولا تخليني أحلف لا والله .. تقاطعه بغضبٍ كبير وهي التي لا يرتفعُ صوتها على منصور كثيرًا : تحلف عليّ! هذا اللي ناقص بعد يوسف وقف : منصور أمش معي .. ، بعصبيَة يشتمُ كل شيء أمامه، لم يعد يتحمَّل كل هذا، لا يتحمَّل هذا الهراء الذي يعني أنها تتذكر الماضي وتنساني! هذه الذاكرة العاصية لقلبٍ متولِّعٌ بها من قدميه حتى أطرافِ شعرَه، هذه الذاكرة التي لا تحاول أن تُفكِّر بطريقةٍ ترحم بها جسدًا يشتهِي عينيْها ويغرقُ بتفاصيلها، أأستخرج عن الحُب كفَّارة حتى تعودِي لأحضاني؟ أم أنسى أنكِ غادة وأنسى هويتي! كُنت أخبرك دائِمًا بأن عيناكِ وطن وأنكِ إنتماء، كُنت أخبرك بأنكِ هويتي إن ذهبتِ ضاعت أوطاني، أنا المواطنُ لأرضِك ولشفتيْك. : يعني ؟ غادة بضيق : ماأبغى أروح لندن! ناصر : غادة! أنا ماآخذ رايك أنا قلت لك راح تروحين يعني الموضوع مافيه نقاش غادة : وأنا ماأبغى .. ماأبغى ابعد لمكان ماأعرفه ناصر بصراخ : لندن ماتعرفينها؟ غادة : ماأعرفك أنت ناصر بحدَّة بعد أن وضع حقائبه في سيارته وعزم على الذهاب: راح تروحين .. وغصبًا عنك بعد ماهو برضاك ... غادة : يخي أفهمني أنا .. ناصر يقترب منها ليلتصق ظهرها بالجدار، أحاطها بيديْه ليهمس : أولاً إسمي ماهو يخي! ثانيًا ماراح تنامين اليوم الا بلندن إن شاء الله! ثالثًا! لا تحاولين تستفزيني بكلمة ماأعرفك وماأتذكرك عشان ما أنسيك إياهم كلهم وأخليك تعرفين تتذكرين صح!! غادة بربكة بعد أن ألتصق بطنها ببطنه، شتت نظراتها المرتجفة ناصر : مفهوم ؟ غادة بهمس : ممكن تبعد شوي ناصر يُضيِّق عليها بعنادٍ سَادِي : مفهوم ؟ غادة أرتبكت لترفع عينيْها وشتمت نفسها من أنها رفعت رأسها له في هذه اللحظة الضيِّقـة ، وهذه الفرصة لا تضيعُ عليّ . . . . . . ، تطرق باب غرفته التي حجزها بجانبهم بعد أن نامت ضي وعبير، أشعر بالضجر والملل وكل الأشياء السيئة في ليلٍ طويل كهذا، وفكرة ان أخرج مع عبدالعزيز ليست سيئة ما دُمنا في وضع الهدنة التي عزمنا عليها في الأيام الماضية. أنتبهت للباب المفتُوح، لتطِّل والظلام يغشى المكان، أقتربت بخُطاها للداخل وهي تبحثُ بعينيْه عن سريره ، شعرت بالباب وهو ينغلق لتتجمَّد أقدامها و لا لفظِ يأتِها سوى الصيغة العاميَة التي تعني " أم الركب " ، ألتفتت بخوف لتتراجع حتى أرتطمت بالتلفاز وهي تحاول أن . . . . . . أنتهى |
المدخل لنزَار قباني من قصيدة القرآر " لازم تقرونها كاملة عشان تشوفون سر الفتنة في هالإنسان https://www.rewity.com/forum/images/smilies/frown.gif " يا أنتِ .. يا سُلْطَانتي ، ومليكتي يا كوكبي البحريَّ .. يا عَشْتَاري إني أُحبُّكِ .. دونَ أيِّ تحفُّظٍ وأعيشُ فيكِ ولادتي .. ودماري إنّي اقْتَرَفْتُكِ .. عامداً مُتَعمِّداً إنْ كنتِ عاراً .. يا لروعةِ عاري ماذا أخافُ ؟ ومَنْ أخافُ ؟ أنا الذي نامَ الزمانُ على صدى أوتاري وأنا مفاتيحُ القصيدةِ في يدي من قبل بَشَّارٍ .. ومن مِهْيَارِ وأنا جعلتُ الشِعْرَ خُبزاً ساخناً وجعلتُهُ ثَمَراً على الأشجارِ سافرتُ في بَحْرِ النساءِ .. ولم أزَلْ _ من يومِهَا _ مقطوعةً أخباري.. روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ ! الجُزء ( 62 ) ينظرُ إليْها وهي تلتفت للخلف خشيَّةً من أن تصدر صوتًا مُزعجًا، تقف على أطراف أصابعها كنايةً عن توترها، تطرق الباب بخفَّة حتى تجمدت عينيْها من أنه مفتوح، يتأملها بإبتسامة تتسع شيئًا فشيءٍ، لن تتركين أبدًا التطفل والتسلل إليْ وتقولين بكل ثقة " أنا قادرة على نسيانك " تقولينها بطريقة تُوحي أنني لا شيء وأنا في عينيْك كل شيء مهما أنكرتِ، مهما قُلتِ " لا " فهذا يعني في قاموسي " أحبك جدًا يا عزيز " ، قُلنا هدنَة ولكن المعذرة من هذه الهدنَّة أن أختلت ليومٍ واحد، تقدَّم لغرفته بعد أن أغلق الهاتف، كان الظلام يُسيطر على غرفته التي لا يرى منها شيئًا سوى الضوء المنبعث من النافذة، ألتفتت بخوف لتتراجع حتى أرتطمت بالتلفاز وهي تحاول أن تصرخ ولكن الصوتُ يموت بها في كل مرةٍ تخاف بها لا تملك حبالاً صوتية تقوى على الصراخ. أبتسم وهو يحاول أن يُخيفها أكثر، أخرج سلاحه من جيبِ بنطاله ليخرج صوت الزناد كرصاصةٍ تخترق قلبِها الرقيق، شعرت بأن صدرها ينفصل بمُجرد ما سمعت هذا الصوت، تموت؟ أنا فعلاً أموت ببطء بهذا الخوف الذي يقتنص قلبي، ضغط على مفتاح الإضاءة لتُضيء الغرفة بأكملها : عندنا ضيوف اليوم! أتت ردة فعلها جامدة وهي تنظرُ إليْه بأقدامٍ ثبتت في مكانها إذ لم تكُن متجمدة، وملامحٍ تشرَّبها الخوف حتى أستكنت بشحُوب، نزلت دمعة يتيمة ولا صوت يخرج منها. هذه الدمعة ليست ضعفًا ولكن دمعةُ اليأس، دمعةُ اللاشيء، دمعةُ الإفلاس الحقيقي. وضع السلاح على الطاولة ليقترب منها ولكن سرعان ما تراجعت بخطواتها للخلف لتصرخ به : ماترتاح إلا لما تجلطني .... أتجهت نحو الباب، مرر ذراعه من خلفها ليُثبتها على الباب ويُعيقها من الحركة، بصوتٍ يضيق بحزنه : يا عمِّي أنا آسفة أني جيتك أنا الغبية أني جيتك .. ممكن تتركني الحين ؟ عبدالعزيز : ماني عمِّك رتيل ومازالت لم تلتفت عليه ومازال يُحاصرها من ظهرها: ماهو جو أنك تتمصخر! .. عبدالعزيز : وش كنتِي جاية عشانه ؟ رتيل عقدت حاجبيها : طفشت ومالقيت غيرك لكن دايم أكتشف أني غلطانه ودايم أكتشف أني أكبر حمارة عرفها التاريخ! عبدالعزيز تنزل أصابعه من عند الباب لتتجه نحو خصرها، يستعمرها بأصابعه وبذراعه التي تلتفُ حولها كهالةٍ لن تُمحى بسهولة، ألتفتت عليه ولا هواءٌ يتجرأ أن يفصل بينهُما، شعرت بأن أوكسجينها ينسحب من الغرفة وينسحبْ إلى رئتي عبدالعزيز ويتركها خاليَة، بهذا القُرب المقدَّس بين عينيْهما تاهت الكلمات المتزنَة، يطيلُ الوقت بالتأمل وعينيْها لا ترمش ولم تكُن عينيه أفضلُ حال وهي تتجمدُّ في عدسةِ عينِ رتيل، إنَّنا لا نعرف كيف نعقد العهود! إننا لا نعرف كيف تُقام الهُدن وكيف تتزن شروطها؟ إننا أسوأُ من البعد، من الغياب، إننا نغرق بوعودٍ وهميَة ومصطلحاتٍ زائفة، نُعيد تعاريف الأشياء لتُصبح خفيفة عابرة في قواميسنا، الهدنَة التي تعني الصلح الذي يسبق الحرب، أو الهدنة التي تعني حربٌ لاذع يستمرُ في الصمت حتى يخرج صوته فنقول إننا نواجه الحرب! هل هذه الهدنَة يا عزيز؟ أم أن الهدنة التي أستخرجناها من جحيم ثغرك تعني أن نقترب بكامل رضانا ونحنُ نكابر! أنا أضيع، أين قلبي؟ تعلمين يا رتيل أنني الأسوأ في كل شيء، الأشدُ سوءً من عينيْك المعصيَة، رسائِلُ القدر التي تهمس لي مرارًا " أنت تغرق ولا حبل نجاة ينتظرك " أنا الأسوأ من الحياة التي تُقيم مراسم تأبين عائلتي أمامي في كل لحظة/في كل ذكرى دُون أن تلتفت لقلبٍ لم يُدفن بعد، لقلبٍ يحاول أن يقف وفي كل مرةٍ يسقط!، أنا الأسوأ ولكن عيناكِ كارثة! وأنا اتحملُ معنى هذه الكلمة وهذه الجريمة، أتحملُ ما تؤول إليه التفسيرات، بالله عليكِ! كيف أنظرُ لنفسي للمرآة وأرآكِ؟ كيف أشعرُ بأنكِ مرآة تلاحقني في كل مكان، كيف تكُوني بهذه الصورة اللاذعة! أنا لولا عينيْك كان بإمكاني التقدمُ في أمرِ زواجنا بصورةٍ سلبية كانت أم إيجابية ولكن هذه العينيْن تعرقلني، والله تعرقل رجلٌ مثلي لا يتحمَّل سمراءٌ نجدية مثلكِ، ليتني أستطيع أن أتواضع قليلاً لأجلِ عينيْك وأقُول " سحرٌ أنتِ أم أنا المجنون ؟ " أرتفع صدرَها بشدَّة وهي تسحبُ أنفاسها التي بات يسرقها من شفتيْها، لا أعرف لِمَ أغمض عيني في الحُزن/الفرح، لِمَ عينايْ لا تقوى أن ترى الفرح إن تشكّل أمامي، لا تقوى أن ترى بُكاء الحزن في داخلي، والآن أغمضها لأنني لاأعرفُ كيف أصنِّف هذا الشعور؟ هذا الشعور فوق كلماتِي فوق تحكمُ عاطفتي، هذا الشعور فوق السيطرة. هذه القُبلَة تنزلُ بخفَّة لقلبي، هذه القُبلة تنامُ في صدرِي. تضع يدها على صدره لتفتح عينيْها بإطمئنانِ الحياة التي بثَّها في داخلها، كيف للقُبلات هذه المقدرَة الخرافية؟ كيف لها أن تتشكلُ كالحياة وأحيانًا تتشكلُ كالموت. دفعتهُ قليلاً وهي تحاول أن تبتعد بعد أن أستسلمت لقلبها الذي أندفع بإتجاهه، وعدتُ نفسي مرارًا وأعترفُ أنني خائنة الوعود! قُلت كلامًا لا يحكمهُ عقلي، أصبح الكلام تحت سُلطته وأنا كاذبة في كل أقوالي إلى الآن، إلهي إجعلني فقط ألتزمُ بوعدٍ واحد حتى يعرفُ أنني مازلتُ لست راضية. أبتعد بخطواته للخلف : عن الحُكم؟ نقدر نقول بطَلت الهدنة ؟ رتيل دُون أن تنظر إليْه : لا نظر إليْه بحدةِ حاجبيْه التي تشابكت فيما بينها، تقدَّم مرةً أخرى عدة خطوات ليقترب منها : شيئان لا تصدق فيهما قولاً إمرأة عيناها من شدةِ الصدق تكذب و إمرأة من شدةِ الكذب عيناها تُكذِّبها جهارًا. بلعت ريقها من وصفه المباشر لها، بللت شفتيْها بلسانها وهي لا تستطيع رفع رأسها لتنظرُ إليه، شتت أنظارها لتُردف ومشاعرها المتلخبطة أحمرّ بها وجهها الشاحب، هرولت الحُمرَة في جسدِها بأكمله، أهذه ربكةُ الحب؟ أأنا واقعةٌ به؟ : تصبح على خير ... ألتفتت للباب وهي تحاول أن تفتحه ومن التوتر الذي أصاب اصابعها أطالت في فتحه حتى وضع يده على كفِّها المثبتة في مقبض الباب : لمعلوماتك عيونك تِبطِل أشياء كثيرة رتيل بسخرية : منها مقولتك اللي ماأعرف مين قائلها! عبدالعزيز بإبتسامة لاذعة وهذه الإبتسامات تُصيب الإناث في مقتل : لا. رتيل لم تفهمه، ألتفتت وبنبرةٍ جادة مازال في المتسع أن لا نستسلم : وش تبغى توصله ؟ عبدالعزيز بنبرةٍ متلاعبة : أسأليني رتيل لم تفكك الخبث المنحصر في كلماته لتُردف بصفاءِ قلبها : وش الأشياء الكثيرة اللي تقصدها عبدالعزيز : تقصدين وش الأشياء اللي تبطلها عيونك ؟ رتيل تشعرُ بإستفزاز أسئلته لتُردف : وش الأشياء اللي تبطلها عيوني؟ عبدالعزيز : الوضوء شعرت بأنها تختنق فعليًا، فتحت الباب بقوَّة لتخرج بخطواتٍ متخبطة مرتبكة، دخلت غرفتها وهي تضع ظهرها على الباب ويدها على صدرها تستشعرُ حرارة الكلمة المنصهرة في يسارِها، أتجهت نحو الحمام الذي كان قريبًا جدًا لتُبلل وجهها الذائِبُ بحرارته بماءٍ بارد، أنتشر صدى أنفاسها التي تأخذها بتسارعٍ، كل شيء يختلُ توازنه، صوتُ ضربات قلبي ترتعشُ معها أذني وكأن قلبي يُريد أن يوصل إليْ بنبرةٍ مستعارة " أنني لا أملكه " فـ ورقة الملكية في جيبِ عزيز، مع كامل الحُب والأسف. ، وهذه الفرصة لا تضيعُ على رجلٍ يتشربهُ الإشتياق كل دقيقة وكل ثانية وكل لحظة، هذه الفرصَة كفارةٌ عن نفسكِ التي بادلتني بالبرود بعد كل هذا الغياب، أتريْن كيف الفرص تقفُ بصفِّك؟ ليست هي فقط بل قلبي أيضًا، تقف بكل شموخٍ تواسيني وتحاصرك، هذه الفرص مدعاةُ للسخرية إن ذابت قبل أن ألمسها، كيف تضيعُ منَّا الحياة؟ إني أسألك بحقِّ الله كيف أشتاقُك وأنتِ أمامي؟ إني أسالكِ بحق الربّ الذي صقلَ جسدكِ من ماءٍ وطين! إنِي أسألكِ بحقِ العظيم كيف لعينيْك هذه المقدرة من الذوبان والطوفان؟ أعلنُ إنشقاقِي من البشر، من الأرضِ والطين ورسائِلُ عينيْك الكاذبة، أعلنُ الإنتماء لشفتيْك ولوجهكِ وكل شيءٍ فيك لا أعرفهُ بأحدٍ غيرك، إنّ وجهُكِ ديارِي وإنكِ هويتي، يا حاكمتي بغيرٍ ذنب إني واقعٌ في معصيتك، يا خطيئتي بغيرٍ حساب إني لا أطلبُ الغفرانِ عنكِ، يا حبيبتِي من أيّ العوالمِ أنتِ أتيتِ ؟ هل من العدل أن تأتِ بحرًا يغرقني أم من العدل أن تأتِ كرياحٍ هائجة لا تُبقي ليْ جذورًا؟ إنهُ من الظلم أن لا أحبكِ، أني عادلٌ جدًا وأني أحبك جدًا جدًا. عيناها تطيل الوقوف في عينيْه لتراه كصورةٍ أخرى، تغرق تمامًا وهي تسترجعُ تفاصيلاً أخرى لا تعلم موعدُها ولا تاريخها ووقتها، بلعت ريقها وهي تُغمض عينيْها لتستذكر ما حصلَ بالسابق. " في محطة القطار التي فرغت تمامًا في ساعةٍ متأخرة، بتلاعب أقترب منها وهو يلاصقها، أبتسم ومازالت عيناه تنظرُ لسكةِ القطار الخاوية، تُبادله الإبتسامة وعيناها أيضًا تنظرُ للسكةِ الحديدية، عانق أصبعها السبابة بكفِّه لتلتفت إليْه وهي ترفعُ حاجبها : باقي 10 دقايق. ناصِر بإبتسامة شاسعة يتلاعبُ بها : 10 دقايق تحديدًا يمدينا نسوي فيها إيش؟، غادة بضحكة : يمدينا نطلب قهوة تصحصحنا على هالفجر. ناصر يُجاري ضحكاتها : ويمدينا نسوي شي مجنون مثلاً ... يقترب أكثر .. يعني مثلاً .. يُراقب بعينيْه محطة القطار التي كانت خاويَة تماما عدا شخصٌ نائم على الكرسي البعيد ليلتهمها وسط ضحكاتها التي أعتلت وهي تحاول أن تُبعده وتُذكره بمكانهما، نحنُ في الحب مجانين، نحنُ في الحبِ لا ننتمي لأيّ عرقٍ أو طائفة، نحنُ في الحُب ننتظرُ نوم العالم حتى نصخب بضحكاتنا/بجنُونا، نحنُ في الحب نمارس قدسية الجسد كما ينبغي وكما يُرضي الله. فتحت عينيْها لتُبعده بيديْها الرقيقتين، شعرت بأن حرارتها ترتفع مع الذكرى التي تجهلُ بأيّ مكانٍ وقعت، ترنُ في داخلها الضحكات، يصخبُ رنين خلخالِ الحُبِ في قلبها أخذت نفسًا عميقًا وهي تقف بربكةٍ في المنتصف، ألتفت عليها ليتجه نحو الباب وهو ينطقُ بهدُوء : أنتظرك تحت . . . . ، مسكها من ذراعها لتسقط على صدره، رفعت جسدها حتى لا تؤلمه وهي بدأت تكتشفُ مكان إصابته، أنساب شعرها لجهةِ اليمين وهي تنظرُ إليه بإستغراب من التناقضات البشرية التي تكمنُ في داخله، من حربُ عينيْه وقلبه، أتعلم مالشيء الذي يليقُ بعينيْك في هذه الساعة، أن يُصيبها شيءٌ يجعلك تستعيذُ ثلاثًا من فكرة تجاهلِي وأنا إمرأة لا تخافُ التحدي ولكنها واقعةٌ بِك وهذا ما لا يقبلُ به التحدي إن كان إحدى الطرفين منحاز للآخر، للأسفِ الشديد عيناك (حليَانة) وأنا أتولعٌ بِها! سلطان رُغم أنه يشعر بألمِ مفاصله الذي تسربَّ من صدره إلا أنه يواصل إستحلالُها، " فأستسلتمي لإرادتي ومشيئتي، واسْتقبِلي بطفولةٍ أمطاري ، إنْ كانَ عندي ما أقولُ .. فإنَّني سأقولُهُ للواحدِ القهَّارِ...عَيْنَاكِ وَحْدَهُما هُمَا شَرْعيَّتي. " شرعيةُ قلبٍ رُبما يُبطلها متى ما أراد مزاجه وأنا كائِن مزاجِي لا يرضخُ لعواطفه وهذا عيبٌ بشرِي لا أظنُ أنه يختلف عليه إثنان، وأنتِ تعلمين يالجوهرة أنني قادر على التعايش بعكسِ دواخلي، قادر وجدًا أن لا أختارُ بين الحب واللاحب، قادر تماما أن أنفيكِ وأقربكِ وأستوطنِك وأعلنُ رفع حصارِي عنك، يا مدينةٍ مقدَّسة أنتِ ويا حكُومتي الطاغية. : عسى سرحانِك بشي معقول! تُهينني كثيرًا بكلماتِك، تقسُو كثيرًا ولكن كل هذا لن يُحرِّك بيْ ما ترجيه، إن كُنّ النساء يرتفعُ سقف طموحاتهم عندما يرونك، عندما يُشعرني الجميع بأنّ حظِّي في هذا الدنيا كبير لأنك زوجِي فأنت ذو حظٍ أعظم لأني مازلت أراك، أبتسمت بسخرية وهي تعلن الإنشقاق عن ملكيتِه : وش الشي المعقول أصلاً ؟ صغيرة جدًا على محاولاتِك الإستفزازية بالكلمات، أنتِ أصغرُ بكثير من أن تُبددني كلماتك، يسحبها بقوَّة حتى ينسحبُ الهواء ببطءٍ بينهما ليلفظ وهذه المرَّة الكلماتٌ لا تُرسل لأذنها مباشرةً بل الوساطةٌ تنتقل لشفتيْها المتوردتيْن، أضنيتني بالبُعدِ كل هذه الفترة ما أظلمك! أكان الغربة عن شفتيكِ واجبًا؟ لو رآكِ غيري لحرَّم على نفسِه النساء من بعدِك : هذا المعقول الجُوهرة تسحبُ نفسها بربكةٍ تحمرُّ بها خجلاً، لتُردف بكلماتٍ مرتبكة متقطعة : ومن ضمن هالمعقول أنك تتجاهلني وأنا من طحت بالمستشفى لا ليلي ليل ولا نهاري نهار !! سلطان بسخرية لاذعة وهو يفرغُ غضب العملِ بها : تصدقين لولا إنتظارك ما كان صحيت! شكرًا على الوقت اللي راح وأنتِ سهرانة ... كنت راح أضيع الجوهرة تدافعت العبرات في حنجرتها، أمالت فمِها، تحاول أن لا تُضايقه وهو مازال مُتعب، تحاول ولكن يستفزها بكل شيء حتى في مرضه، أتى صوتها مختنقًا : أنا أسأت الظن فيك بس أكتشفت أني أحسنته، لأن سوء ظني عمره ما وصل لمرحلة أني أتخيلك تتمصخر عليّ بهالطريقة! سلطان وهو الذي يضيقُ من نفسه أكثر من ضيقه منها، بهدُوء : مزاجي ما يتحمَّل أسمع كلمة ثانية الجُوهرة شدَّت على شفتِها السفليَة محاولة أن لا تبكِي، " ما عادَ يَنْفعُكِ البُكَاءُ ولا الأسى فلقدْ عشِقْتُكِ .. واتَّخَذْتُ قراري.. " بلعت ريقها لتُظهر صوتها متزنًا رُغم عينيها المختنقة بالدمع : ممكن يتنازل هالمزاج شوي وتفكر بطريقة تعتذر فيها ليْ سلطان أتسعت محاجره بالدهشَة، لم تترك له فرصة للحديثِ بصوتها الخافت : لأنك غلطان! ومن شيم الرجال الإعتذار عند الغلط .. وأظن ماينقصك عن الرجال شي. سلطان بعصبية أستفزت كل خلية بجسدِه : لا تحاولين تستغلين تعبي بأنك تمررين الكلام بدون لا تحسبين حسابه، تراني قادر الحين أقوم وأعلمك كيف تكلميني! الجوهرة ببرود : أعرف كيف أتكلم قبل لا أسمع لإسمك طاري في حياتي سلطان بحدة : الجوهرة! والله .. تُقاطعه بمثل حدتِه : لأنك غلطان! لأنك عاجز حتى أنك تعترف بغلطك .. فأسهل وسيلة أنك تعصب وتحلف .. لكن لو أنك مقتنع باللي تقوله كان واجهتني بالحجة .. سلطان يحاول أن يستعدِل وملامحه الحادة يرتسم عليها تعبه وثقل جسده عليه، في جهةٍ كانت تنظرُ إليه وهي تجاهد أن لا تضعف أمامه، تتألمُ من ألمه وتعبه، هذا التعب أشعرُ به يشطرني قبل أن يشطره. ألتفت عليها : و رحمة الله يا بنت عبدالمحسن لا أوريك الحجَّة اللي بتندمين بعدها. فهمت تهديده تمامًا، بلعت ريقها الذي تحشرج بها، ضغطت على زر الإنارة لينتشر الظلام عليه وتخرج دُون أن تلفظ بكلمة، من شأنِ هذا التهديد أن يقتلع الأمان من قلبها، لا يفهم ولا يريد أن يفهم بأني أحبه رُغم كل ذلك، ولكن هذا الحُب يومًا عن يوم يضيعُ بي وأخشى أن يأتِ اليوم الذي أفلس به من الحُب، من كل شيء يتعلقُ بك وأبقى خطٌ محايد لا ينتمي إليْك ولا ينتمي إليْ، لحظتُها بإمكاني أن أقول لك " وداعًا " دُون أن أرمش ندمًا ولكن أنت وحدة من ستندم. ، قبل عدةٍ أيامٍ طويلة، دخلَ الجناح الخاص بهم وهو يبحثُ بعينيْه عنها، أتجه نحو الجهةِ الأخرى التي تضم دواليبهم، بصوتٍ هادىء : رييييم!! ... نظر للسرير المرتب الذي يُثبت له بأنها لم تنام في الظهيرة كعادتها في الأيام الماضية، عقد حاجبيْه من فكرةِ خلو الجناح منها، بغضب يُمسك هاتفه ليتصل عليها ولكنه " مغلق " تأكد تماما بأنها خرجت دُون علمه، لا يتصوَّر كل هذه الأفكار السوداوية التي تنهمر عليه في لحظةٍ واحدة، في الوقت الذي نزل به كانت الخادمة تُبلغ والدته ما رأت. والدته بهجومٍ شرس: أنت وش مسوي مع البنت ؟ ريَّان : وش قالت لك ؟ والدته : الشغالة تقول أنها راحت مع أخوها ومعاها شنطتها! ريَّان بحدَّة : طيب .. مثل ماراحت ترجع وأنا أعلمها كيف تروح بدون علمي والدته بغضب : من جدك يا ريان تبي تقصِّر لي عمري!! .. ريّان : يمه لا تزيدينها عليّ لو انها متربية ما تركت البيت بدون علمي .. بس والنعم والله فيها والنعم في أخوانها اللي مخلينها تمشِّي كلمتها عليهم – أردف كلماته الأخيرة بسخرية شديدة رُغم القهر الذي ينتشرُ على جسده – والدته برجاء : أتصل عليها لا ترفع ضغطي ريان : ماراح أتصل ولا راح تتصلين يا يمه .. أنا أعرف كيف أربيها! إذا ما خليتها معلقة لين ترجع برجولها ما أكون ريان ... في هذه اللحظات تجهلُ ردة فعله ولكن كانت تتوقعُ أن يتجاهلها، أن لا يتصل، أن لا يحاول أن يستعيدها، تعلم أنه لا يكِّنُ لها أيّ شعور حتى يفتقدها، مرّ أسبوع وهذا الأسبوع الثاني ولا خبرٌ عنه ومنه، تتكوَّرُ في فراشها كالجنين، هذه الوضعية التي تحنُّ إليها، تكتمُ ملامحها البيضاء في الوسادة القطنية، لا تتحملُ كل هذا الألم، كل هذا الوجَع الثقيل على قلبها، كلمة " مطلقة " التي تأتِ كشبحٍ وكابوس على قلبها، في عُمرٍ أصغر من أن تتحملُ كل هذا العناء، لم أتوقع ولو للحظة ان تصل بنا الحياة لهذا المفترق، أن يلتصقُ بي " الطلاق " في وقتٍ قصير، ولو كُنت أكثر المتشائمين لمَا توقعت أن يكُن ريَّان بهذه الشراسة وهذه الحدَّة التي تُصيبني في غثيانِ الأحلام الزهريَّـة. تمسحُ دموعها وهي تعتزلُ الجميع وتتوحدُ بغرفتها، سمعت طرقات الباب لتلفظ ببحة : تفضل طلت هيفاء وهي تضيقُ اكثر وأكثر بمنظرِها منذُ ان أتت : ما نمتي ؟ ريم : لا هيفاء : طيب أنزلي تحت، أبوي ومنصور ويوسف مجتمعين و ... يتكلمون بموضوعك .. تعالي وقولي لهم قرارك قبل لا تضيق بينهم كلهم لأن حتى أمي عصبت ريم عقدت حاجبيْها لتتنهد بضُعف، وقفت وهي ترفعُ شعرها كذيلِ حصان وتنزلُ مع هيفاء، بنبرةٍ خافتة : أستخيري قبل كل شي لم ترد عليها، هي مع ريان تجاوزت الإستخارة بكثير، لم يعد هُناك شيئًا يجعلني أتمسك به، لا شيء يُخبرني بأن هذه الحياة ستبتسمُ وأنا بقُربه. نظرت إليهم ولحدةِ النقاش والكلمات التي تُقذف بينهما، تفاجئت بنبرةِ يوسف وهو يقول : إذا جاء ريان ذيك الساعة محد بيمسكها ويقولها لا ، بترجع له ألتفتوا عليها، والدها : تعالي .... أشار لها للمكان الفارغُ بجانبه. جلست ليحتضنها من كتفيْها، هذا الدعمُ الذي يبثُّها فيه والدها يُشعرها بالأمَل رُغم كل الإحباط واليأس، بنبرةٍ هادئة : أنا ماأبي الموضوع يكبر ويآخذ أكبر من حجمه ... أنا قررت وأنتهينا يوسف : على الطلاق؟ ريم هزت رأسها بالإيجاب. يوسف : أنتِ عارفة وش يعني طلاق؟ مهما كان فيه مشاكل بينكم فهذا شي طبيعي ببداية كل زواج! أنتِ بيوم وليلة صرتي بحياة ثانية أكيد بتواجهكم عقبات، ماراح يكون بهالسهولة! لكن أنك من أول مشكلة قلتي طلاق هذا شي مرفوض طبعًا ريم : لما كنت تبي تطلق مهرة ماكان بيوقفك كلامنا .. ليه الحين بيختلف الوضع يوسف بغضب : لآ تربطين الأشياء في بعضها! مهرة غير وأنتِ غير ... تصرفك غبي أنك تجين وبدون لا يدري والمشكلة من الكبير بعد منصور : يوسف أحفظ ألفاظك كويس ريم بعصبية رُغم أن عيناها تتلألأ بالدمع : يعني بتغصبني مثلاً؟ قلت ماأبيه .. أنا إنسانة ما اصلح لزواج ولا أصلح لأيّ شي والدها : ريم حبيبتي سواءً كنتِ رافضته أو موافقته أنا بكون معك لكن بتآخذين بنصيحتي أكيد ؟ .. لا تتصرفين تصرف أنتِ متأكدة أنك راح تندمين عليه بعد فترة والدتها بإنفعال : رافضته!! عقب العرس وكل اللي صار تجي الحين تقول رافضته! ريم وصوتها يختنق بالعبرَات : طيب أنا ماأرتحت له، ماأبغاه والدتها : وليه توّك تقولين هالحكي! كلمتك يوم كنتِ في تركيا وقلتي أنك مرتاحة ومزاجك عال العال .. وش تغيَّر الحين؟ ولا هو لعب بزارين قالك كلمة وعلى طول زعلتي... لو كل البنات سوو زيّك ما بقى بيت عامر! لكن الشرهة على اللي ما عرف يربيك ولا عرف يعلمك كيف تحفظين بيتك وتصونينه ... وخرجت غاضبة لا تحتمل أبدًا وقوف الأب والأخ الأكبر معها، لا تحتمل أنّ إبنتها تُدمِر بيتها وهي التي تتأملُ منها أحفادًا وحياةً زهريَة لا تذبل. أخفظت رأسها، كلماتُ والدتها أتت موجعة لها في وقتٍ جفَّ به جسدُها وكل شيء عدا عينيْها التي لا تتوقف عن البكاء، يوسف بهدوء : تعوذي من الشيطان هذا طلاق ماهو لعبة! لا تهدمين شي بكرا بتندمين عليه والدها : لا تسمعين لأحد، أنتِ بروحك اللي قرري ووقتها أنا بنفسي بكلِّم ريان وأبلغه ، في الصباح المضطرب، يضع الأوراق أمامه وهو ينظرُ للقائمة التي وقعت بدخولها للأرشيف الذي يعتبر مستودعِ أسرارٍ محظور، رفع عينه : ومين بعد ؟ أحمد : بس هذا ما يخص شهر أوقست عبدالرحمن بإرهاق يضغطُ على عينيْه : أبي أعرف مين مسك هالأوراق غيري؟ أحمد : الله يسلمك عطيتك الأسماء وأنا متأكد أنه ما سقط ولا إسم سهوًا عبدالرحمن : باقي يشككونا في نفسنا أحمد بكلماتٍ مرتبكة يحذرُ منها : أعذرني على التدخل لكن ما تحس أنكم تشكون في شخص وبعدها يطلع دليل يبرئه .. ممكن يكون فيه شخص قاعد يشككم بناس مالها دخل عشان ينفذ مخططاته، أنا أشوف يا طويل العمر أنه السالفة تتعلق بشخص واحد اللي قاعد يحاول يضرب روسكم في بعض. عبدالرحمن رفع عينه إليْه : ومين هالشخص اللي قاعد يشتتا بنظرك ؟ أحمد : أحذر صديقك قبل عدوك عبدالرحمن تنهَّد : شاك في أحد يا أحمد ؟ أحمد : لا، لكن دامه يعرف كل هالأمور أكيد أنه قريب مننا عبدالرحمن : تقدر توصلي لسكرتير سلطان العيد الله يرحمه أحمد : أستقال من فترة طويلة عبدالرحمن : طلعه من تحت الأرض، شف لي عناوينه وروح له .. لازم أشوفه ضروري ، يكتبُ في الصفحة 77 " حقلٌ محظور : في الأرض التي رأيتكِ بها ربيعًا أقتلعتِ أشجاري ولم يعد للحطابِ شيئًا يفعلهُ سوى عدِّ النجُوم ليلاً " ينظرُ لوالده المشغول بأعماله، يراقب تصرفاته الدقيقة التي يشتركُ بها معه، نظرته الحادة وتلك الهادئة، عدسةِ عينه التي تتجه للأعلى في حالةِ غضبه، هذه الحالة التي ينظرُ بها للسقف معبرًا عن ضيقه ومعبرًا عن تهديده الذي إن عاد ونظر للشخص الذي أمامه سيقتلعُ جذوره، هذه الحركات البسيطة تُشبهه تمامًا حتى وإن حاول إنكارها. لاحظ نظراته ليلتفت إليْه : لا يكون أنا إلهامك! أبتسم : كنت بجاملك وبقول محظوظ أنك أبوي رائد : ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههه شكرا على صراحتك .. لتتغير ملامحه بغضب مصطنع ويُكمل : قم أنقلع عن وجهي منت كفو فارس يقف : طولوا وما ردّوا علينا! يمكن يرفض رائد : مو سأل عنك يعني معناته أنه مقتنع بس أنت أنتظر يومين بالكثير وبتلقاه يتصل على أبوك .. *أردف كلمته بسخرية* فارس : تراني بلغت أمي رائد بسخرية لاذعة : عز الله راح الزواج في خبر كان فارس نظر إليْه بغضب من أنه يهين والدته أمامه : يبه!! رائد ويُكمل بسخريته وهو ينظرُ لأوراقه : من باب مالاتعلمه عن امك تراها إذا ما بغت شي يصير ومقدرت توقفه .. الله وكيلك يصير اللي تبيه عاد كيف! لا تسألني ... كيد أعوذ بالله منه فارس : لكن هي موافقة وأنبسطت رائد : غريبة! عاد أمك نكدية درجة أولى! إذا مالقت شي تبكي عشانه قامت حضرت لها فيلم تبكي فيه .. عقد الله يبعدك عنها فارس : أنا الغلطان اللي فتحت سيرتها، على الأقل أحترمها عشاني رائد : أنا أتطنز عليك ولا عليها؟ عليها إذن إكل تراب ومالك دخل .. فارس يجلس أمامه لا يستطيع أن يجادله بشيء لأنه يعرف ردة الفعل المستقبلية لذلك، تنهد ليُردف : متى بنرجع الرياض؟ رائد : متى ما طقَّ بمزاج .. مين؟ فارس : بمزاج رائد رائد : وحطبة! فارس بإستفزاز صريح له : هالحين موضي اللي مو عاجبتك متزوجة ومبسوطة! وأنت مقلق نفسك ولا تزوجت رائد يضع أوراقه في الدرج ليرفع عينه : الحريم مايناسبوني فارس : وش يناسبك؟ رائد بنظرةٍ الشك : هذي الأسئلة ماهي لله! لايكون تكتب عني! تراني أنبهك عشان ما يكتبون فارس الله يرحمه فارس : كان مجرد سؤال ، تقيأت كثيرًا هذا الصباح، تشعرُ بأنَّ روحها تخرج في سعالها الذي قطَّع أوردتها، لن يعجب عبدالرحمن الخبر، يُمكنني تصوِّر ردة فعله إن عَلِم! إنقطاعي عن حبُوب منع الحمل أتى مُكلفًا، سيغضب لو علِم! بالتأكيد سيشعر أنني أستغله أو أرفض أوامره، يالله مالحل! لو أخبرته وهو في الرياض لن يترك لي فرصة بشرحِ الأمر! ماذا لو لمْ اخبره رُبما يغضب بعد أن يعرف ويشعر بأني أستغفله! مسحت وجهها بالمنشفة وهي تخرج لترى عبير تُسرِّح شعرها. أخذت نفسًا عميقًا لتُردف : أنتم أطلعوا أنا برجع أنام. عبير تتأمل شحُوب وجهها الذي لا يبشر بالخير : فيك شي؟ ضي تستلقي على السرير وهي تضع يدها على بطنها : لآ بس تعبانة شويْ شكله من الاجواء رتيل الغائبة فعليًا عنهما، تُغلق أزارير معطفها دُون ان تنطق كلمة مازالت آثارُ البارحة تُجفف حقل الكلام في صدرها. عبير : إذا ماطلعتي معنا محنا طالعين .. نسيتي أبوي وش قال؟ يا نطلع كلنا يانجلس كلنا ضي : بقفل عليّ الباب وماراح يجيني شي إن شاء الله رتيل تجلس بالسرير الذي يجاورها : أمس ماكان فيك شي! لا يكون مآكلة شي ومخليك تتعبين كذا! ضي بتوتر : لآ ماكليت الا اللي أكلناه مع بعض .. أنا أعرف نفسي أحيانا أتعب ويجيني خمول زي كذا فجأة عبير تنهدَّت : طيب أجل بنجلس معك ضي : وش تسوون معي! خلاص قلت لكم بنام وماعلى تجون بتلقوني شبعت نوم عبير : أنتِ أول وحدة نمتي أمس .. وش هالنوم اللي جايك فجأة أرتبكت ضي لتُردف وهي تبلع ريقها : وش فيكم مستغربين! قلت لكم تعب عادِي بس أنام برتاح سمعُوا طرق الباب لتتجه عبير وترى من خلال العين السحرية، ألتفتت : هذا عبدالعزيز ... أتجهت رتيل وهي تأخذ نفس عميق : أقوله بنجلس ؟ عبير : إيه خلاص أنا بجلس فتحته وهو يقف مبتعدًا عدة خطوات ويُعطي الباب ظهره، ألتفت ليُطيل صمته بعينيْها : صباح الخير رتيل : صباح النور .. أغلقت الباب لتتمسك بقبضته وهي تتحدثُ معه ... ضي وعبير بيجلسون اليوم، مو مشتهين ينزلون تحت .. وأنا بعد عبدالعزيز : مو مشتهين! ولا بتحاولون في غيابي تنزلون! رتيل : جد أكلمك مو مشتهين .. ماراح ننزل تطمَّن عبدالعزيز : طيب .. وأنتِ ؟ رتيل بهدُوء : ماني مشتهية بعد عبدالعزيز : طيب، تبون أجيب لكم شي ؟ نزلتوا أفطرتوا ؟ رتيل : لا مو مشتهين عبدالعزيز بشك : كلكم مو مشتهين! رتيل بتوتر : إيه عبدالعزيز : ماشاء الله كلكم مو مشتهين تآكلون وكلكم مو مشتهين تطلعون .. رتيل تنهدت : قلت لك مو مشتهين يعني فيه شي غريب بالموضوع؟ عبدالعزيز : إذا صاير شي قولي لي! أتركي خلافاتنا على جمب ولا تخبين شي أبتسمت : الحين صارت خلافاتنا!! قلت لك مافيه شي عبدالعزيز : طيب تعالي معايْ .. بننزل نفطر رتيل : مو مشتهية! نفسي منسدة عبدالعزيز كان سيتحدث لولا هاتفه الذي أهتز بيدِه : هلا أثير أرتفع نبضُها بإسمها الذي لا شأن له سوَى أن يعبرُ لسان عزيز، تنظرُ له وهي تتأملُ صوته، تتأملُ الكلمات التي تخرج منه، لا قوة لديْ لأصطبر على أنك تُحادثها، لا قوة لديْ لأتحمل كل هذا، وإن كُنت لا تعنيني إلا أنني أنانية جدًا بك، أنانية لدرجة لا تستوعب أن هذه الأنثى تسمعك، تراك، تُحدِّثك، تعانقك. عبدالعزيز مُشتت نظراته بعيدًا عن رتيل التي تشتعلُ غيرة : ... طيب ... إن شاء الله الساعة 5 ............لا مو أكيد ...... طيب بحفظ الرحمن ... أغلقه. رتيل بهدُوء تخفي الغيرة المتوجهة في عينيْها : تبي شي ثاني ؟ عبدالعزيز : لآ ولا تطلعون .... لم يترك لها فرصة للتعليق وهو يتجه نحو المصاعد الكهربائية. دخلت وهي تشتمه بكل الكلمات وتصخبُ بألفاظها حتى قاطعتها عبير : وش قالك على هالصبح بعد! رتيل : الله يآخذ أثير أخذ عزيز مقتدر ضحكت ضي بين وجعها وإضطراب مشاعرها لتُردف : مدري كيف فيه حريم يقدرون يعيشون مع الضرة! شي يحرق القلب رتيل : ومين قال بعيش معها! يا أنا يا هي .. وطبعا هو ما يقدر يتنازل عن حبيبة قلبه .. إثنينتهم كلاب .. عبير عقدت حاجبيْها : ما أتخيل حتى لو كان شخص ماأحبه بس فكرة أنه فيه وحدة غيري بحياته بحد ذاته هالشي يقطِّع قلبي رتيل بضيق : شكرا لأنكم تزيدونها عليّ أبتسمت ضيْ : قلنا لك روحي له بس أنتي تكابرين وتقولين لا ومستحيل وماأعرف أيش .. خلي حججك تنفعك رتيل وهي تُقطِّع أظافرها بأسنانها من حرقة الغيرة التي لا تنطفىء أبدًا : اكيد الحين راح لها .. عبير : بتضلين طول الوقت تفكرين وتقولين الحين جمبها والحين هي وياه والحين مدري وش يسوون! ... لاتفكرين بهالأشياء وتشيبين عمرك ، في مدينة الضباب الماطرة على الدوام، تتأملُ ملامحه وهو نائم على الأريكة بعد ان جلبت له غطاءً قطني يُدفئ أطرافه، تتوافدُ عليها الذكريات بمُجرد ما تُمارس معه الأفعال، كل أقواله التي يستمر بالضغط بها عليْها لا تجلبُ لها ذكرى واحِدة و قُبلَة فقط قُبلة جعلتها تعُود لمكانٍ تجهله على وقعِ ضحكاتها، ما يُثير في نفسها ألف علامة تعجب كيف كانت تُمارس الحب معه في الأماكن العامة؟ من المستحيل أنها كانت تُمارسه معها! ولكن في كل ذكرى لا أتذكر أن أحدٍ معنا أو بجانبنا، كُنت أول رجلٍ ألحظهُ بحياتي، أول رجلٍ هُذِّبت به مراهقتِي، كنت فارس أحلامي الذي يجيء يوميًا مع عبدالعزيز لأتلصص عليه بالنظرات، كان إعجابًا بِك وبشخصيْتك التي كُنت أراها فريدة، ولكن الآن لا أعرف ما شعُوري نحوك؟ من انا بالضبط ومن أنت! أستيقظت عيناه ببطء ليراها، شعرَ أنه مازال غارقٌ في حلمه، أن يبدأُ صباحه على هذا الوجه الذِي لا يُشبهه أحد، الذي يليقُ بأن يكُون تمثالاً رومانيًا ولا غير ذلك، كيف للنساء هذا الكم من الفتنة؟ الفتنة القدريَة التي لا سلطة لنا عليها، وأنا أعني بـ " النساء " أنتِ وحدك، فلا قبلكِ نساء ولا بعدكِ. أرتبكت لتحك رقبتها، هذه التفاصيل الصغيرة التي تتمسكُ بها رُغم كل الذي حصَل، وقفت وهي مُشتتة لا تعرف مالعمل هُنا؟ ناصر يستعدِل ودُون أن يلفظ كلمَة أتجه نحو الغرفة، لا أفهم ماهي الخسارة؟ أأنا خسرتُ نفسي أم خسرتُ غادة! دقائِق واسعة تركها تتوحدُ مع ذاكرتها الخاويَة العاقَّة، بينما إستحمامه لم يستغرق الكثير، خرج ليلفظ : قومي ألبسي بنطلع غادة رفعت عينها بهدُوء : ليه تبي تحبسني عندِك ؟ ناصر : أستعجلي بأنتظرك هنا غادة لا تتحمل تجاهله : أبي إجابة لسؤالي ناصر يجلس أمامها : ماعندي إجابة، أنتِ تعرفين لو تبينها تذكري مثل ما تتذكرين ناس كثير غيري يُحاول تعذيبي، يحاول أن لا يُجيب عن أسئلتي حتى أبحثُ عنها بذاكرة فارغة، أردفت بهدُوء وفي داخلها تغلي : أجل ماهو مهم أتذكر دامه يعنيك رفع عينه بحدةِ غضبه وهي تتجه نحو الغرفة، رمى هاتفه الذي بين إيديه على الطاولة الزجاجية ليقف مُتجهًا إليْها، فتح الباب دُون أن يطرقه وعيناه تجلد جسدِها الرقيق بالنظرات، تقدَّم إليها ليسحبها من ذراعها : الحين صرت ماني مهم!! غادة : أترك إيدي يلويها أكثر ليشدَّها نحوه : أنا أسألك غادة بحدة تتألمُ من ذراعها : ماعندي إجابة ناصر : لا تحديني أتصرف بأشياء لا ترضيك ولا ترضيني بلعت ريقها، تخافُه كثيرًا، تخافُ قربه، لا يُمكنها أن تثق به أبدًا : ممكن تترك يدي! ناصر بوعيد : كلمتين ولا غيرهم! لو جربتي ترمين حكي منتِ قدَّه بيكون حسابك عسير ... اللهم بلغت ترك يدها لتضمّ ذراعها إليْها بعد أن شعرت أنها تتمزق بقبضته، أحمرَّت محاجرها بالدمع : طيب أتركني لحالي ناصر يتجه للباب : أنتظرك برا غادة ودمعها ينزُل بخفوت : ماأبغى أطلع ناصر الذي تُضعفه هذه الدمعة كثيرًا، تُضعف قلبه الذي أصطبر على البُعد وحين رضخ لأقداره وآمن سخطت عليْه الحياة لتُعيده لبدايةِ حُزنه، : قلت أنتظرك برا! ما قلت وش رايك نطلع ؟ غادة تعضُّ شفتها السفليَة لتمنع دمعاتها من المسيرة نحو خدها : يعني غصب؟ ليه ما تفهمني؟ ليه ما تحاول تفهمني! ناصر تنهَّد ليُردف : أحاول! طيب أنتِ ليه ما تحاولين، ليه ماتفهمين كيف كنا عايشين قبل! كنا غير .. كان لكل شي بهالوجود معنى ، كل شي حلو كان إسمه غادة .. كل شيء .. والحين؟ ولا شيء! ولا شي من هالوجود يعكسك، الكل يذبل لأنك منتِ غادة اللي أعرفها غادة وتتذكرُ ما حدث في محطةِ القطار، كيف كانت تضحك بغرقه بها، كيف كان الضحكُ يصِل لأعلاه وهي تحمرُّ خجلا، كيف هي الأشياء تزهر و تتورد بين شفتيّ، أخاف مِنك وعليك، أخافُ منِّي وكيف للأشياء تضيعُ وتندثر مع رجلٍ يحتفظُ بكل الأشياء الصافيَة وتلك الشائبة، كيف يعيشُ شخص دُون ذاكرة؟ كيف يستطيع أن يعيش دُون ذكريات؟ نحنُ الذين كُنَّا نطلب النسيان من الله هل فكرنا كيف من الممكن أن نعيشُ بعد النسيان؟ هذه الذاكرة وإن أحتفظت بأسوأ الأشياء تبقى إرثٌ للنفسِ البشرية، وإن أندثر الإرث رخِص القلب! رخِص وبشدَّة، كان يجب أن أنظر للذاكرة بنظرةِ النعمة حتى أشكر الله عليها مرارًا وتكرارًا، كان يجبْ أن أستودعها الله وأستودع من يسكن هذه الذاكرة. ناصر : ما أبغى نقاش ... وخرج ليتركها في وعثاءِ حزنها، لا شيء يُحتمَل هُنا. ، تترتبُ الأسماء الأكثرُ ضياعًا وتشتتًا، كان الإسمُ الأول يرقد بسلام " سلطان العيد " و صح صغيرٌ بجانبه أضاع حياته، فقط " علامة " من المحتمل أن تسرق روحك، بإبتسامة هادئة يضع دائِرة حول إسمه البسيط " ناصر " ليُردف بإنكليزيَة سمراء : كل الأشياء يجب أن تتلاشى من جذورها. . . . ، تجاهلت كل كلماته الحادة وقسوةِ كلماته الأخرى الضيِّقة، منذُ ان دخلت عليه فجرًا لتلمس جبينه الذي يرتفعُ بحرارةٍ فظيعة وهي تفتعل النسيان لكل الأمور الرمادية، ما يشغلُ عقلها هو صحتِه وفقط. وضعت الكمادات الدافئة على وقعِ دخول حصَة الهامسة : ماصحى؟ الجوهرة : لا حصة : طيب روحي نامِي وأرتاحي أنا بجلس عنده الجُوهرة : لا خليني مو جايني نوم أصلاً حصة : شوفي وجهك من سوء التغذية وقل النوم كيف صاير! يالله يالجوهرة لا تخليني أشيل همك فوق همه الجُوهرة برجاء تتوسلها : الله يخليك لو تعبانة صدقيني بناديك حصة أخذت نفس عميق، لا سُلطة لديْها تمنعها : طيب، أنا بجلس بالصالة بس يصحى ناديني الجوهرة : إن شاء الله ... خرجت لتعُود عينيْها تتأمله، من التعب لم يشعر كم من الوقت نام، يكاد يستغرق أكثرُ من 15 ساعة في نومه، بربكة تُخلخل أصابعها في شعره القصير، وهذه التفاصيل البسيطة التي كانت تتلهفُ تجربتها كان يمنعها عنها بكلماته، والآن لا شي يمنعني فنومُك العميق يترك ليْ فرصة التأمل دُون توقف، يترك لي فرصة لمسك وتحسسك دُون أن تشعر بيْ، هذا الشحُوب الذي يتكىء في ملامحك لا يسرقُ منك حياتك فقط بل يسرق حياتي أيضًا، تُمرر أصابعها على رأسه ووجهه مُغرِي جدًا بأن أتخلى قليلاً عن المُكابرة/الخجل مادام لا يشعر بمن حوله، أنحنت لتُقبِل جفنه العلوِي، دائِمًا ما كانت عيناه حادَّة تُقيم في قلبي الكوارث، من النادر أن أراها نائِمة كملاك، المُثير للشفقة في كل هذا أننا نحتدُّ بأقوالنا يومًا وباليوم الآخر نقترب من بعض، هذه الكيمياء التي بيننا مازلت أجهلها ولا أدرِي إن كُنت تلتفت إليها أساسًا، عرفتُك متغطرسًا لا تُلقي للأشياء التي تخصُّنا بالاً. فتح عينيْه بتضايق من نُور الغرفة وهو يشعرُ بحرارةِ جسده المرتفعة، أبتعدت بتوتر لتلتقِي عيناه بعينيْها. سلطان ببحة : كم الساعة ؟ الجوهرة : 3 العصر عقد حاجبيْه من فكرة أنه نام كل هذه المدة من الأمس، شعر بالكمادةِ التي على جبينه، الجوهرة : أرتفعت حرارتك الفجر سلطان بضيق يُبعدها ليحاول أن يقف، الجوهرة بهدُوء : راح أجهز لك ملابسك ما على تقوم وتصلي اللي فاتك، خرجت لتُطمئن حصة : توه صحى، تركته يتوضأ ويصلي صلواته وبروح أجيب له ملابسه حصَة وهي تتجه نحو المطبخ : أجل دام كذا بحضِّر له أكل من أمس ما أكل شي يا عيني صعدت بخطوات سريعة متجهة نحو الدولاب، لتستخرج له بيجاما خفيفة، سقطت عيناها على قمصانِ نومها المرتبة بعناية والتي لم تلبسها قط، هذه الأشياء تخدشُ روحها، هذه الجمادات المصنوعة من قُماش لها قُدرة في الوجَع. أغلقت الدولاب لا تُريد التفكير من هذه الزاويَة التي دائِمًا ما تحسسها بالنقص عن بناتِ جنسها، نزلت لتفتح باب غرفته بهدُوء وتنظر له على السجادة، يركع بصعوبة ويسجِد بصعوبة أكبر، عقدت حاجبيْها من منظره مازال جرحه لم يتلئم، مازال يُؤلم ويهيجُ عليه في كل حركة. أنتظرته كثيرًا حتى سلَّم من صلاة العصر، ألتفت عليها دُون أن ينطق شيئًا. الجوهرة : ليتك صليت وأنت جالس .. الدين ماهو عسر زين كذا تعبت نفسك!! سلطان : عمتي وينها ؟ الجوهرة بإبتسامة : على فكرة نظام تتجاهلني وتحسب أنك بتوجعني ماعاد ينفع سلطان لم يستطع أن يمنع نفسه من الإبتسامة : أهنيك! الجوهرة تضع ملابسه على السرير : طيب إلبس ما على حصَة تجهز لك الأكل من اليوم تنتظرك تصحى وقف ليأخذ ملابسه : جيبي لي مقص الجوهرة رفعت حاجبها : ليه ؟ سلطان بعد أن كحَّ ببحةٍ موجعة : شايفة صوتي تعبان مافيني حيل أتكلم كثير الجُوهرة بتوسِلٍ للإجابة : طيب وأنا ماأبي أتعبك بس وش له داعي المقص! سلطان الذي أستصعب على نفسه نزع بلوزة البيجاما القطنية بسبب مكان الجرح: مالي خلق أنزع ملابسي .. مفهوم؟ الجوهرة : كلها بلوزة! سلطان رفع عينه بحدة جعلتها تتراجع بخوف : الحين بروح أجيب لك .... وخرجت ليستلقي على السرير بإرهاق فعلِي، ينظرُ للسقف الشاحب بنظرِه، يبدُو ليْ أنني أغرق أكثر، ولا شيء تقرأهُ الدنيا في وجهِي جهارًا غير كلماتٍ تُرضي غروري البشري " إنّي عشِقْتُكِ واتَّخذْت قَرَاري فلِمنْ أُقدِّمُ يا تُرى أَعْذَاري ؟ ، لا سلطةً في الحُبِّ .. تعلو سُلْطتي فالرأيُ رأيي .. والخيارُ خِياري ، وأنا أُقرِّرُ مَنْ سيدخُلُ جنَّتي وأنا أُقرِّرُ منْ سيدخُلُ ناري أنا في الهوى مُتَحكِّمٌ .. متسلِّطٌ. " دخلت لتمدُّ له المقص، أستعدلَ بجلستِه وهو يُقطِّع بلوزتِه الخفيفة أمام أنظارها، عندما أقترب من مكان الجرح مسكت يدِه بشعورٍ لم تفهمه ولا تفهم إندفاعها به : خلاص .. وتسحب المقص من بين يديْه التي أصبحت في لحظاتٍ مُطيعة لها. بيديْها مزقت بقية البلوزة ليتعرى بصدرِه العريضُ أمامها، بلعت ريقها بصعُوبة وهي تبعدُ سنتيمترات قليلة عنه، هذه التدريبات المُرهقة صقلت جسدِه وعضلات صدره بشكلٍ كبير، أتى في بالها هيئة عمها عبدالرحمن، أجسادهم تؤلم العين من فتنتها، أرتدى بلوزته بسهولةٍ أكثر دُون أن ينظر إليْها، تذكر أنه أخبر عبدالرحمن بأن يجيء بمتعب إليْه! رفع عينه : ما أتصل أحد اليوم ؟ الجوهرة بربكة مازالت تسرحُ به : ها ! سلطان : ما أتصل أحد؟ الجوهرة : إيه .. لآ .. أقصد إيه ما أتصل أحد سلطان وقف لتتجه بخطواتٍ سريعة نحو الباب وهي تلفظ بحرج : ننتظرك برا ... لم يستغرق الكثير حتى يأتِ خلفها ويتجه خلف كرسي حصَة وينحني ليُقبِّل رأسها من الخلف، ألتفتت عليه بعينيْن مُتلهفة : بعد عُمري والله ... كِذا تخوفنا عليك!! هالشغل ما خذينا منه إلا الشقا أبتسم وهو يجلس أمامها لتُكمل : وفوق هذا طلعت من المستشفى قبل لا يأذنون لك! ودِّك تشقيني وبس سلطان : جو المستشفى يزيدني كآبة .. هنا مرتاح حصَة : طيب تشكي من شي؟ يوجعك شي؟ لا تخبي عليّ! سلطان : لو أشكي شي ما جلست قدامك الجُوهرة وكأنها تنتقم منه في لحظاتها التي كان يتمتع في تعذيبها : ماشاء الله الله لايضرك على هالقوة ألتفت عليها بنظرات تفهم معناه ليتمتم بهمسةٍ لم تسمعها سوى الجوهرة : جايتِك هالقوة قريب ، بغضبٍ كبير يُقاطعه لم يعد يتحمل أكثرُ من هذا الشتات التي تعيشه عائلته : شف سكت مرة ومرتين وقلت معليه حياته ولا تتدخل فيه لكن توصل أنك تقرر بعد تعلقها وتلحقّها بمُنى ماراح أرضى ! ريَّان بهدُوء يحاول أن يمتص غضب والده : تركت البيت بدون لا تترك لي خبر! وش تبيني أسوي؟ أركض وراها وأترجاها ترجع! عبدالمحسن : ماقلت تترجاها! أتصل عليها وتفاهم معها ولا روح الرياض رجعها معك! عيب اللي تسويه هالتصرفات ما تطلع الا من المراهقين!!! ريَّان ويعلم تماما ردةُ فعلها إن أتى الرياض : طيب تبيني أروح الرياض عشان أطلقها؟ أبشر من عيوني عبدالمحسن بحدة: ريَّان!!!! لاترفع ضغطِي، قلت لك روح وجيبها ريان : هذا اللي ناقص يايبه! الحين أخوها لو فيه خير ما خلاها تترك البيت بدون لا تعطيني خبر! بس دامه كذا خلهم أنا من وراهم ماني شايف خير ولا أرتجي الخير اصلاً عبدالمحسن : هذول متربين أحسن منك على فكرة! على الأقل ما يتلاعبون في البنات ويشكون في ظلالهم! ريان أحتقن بالغضب : إيه أنا شكاك! شي يرجع لي وأنا حُر فيه، وريم أنا أعرف أربيها خلها تنثبر في بيت أهلها والطلاق تحلم فيه ..... وخرجْ بخطواتٍ غاضبة. ، وضعته في سرير بعد أن نام بهدُوء، لترفع عينها وبصوتٍ خافت : أنا أشوف أنك يا منصور تتحمل جزء من الغلط! يعني ماهي حلوة بحقه بعد تطلع بدون لا تقوله أكيد الحين بيقول زي ماطلعت ترجع ! كِذا تحط نفسها في موقف محرج لها ولك .. منصور المستلقي وأعصابه متوترة بتصرفات يُوسف ووالدته : كنت معصب وقتها من سالفة انه يمد إيده عليها! نجلاء بسخرية : كأنك ما مديت إيدك عليّ من قبل! منصور بغضب : أنتِ غير وهي غير! هُم في بداية زواجهم يعني توهم في طور تعرفهم لبعض أما أنتِ كنا نعرف بعض ونعرف شخصياتنا وتعرفين أنه لما امد إيدي عليك ما أكون قاصد اهينك لكن ريَّان من شخصيته واضح قاصد يستقوي عليها نجلاء تجلس بمُقابله : أنا أقول تعوّذ من الشيطان، ريم توها صغيرة بدري عليها تتطلق في هالعُمر، خلها تصلح أغلاطها بنفسها وترجع له، وإن جت بالمرة الثانية ذيك الساعة تقدرون تتدخلون لكن من أول مشكلة وصارت كل هالضجَّة! كِذا ريان بيحس بالإهانة منكم لأنكم تدخلتوا في حياته وكأنه هو عاجز أنه يحل مشاكله بنفسه. منصور : أنتِ ما تشوفينها لما تبكي! تقطع قلبي واضح أنها ماهي مرتاحة معه .. وش يرجعها مرة ثانية! نجلاء : ما مرّ أكثر من شهر ونص على زواجهم وتبونها تتطلق! يا منصور هذي مشاكل دايم تصير لا تخلونها تكبر بتصرفاتكم وبعدها هي اللي بتندم وبتحس أنك ظلمته ، على بُعدٍ ليس بالطويل كانت جالِسَة تُفكر بتناقض رأيْ يوسف إتجاه ريم وإتجاهها، بهدُوء : يوسف رفع عينه من هاتفه الذي أنشغل به مُهرة : لاتحسبني أتدخل بس أبي أعرف رايك بالموضوع! ليه ماتبي ريم تتطلق؟ يُوسف : لأن توها ماصار لها أكثر من شهر معه! من الظلم أنها تتطلق الحين وهي ماعرفت أطباع الرجال ولا هو عرفها مُهرة : بس دامها ماهي مرتاحة وش تسوي! يُوسف : ترجع وتجرِّب! ما قلت أني بغصبها على حياة ماتبيها لكن تعطي نفسها فرصة عشان تقرر بحكمة أكثر مُهرة ألتزمت الصمت وهي تُميل فمها، دائِمًا ما تتسع دهشتي بِك! دائِمًا ما لاترضاه على عائلتك ترضاه على غيرك، أخذت نفس عميق لتُردف : مشتهية أروح حايل! يوسف بإبتسامة حميمية : لآ يا ملي أبتسمت من كلمته الأخيرة لتُردف : والله ودي أروح يُوسف عقد حاجبيْه : ما صار لك يا مُهرة! أنتظري بس هالفترة وبعدها أبشري مُهرة وقفت لتجلس بجانبه وتلتفت بكامل جسدِها نحوه : ممكن أسألك سؤال؟ يوسف : تخوفني صيغة هالأسئلة مُهرة بتوتر : بس أبي أعرف أنا وش أعنيك؟ تفاجىء من سؤالها حتى ضاعت الكلمات منه، لا يعرفُ أيّ إجابة تليق أو أيّ إجابة يجب أن يمتنع من قولها. وتشتته كانت دلالة لشيءٍ يخدشُ قلبها : تفكِر! ... انسى السؤال خلاص يوسف : لآ ماهو أفكر! بس .... أنا فاشل بالتعبير والله أتسعت إبتسامتها بشحُوبِ ملامحها الذي أُختطفت منه الحُمرة بتردده وضياعه. يوسف : جد اكلمك! فاشل مع مرتبة الشرف ... بس كل اللي أعرفه أني ما أعرف يومي بدونك بلعت رجفةُ قلبها بريقها، تجمدَتْ ملامحها والحُمرة تسيرُ إبتداءً من أقدامها حتى جبينها، أبتسم لخجلها ليُقبِّلها بجانبِ شفتيْها قليلاً بإتجاه اليمين، هذا المكان الذي ينتمِي إليه ويُفضِله دومًا، لايعرفُ كيف لهذا الجزء قدسية في قلبه. تُعضعض شفتيْها حتى تشققت، لا تعرفْ كيف تُبلغه تخشى أن يهجرُها كإعلانٍ منه على رفضِ الذي في بطنها، توترت مع الدقَّات التي تطرق سمعها ودقاتِ قلبها التي تطرق صدرها، تاهت بينهُما وهي تجهلُ الفرح في كل مرة، في كل مرةٍ أبحث بها عن من يُشاركني الفرح لا أجِد أحد سواك يا عبدالرحمن ولكن هذه المرة يبدُو أن لا أحدًا سيشاركني هذه الفرح، رُغم أنني أعرف عواقب هذا الحمل ولكن أريده، أُريد أن أصبح أم وأن أربِي طفلاً يقف معي ويكُن كل شيء في هذا الكون، أُريد هذا الطفل بشدَّة، أُريد من يشبهك ويشبهني أن يأتِ إلى الحياة بسرعة ولكن أخشى! أن ترفضه. قاطع سلسلة أفكاره وهو منهكٍ في العمل أنتبه متأخرًا لهاتفه الذي يهتز : مساء الخير ضيْ : مساء النور .. شلونك ؟ عبدالرحمن : بخير الحمدلله، أنتِ بشرنيي عنك وعن البنات؟ ضي : كلهم بخير، للحين في الشغل ؟ عبدالرحمن : إيه ضيْ : طيب ما أعطلك كنت بتطمن عليك عبدالرحمن بهدُوء يستشفُ من صوتها : فيك شي؟ مو على بعضِك! ضي : لا ولا شي حبيبي، بس .......... هذه الأحلام من شأنها أن تُضعفها وتُضعف نبرتها التي تجاهد بها أن تتزن، تُجاهد كثيرًا أن تخرج بمنظر المرأة الصلبة ولكن في كل مرة تفشل ... فاقدتك عبدالرحمن بهدُوء : ما تفقدين غالي، إن شاء الله بس يقوم سلطان بالسلامة أرجع ضيْ : إن شاء الله ، ، في مكانٍ بعيد عن ضواحِي باريس المُزدحمة، يجلسُ بمقابله : بس يرجع راح يبلغك أكيد فارس : وهي ؟ وافقت ولا إلى الآن! عبدالعزيز : والله مدرِي بس ما أتوقع بترفض فارس عقد حاجبيْه : على فكرة أبوي بدآ يشك فيك وبدآ يشك في كل اللي حوله أصلاً عبدالعزيز : يسأل عني؟ فارس : كثير، يحاول يستغل طيحة سلطان بس ماهو لاقيك عبدالعزيز أبتسم : ولا راح يلاقيني! لأن مدري وش بيقررون لكن الأرجح أنهم بيفصلون موضوع رائد وبيوكلونه لشخص ثاني فارس : تعرف شي! رُغم أني أعارض أبوي بكل شي لكن ممكن أسوي المستحيل عشان ما ينمسك! عبدالعزيز كان يعرف ردة فعله مُسبقًا من حُبه الكبير لوالده إذا ماوصل لمرحلة العشق لأنه ببساطة والده مهما فعل وكل شيء في حياته : هذا أنت تلاقيني! ما خفت يعرف ويشك فيك؟ فارس : هذا شي وهذاك شي ثاني! أنا مستحيل أضر أحد من كلا الجانبين وأكيد أبوي مستحيل أضره تنهد بهدُوء الذِي لم يفهم من لقاءه الأول معه سوَى أنه يُريد عبير ولا عُرضةً بذلك للأكاذيب لم يعرف أنه على علاقة بها منذُ سنة وأكثر، لم يعرف أبدًا عن الرسائل والحُب الكبير المجهول الذي ينمُو بينهما، يثق بفارس كثيرًا حتى لو كان إبن مُجرم! يكفيني صدقه وعدم كشفه لشخصيتي أمام والده. : بس والله أبوك مو هيِّن لصقك بإسم وبشهادات وأقنع بوسعود فيك فارس ضحك ليُردف : ما صار رائد الجوهي من فراغ!! بإبتسامة يُجيبه : بهذي صدقت! فارس ينظرُ لِمَا خلف عبدالعزيز، إحدى رجالِ والده الذين يحفظهم جيدًا : لا تلتفت عبدالعزيز بجمُود رفع حاجبه. فارس : توقعت أني ضيعتهم معي .. روح قبل لا يشك فيك! عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليقف : طيب .. أشوفك على خير ....... أتجه نحو الأمام دُون أن يلتفت ليشعر بوخزٍ في يسارِ صدره، يشعرُ بصوتٍ يفتكُ بجسدِه، شغل سيارته لتتعدى سُرعته الـ 120 كيلومتر في الساعة، تضببت رؤيته والأصواتُ التي كانت تأتِيه بعد الحادث مباشرة تعود إليه بقوة، وقف عند الإشارة الحمراء ليمسح وجهه بيديْه، لا يتحمَّل هذه الصرخات التي تنهشُ بأذنه/قلبه، أخذ نفس عميق ليُحرك السيارة وصوتُ غادة الطاغي بصرخاته يُمزَج بصوتِ والده الخافت، ولوالدته النصيبُ الأكثر من البكاء المتداخل فيما بينهُما، يشعرُ بصمتِ هديل، بصمتها المُهيب الذِي يُشتت عليه كل أفكاره، ركن سيارته بجانب المقبرة ليدخلها بحشرجةِ روحه، بخطواتٍ يائسة وقف أمام قبورهم ليُحييهما بتحيةِ الأحياء " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " وقف كثيرًا دُون أن ينطق شيء، عيناه مازالت تنظر إلى الأسماء المحفورة بالحروف الإنكليزية، جلس على ركبتيْه لم يعد له طاقة بالوقوف، أستغفرك يالله من كل ذنبٍ وكل خطيئة وكل حرام، أستغفرك يالله من كل شيءٍ يحول بيني وبين جنتِك، يالله! يالله أرزقنا رحمةً منك تلطفُ بأجسادنا التي أنهكها الإشتياق، يالله أرزقنا إنا عبادِك أبناء عبادِك، يالله إرحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء وأرزقنا الصبر والإصطبار، نظر لقبرِ والدته ووصل الحنين إلى أقصاه، هذه أعظمُ إمرأة عرفتها في حياتي، كم من الوقت يلزمني حتى أنساها، أنسى كيف أشتاقُ إليْها، إلهي! كم من طاقةٍ تودُّ نفسي بها حتى تقف وتصطبر على شرِّ القضاء، ليتكِ تعلمين فقط بأني أفتقدك بأضعافِ هذه الأرض التي تفتقدك، تفتقدُ خطاكِ الخفيفة الروحانية، تفتقدُ صوتُكِ الربَّاني الذِي يُرتِّل الآيات بإستمرار، كل الأشياء التي تحبس تفاصيلك بصدرها تثور بالحنين في كل لحظة يهبطُ الليل ولا تجدِك بقُربها، كل الأشياء يا أمي " أتفه " من أن تتحمل غيابك، وأنا أصغر بكثير من أن أتحمل غيابُ قلبي معك، أنا أفقدني في كل لحظة، أفقدُ صفاتي التي تربيت عليها بين يديْك، أنا يا أمي والله والله أشتاقك فوق الإدارك وما يُعلم ولا ما لا يُعلم. أطال في مكوثه، في أحاديث النفس الرماديَة، كيف يأتِ الموت سريعًا؟ كيف يختطف الناس دُون سابقِ إنذار! في المقبرة أنت تدخل ولا تعلم هل تستغفر وتدعِي من أجل الموتى أم تستغفرُ لنفسك قبل أن يُصبح حالك مثل حالهم، الموت لا ينتظر أحد، وأخشى ان يأتِ ولم أُقدِّم شيء يشفعُ لي بأن أشارك الجنان معكم. ، تسيرُ بجانبه ولا تعلم لأيّ مكانٍ يذهبُ بها، هذه الأجواء الباردة تُجمِّد عقلها معها من التفكير بأيّ شيء سواءً كان صغير أم كبير، دخلا لممر ضيِّق إختصارًا من المرور بالطريق العام، أمامهما إحدى مداخل حديقة الهايدبارك ولكن كانت توجهات ناصر مختلفة ولم تستطع أن تناقشه بشيء، لآ تُريد أن تفتح معه حوارًا أبدًا. شعرَ بأن أحدٍ خلفهُما، لم يُطيل بالتفكير حتى ألتفت ووقعت عيناه على شخصٍ يُمدد السلاح عليه، أتسعت محاجر غادة من هذا المنظر، لم تعتاد أبدًا أن ترى " سلاح " حقيقيًا أمامها حتى والدها لم يكُن يجيء بهذه المستلزمات، في لندن المدينة الشاهقة كان لابُد من وجود عصابات الشوارع ولكن هذه الملامح لا تُوحي بعصاباتٍ ومُشردين وإلى آخره من هذه الأفكار، سحب غادة لتكُون خلفه، يُفكر بطريقةٍ يفلت بها دُون أن يُصيب غادة شيئًا، قطع سلسلة أفكاره بإنكليزية مغلظة : للمرة الأخيرة يجب أن تُحذِّر من يحاولون تهميشك أن لا يعبثون معنا أبدًا ناصر بهدُوء عكس ما بداخله : من تقصد؟ : إن كنت صدَّقت الخدعة التي لُفقت لك فأنت مع كامل إحترامي غبي! يجب أن تسأل من تقف خلفك من كان معها الأيام الماضية؟ هل وليد الذي جلبه سلطان بن بدر أم عبدالرحمن! أم فيصل. *أردف الأسماء بأسلوبٍ ركيك يوضِّح به أصوله الإنكليزية رُغم ملامحه السمراء* ناصر تجمدَّت عيناه، أكثرُ مما يتحمل، أكثر بكثير من أن يُصدِق كل هذا، بلكنةٍ فرنسيَة مُكتسبة حاول أن يختبر جنسيته : وكيف أصدقك! بالفرنسية يُكمل معه : لا يعنِيك من أكون! أنا أقول لك ما يجب أن تعرفه يا "ناسِر" ! أصدقائك هم من منعوك عن من تقف خلفك، يُمكنك ان تسألها وتتأكد ناصِر تسترجع ذاكرته حواره مع سلطان، عندما قال بكُلِ إتزان إن كُنت أستطيع أن أسامح أحدٍ على فعلٍ ما؟ هل هذا الفعل؟ هذا لم يكُن فعل يا سلطان هذه كانت كارثة وربُّ من خلق السماء بغير عمد إنها كارثة لا تُحتمل أبدًا، لا تُحتمل بان أصدِق تجاهلك لمشاعري ولإنسانيتي، هذا فعلا اكبر بكثير منِّي. تراجع الأسمرُ عدةِ خطواتٍ للخلف ليُردف بفرنسية يقطعها بكلمةٍ إنجليزية : الآن يُمكنني القول أنني من قضيتك I'm out تجمدَّت خلايا المخ لديْه امام الأمطار التي هطلت وكأنها تواسيه، كانوا يعلمون! كانوا يعرفون! كل هذه المدة كانوا يشاهدُوني كيف أتقطَّع وأضيق وتركوها! تركوها ولم يبلغوني! ألتفت عليْها لتُردف قبل أن يندفع عليها بالكلمات : ماأعرف أيّ شي عن اللي قاله . . . . . يسحبها بشدَّةٍ لم يتعامل بها مع إمرأة من قبل، لم يترك لها فرصة تُفسِّر وتُبرر، هذه المرة لن يقف بوجهي أحد، هذه المرة والله وأنا أحلفُ برحمةِ الله أن أقتصُّ منهم واحِدًا واحِدًا ، ورحمةُ الله التي جعلتني أصبر كل هذه المدة لِيُصبهم زمهرير جهنم مبكرًا ولن أُبالي بالأسماء. ، يتراجع بخُطاه للخلف قبل أن يدخل لوالده وهو يسمعُ صراخه وغضبه الكبير الذي ينفجر بالشتائم والكلمات الحادة، لم يستوعب شيئًا ولكن يعرفُ الجحيم الذي يُقبِل عليه. رائِد يصرخ : 10 شهور وأنا ماأعرف مين الكلب ولد سلطان ولا صالح! أقسم برب الكعبة لا أوريهم كيف يلعبون عليّ ! : طال عُمرك أنت أهدى إحنا جبنا كل المعلومات وهو زوج بنت عبدالرحمن وكل شي تحت سيطرتنا رائد : سيطرتك في ******* ، 10 شهور وتوِّك تجيب المعلومات الله يلعنك ... لم يُبالي باللعن الذي يطرده من الجنة في حديثٍ صريح لا يتحملُ تأويلٍ غير الطرد، في قولٍ روحاني نُطِق به " لا يدخل الجنة لعانًا " لم يُبالي بشي وهو ينطق بكل ما يُذهب به إلى جهنم فأنفاسه تتصاعدُ بحرارةِ جهنمِ الدنيا. أردف بصراخ : هذا عبدالعزيز تجيبونه لي من تحت الأرض، أنا أوريهم .. والله ما أخليهم في حالهم ! هم بدوها حرب وأنا أخليهم بنفسهم يترجوني عشان أنهيها! ركض بالسلالم للأسفل ليخرج من منطقة والده بأسرع الخُطى وهو يكتب رسالةٍ لعبدالعزيز ولم ينتبه لهاتفه البلاك بيري الذي يراقبه رائد عن كثب بعكس هاتفه الآخر " الآيفون" :" أطلع من باريس في أقرب وقت، أبوي كشفك " ، والأخبار تخرج على السطح بصورةٍ سريعة، تنتقل للرياض بصورةٍ أسرع، متعب الذي كان مُتملل وهو يراقب قصر رائد الجوهي الخاوي حتى سمع الحديث الذي يحصل بين إحدى رجاله. : والله توه مكلمني أسامة وبلغني .. طلع عبدالعزيز ولد سلطان العيد! *: من جدِك!! وش سوَّى رائد؟ : قايمة الدنيا هناك في باريس!!! أنا بس سمعت وش قال أسامة وأنا قايل بتصير الكارثة *: وش قال بعد! : رائد بجلالة قدره قال والله مثل ما بدوها حرب لأخليهم يترجوني بنفسهم عشان أنهيها *: الله لايبشرك في الخير! الحين بيكرفنا!! ترك متعب السماعة وهو يتجه بخطوات سريعة نحو الطابق الثاني لمكتبِ عبدالرحمن بن خالد، طرق الباب حتى دخل : عذرًا على المقاطعة رفع عينه عبدالرحمن : تفضل متعب متعب برجفةِ شفتيه من تهديد رائد المباشر لهُما : رائد كشف عبدالعزيز وقف وأعصابه تتجمدُّ في مكانها : وشو؟ متعب : هذا اللي صار! الدنيا قايمة في باريس ورائد بيبداها معاكم ومع عبدالعزيز مثل ما قالوا رجاله عبدالرحمن بغضب يتجه بخطوات سريعة وكل تفكيره أنحصر بدائِرة ضي وبناته : أتصل على عبدالعزيز بسرعة .... نزل بالسلالم للطابق الآخر وهو يأمر بأن يوفرون الحماية لعائلته في باريس من قبَل الحرَسِ هناك. متعب الذي كان خلفه : عبدالعزيز جهازه مغلق عبدالرحمن بصراخ جن جنونه : شف اي طريقة تتصل فيها عليه! متعب بلع ريقه ليحاول أن يكتب له رسالة بأصابع بدأت ترتجف من الكوارث التي ستحصل. ألتفت على زياد المسؤول عن أمنِ الحراسة : حيّ سلطان مأمن؟ زياد الذي كان يجري عدة إتصالات حتى لا يتم الإعتداء على بيُوتِ العاملين ذو المناصب الكبيرة: كل شي تحت السيطرة عبدالرحمن أطمئن من ناحية سلطان وزاد خوفه من ناحية عائلته وبدأ يشتم نفسه من أنهُ تركهم لوحدهم! كان يجب أن يفكر بعواقب الأمور، تصرفاتي بدأت تصبح غبية في الفترة الأخيرة، دون أيّ تفكير ومنطق تركتهم! وضع يده على جبينه وهو يحاول أن يفكر بطريقة متزنة، أتصل على ضي النائمة، ومع كلِ رنَّة يزيدُ بخوفه ورهبته من أن أمرًا حصل لهما، هذه المرة لن يرحمهما رائد، لن يرحمهما أبدًا! هذه المرَّة ستتلاشى عائلتي مثل ما تلاشت عائلة سلطان العيد ومثل ما تلاشت عائلة سلطان بن بدر من قبل، لن أتحمل كل هذا، والله لن أتحمل. ، يمسك رأسه وهو لا يعرف كيف يُفكر وبأي طريقة، رمى هاتفه في عرضِ نهرِ السين بعد أن أكتشف أنه مراقب من أجهزةِ رائد وسهلٌ عليه أن يكتشف مراقبته من الرسائل التي حُذفت دُون أن يحذفها بنفسه، والإتصالات التي أستقبلها هاتفه رُغم أنه لم يستقبل شيء، ترك سيارته حتى تُشتتهم قليلاً، بخطوات سريعة قطَع الطُرق ويتمنى لوهلة أن يصِل وأن يجدهم بسلام هُناك. أخذ نفسًا عميق بعد أن أقترب من منطقته، رجع عدة خطوات وهو يرى ملامحهم، رُغم ملابسهم التي تُوحي انهم طبيعيين ولكن يعرف جيدًا من هُم، دخل إحدى المحلات القريبة ليرتدِي نظارته الشمسية رُغم الجو الغائم ويُغلق معطفه عليه ليتسلل إلى باب الفندق، لم يتحمل إنتظار المصعد ليركض بالسلالم نحو طابقهم، طرق باب الغرفة ومع كل إنتظار يندفعُ قلبه بإتجاه صدره ... من المستحيل أنهم لا يسمعون. ، رمى هاتفه الذي راقبه ليأخذ سلاحه وبحافتِه الحادة يصفعه بقوة حتى أنحنى فارس ليتقيأ دماءه، صرخ به : ولدي يسوي فيني كذا !! بس والله يا فارس لا أوريك كيف تغدر! فارس وهو يبصق الدماء على الأرض : ما كنت أبي أضرِّك .. يُقاطعه بغضب : واللي سويته! والله ... ولا خلني ساكت! أنا أعرف كيف أربيك فارس كان يستكلم لولا هيجانُ والده الذِي يُشبه البركان إذ لم يكُن هو البركان ذاته : وعبير! مالي علاقة زوجها منت زوجها إن شاء الله ******** تجيني هي الثانية فارس أتسعت عينيْه بالدهشة : لآ مستحيل رائد بغضب يرمي عليه علبةُ ثقيلة ذات حجمٍ متوسط يحتفظ بداخلها السلاح : مستحيل في عينك! أقسم بالعلي العظيم لو ما تطيعني يا فارس لا أقطعها قطع قدامِك! وهذاني عند حلفي فارس يشعرُ بأن والده يخترق قلبه بعنف/بوحشية : مستعد أسوي لك اللي تبي! تبيني أضرّ مين؟ مستعد بس عبير لا .. خلاص أتركها عنك ما عاد أبيها رائد بحدة : بس أنا أبيها! وإن ماجت منك بتجي من غيرك وأنت أختار فارس : يبه .. رائد بصراخ : لا تناقشني! لك عين تناقشني بعد!!! عندِك 24 ساعة .. بس 24 ساعة تجيني فيها ومعك عبير! فارس ازداد صراخه مع صراخ والده : مقدر ! ماهي زوجتي كيف أجيبها رائد بغضب : الله عليك يالمحترم! يالشريف ياللي ماتقبل تلمس وحدة ماهي زوجتك! أقول بلا كلام زايد وتجيني عبير ! وعبدالعزيز اللي مخليه صاحبك انا أعرف كيف أجيبه ... والله لاأوريهم نجوم الليل في عزّ الظهر... والله لا أخليهم مايتهنون دقيقة في حياتهم. فارس بحدة : مقدر .. مقدر كيف أجيبها ! ماهي زوجتي ما هي حلالي رائد يقترب منه ليطوِّق رقبته بيديه وهو يعصرها بأصابعه الغاضبة ليدفعه على الجدار : ماهي زوجتك! أنا أعرف كيف أخليها زوجتك! بس ساعتها أنت اللي بتندم!!! ، أرتفع صدرِه بهبوطٍ شديد، بلع ريقه الجاف ليردف وهاتفه مثبت بإذنه : طيب .. أنا بتصرف. : أسمعني يا فيصل! اللي قدامك أكبر منك . . . قاعد تدفع ثمن أغلاطك فيصل بهدُوء رُغم الفوضى التي تهيجُ في داخله : طيب .. شعر بأن كلماته تذبل ولا إتزان يستطيع أن ينطق به ليُكمل : بحاول أكلمهم اليوم : ماهو اليوم! حالاً !! حالاً يا فيصل ولا بتضيع فيصل : طيب ... إن شاء الله : يا ما قلت لك أبعد عن هالخراب! لكن ما سمعتني .. شف وين وصلت نفسك!! فيصل : ماني متحمل أحد يعاتبني يرحم لي والديك .... : طيب أنتبه لنفسك وطمني بس تتم أمورك .. مع السلامة فيصل أغلقه ليلتفت وتتسع محاجره من والدته الواقفة ودمعُها يجتمعُ في محاجرها : مين هذا ؟ فيصل : صاحبي والدته : ماأقصد مين يكون! أقصد أيش اللي قاعد يصير! فيصل يقترب من والدته لتبتعد عدة خطوات للخلف : لا تلمسني! مستحيل تكون كذا فيصل : يمه فاهمة غلط! أنتِ سمعتي جزء من الموضوع ... هي سالفة قديمة لا تشيلين في بالك والدته بغضب : ما فكرت فينا! ما فكرت بمين لنا من بعدِك! دايم أناني يا فيصل .. دايم تفكر بنفسك وتنسانا! تغيب بالأشهر وترجع بدون لا تفهم وش يعني وجودك في حياتي وحياة ريف!! .... ودخلت غرفتها دُون أن تترك له مجال يُفسِر ويشرح. ضرب بقبضة يده على الجدار ليتألم من ضربته، يشعرُ بأنه في حاجة للتفريغ، أن يُفرِّق كل هذه الشحنات التي تهبطُ على قلبه. ، يُغلق الهاتف وأصابعه فعليًا تتجمد، شعر بأنه يختنق وأن حرارةِ جسده ترتفع، يشعرُ بأن إغماءة بسيطة تتسلل إليه وهو الذي كان يُضرب به المثل في الإتزان والصبر، لم تكن تهزِّه المصائب ولا تُحرِك به شعرة ولكن إرهاق جسدِه يتواطىء مع كل هذه المصائب، مسح وجهه بكفِّه الحارَّة جدًا، نادى بصوتٍ عالٍ : الجوووووهرة ماهي إلا ثواني حتى دخلت إليْه، ألتفت عليها : طلعي لي ثوب وأيّ شماغ بسرعة! الجوهرة : كيف تطلع وأنت بهالحالة! يصرخ عليها ببحةٍ قاتلة لترتجف أطرافُها الهشَّة : قلت روحي جيبي! الجوهرة عقدت حاجبيْها وهي تحاول أن لا تتأثر عاطفتها وتسقطُ بوحلِ دموعها : الدكتور ما راح يسمح لك ولا أنا ... يتقدم نحوها ليدفعها قليلا ويخرج متجهًا للأعلى. تتخطاه لتقف أمامه معلنة رفضها خروجه وهو بهذه الحالة الضعيفة : سلطان ما ينفع! شوف حالتك كيف! سلطان بحدة الغضب : أبعدي عني دام النفس عليك طيبة الجوهرة : لآ ما راح أبعد ... ، يُغلق الباب بعدةِ قفلات أمام إعتراضاتها ومحاولاتها اليائسة بفتحه، وصوتها تدريجيًا يموت بداخلها كجنينٍ يستعمرُ بأكثرِ من 9 أشهر : تكفى لا ! . . أنتهى |
المدخل لخالد الفيصل : يا صاحبي مني لك الروح مهداه والله لو به غيره اغلى هديته ما قلت لأحد غيرك الروح تفداه انت الوحيد الي بروحي فديته وانت لولاك ما قلت انا آه ولا شكيت من الهوى ما شكيته يا زين حبك عن هوى الناس عدّاه جميع وصف كامل بك لقيته سلم المحبه ما وطا الزين ناطاه حد الخطر لعيون خلي وطيته والي يودك كل ما منك يرضاه حتى عذابك يا حبيبي رضيته روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ ! الجُزء ( 63 ) يُغلق الباب بعدةِ قفلات أمام إعتراضاتها ومحاولاتها اليائسة بفتحه، وصوتها تدريجيًا يموت بداخلها كجنينٍ يستعمرُ بأكثرِ من 9 أشهر : تكفى لا ! بلا رحمَة، تستعمره قسوةٌ بعد سنةٍ و 5 أشهر و ثواني! لم تكُن ثواني قليلة! لم تكُن ثواني سهلة! كانت صعبة قاسية حادة! كانت سنين! كانت عُمرًا! عُمرًا يا غادة وليتك تفهمين ما يعنِي العُمر؟ ما يعني أن أعيش دُون وجهة! دُون حياة! هل جربتي العيش دُون حياة؟ هل جربتي العيش وكأنكِ عدَم! لم تشعري أبدًا بحُرقة الشوق فيني! ولن تشعري أيضًا! يسمعُ صوتها من خلف الباب، هذه نبرةُ قلبها أعرفها جيدًا، هذه نبرةُ البكاء التي تثقب الجسد بالنُدب، جميعكم! جميعكم والله ستدفعون ثمن هذا غاليًا، أنا الذِي دعوتُ الله: يا ربّ خذني إليْها! ليتني حددتُ في أيّ دارٍ ألقاكِ! يا ليتني قُلت " الجنَّة ولا غيرها " ولم أراكِ في هذا العالم الوضيع! ومازلت أبحثُ عن إجابة يا ضيّ عُمري . . لِمَ أنطفأتِ ؟ لِمَ حين حلمتُ بكِ كقصيدة أضعتِ القوافي منِّي؟ أني أبحثُ عن عينيْك وعن وطنِي الذي نكرني! أني ضائع ولن أسامح من أضاعني حتى لو كان يجاور كتفِي طيلة سنواتِ حياتي. توجه نحو هاتفه وأطرافه ترتجفُ من الغضب الذي يسدُ الفراغات بين أصابعه، كتبَ رسالةٍ لفيصل تحملٌ تهديدًا لاذعًا " و رحمة الله ماراح تفلت منِّي أنت واللي وراك " جلست على الأرضِ الباردة وهي تسندُ ظهرها على الباب، أجهشت بالبكاء، لم أعد أُريد شيء، لا أريد أن أرى أيُّ أحدٍ من الذين مضيتُ معهم عُمري السابق، كشجرةٍ لا ظلّ لها في منتصف الصحراء أنا حزينة، كجفافِ أوراقها أنا عطشانة. أكره هذه الحياة، أكرهكم جميعًا. ، يطرق الباب للمرةٍ الأخيرة حتى ألتفت للمصعد الذي تخرج منه عبير ورتيل، توجه إليهما وبحدة : وين ضي ؟ رتيل بإستغراب : في الغرفة! عبدالعزيز يكاد ينفجر بهذه اللحظة، كل الأفكار تختلط في رأسه، كل الأشياء تهرب منه : وين كنتم ؟ رتيل : نزلنا نجيب بطاقة شحن ... وش فيك؟ عبير أبتعدت عنهما لتدخل الغرفة وعقلها يغيبُ بأمرِ عبدالعزيز المُريب. عبدالعزيز : طيب روحي شوفي لي مرت أبوك رتيل تنهدت : وش صاير لك؟ عبدالعزيز بغضب كبير : مو قلت لا تطلعون! رتيل : طيب ! ما طلعنا من الفندق بس نزلنا لـ .. يُقاطعها : رتيل قلت لا تطلعون! واضح كلامي ولا لا رتيل بقهر : لآ تصرخ عليّ ماني أصغر عيالك! ... عبدالعزيز يسحبها من ذراعها ليقف أمام غرفتهم : ولا تطلعون ولا تفتحون الباب لأي أحد حتى لو كانوا من العاملين بالفندق .. مفهوم ولا أعيد الكلام مرة ثانية! حتى أنا لا تفتحين لي لأن عندي مفتاحكم! رتيل بعدم فهم : كيف مانفتح لك؟ عبدالعزيز عض شفتِه السفليَة من غباءها في هذه اللحظة : ركزي معي قلت لا تفتحين الباب لمين ما كان! طيب؟ تسحب ذراعها دُون أن تجيبه ليُردف بحدَّة : مفهوم! رتيل بخفُوت : إيه عبدالعزيز : أدخلي شوفيها وتعالي بسرعة دخلت وهي تتأفأف منه، لتلتفت لضي التي أستيقظت بإنزعاج : يالله رحمتك بس!! بخطوات بطيئة أتجهت نحوه : مافيها شي! بخيــ يسحب الباب دُون أن يترك لها فرصة إكمال الكلمات، أتجه نحو غرفته ليُخرج جوازه وأوراقهم المهمة من الخزنَة التي تنزوي في الدولاب ليبحث بعينيْه عن مكان يُدسسها به ،بالتأكيد مثلهم لن يستصعب عليهم فتح الخزنَة بأدواتهم التي أجهلها، نظر للوحة تتوسط الجدار، قلبهَا ليفتح البرواز ويضعها خلفها، نظرَ وهو يبعد اللوحة بيديْه حتى يتأكد، شعرَ بأنها مثقلة، أتجه نحو دولابه ليبحث عن " تي شيرت " يحتوِي على رسومات تناسب أن توضع كلوحة، بدأ يرمي ملابسه على الأرض وهو يبحث حتى أستخرج " تي شيرت " أبيض وضعه في البرواز ليعلق اللوحة في مكانها، أطال في نظرته حتى يتأكد من أن لاشيء غريب يظهر عليها، أتجه نحو نافذته ليرى كم يفصله عن الأرض، من حسن الحظ ان النافذة تطل على الشارع الخلفي، فتحها ليُخطط كيف يسقط للأسفل وبأيّ وسيلة يقفز، بالإمكان أن أتجه يمينًا نحو المنزل القريب ومن أنبوب المدخنة أنزل حتى أصل للسلالم وأحطُّ على الأرض، هذه الطريقة الوحيدة، تراجع ليأخذ سلاحه ويجهزه. في داخله كان يشعرُ بأن لا أمل، ولكن هُناك محاولة فقط محاولة إن ذبلت فـ " ليْ الله "، كم من الذكاءِ أورثهُ سلطان العيد لإبنه حتى ينظرُ للأمور بنظرةٍ بعيدة وكم من الحيرة جعلتني أعيش يا أبي! على بُعدِ مسافاتٍ قليلة كانت تسيرُ بإرتباك وهي تتصل على عبدالرحمن الذِي أتصل عليها مرارًا في نومها. ضي بضيق : أكيد صاير شي! قلبي يقول فيه شي .. رتيل اللامُبالية أستلقت على السرير وهي تلعبُ بخصلةِ شعرها : يارب أني أنام بس وماأصحى الا بعد ما يجي أبوي عبير عقدت حاجبيْها وهي تجلس على طرف السرير : ما ردّ ؟ ضي تختنق في داخلها من أثرِ الغصَّات التي توافدت على قلبها : مارد للـ .. لم تُكمل من صوته الرجولي الذي دائِمًا ما يأتِ كقصيدةٍ عاصفة تقلبُ في قلبها كل الكلمات : ألو ضي بلهفة أجابته : هلا ... كنت نايمة لما أتصلت ... عبدالرحمن : طيب .. كلكم بالفندق ؟ ضي : إيه .. وش صاير؟ عبدالرحمن وهو يسيرُ بالممر الذي ينتهي بمكتبه، يتجاهلُ سؤالها بربكةِ ما يشوش عقله : وعبدالعزيز ؟ ضي : توَّه جانا عبدالرحمن : طيب ضي خلِّي رتيل تكلمه عشان يفتح جواله! ضي : الحين؟ عبدالرحمن يدخل مكتبه ليجلس على مقعده الجلدِي : إيه.. ولا أقولك عطيه جوالك أنا بنتظر على الخط! ضي : طيب ... رتيل عطيه عبدالعزيز .. تمدُّ هاتفها لها لتندفع رتيل بضيق : عشان يعلقني معه! أصلا هو يبيها من الله ضي : طيب أبوك يبيه ضروري! رتيل تنهدت واقفة، أخذت الهاتف من يدِها الناعمة لتخرج وتشتمُ باب الغرفة التي كانت تُريد أن تجعله مفتوحا حتى تعود بسرعة ولكن أرتد وأُغلق بسرعة، نظرت للممر الخاوي سوى من عامل النظافة الذي كان يحملُ عربته ولا يقف بجانبِ أيّ غرفة، بالعكسِ تماما كان واقفًا في المنتصف، بلعت خوفها لتتجه نحو غرفته، طرقت الباب لتتجمَّد عروق عبدالعزيز الذي كان يُغيِّر ملابسه متجهزًا للخروج، بلع ريقه بصعُوبة ليتجه نحو الباب دُون أن يلفظ حرف وهو يتوقع أسوأ التخمينات على الإطلاق. وضعت رتيل الهاتف على أذنها : يبـه . . وقبل أن تُكمل فتح الباب ليسحبها للداخل، لا يعرف كيف يتحمل هذا الإستهتار منها، سحب الهاتف بعد أن رمقها بنظرةٍ أربكتها، أجاب : ألو عبدالرحمن بضيق : وين جوالك يا عبدالعزيز! يعني من متى وأنا أتصل عليك طيحت قلبي الله يصلحك عبدالعزيز : راقبوا جوالي! مسحوا كل شي فيه .. وحذفته بالنهر عبدالرحمن بشك : كيف وصلوا له؟ من المستحيل أن أنطق " فارس " في وقتٍ كهذا، أردف : مدري عبدالرحمن : طيب أخذ جوال رتيل! عشان أقدر أكلمك منه .. الحين الفندق إن شاء الله محد بيقدر يدخله، لآيطلعون ياعبدالعزيز ولا يعتبون الباب! لين ما يهدآ الوضع وبتطلع من باريس .. مفهوم؟ عبدالعزيز : بس أنا لازم أطلع بشوف .. يُقاطعه بحدة : ولا لمكان يا عبدالعزيز! أجلس لين أتصل عليك عبدالعزيز تنهد : مقدر أنا .. ولا يُكمل كلماته في حضرة غضب عبدالرحمن الذي لا يخرج دائِمًا : عبدالعزيز إحنا مانلعب! قلت مافيه طلعة عبدالعزيز : طيب راح أشوف الوضع برا بدل ما أجلس! وأشوف لنا طريقة نطلع فيها من باريس بأقرب وقت عبدالرحمن : ماراح تقدر لأن رائد .. يُقاطعه : عارف! كل الموضوع واصلي عبدالرحمن صمت قليلاً ليُردف : مين موصله لك؟ عبدالعزيز : وصلني وبس عبدالرحمن يقف بجنُون ليصرخ : قلت مين وصله لك ؟ عبدالعزيز تنهد : شخص من رائد أتعامل معاه عبدالرحمن : وضامنه؟ عبدالعزيز : إيه ضامنه عبدالرحمن بغضبٍ : قل آمين الله يآخذ عدوّك كانك بتجيب آخرتنا .. الحين تجلس في الفندق ولا تطلع منه .. مفهوم ؟ عبدالعزيز بعناد : لآ مو مفهوم وماراح اجلس! وأنا أعرف وضعي وأعرف كيف أطلع منها عبدالرحمن بقهرٍ حاد : لآ تستغل غيابي وتلوي ذراعي! عبدالعزيز : ماألوي ذراعك أهلك بالحفظ والصون ماعدا ذلك لا تتدخل فيه عبدالرحمن بغضبٍ خافت : طيب يا عبدالعزيز! بس لو مقدرت ترجع شف عاد وش بتخسر! عبدالعزيز : أوامر ثانية عبدالرحمن : جوال رتيل خله عندك عبدالعزيز : طيب .. مع السلامة .. وأغلقه. رفع عينه : وين جوالك ؟ رتيل : بالغرفة عبدالعزيز : طيب روحي جيبيه بسرعة ... ومدّ لها هاتفُ ضي. فتح لها الباب لينظرُ للعامل الذي كان بجانب بابهم تمامًا، سحب رتيل بقوَّة ليرتطم رآسها بحافةِ الجدار، كانت ستصرخ لولا كفُّ عزيز التي وضعها على فمها، أغلق الباب ليضع السلسلة فوقها حتى يتأكد من عدمِ فتحها، شعر بالدمعة التي تعانق كفِّه، قشعريرة حارقة أصابت جسدِها، ألمٌ لا يساويه ألم، وكأنها دخلت عملية جراحية دُون أن يفلح المخدر بشيء، أبعد يدِه ليضعها خلف رأسها وكأن لمساته ستخفف وقع الألم. همس : تحملِّي ... أتجه نحو السرير ليأخذ جاكيته الخفيف، ألتفت عليها وبصوتٍ خافت : خليك بغرفتي لا تطلعين أبد ! طيب؟ ولا حتى لغرفة أختك! رتيل برجاء وهي ترتعشُ من خوفها : لآ تخليني .. عبدالعزيز يقترب منها ليُطمئنها : ماراح يصير شي! فيه أمن برا .. و رتيل : بس فيه ناس بهالطابق! الله يخليك عبدالعزيز لا تخليني بروحي عبدالعزيز : مضطر أروح! أنتِ بس خليك هنا وأنا ماراح اتأخر رتيل سالت دموعها بلا توقف لتُمسك كفَّه برجاءٍ أكبر : تكفى لا .. الله يخليك عبدالعزيز عبدالعزيز يشعرُ بأن عقله يتشوش ولا تركيز يُسعف في هذه اللحظات الضيِّقة، جلس على طرف السرير ويده على جبهته يحاول أن يُفكر بِحَل، سمع صوتُ الباب ومحاولة فتحه ليرتفع صدرُ رتيل بشهيقٍ دُون زفير، تجمدَّت أقدامها، ليُشير لها بأصبعه أن لا تصدر صوتًا، فتح النافذة ونزع حذاءه ليضع أثارًا من الطين الذي ألتصق بوقعِ الأمطار على عتبةِ النافذة، أرتدى حذاءه مرةً أخرى ليأخذ رتيل ويدخل بها لزاويـةٍ من الغرفة تحتوي دواليب الملابس ولا يُخفي أجسادهم شيء سوى الجدار القصير، ألتصق صدره بصدرها الذي كان يرتفع ويهبط بشدةٍ كان يشعرُ بها، كان يشعرُ بضرباتٍ قلبها تتجه نحو قلبه مباشرةً، وضع يده مرةً أخرى على فمها ليكتم أنفاسها الصاخبة، سمعا صوتُ الباب وهو يرتَّد. أقترب الرجل ذو رداء عامل النظافة إلى النافذة الذي شعر بأنه هربا منها من أثرِ الأقدام التي عليها، بالنبرةِ الفرنسية البحتة شتمهم، لتضيع نظراته في أرجاء الغرفة، أطال بنظرة للجدار الذي يُخفي خلفه دواليب الملابس، أقترب منه حتى ألتفت للجهة المعاكسة من رتيل وعبدالعزيز، عندما رأت ظهره شعرت بأن قلبها سيتوقف عن النبض حالاً، بينما كانت كفُّ عبدالعزيز قاسية وهو يزيدُ بكتمانها، أتى شخصٌ من خلفه يستعجله بالفرنسية : يجب أن نخرج حالاً الأمن في الأسفل .. تراجع بخطواته ليخرجان وتبتعد يد عبدالعزيز، رتيل بعدم إستيعاب، لا تفهم كل ما يحصل بها الآن، هذا أكثرُ مما يستوعبه عقلها البشري! أكثرُ مما تستوعبه فتاةٌ مثلي، شعرت بأن أصابعه توشم آثارها حول ثغرها. رتيل بصوتٍ مرتجف تُعبِّر عنه دمعاتها الشفافة في محاجرها : وش قاعد يصير! ماني فاهمة شي يتجاهلُ سؤالها وهو يغرق بتفكيره، لا بُد من حل ينقذهما من هذا المأزق، لن يرحمنا الجُوهي هذه المرَّة وهو يكتشفُ أعظمُ ما أخفيناه. ، تنظرُ إليه بحشرجةِ الخوف في عينيْها، أترانِي أخافك؟ أما أخافُ عليك؟ أجهلك والله إنني لا أعرفُ عن مزاجاتِك السماوية ولا أفقهُ بِك شيئًا سوى قلبك يا شريعتي في الحُب، يا التشريع الذي لا يأتِ إلا بعينيْك، وجَّه سهامهُ بنظراته الحادة التي أرجفت صدرها حتى أزاحت يمينًا رُغمًا عن قلبها! رُغمًا عن كل شيء، وإن مرَّ من العُمرِ لحظاتٍ كثيرة إلا أن عينيه إن ضاقت غضبًا يرتجفُ جسدِي بأكمله. دخل الغرفة وهي من خلفه، بدأت تُقطِّع أظافرها بربكةِ أسنانها التي تصطدمُ ببعضها البعض، بنبرةٍ متذبذبة : طيب والله جرحك ماألتئم! كيف تطلع كذا؟ لا يُجيبها، يُمارس التجاهل الذي يسيرُ كشريانٍ في جسدِه، أخرج ثوبه لينتزع بلوزته بصعُوبةٍ بالغة، رماها ونظرت للحُمرة التي تظهر من خلفِ الشاش الأبيض لتتسع محاجرها برهبة : سلطان! .. والله ما يصير غيَّر ملابسه أمام عينيْها التي تشتت لكل شيءٍ في الغرفة، حتى باتت علبة المناديل مغرية للتأمل، أرتدى ثوبه وبحركةِ يديْه شعر بأن غليان يهرول في رأسه : بدل هذرتك تعالي سوِّي لك شي مفيد تقدَّمت إليْه وأصبحت الحُمرة هي التي تهرول في ملامحها : بكلم عمي عبدالرحمن لم يجيبها وعينيْه تُشير لها بأن تغلق أزارير ثوبه، وضعت أصابعها في أعلى بطنه لتبدأ بالأزارير السفلية. سلطان : قولي لعمتي ماتطلع من البيت! الجوهرة تغلق آخر إزرار لترتبِك أصابعها من لمسةِ رقبته، رفعت عينها : أنتبه لنفسك ترى عمتك تبيك أتجه نحو الأرفف ليأخذ شماغه وعقاله : بس عمتي؟ الجوهرة أخذت نفس عميق لتُردف : لو يكتبون عن فن التعامل مع مزاجك صدقني ماراح يكفيهم كتاب واحد! ألتفت عليها وبإبتسامة في عزِّ الربكة والفوضى أعقبها بنبرةٍ ساخرة : أجلسي وأستغفري ليْ عن مزاجي عسى الله يتوب عليّ .... ونزل للأسفل ولم تتركه أبدًا وهي تسيرُ كظله لتندفع بكلماتها كالطفلة التي لا تعرف كيف تختار مصيرها : طيب! بستغفر عن نفسي اللي صابرة ضحك بخفوت وهو ينحني ليأخذ حذاءه ويخرج دُون أن يعقب ضحكتِه بأيّ حرف، في الثانية الواحِدة كم مرةٍ تتغيرُ سماءِك؟ في جُزءٍ من الثانية أنت غاضب وفي جزءها الثاني أنت تضحك، إلهي يا سلطان " وش قد تعذبني! ". ، يجلس بصمت بعد أن أُستِنزف لسانه بالكلماتِ الجارحة الناقصة المذمومة السيئة، يُراقب الوضع الذي يعيشه، يُراقب الخطر الذي يحاصره، يُراقب أسوأ الأشياء التي تحصل له، كم شهرٍ مضى وأنا أخطط وأخطط وبالنهاية! لا شيء. وأنا رجل لا أقبل باللاشيء، لا أقبل بالقليل أبدًا ولا يُغريني النقص، أحاول أن أكفّ بطش غضبي عنكم ولكن أنتم من تريدون ذلك، لا أصدق بأن خدعة مثل هذه تمرُّ عليّ بسهولة، خدعة كان من الممكن أن أكتشفها لو كنت أعرف عن " عبدالعزيز إبن سلطان " لمَا أستصعب عليْ أن أعرفه ولكن شخصٌ أسمع بإسمه ولا أراه بالقُرب بسهولة أسقط في فَخه. يلعبُ بمُجسَّمٍ صغير الحجم على شكلِ سلاح، رفع عينه الغاضبة : انا شغلي يتم وفي الوقت اللي كنت مخطط له عاد بعبدالعزيز وهو متنكر ولا بعبدالعزيز وهو مدري كيف! المهم أنه بيصير اللي أبيه وساعتها أعرف كيف أتعامل معهم : طال عُمرك ... عبدالعزيز ماهو بالفندق ومانقدر ندخل له أصلاً رائد بهدُوءٍ مُخيف يحك عوارِضه : مقدرتُوا تدخلون! برافو والله ... تقدر تروح ترتاح يعرف أنه يسخَر ليبلع ريقه بصعوبة : حاولنا نهرِّب أحد وأكتشفنا أنه قدر يهرب قبل لا نجيه رائد بصرخة أرجفت الجسد الثقيل الذي يُقابله : قلت يجيني قبل هاليوم ينتهي !! مفهوم ولا أعيد كلامي مرة ثانية بضيق : مفهوم طال عمرك لكن جواله موقف عند إشارة وحدة ولا نقدر نراقبه أو نحدد مكانه الحين رائد يقف ليتراجع دُون إرادته الشخص الآخر للخلف، ضرب بكفِّه على طاولة مكتبه : تحفر لي باريس شبر شبر لين يطلع ! وبصوتٍ خافت يُكمل : و الخمَّة اللي معه؟ : واضح أنهم ما هُم في الفندق بعد! رائد : طيب! لِك لين الليل إن ماجاني عبدالعزيز وش يصير فيك؟ : بحاول إن شاء الله رائد بصراخ : ماأبيك تحاول! أبيك تجيبه ... مفهوم ! : إن شاء الله رائد يجلسْ ليتلاعب بالأقلام بين أصابعه : الحين أذلف عن وجهي ولا عاد أشوفك إلا وهو معك خرجَ رجُله بإمتعاض وهو يفكر بطريقةٍ يصِل بها لعبدالعزيز، كان جالسًا بالقُرب منه، لا يصدر صوت ولا ينطق بكلمة، كل الكلمات تنزوي في صدره دُون أن تتجرأ على الوقوف في حنجرته، كيف يجلبُ عبير؟ ليس هذا المهم! كيف أرضى عليها أن تُعامل بهذه الطريقة، سهلٌ عليّ أن أتقطع أجزاءً ولا أراها تحت بطش والدِي! سهلٌ عليّ أن أفعل كل الأشياء الغبية الصعبة السهلة التافهة القوية الخشنة الناعمة عدا أنني أمام عبير لا أرضى ولا أستطيع أن أرضى بأيّ فعلٍ يُبدد الأمن من قلبها البِكرْ، أنحنى بظهره ليطوِّق رأسه بكفيْه وتبدأُ شفتِه بالنزيف دُون أن يتحرك أو يُفكِر بمسح دماءه، لا تزول آثار ضربك يا أبي بسهولة! يجب أن أتحمل عقباتها حتى في أشدِ الأوقات حسرة. يقطعُ سلسلة أفكاره بسخرية قاسية : كلم عبدالعزيز وخله يساعدك كان فيه خير لم يُجيبه ولم يرفع عينه له، كم دفعنا أخطاء الآخرين حين كُنَّا مُكرهين على أشياءٍ لم نحبها يومًا وكم كُنا ضعفاء في وجه الأشياء التي نحبها حين أستصعب علينا أن نتمسكُ بها، لا قُدرة لدي والله لا أملك القوة الكافية حتى أسرقك يا عبير من حدُودِ موطنك الذي رسمه والدك، لا أملك هذه القوة التي تجعلني أتخلص من مبادئي الثابتة وإن تذبذبت يومًا بسهولة، صعب عليّ والله وليت والدِي يعلم. رائد : الوقت يمّر وأنت جالس بمكانك بس أنا عند حلفي والله إن ماجتني يا فارس لا أخليك تتحسر عليها عُمر كامل فارس عقد حاجبيْه ويشعرُ بالألم يتدفق من أنفه وليس دماءً وحسب، كلماتُ والده توجعه، توجع قلبه الذي يعشق، سحب منديلاً ليخرج مشتتًا ضائِعًا، يقف أمام واجهة الدكان الصغير ليعكسُ وجهه المحتقن بالغضب، نظر لإحدى الجرائد السعودية التي تصدر من لندن تعتلي الرفّ الباريسي وبالخطِ العريض " خطف شاب سعودي في سياتل " بلع جفافه الذي كسى لسانه، أعتاد أن يقرأ هذه الأخبار على الدوام، يجهل شعور أهله ولا يشعر بشيء سوى الشفقة ولكن هذه المرة يعرفُ كيف هذه الكلمة التي تحتوي على ثلاثة حروف بمقدورها أن تحوِّل الحياة إلى جحيم. هل يجب أن أقُول الآن " آسف " لقلبِك لأني لم أكن رجلاً مناسبًا لكِ يومًا ما، آسف لأنني لا أستطيع أن أتمرد عن من يعقبُ إسمه إسمي، آسف لأنني أحببتُك بطريقةٍ لاذعة قاسية، آسف لأن ذنبكِ كان أني أحببتك، آسف من أجلِ الصور التي وقعت بين يدايْ في لحظةٍ لم أكن أبحث بها عن الحُب، آسف لعينيْك التي أتت كـ أرق في ليالٍ عديدة، آسف لأني حاولت أن أبحثُ عن هويتِك الضائعة وأنا أخمِّنُ من صاحبة هذه الصور ؟ آسف على كل شيء جعلني أتضوَّرُ شوقًا لمعرفةِ إسمك، آسف لأنني علمتُ إسمك عن طريق رجال والدِي، آسف لأنني أستعملتُ كل الأشخاص الذين حولك في حُبي، آسف من أجلِ السائق الذي كان يُخبرنِي عن خروجك ودخولك يوميًا، آسف من أجلِ الخادمة التي كانت تُعطيني تقريرًا يوميًا عنكِ، آسف من أجلِ اللحظات العصيبة التي مررتِ بها تحت وطأة الضمير الذي يجلدك، آسف من أجلِ ألاعيبي التي لم تنتهي، آسف من أجل خياناتي التي لم أستطيع أن أتجاوزها، آسف من أجلِ الخمر الذي أحاول أن أنساكِ به ولكن أتذكرك في كل لحظةِ سُكرٍ و صحوةٍ، آسف لله عليكِ يا عبير. ، مسك رأسه يُريد أن يتزن، أقصى أحلامه في هذه اللحظة أن يتلاشى الصداع ويستطيع أن يفكر بإستقرارٍ أكثر، نظر للساعة، يترقب الموعد اليومي الذي يستطيع به أن يتصل وأن يتحدَّث، أحدٌ يحركنا كيفما يشاء وكيفما يُريد، أحدٌ لا يرحمنا أبدًا ويجعل كل شخصٍ يشكُ بالآخر وها هو أتى دوري ليجعل ناصر يشك بيْ، تنهَّد، أذهب أم لا ؟ أقول أم لا ؟ أعترف أم لا ؟ . . أضيع أم "لا ؟ وقف ليتجه خارجًا، لا حل غير ذلك، كل الحلول يجب أن تقع تحت عينِ بوسعود وسلطان حتى لا يقع الذنب كله عليّ، ركب سيارته ليهتز هاتفه برسالةٍ تجلدُه بكل ماهو لاذع/حاد " حذرتُك أكثر من مرَّة، ولكن في حال أثرت غضبي سأرسل كل ما لديْ لمكتب من توَدّهم .. ولك حرية الإختيار " إذن؟ ضرب على مقوده، كل شيء يقف ضده، لاشيء يستوي وينقذه، إلهي كُن معي في هذه اللحظات، لا يخيبُ من يطلب رجاءك، اللعنة على كل الأشياء التي صيَّرتني بهذه الصورة، أين عقلي حين رضيتُ بذلك؟ كنت أعرف والله كنت أعرف أنهم يخونون أصدقائهم ولكن أنا السيء على كل حال وأستحقُ هذا العذاب. ، في مكتبِ عبدالرحمن بعد أن طُلِب بإتصالٍ منه، يجلس عبدالله اليوسف أمامه : وبس؟ عبدالرحمن : إيه هذا اللي قريته هو نفسه اللي صار! أحيانا أقول هو شخص واحد وجالس يلعب فينا ومرات أقول هو ما يلعب فينا هو قاعد ينفذ أهدافه وبعدها بيبعد ... وبينهم إحنا ضايعين عبدالله الذي تلتصقُ بيدِه إحدى الأوراق : خلك من كل هذا أرجع للحادث! بدايته .. أسمح لي ياعبدالرحمن لكن هذي كيف تضيع منكم؟ ماني مصدق! يعني دفنوا جثث ماهي جثث حقيقية! إلا أخته الصغيرة وأمه وأبوه بعد! أما أخته الكبيرة حيَّة ! وبعدها تصدقون أنه أمه حية بسهولة بدون لا تبحثون بالموضوع! في المستشفى هنا بدت نقطة التحول، تحاليل ال DNA اللي ثبتت أنهم عائلته مين زوَّرهم ؟ طيب وكلتوا موضوع غادة لمقرن! وخليتوا مقرن هو المسؤول عنه وتطمنتوا عليها لكن مقرن ماخبركم عن هاللي ماأعرف إسمها! وقبل فترة وبوقت إختفائها مع وليد اعترف لكم مقرن بأنها ماهي أمها! ليه هالوقت بالذات! هذا يعني أنه مقرن قاعد ينقذ نفسه من الشك، قبل لحد يفضحه .. لكن هذا مايعني أنه مقرن هو المسؤول الأول لكن أظن أنه مقرن تحت ضغوط ثانية وأنت فاهم قصدي زين .... أظن يا بوسعود أنكم جالسين تدفعون ثمن أخطائكم اللي خليتوها تحت رحمة ناس مالها حيل ولا قوة مثل مقرن. عبدالرحمن تنهَّد : كنا واثقين! كنا نقول أنها بخير دام مقرن يتابع حالتها لكن أكتشفنا العكس عبدالله : والحين وينها؟ عبدالرحمن : يراقبها سعد عبدالله : وهذا بعد واثق فيه ؟ عبدالرحمن بضيق ألتزم الصمت عبدالله : ماتدري إذا هي حية ولا ميتة!! جالسين تستمرون في الغلط نفسه! اليوم قبل بكرا لازم يدري عبدالعزيز بموضوع أخته .. وناصر بعد ..... حمايتكم لها قاعد تضرّها! هي ماعادت تحتاج لكم .. هي تحتاج أهلها ولا ترتكبون جريمة ثانية في حقهم! أنا أحترم انكم في البداية ماكان قصدكم سيء وكانت نيتكم هي حمايتها بس لكن الحين نيتكم هذي صارت شي ثاني وتحولت لضرر وأنت تعرف يا عبدالرحمن حجم الظلم والظلم ظلمات يوم القيامة دخل سلطان : السلام عليكم : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته جلس بمُقابل عبدالله وقبل أن ينطق كلمةٍ واحد : تو أقول لعبدالرحمن أنه لازم ناصر وعبدالعزيز يدرون عن غادة! سلطان : بهالوقت! مستحيل .. إحنا ما نضمن تصرفات عبدالعزيز وهو معصب من موضوع تافه كيف لو كان الموضوع يخص اخته عبدالله : إن ما درى الحين بيدري بعدين! المصيبة هي نفسها ماراح تزيد ولا راح تنقص، ومهما أختلف الوقت يبقى الموضوع صعب عليهم مهما حاولتوا تخففونه! سلطان: خلنا من هالموضوع الحين، كنت أبغى أسألك إذا قد تناقشت مع بوعبدالعزيز الله يرحمه وجاب لك سيرة شي يخص شخص ثاني غير رائد وشلته .. حاول تتذكر إذا طرآ لك مرة أحد وبشكل غريب .. يعني إحنا ماندري عنه عبدالله عقد حاجبيه : لا .. كل الاشياء في الملفات والمجلدات اللي بالأرشيف مافيه شي جديد عبدالرحمن : حاولنا نوصل لسكرتيره لكن قالوا مريض وبديرته بعد! تعرف يا عبدالله أنه في ليلة الحادث وقبلها بأيام كان جوال بوعبدالعزيز كله تهديدات من رائد لكن صار الحادث ورائد مايدري عن توابع هذا الحادث! والشي اللي مهبل فيني أنه لو كان سلطان شاك واحد بالمية بجدية التهديد كان ما خذا أهله وياه .. فيه شي ماني قادر أفهمه وبنفس الوقت أحس العلم عنده الله يرحمه سلطان يسحب حلقاتٍ معدنية كانت تتراكم فوق بعضها على مكتبِ عبدالرحمن وتزيّنه، يُرتبها على الطاولة ليرمز لها : هالشخص هو نفسه المسؤول عن الحادث لكن خلانا نشك في رائد، هو نفسه المسؤول عن عزل غادة في البداية عشان يخليهم بعدين يتهمونا ويحسبونا إحنا اللي أبعدناها في البداية وإحنا اللي زورنا بالتحاليل، هذا الشخص هو نفسه المسؤول عن تعطيل سيارة عبدالعزيز عشان مايخليه يقابل رائد وعشان يخلي رائد يشك فيه، هذا الشخص هو نفسه المسؤول عن أمل اللي كانت مع غادة ..... هو اللي جالس يتلاعب فينا وفي رائد بعد! لكن مين له مصلحة في كل هذا ؟ عبدالله يضع حلقةٌ صغيرة تربط بين الحلقات الكبيرة : وهنا مقرن! اللي واضح أنه تحت ضغط هالشخص نفسه! لكن ماهو خاين! وجالس يشككم فيه مثل ما شكك رائد وشكك غيركم .. هذا الشخص جالس يمشي عليكم واحد واحد ويذبحكم بالشك بدون لا يتدخل .. يعني بالعربي يحارشكم على بعض بدون لا يوجه العيون عليه عبدالرحمن مسح وجهه بتعب : والحل الحين ؟ عبدالله : الحل الحين! المشكلة أنه رائد خرج عن سيطرتكم! وشغلكم هذا كله طار .. صرتوا مكشوفين قدامه، و ... أظن أنه الشخص *يُشير إلى الحلقة الواسعة* اللي جالس يتلاعب فيكم ممكن يتعرض لكم! وماأستبعد لو كان قد تعرض لكم لكن فهمتوها على أنه رائد وغيره. عبدالرحمن يشعرُ بأن عقله يضطرب بشدَّةٍ لا يستحملها : خاطرنا كثير يوم خلينا عبدالعزيز في وجهه! عبدالله : طيب أنا أقول دام الموضوع فيه خسارة لكم .. قللوا قوتها، يعني طيعوه في اللي يبي بس لاتطيعونه بشي كامل يعني مثلاً بنص الطريق غدروا! أظن الغدر في أشكاله شرف! سلطان : كيف نطيعه؟ الحين رائد عرفنا كلنا! وعرف طريقتنا وخطتنا! وعرف عبدالعزيز .. يعني موضوع باريس بالنسبة له أنتهى وأنه فلوسه راحت خلاص لأنه بسهولة ماراح يقدر يكمل بدون صالح اللي هو عبدالعزيز ... فهو غصبًا عنه لو يبي يكمل شغله محتاج عبدالعزيز بدون أيّ ضرر لكن .. ماينضمن الجوهي شعر بأن ضغطه ينخفض والزُرقَة تجتاح ملامحه، تجاهل كل أوجاعه ليُكمل وصوتُه يبدأ بالموت في داخله وتتذبذب نبرته في العلو والخفوت تدريجيًا : راح نبعد عبدالعزيز عنه هالفترة . . . . . . – شتت نظراته للسقف وهو يبلعُ الطعمُ المرّ الذي تدفق على لسانه – . . نشوف أول شي ردة فعله كأفعال ماهو تهديداته اللي ماتنتهي ونقرر بعدها عبدالرحمن : أنا أقول كذا لكن صعبة نصبر بعد عبدالله يُراقب حركات سلطان التي بدأت تتجمدُ معه مفاصله حتى سقطت الحلقة الحديدية الصغيرة من بين أصابعه لتُصدر طنينًا في وسط الطاولة الزجاجية. يُثبت عينه : سلطان ؟ لم يشعرُ بشيء سوى جرف الحرارة التي ترتفع من رئتيه مرورًا بقلبه إلى حنجرته، تتضببُ رؤيته وغبارٌ يطغى على الملامح، هذا العالم يلتف بلا توقف، تغيبُ الملامح عنِّي في الوقت الذي يجب به أن أكون مستيقظًا، يشعرُ بشيءٍ يعيق عليه عملية تنفسه، سقط جانبًا بقوةٍ مُهيبة و بجانبِ صدره يحمرُّ ثوبه لتتسع بقعة الدماء التي يغرق بها، بخطواتٍ سريعة خرج عبدالرحمن ليصرخ : أطلبوا الإسعاف!!! ، تنزلُ دمعاتها الشفافة بصمت وهي تسمعُ الطرف الآخر من الهاتف، تؤمن بذلك وهي أمام هذا الغرق الكبير الذي يجتاحها، كيف تقوى؟ كيف تنطق بإنسيابية دون أن يتعثر لسانها، يأتِ صوتها الحنُون : يا ريم أنتِ غلاك من غلا الجوهرة وأفنان .. ما يصير كذا من أول مشكلة رحتي! أتركي لنفسك فرصة على الأقل! لو كل البنات سوو مثلك كان نصهم مطلقات! أكسبي بيتك وزوجك وكل شي له حل ريم بضيق لا تعرف ما يجب عليها قوله وما لا يجبْ، لتُكمل : ريان وأبوه إن شاء الله جايينكم بكرا! ريم بخفُوت : إن شاء الله على خير أم ريان : يا يمه أنا ما أتصلت عليك إلا وأنا أبي لكم الخير! ماهو عاجبني لا حالك ولا حاله ... الله يبعد عنكم كل ضيق وحزن ويجمع قلوبكم على بعض عقدت حاجبيْها، شعرَت بأن قلبها الذي بحجمِ الكفّ يتفكك، لا تتزن في تفكيرها ولا تعرف مالصح ومالخطأ، ما ينبغي فعله ومالاينبغي، يا ربّ الفرح خُذنِي لديارٍ لا تبكِي. أم ريان : تآمرين على شي؟ ريم : سلامة قلبك أم ريان : بحفظ الرحمن يا بنتي ... وأغلقته. وضعت رأسها على ركبتيْها لتنخرط في بكاءٍ عميق، بدأ الندمُ يتشكل كصداعٍ في جبينها الناعم، لو أنني لم أوافق؟ لا أريد يالله أن أفتح للشيطانِ بابًا ولكن ليس هُناك أشدٌ حزنا من الندم، ليس هُناك معنى يصف الشعور بالندم أبدًا لقلبِي الصبي، لم أنضج تمامًا حتى أقف بثبات أمام كل هذه الأشياء المتداخلة. على مسافاتٍ بعيدة في شرقِ المملكة : وش؟ يمه مو قلت لا تتصلين!!! والدته :أنا كلمت أبوك وبكرا بتروح لها ريَّان بغضب : يمه أنتِ على عيني وعلى راسي لكن مشاكلي ماأبي أحد يتدخل فيها! تدخلتِي بزواجي وقلت يالله معليه!! لكن تتدخلين بعد بهذي لا وألف لا والدته بضيق : تعال أضربني بعد! ريَّان : أنتم بقيتوا فيني عقل .. ماعاد أفهمكم من خلفه بصوتِه الحاد : لا تعلي صوتك على أمك!! ألتفت لوالده : عاجبك اللي يصير! هذا اللي ناقص شوي وتترجاها وتكفين أرجعي يا ريم! والده : كلمة ثانية يا ريَّان بحق أمك وماتلوم الا نفسك! ... تروح الرياض وتجيبها معك أما سالفة أنك بتخليها معلقة تحلم!! بكرا تلحقها الجوهرة وأفنان وأنت عارف أنه الجزاء من جنس العمل ... يا تطلقها يا ترجعها غير هذا مافيه والدته بإندفاع : وش يطلقها! ما كملوا إلا شهر وتبيهم يتطلقون!! والده : أستح على وجهك غيرك عياله طوله وأنت من أول مشكلة أنهبلت! اعقل وخلك رجَّال وروح جيبها معك ريَّان : أشوفكم واقفين بصفَّها! والده : واقفين مع الحق! انا عارف ومتأكد أنه السبب منك أنت مو منها! من رجعتوا وأنا ماعاد أشوفك بالبيت! طول يومك برا من عذرها يوم تزعل وتروح بيت أهلها تنهَّد بغضب : طيب! راح أرجعها وغير كذا ماراح تتدخلون في حياتي وزي ماأبي بتصرف ! .... خرج بخطواتٍ مستثارة بالحدَّة. تراجعت للخلف وهي تأكل تفاحتها الصفراء، لن تنتهي المشاكل أبدًا في هذا البيت. صعدت لغرفتها لتُثبت الهاتف بكتفها وتُكمل أكلها. أجابتها : ألو أفنان : مساء الخير الجوهرة : مساء النور ... تآكلين؟ أفنان بسخرية : من حرقة الأعصاب اللي صايرة في بيتنا! صايرة أحط حرتي بالأكل الجوهرة : ليه وش صاير؟ أفنان : من غيره ريَّان، تدرين أنه ريم عندكم! الجوهرة : متهاوشين ؟ أفنان : إيه ... والحين عصب من أمي عشانها كلمتها بس يقول بكرا بيروح يجيبها الجوهرة بسخرية : والله إحنا عايلة بالمشاكل محد يغطي علينا أفنان أبتسمت : قالتها قبلك عبير! كل آل متعب لو مالقوا أحد يتهاوشون معه تهاوشوا مع نفسهم الجوهرة : خليها على ربك .. صدق أبوي شلونه؟ أفنان : بخير على حاله .. الجوهرة : الحمدلله أفنان : شفتي تركي غيَّر رقمه وما أرسل لنا الرقم الجديد! وأمي تقول أنه متهاوش مع أبوي ومدري وش سالفته! ياربي بس عاد تركي مفلِّم مرة من هوشة يزعل ويقطع أرتبك قلبها لتلتزم الصمت دُون أن تعلق بأيّ كلمة، أردفت أفنان : ألو؟ الجوهرة : معك أفنان : عندك رقمه الجديد؟ تكلمينه؟ الجوهرة : لا من وين بجيبه أفنان : يختي ليه كذا يصير فينا! يعني أخو أبوي من لحمه ودمه يقطع فينا كل هالفترة ويغير رقمه ومايقولنا! الجوهرة بغصّة تشابكت مع حبالها الصوتية، الذي من لحمه ودمه لم يصون عرضَه قبل كل هذا حتى يحفظُ حقوق أهله عليه : أكيد بيرجع زي كل مرة أفنان : بس هالمرَّة طوّل! طوّل مررة الجوهرة تنهدت لتُضيّع الموضوع : أبوي بيجي معاه الرياض؟ أفنان : أمي قالته لريم لكن شكله ماراح يروح من كلامه مع ريان ...... أنتِ قولي لي وش أخبارك مع سلطان وعمته؟ الجوهرة : تمام الحمدلله أفنان بسخرية : يعني كأني منتظرة غير هالإجابة أنتِ حتى لو ميت عندكم أحد قلتِ الحمدلله بخير الجوهرة : وش تبيني أقول يعني؟ والله محنا بخير وشوي ونموت من الضيق أفنان : طيب طيب حقك علينا لا تآكليني ، وضعت يدها على قلبها الذي ينبض بشدَّة تجاوز أيّ شدةٍ سابقة، نظرت لضي التي تضمُ وسادة نحو بطنها الذي لا يفكُّ عن إيلامها : بيصير زي 2006 ! يالله لا ضي : وش صار في 2006 ؟ عبير بصوتٍ خافت تشعرُ بأن الأمان يتلاشى من قلبها : وقتها جلس أبوي 3 شهور ما يتحرك من سريره ضي بحشرجة الخوف : لا إن شاء الله .. ربي لا يعيده عليهم! ....... عطيني جوالك عبير تمدّه لها لتتصل على رجُلها الوحيد، الله يعلمُ أنه منذُ أن تشابكت يدي بيدِه أبصرتُ الحياة من جديد، الله يعلمُ منذُ أن رأيته ولدتُ من جديد، يالله إنه لا يعجز عنك شيئًا فأبقِه بجانبِ قلبي. على بُعدِ مسافةٍ قصيرة كانت تجلسُ بمقابله وهو يستلقي على السرير يتأملُ السقف ويغرق بتفكيره وعلى بطنه يستقر السلاح وهو يتلاعبُ بأصبعه ليجعله يدُور بتأنِي يُشبه تفكيره الذي يبتعدُ عن الواقع بأشياءٍ كثيرة. مسكت رقبتها المشتعلة بالحرارة، لتقف متجهة إلى الحمام غسلت وجهها بالماءِ البارد لتُثبت كفيَّها على المغسلة، يالله كم يلزمنا من قوة حتى نتحمل كل هذا، تعبتُ من الحزن الذي يتسلل إليْ في كل مرَّة أريد بها أن أبتسم، تعبت من أن أخفي مشاعري وأكذب بها، تعبت من أن أحزن وأكابر وأنا والله لستُ إلا كاذبة جيِّدة، تعبتُ منك يا عزيز، تعبت من عيناكِ الغاوية، تعبت منَّا كلانا، أيّ هدنة نتحدثُ بها؟ هذا والله هراء. تسترجعُ في الأسبوع الماضِي كيف أتفقا على الهدنة بعد ليلةٍ بكت بها وأجهشت بالبكاء أمامه، كلماته التي أتت مؤلمة لقلبها الذِي يشيبُ على حبه " طيب يا رتيل أنا ماعندي مانع! قلت لك قبل هالمرة خلينا ننسى كل اللي صار على الأقل هالفترة وبعدها قرري بكيفك وش تبين! تعاملي معي كعبدالعزيز بس! أعتبريني أيّ شخص وأنا بعتبرك بعد أيّ شخص هالفترة وبعدها يصير خير! .. أتفقنا ؟ " كيف مرَّت الأيام بعد الإتفاق هادئة تصخبُ به ضحكاتهم، لا تعرف كيف الدنيا تفتحت وأصبحت ربيع بمجرد غياب أثير لعدةِ أيام مع والدها خارج باريس، كيف للحياة كل هذا الإغراء بمجرد ما أستشعرت أنه ينام لوحدِه ويستيقظ لوحدِه دون أن يراها، أن يأكل أيضًا لوحدِه، هذه الأنانية التي جعلتني أفكر بهذه الصورة جعلت أيامي الماضية " جنَّة " ولكن سُرعان ما تلاشت، عادت وعاد حُزني معها وعُدت أنت كشخصيتِك التي لن تتغيَّر أبدًا. سحبت منديلاً لتخرج ولم تراه على السرير، أنقبض قلبها بخوف حتى تنهدت براحة وهي تراه يسكبُ له من الماء. ألتفت عليها : قلت ماراح أطلع وجالس عندِك .. وش فيك خفتِي! جلست على طرف السرير : ولا شي جلس بجانبها ليمدّ لها كأس الماء، تعلقت عيناها بيدِه لثواني حتى أخذته، شربت الرُبع منه وهي تُبلل قلبها ببرودتِه، أخذه منها ليشرب من موضعها، ألتفتت عليه لتتشبثُ عيناها بفمِه، ماذا تفعل بي يا عزيز؟ بربِ السماء ما أنت بفاعلٍ بقلبٍ هشّ ؟ تقتلني أكثرُ من مرة وتُشتتني مرَّات ومرات، والآن ؟ مالذي تُريد أن تصِل إليْه؟ إنِي أسألك بحقِ الأيام التي ضاعت بيننا ماذا تريد؟ إني أسألك بحُزنِ عيني التي منذُ أن رأتك أغمى عليها، حياتِي لك، قلبِي لك، وكل التفاصيلِ لك ولكن لمرةٍ واحِدة أعدنِي إليْ. وضع الكأس على الطاولة ليلتفت إليْها وبهدُوء : في كل مصيبة لي لازم ألقاك بوجهي! ... أظن هذا له دلالة قوية رتيل تُشتت نظراتها : أصلاً لولا أبوي تأكد أني ماكنت راح أجيك بس قال ضروري عطوا الجوال لعبدالعزيز عبدالعزيز : وأنا مصدقك رتيل الذي فهمت من نبرته أنه يسخَر : أنت بنفسك سمعت عبدالعزيز : والله مصدقك يا بنت الحلال .... قطع الصمت الذي ساد لبُضعِ دقائق .... يوم جيتيني وراسِك مغطيه الشاش، وش كان صاير لك ؟ ضحكت بسخرية : بدري سؤالك! عبدالعزيز بمثل نبرتها : أعرف أروض نفسي وفضولها بسهولة! رتيل : طحت عبدالعزيز : وين ؟ رتيل : ببيتنا بعد وين! طبعا عشان تحس شوي على نفسك تراها بسببك عبدالعزيز الذي كان يشعرُ بأن خلف الجرح الذي بين حاجبيْها حكاية ولم يخيب توقعه : وش سويت هالمرة بعد ؟ رتيل : سمعتك وأنت تبشر صاحبك كيف أنه شخصيتي تصلح لفترة مؤقته وبعدها خلاص! عبدالعزيز : وبس هذا اللي سمعتيه؟ رتيل بقهر وهي تتذكرُ كل كلمة، كل حرف نُطِقت به شفاهِه لتنغرز بقلبها، مازالت آثار حدِيثه باقية في قلبي ومازال جبيني الذي يشهدُ بالحزن معي بالندبَةِ الواضحة بين حاجبيّ أيضًا باقية : ما أبغى أتذكر ذاك الموضوع، ممكن ؟ عبدالعزيز : أكيد ممكن بس على فكرة كلامي مع ناصر ذاك اليوم كان في وقته يعني تغيرت أشياء كثيرة بعده رتيل تُعيد كلماته بحزنٍ يستعمر قلبها : أنا أعرف كيف أتكيف مع أثير وأقدر أعيش معها .. متى بس أنتهي من هالحياة وهالرياض وأفتك منها وأعيش زي ماأبي بدون أيّ أحد من هالعايلة .. عبدالعزيز : كل شي يتغير حتى قناعات الشخص رتيل : وش تغيَّر فيك يا عبدالعزيز ؟ أنك صرت عادل ماشاء الله وماتبي تظلم أثير عبدالعزيز : أنتِ دايم تحطين نفسك قدام أثير ماهو قدامي .. لآ تقارنين وبترتاحين رتيل بعصبية : لأنه عمرك ماراح تحس بشعوري وأنا أشوفك معاها! مهما حبيتك .. ماراح أقبل والله لو أيش أني أتنازل وأرضى بأنها تشاركني!! عبدالعزيز تنهد : هالموضوع لو فتحناه ماراح يتسكر رتيل : أنتم الرجال تحسبون الحريم مايقدرون يعيشون بدونكم لأنهم ببساطة يموتون فيكم! لكن صدقني مافيه بنت تحب وتنسى عقلها! مهما جنَّت فيك بالنهاية تقدر تنسحب بهدُوء وتعيش عذابها مع نفسها بدون لا تشارك أحد فيه لكن أنتم تنسحبون وتظلمون بنات غيركم لأنكم تدورون عن اللي تحبونه في الغير بس البنت عمرها ماتدوِّر أحد! إما أنه يجيها اللي تبيه ولا تبطِّل حُب، هذا الفرق بيننا وبينكم! عبدالعزيز : وأنا ما دورت عليك عند أثير! حطي هالشي في بالك رتيل : سوّ اللي تبيه وعيش حياتك مثل ماتبي لكن ماراح تقدر تجمعني معها أبد! .. ماراح تقدر يا عبدالعزيز لو صار أيش ما صار! عبدالعزيز بقسوة : وليه ضامنة أني أبيك في حياتي! رتيل بحدة تنظرُ إليه، هذه الحدة التي تلمعُ في عينيها كدمعة تُسجن في محاجرها، صمتت وعينيْها التي أستلمت الدفاعُ عن كلماتها، لوَت طرفِ شفتها السفلية إلى الداخل وهي تشدُّ عليها خشيةً من البكاء. كان سيتحدث لولا صوتها الخافت : متناقض! عمرك ماراح تعرف تفكر زي الناس! قلت هدنة وأنا أعرف وش غايتك منها! وقلت يالله ورجعت بكلامِك لأنك ماتعرف تثبت على رآي! عبدالعزيز بجديته أقترب منها : آسف رفعت عينها بدهشَة من أنه يتنازل ويعتذر، رمشت كثيرًا حتى تستوعب ما قاله، صعبٌ عليها أن تُصدِق هذا الأسف بإنسيابية صوتِه. : أنا ماأعرف بالهدن شي ... رتيل : تعتذر عشانك ماتعرف بالهُدن شي؟ عبدالعزيز : قلبك مثل ما يبي يفهمها يفهمها رتيل عقدت حاجبيْها : تنازل لو مرَّة! عبدالعزيز بإبتسامة يقتل بها قلبها : أعتذر لمقامِك السامي يا رتيل بنت عبدالرحمن بن خالد آل متعب .. أتمنى أنه تنازلي هالمرة ما تجحدينه مثل ما جحدتِ غيره وتعرفين أني قادر أعتذر متى ما أخطأت بدون لا ينقص هالشي منِّي رتيل بتلذذ في " تفشيله " : وإعتذارك مرفوض. عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههههههه هههههه شكرًا لك رتيل : العفُو يا ... بو سلطان عبدالعزيز غرق بضحكتِه ليُردف بخبث : مين بيجيب لي سلطان ؟ رتيل : الله يخلي لك أم عيالك اللي تبيها في حياتك ... أردفت كلمتها الأخيرة بسخرية لاذعة على كلماته الأخيرة معها. عبدالعزيز : يعني أفهم أنه حياتي ماهي مغرية لك؟ رتيل رفعت حاجبها وهي تقلدُ صوته بطريقةٍ ساخرة : أنتِ ماراح تكونين أول بنت في حياتي! أنتِ مستحيل تكونين أول بنت! أنتِ ... وأنتِ وأنتِ ... أذكرك إذا نسيت عبدالعزيز : أجل أنا أعتذر عن كلماتي بعد .. تقبلين إعتذاري يا حرم عبدالعزيز العيد ؟ فهمت من كلمته الأخيرة كيف يُريد أن يربط مصيرها به، أخذت نفسًا عميقًا وهي تنظرُ لإبتسامته التي تُربكها، أخشى على نفسي من هذه الإبتسامة وفتنتها. أردفت : أفكر عبدالعزيز بضحكة وكأنه يحاول أن يهرب من واقعه بكلماته معها، يحاول أن ينسى ما يحدث بالخارج : طيب يا أم سلطان فكري وخذي راحتك بالتفكير رتيل شتت نظراتها بعيدًا عنه : ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههه عفوًا؟ عبدالعزيز : أحاول أكون لبق وذوق بس عاد الشكوى لله رتيل : بوردون عبدالعزيز تذكر أشهرُ ما يحفظه من الشعر الفرنسي لينطق بلكنته الفرنسية المكتسبة : tu peux dire à la rivière de ne plus couler .au soleil de ne plus coucher et même à la terre de ne plus tourner mais jamais à mon cœur de ne plus t'aimer " يمكنك ان تقولي للنهر أن لا يجري أبدا، للشمس أن لا تغرب أبدا و حتى للأرض أن لا تدور أبدا لكن لاتستطيعين مطلقا أن تقولي لقلبي أن لا يحبك أبدا. " رتيل التي لم تفهم ولا كلمة مما قيل أردفت : طيب ترجم عشان أفهم! عبدالعزيز بلكاعة يغيِّر المعنى : أن الحياة ما توقف عليك وأنه رجل مثلي بإمكانه نسيانك في الوقت اللي يفكر فيه كيف يقضي فراغه مع أصدقائه رتيل : شفت الوقت اللي أسرِّح فيه شعري ؟ في هذا الوقت أنا قادرة أنهيك مثل لما أتهوَّر وأقص خصلة من شعري عبدالعزيز : تتهورين! لهدرجة مسألة نسياني تعتبر تهور بالنسبة لك رتيل أنقهرت من تمويهِه لكلماتها : أفهم على كيفك! عبدالعزيز أبتسم : جوتيم .. أترجمها ؟ رتيل : ههههههههههههههههههههههههه ههههه مغازلجي فاشل! عبدالعزيز و يحجِّرُ لها : أجل علميني كيف الغزل يكون؟ نتعلم من خبرتك رتيل بضحكة تستفزه لتلتفت عليه بكامل جسدِه وهي تقترب منه : يقولك خالد الفيصل سلم المحبه ما وطا الزين ناطاه، حد الخطر لعيون خلي وطيته ، والي يودك كل ما منك يرضاه ، حتى عذابك يا حبيبي رضيته . . عبدالعزيز غرق بضحكة طويلة ليُردف : الله يعاقبني دام مخليني بارد والدنيا قايمة برآ ، يقف بإتزان بعد أن أجتاحته برودة التبلد وخاب كما يخيبُ الجميع، لم تكُن هناك فرصة أن أضطرب أو أقلق فقد فقدتُ كل أملٍ يتعلق بها، بصوتٍ هادىء : هل بإمكاني أن أتحدث .. أمر ضروري : بالطبع .. تفضل. ضغط الموظف الأشقر على رقم غرفتها ليُسلِّم السماعة ليدِ فارس، أخذ نفسًا عميقًا ليلفظ بصوتٍ حاول أن يُغلظه أكثر لتتغيَّر النبرة : عبير؟ عبير بنبرةٍ يتضح بها الخوف : أيه!! فارس : إذا ممكن تنزلين! عمك مقرن ينتظرك تحت عبير : مين أنت ؟ ليه مو هو اللي أتصل فارس : تبين تكلمينه؟ هو قاعد يكلم أبوك لكن إذا تبين الحين أخليه يكلمك عبير بإقتناع : و عبدالعزيز ؟ فارس : ماهو موجود .. على العموم لازم تنزلين بسرعة عبير : بروحي؟ فارس : إيه .. إذا تبين أتصلي على أبوك وأسأليه عبير : لآلآ خلاص .. ثواني ونازلة أغلقه ليتجه بخطواتٍ سريعة نحو المصاعد ويتجه نحو طابقهم، ألتفتت على ضي التي أستسلمت للنوم بتعبٍ شديد، أخذت هاتفها وخرجت بهدُوء لتضغط على المصعد، أنتظرت وهي تتشابكُ بأصابعها بقلق، أنفتح لتحاول الدخول ولكن من خلفَّها شدَّها وهو يكتمُ أنفاسها بقوةِ كفِّه، همس وهو يُقرِّب المشرط الحاد من ملامحها : ولا كلمة ! لم تستطيع أن تراه وهو يحاصرها من ظهرها، ولكن صوتها تشعر أنها سمعته من قبِل، لم تُطيل التفكير والتخمين بمن صاحب هذا الصوت وهي تنتفضُ وتحاول أن تُبعده ولكن بتهديدٍ لاذع أستسلمت : عبدالعزيز . . رتيل . . ضي . . ؟ مين تبين بالضبط ؟ فهمت ما يقصد، لتهدأ، سحبها للمصعد ولم يجعلها تراه وهو يحاول أن يثبِّت كتفيها من الخلف، أنهمرت دمعاتها وهي تتوقع أسوأ السيناريوهات التي ستحدث بعد قليل، لا تعرف كيف تتخلصُ من هذا الرجل؟ وكيف تهرب! كيف تصرخ لعبدالعزيز وتناديه! يا غبائي! ليتني جلست مثل ما قال عبدالعزيز، كيف صدقت أن عمي مقرن يُريدني! فتح المصعد ليسحبها بيدِها دُون أن يلتفت عليها وهي لا ترى سوى شعره القصير من خلفه وجسدِه العريض، أركبها السيارة ليكتمُ أنفاسها بقوةٍ جعلتها تستلمُ للإغماءة المفتعلة بعد أن أتسعت محاجرها وهي تنظرُ إليه وتتعرفُ على وجهه، هذه آخر الحلول يا عبير! و رأيتك بأسوأ موعدٍ عرفهُ الحب، ومسكتُ يدِك بأسوأ لقاءٍ من الممكن أن يكُن، أنا آسف هذه المرة لأني سأجعلك تشعرين بحُرقة الذنب ونظر الله إليْك، ليتني أملك هذه الخشية من الله لمَا تجرأت أن أُسمعكِ صوتي. ، أقتربت من الدرج وهي تتمسك بقبضته، شعرت أن قلبها يندفعُ بالعمق إلى بطنها، تشعُر بالنبض في بطنها يؤلمها بشدَّة، تيبست يدَها على طرفِ الدرج والضباب يغشى رؤيتها، كانت تُريد أن تنادي أيّ إسم وعقلها يدُور بها بلا ثباتْ/إستقرار، شعرت بوَجعٍ وكأنها تحتضِر، وضعت يدها على بطنها المنتفخ لتحاول أن تبتعد عن الدرج ولكن لم تكُن ترى شيئًا سوى بياضًا بإمكانه ان يعيقها عن الحركة لتنزلق من أعلى الدرج ورأسها يرتطم بقوَّة. كان صوتُ سقوطها مهولاً في بيتٍ هادىء كهذا، رفع عينه : هذا أيش ؟ هيفاء : يمكن شي من المطبخ! يوسف مسك هاتفه ليسمع صرخة الخادمة، تركه وهو يهرول سريعًا لتتسع محاجره من منظرها! كانت الدماءُ تنزفُ من رحمها، رفع رأسها من الأرض ليضعه على فخذِه، هيفاء المندهشة ركضت للأعلى نحو جناحهما لتجلب عباءتها، وضع يده على رقبتها ليتحسس النبض والدماءُ بدأت تغرق كفوفِه، غطاها ليحملها متجهًا نحو سيارتِه ومعه هيفاء، وضعت هيفاء رأسها على فخذيْها بالمرتبة الخلفية لينطلق يوسف بسرعةٍ جنونية. عقله غائب عن كل شيء، لا يستطيع التفكير بأيّ شيء وبأيّ تفصيلٍ صغير، مشتت ضائع لا يملك أدنى فكرة عن شعوره في هذه اللحظة. هيفاء التي كانت ترتجف وهي تحاول أن تدعي بكل شيءٍ عملته في حياتها، لا حيلةً لها غير ذلك، نظرت لنهايةِ أقدامها والدماء التي تصلُ إليْها! هل هي تُسقِط الجنين الآن أم لا ؟ يالله أحفظها وأحمها. ركن سيارته بمكانٍ خاطىء دُون أن يلتزم بأيّ مرورٍ وتعليمات، أدخلها إلى الطوارئ وقلبهُ يرتفع ويهبطُ بعلوٍ، مسح وجهه بكفيّه لينتبه بأن صمته هذا يجعله ينسى اللجوء إلى الله، في داخله بحّت نبرةُ قلبه بالدعاء، يارب لا تُريني بها مكروهًا. جلست هيفاء وأصابعها تتشابك ببعضها البعض، تشعرُ بأن أمرًا سيء سيحصل، لا تعرف كيف تتحمل هذا الشعور! ولكن هُناك أمرًا يُخبرني أنه سيصيبها شيء، كل هذه الدماء لن تجعلها تسلم إلا .. إن رحمها ربي، يارب أرحمها وأرحم ضعفها ولا تُرينا بها مكروهًا. أستغرقت الدقائِق الطويلة وهو يسيرُ ذهابًا وإيابًا، كل أعصابه بدأت تفلت منه وهو ينتظر أحدًا يُطمئنه، بعد تضاربِ قلبه الشديد خرجت الدكتورة : أنت زوجها؟ يوسف : إيه .. كيفها الحين ؟ الدكتورة : هي بخير الحمدلله .. لكن مقدرنا ننقذ الجنين .. يعوضك الله ... تركته وهي تجهل ماذا سببت له! تجمدَّت أقدامه على الأرض دُون أن يفهم شعوره، يجهل نفسه، صمت رهيب يُعيق لسانه عن الكلام، قبل أيام كنت أراه بعيني وهو في رحمها واليوم؟ في اللحظة التي شعرتُ بها بالأبوَّة غادرني هذا الشعور أسرعِ مما يُمكن، في اللحظة التي بدأتُ أحسب كم أسبوعًا بقي حتى أراه، رحَل. ولكنِي أريده يالله! كنت أتوق لرؤيته كثيرًا! تنهد بطريقةٍ جعلت دمعة هيفاء تنزل بهدُوء، همس : الحمدلله على كل حال ... ألتفت عليها .. خليك بروح الحمام وراجع لك ... أتجه ليتوضأ بخطواتٍ خافتة ليعقب ذلك لمصلى المستشفى، لأن لا أحد يواسي خيباتنا، لا أحد يواسي أحزاننا سوى الله فأنا لا أعرف طريقًا للشكوى سوى السجود، لأني أحتاجك يالله أن تربت على كتفِي وتُجلي حزني، أحتاجك أن تُخفف هذا الحزن، في المرة التي أردتُ بها أن تكون الحياة " إبني " مات. ، في ليلِ الرياض الطويل، كانت تتوضأ في مغاسلِ الصالة لتطل عليها حصَة : أيّ صلاة؟ الجوهرة : لا مو صلاة! بس كذا من كثر ما أشوف سلطان يتوضأ صرت زيه أبتسمت : عقبال ماأكسب هالعادة الجوهرة وهي تُغلق صنبور المياه : حلو الواحد يكون على وضوء دايم يعني وش بتخسرين كل مادخلتي الحمام توضي كلها دقيقة وتخلصين! حصَة : السالفة مو كذا بس تنسين إذا ماكان وقت صلاة الجوهرة بهدُوء : أنتِ ماتعرفين متى تقبض روحك فخليك دايم على طهارة . . . سمعُوا صوت السيارة بالخارج . . . هذا أكيد عمي جاء . . حصة : طمنيني ولا تخليني أنتظر الجوهرة : إن شاء الله . . . . دخل لتُقبِّل رأسه، وبقلق : وش صار عليه ؟ عبدالرحمن : ماعليه خوف لكن أمرنا لله بيجلس في المستشفى هالأيام الجوهرة : بس مافيه شي ! يعني واعي لا تخبي علي شي عبدالرحمن : واعي وكلمته والحمدلله الجوهرة برجاء : طيب طلبتك خلني أروح له عبدالرحمن تنهد : وين تروحين له! خليك مرتاحة وهو صدقيني بخير .. الجوهرة : الله يخليك عمِّي! لا تردني بمُجرد ما نظر لعينيْها حتى رضخ، هذه العينيْن مقنعة وجدًا : طيب ... روحي ألبسي عباتِك ركضت الجوهرة للأعلى ليبتسم عبدالرحمن، هذه الجميلة بقُربِ بناته وأكثر، حظُك يا سلطان البائس أظنهُ يبتسم إن أتى بإتجاه جوهرتك. نظر لعائشة : جيبي لي مويا عائشة بغمضة عين مدَّت له الكأس، رفع حاجبه عبدالرحمن بشكٍ من امرها المُريب : فيك شي؟ صاير شي هنا عائشة : لآ بابا .. الحين بابا سولتان شنو فيه عبدالرحمن ضحك ليُردف : الله يرزقنا حُبكم لهالسلطان! مافيه شيء بخير الحمدلله عائشة بنبرةٍ سريعة : أنا واجد خوف بابا هادا بابا سولتان واجد زين هو مو واجد زين بس يأني*يعني* هرام*حرام* عبدالرحمن أبتسم : ليه مو واجد زين؟ وش مسوي لك! عائشة بإبتسامة واسعة : يأني هو زين انا ما يقول مو زين بس واجد آنقري*عصبي* عبدالرحمن يرفع عينه للجوهرة التي تلبس نقابها، مد لها الكُوب : شكرا عائشة : أفوَّا خرج مع الجوهرة متجهان للمستشفى، بنبرتها الخائفة : قلت له لا يروح بس ما سمع كلامي! عبدالرحمن : الحمدلله عدّت على خير بس هالمرة مستحيل يخلونه يطلع من المستشفى! عاد الله أعلم كم بيجلس يمكن أسبوع وأكثر. الجوهرة : طيب وش اللي صاير في شغلكم ؟ عبدالرحمن وهو يقف عند الإشارة الحمراء : تعرفين سلطان وش وظيفته بالضبط؟ الجوهرة : لا عبدالرحمن بإبتسامة : إذن ماراح تعرفين وش صاير الجوهرة : لا يعني أبي أتطمن عبدالرحمن الذي يشعرُ بأن اليوم كان ثقيلاً على قلبه أكثر مما يجب، ولا يعرف كيف سينام الليلة وعائلته هُناك! لا تكفي إتصالات عبدالعزيز لا يكفي هذا الإطمئنان من عزيز : كل شيء تمام الحمدلله .. تطمني. تمرُ الدقائِق طويلة شاقَّة في تقاطعات الرياض المزدحمة حتى ركن سيارته في مواقف المستشفى : يمكن نايم ماراح نطوّل طيب لأنه ماهو وقت زيارة الجوهرة :طيب . . . . دخل معها وبمسافةٍ قصيرة فتح باب غرفته المخصصة، ألتفت عليها : نايم! فتح عينيه وهو الذي كان يحاول أن ينام بعد أن أستغرق يومه في النوم تحت وضعية التخدير، أبتسم بوسعود : كويِّس مانمت! نظرت إليْه وهي ترى شحُوب ملامحه وصُفرةِ ملامحه المربكة لحواسِّها، عقد حاجبيه ليلفظ ببحة : ماكان له داعي عبدالرحمن : أعقل هذي مرتك وتبي تتطمن عليك! .. جوهرة حبيبتي ماعليك منه أجلسي وبجيك بعد شوي ... وخرج. أقتربت منه : تحب تعذب نفسك وتعذبنا معاك سلطان بضيق : عسى ما روعتي عمتي؟ الجوهرة : لآ .. كيفك الحين ؟ سلطان : أنتِ وش شايفة ؟ الجوهرة بوجَع والدموع ترتفع بسلالمٍ هشة نحو عيناها : ممكن تتكلم معايْ بأسلوب أكثر لباقة سلطان : مو قلت ماأحب أحد يجيني المستشفى! ألتزمت الصمتْ وهي تتأملُ ملامحه التي أشتدَّت، أعرفُ أن التعب يجعل الشخص يرضخ قليلاً ولكن أنت يا سلطان شيءٌ آخر، شيءٌ لا أعرف ما منتهاه! مرةً أقُول أنك وطن ومرةً أقول أنك منفى. يلتفت عليها : تطمنتي؟ الجوهرة : بتطردني يعني؟ سلطان بهدُوء : أنا سألتك الجوهرة تنزع نقابها لتستفزه وهي تحاول أن تُوصل له بأنها ستطيل المكوث، غرق في عينيها اللامعتين لتُردف : جوابي وصل ؟ سلطان نظر للجهةِ الأخرى دُون أن ينطق بكلمة أو حتى حرف. أبتسمت، لتجلس على السرير بجانبِ بطنه مما جعله يزيح قليلاً، هذه المرَّة من يستعمرك ويعبثُ بك : أنا ولست أنت، أيقنت أن الحياة أقبح من أن أتحداها بالقوَّة، أيقنت تماما بأن الخيبة التي تترسبُ في قلبي أخفُ وجعًا من أن أقسى وأُكابر، وضعت كفَّها على كفِه الباردة بإستحلالٍ تام لجسدِه : أقدر أرجع أسألك مرة ثانية كيفك؟ كان يعرف ما خلف هذه النبرة، يشعرُ بلمسةِ كفِّها وبالكلمات التي تنتقل من جلدها إليْه، يعرف تماما ما تقصد وما تعني بجملتها، تستفزني كثيرًا في وضع لا أستطيع به أن أقف وأروضها، أبتسم ليُعاكس البركان الذي يشتعل في صدره : وأقدر أجاوبك مرة ثانية وأقولك أنتِ وش شايفة ؟ أبتسمت بطريقةٍ لاذعة مستفزة لعينيْه التي تعلقت في شفتيْها : طيب الحمدلله، عمي عبدالرحمن يقول أنك بتجلس أكثر من أسبوع طبعا ماراح تخليني أنا وعمتك في البيت محروقة أعصابنا! ياليت تتحمل زيارتنا الثقيلة يوميًا .. " شدَّت على كلمتها الأخيرة " عض شفتِه السفلية : عندِك دقيقة وحدة لو ماأبعدتي عن وجهي بتشوفين شي . . وضعت أصابعها برقة على شفتيه لتمنعه من الكلام وهي تستلذُ بتعذيبه : أشوف إيش؟ معليش يا سلطان أستحمل لو أنك جالس في البيت وسمعت كلامي ماصار كل هذا! لكن أنت تحب تأذي نفسك وتأذينا معك سلطان يعضّ أصابعها لتسحبها بقوة وهي تُطلق " آآه ": أنتهت الزيارة مع السلامة الجوهرة بعناد : أنتظر عمي يجي .. ولا تبيني أطلع وأدوِّر عليه سلطان بهدُوء : والله شكلك شايلة في قلبك كثير والحين تردين عليّ فيه! الجُوهرة بمثل إبتسامتها المستفزة التي تتصارعُ مع ملامحها الناعمة البريئة : ماعاش من يشيل في قلبه عليك سلطان : الجوهرة أحفظي نفسك أحسن لك الجوهرة : جرِّب شوي الشعور اللي تخليني أحسه كل يوم سلطان بحدة : جاية تتشمتين! الجوهرة بجدية : أبوي ما رباني على الشماتة سلطان : أتصلي على عبدالرحمن وخليه يجي ولا عاد أشوفك هنا الجوهرة بهدُوء : قلت لك تحمَّل زيارتنا الثقيلة! سلطان بغضب : لآ تعانديني قلت مافيه يعني مافيه! الجوهرة : طلبك مرفوض سلطان حاول يستعدِل بجلسته ليُفرغ غضبه بسهولة ولكن يدِها توجهت لصدره لتُرغمه على الإستلقاء وبصوتٍ خافت : يعني وش فيها لو جيناك! حرام ولا عيب! سلطان : عندي حرام وعيب ومكروه! دخلت الممرضة الناعمة لتطمئن على وضعه، لم تكن نظرات سلطان تتوجه إليْها بقصدها ولكن من غضبه شتت نظراته عليها دُون حتى أن يُفكر بتفاصيل الوجه الذي يراه. بحركةٍ جريئة لم يتوقعها أبدًا وضعت يدها على ذقنه لتلفهُ نحوها . . . . ، يُطيل النظره به دُون أن يفهم ما يقصده بكلماته : طيب؟ : وش طيب! أنا أقولك اللي عندِي! مو تبي تطلع حرتك ناصر : إيه كلهم بلا إستثناء من سلطان إلى فيصل : خلاص أعتبر موضوعك خالص، خلال يومين بنفسك راح تنتقم لنفسك ! وش تبي أكثر من كذا ؟ ناصر بهدُوء : ولا شيء! أبيهم يجربون شعوري خلال سنة كاملة وأكثر! أبيهم يحسون وش سوو فيني : ماراح يحسون بشعورك سنة! بخليهم يشوفون هالسنة في يوم واحد . . . ، وضع رأسه على الباب، صداعًا يُفكِك خلاياه ولا تركيز يُسعفه وينقذه، ألتفت عندما سمع صوت خطواته ليشدُ على قبضة الباب : يبه أترجاك لا تقرب لها رائد : أبعد عني فارس : لآ ماراح أخليك تدخل! رائد بحدة : قلت أبعد فارس بتوسل : ماراح تدخل ولا اللي معك راح يدخلون عليها! رائد : فارس!!! لاتعصبني .. قلت أبعد فارس يُغلق الباب بالمفتاح ليضعه في جيبه وهو مازال يشدُ على الباب حتى وهو مقفل : يببه تكفى .. تكفى هذي أول مرة أطلب منك شي يخصني رائد بهدُوء ينظر إليْه : طيب أبي أشوفها ! أبي أتأكد فارس بغيرة لاذعة : لآ .. ماتشوفها حمد الذي كان بجانبِ رائد أردف بنبرةٍ ساخرة: على فكرة دينك يقولك يجوز أبو الزوج يشوفها رائد إبتسم في عزِ غضبه ليصفعه فارس بحقد وهو الذي يحتبس غضبه منذُ ساعاتٍ طويلة، كان لا بد أن يفرغه بوجهِ أيّ أحدٍ يقابله. رائد : حمد أطلع . . حمد بنبرة التهديد وهو خارج بعد أن أحمَّر خدِه الأيسر : طيب يا فارس رائد : طيب .. الحين مع كامل الأسف راح تتصل على عبدالعزيز! بعطيك رقم زوجته المحترمة! وبتقول لعبدالعزيز بالحرف الواحِد : إما يجي بكرامته ولا عبير بتروح في خبر كان .. مفهوم ولا أعيد كلامي مرة ثانية ؟ فارس بوجَع يظهر في عينيْه التي تتوسلُ بكل شيءٍ : يبه .. تكفى بس هالمرَّة! الله يخليك سو فيني اللي تبيه بس أتركها رائد بحدة : عرفت وش تقول! فارس بضيق : يبه ما ينفع كذا! رائد بصراخ : أجل وش اللي ينفع يا حضرة الإستاذ!! أنك تقابل ولد الكلب الثاني فارس تعتلي نبرته : طيب أحبها! تبي تذبح ولدك معاها! أقولك أحبها ماأرضى عليها ليه ماتفهم! لمرة وحدة تنازل بشي عشان ولدِك اللي من لحمك ودمك رائد : حبتك القرادة قل آمين .. الحين بتتصل ولا قسم بالله يا فارس تحلم تشوفها فارس بخضوع يمدُ يدِه ليأخذ الهاتف الذي يرنُ على رقمِ رتيل. في جهةٍ أخرى أستيقظت وهذا الحمل يجعلها تنام لساعاتٍ طويلة دُون أن تشعر، ألتفتت لتبحث بعينيْها عن أحدٍ، أتجهت نحو الحمام لتغتسل ودقائِق طويلة حتى خرجت وهي تسمع نغمة هاتف رتيل. تقدمت إليه وهي قلقة من عدم وجود عبير ورتيل، نظرت للسماء التي تُشير إلى مغيب الشمس المتأخر في باريس، ردَّت على هاتفها ليصِل صوتُه الرجولي : ألو ضي بربكة : هلا .. مين معاي؟ فارس : عطي الجوال عبدالعزيز ضي : أنت مين ؟ فارس بهدوء : عطي الجوال عبدالعزيز ضي : طيب أنت مين فارس يُكرر عليها : عطي الجوال عبدالعزيز بسرعة ضي : عبدالعزيز مو هنا! مين أنت ؟ فارس ينظر لوالده الذي يشير إليه بأن يقول لها : توصلين له هالكلام! لو يبي عبير حيَّة يجي بنفسه خلال 24 ساعة ولا يترحم عليها . . أغلقه. على بُعدِ خطوات ناما بتعبٍ وإرهاق، نامت على السرير في حين هو نعس على الأريكة، فتح عينيْه وهو ينظرُ للساعة ليشتم نفسه من غرقه بالنوم في وقتٍ مثل هذا. وقف لينتبه للورقة النائمة أسفل الباب، تقدَّم إليها وهو يفتح الظرف بهدُوء، ورقة بيضاء توسطها بالخط العريض " Ask Nasser Where is your sister? " – أسأل ناصر، أين أختك ؟ - . . أنتهى نلتقي على خير. |
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء ( 64 ) المدخل لـ فاروق جويدة . إذا كنتُ قد عشتُ حلمي ضياعاً وبعثرتُ كالضوءِ عمري القليل فإني خُلقتُ بحلم كبير وهل بالدموع سنروي الغليل ؟ وماذا تبقّى على مقلتينا ؟ شحوبُ الليالي وضوء هزيل تعالي لنوقد في الليل ناراً ونصرخ في الصمتِ في المستحيل تعالي لننسج حلماً جديداً نسميه للناس حلم الرحيل يقرأ بعينيْن خاملتيْن، لا تفهمان بأيّ حرفٍ يقفَان ويُركزان " Ask Nasser Where is your sister? " ماذا يعني؟ ماذا يعرف ناصر من الأساس حتى أسأله! من أين تأتِ هذه الورقة؟ من أيّ عقلٍ يأتِ كل هذا الجنون، توقف عقله عن التفكير بعائلته، وأحاطت خلاياه بأمرِ " ناصر " لِمَ يجيءُ إسمه في هذا الوقت؟ في هذه اللحظة وهو في الرياض لا يعلم شيئًا عني، كيف أتصل عليه الآن وهاتفِي غارق بمياهِ السين؟ أيّ أخت؟ غادة! ، بحق الله أسأله عن ماذا ؟ عن هذا الجنون! أهتز هاتف ضي في جيبِ رتيل النائمة بخفَّة جعلتها تستيقظُ مع أولِ إهتزازٍ، عقدت حاجبيْها من إسمها الذي توسط الشاشة لتُجيب : ألو ضي بصوتٍ مرتبِك يختلطُ بنبرةِ البكاء الضيِّقة : وينكم ؟ رتيل : بغرفة عبدالعزيز ضي : عبدالعزيز عندِك؟ رتيل وقلبها ينقبض تدريجيًا، هذه النبرة الحزينة تُسقط أعوادًا على قلبٍ هشّ : إيه ضي أخذت نفس عميق : عبير مو هنا .. برجفةٍ اكملت وصوتها يأتِ متقطعًا في لحظةٍ كان يقترب عبدالعزيز من رتيل : أتصلوا ناس ماأعرفهم وماأدري كيف دخلوا وخذوا عبير لأن ما حسيت في شي .. إما يجي عبدالعزيز ولا ماراح نشوف عبير رتيل تجمدَّت أصابعها التي تُحيط بالهاتف وعينيْها تخترقها الحُمرَّة ، في هذا الوقت السيء يشاركني قلبي الحزن في هبوطِه وعلوِّه، عبدالعزيز : مين ؟ رتيل بنبرةٍ تهطلُ عليها الرجفات من كل جهة : ضي عبدالعزيز لم يكُن ينتظر أن يسمع شيئًا، أنحنى ليرتدِي حذاءه ويأخذ سلاحه : أستعجلوا ... وعجن الورقة إلى أن دسَّها في جيبه، خرجت دُون أن تلفظ كلمة لتفتح باب غرفتهم، دخلت لترى ضيْ جالسة وأقدامها تهتَّز بخوف ويديْها تعتصر بطنها بوجَع. رتيل بلعت ريقها وهي تبحثُ بعينيْها وكأنها لا تصدق ما سمعت، أطالت في وقوفها حتى تستوعب ما يحدث، أتجهت نحو الدولاب لتستخرج معطف ضي وتمدّهُ نحوها : عبدالعزيز ينتظرنا برا ضي بنبرة تُوحي عن ألمٍ فظيع تشعر به : عطيني جوالي رتيل تمده لها وهي في دورها تأخذ هاتفها : لا تتصلين على أبوي أنتظري عبدالعزيز ضي : وين بنروح؟ ماني فاهمة شي رتيل تُمسك يدها لتتجمع في عينيْها الدموع دُون ان تتجرأ أن تنزل واحِدة تُريحها : طيب قومي الحين ... أكيد عبدالعزيز عنده مكان ثاني وقفت بلا قدرة على المناقشة أو القرار، أرتدت معطفها لتسحب حجابه وتلفُّه، خرجت مع رتيل لتلتقط عين عبدالعزيز الفرد الناقص : وين عبير ؟ رتيل التي لم تستطع أن تُخبره ولم يترك لها وقت للكلام، رفعت عينها بمحاولة أن توضِّح لها بنظراتها. عبدالعزيز بدأت البراكين تشتعل في صدرِه وعقله معًا، ضي : أتصلوا على جوال رتيل! رتيل تفتح هاتفها : أنا عندي أبلكيشن يسجل المكالمات، . . . . ثواني قليلة حتى فتحت المكالمة وصوتُ فارس الواضح تعرفه إذن عبدالعزيز. بدأ يتشابك في عقله ألف فكرة، مالذي يجعل فارس يُخطط على أخذها وكيف خرجت له أو أنه دخل! شعرَ بالغيرة وكأنها أخته وليست أخت زوجته التي رُبما لا تعني له شيء بمفهومِ عقله، كل هذه الأشياء تُقذف عليّ في دقيقةٍ واحدة، ناصِر الذي أجهلُ حاله هذه الأيام و عبير التي تُسرق من جيبٍ شعرتُ أنه من المستحيل أن تتمردُ يدٍ عليه والآن؟ مالعمل! عبدالعزيز موجهًا سؤاله لضي : من متى ؟ وكيف ما قلتي لي ؟ ضي بربكة : صحيت ومالقيتها وبعدها دق جوال رتيل عبدالعزيز أخذ نفس عميق وهو يشعر بأن المصائب تتواطىء عليه من كل ناحية، كيف يتصرف ؟ لا رجل هنا حتى مقرن مختفي ولا يُجيب على إتصالاته! لا أحد من الممكن أن يثق به ليذهب لرائد فلا حل آخر ولكن " رتيل و ضي "، وقفَا بالممر لوقتٍ طويل وعقل عبدالعزيز يغيب وهو يبحث عن حل، لا مجال للمساومة أبدًا على رُوحِ عبير، مسح على وجهه بكفيّه وهو ينحني قليلاً مطلقًا تنهيدته الموجعة، رفع عينه ليضغط على زر المصعد. أدخل يديْه بجيبه ليُمسك الورقة، لا يُريد لعقله أن يتشوش من أمرِ ناصر، عقد حاجبيْه ليخرجان من الباب الخلفي، اخذ من الفندق سيارةً اخرى ليخرج مبتعدًا عن إزدحام باريس : لا تقولين لأبوك أيّ شي .. سامعة ؟ رتيل وهي تحاول أن تقاوم بكائها : طيب وقف عند الإشارة الحمراء لينظر لرتيل وهي تُجاهد أن لا تنزل دموعها، في جهةٍ أخرى كانت ضي تسند رأسها على الشباك وتغرق بتفكيرها في الطريق. مرر يدِه بجانبها ليشدّ على قبضته عليها، يُريد أن يبعث لها بعض الراحة من ملامسة يدها المرتجفة ، أخذت شهيق مبحوح دُون أن تنظر لعينيْه، أتى حُبك مفاجئًا، مروِّضًا لكل الأفكارِ السيئةِ عنك، أتى حُبك عقابًا لعنفواني إتجاهك، أتى سقوطِك بذرةً للحُب لم اكن أتخيل يومًا أن تصِل لهذه الحدائِق التي زرعتها في صدرِي، و " يا ما جفَّ في صدرِي حكي كثير ويا ما قلت أنك ظالم بإيدك ترويني و تحرمنِي منه يا عزيز " ، كل الخلافات التي تتشعب من صدرِي تجعلني أضعف بصورةٍ عميقة، تجعلنِي أتمنى لو كنت مكان عبير وأن لا يصيبها شيء، تراودني كل القصص التي أنتشرت في مجتمعنا بضيق شديد، تلك الفتاة التي أختطفت أمام بيتها ولم يراها أهلها منذُ 15 سنة ومازالوا، تلك العائلة التي أحتجزتها إحدى العصابات في إحدى الدول العربية وضجَّت بها القنوات، كان من النادر أن يختطف أحدًا ويعُود بكامل عافيته، وأخشى على عبير، أخشى أن لا أراها بعد الآن، جربتُ الفقد كثيرًا ولا طاقة لي بأن أفقد أمي مرةً أخرى، هي أمي و أختي وصديقتي و كل شيء أعرف تصنيفه ولا أعرف ماهيته، هي الأشياء الجميلة الناعمة التي لاأعرفُ أحيانًا كيف تُفكر وماذا تخفي، أفعلي بيْ ما تُريدين، حتى تلك الصفعة كرريها لو تودِّين ولكن لا ترحلين، لا تغيبين تعرفين ما أقسى شيء يواجه شقيقتك ؟ أقسى شيء الغياب الحاد الذي يشطرُ قلبي نصفيْن، أنا أتراجع عن كلماتي السابقة بحق عبدالعزيز بأنه له حرية العيش وأن لا يستغرق حدادُه على عائلته كثيرًا ولكن الآن – لا - ، لا أريد أن أفكر بصعوبة عودتِك، يالله ردَّها لنا، ردَّ لنا روحنا. ركن سيارته في الضفةِ الخضراء المزدهرة والهدُوء يسكن جهاتها الأربع، أبتعد عن باريس كثيرًا. هذا البيت الخشبي الصغير الأشبه بالكُوخ أنسبُ مكان حاليًا وأأمنُ مكان، تقدَّم وأخذ الطبق المصنُوع من الفخَّار المزخرف ليقلبه ويجد المفتاح كما كان يعتاد سابقًا، فتحه لينظرُ للأثاث المرتب والمغطى بقطع قماش خفيفة، مسك الباب ليدخلان بتجمُد من برودة الجو هنا. رتيل ألتفتت عليه : بنجلس هنا ؟ إلى متى ؟ عبدالعزيز : لين الله يفرجها .. وخرج لخلف البيت لتتبعه : بتروح لهم ؟ عبدالعزيز يبحث عن الحطب دُون أن يجيبها بكلمة، ينزل دمعها بحرقة - اللاعبير – و بحُزنٍ – عزيز – عليها. لمّ بين ذراعيْه الحطب ودخل ليضعها في المدفأة الجدارية، أشعلها : شوي ويدفأ البيت ... أتجه نحو الشبابيك ليتأكد من إغلاقها، توجه للخارج ليلتفت لرتيل : بمِّر أجيب لكم أكل دقايق ماني مطوِّل رتيل راقبت إبتعاده بسيارته متجهًا للدكان الصغير في محطة الوقود القريبة من عينيْها، دخلت لتجلس بمُقابل ضي وهي تُقدِّم أكمامها لتدفىء يديْها : ضيْ .. رفعت عينيْها الغارقة لتضيق نبرتها المبحوحة : مافيه أحد جمبنا .. وعبدالعزيز ما قصر بس كثير عليه رتيل بعُقدة حاجبيْها : تعدِّي .. إن شاء الله تعدّي ضي بضيق : ودي أقولك شي رتيل : وشو ؟ ضي صمتت قليلاً حتى أنهارت ببكائها، جلست رتيل بجانبها : بسم الله عليك ... أهدِي لم أجرِّب معنى العائلة، لم أجرِّب خوف أبٍ عليْ أو حزن أمي ، لم أجرِّب فرحة شقيقاتْ بزواجِي ولم أجرِّب أيّ شعُورٍ باللذة في حياتي الحامضة، كل أمُورِي تأتٍ باردة لا ذكر لها إلا عندما أتى عبدالرحمن والآن حين أردتُ الشعور بالحريَّة، الحريّة التي تجعلني أكوِّن عائلتي أشعرُ بأن كل شيء ينهار أمامي، أشعُر بأن وجودي خاطىء، بأني في المكان الخاطىء، بأني حزينة وحزينة جدًا، أنا التي حلمتُ كثيرًا حتى سقطتُ كثيرًا، أنا التي أحببتُك بكل الدوافع التي أفهمها ولا أفهمها أشعرُ بعنفِ غيابِك عليّ، ليتني ذهبت معك، ليتني أجاورك كظلِك وأُخبرك عن الذي في بطني دُون أن تضيق، دُون أن تغضب، أُريد أن أجرِّب طعم مرور هذه الكلمة على لساني، أُريد أن أقول " أنا حامل " لأرى ضحكتِك وإبتسامتِك.لأرى المطر في غير موسمه والغيمُ يتشكَّل لنا، أُريد وبشدَّة يا عبدالرحمن ولكن أشعرُ بكارثة تقترب منَّا، لا أُريد أن أتشائم ولكن لا أُريد أن أموت ببطء بفعلِ حُزني على نفسي وعليْك وعلينا جميعًا. رتيل وهي تمسحُ على شعرها : ضي تكلمي شغلتي بالي ... وهذا الضعف منها لم تراه رتيل من قبل وبين ذبذباتِ بكائها يأتِ صوتها متقطعًا مرتجفًا ببرودةِ الأجواء : حامل توقفت يدِها من المرور على شعرها وهي تتلقى الخبر بصدمَة رُغم أنه أمرًا طبيعيًا ولم تكُن ستستغرب أبدًا لكن بمُجرد ما سمعته شعرت بدهشةِ قلبها، أخذت نفس عميق : أبوي يدري ؟ ضي هزت رأسها بالنفي والتعب يحاصرها من كل زاويَة وجهة، رتيل : خايفة من ردة فعله ؟ صح ؟ . . . ضي بحزنٍ يغرزُ قلب رتيل معه : لأن ماني قادرة أفرح بأيّ شي .. بزواجي مقدرت .. والحين ماني قادرة .. وفي كل مرة .. مقدر، دايم أحس أني جاية في وقت غلط! جاية في مكان غلط .. دايم أحس أنه مالي وجود .. مالي مكان ..... ممكن بسهولة الكل ينساني رتيل يتحشرجُ صوتها بالرجفة : ليه تقولين كذا ؟ هذا مكانك ولك وجودك في قلب أبوي وفي قلوبنا كلنا .. لا تقولين كذا ضي يمكن الظروف ماهي واقفة معنا كلنا مو بس أنتِ لكن هذا ماهو معناته أننا ما نبيك بيننا حتى عبير اللي كانت رافضتك بالأخير رضت وشفتيها آخر فترة كيف متقبلتك .. ضي تمسح وجهها بكفيّها الدافئة : أبوك مايبي مني عيال ولا راح يرضى فيه .. رتيل تنهدت : أكيد مو قاصد بهالمعنى الحرفي .. يمكن بهالفترة بس ضي تهطلُ دموعها بغزارة الحزن الذي يسكنُ بطنها : وش أقول غير الحمدلله؟ تشدَّها نحوه لتعانقها وهي تحاول أن تبعثُ بعض القوة لها : ماتدرين الخيرة وينها . . . . أطالت في عناقها وهي تشعرُ بمسؤوليتها إتجاه زوجة أبيها، لا تعرف ماهو إحساسها أول ما سمعت " حامل " ، شعرت بشيء يندفع نحو قلبها بشدَّة، حامل؟ هذه الكلمة من حقها أن تُلخبطني. سمعَا صوت السيارة لتُردف : أكيد عبدالعزيز جاء ... أبتعدت عن الجلسَة الريفية لتفتح الباب قبل أن يأتِ، وضع الأكياس على الأرض : جبت لكم الضروري .. إذا صار شي أتصلي علي بس لا تفتحون الباب ولا تطلعون .. تمام ؟ .. عطيني جوالك عشان تتصلون رتيل تمدُّه له دُون أن تنطق شيئًا وعينيْها تحكِي خوفها اللاذع عليه، عبدالعزيز أبتعد ليلتفت متنهدًا : ممكن ما أرجع اليوم .. ولا بكرا .. المهم لا تشغلون بالكم مو صاير شي .. رتيل لوت شفتِها السفليَة للداخل وعيناها تفيض، أقترب منها ليُقبِّل ما بين حاجبيْها، وقفت على أطراف أصابعها لتعانقه بشدَّة لم تسبقها شدةٍ من قبل وهي تدسُّ وجهها في عنقه وذراعيْها تُحيطان رقبته، رفعها لمستواه وذراعه تُحيط بظهرها، والهواءُ البارد يدُور حولهما ليخرج كبخارٍ أبيض بين شفتيهما، لا أدرِي ماذا يُخطط رائِد أن يفعل بيْ هذه المرَّة، كان لزامًا عليهم أن تختفي عائلتنا بأكملها، بقي فردًا وكان من اللازم على رائِد أن يُنهيه، لا أتوقعُ الكثير هذه المرَّة ولكن الموت الذي يقترب منِّي أعرفه جيدًا، أعرفُ كيف سيهدد بيْ إلى أن يُسقطني، لا مفَّر بوجود عبير! سيجبرني على الموت مثلما أجبرَ أبي أم أجبره غيره فالحكايةُ نفسها تُعاد، كُنت أقول أن طيف المقبرة ألمحهُ على دوام، على دوام يا رتيل، وأخشى أن يأتِ حقيقة، وأتى مثلما لمحتهُ ، أتى بضراوةٍ لم أتوقعها، هل هذا عناق الوداع؟ وهل هذا نتاجُ معصيتي؟ هل تأتِ نهايتُنا أسرع مما نتوقع، أسرع مما يجب ؟ بللته بدموعها وحرارةُ أنفاسها تلتصقُ بجلدِه، لم نكُن نقوى أبد على لفظِها حتى في أشدِّ الأوقات، ليتني أستطيع أن أقولها يا حبيبي، لِمَ الكلمات تستنكرني؟ تهربُ منِّي وتكره أن تأتِ على لساني. يهمسُ وهو الغارق بها، هل يُجدِي الإعتراف بشيء الآن، كنت أتمنى للحظة أن لا يضيعُ العمر من تحتنا ولكن ضاع، ضاعت أيامٌ كثيرة كان من الظلم أن تضيع، كان من الغباءِ أن تسيرُ ببطء أمامنا ونراقبها بعينٍ مفتوحة دُون أن نفعل شيء : أنتبهي ليْ . . . وتركها متجهًا لسيارته، تراقب خطواتِه بعينيّ البكاء، " أنتبه لك في بُعدِك " أيعني هذا أن قلبُك معي ؟ أتعترف يا عزيز الآن ؟ " وين أروح ؟ " في غيابِك، ماذا لو فعلُوا بِك شيء ؟ ماذا لو تبخرت من حياتي؟ يالله! إني أستودعتُك إياه وأستودعت قلبي الذي يملكه فلا يمسّه ضرًا ولا سوءً. شدَّت على بلوزتها الصوفيَة وهي تحضنُ نفسها ببكاءٍ يغرقها، تراقب الطريق الخاوي أمامها، ذهَب ولم أخبره بأني والله العظيم أحبك. ، بحركةٍ جريئة لم يتوقعها أبدًا وضعت يدها على ذقنه لتلفهُ نحوها : مضيِّع في وجهها شي ؟ لم تفهم الممرضَة ما قالت لتنسحب بهدُوء بعد أن أطمأنت متجهة للغرفة التي تليها، سلطان ينظرُ لها بعُنفِ عينيْه إن غضبت : عطيني جوالك الجوهرة : وش تبي فيه ؟ سلطان بحدة لم يعتاد على هذه القوة/العناد منها : الجوهرة! قلت عطيني الجوهرة مازالت تخاف من نبرته الرجولية الصاخبة التي تُحدث ضجيجًا في قلبها وبصوتٍ خافت : طيب ولا تزعل الحين بطلع ... شكرًا على حسن إستقبالك . . تآمر على شي ؟ سلطان لم يُجيبها وكأنه يردّ لها العذاب النفسي الذي تلذذت به قبل قليل، أطال بنظره بعينيْها دُون أن يلفظ كلمة. الجوهرة تنهدت : ماتبيني أقول لعمتك شي مثلاً ؟ سلطان يبعد أنظاره للنافذة، وكأنه يخبرها " مع السلامة " بطريقة لا تليقُ إلا بقوته التي لا يتخلى عنها بسهولة، بحركاتٍ غير محسوبة تُفرط في إظهار قهرها منه وهي التي أعتادت الكتمان : الله يآخذك من أوجاعي. . . أخذت نقابها لترتدِيه أمام عينيْه التي أستدارت نحوها، يراقب تفاصيل عقدتها للنقاب خلف رأسها، ينظرُ ليديْها الشديدة الفتنة : غطي إيدِك الجوهرة بإستغراب لم تجادله فيه، مدَّدت أكمامها لتُغطيها : بالأوامر جاهز بس لما . . يُقاطعها : بحفظ الرحمن الجوهرة عضت شفتِها السفليَة من خلف النقاب : تعرف شي ! راح أزِّن على رآس عمتك لين أخليها تجيك يوميًا وتنشب لك وأنا ماني جايتك عشان تعرف تقدِّر حضوري زين لم يمنع نفسه من الإبتسامة على كلماتها الطفولية ليُردف ببحتِه : والله يا جوهرتي بديتي تخربطين ! الجوهرة تكتفت وهي تنتظر حضور عمها : ماني جوهرتك لا تحاول تتملكني! بمزاجِ الإستلعان الذي يتواطىء معه على الجوهرة : أتملكِكْ! قديمة مرة هذا الكلام لو قايلته من زمان كان ممكن يتصدَّق بس الحين أنتِ هنا يا ماما .. *أشار لإصبعه* الجُوهرة تفيضُ بالقهر وهي تحاول ان تمسك لسانها من قول رُبما تندم عليه : طيب يا سلطان! بإبتسامة ينظرُ لعينيْها وهي تختنق بالقهر والغضب : سلمي لي على عمتي وخليها تجيني بعد الجوهرة : على فكرة تصرفاتك صبيانية سلطان بإستفزاز صريح : مو يقولون كلنا بالحب مراهقين و تسرِي الحرارة من عنقها بإتجاه قلبها مباشرةً، تشعرُ بماءٍ حارّ يصبُّ عليها بكلماتِه، بكلمةِ " الحب " تحديدًا، أرتجف قلبها ليعلُو ويهبط بإضطراب أنفاسها. سلطان وحصلَ على مُرادِه : شفتِي! كيف أقدر احركك حتى لو بكــــــــذب! .. توِّك صغيرة على عنادِي ودائِمًا تهزمني، حتى لحظةِ إنتصاري عليك سُرعان ما تتلاشى وتبقى أنت بقوتِك وسيطرتِك عليْ، لا شيء يسقط بيدِي يُنهِي عذابِي منك، لا شيء يا سلطان، كُل ما أوَّد أقوله لعينيْك بذاتِ النبرة " الله يآخذك يا سلطان من كل أوجاعِي وحُزني، الله يآخذك لسماءٍ تُمطِر عليّ "، المؤسف أنك تُعيد تشكيلي كما تشاء؟ أنا الصبيَّة الهادئة المتزنة أمام الناس وأمامك انا المندفعة المتناقضة الصاخبة الهادئة الحزينة السعيدة الـ كُل شيء و لا أعرفُ أين أنا من كل هذا ؟ وكيف اقُول كلماتٍ لا أتحاورُ بها أبدًا. قاسي جدًا وعيناك أقسى والله. دخل عبدالرحمن بخطواتٍ هادئة : يالله مشينا . . توصي على شي سلطان ؟ سلطان بتشفِي حقيقي : لا . . . أنتبهي لنفسك زين يالجوهرة عشان قلبك مايوجعك مرة ثانية عبدالرحمن الذي يفهم سلطان كثيرًا : ضربت فيوزاتك! بإبتسامة للذي فهمه تماما : أنا ؟ بالعكس ألتفت للجوهرة : أمشي ماهو كفو أحد يجيه ! الجوهرة " ترد له الصاع صاعين " : نام كويس يا بو بدر عشان ما يضرب لسانك معك وتقط خيط وخيط عبدالرحمن لم يتوقعها من الجوهرة لينفجر بضحكته : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه ههههههه تصبح على خير و ترى ماهو في صالحك تحط راسك في بنت جدها خالد آل متعب الجوهرة وشعرت بالنشوة من دعم عمها البسيط بكلماته : نوم العوافي .. توصي على شي؟ سلطان ينظر إليْهما والحدَّة تعقد حاجبيْه : سلامتك عبدالرحمن بإبتسامة تُبيِّن معها أسنانه : فمان الله .. وخرج معها. ، بهدُوء يعطِّل آخر كاميرَا متواجدة خلف الجدار، ليلفظ : كذا وصلت المعلومة لهم . . في كل مرة ألاحظ أنه حتى أذكى الناس فيهم جانب غبي! : هم قالوا بيذبحون ولد سلطان ؟ : الله اعلم ! بس أسامة يقول أنه رائد يبي ينهيه بطريقته .. هههههههههههه الشماتة شينة بس أتخيَّل منظر عبدالعزيز قدامه . . . . . . هالمرَّة ماظنتي رائد بيرحمه والله لا يطلِّع جنونه كلها عليه : ههههههههههههههههههههههههه هههههه أنا أقول خلنا نهرب قبل لا يشكون فينا ... أتوقع خلصنا أمورنا ورائد مو سائل عنَّا : لحظة أنتظر سليمان وش يقول يمكن يحتاج شي من قصره! : مو محتاج شي خلاص كل شي عندنا و أسامة مضبط كل أموره هنا وأصلا هو يخطط بعد يهرب منه قبل لا يبدأ بموضوع عبدالعزيز : طيب . . . ألتفت عليه وهو يصعد للأعلى . . . قالها عمر كل الأشياء بتختفي من جذورها يعني سلِّم على عبدالعزيز واللي معه يتنهد الآخر وهو يتبعه : سلطان العيد لو كان من البداية ريّح نفسه ماكان صار فيه اللي صار هو وأهله والحين سلطان و بوسعود يسوون نفس ما سوَّا ! يتحملون اللي يجيهم دام هم ما تعلموا من سلطان : بس سلطان العيد لا تنسى أنه كان بعد تقاعده يعني مليون بالمية ما كان عند سلطان وبوسعود علم بالموضوع! كِذا ولا كِذا أظن أننا قدرنا ننجح . . وبإبتسامة النصر : يبي لنا نحتفل ؟ بقى شويَّة وتنضرب الروس الكبيرة في بعضها ويتبخرون مثل ما تبخَّر سلطان العيد من قبلهم بإبتسامة : تصدق ماتوقعت أننا بنكمل لين النهاية ومثل ما خططنا! ولا شكوا واحد بالمية في سليمان الفهد .. ولا شكوا فينا .. والله يبي لنا نحتفل على شرف غبائهم : أنتظر بس الجو بيحلى مع أسامة بعد ... : صدق وش بيصير على حمد ؟ بتقولون له ؟ : وين نقوله أصلاً أسامه بيسحب عليه هو وعده وقاله بخلصك من رائد وبخليك تشتغل بشغلة ثانية بس أسامة ماله نية يقول لسليمان عنه ولا راح يقول هذا اللي أظنه .. خله حمد عبد لرائد *أردف كلمته الأخيرة بضحكة شامِتة* : طيب بكرا الفجر نطلع أنسب وقت ؟ : إيه أكيد ينظر للورقة التي بين يديْه وهي تنقش أسماء كثيرة مشطوبة، الأسماء الأخيرة التي لم تُشطب كانت واضحة جدًا بالحبرِ الأسود " سلطان بن بدر الجابر ، عبدالرحمن بن خالد آل متعب ، فيصل بن عبدالله القايد " و أسماءٌ على الجانب الأخير تُحيطها الدائرة " ناصر الثامر ، عبدالعزيز بن سلطان العيد " : حط هالورقة معك لا تضيع الآخر يستلم الورقة بإبتسامة شاسعة : قريبًا كلهم بحّ ! بضحكة صاخبة : soon يا حبيبي soon ، يطلّ عليها وهي مستلقية على السرير الناعم وتُعطي الباب ظهرها، لم تنتبه لوجودِه، يسترجع أولُ ما أدخلها إلى هُنا وصراخها الذي لم يتوقف، رُغم أنها لم تنتبه لصوتِه ولم تربطه بشيء سوى كلماتها التي أتت بحرقة تُقطِّع صدرِه العاشق " أبعد عننييييييييييييي لا تلمسني .. لو فيك ذرة رجولة ما قرَّبت لبنت! لكن أنتم ناس قذرة جبانة ما تعرفون توقفون مع الرجال وجه لوجه أنتم تلوونهم بالحريم لأنكم ناقصين! " . . ثارت بكلماتها بغضبها بحزنها ببكائها حتى خرج تارِكًا ثورتها خلف ظهره، ألتفتت بفزع لينطق بهدُوء الحب الذي يسكنه : بسم الله عليك. عبير تستعدِل بجلستها وهي تحكمُ الشدّ على معطفها : وش تبي؟ . . فارس: جبت لك الأكل .. عبير أخذته بهدُوء لتطمئن ملامح فارس براحة لتُفاجئه برميْها على وجهه بعنف : ما أبي شي منكم فارس الذي تبلل بالعصير، سحب منديلاً وهو يمسح وجهه بجمود ملامحه التي لم تشتدُ بغضب ولم ترتخِي أيضًا : عبير .. قلت ماراح اضرِّك بشي عبير بعصبية وأعصابها تتلف شيئًا فشيئًا كل الخوف الذي كان يسكنها يتبخر أمامهم جميعًا لتثُور بغضبها : لا تقول إسمي، راح يجي أبوي وصدقوني ماراح تفلتون أبد! راح تشوف انت وأبوك والكلاب اللي معكم فارس : طيب .. ممكن تسمعيني ؟ عبير بحدة : لا فارس لا يصطبر على وجهها القاسي، لم يتوقع يومًا أن يرى جمالاً بهذه القسوة، بهذا العنف الذي لا يعرفُ كيف يقف أمامه، يجهل تماما كيف لإمرأة تجتمعُ جميع الإناث في وجهها، كيف لجمالٍ ناعمًا أن يكُون قاسيًا يجلد عينيْه في كل مرةٍ ينظر إليْها، كيف لصوتٍ حادٍ يشعرُ بأن طعمهُ ألذُ من السكر، هل للصوتِ طعم؟ أثقُ بذلك ما دامتْ عيناك تملكُ رائحة الزهر، أنتِ الإستثناء من هذه الحياة ومن هذه المعتقدات. : ماراح أضرِّك .. أفهمي هالشي عبير وهي تتأملُ صوته، تتأملُ كلماته، أرتجفت فكوكها وهي ترتطمُ ببعضها البعض، تغرقُ عيناها شيئًا فشيء، بلعت ريقها الجاف دُون أن تلفظ كلمة. تتكوَّرُ في جُحرِ صمتها و تضيعُ نظراتها بهذه النبرة. شعر بأنها تتعرفُ عليه، تأكد من نظراتها أنها بدأت تدخلُ في مرحلة شكوكها ليلفظ بنبرةٍ أبكتها : فارس يا عبير . . قلت لك مرة كيف ألوِّن تعاستِك ؟ أنحنت لتُغطي وجهها بكفيّها وهي تحفظُ الرسالة تمامًا، عندما أرسلها في وقتٍ ضاقت بها كل الدنيا ومساحاتها " هذه التعاسةُ الرماديّةُ في عينيك ما سرُّها؟ وماذا أستطيعُ أن أفعلَ كي ألوّنَها؟ " غرقت بحزنها الظالم على قلبها الهشّ، لم تتوقع أبدًا! لم تتوقع يومًا أن مجرمًا تعشقه لهذا الحد، كان عقابًا من الله أنتظرته، في الوقت الذي عصيتُه به لم يكُن عصياني شيئًا سهلاً وهو يُسجَّل في صحيفتي، كان قويًا بحقِ من أعطاني كل هذه النعم، كان قاسيًا بحقِ نفسي، وهذا أنا أدفعُ الثمن، غلطتِي أدفعُ حسابها فأنا لم أحب شخصًا عاديًا، أحببتُ مجرمًا حتى أذوق لوعة هذا الحُب كما يليقُ بهذه المعصية. يالله يا عذابُ حبِّك، كيف أراك بعد هذه السنة وأكثر ؟ كيف أتعرفُ عليك بهذا المكان، كُنت أمامي ولم أعرفك، رأيتُك قبل هذه المرة ولم أعرفك، والآن تتجردُ أمامي من كل شيء وتُخبرني أنك فارس، فارس الإسم الذي أخفيتهُ لتجعل لعقلي حرية التفكير لأيّ الأسماء تعتنق؟ لأيّ العوائِل تنتمي؟ لأيّ المدن جذورك؟ يا قسوة حروفِ إسمك وهي تعبر قلبي، أنت عذاب لا أستطيع الوقوف منه، كنت أريد الجنَّة التي تخيلتها في عينيْك، ولم أتصوَّر يومًا أن أغرقُ بجحيمٍ كهذا، أنا يالله أموت لا أتحمَّل أكثر من ذلك، أرجوك يالله خُذني، خُذني بخاتمةٍ حسنَة وأغفر لي ذنبِ حُبه، أغفر ليْ ذنبِ حُبه ولا تفضحني به أمام الخلائِق، أرجوك يالله خُذني ولا تُريني والدِي مكسورًا منِي، لا تُريني نهايتي على أيديهم. لم يتحمَّل بكائها، قاسية يا عبير حتى في البكاء، أنا الموشومُ بِك كيف أصلح حالِي ؟ والله لا أرضى عليكِ المهانة ولا الذل وليتكِ تفهمين أنه رغمًا عني، لو لم أجلبك معي كانوا سيأخذونِك، في نهاية الأمر ستكونين هُنا ولكن إما معي أو مع رجالاً من أبغض الخلق على قلبي ولن أسمح لأحدٍ غيري أن يراكِ، لن أسمح يا عبير فارس وقلبِه، قلبي يبتهِّل " أغار عليك من عيني ومني ومنك ومن زمانك والمكان ولو أني خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني " ياليتني أستطيع أن أعانقك أن أخفف من حدةِ بكائِك، ليتني أستطيع ولكن رُغم ذلك أعترف أني أخشى الله، أعترفُ أنني متهورًا في الأقوال وفي التصرفات من بعيد ولكن بهذا القرب أنا والله أخافُ الله لأنكِ تخافينه أكثرُ مني. نظر إليْها برجاء : عبير . . بس أسمعيني وبعدها خلاص دُون أن ترفع عينها تلفظُ بحرقةِ صوتها : كنت تستغلني عشان أبوك .. أنت أحقر إنسان شفته في حياتي .. أرتحت الحين! صار اللي تبيه أنت وأبوك .. فارس : ما كنت أستغلك والله العظيم ما كان عند أبوي خبر عنك من الأساس عبير تحبسُ بكائها ليسُود الهدُوء، مسحت بكائها الذي يرتجف على ملامحها البيضاء، رفعت عينيها بحدَّة : كذاب! ممكن الحين تطلع! أهون عليّ أشوف كل هالكلاب اللي عندكم ولا أشوفك فارس بهدُوء غضبه الذي لم يتعوَّد أن يصخب به : على فكرة زواجي منك بيتم قريب عبير : تحلم! تعرف وش يعني تحلم لو على جثتي ما وافقت عليك فارس شدّ على شفتيْه وهو يشعرُ برماحٍ تقذف بإتجاه قلبه : مضطرة توافقين للأسف عبير بحزن عميق ودموعها لا تتوقف عن الهطول : الله يآخذك .. الله لا يوفقك أنت و أبوك فارس يتركها ليخرج قبل أن يستمع بقيَة كلماتها الغاضبة التي تحزنه أكثر منها، أغلق الباب ووضع المفتاح بجيبه. شعرت بحاجتها بأن تفرغ حزنها، " ليه " ؟ صعب عليّ أن أتقبل أنه مجرم، أن حبيبي الذي شعرتُ بإنتمائِي إليْه هذا هو! قاسيًا ذنبي عندما جاء بِك وقاسية أنا عندما عارضتُ الله في أوامره. ، ، يقف أمام الباب، أخذ نفسًا عميقًا وهو يستودعُ الله نفسه وجسدِه وقلبه، أغمض عينيْه لتأتِ كل الأشياء راكِضة أمامه، إبتداءً من تلك اللحظة التي أنجبر بها على العودة إلى الرياض نهايةً برتيل الموجعة لقلبه، فتح الباب صاعدًا عبر السلالم حتى ألتقطت أعين الحراس حضوره، أتجهُوا نحوه بسرعة ليقيِّدُوه ويفتشوه بصورة عنيفة. ألصقوه بالجدار لتلتف ذراعه خلف ظهره بقيدٍ ثقيل، أدخلوه بهدُوء ليرفع رائِد عينه : يا هلا والله بـ ولد سلطان . . يا هلا يا هلا عبدالعزيز بإبتسامة خبيثة : هلابِك رائِد يقف ليُشير للحرس بالإنصراف، وبإستفزاز لفُقدِه : جايّ تفزع لأبوك في قبره! عبدالعزيز المُقيَّد اليديْن : حق أبوي مو عندِك، لا يكون مآخذ مقلب بنفسك وتحسب الحادث من ترتيباتِك؟ رائِد بغضب يتجه نحوه ليأخذ بطريقه علبَة صغيرة ينتشرُ على سطحها مثل الدبابيس مصنوعة من الخشب، صفعه بقوَّة ليُدمِي وجهه على هيئةِ خطوطِ. دخل فارِس ليلتفت عليه : أطلع برا فارس : لا رائد بغضب : فارس لا تطلع جنوني عليك ! فارس يقف بين والده وعبدالعزيز الذي وقف بثبات والدماء تنزف منه : قلت لك من قبل مافيه شي تخبيه عليّ .. يُمسك ذراع والدِه بهدُوء ليسحبه نحو الخلف وهو يترجاه بنظراته. رائِد : ماشاء الله تلاقوا الأصحاب .. عرفني يا فارس على اللي قدامي فارس بضيق : يبه رائد بصرخة أرعبته : مو هذا اللي من وراي تقابله ؟ عبدالعزيز : وين عبير ؟ رائِد يبعد فارس عنه ليجلس على طرف المكتب : تبي عبير؟ للأسف لا عبدالعزيز : قلت . . رائد يقاطعه : وليه تثق بكلامي؟ يخي أنا مو عند كلمتي .. عبير عاد بتكون مع فارس ! عاد الله أعلم زوجته .. ولا غيره مايهمني المهم أنكم ماراح تشوفونها إلا لما أنا بمزاجي أقرر . . عاد مزاجي مدري متى يحن عليكم! عبدالعزيز بغضب : لا تساوم على البنت! خل كلامك معي وأتركها رائد بإبتسامة : أحلامك كبيرة يا عبدالعزيز .. عبدالعزيز بحدةِ عينيْه : لمرّة وحدة كون رجَّال وأبعد الحريم من موضوعنا رائد : علم نفسك كان كنت رجَّال قبلي وقابلتني مو سويت لعبتك مع الكلاب اللي وراك .. إيه صدق وش أخبار أبو زوجتك ؟ عبدالعزيز بتجاهل يحاول أن يحرِّك وجهه ليُبعد الدماء عن شفتيْه التي بدأت تتذوقُ طعمها : اختصر وش المطلوب الحين ؟ رائِد يضع قدمًا على قدم وبإستفزاز وهو يُفكِر : والله مدرِي! مدري وش الشي اللي بيخليني أتلذذ بتعذيبك! لكن أقدر أقولك ماراح تكون لك حياة بعد ما تطلع من هنا ! لأن أصلا ماراح تطلع من هنا! شايف كيف مسألة خداعي تكلف الكثير؟ عشان غيرك يحسب حسابه ألف مرة قبل لا يقرِّب مني .. قرَّب قبلك أبوك وشوف نهايته والحين أنت وبتكون نهايتك أسوأ بكثير، أنت تلعب مع رائد الجوهي اللي برمشة عين يمحيك من هالوجود . . . يؤسفني أنك بتكون مثال للعظة والعبرة عبدالعزيز : عبير لا تمسَّها بشي ! رائِد بضحكة : I'm sorry هذا خارج إرادتي عبدالعزيز بصراخ : خل حكيْك معي رائِد بتهديد شرس : أقسم بالعلي العظيم أنه عبير ماراح تشوفونها .. ريِّح نفسك من كل هالكلام! عبدالعزيز أبعد وجهه للجهةِ الأخرى وهو يتحرك بإتجاه الجدار يحاول أن يتخلص من قيدِه. يُكمل : أما شغلي راح يتم غصبًا عنك وعن عبدالرحمن وسلطان! وبتبقى معي إن شاء الله لين يصير اللي في بالي بعدها بفكِر بأي طريقة تبي تموت .. على فكرة أنا ديمقراطي جدًا أنت أختار الطريقة اللي تبي وأبشر باللي أعنف منها .. أردف كلماته الأخيرة بشماتة ساخرة. أخذ المشرط ليُنادي الحرس حتى دخلُوا بمُجرد سماع صوته المنادي، بقوَّة أجلسوه على كرسي ليلفُّوا حول جسدِه الللاصق حتى تجمدَّت حركته ولم يعد يستطيع أن يتحرك، وبعينيْه يفهم رجالِ رائد مالعمل؟ أخذ أحدهم خيطًا وربط قدمِه اليمنى ليمدّ الخيط للعمُود الخشبي النحيف، أنهى العقدة بزنادِ السلاح، بمُجردِ ما تتحركُ قدم عبدالعزيز سيضغط على الزناد لتنطلق الرصاصة بإتجاهه. رائِد بسخرية : لا تحاول تموت بدري! تقدَّم إليه ليستفزه وهو يقرِّب المشرط من رقبته : من مين هالخطة ؟ مين اللي قالك تروح ليْ ؟ سلطان ولا عبدالرحمن ؟ عبدالعزيز لا يُجيبه، معتمدًا على التجاهل التام. رائِد بقوَّة يسحب المشرط من يمين رقبته حتى يسارها ليكتم صرخته وهو يحاول أن يثبت أقدامه حتى لا يتحرك، فارس أبعد أنظاره لا يتحمل رؤية هذه الوحشية من والده. رائد : وش اللي تخبونه ؟ ها ؟ ترى السكوت ماهو لصالحك عبدالعزيز ويستحمُ بدماءه : لا تنتظر مني أيّ معلومة رائِد بإبتسامة : حلو .. جدًا حلو ... ليصفعه بقوَّة وهو يقاوم حركة كل شيء عدا أقدامه، نظر لعصير الليمون الذي ينتصفُ الكأس ليُمسكه وبتلذذ سكبه على رقبته لتندفع صرخة عبدالعزيز. : باقي ما شفت شي .. أنت بالذات راح أخليك تترجاني أنك تموت وبتشوف ... أبتعد ليلتفت على فارس : يالله أطلع قدامي! فارس : ممكن تخليني شوي! رائد بضحكة شامتة : لا تفكر يا فارس تقدر تخليه يهرب لأن هالطلقة بتجي في راسه أسرع من تصوِّرك وبتلحقه وراك .. هذا أنا حذرتك ... وخرج لأنه يعرف تماما أن فارس يستحيل عليه أن يهرِّب عبدالعزيز والحرس ينتشرون في كل مكان. فارس يسحب منديلا ليقترب منه، يمسح دماءه وبقايا العصير، أدرك تلوث جرحه : عبير عندي عبدالعزيز بحدَّة : وأنت مين ؟ لا زوجها ولا شي! فارس : أنت عارف أبوي ! في كلا الحالتين كان راح يخطفها سواءً بواسطتي أو بغيري بس أنا ماأبي شي يضرها والله العظيم يا عبدالعزيز ما أبي شي يمسَّها عشان كذا سويت كل هذا عبدالعزيز بصوتٍ خافت : واثق فيك بس أبعدها عن أبوك! فارس : خذه وعد مني أبوي ماراح يقرِّب منها .. أنتظر لحظة . . . . . أقترب من الرفُوف ليستخرج لصقات الجروح ومعقم، عقَّم جروح عبدالعزيز ليُغطيها باللصق. عبدالعزيز : شكرًا .. فارس : العفو . . أبوي مقرر أنه بكرا بيخليني أملّك على عبير ويقول إن رفض عبدالرحمن فهو الخسران بكلا الحالتين ماراح ترجع له بنته عبدالعزيز : ماراح يوافق! مستحيل أصلا فارس : داري وأصلا مستحيل الشيخ بيرضى لأن حضوره لازم عبدالعزيز بسخرية : كأنها بتصعب على أبوك! فارس يستخرج هاتفه : تبيني أتصل على عبدالرحمن! كلمه وقوله عبدالعزيز تنهَّد : أنتظر لبكرا فارس : طيب .. تآمر على شي عبدالعزيز : لا . . . ليستدرك شيئًا ويوقفه: فارس فارس ألتفت عليه ليُردف : ممكن تربط رجلي عبدالعزيز الذي شعر بأنه رُبما يغفى وتتحرك أقدامه الغير مقيَّدة، أخذ اللاصق العريض ليلفه حول أقدامه لتتجمَّد بسيقان الكرسي : كذا تمام ؟ عبدالعزيز : إيه ، أستيقظت شمسُ الرياض بخمُولِ وهي تغيبُ خلف الغيم الذي يتكاثف ببدايةِ شتاءٍ خافت، كان جالس في المقاعد الخارجية في ممر المستشفى ينتظرها تخرج بعد أن تم الأذن لها، لم يتحاور معها ولم ينطق أيّ كلمة معها منذُ ما حدث. رفع عينه عندما فُتِح الباب، تقدَّم إليْها : تبين كرسي متحرك؟ مهرة ببحة تُخفي وجعها : لا خرج معها متجهًا لسيارتِه، فتح لها الباب الأمامي، الصمت الذي كان بينهما لم يُدينه أحد، لم يقطعه الكلام أبدًا طوال الطريق الطويل في صباحٍ مزدحم، تمِّر الدقائِق بثباتٍ تشطر قلبيهما. كُنت أرفضُ هذا الحمل ولو عاد الوقت لما دعوت دعوة واحِدة على من يسكنُ رحمي، أشعرُ بأني فقدتُ نفسي معه، كل الأشياء تلاشت بسرعة أمامي، لا أريد أن أندم وأقُول " لو " ولكن أشعرُ بحاجتي لأن أصرخ بـ " لو " ، لو أنني لم أخرج من الغرفة وأنا أشعرُ ببعضِ التعب لما حدث كل هذا، يارب أني لاأعترض على قدرك ولكن أرزقني الصبر والرضا به، قبل عدة أيام كنت أراه بعيني والآن لا أحد، رحمِي خاوي من الذي أنتظرته في الفترة الأخيرة. ركن السيارة وهو يأخذ نفسٍ عميق يشعرُ بالسوداوية تطغى على كل حياتِه، فتحت الباب لتخرج وهي تشعرُ بقليلٍ من التعب يعكسُ نفسه على خطواتها المتأنية المضطربة، أتجه معها للفوق ليفتح لها باب الجناح، نزعت عباءتها بهدُوء لتضعها على الأريكة وخلفها نقابها وطرحتها، أتجهت نحو السرير لتدِّس جسدها به، نظر إليْها وهي تُغطي ملامحها بالفراش. نزع حذاءه وهو يضع شماغه فوق عباءتها، أتجه لناحية السرير الأخرى ليجلس بقُربها : مهرة ... كانت تغرق ببكائها تحت الفراش، لم تتوقع أبدًا أن يصِل حالها إلى هذا الحد. لم تتصوَّر أن تبكِي بهذه الصورة القاسية، ماذا يفرق أن يموت فردٌ بعد أن يستنشق الحياة أو يموت في رحمِ أمه؟ كلاهما موت، كلاهما نهاية، كلاهما قبرٌ لروحي. رفع الفراش بهدُوء لتُغطي وجهها بيديْها وهي تجهشُ ببكائها، خرج صوتها كأنينٍ يخترق قلبه قبل سمعه، رفعها نحوه ليضعها على صدره وهو يمسحُ على شعرها، لم أعرف كيف أواسِي نفسي حتى أواسيك؟ ولا أعرفُ أيّ طريقة تخفف وطأة الخبر علينا. تشبثت بثوبِه وهي تُبلله بحزنٍ عميق، كل الأشياء أفقدها، كل شيء أتعلقُ به ينسحب من حياتي بهدُوء، لم أجرِّب معنى الأب، وحين جربته تلاشى، ولم أجرِّب الأمومة وحين أقتربت منِّي ذابت دُون أن ألمسها، أنا لا أعرف كيف أحافظ على أشيائي ولن أعرف أبدًا ما دُمت على الدوام أفقدها بصورةٍ مفجعة ليْ، أؤمن بالموت ولا أعترض عليه ولكن أُريد لمرَّة أن أحافظ على شيءٍ لفترة طويلة أو أرحلُوا ولكن بهدُوء، لا ترحلون بهذه الطريقة المفجعة ليْ، لا تجعلوني أتأمل لأصعد لسابع سماء وأسقط فجأة دُون سابق إنذار على أرضٍ جافة. تكسَّر ظهري وضُعلي من الفُقد، يالله أرزقني الصبر . . يا رب الصبر. يُوسف بخفُوت : الحمدلله على كل حال ... مُهرة بصوتٍ مخنوق وهي تدسُّ نفسها في صدره : بموت يا يوسف .. يوسف : بسم الله عليك لا تجزعين مايجوز ...... الله يعوضنا بالذرية الصالحة . . . يستلقي ليجعلها تستلقي معه . . . . نامِي وأرتاحي نظرت للجدار الذي أمامها ويدها ترتخي عليه، وجهها الشاحب عكِّر جمالها الناعم، كيف أنام بهدُوء وأنا فقدت طفلي الأول! طفلي الذي بثَّت به الروح في أحشائي و كلمات الدكتورة تصبّ في إذني كـ نار وأشدُ حرقة من النار " سلمي أمرك لله والله يعين عباده " يوسف بصوتٍ هادىء : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ . . . وأكمل قراءته للرقيَة الشرعية عليها حتى نامت على صدره. ، بحزِن عقدت حاجبيْها : الله يصبِّرها .. صدق قهرتني بس عاد حرام ما تستاهل هيفاء بضيق : لو شفتي يوسف! قطَّع قلبي مع أنه ماقال شي بس لو تشوفين عيونه .. يا شينها عاد لا تلهفتي على شي وماصار ريم : ترى سمعت أنه مايجوز تقولين حرام وما يستاهل! كذا إعتراض على القدر وكأنه الله ما يعرف يصرِّف أحاول العباد .. يعني تعالى الله عن ذلك نجلاء بدهشة : لآلا أستغفر الله مو قصدِي كذا ريم : إيه دارية بس أنا قلت لك عشان ماتقولينها مرة ثانية نجلاء : ما قلتي لنا وش فكرتي؟ بترجعين له ؟ ريم تنهدَّت : إيه هيفاء : هذا أحسن حل توكم حتى ما تعرفتوا على بعض زين ريم : الله يكتب اللي فيه الخير. نجلاء : صدقيني يا ريم بكرا تندمين على تسرعك! كل شي له حل ! الطلاق مو سهل، أكثر شي يكسر المرَة الطلاق لا تكسرين نفسك بنفسك وتدمرين حالك وأنتِ ماتدرين زين الرجَّال وشينه .. توِّك في البداية يعني لا تندفعين كثير ريم بضيق كلماتها : وهذا أنا بسوي بنصيحتكم . . . ، يجلس وهو يحتضن رأسه، يبحثُ عن الحلول، عن الحريَّة من كل هذه القيُود، عيناه تغرق بِـ رِيف الضاحكة وهي تقفز كُلما أخرجت من بين شفتيْها فقاعاتِ الصابُون، وقف متجهًا لغرفة والدته، طرق الباب ثلاثًا حتى فتحه ليراها مستقيمة بجلستها تقرأ كتاب " عبقرية عمر للعقَّاد " تُشبه والده كثيرًا، مِثل الطِباع تمامًا مثل الجلسَة مثل العينيْن التي تغرقُ في القراءة، كل الأشياء تكتسبها من أبي وهذه طريقةُ أمي في الإشتياق، أن تتقمصُ دوره وتقرأُ ما يُحب. أنحنى ليُقبِّل رأسها وأطال بقُبلته التي توسدَّت كتفها، جلس عند أقدامها وعيناه تتوسَّل، قاسٍ عليّ زعلك! قاسٍ كثيرًا تجاهلُك ليْ يا جنتي. وضعت الفاصِل المزخرف لتغلق الكتاب عليه، رفعت عينها بعتب : تضايقني كثير يا فيصل ! فيصل بخفُوت : الله لا يسلِّم فيني عظم إن ضايقتك! يمه أنتِ منتِ فاهمة الموضوع بس صدقيني مو زي اللي في بالك والدته : أبيك الحين تجاوبني! وش علاقتك بمقرن؟ وش كنتم تسوون في باريس ؟ أبي أعرف الحين وأتطمن فيصل بضيق : شغلي هذا اللي أسسته كله كان من باريس! ومقرن كان يساعدني بعلاقاته بس هذا الموضوع أختنقت عيناها بالدمع : تكذب! والله تكذب فيصل وسيُجَّن بفعلِ دموع والدته : يمه لا تعورين قلبي، تطمني مافيه شي من اللي في بالك تنزلُ دمعتها بحزنها اللاذع الذي يجعلها تُحضِّر قلبها على فُقدِه، شتت نظراته ليس هُناك أقسى من دمعةِ الأم، قبَّل رُكبتِها ليضع رأسه في حجرها وهو يردفُ بصوتٍ ضيِّق : سوِّي اللي تبينه فيني بس هالدموع ماأبي أشوفها، لا توجعيني يمه فيك لاتوجعيني وأنا أحس بالإهانة قدام دموعك إذا نزلت بسببي، قاسي هالشعور والله.. والله يا يمه تكسرني دموعك وضعت كفيّها على رأسه لتغرق بماءِ عينيْها، خرج صوتُ بكائها الحزين كيف لإبنِي الذِي خطّ السواد في ملامِحه أن ينحني كالطفل حتى لا يرى دمُوعي؟ أيُّ دعاء يا فِيصل خرج من لساني حتى يجلبُك الله ليْ؟ أيّ خير فعلتهُ في حياتي حتى تأتِ؟ بقدرِ الوجع الذي أشعرُ به إلا أنك لم تخرج من بطنِي وحيدًا؟ أنت خرجت ومحملاً بجُزِء منِي لذلك أشعرُ بنبضِك المضطرب لأنِي هُناك! هناك في يسارِك وليتك تعلم مامعنى أن حُزنك لا يعنيك وحدك فهو يضايقني أضعافًا وأضعافًا. ، يدخل الغرفة الواسِعة التي تنشرُ في كل جهة ملفاتٍ كثيرة، بخُطى ثابِتة يلتفت حتى يتأكد من خلوِ المكان، أقترب من جهةٍ صُفَّت بها الملفاتٍ الزرقاء بعناية، يسيرُ خطوة خطوة بتأني شديد وهو يقرأ كل إسم حتى وقف عند – صالح العيد - ، فتحه وهو يقلبُ بأوراق الجرائم السابقة والشهادات الجنائية، حتى سمع صوتُ أحدهم يقترب، هرول سريعًا حتى أختفى خلف الرفِّ الأخير. عبدالرحمن وبجانبه عبدالله اليوسف ومن خلفهم متعب : هنا طال عُمرك. يقترب بهدُوء لينظر لمكانِ الملف الخالي : مين كان هنا ؟ متعب : محد الله يسلمك عبدالله يرفع حاجبه : متأكد ؟ متعب بلع ريقه : إيه عبدالله ينظر للملفات وهو الذي بدآ يعاونهم بالفترة الأخيرة : تدري يا بوسعود! شكله فيه ناس تلعب على الحبلين عبدالرحمن تنهَّد : والله ما أتركوا لنا عقل عبدالله : طيب خلنا نراجع القضايا السابقة المرتبطة برائد . . . هذا سليمان الفهد؟ عبدالرحمن ينظرُ للملف الذي بين يديّ بو منصور : إيه . . . . وين صالح العيد؟ متعب : موجود . . نظر للملفات وهو يبحثُ عن الإسم ليزداد توتره مع كل خطوة لا يجد بها الإسم المراد. عبدالرحمن يعقد حاجبيْه وبنبرةٍ حادة : مين داخل قبلنا ؟ هيّ فوضى عشان يدخل كل من هب ودبّ! متعب : لا طال عمرك والله محد دخل أنا متأكد و أسأل بو مساعد عبدالرحمن : طيب يالله طلع ليْ الملف! كذا يختفي فجأة متعب : لحظة أناديه . . . وخرج عبدالله بصوتٍ خافت وبنبرةٍ غير راضية أبدًا : أشياء سرية وقاعدة تخترق بسهولة! وش بقى للأشياء الثانية؟ عبدالرحمن بغضب : تعرف شي؟ أنا أعرف كيف أوقفهم عند حدهم . . . . . . وخرج بخطواتٍ تهيج غضبًا. وقف عند سكرتيره : تبلغ كل الموظفين إجتماع طارىء بعد ساعة وإن تغيَّب شخص واحد ما يلوم الا نفسه . . بما فيهم أنتم : أبشر إن شاء الله دخل مكتبه ليتبعه عبدالله بعد أن ترك ملف سليمان في مكانه : بتحقق معهم ؟ عبدالرحمن : اليوم أعرف مين اللي ورى كل هذا ! في جهةٍ أخرى يضع الملف بمكانه وهو يخرج بهدُوء قبل أن يلحظه أحد ليتقدم نحو مكتبه ومن خلفه : إجتماع بعد ساعة واللي ما يحضر على قولت بو سعود ما يلوم الا نفسه بصوتٍ خافت : إن شاء الله دخل متعب بخُطى مضطربة بعد أن خرج زياد : يارب أني ألقاه! أحمد من خلفه : طيب دوِّر في الجهة الثانية متعب يمسح على وجهه : مستحيل يكون في غير مكانه! محد دخل أصلاً أحمد يبحثُ بعينيْه : قلنا بنرتاح من عصبية سلطان هالأسبوع وجاء اللي ألعن منه وقف متجمدًا ليطِّل عليه أحمد بإستغراب : وش فيك ؟ متعب بهذيان : بسم الله الرحمن الرحيم .. بسم الله الرحمن الرحيم .. اللهم أني أعوذ بك من الشياطين ومن أن يحضرون ضحك ليُردف : وش فيك أنخرشت؟ . . أقترب منه ليلتقط إسم صالح العيد. متعب : والله يا أحمد أنه ما كان موجود قبل شوي! أحمد : شكل حرارتك مرتفعة اليوم متعب بعصبية : أقولك والله ماكان موجود! مين دخل بعدنا ؟ أحمد : يمكن ماأنتبهتوا له متعب أخذ نفس عميقًا : اللي قاعد يصير هنا مو طبيعي! .. طلّ عليهم سكرتير عبدالرحمن آل متعب : أنتم هنا! جهزوا نفسكم فيه إجتماع بعد ساعة متعب يسحب الملف ليتجه نحو مكتب عبدالرحمن، طرق الباب ودخل : لقيته طال عمرك عبدالله بدهشة ينظر إليه : وين ؟ عبدالرحمن يقف مقتربًا منه ليأخذ الملف ، متعب بلع ريقه : في مكانه عبدالرحمن : نلعب إحنا! متعب : والله العظيم قدام أحمد حتى! لقيناه في مكانه عبدالله : تونا قبل شوي ما كان موجود شي ، كذا نزل من السماء متعب ويعرفُ قوة عبدالله اليوسف وغضبه : لا الله يسلمك بس هذا اللي حصَل دخلت عشان أدوّره مع أحمد ولقيناه بمكانه عبدالرحمن بحدَّة : شف يا متعب أعصابي بروحها مشدودة لا تنرفزني أكثر! متعب بربكة : والله العظيم هذا اللي صار عبدالرحمن تعتلي نبرته لتصِل للممر الخارجي : قبل شوي كنا هناك وماكان فيه شي! متعب يُشتت نظراته : تقدر تشوف بكاميرات المراقبة! عبدالرحمن يتجه نحوه والكل في هذه اللحظة يبتعد عن طريقه، وصَلت حالة الحليم الذي أبتعد عن شرِّه إن غضب، نظر للشاشات : طلعه ليْ. زياد بعد أن مسح الشريط الذي يسبقُ دخوله، بهدُوء ضغط على زر الإعادة ليعرض دخوله مع عبدالله ومن بعدِه دخول متعب و أحمد وما بينهما صُورة مثبتة لم تشهد أيّ تغيير لأنه أستطاع بسهولة أن يقصّها. عبدالرحمن يُدقق في الدقائِق، كانت 8:55 و من ثم 9:20 وما بينهما أقل من 25 دقيقة : لحظة أرجع يعُود للبدايَة دُون أن يرى شيئًا مختلفًا، عبدالرحمن ينظرُ لزياد بنظرةٍ أربكته : أعرض لي الممر اللي قدام الأرشيف زياد يضغط على الكاميرَا الأخرى لتعرض له سير جميع الموظفين على الممر، عبدالرحمن : بعد 8 و55 دقيقة .. شف مين مشى؟ زياد يضغط على الوقت ليتم تسجيل كل من سارُوا في الممر دُون أن يتحدد من الخارج، عبدالله بدهاء : أخذ الكاميرا الأمامية زياد مدّ قدمِه أسفل الطاولة ليسحب إحدى الأسلاك عشوائيًا وينغلقُ نظام المراقبة. رفع عينه : ممكن عطل فني .. وقف . . أشوفه بس عبدالله بشك : يا سبحان الله هالعطل جاء الحين عبدالرحمن : دواهم عندي زياد ينحني خلف الطاولة بحجةِ إصلاح العطل في لحظةٍ كان يُقطِّع بها الشاشة المسؤولة عن الكاميرا الأمامية. عبدالله ويشعرُ بالمسؤولية، بشعُور الثقل على أكتافه كما كان قبل تقاعده : وش قاعد يصير هنا! وش هالفوضى ؟ عبدالرحمن تنهَّد : يارب رحمتك . . . نظر لمتعب وهو يشعر بان فاجعة أخرى تنتظره .. يالله كمِّل علي بعد متعب ويوَّد لو يتوسَّل إليْهم بأنه ليس ذنبه أن ينقل الأخبار السيئة، أخذ شهيقًا ليُردف : عبدالعزيز عبدالرحمن بخوف : وش صاير ؟ متعب : عند رائد عبدالرحمن بغضب : قلت له لا يطلع . . . متعب بربكة حقيقية : بس .. يعني .. يعني بنتك طال عُمرك تجمَّدت أعصابها التي أشتعلت بغضبها : بنتي!!! متعب : عند رائد بعد . . خطفها عبدالله أتسعت محاجره بصدمة لا يسبقها صدمة أخرى، إختطاف تعني موتٍ من نوع آخر هذا ما نؤمن به. عبدالرحمن يشعرُ بيدٍ من حديد تقتلعُ قلبه في هذه الأثناء، كان بيدِه ملف صالح العيد ضربه في عرض الحائط ليخرج، عبدالله بهيبته أردف : خذ الملف ومفتاح الأرشيف يجيني مفهوم يا متعب ولا أعيد الكلام ؟ متعب : أبشر! يدخلُ مكتبه بغضبٍ كان من النادِر أن يصِل لهذا المستوى، صرخ على سكرتيره : أحجز لي على باريس بأسرع وقت! أخذ هاتفه ليتصِل على الأمن الذي وضعه في باريس، أستمر لدقائق ولم يُجيب أيّ أحدٍ منهم، أغلقه ليتصل على هواتفٍ كثيرة أنتهت بهاتفِ عبير بعد أن ظنّ أن رتيل هي المخطوفة، على بعُدِ مسافاتٍ طويلة كان يهتز الهاتف أمامه، ضحك بشماتة وهو يقرأ الإسم " ضيّ عيني " لا أحد يستحقُ الإسم هذا غير " عبدالرحمن " وها أنت تأتِ بكامل إرادتِك، بعد أن تلاعب بأعصابه وأطال برنينه حتى أجابه بصوتِ مُنتصر : و عبدالرحمن آل متعب بجلالة قدره يكلمنا ! عبدالرحمن يُدرك من صاحب هذا الصوت : تلعب بالنار! رائِد : وأنا أحب النار عبدالرحمن : واجهني باللي تبيه بس بناتي خط أحمر! رائد بتلذذ : يعني على حرمك المصون ترضى؟ عبدالرحمن بغضب : رائِد! محد خسران بهالقضية غيرك! كل الأدلة ضدك رائد : أثبت لي دليل واحد وأرسلك بنتك جثة محروقة عبدالرحمن تحمَّر عيناه بغضبه : كلمة وحدة ولا عندي غيرها! تترك عبير حالاً .. وأنت عارف بصلاحياتي وش ممكن أسوي فيك رائد بهدُوء مستفز : بصراحة ما جربت المساومة إلا مع سلطان العيد وراح الله يرحمه و الحين بجربها معك وممكن بعدها تروح ونترحم عليك! يا خسارة! قايلكم من قبل لا تلعبون معي بس أنتم ناوينها حرب وأنا أكمِّلها لكم ماعندي مانع عبدالرحمن : أنتبه لألفاظك أنا ماأساومك أنا أأمرك! رائد : تصدق سبقتني كنت راح أتصل عليك عشان تبلغ الشيخ بموافقتك عبدالرحمن : موافقتي؟؟؟ بضحكة يستفزُ كل عصبٍ في جسدِ عبدالرحمن : على زواج بنتِك من مشعل ولا نقول من فارس ولدي ! . . قلت أرحمك وأرسلك فارس بإسم ثاني عشان ما تجيك جلطة وتلحق خويِّك سلطان بس شفت! لأنكم لعبتوا معي مضطر وأنا كلي حزن على اللي بسويه . . على العموم في حال رفضت صدقني عبير راح تبقى عند فارس! أنت عاد قرر كيف العلاقة تكون بينهم؟ عبدالرحمن يبلع غصَّة إنكساره في إبنته : تلوي ذراعي في بنتي! لو فيك خير قابلني بقوتي! رائد : أنا ما فيني خير . . ونقاط ضعفك هي قوة بالنسبة ليْ بالمناسبة عبدالرحمن : أترك عبير .. أتركها يا رائد مشكلتك معي مو معها! رائد : وتبيني أترك لك صالح . . أووه قصدي عبدالعزيز ؟ . . . أنا أقول ما ظنتي راح تشوف عبدالعزيز بعد! ممكن تزوره في قبره .. ماراح أكون حقير أبدًا وأضيِّع جثته أبد بحطها لكم قدامكم . . *أردف جملته الأخيرة بسخرية لاذعة* عبدالرحمن : هي مسألة وقت وراح تنتهي! رائد : ودِّك تسمع صوت بنتك ؟ ترى قلبي رهيِّف ما اقوى على بكي الحريم! عبدالرحمن بغضب : أقسم بالحي القيوم لو تلمس شعرة منها لا أقاضيك بنفسي! وأنت عارف وش أقصد والله العظيم لألعب معك بأساليبك الملتوية ومحد بيخسر غيرك! لأن القوانين مع أشكالك ما تنفع رائد بنبرةٍ مستفزة : لا لا ما ارضى على زوجة ولدي تنهان أفا عليك! . . بس تعرف بنتك الحلوة مع ولدِي وبروحهم! ما تجي صح ؟ وبعدين كنت راح توافق على مشعل! شفت أنك مغفل وبسهولة أقدر أخدعك! . . ، في جهةٍ آخرى يقف فارس ويستهلك كل قوَّاه العقلية في إقناع الشيخ ذو الملامح البيضاء بتوكيلٍ مزوَّر : طيب هذا التوكيل؟ الشيخ : لا يا إبني الجواز مش لِعبه! بشوف ولي أمر الفتاة بالاول فارس : طيب هو في السعودية ما يقدر يجي! وموكِّل زوج بنته الثانية يكون ولي أمرها في عقد النكاح! الشيخ بشك : ما بقدر! هيك العقد باطل! فارس : الشروط كلها تامة! الشهود موجودين والفحوصات الطبية قدامك والبنت راضية ووالدها راضي لكن صعب يجي الحين! نواجه ظروف صعبة يا شيخ الشيخ : طيب بالأول تفرجيني إثبات بموافقة ولي الأمر غير هالتوكيل فارس يمسح وجهه بعد أن أستعصى عليه إقناع هذا الشيخ، وكأنه يعرف بأنه توكيل مزوَّر لولي الأمر، أخذ نفس عميق : طيب .. تفضَّل هنا على ما أتصل وأشوف . . . . . أبتعد عن الغرفة متجهًا لوالده، دخل عليه ليستمع لكلماتِه الأخيرة: مو قلنا لكم خلكم في شغلكم وخلُّوا غيركم يشوف شغله .. الحين لا تطلب مني شي! بنتِك بعيد التفكير فيها لكن أظنك بتهوجس كثير ولا بتشوف حتى طيفها فارس وقف أمامه ليُردف بضيق على هذا الحال : يبـه رائد بضحكة : عن إذنك يا بوسعود بس خلك قريب من الجوال ها! لا أوصيك عشان تشهد على زواج بنتِك . . وأغلقه. فارس : كنت تكلمه؟ رائد : جاء الوقت اللي أتشمت فيهم! . . وش سويت مع هالشيخ ؟ فارس : رفض! يقول لازم يشوف ولي أمرها رائد تنهَّد : أقول أكرشه وأجلس ماهو لازم تتزوجها فارس بدهشة يلفظها غضبًا : كيف يعني؟ أتركها كذا رائد بإبتسامة : عشان يتعذبون صح فارس : لآ يبه .. واللي يرحم لي والديك عادِك بتعذبني معهم رائد بهدُوء : طيب وش أسوي! هذا الشيخ ورفض تبيني أبوس رجله عشان يوافق حضرته يزوّجكم فارس شتت نظراته لا يعرف ماذا يفعل، كل الأشياء تتعقَّد أمامه، رائِد بخبث : لقيتها لك .. مكالمة فيديو تفي بالغرض! فارس : كيف يثبت أنه ابوها! رائد : شغِّل مخك! بيشوف صورته وبيسمع موافقته وبنثبت هالشي ببطاقته .. غصبًا عنه أصلا راح يوريهم بطاقته! وبتطابق أوراق بنته وتم الموضوع فارس : ومين يوقِّع عنه ؟ رائد : التوكيل! الكلب الثاني جيبه وخله يوقِّع فارس : طيب يعتبر عقدنا باطل؟ بكرا إذا صار شي . . رائد يقاطعه : شف عاد الأشياء القانونية أعرفها أكثر منك! عقدك تام تمت الشروط فيه خلاص يكون صحيح وإن حصل شي بعدين تطمن تقدر تجدد عقد الزواج وينتهي موضوعك .. رح شف الكلب وخل أيّ أحد يشهد معكم ماعلى أشوف ولد خالد وش بيسوي! يتصِل على عبدالرحمن من هاتفِ عبير ليُجيبه بهدُوء، لم يلفظ كلمة : أسمع من الآخر الشيخ يبي موافقتك! ويبي يتأكد من أنك ولي أمرها! وبسخرية يُكمل : لذلك رحمةً ببنتك وفيك ياليت تقبل مكالمة الفيديو عشان حضرة الشيخ يشوفك ويسمعك وغير كذا ياليت توريه بطاقتِك اللي تثبت إسمك وصورتك ... وإلا . . تخيَّل وش ممكن يصير في بنتك! عبدالرحمن الصامت ينظرُ للعدَم، ماهذا الخطأ العظيم الذي يجعلني أُذيق حرقته مرتين أول مرة مع رتيل والآن مع عبير، كلاهُما لم يتزوجان بصورةٍ طبيعية، كلاهما شعَرتُ بأن موتًا يقذفني ليُحييني من جديد، في أشدٍّ الأشياء يكسرُون ظهري بها، هذه إبنتِي كيف أرضى؟ كيف تحدث كل هذه الفوضى وأعجز عن فعل شيء! أُريد فقط أن أفهم لِمَ كل هذا يحدث، لن أجِد أسوأ من شعُورك بأنك عاجز! لا تستطيع فعل شيء لأقربِ الناس إليْك، يالله صبِّر عبادِك. رائِد : أفهم من كلامك رفضك؟ يعني عبير بحّ ! عبدالرحمن بإنهزام فظيع يُقطِّع أوردته : أنتظرك رائد أتسعت إبتسامته : واللي يبيه رائد بالنهاية هو اللي يصير! ليتكم تفهمون هالقاعدة زين . . . أغلقه ليتصل عليه بمُكالمة فيديو . . وقف متجهًا للصالة الأخرى نحو الشيخ : تفضَل تقدر تكلم ولي أمرها وتتأكد بنفسك . . . أبتعد فارس حتى لا يظهر بجانب الشيخ، لن يتجرأ أن ينظر إليْه أبدًا. دخل عبدالعزيز بعد أن فكّ قيدِه حتى لا يُثير الريبة في نفسِ الشيخ، بصورةٍ سريعة تسيرُ الدقائِق، بصورةٍ سريعة يتمُ نحر الحياة في قلب عبدالرحمن، بصورةٍ سريعة يسقطُ قلبه وشرايينه التي تنبضُ له، بصورةٍ سريعة يفقد الحياة مع إبنتيه، كُنت أخاف عليهما من ظلهما، كُنت أحزن عليهما من نسمةِ هواء تُضايق جدائِلهما، ولم أستطع أن أحميهما بصورةٍ كافية، أهُناك أشدُ وجعًا من كل هذا ؟ يا ضياعي وشتاتُ الأشياء منِّي، يارب إني أحسنُ ظني بك وإن هذا لحكمة منك ولكن أسألك بكل إسمٍ سميتُ به نفسك أن لا تجعلني أشهدُ يومًا ضياعهمَا مني. أنحنى فارس ليوقِّع بعد إطالة الشيخ بأسئلته حتى يتأكد وتبقت خانة – الزوجة -. وقف متجهًا إليْها، فتح الباب ليراها جالِسة وتضع ذقنها على ركبتيْها، رفعت عينيْها إليْه لتزحف حتى لاصق الجدار ظهرها. بهدُوء : تعالي عشان يسمع الشيخ موافقتك! عبير : ماني موافقة فارس : لازم توافقين! لأن أبوك أتصل وبلغ الشيخ موافقته بعد عبير وهي تتعبَّر : كذاب! أبوي مستحيل يوافق فارس : والله . . ممكن تجين؟ عبير بحدة : قلت لا . . لو تذبحني ما وافقت فارس يتأمل شحُوب ملامحها ليلفظ : بكيفك! بس تحملي وش بيصير بعدها عبير بضيق تسقطُ دمعتها الفاتنة لقلبِ من يقف أمامها : مو قلت ماراح تضرّني؟ فارس : وعشان ما أضرِّك أنا جيتك الحين . . لو هالشي يضرك أبوك ما وافق تهز رأسها بالرفض، بعدم الإقتناع أن والدها يتساهل بالزواج بهذه الصورة، يقترب منها : ممكن توقفين وتجين معاي؟ عبير بغضب ودموعها تسبقها على ملامحها : ما تقدرون تزوجوني بالغصب! هنا فيه قانون .. مو على كيفكم فارس بهدُوء : مافيه شي بالغصب إذا تبيني أشيل إيدي منك وأخلي أبوي يتصرف زي مايبي بكيفك! عاد الله أعلم مين يخلي عندِك .. أنتِ حرَّة ماراح تشوفين وجهي ومثل ماتبين بيصير . . . . أعطاها ظهره متجهًا للباب وبنبرةٍ باكية أرتجفت بها الحروف : لحظة! وقف دُون أن يلتفت عليها لتقترب بخطواتِها نحوه، نظر إليْها لعينيها المتلألأتين، يا فتنة الصِبَا رفقًا بأعصابي، رفقًا برجلٍ أصطبر عليكِ حلمًا ولم يتوقع أن يُقابلك وجهًا لوجه، " تعالي أحبك قبل الرحيل فما عاد في العمر إلا القليل أتينا الحياة بحلمٍ بريءٍ فعربد فينا زمانٌ بخيل " تعالِي قبل أن ينفكّ قيدُ الظروف وتذهبين، إن كنت ضائِعًا لا أدلُّ الطريق تعالي لأعيشُ بكِ الحلم، إني راضيًا بكُلِ الحياة التي تسكنني أن أعيشك حلمْ وأصبرُ على حقيقتِك ليومٍ لا أعرفه ولكن سأنتظره. تقف خلف الباب ليسألها الشيخ، ثوانِي طويلة حتى لفظت بثباتٍ يعني فقدان الحياة، أن تستقبل الموت بتبلد : موافقة. يعطي فارس الأوراق حتى توقِّع، أتجه إليْها، أخذت القلم وبرجفةِ أصابعها وقعَّت، نظرت لِمَا حولها من الصعب أن تهرب، لا مجال للهربِ أساسًا. ، يجلس سكرتيره أمامه وهو يُلقي عليه الأخبار الجديدة : وبس هذا ! سلطان يمسح وجهه بتعب : مين اللي وثَّق أوراق رائد ؟ : والله ما عندي علم يا بوبدر .. أظن بوسعود قايل لمتعب يسويهم! سلطان : لآ مو متعب! أبغى أعرف مين اللي تصرف بقضية رائد؟ أبي كل شخص قرأ قضيته سواءً شخص من قريب ولا من بعيد : مافيه غيركم! الملفات ما تطلع لأحد سلطان : طيب مقرن في الفترة الأخيرة كيف كانت تصرفاته بالشغل ؟ تذكر شي سوَّاه وأستغربت منه : تعرف يا بو بدر أحمد ومتعب هم اللي قريبين منه أما أنا ملتزم بمكتبي ماأطلع ولا أتكلم معاه كثير سلطان تنهد : طيب مستحيل ما مرّ عليك! تذكر حتى لو شي بسيط بصمتٍ يطُول حتى يردف : قبل لا يروح بوسعود باريس طلب مني كشوفات لإتصالات رائد اللي قدرنا نحصل عليها سلطان : أيه؟ بدهشة يلفظ : لا لا صح! هذي كيف ضاعت مني أذكر يوم عطاني أسماء عشان أراقبها سلطان : مين؟ : أسامة و عمر و حسين و إسم ثاني ناسيه .. كلهم كانوا يرتبطون مع رائد سلطان أسند رأسه لينظر إلى السقف : وش تبيني أسوي فيك؟ بحرج : ما توقعت والله! سلطان : أبي مقرن هاليومين! يجي الرياض .. حاول تشوف أي طريقة عشان يرجع بدون لا تشككه بشي .. أتفقنا ؟ : أبشر سلطان : تقدر تروح : مع السلامة وما تشوف شر مرة ثانية . . سلطان : الشر ما يجيك . . نظر للنافِذة التي لا تطل على شيء يستحق التأمل، غرق بتفكيره وهو يعزم على أن يُذيق رائِد شر هزيمة، طرأت على عقله المشوش – الجوهرة - ، تُجادل عقله في الوقت الذي يُريد أن يفكر به بالعمل فقط. يعُود عقله لتفاصيل وقتٍ مضى، للحظةٍ رحلت ولن تعود! في ساعاتِ الليل المتأخرة، وقمرُ الرياض يتزنُ في عرضِ السماء الداكنة، دخل وهو مضطرب المزاج لا يريد أن يحرك فكيّه بكلمةٍ واحدة، نزع حذاءه الأسود الثقيل ورمى نفسه على السرير بملابسِه العسكريَة دُون أن يخلعها من شدةِ التعب، سمع صوتُ فتح الباب ومن إرهاقه لم يلتفت. تقدمت بخطواتها إليْه وهي تحسبه نائِمًا، اقتربت حتى تفتح أزارير قميصه الأولى لكي لا تٌضايقه، بمُجرد ما لامست أصابعها رقبته حتى فتح عينيْه. الجوهرة بربكة : كنت أحسبك نايم . . ينظر إليها بصمت ويشعرُ بأن الكلمة الآن لها وزنها على لسانه لذا يصرف نظره عن الحديث. الجوهرة : طيب نام على ظهرك! هذي نومة أهل النار نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن نومة البطن سلطان : أنا مانمت! الجوهرة أخذت نفس عميق : طيب ... ووقفت سلطان : وين رايحة ؟ الجوهرة : بنزل تحت سلطان بهدُوء هامس : تعالي وقفت دُون أن تتقدم خطوة ليُعيد حديثه : تعااااالي وإرهاقه يجعله يتراجع عن مواقفه السابقة بصورةٍ مؤقتة، وضع رأسه في حجرها : دلكي راسي تجمدَّت خلاياها بمُجرد ما شعرت برأسه وهو في حضنها، وضعت يدها على رأسه وهي تخلخل شعره القصير، بسخريته : قلت دلكي راسي مو ألعبي بشعري سارت الحُمرة في جسدها بأكمله لترتجف أصابعها وهي تُدلك فروة رأسه. أستيقظ من غيبوبة الجوهرة على سؤال الدكتور أمامه : شلونك يا سلطان اليوم ؟ ، جلس وهو يعصرُ رأسه بكلا كفيّه، وصل أعلاه، وصل لحدٍ لا يستطيع أن يقاوم كل هذه الضغوط، للتو وافق على زواج إبنته، للتو إبنته تزوجت! لا يستطيع أن يستوعب كل هذا، لا يملك القدرة على الإستيعاب أبدًا، في حين كان جالس عبدالله بمحاولةِ مواساة لم يلفظ كلمة أمامه، الصمت هو أعلى رُتب المواساة، لستُ أقل دهشةً منه ولكن صعب عليّ أن أرى عبدالرحمن بهذه الحالة التي لم أراها به منذُ سنوات طويلة : تعوّذ من الشيطان عبدالرحمن يقف وهو لا يعرف أين يذهب، وصل لقمة غضبه، أوقفته الطاولة الزجاجية التي أمامه ولم يتردد بأن يتعارك مع " جماد " وهو يرفسها حتى تسقط ويتناثرُ زجاجها، قاسي حزن الرجال! قاسي قهرهم. بغضبٍ يلفظ : كسرني يا عبدالله في أغلى شي عندي . . عبدالله بهدُوء : إن شاء الله مو صاير لها شي يلتفت عليه لينفجر بصراخه : معاه كيف مو صاير لها شي! هذا إذا ما جننها! . . يارب .. يارب بس مسك جبينه وهو يشعرُ بـ دنوِ الموت منه، بأن روحه تصِل لحنجرته حتى تسقط مرةً أخرى في قلبه : بيذبحون لي بنتي! .. بيذبحونها يا عبدالله أعرفه وأعرف أساليبه .. عبدالله : دامها زوَّجها ولده أكيد ماراح يسوي فيها شي . . خلنا نفكر بحَل بدل هالعصبية .. وعبدالعزيز معاها عبدالرحمن صمت قليلاً ليستوعب : ورتيل وضي ؟ . . وينهم! بخطواتٍ سريعة أتجه نحو هاتفه ليتصِل على هاتف رتيل و " مغلق " هذه الإجابة التي تُضيِّق عليه دائِمًا، ضغط على رقم ضي ولا طاقة له بأن يتحمل أخبارًا أسوأ. أهتز الهاتف أمامها ورأسُ ضيء في حضنها يغفُو، سحبتها قليلاً لتضع الوسادة أسفلها، نظرت للرقم لتُجيب بسرعة : ألو .. يبه عبدالرحمن : هلا يبه . . . وينكم فيه ؟ رتيل برجفة الكلمات التي تخرج من بين شفتيها : مدري طلعنا من باريس بس بالضبط ماأعرف عبدالرحمن : وداكم عبدالعزيز؟ رتيل : إيه تركنا هنا وراح عبدالرحمن : ضي وينها ؟ رتيل : نايمة عبدالرحمن الذي أستغرب نومها في هذه الساعة، لفظ بخوف : فيها شي ؟ رتيل : لآ بس يمكن تعبت من اللي صار ... يبه وش بيصير علينا . . أردفت جملتها الأخيرة برجفةِ أسنانها. عبدالرحمن : بجيكم إن شاء الله بأقرب وقت، الحين بخليهم يرسلون لكم حرَس وتطمنوا .. طيب يا قلبي . . . . كان يُهدئها بكلماتِه في وقت لم يستطع أن يُطمئن قلبه. رتيل وتختنق بغصتها : وعبير ؟ عبدالرحمن : وعبير بخير .. مو صاير لها شي بإذن الله رتيل : لآ تخبي علي شي عبدالرحمن : يبه رتيل تطمني إذا مو بكرا إن شاء الله اللي بعده أنا عندكم . . رتيل لم تتمالك نفسها أكثر لتبكِي ومن بين دموعها : يبه كيف أصبر لبكرا ولا اللي بعده! والله خايفة لو صار شي مقدر أتصل على أحد .. عبدالعزيز مو هنا ولا عمي مقرن موجود عبدالرحمن ويشعرُ بأن هذا فوق طاقته، بكاء إبنته الأخرى يعني موتٌ فعلي لخلاياه : رتيل حبيبتي قلت الحين برسلكم حرَس وبحدد مكانكم بعد . . ريحي نفسك رتيل بنبرةٍ باكية : يبه المكان يخوِّف . . تكفى خل أحد نعرفه يجينا .. عبدالرحمن بضيق : يا يبه قلت لك بيجونكم حرس تطمني .. أنا الحين بشوف لي أيّ حجز عشان أجيكم اليوم قبل بكرا بعد! رتيل : طيب عبدالرحمن : أنتبهي لنفسك و أنا كل شوي بتصِل عليكم عشان أتطمن .. أتفقنا ؟ رتيل : طيب لأن جوال ضي ما بقى فيه رصيد كثير يمكن مانقدر نتصل إحنا .. تكفى يبه أتصل بعد شوي عبدالرحمن : إن شاء الله يا عمري ... مع السلامة ... عبدالله : عبدالعزيز تاركهم وين ؟ عبدالرحمن : شكله مسكنهم في بيت برا باريس! الحمدلله تطمنت عليهم واثق متأكد أنه عبدالعزيز مستحيل يسوي شي بدون لا يتأكد. . . بخليهم يرسلون حرس لهم ويشوفون الرقم وش إحداثياته عبدالله : كويّس على الأقل نضمن سلامتهم ونفكر برائِد ومصايبه اللي ماتنتهي. ، يخترق عتمة الغرفة بدخُوله، لم يراها منذُ أمس، نظر لجسدِها الملقى على السرير ويبدُو أنها تغرقُ بنومها، أنتبه لزجاجاتِ العطر المرمية على الأرض، كالعادة تُفجِّر غضبها برميْ الأشياء، دائِمًا ما كُنتِ عنفوانية يا غادة حتى بحُبكِ ليْ، أُريد أن أعرف شيئًا واحدًا كيف تنكرين هذا الحُب؟ الحُب الذي يعني قلبك، جسدك، عقلك ، حواسك، حياتُك وأكسجينك؟ كيف تصبرين على هذا الإختناق بتوحدك مع نفسك دُوني؟ وضع قدمِه خلف قدمه لأخرى لينزع حذاءه بها، ويعاودُ حركته مع القدمِ الأخرى، وضع معطفه على الكرسي ليسحب الفراش برفق، ويدسُّ جسده خلفها، أحاط بطنها بذراعه ورأسه يغرقُ بشعرِها الطويل . . . . ، أخذت نفس عميق منذُ أن وصلت لبيته وهي لم تنطق كلمة واحِدة، تكاد تنفجر من صمتها وهدُوء الأجواء حولها، وقفت وهي تتشابك مع يدِها، تحاول أن تجهِّز كلماتها في عقلها وتسترجع عباراتها، يجب أن أتفاهم معه أن يعرف كيف يضع حدُوده معي، ويفهم أنني عُدت لأعطيه فرصةً ثانية وليس لأعطي نفسي فرصة، أنا لم أخطىء وهذا ما يجب أن يفهمه السيد ريَّان. خرج من الحمام و المنشفة السوداء تُغطي جزءه السفلي وتُعرِّي صدره، بلعت ريقها لتضيع كل الكلمات التي جهزتها لتُلقيها بوجهه بعد أن شعرت بأنه لا نية له للحديث والنقاش . . . ، في ضوضاءِ الخُضرةِ المزهرة تتذبذب الأصوات يمينًا ويسارًا، سمعت صوتُ السيارة خارجًا ولا بيت بجانبهم حتى تُخمن أنه لاحدٍ آخر، بلعت ريقها بخوف لتهمس : مو قادرة أتصل! مافيه شبكة!! ضي وتشعرُ بحاجتها للتقيؤ حالاً : كبدي تقلب! رتيل بتوسل : تكفين بس هالدقيقة!!! ، سمعت صوتِه وهو يقترب من الباب، وعقلها يخيطُ حيلةً للهروب، أستلقت على الأريكة وهي تمثِّل النوم مغمضة العينيْن . . . . . أنتهى |
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء ( 65 ) المدخل لـ فاروق جويدة . لو كنت أعلم أنني سأذوب شوقا في الألم لو كنت أعلم أنني سأصير شيئا من عدم لبقيت وحدي أنشد الأشعار في دنيا.. بعيدة و جعلت بيتك واحة أرتاح فيها.. كل عام و أتيت بيتك زائرا كالناس يكفيني السلام.. ويدسُّ جسده خلفها، أحاط بطنها بذراعه وملامحه تغرق بخصلاتِ شعرها الطويلة، يا ليلي أنتِ! إني لوجه الله أترك الحياة أمامِك، لأجلِ الحُب أتركها ولكن! عيناكِ ما سرُّها؟ ما سرُّ النكران وأنا محجرُها يا غادة. تعالي، أقبلي كحشدٍ مستبِّد إني أرضى بإستبدادي، أقبلِي كحكومةٍ ترأسني إني أرضى بظُلمي، تعالي لأقُول لكِ فقط أني أحبك، تعالي كـ غادة، كروح غادة، كعيْنِ غادة، تعالي حتى أعيش، حتى أتنفس بصورةٍ طبيعية، أنا والله من بعدكِ لم أرى شيئًا يستحقُ العيش وكيف أرى بعد أن كُنت أرى الغديرُ من ضحكتكِ ينساب؟ والجنَّة بين هدبيْكِ تُرى؟ كيف أرى بهذا العالم شيءٌ يستحق التأمل وأنتِ كُنتِ حبيبتي؟ كُنتِ يا غادة والآن؟ هل تكفي المساحة؟ هل تكفي لأقول " آآآه " هل ستشعرِين ببحَّة قلبي ؟ قاسية جدًا قاسية على رجل يراكِ من هذا الكونُ كونًا آخر، قاسية على رجلٍ يُقدّم لكِ قلبهُ قربانًا ؟ أستجيبي .. من أجل الله أستجيبي ليْ لمرَّة، قولي أنكِ أشتقتِ! لا تتركيني أمُوت ولم أسمعها منك! لا تتركيني أغرق وصوتُك طوق نجاتي. لا تتركيني يا غادة وأنا عطشان، تعالي و أرويني بماءِك، - يستنشق عنقها ليشدَّها نحوه أكثر بوجعٍ أكثر – هذا الجسد كيف ينساني؟ وأنا الموشومُ بك من مفرقِ رأسي إلى أقدامي! هذا الجلد الذي يحبسُ كلماتنا وضحكاتنا كيف تفكرينه بهذه الخشونة! كيف تمحين – قلبي – بسهولة. أنا حزين! حزين جدًا وأشعرُ بالوحشة رُغم أن جسدك يُدثرّني. تحركت وهي تتضايق من حصاره، فتحت عينيْها لتنظر إليْه بجمُود بعد أن نامت و بكائِها يتلحفها، حاولت أن تسحب ذراعها ولكن لا حيلة للهروب ويديْه تُثبتها من كل جهة، بهمس مبحوح : ممكن تبعد! لا يُجيبها ليغمض عينيْه ورأسه يضعه على كتفها، وبمثل همسها أوجعها : إذا كان بُعدك واقع أتركيني على الأقل أحلم. غادة صمتت لثواني وكلماته تصبُّ في قلبها كندباتٍ مالحة : لا توجعني أكثر .. أتركني لو سمحت. ناصر بلهيبِ أنفاسه يشدُّ عليها حتى كادت تدخل به : لا تقولين لو سمحت وتشعرُ بالألم من قبضته على جسدها : ناصر أتركني أوجعتني ناصر بهذيانِ حُمى الحب : 5 سنين كيف تنسينها ؟ أنتِ اللي أوجعتيني .. شوفي وش سويتي فيني! مريض فيك وتعبان منك ..... ليتني ماعرفتك . . ليتني صدقت موتك وبقيت عليه، أحزن عليك ولا أضيق منك! نزلت دمعتها بنهايةِ كلمته الأخيرة، وإن نسيتُ من أنت ولكن هذه الكلمة تُهين قلبي الذي لا يشعر بك، تُهينه لأنه متخم بالكبرياء الذي لا يروق له بأن أحدًا يندمُ على معرفته به. يُكمل بصوتٍ ينامُ به الحزن : كنتِ تقولين الحب ما يموت! كلهم يشهدون عليك! هالجدران هذي تشهد عليك! ليه مات في صدرك حُبي؟ ليه ذبحتيني وأنا المتشفق عليك! . . . . مين المخطي؟ انا ولا أنتِ! . . قلبك هذا من أيش؟ قلبك هذا أناآآ . . وين ضيعتيني ؟ وين تركتيني ؟ . . . وبهمسٍ يمُوت تدريجيًا : رديني . . ردِّي لقلبي حياته تتحسسُ الحمرّة التي تنسابُ من صوته، يندفعُ قلبه بإتجاهِ صدرها الرقيق، أستسلمت من قوَّاه بين ذراعيْه، لم تستطع أن تقاوم وأفلتت كل وسيلة للمقاومة بعد كلماته، كيف تكون لهذه الكلمات حوافٍ حادة تقتلني بهذه الصورة؟ يالله يا ناصر! لو أنني فقط أسترجعُ نفسي حتى أعرفُ كيف أسترجعك. همست بين ظلامِ الغرفَة والهواء العابر دُون أن يغطيهما شيء، كانت أجسادِهم الباردة تُدثِّر نفسها بنفسها والفراش يُغطي أقدامهما فقط. : عطني وقت! بس وقت عشان أصلح نفسي. ناصر وهو مغمض عينيْه : عطيني عُمر! وأوعدك بالوقت. شدَّت على شفتيْها حتى لا يخرج أنينها، لم تستطع أن تتمالك نفسها أمام كلماته المندفعة بعاطفته، هذه العاطفة الرجولية تكسرها بعنف، بضراوة لم تتوقعها. ببحَّةِ البكاء وعيناها تغرق بالدمع وهي لا تستطيع أن تلتفت إليْه ما دام ظهرها يلاصق بطنه وهو يستلقي على جانبه الأيمن : تكفى .... ناصِر : تبين تبعدين؟ تبين تصلِحِين نفسك بعيد عنِّي! يا قساوتك غادة وضعت يدها على ذراعيه وهي تحاول أن تفكّ قيده على جسدِها : أرجوك . . والله مافيني طاقة أتحمل كل هذا ناصر بعنف يشدّها أكثر وهو يضغط على بطنها حتى شعرت بأنه يخترق جلدها ليطحن أحشائها بقبضته، وبنبرةٍ حادة تتركها تصرخ بألمها : أنتِ ليْ. بضيق حنجرتها : آآآه . . خلاص .. تكفى خلااااص أوجعتني بغياب الوعي التام يؤلمها بمفاصلِ يدِه المشتاقة، أزداد بضغطه وأزدادت بألمها، غرزت أظافرُها في ذراعه وهي تهمسُ بين أنفاسها المضطربة : نااااصر ...... كافي .. كااااااااااااااافي بهذيان : تتذكريني! متأكد أنك تتذكريني مستحيل تنسيني لكن فيه شخص ثاني بحياتك! فيه شخص تبينه .. فتح عينيه ليُكمل : تبينه صح؟ غادة : ماأبي أحد . . أتركني واللي يرحم والديك ناصر : تبين وليد؟ . . . وليد بسنة خلاك تنسين 5 سنين من عُمرك! أنا بس بسألك شي واحد وبعدها بتركك أرخى يديْه لتتنهَّد براحة بعد أن شعرت بالغثيان من معدتها، أستلقت على ظهرها وهو يفكّ قيد جسده منها، نظر لعينيْها المُضيئتيْن بالدمع كما تُضيء السماء في هذه اللحظات بماءها. أردف : مين قال أنه المطر أنت وأنه السما ما تشبه إلا عيونك ؟ غادة تجمدَّت حواسُها في لحظةٍ لا تعرفُ ماهية نبرةُ الأحداث التي تجري على لسان ناصر. أبتعد ليقف، يُراقب شفتيها، لا يُريد أن يفقد الأمل و موسيقى الحزن تضربُ في قلبه، أنتظر لدقائِقٍ طويلة وهو ينتظر جواب! لاتصمتِي! هذه المرة أرجوكِ اكذبي وقولي أنا وجهتُ هذا الخطاب لعينيْك. من أجل الله لا تكسري مجاديفُ الأمل في قلبي. أرتجفت شفتيْها ليشعُر بأملٍ أن تتحدَّث ليُصدَم بفظاعة الخيبة وهي تنطق : تضغط عليّ كثير. من يداوي الخيبات في صدرِي؟ من يشقّ طريقه لقلبِي ويضمِّد جراحه؟ من يعتذر عنها نيابةً؟ من يعتذر عن حزني هذا وسأعفُ عنه! أنا أحتاج وبشدَّة لشخصٍ يقرأ عليّ آياتِ السكينة، أن يقول " وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ " علَّه ينتشلنِي من وعثاء الحياة، يالله لا تُميت بي الحياة بهذه الطريقة. تراجع بخطواته مضطربًا، وصوتُها الخمري يغشى عليه ليستذكر ذاك اليومٍ الماطر أسفل سماءُ باريس كان صوتُها أغنية، كيف تنسى لحنها؟ بتراقصات المطر تسيرُ معه وذراعها تتأبطُ ذراعه : أعلمك شي ! ناصر : وشو غادة : جايني حس الشاعرية اللي عندك وترجفُ شفتيه من البرد وأنفاسه البيضاء يزفرها : سمعينا غادة تتنحنح لتُردف بصوتٍ عذب : و أعطشك! وأنت المطر وهذي السماء ما تشبه إلا عيُونك. ناصر بإبتسامة شاسِعة : الله الله صح لسانك! . . . يسمح لي مقامك أني أرد عليك ؟ غادة بخجل شفاهِها التي تُصيِّر أنفاسها للبياض وهُما يدخلان الممر المغطى حتى يقيهما من المطر : إيش ردِّك؟ ناصر يقف لتلاصق أقدامه أقدامها ويدِه تُلامس ظهرها الناعم وعيناهما تُغنِي الصمت: البدر يقول .. انا قلبي عصفورك وباقي الصدر اعشاش. عاد لواقعه، لِلاإتزان الذي يتشكلُ بها، أعطيني الكلمات حتى أسترجعك أغنية، أنا عرفتُكِ لحنٌ لا ينسى كيف قطَّع أوتارهُ ونسى؟ كيف نسى وأنا قرأتُ على قلبك المعوذتيْن و " أحبك " ، كيف نسيَ صخبُ القصائِد المقروؤة بيننا، قلت لكِ مرّة بلهجةِ مُهندس الكلمة " إنتِ عيونك هالمدى بحر وطيور مهاجرة " والآن بمثلِ القصيدة أُعيد لكِ المقطع " إنتِ عيونك نجمتين ضي ورا ضي يعود، ويادوب غابوا ليلتين خلو شموس الكون سود ، رحتي ولا ظنك تجين .. وين الوعد يامفارقه " أتجه خارجًا وقلبهُ يسجدُ بحزنه ولا يضربُ بأوتارِ صوته سوى جملة مبحوحة – وين الوعد يا مفارقه ؟ -. ، خرج من الحمام و المنشفة السوداء تُغطي جزءه السفلي وتُعرِّي صدره الصاخبُ بعضلاتِه المشدودة، بلعت ريقها لتضيع كل الكلمات التي جهزتها لتُلقيها بوجهه بعد أن شعرت بأنه لا نية له للحديث والنقاش، بللت شفتيْها بلسانها لتُردف : ممكن أحكي معك شوي! ريَّان : طيب ممكن ألبس أوَّل ؟ شعرت بالإحراج يدبُّ بوجهها كقبائلٍ محمرَّة، أخذت نفس عميق لتُغمض عينيها لثواني معدودة حتى تتخلص من ربكتها : قصدي بعد ما تلبس . . . أبتعد متجهًا ليرتدِي ملابسه، أستغرق دقائِقه الممتدة ويستلذُ بجعلها تنتظر طويلاً، خلخل أصابعه بشعره المبلل وهو يتجه نحو الأريكة المقابلة لها : إيه وش عندِك ؟ ريم : أنت ما ودِّك تتكلم معي بشي؟ ريَّان ببرود وهو يسند ظهره على ظهرِ الأريكة : لا ريم تحاول أن تُرخي أعصابها وأن تُطيل بمزاجها الهادىء معه : أظن صارت أشياء لازم نحكي فيها ريَّان : وش الأشياء ؟ ريم : ليه تحكي معي وكأنه ما صار شي؟ ريَّان : يعني تبيني أناقشك بإحترامك وأنك طلعت بغيابي وبدون إذني؟ ولا أقول كيف أخوك الكبير المحترم جاء من الرياض عشان ياخذك! ولا أثقفك بواجباتك وبأنك ملزومة ما تطلعين بإذني! وأظنك تعرفين بالدين وتعرفين وش الواجب وش المحظور! ريم بهدوء : الحين رحت عند أغلاطي وما شفت وش سويت قبلها! أنا بحياتي كلها ما أنمدت يد أحد عليّ وأنت بسهولة تمدَّها! وأظنك بعد تعرف بحقوقي اللي عليك! ريَّان : أنتِ الغلطانة من البداية وحطي هالشي في بالك ريم : لا ماني غلطانة! صبرت في تركيا وقلت معليش بس أنك تحرجني قدام أهلك كل يوم وكل ما سألوا عنك سكت وما عرفت كيف أجاوبهم ! أبسط شي عنك أنا أجهله! وفوق هذا طول اليوم طالع من الصبح لين الليل ماأشوفك ولا تشوفني! و لو مااصحى قبلك يمكن ما كان شفتك أبد! وبإندفاع أكملت : يا روحي أبسط الأشياء اللي مفروض تكون بيننا معدومة. صمت ينظرُ إليْها بعينٍ ثرثارة لا تفهمُ ريم منها شيءً سوى جمودها، أطال صمته لتقطعه ريم : ليه سكت؟ يالله برر ليْ ريان : لغة نقاشك ما تعجبني! ريم أمالت شفتها السفليَة : وأيش يعجبك إن شاء الله ؟ ريّان يتجاهلُ كلامها الأخير : أولاً أنا ما قصرت عليك بشي! لكن أنتِ اللي تبدين بكلامك وتستفزيني وأنا إنسان عصبي! يوم مديت إيدي عليك شوفي من بدآ .. كنت أسألك وكنتِ مستفزة بأجوبتك يعني أنتِ كنتِي تبينها من الله عشان تختلقين مشكلة. ثانيًا سالفة أنك تبشرين أهلك عند كل مشكلة تصير هذي كارثة بالنسبة ليْ! منتِ بزر عشان تخلين أخوك يدري عن أدق الأشياء اللي بيننا ريم بسخرية : هذا إذا بيننا أشياء ريَّان بهدُوء : شفتي ! لاحظتي نفسك كيف تتكلمين! وتبينا نتناقش بعد .. الكلام معك ضايع لأن أنتِ حتى السلام ويخب عليك بعد . . . وقف. ريم بعصبية أحمرّت بها عيناها : لما يكون كلامي كِذا فهذا يعني أني مقهورة! ولاحظ أنه عمري ماأهنتك بكلامي لكن أهين المضمون نفسها لكن أنت! تهينني عند أول كلمة . ريّان بضيق : طيب يا ريم ريم تكتفت وهي تقف : وشو طيب؟ ريَّان : أعطيكِ إياها من الآخر. . أنا بالزواج ما أمشي .. خليك هنا معززة مكرمة لا تناقشيني ولا أناقشك لك حياتك ولي حياتي .. أتفقنا ؟ ريم أرتجفت أهدابها لتُردف : كيف لي حياتي ولك حياتك؟ ريَّان : أنا وياك ما نضبط مع بعض فخلينا منفصلين أحسن لي وأحسن لك ريم : وش مفهوم الزواج عندِك؟ ريّان :تأكدِي أنك منتِ فاهمته بعد. ريم : طيب ليه رجعتني ؟ ريَّان بإذلال : مزاج! ريم بهدُوء يُغطي ثورة حزنها وغضبها : وأنا تحت رحمة مزاجك ؟ بصمت أعطاها ظهره، بحدَّة أوقفته : دام ما أنتهى كلامي ما تعطيني ظهرك وتروح! ريَّان ألتفت عليها وبنبرة ساخرة : أبشري عمتي .. أيّ أوامر ثانية ؟ ريم بغضب سارت بإتجاه الحمام لتصفع الباب بقوَّة، تشعُر بغضبٍ عارِم يستدعي بها الحال أن تكسر كل شيء أمامها، أن تُفرغ كل هذه الشحنات و الشتائِمُ تتوافد على لسانها، أنا الغبية التي خططتُ للزهر الذي سيعانق احلامنا ولم أرى الأحلام بعد، أنا الغبية التي فكرتُ بالحدائِق ونسيتُ البذور! أنا الغبية التي رأيتُك حياةً ثانية وجئت موتٌ أثبت لي بأن هُناك موتٌ في الحياة لم نلحظه بعد. ، أقتربت من النافذة بخُطى مرتبكة عينٌ تراقب ضي الملتوية حول نفسها وعينٌ أخرى تحاول أن تتلصص لِمَا خلف الستار، خشيْت أن ترى شيئًا مروعًا، وقفت عند النافذة كثيرًا ولا تملك الجرأة أن تُبعد الستارة قليلاً حتى تنظر وتتأكد، قرأت كل الأذكار التي تحفظها وكل الآيات التي أتت على بالها، قطع كل شيء رنين الجرس الحاد الذي أشعل في قلبها خوفٌ ما بعدهُ خوف، ضي برجفتها تُقطِّع أظافرها بأسنانها: يمكن اللي جايبهم عبدالرحمن! رتيل ألتفتت عليها وهي تضيعُ بالكلمات حتى تلحفت بالصمت، شدَّت على بلوزتها الصوفية الواسعة وشعرُها الداكن المموَّج يصطف خلفُ ظهرها، أتى صوتُه الرجولي الصاخب : يا أم سعود!!! ضي شعرت بأن راحة الكون هبطت على قلبها لدقائِق، رتيل تنهدت لتقف خلف الباب : أيوا : أنا نايف أكيد قالكم بوسعود .. على العموم راح أكون برا إذا أحتجتوا أيّ شي. رتيل : طيب يعطيك العافية . . أختفى صوته لتخطُو بسرعة نحو الشباك وتفرج جهةٍ بسيطة حتى ترى بوضوح : إثنين مو واحد ضي : الحمدلله .. أتجهت نحوها : للحين يوجعك بطنك ؟ ضي : تقلصات تجي وتروح رتيل بعفوية : هُم اللي يحملون كذا ولا ممكن شي خطير! ضي وتُشاركها جهلها بهذه المعلومات : لا أتوقع طبيعي .. إن شاء الله طبيعي لأن من فترة وهي تجيني رتيل : طيب بسوي لك شي تآكلينه . . . تقدمت نحو المطبخ المكشوف على الصالة، أبتسمت وهي تنظر للأغراض التي أشتراها عبدالعزيز : وش ودِّك فيه ؟ ضي بخمُول تستلقي: أيّ شي رتيل : طيب لا تنامين . . . أفرغت الأكياس لتُلملمها بكفُوفِها حتى ترميها، أتجهت نحو الرفُوف لتستكشف الأغراض والأواني، أخرجت كُوبيْن وطبقيْن لتُغسلهما جيدًا، بدأت تبحثْ بأسرع شيء تصنعه، قلبت كيس المعكرونة بين يديْها لتبحث عن إناء تضعه بها، أستغرقت دقائقها الطويلة وهي تبحث بكل درج، حتى وجدته غسلته جيدًا لتبدأ طبختها السريعة، أسندت ظهرها بجانب الفرن بإنتظارها أن تنضج، لتغرق عينيها بالطعام المعلَّب والأكياس الصغيرة، أنتبهت للصلصة، تقدَّمت إليها لترفع عينها لضي : ضيوو لا تنامين .. ضي بصوتٍ ناعس : صاحية . . رتيل تفتح الصلصة لتُردف : الكولا مضرة للحامل ولا ؟ ضي : لا ما أتوقع يعني عادي رتيل : تشربين عصير مع مكرونة ؟ ضي : وش جوك رتيل !! رتيل أبتسمت محاولةً تجاهل كل هذه الظروف : فيه ناس يشربون عصير والله! عشان نتطمن أكثر .. ضي وهي تمسح على وجهها : طيب .. خلصي هالشي اللي مو راضي يخلص رتيل عادت للفرن لتُغلقه، وزعت المعكرونة على الطبقيْن لتضع فوقهما الصلصة، أخذته لتجلس بمُقابل ضي : طيب نقدر نطلع مع هاللي إسمه نايف! على الأقل نرجع بس نجيب ملابسنا رتيل : لآ مستحيل! خلينا هنا أخاف يصير شي هناك! . . نكلمهم نخليهم يروحون يجيبون لنا .. يعني واحد يجلس معنا والثاني يروح يجيب! ضي : لا فشلة! رتيل : أجل كيف نطلع؟ . . طيب أطلع أنا وتجلسين أنتِ مع واحد فيهم؟ ضي : أخاف عبدالرحمن يعصب!! أو يصير شي لا سمح الله رتيل : لآ ماني راجعة لباريس نشوف شي قريب من هنا! . . بطاقتي معي ضي : بس يتصل أبوك نقوله ، سمعت صوتِه وهو يقترب من الباب، وعقلها يخيطُ حيلةً للهروب، أستلقت على الأريكة وهي تمثِّل النوم مغمضة العينيْن، فتح الباب ليطِّل عليها، نظر لهدُوئها وغرقها بالنوم، تقدَّم إليْها ليجلس على ركبتيْه فوق السجَّاد بمُقابلها، فرصَة تأملها وهي هادئة مغرية جدًا لعينيْه، وضع يدِه على جبينها ليسحبها لفوق حتى يُزيل حجابها، لأولِ مرة يرى شعرها بطبيعته بعينيْه وليست بعينِ الصور، وإن حسبتُ عمري فإن ميلاده بين خصلاتِ شعرك ونُضجه عندما أبصرك، وإن عددتُ كم من موتٍ عشته؟ فهي كل اللحظات التي قضيتها وحيدًا وأنا منذُ أحببتك جربت لأولِ مرة كيف يكون العيش، كيف أتنفس بصورةٍ منتظمة وأنا أستشعرُ بالهواء الذي يدخل إلى رئتي، كانت حالة الحُب ومازالت ذنبُ الحياة الذي لم أطلب غفرانه يومًا ولم أطلبُ نسيانه، أتلذذُ بهذا العذاب القهري وعيناكِ مغفرة، أتلذذ بقساوة أهدابِك التي تُشبه الحدائِقُ الغنَّاء، على الداوم تُغريني للرسم، تُغريني للكتابة، أنتِ الملهمة في كل شيء وفوق كل شيء. هل أبتسم لأنك زوجتي وهذا الحلمُ أصبح واقع أم أحزن لأنكِ ليست زوجتي بالمعنى الصحيح! ولكن لي الحق أن ألمس شعرك الذي أحب، لي الحق دُون أن يغضب الله منَّا بأن أتحسسُ ملامحك. شعرت بقلبها يرتبك مع لمساتِه، وشعرها الذي بدأ يتخلخله الهواء، أندفعت الحُمرة من صدرها لتسحب من أسفل جسدها العصَا الخشبية التي كسرتها من الكرسي حتى ضربته بها، أنحنى ليضع يده على رأسه، في جهةٍ أخرى هرولت سريعًا كانت ستسحب حجابها ولكن لم تستطع، تركته لتخرج من الغرفة، نظرت للمساحة الواسعة من الشقة التي شعرت لوهلة أنها بيْت، تقدمت نحو الباب الخارجي لتفتحه لتشعر بأن الحظ يبتسم لها وهي تنظرُ للدرج الخاص بالعمارة خاليًا، نزلت سريعًا لتقف بالمنتصف وهي تسمع الأصوات التي بالأسفل، أقشعر جسدها من الحرس الذين لمحتهم، لم تُفكر كثيرًا وهي تشعر باليد التي تلفُّ ذراعها، دُون أن ينطق شيئًا سحبها للأعلى، أدخلها الغرفة ليغلقها وبغضب بعد أن تجرَّح رأسه ونزف بدماءِه : المنطقة كلها رجال أبوي! يعني وين مارحتي راح يشوفونك!!! أفهمي هالشي! عبير بضيق : أبغى أطلع فارس بعصبية أنفجر : يالله أطلعي وريني كيف بتطلعين عبير أختنقت محاجرها : لآ تصارخ عليّ! فارس تنهَّد : ليه مو راضية تفهمين؟ قلت ماراح أضرِّك بشي! والله يا بنت الحلال ماراح أقرب لك . . جلست على طرفِ السرير السُكرِي ذو النقوشات السوداء، أخفظت رأسها لينساب شعرها عليْها، تفقد الأمل في كل لحظة تمِّر، تفقد الأمل في الخروج من هذه الدوامات، أنا التي بقيتُ لأيامٍ أواجه أرق حُبك كيف تأتِ بهذه السهولة؟ كيف بهذه البساطة يحدث كل هذا دُون ان أفكر، متى أتطهرُ من هذا الذنب؟ كيف أكفِّر عنه؟ . . ويبقى حُبك مشيئة وأنا التابعيةُ له. فارس بهدُوء : عبير عبير : ماأبغى أتكلم معاك، ممكن ؟ فارس بضيق يسحب الكرسي ليجلس وبين يديْه حجابها : وأنا ماراح أتحرك من هنا عبير غطت ملامحها بكفيّها لتدخل بغيبوبة بكاءها الصامت. يتأملها بخفُوت، ينظر لتلاعب خصلات شعرها وتبادلها الأدوار لتغطية وجهها، لو كان لهذه الخصلات صوت؟ أكانت ستصرخ بعراكها على ملامحها، لو أنني فقط أستطيع أن أتقدم خطوة إليْك دُون أن تضجري لمَا ترددت. أطالت ببكائها وفوق ما يتصوَّر تؤثر به، تغزي قلبه بحنيَّةِ السماء والأرض معًا، أنحنت لتنزع حذاءها دُون أن تنظر إليْها بينما هو كان لا يرمش من مراقبة تفاصيلها الدقيقة، أخذت خصلة من شعرَها لتعقد بها بقية خصلاتها كذيل حصان، مسحت دموعها وهي تتجاهل وجوده، مدَّت أكمامها لتُدفىء كفوفها وعينيها الباكية مثبَّتة على الطاولة. لم يستطع أن يقاوم هذا الجمُود وهذا الصمت وهي أمامه، وقف متجهًا إليْه لترفع عينيْها والإعتراضات تتضح من نظراتها. : بردانة ؟ عبير بقيت صامتة وعينيها بعينيْه، هذا الأسمر هو الذي كان يواصِلُ غزو قلبي طيلة الشهور الماضية، هذه العينيْن " الولعانة " هي التي كانت تستشف حالتي وتواسيني، يا سُلطة الجمال إذا نضجت عند الرجال! يا قوة هذه السلطة. كيف أفلت منها؟ شعر بأنها تسرح به، ليُعيد سؤاله : عبير بردانة ؟ أخذت نفس عميق وشفتيْها ترتجف : لا . . فارس : محتاجة شي؟ عبير بربكة كلماتها : أبغى أكلم أبوي فارس صمت لثواني طويلة حتى أردف : مقدر عبير شدَّت على شفتها السفليَة تُصارع قوَّاها الداخلية التي تنهار، لم تعتاد أبدًا أن تمر أياما دُون أن تسمع صوت أبيها، تشعر بإشتياق فظيع إليه، إشتياق الخوف من الفقد. تجمَّعت دموعها في محاجرها حتى تضببت رؤيتها، لم ينزل على خدها شيئًا بقيت معلقة هُناك لتُضيء عينيها. فارس حنّ عليها وعينيْها كيف تحبس الدمع لوحدها بالنسبة له مصيبة عاطفية : ترسلين له مسج ؟ عبير بنبرةِ باكية : أبي أسمع صوته فارس : مقدر! والله مقدر . . عبير مدت يدَها لتسحب الحجاب من بين يديْه ولكن ثبَّت يديْها به، أرتجفت أطرافها لتحاول أن تسحب يدها ولكن كانت قبضته أقوى، رُغمًا عنها وقفت وهي تتقيَّدُ بين أصابعه، تلامست أقدامها المغطاة بالجواربْ السُكريَّة بأقدامه، أختلطت أنفاسها البيضاء بأنفاسه، تثبتت نظراتها بعينيْه وصدرها يضطرب بقُربه، يعتلي بشهيق ويهبط بزفيرٍ موبوء، تمرُّ الثواني بضياع مرغوب، كيف أعتاد على إسمك؟ هذا الإسم الذي بين يوم وليلة أصبح يتعارك مع لساني بضراوة؟ كيف لأربعة حروف أن تُحدث كل هذا الضجيجُ بيْ ؟ كيف لكُوبليه إسمك أن يمرُّ كقصيدةٍ حادَّة تقف بثبات دُون أن يكسرها شطرٌ ولا بيتْ، ماذا أفعل؟ أنا واثقةٌ من شيء واحد أن عيناك إجرامٌ محقق وأن سُمرَةِ ملامحك لن يذهب ضحيتها إلا أنا. كُنت أجِد الصعُوبة في نسيانك وأنا فقط سمعتُ صوتك! كنت لا أعرف كيف أنساك وأنت تخترقني بكلماتك، والآن؟ مالحل؟ مالحل أمام كل هذا؟ إن كان نسيانُ صوتك صعب فما بالُ نسيان عينيْك و ملامحك وكل هذه الفتنة؟ و يا حُزني حين ظننتُك ماءً وأتيت ليْ بكل إحتراقٍ، يا خيبةُ الظنون ويا شرّ نارك يا فارس. أخذت نفس عميق وهي تأخذُ شهيقها من أنفاسه القريبة، سحبت يدها بعد أن أرخى أصابعه، غطت كفيّها المشتعلة بحرارتها والحُمرة بأطرافِ كمّها، شتت أنظارها وهي تبتعد عدة خطوات للخلف. فارس يسحب شال الصُوف الرقيق ليُغطيها به ويسكن رجفتها، بخفُوت : بكون برا إذا أحتجتِ شي . . وخرج. لا تعرف كيف تُهذِّب رجفتها بمرورِ صوته الأسمر. خرج لينظر لوالده الذي يفتح باب الغرفة التي وُضع بها عبدالعزيز، تبعه ليسمع سخرية والده : ماشاء الله فارس مو مقصِّر معقم جروحك بعد! فارس يغلق الباب خلفه وهو يأخذ نفسٍ عميق. رائد يضع قدمًا على قدم وهو يجلس بمُقابل عبدالعزيز الصامت الهادىء، يستفزُه بصمته وعيناه التي تنظر إليْه ببرود. رائد بإبتسامة : بما أني رحوم وقلبي ما يقوى أشوفك بهالحالة! بجرِّب أسألك وش ودِّك فيه قبل لا تندفن؟ عبدالعزيز بمثل إبتسامته : صلِّي عليْ رائد وشعر بأن براكينه تُثار، لم يُخفي فارس إبتسامته من جواب عبدالعزيز المستفز بصورة رهيبة. رائد يُخفي الغضب بهدوءه : يعجبني فيك أنك تحاول تكذب على حالك! . . وقف متقدمًا إليْه وبيدِه المشرط المعتاد : أضيِّع خرايط وجهك؟ عبدالعزيز : إذا أنت عاجز تضيع هالخرايط على قولتك وأنا واقف قدامك بدون كل هالتقييد! فغيرّها بجلوسي لأنك ماتقدر تسوي شي الا وأنا منحني! فارس بخطوات سريعة تقدَّم نحو السلاح المثبت خشيّةً من نفاذه نحوهما. رائِد بغضبٍ كبير مرر المشرط الحاد نحو خدِه ليُدميه كما أدمى رقبته، ركل الكرسي ليسقط بقوة على الأرضية الرخام وهو مازال مقيَّدٍ لا يستطيع الإنفلات. تحركت أقدامه ليُحرِّك فارس السلاح بإتجاه النافذة حتى نفذت الرصاصة وتناثر الزُجاج. بعصبية بالغة يضع قدمه على بطنِ عبدالعزيز : لا تحاول تتحداني بشي أنت ما تقدر عليه! مفهوم؟ عبدالعزيز يشعرُ بغليانِ رأسه والدماء التي تثُور هناك، غشى على عينيْه الضباب وهو الذي لم يدخل بطنه شيئًا يمدُّه بالطاقة، نظر لرائد بهيئةٍ مقلوبة ولشفتيه التي تصوِّب الكلمات الخشنَة. رائِد : ماهو من صالحك أبد! هذاني نبهتك . . أبعد قدمِه ليغرزها بقوة في بطنه الخاوي حتى يتقيأ دماءُ لثته التي جُرحت دُون أن يصدر صوتًا وهو يحاول أن لا يصرخ ويتحمَّل كل هذا. خرج رائِد ليتركه عاقد الحاجبيْن من طعم الدماء السيئة في فمه، تقدَّم إليه فارس بحنق وهو يمسح وجهه من الدماء وملامح عبدالعزيز تذبل بشحُوبها، رفعه من ظهره ليستقيم على الكرسي، مسح شعره الذي ألتصق ببعضِ نثرات الأرض، فارس : يوجعك شي؟ هز رأسه بالرفض وهو يشتمُ كل شيء في داخله، تأتِ خيالاتِهم على باله بصورةٍ مُفجعة، ليتني ذهبت معكم ولم أشهد كل هذا، ليتني رحلت. فارس يجلس على ركبتيْه ليُفكِك الحبال الملتفة حول قدمِه ليشدّ على عقدة الزناد فتنطلق رصاصةً أخرى وقبل أن تأتِ سحبه فارس ليرتطم خده الغائر بجرحه على الأرض. : آسف يا عبدالعزيز ما توقعت أنه فيه رصاص . . وقف متجهًا نحو السلاح ليفكّ الحبل منه ويعُود إليْه ليرفعه وهو يشعرُ بأنه يموت فعليًا ولا طاقة له بالكلام. فارس : كِذا تمام ؟ عبدالعزيز بصوتٍ يضيق : إيه فارس سحب كرسي آخر ليجلس أمامه وهو يمسح على وجهه بعناءٍ شديد ويشعرُ بألمِ عبدالعزيز فوق ما يتخيَّل. رفع عينه إليْه : أحد أتصل ؟ فارس يخرج جوال رتيل من جيبه : لا جوالك ما جاه ولا إتصال. عبدالعزيز أخذ نفس عميق خشية من أن أمرًا حدث لهُما، لا يستطيع أن يوصِي فارس أن يذهب ليطمئن بعينيْه ورائِد يراقب خطواته. فارس : إن شاء الله مو صاير لهم شي .. أبوي اصلا حاط في راسه أنت وعبير! . . . أنتبه لدماءُه تأتِ من رأسه . . أنتظر لحظة. أتجه نحو المكتب ليخرج من الدرج حبات قطن، مسح رأسِ عبدالعزيز المتوجِّع بصداعِ الدماء المغلية في دماغه. دخل رائِد بصورةٍ مفاجئة : أطلع! فارس تنهَّد ليُمسك الهاتف الذي في حضنه ويُمسك عين رائِد معه التي تُدقق بكل شيء : هذا جوال مين ؟ فارس بهدوء : جوالي رائد يقترب منه : عطني إياه رفع عبدالعزيز عينه بغضبٍ كبير دُون أن يلفظ شيئًا. فارس : الحين رضيت تسوي فيني كل شيء لكن بعد جوالي! يسحبه بقوة وهو يعرف ماذا يُخطط له هذان الإثنان، فتح آخر المكالمات ليجِد – جنتِي ، عبدالعزيز ، عبدالعزيز ، جنتي ، ضي – نظر لفارس بحدة : وش جايب جواله معك؟ فارس أخذ نفسٍ عميق دُون أن يجيبه بكلمة. بغضب يتصفح الرسائِل ليجدها أحاديثٍ بضميرٍ أنثوي، فتح الصور لتتسع إبتسامته بخبث، مدّ الهاتف بوجه عبدالعزيز وكانت صُورة رتِيل العفويَة وهي ترفعُ عينها ولسانها خارجًا وشعرُها المموَّج ينعكسُ على ملامحها البروزنيَة، وبنبرةٍ مستفزة : هذي الحلوة حرم سيادتِك! عبدالعزيز أشتعل بغضبٍ لا يوازيه غضب وهو يصرخ : و ربّ البيت لا أذوقك كل هذا في دقيقة ضحك رائِد بسخرية : متى بتذوقني إياه إن شاء الله؟ في القبر؟ . . أنا شكلي بغيِّر رايي وبطلعها من تحت الأرض، على الأقل تسلينا عبدالعزيز يشدُّ على شفتيْه ويشعرُ بحرقة الغبن في صدره، رفع عينيه المحمرَّة بالعصبيَة : والله العظيم يا رائد لو لمست منها شعرة لا أجننك بمعاملاتك الجاية والله ما يهمني شي لو تذبحني ولا يهمني لو تهددني بغيري .. لا أخلي سنينك هذي كلها تطلع من عيونك قدام شركائك! رائد بإبتسامة هادئة : يعني تبي تساوم على عبير؟ عبدالعزيز بثقة : ما أساومك عليها! ولا راح أساومك على أحد! بساومك على تجارتك رائد بحدَّة : والله وطلع لك لسان وتبي تساوم بعد عبدالعزيز بغضب : أترك الجوال!! رائِد بإستفزاز يتجه لصورٍ أخرى ولم تكُن هي صاحبتها حتى وجد صورةٍ أخرى بفستانِ زواج ريَّان، قدَّم الصورة المغرية له ليُثير كل الحمم البركانية في داخله، أهتز كثيرًا محاولاً الحركة وفك القيد حتى سحب فارس الهاتف من بين يدّي والده بشدَّة ورماه على الجدار ليتفكك قطعةً قطعة. رائد ألتفت عليه بغضب وهو يُمسكه من ياقة قميصه : ناوي تبيعني عشان هالكلب!!!! فارس بعصبية : لأن هالأسلوب ما أرضاه على نفسي! رائد يصفعه بقوَّة دون أن يقاومه فارس، رُغم كل شيء لا يستطيع أن يدافع عن جسدِه أمام والده ولو أستطاع لقدَر أن يتوازى معه بالقوة الجسدية. دفعه على الجدار ليصطدم رأسه فوق إصطدام العصا الأولى، بحدَّة : صدقني محد بيضيِّع نفسه غيرك! للمرة المليون أحذرك لا تحاول تلعب من وراي معاه ولا والله ما تلوم الا نفسك! لأخليك تحلم بشوفة عبير فاهم! . . . وخرج. فارس عدَّل ياقته التي أنشدَّت بحركاتٍ غاضبة و عبدالعزيز لا تهدأ النار بداخله، يشعرُ بالغيرة تأكل أطرافه كدودةٍ لا تفكّ عن تقطيع جلده وصورتها تأتِ كجحيمٍ لاذع، عيناها المكحلة بزفافٍ يجهله تُثير في داخله ألفْ علامة غضب وغضب. ،، يسجد على سجَّاد المسجد الخمرِي بعد إنتهاءِ صلاة العشاء، لتخرج دمعة القهر من عينيْه التي ذاقت كل أنواع القهر ولم تبكِي، ولكن هذه المرَّة الأمرُ يتعلق بـ - قطعةٍ من روحه - ، كيف يتحمَّل قلبي لذاعةُ الأمر و رُوحي تختطف! كيف أقف بثبات و إبنتِي بصورةٍ لم أتوقعها يومًا تتزوج هكذا! لم أفرح بأيّ منهما، لم استطع أن أسعد ليومٍ واحد! يالله أنت تعرف قيمة الأشياء بقلبي، أن هذا العالم لا يعنيني والله لا يعنيني ولكن " بناتي " لا ترني بهن مكروه، لا تُذيقني حزن واحدةٍ منهن، أنا والله أحترق من بُعدهما ومن المجهول الذي ينتظرهما، يارب القضاء والقدر إن قلبي معذبٌ بهما فلا تزيدُ من نيرانه، أني أسألك بأضعافِ القهر والغبن الذي بقلبي أن تُريِّح صدر بناتي، أن تلطف بهما وأنت عزيزٌ رحيم، يارب السعادة أهطل بفرحك عليهما، يارب أنهنّ جزءً مني فلا تزدني حرقة عليهما أكثر، يارب يا سميع الدعاء. رفع رأسه ليلفظ التشهد ويُسلِّم، سحب المنديل الذي أمامه ليغزي عينيْه المحمَّرة، من يشعرُ بحرقة الرجال؟ من يُقدِّر حزنهم؟ أكان يجب أن نستعيذُ في كل مرة من حزنهم الذي لا يرحم. خرج من المسجد لينحني ويُخرج حذاءه ومعها أخرج هاتفه، أتصل على هاتف ضي وأقدامه تسير بإتجاه السيارة، أطالت حتى أجابت بصوتٍ ناعس : ألو عبدالرحمن : السلام عليكم ضي بلهفة أستعدلت حتى تجلس : وعليكم السلام والرحمة . . . عبدالرحمن بصوتِه المخنوق : كنتِ نايمة؟ ضي بربكة ضاعت كلماتها : إيه . . لا يعني مو مرة .. المهم بشرني عنك عبدالرحمن : أنا بخير ، أنتم اللي بشروني عنكم ؟ ضي : تمام .. جو اليوم اللي أرسلتهم عبدالرحمن : الحمدلله . . ما جاكم إتصال من أحد غريب ؟ ضي : لآ كل شي تمام . . . أستغرقُوا بصمتهما حتى تقطعها نبرة ضي الباكية : وحشتني عبدالرحمن وعاطفته ليست بخير، قلبُه لا يحتمل أكثر ليبلع ريقه الجاف : وأنا أكثر ضي غرقت ملامحها بدمعها وهي تسمعه لأولِ مرة يصارحها بكلماته دُون أن يلفظ برسمية – تشتاق لك الجنة - ، دُون أن يقولها بصيغة الجمع المستفزة. عبدالرحمن : ضي لا تعورين قلبي ببكيْك .. اللي فيني يكفي! ضي وتشدُّ على شفتيها حتى تتمالك نفسها : طيب متى تجي؟ عبدالرحمن : قلت للسكرتير يدبِّر لي حجز، إن شاء الله قريب ضي وهي تنظرُ لرتيل الجالسة تتأملهما بهدُوء لتعاود دموعها السقوط : أنتبه لنفسك حبيبي وأهتم لصحتك .. عبدالرحمن : إن شاء الله .. بطاقاتكم معاكم؟ ضي : إيه عبدالرحمن : كويس لأن حولت لكم فلوس خفت أتأخر عليكم وما ألقى حجز ... إذا أحتجتوا أيّ شي كلموا نايف ضي : إن شاء الله . . عاودَا الصمت دُون أن ينهي المكالمة أحدٌ منهما، يا مشقة الوداع و الكلمة الأخيرة بعد هذه الكلمات المخبئة لعاطفة عميقة، لم أتوقع يومًا أن تكون " مع السلامة " شاقَّة حزينة قاسية لا يُمكن لفظها بسهولة. ركن عبدالرحمن سيارته بجانب المستشفى لينظر بعينيْه الضائعة ويديْه مازالت تُثبت الهاتف ويستمع لأنفاسها التي تُحزنه فوق حزنه، لو كنت أملك عصَا سحريَة لما جعلتُكِ تحزنين لخبئتُكِ وخبئتهم جميعًا فيِّ، لو أنني أستطيع فقط. ضي ببكاءها أنهارت : مقدر عبدالرحمن .. والله محد يقدر فينا يتحمَّل رتيل أشاحت أنظارها بعيدًا وهي تحتبسُ الدمع في داخلها، لتلفظ ضي بخفُوتِ صوتها المرتبك بحزنه : مدري كيف كنت أصبر بالأشهر بدون لا اشوفك! أنا هاليومين ما أعرف كيف أعيشهم والله! مافيني حيل أصبر أكثر عبدالرحمن تنهَّد بإختناقٍ فعلي : قوِّي نفسك وأنتبهي لصلواتك والله معك ويحفظك .. لا تنامين وأنتِ تبكين، أنا محتاجك تكونين أقوى ضي تلتزمُ صمتها، لا قدرة لها أكثر لتحمل فوضوية هذه الأحداث بحياتها. عبدالرحمن : أتفقنا؟ ضي : إن شاء الله عبدالرحمن بنبرةٍ حاول أن تصل إليْها مبتسمة : تبشرين بالجنة وفردوسها . . مع السلامة ضي : بحفظ الرحمن. نزل من السيارة متجهًا نحو الباب الرئيسي للمستشفى ودخوله صادف خروج سكرتير سلطان، : كنت راح أتصل عليك! بوبدر واصلة معه عقب ما عرف بموضوع عبدالعزيز! عبدالرحمن أخذ نفس عميق : طيب . . . تركه ليخطُو نحو غرفة سلطان، دخل دُون أن ينطق كلمة ليهاجمه سلطان بكلماته اللاذعة : ليه ما قلت لي عن عبدالعزيز؟ ليه خبيت عنِّي! عبدالرحمن بهدوء : الموضوع ما صار له يومين! سلطان بغضب عارم : كان لازم أعرف من أول دقيقة أنه بنتك عنده وعبدالعزيز معاه! أنا وش وظيفتي عشان تخبون عليّ عبدالرحمن : طيب حالتك ما تسمح! سلطان بصراخ : يخي مالكم دخل مريض ولا غيره! ماني جدار عشان أكون آخر واحد يعرف عبدالرحمن بعصبية: صوتك لا يعلى عليّ! ماني أصغر عيالك سلطان يُبعد نظره عنه وهو يشتعل بقهره، ألتزم صمته وقلبه ينبضُ بثرثرة لا تنقطع. عبدالرحمن يسحب الكرسي ليجلس بمُقابله : وش كان بيصير لو عرفت بوقتها؟ بتتعب زيادة فوق هالتعب! سلطان بهدُوء غاضب : ولو! كان مفروض أعرف عبدالرحمن : طيب هذا أنت عرفت خلنا نسكر هالموضوع .. فيني اللي مكفيني يا سلطان كل واحد ضايع بطريق لا أدري وش صاير فيهم ولا وش جالسين يسوون معهم سلطان صمت قليلاً حتى أردف : راقبت السجلات ؟ عبدالرحمن : إيه بو منصور للحين بعد في مكتبي يرتبهم بس أطلع منك راح أرجع له سلطان : مسكتوا كل قضية! عبدالرحمن : كل شي من الصبح إلى الآن وإحنا نراجع كل إسم حتى موظفينا الجدد قمت أراجعهم معه .. بومنصور شاك بزياد وأنا شاك معه! بس بنتظر لين بكرا وبناديه سلطان : زياد ما غيره؟ اللي منظم أمن الحيّ ؟ عبدالرحمن صمت حتى يستوعب : حسبي الله! . . الثغرات اللي كانت تصير من الحرس ونقول قضاء وقدر أثاريه يلعبها علينا . . . مسك هاتفه ليقف متصلاً على عبدالله اليوسف :. . عبدالله زياد عندِك؟ عبدالله : توه طلع من عندي! عبدالرحمن : أمسكه لا يروح! عبدالله يقف من على كومة الأوراق التي تفتحت : صار شي؟ عبدالرحمن : أمسكه بالأول قبل لا يهرب! وأرجع أتصل فيني . . عبدالله : طيب . . . أغلقه ليخرج ويُبلغ أمن البوابات أن لا يخرجوه في جهةٍ كان يركب سيارته متجهًا للخروج من مبنى العمل حتى توقفت سيارته عند البوابة وأجتاحه الإستغراب من عدم إستجابة الأمن إليْه، فتح الشباك حتى يُبادلونه بفتح الباب ويخرجونه. زياد : وش قصتكم؟ : أسأل بومنصور .. مالنا علاقة . . قيدُّوا يديْه ودخلوا به متجهين لمكتب عبدالرحمن بن خالد. في المستشفى كانت الأفكار مرمية بينهما، بتنهيدة : ولا عليك أمر عطني الورقة مدّها له عبدالرحمن ليكتب سلطان ويشرح على هذه الورقة البيضاء : جاء زياد بعدها صار الإختراق لشبكتنا قبل شهور ! و قدرت جماعة عمَّار تدخل بيتك رغم أن الحي مراقب! ودخلوا بيتي بعد جماعة . . . مو رائد! مو رائد اللي صوَّب عليّ! لأن ما تكلم ولا بيَّن أنه مسؤول عن شي! و دام الحرس مقدروا يلحقونه هذا معناته أنه متعاون مع الحرس! عبدالرحمن : فيه حرس من رائد صايرين مع حرسنَا والبركة بزياد! سلطان : اللي في بيتي أنا متأكد منهم من أول ماجيت أشوفهم! لكن اللي معهم ما عندي خلفية عنهم! عبدالرحمن : طيب مسكنا خيط! هو زياد لكن مين اللي وراه؟ مستحيل رائد لأن لو رائد كان عرف بموضوع عبدالعزيز من البداية ! سلطان : الطرف الثالث مافي غيره! بس لو أعرف مين والله لأطلع حرة سنة كاملة فيه عبدالرحمن يحكُّ عوارِضه وهو يتعمقُ بتفكيره : بس ليه دايم الملفات اللي نفقدها تتعلق بسليمان و صالح بس؟ سلطان : ومقرن! يقول أنه طالب أسماء ناس عشان يراقبهم! وكل هالأسماء تتبع رائد .. فيه خونة من الطرفين عبدالرحمن : واللي يقدر يساعدنا هو مقرن! أنا متأكد من هالشي لكنه أختفى مدري ليه يختفي بهالوقت! سلطان : يمكن مثل ما قال بومنصور أنه تحت التهديد!!! عبدالرحمن تنهَّد وهو يمسح على وجهه : بس لو يخلينا نكلمه كان حليناها بسهولة! دخل الدكتُور مقاطعًا : السلام عليكم : وعليكم السلام الدكتور : شلونك يا بو بدر ؟ سلطان : تمام الدكتور يأخذ ملفه المعلق بنهاية السرير : لا فحوصاتك تمام الحمدلله .. إن شاء الله بكرا راح نكتب لك إذن بالخروج سلطان : ما ينفع اليوم؟ الدكتور بإبتسامة : الصبح لو تبي عشان نسوي لك الفحوصات الأخيرة لكن خلك اليوم سلطان : طيب عبدالرحمن : أنا رايح .. تآمر على شي سلطان : سلامتك وبلغني بس يصير شي عبدالرحمن : إن شاء الله .. بحفظ الرحمن .. وخرج. ، دخل بعد أن تلقى أقسى صفعة بحياتِه، لم يتوقع من ناصر أن يفعل به كل هذا، حقده سيطر عليه حتى أفتعل عليه هذه المصائب ولو أنني أدرك بأن خلف هذه المصيبة رجالُ سليمان وليس ناصر وناصر مُجرد إسم ليُمرر به، كيف أحلّ هذه الديُون الآن التي أبتليت بها؟ نظر لوالدته ليتحامل ويبتسم لها : مساء الخير : مساء النور تقدَّم نحوها ليقبِّل رأسها وينزلُ للأسفلِ قليلاً ويُقبِّل جبينها العَطِر، جلس عند أقدامها وهو يضع يديْه على ركبتيْها : شلونك اليوم؟ والدته بإبتسامة : بخير الحمدلله .. تعشيت؟ فيصل : إيه الحمدلله . . وين ريف؟ والدته : طلعتها معي للسوق ورجعت دايخة ... زواجك ما بقى عليه شي وللحين ما سويت شي؟ فيصل : بتسكن هنا ماراح نطلع! .. كم بقى على العيد ؟ والدته : الأسبوع الجاي يا روحي فيصل تنهَّد لتُردف والدته : مفروض تكون أسعد إنسان هالأيام فيصل بإبتسامة : ومين قال أني ماني سعيد؟ بس لأن عندي أشغال فقمت أحاتيها والدته : طيب وش رايك تآخذ بريك من كل هالأشغال وتسافر مع هيفاء تشم هوا جديد وبعيد عن كل هالمشاكل فيصل : ليتني أقدر! بس عندي شغل مقدر أهمله والدته بضيق : يعني يوم بغيت أفرح فيك تشغل نفسك بهالشغل اللي ما يخلص! فيصل تنهَّد : وش أسوي! بعدين تتراكم عليّ وانا مااثق في أيّ أحد والدته : طيب أهم شي أشوفك بالبشت وأفرح فيك فيصل بإبتسامة تسرق من تفاصيل والده الكثير : بتفرحين فيني إن شاء الله وبتفرحين بعيالي بعد والدته وتعيش الحلم بلهفة : يالله يا فيصل بروحي أحسبها يوم يوم والحين بحسب بعد متى يجون عيالك فيصل ضحك ليُردف : الله يرزقنا الذرية الصالحة ، بإبتسامة حانيَة وقفتْ بعد أن وضعت الطعام على الطاولة : يالله يا عُمري شدِّي على نفسك وأكلي .. مُهرة بحرج : إن شاء الله .. تعبتك معي ما تقصرين ريَّانة : هالرسمية مفروض ما تكون بين الأم وبنتها مُهرة أبتسمت بشحُوبِ ملامحها : الله يحفظك ويخليك لنا ريَّانة : آمين .. يالله تصبحون على خير . . يُوسف يقبِّل رأسها : وأنتِ من أهل الخير . . خرج مع والدته لتلتفت إليه . . أنتبه لها يا يمه يوسف : إن شاء الله لا توصين حريص والدته : وخلها تآكل مو زين تهمل صحتها وهي تعبانة يوسف : إن شاء الله والدته وهي تشعر بحزنِ إبنها ولمعة الوجَع في عينيْه : الله يعوضك بالذرية الصالحة يوسف : آمين . . . راقبها حتى دخلت لغرفتها ليعُود لمُهرة التي جلست حتى تأكل. جلس بمُقابلها : ما خبرتي أمك؟ مُهرة : لا . . رفعت عينيها . . متى ما رحت حايل قلت لها! .. بتوديني صح ؟ يُوسف بضيق : طيب مُهرة أنتبهت لنبرته : إذا مشغول هالأسبوع عادِي بعد العيد يُوسف ويُمرر يدِه على رقبته التي تضِيقُ عليه : لا عادِي مُهرة تركت الملعقة وهي تستشف أمرًا بعينيْه : صاير شي؟ يُوسف بهدُوء : لا .. كملي أكلك لا يبرد مُهرة تنظر إليه بريبَة : إلا صاير شي يوسف : مو صاير شي بس ما نمت ومزاجي مش ولا بُد مُهرة : طيب خلاص نام أنا بنزل الصحُون تحت يوسف : لآ بنتظرك مُهرة بهدُوء أردفت : ماتبيني أروح حايل؟ يوسف صمت لثواني طويلة حتى يُردف : أهلك ماراح أمنعك منهم! مُهرة : فيه أحد من خوالي مكلمك؟ يوسف بإبتسامة : ملاحظة أنك تسألين اليوم كثير! مُهرة : مدري أنت شككتني!! يُوسف : أنا بس ما ودِي تروحين لهم وأنتِ تعبانة! يعني أنتظري لين ترجع لك صحتك زي أول وأحسن وبعدها روحي لهم! لأن ما أظن الجو هناك جو صحي وأنتِ عندك مشاكل مع زوجات خوالك وبناتهم مُهرة عقدت حاجبيْها : بس ودي أشوف أمي. يُوسف : طيب مثل ما تبين .. ، في مكتبِه لم يستطع أن يسيطر على أعصابه المشدودة ليصفعه بقوَّة حتى أدمَى شفتيْه، لم يُفكر عبدالله أن يوقفه تركه يفرغ قهره على عائلته به. ليشدّه من ياقته التي أحمرَّت : كلمة وحدة ماراح أعيدها مين اللي أرسلك؟ لا تقولي رائد عشان ما أنهي لك حياتك!! زياد لا يُجيبه، لا ينطق بكلمة وهو مرمي على الكرسِي ينتظرُ الموت ولا ينتظرُ أن تُكشف الحقيقة، بغضب عارم : واحد . . إثنين . . . ثلاث . . أربع . . . خمسة . . ستة . . . يُخرج من جيبه السلاح ليوجهه لزيَّاد . . . سبعة . . ثمانية . . . تسـ بصوتٍ ضيِّق : أسامة عبدالرحمن : اسامة مين ؟ زياد : أسامة محسن عبدالرحمن بنبرته الجادَّة المائلة للحدَّة : و إيش سويت؟ . . يتجه نحو درجه بمُراقبة عبدالله الصامت، أخرج آلة التسجيل ليُشغلها . . : يالله أنا أبغاك تقولي وش سويت من الألف إلى الياء زياد بهدُوء : ما أعرف شي .. اللي فوق أسامة ما عندي خبر عنه عبدالرحمن يسحب كرسي ليجلس عليه : معليه بتعرفه إن شاء الله . . عبدالله بسخرية : نذكرك فيه زياد : طلبت من أمين الأرشيف يآخذ إجازته السنوية وإلا بنلبسه سرقة أوراق سريَة وبنورطه عبدالرحمن : و نائبه ؟ زياد : ماعنده علم بشي لأنه يثق فيني ويخليني ادخل عبدالرحمن يلوي شفتِه : وش علاقتك بمقرن؟ زياد : مالي علاقة فيه عبدالرحمن : كمِّل الكذب عشان أكمل عليك بعد زياد بربكة : والله مالي علاقة فيه عبدالرحمن ينظرُ لعينيْه بحدةٍ أربكته جدًا : وش علاقتك بمقرن؟ زياد : مالي علاقة فيه عبدالرحمن : أغيِّر صيغة السؤال وش تعرف عن مقرن؟ زياد : ولا شي عبدالرحمن بحدة : وش تعرف عن مقرن؟ زياد : ما أعرف شي عبدالرحمن يُكرر بطريقة مستفزة : وش تعرف عن مقرن؟ زياد بعصبية : ما أعرف شي عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن ؟ زياد : ما أعرف .. ماأأأأعرررررررررررف عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن يا زياد! زياد يعود لنبرته الهادئة بعد إشتعالُ الغضب بها : ما أعرف شي عنه عبدالله : نغيِّر الصيغة مرة ثالثة ونقولك يا زياد! مين اللي يهدد مقرن ؟ زياد بتوتر : ما أعرف .. ما أعرف شي عن مقرن عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن ؟ زياد بصراخ : ما أعرف شي عبدالرحمن بهدُوء : وش تعرف عن مقرن ؟ زياد أخذ نفسًا عميقًا وهو يغمض عينيْه : ما أعرف شي عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن ؟ زياد بصراخه العالي : ما أعرف . . مدري عن شي عبدالرحمن : وش اللي ما تدري عنه ؟ زياد : مدري . . مدررري عبدالرحمن : وش اللي تبي تعرفه عن مقرن؟ . . كِذا السؤال تمام؟ زياد يشعرُ بأن الذي يجري بخلاياه عبارة عن دماءً مغلية : ما أبغى اعرف شي عبدالرحمن : مين اللي هدد مقرن ؟ . . عسى دخل مخك هالسؤال! زياد بوجَع يوّد لو يضرب رأسه بالجدار، هذا الإستفزاز لا يتحمله وهو رجلٌ هادىء الأعصاب لا يستطيع أحدٍ بسهولة أن يستفزه، كان يعرف أن الوقوع بقبضة عبدالرحمن أمرٌ أشبه بالعذاب النفسي الذي لا ينتهي. عبدالرحمن : مين اللي هدده؟ زياد : ما أعرف عبدالرحمن صفعه بقوَّة : كذبة ثانية وماراح يصير لك طيِّب! راح نشهِّر فيك عشان تكون عضة وعبرة لغيرك! . . أستوعب الموضوع مخك ولا للحين ؟ زيَّاد تنهَّد : ما أعرف عبدالرحمن : واحد . . إثنين . . ثلاث . . أربع . . خمس . . ست . . زياد يصرخ بقهر : سليماااااااااااان عبدالله ضحك بشدَّة حتى أتضحت أسنانه ليردف : برااافو يعني تذكرت الحين! عبدالرحمن أبتسم بهدُوء : سليمان الفهد، طيب يا عيال اللي مانيب قايل! . . وقف ليلتفت لعبدالله . . يا فرحة سلطان . . أخرج هاتفه : طبعًا يا زياد الحين اللي بيتولاّك سلطان مالي علاقة فيك نظر إليْه بربكة وهو يعرف أن الجحيم الآخر إسمه – سلطان بن بدر – عبدالرحمن : ألو سلطان : هلا عبدالرحمن : لك عندي بشارة! سلطان بلهفة : وشو؟ .. عرفتوا مين ؟ عبدالرحمن : سليمان الفهد ورى كل هذا ! ومهدد مقرن زي ما توقعنا سلطان شعر بأن كل شيء يبتسم له بدقيقة واحدة : وش ينطرني لبكرا! أبي أجيكم عبدالرحمن ضحك ليُردف : موعدنا بكرا إن شاء الله .. بدت تمشي أمورنا سلطان : اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه عبدالرحمن بإنتصار حقيقي ولذة هذه الإنتصار تسري بأوردته المقهورة : الحمدلله .. نام زين عشان تصحصح بكرا سلطان أبتسم : وين يجيني النوم! أبي أشوف بس زياد أطلع حرتي فيه بعدها يصير خير عبدالرحمن : لآ أفا عليك ما قصرت فيه سلطان : كفو والله . . عبدالرحمن : يالله تصبح على خير .. بشوف هالبلوة اللي قدامي! سلطان : وأنت من أهله ، مع السلامة . . عبدالرحمن ينظر إليْه : تدري وش جرايمك! أولا إحتيال ثانيًا إفساد ثالثًا زرع الفتنة . . عاد الله أعلم القاضي كم بيصكك سنة! وأدعي ما يكون فيها تشهير بعد! زياد برهبة : أنا بس . . عبدالرحمن بقهر : أنت بس إيش؟ هذي بلدك! مفروض تخاف عليها أكثر من نفسك! وش أستفدت؟ شوية فلوس طيب تعال لنا نوظفك وكل سنة تستلم زيادة وعلاوات! قولي وش اللذة بأنك تخون بلدك! فيه أحد يخون نفسه؟ فيه أحد يخون الأرض اللي رفعته؟ . . لا تبرر ما فيه أيّ تبرير يخليني أقول حرام مسكين! أنا بناتي الحين ما أدري وش صاير فيهم والبركة في مين؟ فيك! تعرف ليش؟ لأنك سكت ولأنك ساعدت! واللي يسكت عن شي فهو مجرم! فما بالك باللي فعل؟ . . صدقني أقسى العقوبات راح تكون على ظهرك وبتعرف ضريبة الخيانة زين! أنك تخون أشخاص ممكن نقول نعفُو ونسامح! لكن أنك تخون وطن لا والله لا تذوق حرّ الخيانة بعيُونك! ، بإبتسامة صافيَة أستلقت ليتناثر شعرها في حجرِ حصَّـة، خلخلت أصابعها بخصلاتها الطويلة، حصَة : تعرفين فيه أغنية كنا نغنيها دايم .. على هالجو يبي لنا نسمعها .. بس ترى الكلمات مضروبة لأن ماهي لأحد يعني إحنا أخترعناها الجوهرة وهي تنظرُ للفراغ الذي أمامها : وشو .. سمعيني حصَّة بصوتٍ خافت عذب تُلاعب شعرها : هذا الأسمر يا ميمه روَّح ليْ قلبي . . الجوهرة بضحكة تُقاطعها : أعرفها أعرفها هي عراقية أذكر يوم طحنا في اللهجة العراقية كانوا يغنونها البنات بالمدرسة . . وبصوتٍ هادىء مبحوح تُكمل الجوهرة : هذا الأسمر يا ميمه روّح لي قلبي ، ضليت أعدِّ له الجيّة وهو كاتلني بعينه حصَة بإبتسامة شاسعة : يا ميمه عيونه كتَّالة . . الجُوهرة ويأتِ على بالها سلطان بسُمرته الواضِحة و عيناه – القتالة – فعليًا، تُغني حصَّة وتدخل هي في دوامته، أتلاحظ أني أشتقتُك؟ وأن يومًا كاملاً دُونك لا يجب أن يُدرج في أوراق التقويم! تبًا لوسامتك يا سلطان كيف أتجاهلك؟ : وأنا لعيونه هذا الأسمر يا ميمه أروح له فدوة . . الجوهرة ألتفتت عليها لتقف وشعرها متناثر لتندفع بعاطفتها : بروح أكلم سلطان . . . حصَّة بضحكة : مين اللي قال ماراح أكلمه خل يحس على دمه! الجوهرة : أنا كذابة وشكرًا لأنك تذكريني بهالشي حصة أبتسمت : يارب يارب يارب يا الجوهرة يا بنت عبدالمحسن أسمعك اليوم قبل بكرا تبشريني بالبيبي الجوهرة تجمدَّت أصابعها على الهاتف لتلتفت إليْها والحمرة تهرول بجسدِها : وشو!! حصة : أدعي لك .. الجوهرة أرتبكت بتوتر شديد : طيب . . رفعت السماعة . . تهقين نايم ؟ حصة : دقي بس مهو نايم الجوهرة : إذا رد وصوته مليان نوم بخليك تكلمينه حصة : طيب ولا يهمك الحين دقي الجوهرة بهدُوء تضغط على أرقامه لتُطيل الثواني الشاهقة ولم تسمع صوته : شكله نايم حصَة : لا أنتظري مستحيل ينام بهالوقت! رفع الهاتف سلطان وصمت بهدُوء وسكينة الجدران التي حوله وهو يسمع أحاديثهما، غرقت الجوهرة بنبرةِ حصة ونست الهاتف عند أذنها تنتظر إجابته. حصة : وش دعوى ينام الحين! هو ما ينام الا بعد صلاة الفجر الجوهرة : يمكن نام بدري اليوم أو تعبان! حصة : بسم الله عليه مو تقولين صار أحسن وعمك قال بعد الجوهرة : إيه بس أخاف يخبون علينا .... حصة بهدُوء : لا تخليني أوسوس الحين الجوهرة بضحكة : هذي من أغنيتك ما يجي منها خير حصة بإبتسامة : حافظتها أكثر مني يالخير الجوهرة بمثل إبتسامتها تُدندن بمجاراةٍ لها : هذا الأسمر يا ميمه عيونه كتلتني حصة بخبث : هذا سلطان لو سمحتِ الجوهرة : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه هههه : والله الضحكة قتلتني الجوهرة بربكة عارمة عادت للوراء ليسقط الهاتف وتدفع المزهريَة التي تتوسط الطاولة حتى تناثر زجاجها حولها. حصة كادت تموت من ضحكاتها الصاخبة، مُجرد صوته فعل بها كل هذا، رفعت الهاتف لتُجيب سلطان : هلا بالغالي سلطان بإبتسامة : هلابك . . وينها؟ حصة : ذابت سلطان بضحكة أردف : وش تغنون ؟ خربتيها حصة : ما خربتها والله! أصلا مهي أغنية يعني كذا قصيدة مغناة . . سلطان : طيب عطيني إياها حصة : أول قول لنا وش أخبارك؟ سلطان : عال العال حصة : عسى دوم .. طيب فرحنا معك سلطان : متى يصير مزاجي عال العال ؟ حصة : إذا مشى شغلك . . طيب خذها خربت لنا الصالة . . الجوهرة ووجهها يصخب بالحُمرة والحرارة، تنحنحت وهي تهمس : مدري كيف ما حسيت فيه . . ألو سلطان أطال بثواني صامتة حتى أردف : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شعرت بأنه يستهزأ بها لتُردف بهدُوء : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته سلطان بخفُوت : مين اللي عيونه قتلتك ؟ الجوهرة أبتسمت وهي تلاحظ نظرات حصَة التي تبثُّ بها شغف الخبث : أسأل عمتك وش يعرفني فيه سلطان : طيب غنيها خليني أسمعها كاملة الجوهرة : ماني حافظتها سلطان : يا كذبك! الجوهرة بتضييع للموضوع : كيف حالك اليوم ؟ سلطان : بكرا إن شاء الله بطلع الجوهرة : الحمدلله .. مو قالوا اسبوع؟ سلطان : لآ الفحوصات تمام الجوهرة : بتنوِّر بيتك حصة همست : بيطلع ؟ الجوهرة هزت رأسها بالإيجاب لتُردف : طيب ما أعطلك .. تآمر على شي سلطان : غنيها ليْ يا بخيلة الجوهرة : صوت عمتك أحلى سلطان : أبي أسمع بصوتك!! الجوهرة بإستلعان رتَّلت بصوتها الخافت : إذ يغشيكم النعاس آمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام. سلطان : تصبحين على خير الجوهرة : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههه وأنت من أهله سلطان : تعرفين تحجرين للواحد الجوهرة : أتعلم منك سلطان بوعيدٍ خافت : لاحقين لاحقين .. أنتظريني بكرا الجوهرة بتوتر : طيب تبغى شي ثاني سلطان أنهاها بضحكته التي لا تسمعها كثيرًا ليغلقه دُون أن ينطق شيئًا، الجوهرة : سكره بوجهي حصة : ههههههههههههههههههههههههه ههههههه تصير بأحسن العوائل ، في أطرافِ الليل كانت تستلقي عند المدفئة الجداريَة وهي تتأملُ بالنار التي تحرق الحطب، وتشعرُ أنها تصعد بها حتى تحرقها، تتناثر دموعها وقد أعتادت الدمع في الأيام الأخيرة، مدَّدت أكمامها لكفيّها الباردة وهي تُبصِر اللاشيء، كل الأشياء تتوافدُ من خيالها المبحوح بحزنه، كل الأشياء تقف عند قلب عزيز و نبرته مازالت تتردد في عقلها " أنتبهي لي " ، كيف تتطمئن عليه؟ كيف تعرف أخباره؟ كيف تشعُر به بعمقٍ أكثر! عادت ذاكرتها للأيام التي غادرت بها أثير باريس لتخرج معه بهدوءٍ دُون إستفزاز، كانت الريحُ تهبّ من كل جانب حتى وضع ذراعه على كتفيْها. أبسط الأشياء منك تكُون حميمية بصورةٍ كارثية لقلبٍ بكر حين جرَّب الحُب كنت أول تجاربه ويبدُو أنك آخرها . . . تلك الحديقة موبوءة بك . . ، ثبَّت كتفيْها لتصرخ بآآآهٍ مقتولة، تحاول أن تقاومه و الدموع لا تنفَّك من تشتيتِ بصرها، شعرت بأن يديْها تنكسران وهما تحاولان دفعه، ضاقت أنفاسها لتهمس بوجَع : لا ، تبحث بكل زاويَة عن أوراقٍ تُوصلها لشيء، و عن أرقامٍ تكشف لها أيُّ شيء، كانت تُفتش أوراقه بلهفة لمعرفة ما يحدثُ بحياتها وتجهله، سمعت صرخته لتتجمَّد أصابعها على الطاولة الخشبيَة . . غُرِز السكينُ حتى شعرَ بأن الرُوح تصعد . . . ،رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء ( 65 ) المدخل لـ فاروق جويدة . لو كنت أعلم أنني سأذوب شوقا في الألم لو كنت أعلم أنني سأصير شيئا من عدم لبقيت وحدي أنشد الأشعار في دنيا.. بعيدة و جعلت بيتك واحة أرتاح فيها.. كل عام و أتيت بيتك زائرا كالناس يكفيني السلام.. ويدسُّ جسده خلفها، أحاط بطنها بذراعه وملامحه تغرق بخصلاتِ شعرها الطويلة، يا ليلي أنتِ! إني لوجه الله أترك الحياة أمامِك، لأجلِ الحُب أتركها ولكن! عيناكِ ما سرُّها؟ ما سرُّ النكران وأنا محجرُها يا غادة. تعالي، أقبلي كحشدٍ مستبِّد إني أرضى بإستبدادي، أقبلِي كحكومةٍ ترأسني إني أرضى بظُلمي، تعالي لأقُول لكِ فقط أني أحبك، تعالي كـ غادة، كروح غادة، كعيْنِ غادة، تعالي حتى أعيش، حتى أتنفس بصورةٍ طبيعية، أنا والله من بعدكِ لم أرى شيئًا يستحقُ العيش وكيف أرى بعد أن كُنت أرى الغديرُ من ضحكتكِ ينساب؟ والجنَّة بين هدبيْكِ تُرى؟ كيف أرى بهذا العالم شيءٌ يستحق التأمل وأنتِ كُنتِ حبيبتي؟ كُنتِ يا غادة والآن؟ هل تكفي المساحة؟ هل تكفي لأقول خمسة أنتهى |
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء ( 66 ) المدخل لـ سعد علوش . اطغي اطغي .. خلي الغابات تتسلف خضارك .. بس تترك اصفرارك.. لـ ابتسامات المجامل ولوقارك واتركي لعشاقك الموتى حمارك او بالاحرى... احمرارك لاتلومينا مجانينك نحبك لا طغيتي .. لازعلتي .. لاحكيتي .. لامشيتي انتي مسكينه ومظلومه ومعذوره ليامنك نسيتي لانك انتي اللي فقط... ماشفتي نفسك لاحكيتي لانك انتي اللي فقط ماشفتي نفسك لا مشيتي يادمــارك ياوقوف العالم الثالث على شرفة زرارك انتي مثل الظلم والاجحاف بس انتي لئيمه هم طبيعتهم عدائيين بس انتي رحيمه مابدر منك جريمة انتي بالفطرة بدون سلاح ومقاتل جريمة وانا بالفطره احبك ياعظيمه ... بذبولك وازدهارك...وانصهارك تلك الحديقة موبوءة بك، بصدرِي يتغنجُ الحب ويثمل، بصدرِي يمُوت الحب ويُحمَل على نعشه، إني أحبك على الرغم من كل شيء، كيف أصبر؟ علمني أن أصبر على عينيْك و نظرةُ عينيك ولمعةُ الحب في عينيْك، أعترفُ بشناعةِ حقدي عليك من تلك الأنثى التي كنت أراها بك، ولكنني أعرفُ أنك تحبني، لن أنكر أنك لم تُحبني يا عزيز، مهما حاولت أن تقُول لن تستطيع أن تُظلِّل عيناك وهي تراقبني في كل لحظة أشردُ بها، لن تستطيع أن تُخفي إبتسامتك الضيِّقة وأنت تنظرُ لي بعينٍ مُعجبة، لن تستطيع أبدًا أن تُخفي أمر يديْك وهي ترتعشُ بكفِّي وتسكُن، لن تستطيع يا عزيز أن تخفي الدمُّ الذي يجرِي بعروقك منِّي، أنا التي لم أفعل شيئًا بحياتي يستحقُ الذكر سوى أنني أعطيتُك من دمِّي و أحببتُك بكل جوارحي، أنا واقعة بك، واقعة جدًا يا عبدالعزيز. يكفيني من هذه الدنيا أن تضِّل بجواري، يالله! على الندم المهرولُ بي، يالله على كل اللحظات التي ضاعت بيننا!، مرَّة أخرى أنا أحبك بكل شتائمِ هذا الكون التي تبادلناها، بكل كلمة سيئة نابية خرجت منّي، " أحبك كثيرًا يا أسوأُ شخصٍ نُمارس معه الحياة ويا أجملهم بالحُب " أحبك بطريقةٍ عشوائية خالية من التهذيب، أحبك بفوضوية لن أفكر يومًا بأن أرتبها، تبًا لوسامتك لن تترك لي فرصَة بأن أتخلى عنك، هذا الهواء الذي يعبرني، هذا البرد الذي ترتعشُ معه أطرافي يُغمض عينايْ لأتخيلك، أتخيلُ تفاصيلك وأنسى وحدتي، أنسى الفراغات التي توزِّعني بقوالبها دُون أن تعطف على قلبي، كلماتُك تستعيدُ نبرتها في صدري، ضحكاتُك تتمثَّلُ أمامي و " وين تبين تروحين ؟ - جهنم. كويس بطريقي " و الشوكلاته والمقهى الذي لن أنساه أبدًا وإبتسامتك التي أسقطتني بفخِها ولم أستطع أن أغضب! قُلتها بكل هدُوء ولم تعلم أنك سلبت قلبي " فيه شي هنا *تُشير لأنفك* " يالله يا عزيز كم كانت الأيام بيننا تضجّ بالعفويَة والضحكات المستفزة، كنت على الأقل " لا أحبك بهذه الصورة المسرفة ". غطَّت جسدها بالشالِ الصُوف لينام عليْها بخمُولِ الدفء الذي تسرَّب بين الجدران، ألقت نظرة أخيرة من بعيد على ضي الساكِنة بهدُوء، التعبُ واضح على ملامحها والشوقُ لوالدها واضح جدًا، من قال أن الحُب يتقيّد بعُمر؟ ، فتح الباب ليتجه نحوها بخطواتٍ سريعة مهرولة، صدرها يرتفعُ بعلوٍ شديد و أنفاسها تضطربُ ببكاء مصعوقٍ كغيمتيْن تكهربتَا بالبرق، ثبَّت كتفيْها لتصرخ بآآآهٍ مقتولة، تحاول أن تقاومه و الدموع لا تنفَّك من تشتيتِ بصرها، شعرت بأن يديْها تنكسران وهما تحاولان دفعه، ضاقت أنفاسها لتهمس بوجَع : لا شعرَ بحتمية الحزن وهو يحاول أن يوقظها من كوابيسها الرماديَة، تمنى لو يحفظ آية يرتِّلها على جبينها، كم من السكينة تفوتني وأنا لا أحفظ شيئًا من القرآن المنزَّل؟ كم من حياةٍ ضائِعة وأنا لا أحفظ شيئًا أرتله على جبين رُوحي. لو آية فقط تشهدُ لي يوم لا ظِل إلا ظله ؟ لا أعرفُ على من أحزن بالتحديد؟ على نفسي أم على حُبي أم على حظي أم على والدِي أم على . . عبير ؟ فارس بضيق يبلل يدِه ليمسح على وجهها، تلفظ كلماتٍ متداخلة لم يفهم منها سوى " يــبه "، وأشعرُ بِك! صدقيني أشعرُ بالحزن الذي تتفوهُ به شفتيْك و بكلمة – يبه – التي تتشبثُ بلسانك، أشعرُ بالوجع الذي يجعلك تشعرين بالوحدة الشاهقة، أنا الذي لم أعرفُ معنى لـ - أب – ولا – أم - ، ولم أعرفُ شيئًا إلا أنني فهمتُ كيف أحب، في اللحظة التي تخلصتُ بها من وحدتي عرفت أنني وقعتُ بك وبحُبك، عرفتُ لحظتها معنى للعالم، للوردِ الأبيض، للعطُورِ الناعمة و الليالي الباردة، عرفتُ كيف للدفء أن يأتِ من عينيّ أنثى! و عرفتُ كيف للحياة أن تأتِ – عبيرًا -. من يُعيد ليْ أبي؟ من يُعيدني إليه؟ أنا التي لم أعرف الإنسلاخ منه منذُ أن عرفت ميلادِي، نضجتُ على يديْه وعرفتهُ أبي وأمي وأخي وصديقي و حبيبي وحياتي وكل حياتي، كيف أنام بهناء و " عينِ – أبوي – ماهي هنا؟ ". لم تستغرق بنومها كثيرًا، هي ساعة وأقل حتى أستيقظت بشعورٍ ميِّت يُرثي نفسه بالدمع، نظرت لفارس بعد أن أستيقظت تمامًا بعينيْها اللامعتيْن، و إن برعت بشيءٍ هذه الأنثى! ستكُون براعتها في عينيْها والله العظيم، هذه اللؤلؤتان مصيبة والشواهدُ إن أعددتهن كُثر. بقهرٍ لم تعرف كيف تسيطر على عقلها الذي بدآ يعيشُ أرق الغياب عن عائلتها، لم يعد لها قدرة أن تتحمل كل هذا وأن تُبقي هذه الأعصاب المشدودة بحالٍ أفضلُ من هذا، ضربته على صدرها بيديْها وهي تصرخ : أبعد عننني ما أبغى أشووووفك أبعدت كفيّها بعد أن شعرت بأنها تضربُ حديدًا وليس جسد، لتشِّد بقبضة يديْها على الفراش وهي تحاول أن تمتص حزنها، أن تمتص كل هذه الشحنات وتعيشُ ببرودٍ فقط، أن تنعم ببعض البرود واللامبالاة، أنحنى رأسها وشعرُها الطويل من كل ناحية يواسيها. فارس الذي يجلسُ على طرفِ السرير بقربها ألتزم صمته وأكتفى بمراقبتها، بمُراقبة قطراتُ الندى بين هدبيْها. رفعت عيناها المُشتعلة بالغضب، وبنبرةٍ مختلطة بالبكاء : ممكن تطلع؟ فارس : لا أتسعت محاجرها المُحمَّرة بدهشَة و لا يفصلُ بينهما سوى سنتيمتراتٍ قليلة، أبعدت وجهها للجهةِ الأخرى وهي تُردف : الله لا يسامحك فارس لوى شفتِه السفليَة بأسنانه ليُردف : الله يسامحك على قلبك الحين! عبير وضعت يديْها على رأسها وهي تحاول أن تضغط عليه من كلا الجانبيْن حتى تخفُّ حدّة الحزن الذي يتوسطُها، تشعرُ بحاجة تقطيع شعرها، تكره هذا الشعر الأسود في هذه اللحظة وهذا الجسدُ بأكمله، تكره نفسها التي تُحبه : كرهتني بنفسي بكل اللي حولي خليتني أحس بالنقص من الكل وأخاف من الكل حتى من ظلي .. وعقب كل هذا تستغلني بس عشان إسمي ماهو عشاني عبير! . . أنا أكرهك .. منقرفة منك .. ومنقرفة من حالي . . وماني طايقة أشوفك ولا طايقة أسمع صوتك . . أبيك تبعد عنِّي وعن حياتي! فارس : تصدقين الكذبة اللي أنتِ مخترعتها! وقلت لك للمرة المليون لو ما كنت جبتك راح يجيبك أبوي! بكلا الحالتين كان راح يكون مكانك هنا لكن أنا . . . ولا ما يهمك تعرفين وش أبي ؟ عبير بحدة : ما يهمني فارس يقف وهو يُشير إليها بالسبابة : تعرفين والله تعرفين أنك قاعدة تكذبين وتحاولين تصدقين أيّ شي عشان تقهرين فيه نفسك قبل لا تقهريني! عبير تنظر إليه ولنبرته الغاضبة، لصوتِه الثقيلُ عليها وثقيلٌ على قلبها، بنبرةٍ خافتة عنيفة : مهما خليتوني هنا ومهما صار! في الوقت اللي أشوف فيه ابوي صدقني ماراح يكون مالك وجود في حياتي هذا إن كان لك وجود من الأساس! فارس بإستفزاز لقلبها : طبيعي ماراح يكون لك حياة ثانية عشان يكون لي وجود فيها ! بتكونين مشغولة في حياتــــــــــنــــــا *نطق كلمته الأخيرة ببطءٍ شديد*. عبير : أطلع برآ . . أطلع . . *علت نبرتها بصرخها* أطللللللللع فارس بثباتٍ يقف ويُريد أن يروِّضها الآن : تفهمين شي واحِد أنه هذا الشي مو بإرادتي! عبير ببكاء تُردد : أطلع . . أطلع . . ماأبغى أشوفك فارس بتجاهل لكل توسلاتها : ما أستاهل منك كل هذا يا عبير! تذكري هالشي . . . . سحب المفتاح على السرير ليشدّ خطواته نحو الباب، وقف دُون أن يلتفت إليْها، أطال بلحظاته حتى فتح الباب وخرج. أنفجرت ببكائِها، لا تحتمل أن تراه بعد كل هذه الفترة التي كانت تترقبُ بها فقط حرفٌ من إسمه، يأتِ الآن بكل ضراوةٍ وعنف لقلبٍ بكى عليه ومنه لأشهر لا تُنسى بسهولة. ، تبحث بكل زاويَة عن أوراقٍ تُوصلها لشيء، و عن أرقامٍ تكشف لها أيُّ شيء، كانت تُفتش أوراقه بلهفة لمعرفة ما يحدثُ بحياتها وتجهله، سمعت صرخةُ تجهل من أيّ حنجرةٍ خرجت، هذه الصرخة التي لا تُوحي إلا بأنها تنتمي إليه، لتتجمَّد أصابعها على الطاولة الخشبيَة التي وضعت بها صورها معه، صورٌ لا تعلم بأيّ شعورٍ كانت تحمل، وبأيّ قلبٍ كانت تنبض. غُرِز السكين حتى شعرَ أن الرُوح تصعَد لعنقه، سقط على بطنه حتى تناثرت الدماء حوله، سارت بخطواتٍ بطيئة متوجسة لتقف عند بابِ الغرفَة بقدميْن ثقيلة تيبَّست على أرضٍ لا تتزنُ بهذه اللحظات وهي تنظرُ للجسدِ الملقى، بلعت غصتها لترتبك أسنانها المتعاركة فيما بينها، تنظرُ بعينٍ تتسعُ بالدهشَة، بالخوف، وهي تهمسُ بدمعةٍ هزيلة : ناصر! نظر للدماء باللاشعُور! قتل شخصًا هذا ما يأتِ في باله الآن، قتل نَفسًا، روحًا، عينيْن و حواسٌ آخر، قتلها بيديْه، هل يسامحني الله بحجة الدفاع عن نفسي؟ هل هذا صحيح؟ هل ما أفعله الآن صحيح! تعدَّت أقدامه جسده ليسيرُ بخطواتٍ سريعة بإتجاه غادة : راح نطلع الحين .. بسرعة ألبسي غادة بصدمة : قتلته ؟ ناصر يلتفت إليها بعينيْن محمَّرة وأطرافه ترتعش من كلمة "قتل " : مافيه وقت .. بسرعة غادة تتراجع بخطواتها لتنظرُ إليه كيف يُخرج الشنطة الصغيرة ويضع بها بعض القطع ويُخرج الجوازيْن، بإستغراب : هذا جوازي؟ كيف طلعت لي جواز؟ يتجاهل أسئلتها ليُغلق حقيبته دُون أن يرتب شيئًا بها بعد أن وضع ملابسها أيضًا، رفع عينه لها ليسحب معطفًا ويمدُّه نحوها : ثلث ساعة قدامنا عشان نوصل للمترو . . غادة تُضيء عينيْها بالدمع وهي لا تعرفُ أيّ مجهولٍ ينتظرها، كيف تتكهنُ بمستقبلٍ إن لم يوجد لها حاضرٌ من الأساس. أرتدت معطفها لتنظرُ له وهو يضعُ بجيبِ حقيبته صورهم و الأقراص التي حبست أصواتهم و صورهم، نزلت دمعتُها وهو يُعطيها ظهرها ليُدخل في جيبِ جاكيته – ورقةٌ – كان خطُّها يتوزعُ بها. ألتفت عليها ليطوِّقها من يدِها ويخرجُ معها تارِكًا الشقة و باريس و الحياةُ التي كان من اللازم أن يعيشُها هنا، مثل ما تُريدين يا هذه الأرض، تركتنِي أعيشُ على حُزنِي أيامًا ولم تغتسلي بعد من وعثاءِ ذنبي، مثل ما تُريدين أنا راحل ولن أختاركِ مرةً أخرى! لن تكوني في جدول عُمري مرةً أخرى وأنا الذي ظننتُ أسفل غطاءُكِ قبر حبيبتي وأنا الذي ظننتُ أني كتبتُ على سماءِك في ليلة البكاءِ تلك " بحفظِ الرحمن يا غادة يا قصيدتي الأبديَة، فالشعرُ من بعدكِ رثاءٌ لا يتزن شطرَه "، أنا الذي لم أنضجُ شِعرًا إلا عندما كتبتُ لها ومنذُ رحيلها لم أكتب شيئًا يستحقُ معنى " قصيدة " ، والآن؟ أيّ رثاءٍ ينتظرني؟ هل أرثي نفسِي بعدما أستلمتُ الصفعات تباعًا من يدٍ باردة. أوقفهُ التاكسي عند محطة القطار، ليدخلان وهو يراقب أيّ قطارٍ سيأتِ الآن، وقف أمام شاشة الرحلات، بعد ساعة ستأتِ رحلةُ لندن، ألتفت عليها : أجلسي هنا بس أحجز وأرجع لك . . . تراقب ملامحُ الراحلين و المارَّة المسافرين، يا مدينتنا القديمة أنتِ يا باريس، هي المرَّاتُ التي غادرتُكِ بها قليلة، منذُ أن فتحت بها عينيْ لم أجد سوى بردُ باريس الذي كان يغطينا في هرولتنا الدائمة على شوارعها بين المدرسَةِ و شقتنا، لم أكُن أعرف شيئًا عاطفيًا ويستنزفُ قلبي سوى عدُّ الأيام لمجيء أبي إليْنا، كنت أرتفعُ إليه في كل مرةٍ أراهُ بها، كُنَّا نحسبُ الإجازات السنويَة من أجل أبي، كُنَّا نعيشُ في الرياض بأرواحنا من أجل أبي، كُنَّا نقرأ أخبارُ الرياض لنروي عطشنا لأبي، كنَّا نسيرُ في شان دو مارس لنقُول " نفتقد جسدًا آخرًا " كُنا ننتظرُ أبي، أدخلنا المدارسُ الفرنسيَة ليجلب لنَا معلمًا يعلمنا العربيَة التي أصبحت ركيكة على لساننا، في كل مرةٍ تُضيء باريس في عين أبي كان يعلمنا الفصاحة و إدارةُ أعمالنا، هذه باريس التي لا تعني شيئًا لأحد هي تعني لي الحياة والعُمر الذي مضى في كنف أبي، في خُبزها المنتفخ و المَاكرُون الملوَّن، في جدائِل الزهر على طريقها و أغنياتِ الليل بها، كنَّا نلتقي كثيرًا مع أبِي في دعاء الصباح. أتى إليْها ليجلس بجانبها : راح ننتظر ساعة غادة أخذت نفسًا عميقًا : مين هذا ؟ ناصر : شخص تهجم عليّ غادة : دام تهجم عليك ليه خفت؟ ليه هربت! ناصر : غادة ممكن ما تسأليني ولا سؤال! تعبان وماني متحمل ولا كلمة غادة تلتفت إليه لتتجمدُ عينيْها أمام قطرات الدم التي تسيرُ من إذنه، بمنديلها التي مسحت به دمعها وضعته على دمِه، لا تعرفُ أيّ عاطفةٍ جرت نحوه في هذه اللحظات، لم يلتفت إليْها بقيَ ينظرُ للمارَّةٍ أمامه. بهمس : تنزف! وضع يدِه على مكان جرحه بجانبِ أصابعها بعد أن خدشهُ بالباب، سحب المنديلُ من أصابعها ليضغط به على مكان نزيفه، دقائِق حتى توقف النزيفُ بضغطه، ألتفت عليها : بردانة ؟ هزت رأسها بالنفي لتُردف بضيق : وين بنضيع هالمرَّة ؟ ناصر : لندن غادة : ممكن أطلب طلب؟ ناصر ألتفت عليها بكامل جسدِه وهو يعكفُ ساقٌ واحدة أسفلَ فخذِه، نظر إليْها بعينيْن تنتظرُ طلبها. غادة : ليه ما تفكر ببكرا؟ وش ممكن يصير! . . يعني حياتنا! ناصر بهدُوء موجع : لما فكرت ببكرَا جتني فجيعتي بك، لما فكرت بأيش يصير جت خيبتي من هالدنيا فظيعة! لما قلت بعيش كنت أقول بمُوت بس بصيغة ثانية . . عشان كذا لا تطلبين مني أني أفكر بأشياء بعيدة لأني جربتها والمؤمن لا يلدغ من جحره مرتين! غادة تنزلُ دمعةٌ حارَّة على خدِها لتُردف بخفُوت : طيب وأنا؟ كيف تخليني كذا بدون مستقبل بدون شي! كيف أعيش! ناصر : لا تسأليني! . . كنت أبيك عُمر يا غادة ما طلبتك موت! غادة : و انا ما أسألك كيف تبي تمُوت! أنا جدية بكلامي وبحياتي معك! أنا ماأقولك أتركني وما أبغى أشوفك! أنا مالي غيرك الحين بس أبغى أعرف عن الحياة اللي تنتظرني ناصر يشدّ على شفتيه بعد أن تورط بقتلِ إحدى رجالاتِ عُمر : ماني متشائم كثير لكن لا تنتظرين شي . . وأسند ظهره على الكرسي ليراقب من جديد اللاشيء الذي أمامه. غادة : ولا أنتظرك؟ ناصر بضيق يشعرُ بأن روحه تلتهب بحرقتها : تنتظريني؟ بدري حيل غادة تمسحُ دموعها التي أنسابت على خدها بطرفِ أصبعها : يعني ما أنتظرك تجي على بالي مثل ما أنت متصوِّر؟ ناصر بتبلدٍ إتجاه الموت : في الوقت اللي راح تحسين فيه أنك تذكرتيني بيكون الوقت اللي تشبعت فيه من إحساسي بخيانتك ليْ! غادة بضيقٍ يتحشرجُ بصوتها : ما خنتك! مو أنا اللي دعيت الله عشان أفقد ذكرياتي معك! أنا خايفة منك ومن هالصور اللي في جيبك . . أنا أحس أني ما أعرفك .. ليه ما تحس بوجعي من هالشي؟ ماني مبسوطة أبد بحالتي هذي عشان تقولي أني أخونك ناصر يزفرُ بأنفاسه المشتعلة وعينِه تثبت في الشاشة التي أمامه : يرحم الله أوجاعي يوم لأجلك عشت في كنفها غادة ببكاء لم تحتمل كلماته التي تجلدُ قلبها بقسوتها : تظلمني ناصر : الله يسامحني غادة أسندت ظهرها على الكرسي لِتُبعد أنظارها عنه وهي تغتسلُ بدمعها بصمتٍ أجبرت عليه، تكتفت وشفتيْها تنشدُّ حتى لا يخرجُ صوت أنينها. ، يقفُ بكل هيبةٍ أمامهم، و الثقة تُزرَع في قلبه بطريقةٍ مستفزة لكل من حوله، ينظرُ للأوراق التي بين يديْه، للتطورات التي حصلت بالفترة الأخيرة ليُردف ببرود : و بنته الثانية ؟ أسامة : مختفية هي و مرت أبوها سليمان صمت قليلاً لتهدأ عينيْه على الأسطر التي يقرأها، بخفُوت يحكُ ذقنه : وفارس؟ وش نيته؟ أسامة : ما راح يأذي أبوه هذا اللي أنا متأكد منه وماراح يأذي عبدالعزيز سليمان تنهَّد وهو يُميل فمِه : طيب! . . شف لك صرفة معه أسامة رفع حاجبه : يعني ؟ سليمان : تفكك رجال رائد اللي حوله ماراح يتم وفارس موجود! دام ماراح نقدر نستغله ضد أبوه، لازم يبعد .. عاد كيف يبعد أنت حلَّها أسامة برهبة : بس فارس . . سليمان بحدة : فارس وغير فارس! قلت أبعده أسامة بلع ريقه : عارف لكن فيه طريقة ثانية نقدر نبعده فيه بدون لا نأذيه . . أقصد بدون لا نأذيه جسديًا سليمان يجلس ليرقد قدمًا على قدم : أتكلم هندي؟ أسامة بخضُوع : مثل ما تآمر سليمان ينظرُ لعمر الغارق بتفاصيل الحسابات ليُردف : أتصلت على مقرن؟ عمر دُون أن يرفع عينه : مثل ما طلبت! بعيد عنهم يدخلُ الأبيضُ المنمش بخطواتٍ سريعة وبين شفتيْه خبرٌ معلق : امسكوا زياد! رفع عينه عُمر بدهشَة تسبقُ دهشة أعين سليمان التي توجهت نحوه. أخذ نفسًا عميقًا بعد أن أستنزف طاقته: و أعترف من أبوسعود و عبدالله اليوسف! ماني متأكد من هالشي لكن جواله صادروه سليمان : قلت لي عبدالله اليوسف؟ رجع لهم؟ يهزُ كتفيه بعدم المعرفة ليُردف سليمان : حتى عبدالله يبي له قرصة إذن!!!!! عُمر : وصلهم خبر ناصر؟ أسامة : لآ .. آخر مكالمة مع زياد قالي أنه ما يدرون عن شي سليمان بإبتسامة : حلو .. أنا أعرف كيف أحرق قلوبهم . . . الحين عبدالعزيز مع بنته كيف لو عرف بموضوع غادة ؟ شكله مافهم الرسالة كويس ويبي لنا نعيدها له بطريقة ثانية! . . . عُمر : وزياد ؟ سليمان بضحكة إستهتار : السجن للرجال! ، في صباحٍ مُشمس تتلاعبُ الريحُ بورقاتِ الاشجار، بأغنياتِ الزهر الجافّ المهمل على الطريق، تلتفتُ بجسدِها عليه لتتأملُ عينيه النائمة بهدُوء و شعرُ وجهه المهمل بجاذبيةٍ تتكىء على أبناءِ نجد الذين ينتمُون لجلدِها الأسمر، هل أصدِّق حُبك يا يُوسف من اجلِ الجنين الذي ضاع منَّا أم أصدِقُ حبك من اجلِ قلبي ولا علاقة لشيءٍ آخر، كنت أريده يالله! كنتُ أريد أن أحملُ بين يديْ طفلٌ من رائحة رحمي، أن ينام بيننا كل ليلة وأن يوقضنا ببكاءِه كل صباح، تعبتُ من هذا العمر الذي لم يجلب ليْ سوى التعاسة، الذي لم يحفظ لي أحدًا أنظرُ إليه بتمعن حتى يشيب! لم أرى الشيب يخطُّ برأس أحبابي، جميعهم غادرُوا مبكِرًا وتركُوني، كنت أحتاج الرجل الذي يوقف إستخفاف الحُزن بي، كُنت أنتظر رجلاً أفرغ عاطفتي العطشانة، كنت أنتظرك يا يُوسف ولكن لم تنتظرني! لم تنتظِر أن تقترن بفتاةٍ حائلية كل حياتها تمرُّ كذكرى كل يوم، لم تنتظر أن تُقدَّم لك الفتاةُ ذاتها. أشعرُ بإذلالٍ في كل مرة أتذكر كيف تم زواجنا! أشعرُ بحزنٍ على أمي ومن أمي ولكن لا أتجرأ أن أقوله وهي التي حملتني في بطنها 9 شهُور وعانت منِّي في طفولتي دُون أبٍ يشاركها الرعي والإهتمام، لا أتجرأ ان ألفظ حزنًا عليها ولكن لا أتحمل كل هذا، لا أتحمل أن ينظرُ إلي الجميع بنظرةٍ مهينة ليْ، مهما حاولوا أن يخفُوها أنا أراها بعينِ ريم و هيفاء و نجلاء و الجميع بلا إستثناء. اقتربت قليلا ليفصلُ بطنه عن بطنها إمتدادٌ قليل كالذي يفصلُ بين أصابعها، بتهور عاطفتها أقتربت أكثر لتُقبِّل ذقنه الخشن برقةِ شفتيْها، أعتلت حُمرة قلبها لتنبض بشدَّة وهو يُحرك رأسه قليلاً لليمين و أهدابه مازالت تتشابكُ بنومه، همست عند اذنه : صباح الخير ..... أستغرق ثواني طويلة حتى يفتحُ عينيْه بإنزعاج من ضوء الشمس المتسلل من وراء الستائر، ألتفت عليها وإبتسامتها الصافيَة تُثير إستغرابه بعد أن أعتاد هروبها أسفل الفراش في الصباحات الأخيرة حتى تبكِي وتنام من جديد. : صباح النور مُهرة تنظرُ للساعة التي خلفه : تعرف أنه الساعة 10 .. راح عليك الدوام! يُوسف يُمدِّد ذراعيه بخمُول : ما نمت إلا متأخر .. منصور يغطي عليّ يُطيل الوقت بنظراتهم المتبادِلة بصمتِ قلبيْهما، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدَّها نحوه : بس إيش هالصباح الحلو؟ ضحكت بخفُوت لتُردف : صار لي ساعة أتأملك وأكتشفت أنه وجهك يجيب الروقان أبتسم ليُنزل ظهرها على السرير وينحنِي فوقها، قبَّل غمازتها على جانبِ خدها اليمين ليهمس على وقعِ ضحكتها : عساني أشوفها دايم . . أبتعد ليقف وهو ينظر لهاتفه وإتصالاتِ منصُور المتكررة، تأكد أن والده لم يأتِ للشركة ما دام لم يتصِل، فهذه الفترة مشغول بعملِه السابق، تركه على الطاولة وألقى نظرة مبتسمة لمُهرة ودخل الحمام. ، يمسحُ وجهه بعد أن أستنزفت قوَّاه للتو من الكشوفاتِ الأخيرة، رفع عينه بتثاقل : كلها بإسم ناصر! : إيه . . لكن على حساب ثاني فيصل بضيق : قاعد يورط نفسه ويورطني معه . . . . : عندنا لنهاية الشهر الجاي لازم نسدد كل هالديُون اللي أستعملها ناصر بإسمنا فيصل تنهَّد : حاول تمدد المدة، أتصل عليهم اليوم وأطلب منهم أنك تجتمع فيهم .. واللي يرحم والديك يا مساعد حاول بأي طريقة تتمدد الفترة! مساعد :أبشر راح أحاول . . تآمر على شي ثاني فيصل : لآ مساعد خرج ليتركه بـ وعثاءِ تفكيره الذي يصبُّ عليه ولا يُريِّحه من حرقة نيران هذه المصائب التي تُقذف عليه من كل إتجاه، تنهَّد ليحاول الإتصال بناصِر ولكن " الهاتف مغلق " ، يالله يا ناصر ماذا تفعلُ بي في باريس؟ كيف تفعلُ كل هذا دُون أن تفكر للحظة بنيةِ قلبي الذي يعتبرك " شقيقه ". ، خرج من المستشفى متجهًا لعملِه مباشرةً دُون أن يطلُّ على الأنثى التي تنتظره في البيت، ولا الأمُ المتشكلة بجسدِ عمته، فُتِح المصعد في الطابق الثاني ليخرج معه عبدالرحمن و من كل جهةٍ تتكررُ على أسماعه " الحمدلله على سلامتك يا بو بدر " ، ليُجيب بإقتضابِ وهو الذي ينتظر للحظة التي يصلُ بها لمكتب عبدالرحمن ويعرفُ ما حدث بغيابه؟ وما لم يحدث. دخل ليُسلِّم عليه عبدالله : الحمدلله على السلامة سلطان : الله يسلمك . . جلس بمُقابله . . عبدالله : شلونك الحين ؟ سلطان : تمام الحمدلله . . وين زياد ؟ عبدالله بإبتسامة : تبرد حرتك فيه بقوتِك مو الحين .. سلطان بضحكة وقف : إيدي تحكني . . أنا رايح له عبدالرحمن : طيب أجلس بعد شوي روح له سلطان : راجع لكم .. دقايق بس . . . وخرج متجهًا للطابق السفلي حيثُ إحتجازه على ذمة التحقيق، دخل للغرفة العازلة بزجاجها : جيب لي زياد : أبشر طال عمرك . . . . ثوانِي قصيرة حتى جلس أمامه مقيَّد اليدين بنظراتٍ مُشتتة لا تتجرأ أن تقع بعينيْه. سلطان بهدُوء يطلبُ من الواقفِ أمامه أن يسجل كل كلمة يلفظها : الساعة الحين 10 ونص . . الساعة 10 و 40 دقيقة أنت قايل كل اللي عندك . . مفهوم؟ زياد : قلت اللي عندي لبوسعود سلطان : مفهوم؟ زياد بقهر : ما عندي شي غير اللي قلته لبوسعود سلطان : وين سليمان الفهد ؟ زياد : آخذ الأوامر من أسامة سلطان : و أسامة وينه؟ زياد : بباريس مع الجوهي سلطان : و سليمان بباريس؟ زياد : ما أدري سلطان : و أسامة من متى مع رائد ؟ زياد : ما أعرف سلطان : مو من صالحك أعيد السؤال مرة ثانية زياد : ما أعرف يخي ما أعرف سلطان بحدَّته المُهيبة : ألفاظك يا شيخ! . . إذا مرَّت العشر دقايق وانت ما قلت لي صدقني ماراح أدخل عليك ولا راح يدخل عليك أحد عشان يعرف منك معلومة! بيكون فات الوقت اللي تتكلم فيه .. بيتحول وقتك ساعتها للمحكمة وهي اللي تحكم في موضوعك! عشان كذا ساعدني وبساعدك زياد بعد صمتٍ لثواني طويلة : ما أعرف شي عنهم سلطان : أسامة من متى عند رائد ؟ زياد ألتزم الصمت ولم يلفظ حرفًا واحدًا، ليقف سلطان متجهًا نحوه : كل الإختراقات الأمنية حصلت لما تعيّنت مسؤول عنها! ما تحس بشوية ذنب! زياد ببرود : احس بنجاح يصفعه بقوَّة متجاهلاً تعبه ليسقط زياد على الأرض، شدَّهُ من ياقته : نجاح في مضرة ديرتك! يا خسارة هالشارب عليك! زياد بحركةٍ متهورة بصق عليه ليجنّ جنُونه في هذه اللحظات، السكرتير الذي كان يسجِّل كلمات زياد وقف بصدمة من الذي يحصل الآن، وهو الذي يعرفُ الكوارث من نظرة سلطان، خرج متجهًا لمناداة عبدالرحمن بعد أن تدهور الوضع. سلطان يوقفه ليُلكمه على عينِه دافعًا بجسدِه نحو الجدار : أنا أعلمك حدودك زين! . . . صفعه عدَّة صفعات زفر بها غضبه من سوء الأحداث الأخيرة، سقط على الأرض بعد أن تبلل بدماءِه النتنة الخائنة للأرض التي خُلق من ترابها، سحبهُ من الأرض متجاهلاً كل آلآم جسده التي تصرخ بالتعب والإجهاد، رماه على حافةِ المكتب ليدخل عبدالرحمن ومن خلفه عبدالله. سحبه عبدالرحمن بعيدًا : منت صاحي! . . وش سويت فيه! سلطان يمسحُ وجهه بكفيّه وبغضب : شين وقواة عين بوسعود بهمس : وش سوَّى ! أخرجُوا زياد ليجلس سلطان بإرهاق على الكرسي : قاعد يحمي أحد عبدالله : كان لازم تمسك نفسك! ما يجوز نقعد نضرب بالمجرمين .. إحنا محنا بفوضى فيه قانون!! سلطان : لو كان محترم نفسه ما كان مديت إيدي عليه لكن هو يستاهل! عبدالله تنهَّد : وش قالك؟ سلطان يأخذ كأس الماء ليسكبه على يديه ويغسِّل وجهه: مافيه شي جديد! . . عبدالرحمن : طيب أمش بوريك شوية كشوفات . . . سلطان يخرجُ معه : نترك أحمد يراقب كاميرات التسجيل .. أخاف فيه شخص ثاني غير زياد عبدالرحمن : راح أبلغ أحمد يراقب بنفسه ويجيب لنا الأسماء اللي يشك فيهم خصوصًا اللي جاء تعيينهم بفترة رائد عبدالله صمت قليلاً ليُردف بعقدة حاجبيْه بعد أن قرأ إسم إحدى الموظفين : لحظة يزيد . . يزيد اللي دخل بقضية منصور سلطان ألتفت عليه : يزيد مين ؟ عبدالله : كل الأشياء صارت بذيك الفترة .. بعد حادث سلطان العيد الله يرحمه . . . جت بوقت واحد لنا كلنا! عبدالرحمن : كل هالأشياء وراها شخص واحد وإحنا اللي كنا نحسب ما ورانا غير رائد . . . متعب بإبتسامة ينظرُ لسلطان : الحمدلله على سلامتك سلطان يُبادله الإبتسامة : الله يسلمك .. شلونك ؟ متعب : بخير الحمدلله دام شفناك سلطان : شكرًا على الكذبة متعب ضحك ليُردف : نص بخير سلطان : طيب شكرًا على المجاملة متعب صخب بضحكته ليُردف : ماني بخير سلطان : ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههه . . . يجلس على الكرسي . . لا تحاول تتمصلح معي لك عقاب على إهمالك الأخير متعب بإبتسامته الصافية : كل شي منك مقبول . . ينحني ليضع الأوراق أمامه . . . هذي كل الأشياء اللي راجعوها بوسعود وبومنصور سلطان : يعطيك العافية يا متعب متعب : الله يخليك سلطان رفع حاجبه وهو يُخفي ضحكته بعد أن أستنزفه الغضب عند زياد. متعب بلع ريقه : معليش يضيع الحكي عندِي إذا شفتكم ثلاثتكم ناقص سلطان العيد ويصير الرعب الجماعي! عبدالرحمن : ههههههههههههههههههههههه مشكلتك أنك واثق بنفسك لكن ترتبك! عاد حلَّها سلطان : هذا وأنا هادي اليوم عبدالله لم يسيطر على ضحكته ليُردف بسخرية : الله يتمم عليك الهدوء سلطان : يعني عصبت شوي متعب : طيب تبيني أطبع لك الأوراق لسكرتيرك؟ سلطان : لآ عادي تكفيني هالنسخ متعب : تآمر على شي ؟ سلطان : شف لنا قضية ولد بومنصور! أبيك تراجع كل الأسماء وتجيبها لي عبدالله : و شف الأشياء السابقة ليزيد وحاول تبحث عنه متعب : أبشر . . عن إذنكم وخرج. ، يُغسِلُ وجهه بالماء البارد، يحاول أن يستعيد بعض من نشوة الحياة التي بدأت تذبلُ في دمه، ينظرُ للمرآة، أجهلني! أجهلُ ماهية إختياراتي و توجهاتي، لا أعرفُ ماذا أخطط له؟ وما يجب أن أُخطط له! لا أفهمُ إستدراج الحزن فيني، وإبتزاز الحياة ليْ، كل الحياة بما فيها أشكالُ السواد التي تسيرُ على أرضها، بما فيها رائِد، جميعهم يحاولون إبتزازي بأقرب الناس، لم يكفِهم والديّ و لم يكفهم شقيقتيّ ، لم يكفهم كل هذا، مازالوا يقذفون قذراتهم على جسدِي المطعَّم برائحة الوطن، مازالوا يمارسون خياناتهم لأرضهم بيْ، ماذا يحصل يا رتيل؟ هل قرأتِي ما كتبت أم رميتِه دُون أن تنتبهي؟ كنت أشعر لأولِ مرَّة بمشيئة عقلك الذي يُريدني، كنت أستمع لرنَّة قلبك في جسدِي، هذا العناق الذي لا يمثل قيمة لأيّ أحدٍ رآه، كنت أفقد به قلبي، قلبي الذي أتكىء عليكِ. مسح وجهه بالمناديل البيضاء ليرميها بعد أن تشبعت ملامحه بآثار الجروح والندبات المالحة. خرج لينظر لفارس الجالسُ أمامه، جلس بمقابله : وين رائد؟ فارس : طلع من الصبح . . طيب شلونك الحين؟ تحس بوجع؟ عبدالعزيز : لا فارس بعقدة حاجبيْه تنهَّد : وش ناوي الحين؟ بتنتظر لين أبوي يخلص عليك! . . ترى هالمرة ماراح يتراجع . . عبدالعزيز بصوتِه المتعب والبرد يُرعش قلبه : مدري وش بسوي! . . أنتظر الفرصة تجيني فارس : أتوقع أنه ناوي يخلص أشغاله هنا بأقرب وقت عشان يتوسطون له بالجنسية الفرنسية بعدها أكيد راح يستغني عنك .. بس كيف بيستغني؟ الله أعلم عبدالعزيز تنهَّد محاولاً إبعاد كل هذه الأفكار عن رأسه : شلون عبير؟ فارس : تمام عبدالعزيز رفع حاجبه الحاد : تمام؟ يعني كيف فارس : تطمن هي بخير عبدالعزيز : وش راح يصير فيها؟ فارس : بهالفترة مقدر أتحرك لأيّ مكان لأن أبوي ببساطة قادر يهددني فيك وفيها عبدالعزيز ينظرُ للسلاح الذي على الطاولة ليُمسكه وهو يتأمل تفاصيله الفاخِرة فارس بإبتسامة هادئة : لأبوي عبدالعزيز : مشكلة أبوك دكتاتوري يرفض يعتليه أحد أو يوقفه أحد .. يحب يتحكم بحياة الناس لكن محد يتحكم بحياته فارس بتضايق من وصفه لوالده بهذه الصورة : مهما كان الشخص سيء تأكد أنه له جانب طيِّب عبدالعزيز بنبرةٍ خافتة : يمكن جانبه الطيب فيك وبس . . . . ترك السلاح على الطاولة. ، ، تجلسُ في شقتِه وهي تحاول البحث عن رقمٍ يفيدها، كل محاولاتها السابقة أنتهت بالفشل، لا تعرف كيف أختفُوا جميعهم فجأة، لا وجود لرتيل في فندقهم ولا وجود لوالدها ولا وجود لعبدالعزيز، يالله يا عبدالعزيز ماذا يحدثُ لديْك! أيّ قلبٍ هذا سيتصبَّر على غيابك! لا أعرفُ كيف مرَّت الأيام السابقة دُون أن أعرف أخبارك ولا أعرف كيف ستمر الأيام الآتية، لو إتصال فقط يُطمئني، تحبني بأنصاف الأشياء، جبان لا تحتمل أن تتقيَّد بأنثى واحدة، بأن تُطمئن هذه الأنثى عليك وعلى عينيْك الموجعة، كيف أصلُ إليْك وأنا لا أعرفُ أيّ سماءٍ تصعدُ إليها نظراتُك، كيف أطمئن على قلبي! أجابت على هاتفها الذي أهتَّز : ألو سارة : وينك يا ستِّي ؟ أثير : في شقة عزوز سارة : يالله عليك وش تسوين هناك! تعالي بس البنات مجتمعين في . . تُقاطعها : مالي مزاج أطلع سارة : يعني بتحبسين نفسك لين يتكرم طال عمره ويتصل عليك ويعبرك ! أثير بسخرية : شكرًا على مواساتك .. أقدرها كثير سارة : يا روحي يا أثير أنا ماأستخف بضيقتك عليه لكن هو كلب راح وتركك ولا بلغك تلقينه الحين راجع الرياض ولا فكر يتصل عليك ولا تلقينه مكيّف مع الكلبة الثانية أثير تنهدت : مستحيل! أكيد صاير له شي .. أنا أعرف عبدالعزيز مهما صار مستحيل يتجاهل إتصالاتي كل هالمدة .. أصلا آخر أيام كانت علاقتنا ماشية تمام سارة : طيب؟ يعني بتقلقين نفسك وبتشيبين عمرك عليه! خلاص مثل ماراح بيرجع لك ولا تخافين عليه ينكمشُ قلبها بحزنها عليه : قلبي يعورني! مشتاقة له حيل ولا أعرف وينه فيه .. خايفة يكون صاير له شي ولا هو قادر يكلمني سارة بضيق تسرَّب إليها من صوت صديقتها : يخي الرجال دايم يبكونا ودايم يضايقونا وياليتهم الكلاب يستاهلون! أثير : يا رب أنه بخير سارة : أنا أقول أمشي معنا تغيرين جو بدل هالكآبة اللي عايشة فيها .. يازينك قبل لا يجي عبدالعزيز بس من جاء كهرب أوضاعك وخربك بكآبته أثير تنهدت : تخيلي دورت على كل الأرقام مالقيت ولا رقم صاحي أتصل عليه! حتى رقمه السعودي مغلق .. مستحيل يكون راح الرياض ، تشربُ الماء بكميةٍ كبيرة لتُردف : أحس أني نايمة سنة كاملة! . . . تنظرُ للأرض والفاتورة المرمية عليها ويبدُو أنها ممتلئة بالحبر، رفعتها : رتيل تعالي شوفي رتيل تضع هاتفُ ضي الذي كانت تحاول أن تبحث به عن إتصالٍ بالإنترنت على الطاولة لتتجه نحوها، ضي : هذا خط عبدالعزيز ؟ بلهفة تشدُّ الورقة لتنظرُ لخطِه المكتوب على عجل من أطراف الكلمات الغير مرتبة، قرأت " في حال حصل شيء يا رتيل، كل الحياة لك " بقيْت عيناها على الفاتُورة الصغيرة، لتسقط دمعتها على " رتيل " و يذُوب الحبر الداكن في زرقته، لِمَ تتحدث بهذا الغموض؟ لِمَ تخشى الإعتراف؟ لِمَ أنت جبان يا عزيز؟ من أجل الله قُلها، قُل : أحبك. لِمَ تُشعرني دائِمًا بأنك غير مُتأكد من شعورك، بأنني شيءٌ وسيتلاشى قريبًا منك، لِمَ كل هذه الحماقة التي تتقاذفُ من كبريائك الذي لم ينحني ولو مرَّة ولن ينحني! أخبرني بثقة أنك تُحبني وأن عينيّ جميلة وأن شعري المموَّج سحر، أخبرني ولو للحظةٍ واحدة، لِمَ كل هذا؟ لا أستحق والله أن تجلب لي حياةٌ خاوية منك، لا أستحق أن أعيش دُونك، أنا أحتاجك، والله أحتاجك ، الأسفُ أنك قادر بسهولة أن تستغني عنِّي، أحتاجك كحالةٍ أبديَة لا تنتهي، أحتاجُ لكتفٍ يجاورني يُقلص المسافة التي تفرِّقُ خطواتنا. أحتاجُ لقلبك يا عزيز ولزُرقة السماء المنعكسة منك. ضي بصوتٍ حاني : رتيل رتيل تضغط على الورقَة لتتجعَّدُ بقبضة يدِها، أستسلمت للبكاء وهي ترميها على الأرض : حقيييييييير .. ليه يسوي فيني كذا !! . . . . . ضعفت أقدامها على حملِ جسدها الذي أثقلهُ الحزن، لتجلس على أرضِ المطبخ الباردة وهي تشعرُ بأن أطرافها تتآكل من حرارة الحزن المنصهرة في قلبها. ضي تجلسُ بجانبها : ليه فهمتيه كذا يمكن قصده . . رتيل تقاطعها : قصده شي واحد! أنا أعرفه مستحيل يتخلى عن غروره .. مستحيل يضحي بشي . . حتى أحبك بخل فيها عليّ . . . . . تُغطي وجهها بكفيّها الناعمتيْن وهي تجهشُ ببكاءها : ما يحس قلبه حجر . . ما كفاه كل هذا يحب يزيد عليّ .. يحب يقهرني ويضايقني ..... تسحبها لصدرها لتُبلل قميصها بدمعها ، حاوطت جسد رتيل بذراعيْها، هذا الإنهيار لا يشبه سوى إنهيارها ليلة العيد عندما أنفجرت بوجه عبدالرحمن : أهدي يا بعد عُمري قطعتي لي قلبي رتيل بصوت يختنق تدريجيًا : يوجعني .. يوجعني حبه ضي بصوتٍ هامس يربتُ على قلبها : ما تعودتي على مزاجيته وحدة طبعه! رتيل : مزاجيته بس معاي! .. كل هالجنون ما يطلع إلا عليّ . . قلبه ما يستقوي إلا علي .. يقهرني .. يقهرني يا ضي ضي تمسحُ على شعرها البندقِي : طيب أهدي! الحين مو لازم تتقبلين عيوبه؟ رتيل تختنقُ ببكائها : هذي مو عيوبه! هذا شي يسويه بس عشان يستفزني عشان يقولي في كل مرَّة أنتظره فيها أنه نهايتنا واضحة، غبي متشائم .. يتفائل بكل شي بالحياة لكن لما يجي الموضوع لرتيل يتشائم ويقول لا تنتظرين شي لاتحاولين تفرحين بأي شي . . . . . مو حرام اللي يسويه فيني ؟ ضي وتجهلُ كيف تواسيها وبأيّ الكلمات تربتُ على كتفها لتتنهَّد : الله يرجعه لنا بالسلامة بس رتيل تجهشُ ببكائها بعد كلماتها : بيذبحني .. أنا عارفة وش بيصير! بيقهروني فيه .. وبإستسلام تذبلُ كلماتها : طيب وأنا ؟ ليه ما يفكر وش بيصير فيني لا تركني! ليه دايم يحسسني أنه ماله وجود في حياتي وهو كل حياتي! . . . رفعت عينها لضي لتلفظُ بصوتٍ يبحُّ الحزن به : يدري أني أحبه بس يحب يعذب نفسه ويعذبني معاه . . ، تُمارس النوم قهرًا، للحظةٍ لم تعرف كيف تفرغ حزنها إلا بالنوم وبالهرُوب من الواقع الذي أساء إلى أحلامها التي غرستها به، ذنبُها أن تُربتك يا ريان لم تكن صالحة أبدًا، تقلبت كثيرًا حتى نامت على بطنها وهي تدفن وجهها بالوسادة تحاول أن تبعد كل الأفكار السيئة عنها، كيف أمارس التبلد والبرود إتجاهك؟ رفعت رأسها قليلاً لتضربه على الوسادة، سئمت اليقظة التي لا تجلب إلا التعاسة، تأفأفت وهي تخنقُ ملامحها بالسرير، دخل بخطواته الهادئة ليُلقي غترته على كرسي التسريحة ويثبت أنظاره نحوها، نائمة إلى الآن؟ تقدَّم بخطواته وأصابعه تُفكك أزارير ثوبه، ثبت في مكانه عندما رآها تُمسك أطراف الوسادة لتضغط بها على أذنيْها، رفع حاجبه : ريم! ألتفتت عليه وشعرها يُغطِي معظم ملامحها، أبعدت خصلاتها بأطرافها دُون أن تلفظ كلمة. ريَّان : نايمة للحين؟ ريم : أحاول أنام ريان : ما نمتي أمس؟ ريم : إلا بس كِذا أبغى أنام . . أستعدلت بجلستها وهي تضمُ الفراش بإتجاه بطنها وتسند ظهرها على السرير ريَّان ينزع الكبك من أكمامه ليلتفت عليها مرةً أخرى على وقع رنة هاتفها، أغلقته لتُثير ألف علامة إستفهام بعقله : مين ؟ ريم دون أن تنظر إليْه : صديقتي ريان : وليه ما رديتي عليها ؟ ريم : أكلمها بعدين ريان يقترب منها ليأخذ الهاتف من على " الكمودينه "، فتحه لينظر لآخر الإتصالات " رنَـا ، رنـَا ، هيفاء ، جنتي ، هيفاء ، يوسف " ريم بإمتعاض شديد : تأكدت ؟ ريان يضعه بهدُوء : قومي أنزلي معي ريم : ما أبغى ... برجع أنام ريان تنهّد ليُربكها بنظراته الممتدة نحوها : قومي ريم بضيق : يعني غصب؟ ريّان : أنا جالس أطلب منك ! ريم بدأت الحُمرَة تتسللُ لعينيْها التي تجمدَّت زاويتها ولم ترمش، أطالت بنظرها لعينيْه حتى تلألأت بدمعها، قاسٍ أن ترى أحلامها تموت أمامها، وقاسٍ أن تشهدُ على خيبة أملها بالحياة، كانت تحلم كثيرًا والآن فُجعت كثيرًا، كيف أتعايش مع هذه الخيبة كأنها ولاشيء وأنا التي خططت لأشياء كثيرة أبسطها لم أستطع ان أحققها معه. ريَّان يجلسُ على طرف السرير بجانبها : الحين طلبي يضايق لهالدرجة ؟ ريم هزت رأسها بالنفي لتمسح دمعها الشفاف، منذُ تزوجتك وأنا مفرطة بالحساسية، لا أعرفُ كيف أُمسك دموعي ولا أعرف كيف أتغلب على حزني. ريَّان بإستفهام : طيب؟ ريم لوت شفتِها السفليَة لتحاول أن تُمسك زمام قلبها الذي تتلاعبُ به رياح الحزن : أسبقني وراح أنزل وراك ريّان : أنا أسألك ريم رفعت عينيها : يهمك بأيش؟ لا تحاول تمثِّل الإهتمام منت مضطر! ريان ببرود : غريب أمرك، مهما سوينا لك ما يعجبك!! ريم : لو قلت لك بنتناقش ! يصير أمري غريب بعد ؟ ريَّان : بإيش نتناقش؟ ريم : أنت شايف علاقتنا طبيعية ؟ ريّان : هذا التقصير منك مو مني ريم بقهر : كيف مني؟ قولي عشان أصحح نفسي ريّان بهدُوء : تعاندين وتحاولين تفرضين رايك حتى لو كان غلط ريم : أنا ما عاندتك! أنا عاندت الأسلوب اللي تعاملني فيه! ماني من الشارع عشان تشك في كل مكالمة ولا كل رسالة تجيني! . . أنا متربية وأعرف حدودي زين ريان : وأنا ماشككت في تربيْتك! أنتِ اللي أفعالك تخلي الواحد يشك ريم : عشاني ما أرد أو عشاني سكرت الجوال صارت أفعالي مشكوك فيها! .. ريّان أنت وش مشكلتك بالضبط؟ ريّان تنهد ليحاول تجاهل سؤالها ويقف ولكن يدها التي تخلخلت بأصابعه أوقفته : ممكن لو مرة بس تحسسني بأهميتي! ريّان بجديَّة : أنا يا ريم مو قادر أفهمك ولا أنتِ تساعديني! ريم : طيب خلنا نجرب بس هالفترة أنك تتجاهل كل شي يضايقك مني .. أو علمني فيه بوقته . . جرِّب بس أنك تمسك أعصابك ، مستلقي على الأريكَة و عبدالله الصغير ينامُ على بطنِه ويدِه اليمنى على ظهرهِ الناعم الصغير، نظر لهيفاء : ما سألته والله بس هو زواج عائلي عشان أبوه الله يرحمه هيفاء بهدُوء : الله يتمم على خير يوسف : فيه شي ناقصك ؟ هيفاء : لآ يوسف بإبتسامة : عاد الحين ماعندك ريم تتحلطمين عليها .. فعشان كذا رأفة بحالك تحلطمي عليّ هيفاء وتختنق بعبراتها : هو طبيعي أني أبي كل شي يتفركش! يوسف : ههههههههههههههههههههههههه هههههه أعوذ بالله .. ليه ؟ هيفاء : الحين حسيت بشعور ريم يوسف : فترة وتعدِّي، عاد أنتم يالحريم مفلّمات . . هيفاء تنزل دموعها لتجهش ببكاءها، تشعرُ أن قلبها الذي بحجم الكفّ ينكمشُ عليها ويتقلص بمسافاتِه، تشعرُ أن الحمرة التي تحملُ أكسجينها تصفَّر ويشحبُ لونها، أهذه أعراضٌ طبيعية؟ كيف سأعتادُ عليه؟ كيف سيمّرُ إسمه على لساني دُون أن أرتعش؟ كيف سينام بجانبي؟ كيف سأعتاد على أن يشاركني الوسادة والحياة؟ كيف سيكُون روتين حياتنا؟ هل يملكُ حنيَّة يُوسف و منصُور أم يفتقرها؟ هل عيُوبه ضئيلة أم ستُتبعني؟ كيف أعرفُ شخصيته وما يُحب وما يكره، كيف أفهمُ نظراتِه وحركاته البسيطة؟ هل سأُحبه أم لا؟ هل سيكُون بينُنا علاقة – عاديَة – فقط لا حُب فيها ؟ هل سيشعر بالإنجذاب نحوِي أو انني لن أغريه! يوسف : ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههه منتِ صاحية الحين تبكين عشان أيش . . . يضع عبدالله على مقعده ليقوم ويتجه نحوها، يجلس على الأرض بجانبها : هيوف هذا وأنا أقول ما تتحسسين زي ريم طلعتي ألعن منها! هيفاء تمسح ملامحها بأطراف أصابعها : خايفة ما أتوافق معه! يوسف بهدُوء : شوفي يا ستِّي لو كان بينكم تعارف قبل الزواج وغيره! أول سنة زواج دايم مشاكل! كذاب ولد ستين كذاب اللي يقول أول سنة تمر عادي وما فيها مشاكل! . . أنتِ أخذيها كمنطق .. أنتِ وياه لكم حياة غير وفجأة يجيبونكم ويحطونكم في حياة مشتركة! طبيعي أنه إنتقالك من هيفاء اللي في بيت أهلك إلى هيفاء اللي في بيت زوجها ماراح يكون سهل! بس بالبداية لازم تتجاهلين كل شي ممكن يعكر هالشي .. والاشياء البسيطة اللي كنتي مستحيل تتجاهلينها عندنا عدِّيها .. إذا بتفكرين بكل شي وبتعظمين كل غلط بتتعبين! . . وفيصل أنا واثق فيه يعني أعرفه وأعرف شخصيته هيفاء بضيق : هذا ريان كنتم تعرفونه يوسف : لآتقارنين نفسك بريم! ريان نعرف أهله بس كشخص أنا ما أعرفه وما أشوفه الا بالعزايم ... أما فيصل عشرة سنين وأنا قلت لك كعقل انتم مو متوافقين! هو ميوله شي وأنتِ ميولك شي ثاني لكن حلو الإختلاف! يعني لو إثنينتكم نفس الميول نفس الطبع أكيد بتملُّون من بعض . . لكن الإختلاف زين يقربكم هيفاء : وإذا مقدرت؟ يوسف : الحين ورآه متشائمة! إذا مقدرتِ فيصل يقدر هيفاء : يوسف أحس ماراح أعجبه من الأشياء اللي أهتم فيها! يوسف إبتسم : يآكل تراب هو حاصله هيفاء ترفع عينها : ما تعرف تواسي على فكرة يوسف بضحكة يُردف : بيني وبينك يعني أنا مطمن عليك عكس ريم الحين لأني عارفها حساسة وبتضيق من الكلمة دخل منصُور لينظر إليهما بحاجبٍ مرفوع، يوسف يلتفت عليه : دبرت الإجتماع بروحك؟ منصور : شف هي كلمة وحدة الأسبوع هذا أنا بكيِّف في البيت وأنت اللي بتداوم عني .. عشان أطلع سحبتك من عيونك يوسف : والله راحت عليّ نومة لو كنت صاحي كنت بجيك منصور : مو أنا اللي في الوجه! أنت بس كبر مخدتك ومنصور يضبط الشغل وراك يوسف : هذا انا راعي ولدك من اليوم! منصور ينظرُ لعبدالله النائم بهدوء في مقعده : كثَّر الله خيرك عساك أرضعته؟ يوسف : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههه طيب مقبولة منك يا بوعبدالله عشان سحبتي عليك ولا قولها مرة ثانية وبقطع علاقتي فيك منصور بإبتسامة ينظرُ لهيفاء : وش فيهم الحلوين يبكون ؟ يوسف : ماتقدر على فراقنا هيفاء تضربه على كتفه : الشرهة على اللي يفضفض لك ، ينظرُ للرقم الغريب الذي يُنير هاتفه من الخارج، هذا الرقمُ الباريسي يثير في نفسه القلق، باريس لم تأتِ يومًا بفرح ليْ ولم تكُن صفحة بيضاء في عالمي، أجاب بصوتٍ هادىء : ألو : السلام عليكم يقف بدهشة : وعليكم السلام . . مقرن ؟ مقرن تنهد : إيه فيصل : وينك فيه ؟ مقرن : مو مهم! فيصل أنت لازم تروح عند بوسعود وتعترف له بكل شي .. عندك من هنا لبكرا فيصل : مقدر! أنا ماني عايش بروحي عشان أخاطر بنفسي .. وراي أم وأخت! مقرن بغضب : من هنا لبكرا! فيصل بعصبية : قلت بروح لكن طلعوا لي! . . وش أسوي أنا ؟ مقرن : أنت غلطت وصحح أغلاطك! فيصل بصراخ : ما غلطت .. ما غلطت .. إذا بتعترف أنت فهذا أمر يخصك لكن أنا بهالظروف مستحيل مقرن بهدوء يمتص غضبه : يخططون عليك يا فيصل! ساعد نفسك قبل لا يضيع منك كل شي فيصل بمثل هدوءه : يخططون على إيش ؟ مقرن : أكيد ماراح تخلي أمك تبكي عليك! فيصل يفهمُ قصده، يفهم كيف يتخلصُون هؤلاء الخونة مع من يتعاملون معهم! يعرفُ كيف يكون الموت هو أسهل الحلول إليهم : وأنت؟ مقرن : خلك مني! أنا متصل عليك عشان أقولك . . صحح أغلاطك قبل لا يجي غيرك ويصححها عنك وتخسر نفسك فيصل بعصبية : كيف أبلغهم! أرسلوا لي مسج يا مقرن .. ليه منت راضي تستوعب؟ مقرن : أعطيك إياها من الآخر! أنت خسران خسران! فبأقل الخسائر روح بلغهم فيصل بغضب يغلقه ليرمي هاتفه على جدارِ مكتبه، خرج من شركتِه التي أسسها بعرق جبينه وبدأ يفقدها شيئًا فشيء، كل الأشياء تسوء وكل من يرتبط بهم يموت ببطء، كل من تدخل بهم يموت! هذه القاعدة التي يطبقونها على البشريَة بكل قذارة، جميعهم يرحلون! يُسقطون الجثث وكأنها علبٌ لا فائدة منها، أبتدأوها بعائلة سلطان بن بدر و من ثم محاولتهم لإنهاء عائلة عبدالرحمن و أخيرًا عائلة سلطان العيد التي تلاشت، ومن ثم بدأوا بالأفراد، يحاولون أن يصهرون أجسادنا بجحيمهم، والآن مقرن يقترب وأنا؟ ومن أيضًا ؟ هل ناصر سينضم إلينا. قاد سيارته بإتجاه بيته، أشتعل في صدره قهرًا كيف ينتهي كل هذا؟ صعب أن ينتهي أمرًا بدأه بكل غباء، أأكذب على ذاتي؟ كل شيء واضح و " بكلا الحالتين أنا خسران " ، دقائِق مضت غرق بتفكيره حتى ركن سيارته أمام بيتهم الشاهقُ بوحدتِه بعد والده، دخل ليصعد للأعلى ويجد والدته تنظر بنظراتٍ معجبة بالديكور الجديد، قبَّل رأسها لتُردف بشغف : وش رايك؟ ينظر فيصل لذوق والدته الكلاسيكي الذي يُشبهه، و الجناح الذي أتسَّع بالدرجات الترابيَة وبعضُ الحمرة العنابيَة تتسلل ببعض الأشياء، ولمكتبة الكتب التي أعادت والدته عملها : الله يسلم لي هالقلب ويحفظه لي ... والدته :ويحفظك لي يا عيني . . متى تنوره هيفا ويكتمل! أكتفى بإبتسامة ليجلس على الأريكَة وينظر لريف الغارقة بالكتاب، أتسعت إبتسامته : يا فديت المثقفين بس! . . ريوووف تعالي وضعت الكتاب بطريقةٍ أنيقة تحاول التشبه بوالدتها، لتسير بخطى ناعمة : تبي إيش؟ فيصل يحملها لحضنه : أبي عيونك بدأت يدها الصغيرة بالتلاعب بخصلاتِ شعره القصير دُون أن تفهم كلماته جيدًا. فيصل : وش قريتي؟ ريف بدلعٍ عفوي تشرح له بحركاتِ يديْها : الناس أنا و أنتا يعني لما نسوي شي غلط الله يزعل علينا فيصل : طيب وإذا سوينا شي صح ؟ ريف تضع يدها على جبينها وهي تحكه : آممم . . . ما أدري بس أنت لا تسوي غلط عشان ما يزعل علينا الله فيصل يقبِّل خدها : ندخل الجنة إذا سوينا شي صح والدته : ماراح تآخذ إجازة هاليومين؟ خلاص ما بقى شي على زواجك حاول تهيء نفسك فيصل تنهد : لآ تشيلين هم مضبط أموري والدته : طيب نام الحين شكلك تعبان . . ريف تعالي ريف : بقولك سر . . . تقترب من إذنه لتتسلل نحو خده الخشن وتطبع قبلة عميقة على وقع ضحكاتِ والدتها : ملكعة . . يالله أمشي فيصل بقدر ما أبتسم بقدر ما أوجعه أن يفقد هذه القبلة الرقيقة من إبنة قلبه : تمسين على خير .. أم فيصل : قولي له وأنت من أهل الخير والسعادة ريف : وأنت أهل الخييير والـ .... *رفعت عينها لوالدتها* أيش ماما ؟ أم فيصل : والفرح ريف : و أنت من أهل الفرح بابا أبتسمت والدتها بوجَع من مناداتها له بـ " بابا " : يالله خلينا نطلع ونخلي فيصل ينام . . . أغلقت الإضاءة وخرجت. فيصل يراقب خطواتهم حتى أختفُوا من أمامه وغرق بتفكيره، كيف يخبرهم؟ هذا السؤال الذي يعجز عن إيجاد إجابته. ، على أطرافِ المغرب، كان حضُوره صخبًا مُشتتًا لكل ما له علاقة بالإتزان، أنت بطبعك ليس مسالم! وعينيْك والله ليست مُسالمة وكل الأشياء التي تنبعثُ منك تُثير اللاإتزان والإضطراب، أتريد قتلي؟ عيناك يا سلطان قتلتني مرتيْن، أخذت نفسًا عميقًا وهي تسيرُ بإتجاهه بعد أن عانقتهُ حصَة بكل ما أؤتيت من حنان، أرتبكت قبل أن تحاول أن تلفظ كلمة شدَّها من خصرها ناحيته لتضطر أن تقف على أطراف أصابعها وتقبِّل خده الخشن بنعومةِ شفتيْها وتهمس : الحمدلله على السلامة سلطان بمثل همسها : الله يسلمك .... حصَة بعتب: الحين طالع من الصبح وتوّك تجينا سلطان : مريت الشغل ... جلس على الأريكَة بهدُوء يحاول أن يسترخي ويُبعد أفكار العمل من عقله. حصَة : كيفك الحين؟ حاس بتعب؟ سلطان : الحمدلله أموري تمام حصة بإبتسامة : عساها آخر الطيحات .. كليت ولا للحين على فطورك؟ سلطان : لآ متغدي متأخر مع بوسعود وبومنصور . . ومو مشتهي شي حصة : بتتعشى معنا من الحين أقولك . . . ووقفت بهدوء متجهة نحو المطبخ. الجوهرة شعرت وكأنها بقفص وأستفرد بها، نظر إليها بنظرات تشتعل خبثًا لتُشتت نظراتها بعيدًا عنه، بنصفِ إبتسامة يبخل بأن يُظهرها كاملةً : إيه يا حفيدة خالد آل متعب وش أخبارك ؟ تُقسم بالله أن نبرته هذه لا تظهر إلا ليستفز عاطفتها الأنثوية، نظرت إليه ببرود : أخباري تسرّك سلطان يقف ليتجه نحو الأريكة الأخرى بجانبها، جلس و سيقانهم تتلاصق ببعضها البعض، ألتفت عليها والمسافة التي تفصلهما عن بعض منعدمة، لا شيء بينهما سوى الأكسجين الذي يحمَّر بذراته حولهما : إيه .. و أيش بعد؟ الجوهرة تحك رقبتها بتوتر وهي تنظرُ للطاولة التي أمامها ولا تلتفت إليْه، بصوتٍ خافت : مو حلوة تجي عمتك وتشوفك كيف تستفزني سلطان : هذا تسمينه إستفزاز ؟ الجوهرة بضيق : سلطان .. أبعد شوي سلطان بمزاجٍ لا يقبل الأوامر، أقترب أكثر وهو يضع قدمه على قدمِها ليعيقها من الحركة : وين قوتك بالمستشفى؟ الجوهرة شعرت بأنها تتضائل أمامه الآن وأن قوتها وهمية لا تخرج إلا في تعبه، أردفت وهي تلتفت إليه ليفصلُ بين جبينه وجبينها مقدارُ " إصبع "، أرتفع صدرها بعلوٍ شاهق حتى هبط بنبضاتٍ مضطربة تترجمها أنفاسها العشوائية الضائعة : وأنت تارك لي مجال عشان أطلع قوتي عليك سلطان بنبرةٍ مستفزة : وكيف أعطيك مجال؟ الجوهرة تنظر للسقف في محاولة جادة أن تهرب منه، كل هذا القرب وهذه الفتنة الحيَّة لعينيْها الضعيفتيْن أمامه لا تُحتمل، ألتزمت الصمت وهو يراقب حركاتها الرقيقة في الإبتعاد وعينيْها المشتتيْن، أردف : وتقولين أنك تقدرين! عجيب الجوهرة بقهر ألتفتت عليه ولا تعرف كيف هذا الإلتصاق يُبقيها حيَّة إلى الآن :أنا قادرة لكن كالعادة الرجال أقوى سلطان يُشعلها بحمرتها : طبعا هالشي يختلف عند الأسمر اللي روَّح لك قلبك الجوهرة شعرت أنها تذوب وأن لا مقدرة لها بالنظر لعينيْه، تولَّعت كقنديلٍ أحمر في كامل جسدِها وهدبيْها يرتعشان بالنبيذ الذي أنسكب على ملامحها، أرتعشت أطرافها وهذا الكون بأكمله تجمَّد بعينيْها ولم تعد تستطيع التفكير بكلمةٍ للخلاص من كل هذا. سلطان ابتسم يشعرُ بلذة الحياة في خجل أنثى أمامه منتشية بلونِ النبيذ الأحمر : ما عندِك تعليق ؟ الجوهرة برجفةِ كلماتها : ممكن تبعد شوي؟ يضع قدمه بين أقدامها ليشدُّ سيقانه ويجعلها تلتفت بكامل جسدِها : يا جبانة على جملة ما قدرتي تواجهيني الجوهرة بهمس مقهور : الحين بتجي عمتك سلطان : جبانة الجوهرة بعصبية علَّت صوتها : إيه أنا جبانة ممكن تبعد! سلطان بهدُوء مستفز : لا سيغمى عليّ فعلاً إن واصل كلماته المستفزة لعاطفة أيّ أنثى ولا تخصني وحدِي، إلهي يا سلطان ماذا تُريد ان تصل إليْه، تحاول أن تشعلني غضبًا وحرجًا منك، ليتني لم أغني تلك الكلمات ولم ألفظها وأنا أنتظرك على الهاتف، ليتني لم أنطقها، إلهي كيف يحمَّرُ قلبي بكل لحظة يُربكني بها بعينيْه، إلهي كيف أشعرُ بأن عاطفتي العميقة تصِل لحنجرتي وتتلاعبُ بصوتي. الجوهرة تحاول الوقوف ليشدّ قدمها وتسقط على الأريكة، زفرت أنفاسها بضيق وسط إستلعانه في مزاجٍ " سلطاني "، الجوهرة : راح أنادي عمتك سلطان : أنا أقترح تكسبين رضاي عشان ما تكون ليلتك فظيعة وقف صدرها من الهبوط والعلو، تشعر أن قلبها لا يعمل بالصورة الطبيعية، أنخفض نبضها بربكةٍ لا يضاهيها ربكة، بلعت ريقها، وهذه الربكة من دواعيها أن تُضحك سلطان ليُردف وهو يبتعد بجلسته عنها : هذي قرصة إذن عشان توريني قوتك زين دُون وعي منها أخذت الخدادية الصغيرة لترميها عليه وهي تقف محاولة الهرب، سلطان يتبعها بخطوتين حتى وصل إليها ليشدَّها ويلصق ظهرها بصدره وبحدَّة يتصنعها : قد هالحركة ؟ قيَّد ذراعيها بيدْه لتُردف وأوشكت على البكاء من قهرها : ويسألون بعدين ليه الحريم ينهبلون ما يشوفون الرياجيل وش يسوون فينا! سلطان بضحكة يقترب من إذنها بهمس مستفز : بسم الله على عقلك ما كأنك قبل كم يوم تتشيحطين قدامي الجوهرة وهي تشعرُ بأنفاسه التي تلتصق بعنقها : الحين لو حاولت أرد شوي من حقي قلت أتشيحط! بس أنت حلال لكن الجوهرة حرام! سلطان يقبِّل عنقها وعلى آثار الجرح طبع قبلته العميقة ليجمِّد العرق الذي يجرِي بها، أطال بقبلته لتغمض عينيْها بخفُوت، ماذا تحاول أن تفعل بجسدِي؟ أن تداوِي جروحك الذي سببتها ليْ أم الخدوش التي قذفتها بقلبِي دُون رحمة! أريد لو لمرَّة أن أفهمك يا سلطان وأفهم توجهاتك! ومزاجك السماوي الذي لا تحليلٍ في علم النفس يفسره! تغضب وتضحك في آن وآحد وتستفزني بحُمرةِ ملامحي وتستفزني كثيرًا بجمالك. أبتعد عنها متجهًا نحو الأريكة ذاتها ليأخذ هاتفه، أخذت نفسًا عميقًا تحاول أن تهدئ الإضطراب الذي صاب دماءها في أوردتها وشرايينها ، رنّ هاتفها لتتجه نحوه على الطاولة وتُجيب بمحاولة للهروب من كل شيء. : ألو الجوهرة دُون أن تفكر بصاحب الصوت والرقم الغريب، وبصوتٍ مرتعش وهي تضع كفَّها على رقبتها لتُخفف من إشتعالها : هلا .. مين؟ بنبرةٍ مشتاقة : تركي! ، ، فتح عينيْه المتعبة بعد نومٍ عميق أستغرقه عقله بالأحلام المتتالية التي لا يتذكرُ منها شيء سوى الصداع الذي يهجم عليه بسببها، نظر للشَعر الذي يغطي صدره ليشعرُ برأسها النائم عليه، هل هذا حلم أم لم أستيقظ بعد؟ أكبرُ أحلامي وطموحاتي كانت أن أظفِّر خصلاتها بجسدِي، هل هي من أتت إليْ؟ هل هي من جاءت بحُب العمر الماضيِ والرسائل المتوجسة بيننا؟ هل هي غادة أم ما زلتُ أحلم، أأعيدُ صيغة الأيام بقصيدةٍ خافتة؟ أأقُول لكِ مما أحفظ وأرتله فوق قلبك؟ أحفظُ لعينيْكِ أشعارًا كثيرة! ولكن من يُعيرني صوتٌ يصلح للإنشاد؟ يصلحُ بأن اقول لكِ بنبطيةٍ تحبينها، " لو تشـوفيني شلون امشي ويديني فـ جيبي انا و أحزاني وطيبي ..كان مـاخذتي قرارك كان مارحتي وقلتي ترى .. مانت بحبيبي ، ياخســاره قلبي المظلوم والا.. يا انتصارك " ظالمٌ قلبك وأنا راضٍ، هذه المشكلة التي بيننا. أقترب ليقبِّل رأسها بضياع، ليتنفس خصلاتِ شَعرها وهو يغرقُ بها، مهما حاولتِ أن تُظهرين البعد هذا الجسدُ لا يعرف أحدًا سوايْ، لا يستطيع أن ينكرني وهو يسحبُ نفسه بنومِك ويأتِ إليْ! لن يستطيع يا غادة أن يتواطىء مع قلبك! سحب جسدِه بخفَّه ليضع رأسها على الوسادة ويتجه نحو الحمام، أغتسلَ بدقائقٍ طويلة غرق بتفكيره أسفل المياه التي تصبُّ فوقه، مرَّت ثلثُ ساعة حتى خرج، و أمطارُ لندن لا تتوقف، أرتدى ملابسه على عجل والبردُ ينهشُ بجسدِه، نظر إليْها ولإنغماسها بالنوم، جلس على ركبتيْه عند السرير بجانب رأسها : غادة ، يقترب من المشرط الساقطُ أمامه، يحاول أن يسحبه بقدمِه و السلاحُ مصوَّب بإتجاهه، تعرَّق جبينه بمحاولاته البائسة، أستنزف طاقته وهو يحاول نزع حذاءه ليسحب المشرط بين أصبعيْه، قرّبه نحوه حتى رفع قدمِه لأعلى مدى يستطيعُ رفع قدمه بها، أخذ المشرطُ بأسنانه لينحني برأسه ويحاول أن يثبته بطرفِ الكرسي عند أصابع يديْه، تحرَّك كثيرًا دون أن يستطيع وضع المشرط على الكرسي حتى يسهل مهمة يدِه بأخذه، أستغرق وقته حتى أسقط المشرط وثبت على مقعده، رفع رأسه ليمد يدِه من الخلف نحو المشرط ويأخذه محاولاً أن يفكّ اللاصق الذي يقيِّد جسدِه وذراعيْه، سمع صوتُ رائِد القريب ليحشُر المشرط في كمه، ثواني حتى توسَّط رائد المكان وجلس أمامه : منور وجهك يا ولد سلطان اليوم ! عبدالعزيز : ما يسوَّد الله إلا الوجيه الخايبة! رائِد بإبتسامة باردة : مسكين! هذا اللي طلع معك عبدالعزيز يحاول فتح اللصق وهو يتحدثُ معه ويُطيل بحديثه حتى يستغرق أكثر وقتٍ ممكن : للأسف رائد بسخرية : طيب يا صالح بكرا إن شاء الله بتحضِّر نفسك عشان توقع العقد! وطبعًا ماله داعي أقولك وش تقول! لأن أكيد بوسعود ما قصَّر وحفظك عبدالعزيز أخذ نفس عميق : وش رايك أنكبك؟ رائد بضحكة : ما تقدر! لأن تقريبًا ما عندِك شي يحميك! لا أبوسعود سائل عنك ولا سلطان ولا غيره .. كلهم رموك ولا فكروا يسألون عنك عبدالعزيز : تعرف وش مشكلتك! انك تحسب الناس كلها بمستوى غباءك! الحين تقريبًا سلطان وبوسعود وغيرهم يخططون كيف يحلُّون خلل عقلك! رائد لوى شفتِه و يبدُو أن القهر يتضح على ملامحه : برافو! . . بعد ما توقَّع راح تخسر حياتك بكلمة وحدة تحاول تستفزني فيها! لكن الحين لأني محتاجك وإذا حاجتك عند الكلب قوله يا سيدي عبدالعزيز يُمزِّق أولُ لصق ليُردف بإتزان : هالمثل يخصك لاتدخلني بقاموس هالأقوال اللي ما ترتقي لي . . . . يمدُّ يده الأخرى بعد أن تنمَّلت من النوم خلف ظهره، سحب يدِه الأخرى بهدُوء، أغمض عينيْه ليحمِد الله على هذه الفرصة، كيف أهرب الآن ورجاله يحاصرون المكان، أهددهم؟ هذه الطريقة الوحيدة. رائِد ينظرُ إليه بنظرات مشفقة : مين تنتظر بالضبط؟ ناس مالهم علاقة فيك! ولا ممكن بيدافعون عنك لو خيروهم بين عيالهم وبينك! محد ينتظرك هذا الشي الوحيد اللي لازم تصدقه وتستوعبه! مالك أحد يا عبدالعزيز مهما حاولت تصنع لنفسك عايلة أنت بالنهاية . . وحيد عبدالعزيز يبلع ريقه لينظر للسلاح المصوَّب نحوه، عدّ في داخله للخمسَة حتى دفع نفسِه على الأرض لتنطلق الرصاصَة بإتجاه النافذة . . . . . . ، لم أراها اليومُ بأكمله، أردتُ أن أروِّضها أن أشعرها بضرورة تصديقها ليْ ولحديثي، أخذ نفس عميق ليفتح الباب ويطلٌّ عليها وجدها مستلقيَة بجانب النافذة وتغرقُ بتأملاتها، تقدَّم بخطواته نحوها لتلتفت بنظراتٍ شرسَة لا يستشفُّ منها سوى الكره. جلس بجانبها لينظر للطعام الذي لم يُلمس : ليه ما أكلتي ؟ تجاهلت صوته الذي يُبعثر كيانها وهي تنظرُ للسماء، أعاد سؤاله : ليه ما كليتي ؟ عبير تنهدت : مو مشتهية فارس يتأمل شحُوب ملامحها : ما كليتي شي من الصبح! عبير و بدأت الهالات تخطُّ حول عينيْها لتُردف بنبرةٍ مُتعبة : ممكن تتركني؟ فارس : تعبانة ؟ عبير لا تتحملُ كل هذا الوجع من صوته لتسقط دموعها بإنسيابية وهي تغرس أظافرها بفخذيْها، تشعرُ بأن روحها تصعد للسماء بحرقَة، عقد حاجبيْه ليحاول أن يمسح بأصابعه دموعها لتبتعد وتقف : لا تلمسني ! فارس يقف متجهًا إليْها لتلتصق بالجدار : أبغى اساعدك والله عبير : ما أحتاج مساعدتك فارس : طيب دام كذا لا تهملين صحتك عبير بقهر ممزوج بغضب : لآ أهمل صحتي! جايبني هنا وتقول لا تهملين صحتك!!! فارس بهدُوء : ليه تضعفين ؟ ليه تهملين نفسك عشان تذبحين عمرك مرتين! عبير بإضطراب أعصابها المشدودة : لو سمحت أطلع برا ماابغى أشوفك فارس يقترب حتى ألتصقت أقدامهما ببعض : ممكن تهدين عشان أعرف أتكلم معك عبير بغضب عارم بدأت تضربُه بيديْها وهي تصرخ عليه بإنهيار كل خلية تسبحُ في جسدها : أكرهك .. أكرهههكم كلكم فارس يحاول أن يُمسك يديْها التي بدأت تضربه بعنف : عبييير عبير بجنُون : أكرهننني ... أكرههه هالحياة .. يارب أمووت وأفتّك فارس بعصبية يحاول أن يوقف إنهيارها : عبـــــــــــــــــــــــ ــــــــيــــــــــــــــ ـــر !!! أهدي عبير ويتكاثرُ بكاءها بحزنها اللاذع : أكره إسمي .. أكرهه منك . . . فارس ويجهلُ ماهي الطريقة لإخماد نيران الحزن في قلب الإناث : عبيير يكفي! يشعرُ بإنشطارِ قلبه بدموعها وببكاءها، ضُعف أن يرى دمعةُ من سلَّمها قلبه ولا يستطيع أن يفعل حيالها شيءً ، لو أُهدىء من خيبتك قليلاً وأُسكن هذا الحزن فقط. عبير أرتخت يدِها لترفع عينيْها الغارقة بالملح وبنبرةٍ بحَّ بها البكاء أنفجرت به : راح أدعي عليك كل لحظة بأنك تشوف كل هذا في أقرب الناس لك . . *أرتفعت نبرتها مع قُربه لتحاول أن تدفعه بضرباتها على صدره* الله يآخذك يا حقيير يا قذ . . لم تُكمل من قبلته المفاجئة لها، بترَ صوتُها بشفتيْه وهو يُلصِق ظهرها بالجدار ويثبِّت يديْها بقبضةِ يده، لم أعرف ماهي الطريقة السليمة لإيقاف غضبك، كل ما أعرفه من دراستي أن القُبلة الواحدة كافيَة ببثِّ البرودة لدمٍ سخِن بثورته . . . ، ينظرُ إليْه بجسدٍ مثقل، لم تعد الخيارات تُجدِي ولم يعد هناك شيءٌ يستحق الحياة، يعرفُني الله ويعرفُ نواياي، ويعرف إضطراري لأفعالٍ لم أكن أريد أن أفعلها، يعرفُ الله أنني لم أخون أرضٌ خلقت منها، ولم أخون أشخاص عاشرتهم حتى شبتُ معهم، يعرف الله أنني حاولتُ بقدر المستطاع أن أحمي أشخاصًا ولم أستطع، أنا آسف لكل شخصٍ ظن بي ظنًا سيئًا ولم أستطع أن افسِّر له وأبرر، أنا آسف لهم جميعًا الذين توقعوا مني الكثير ولم أقدم لهم شيئًا سوى دمٌ مالح، أنا آسف هذه المرة أيضًا لقلبي الذي لم يتنفس الحياة كما ينبغي لرجلٍ مثلي. عُمر : طيب؟ عندك مهلة لدقيقتين يا مقرن . . ياتجي كشوفاتهم بإيدنا ولا ماراح يحصل لك طيب! مقرن بلع غصتِه : ما أخونهم عُمر : أوكي! هاللي شايل همهم تراهم ما طقوا لك خبر . . . فكِّر كويس مقرن : ما عندي غير اللي قلته! عمر تنهد : دقيقة ثانية يا مقرن مقرن مقيّد اليديْن شعر بحُرقة الحزن به، ودّ لو ينظرُ للمرة الأخيرة لقبُور أحبابه الذين سبقوه، إلى الذين سبقوني إلى الله أني على يومنا الموعود أنتظر، أنتظرُ الجنَة. عُمر يجهِّز سلاحه بدمٍ بارد يوجِّهه نحوه : un . . . Deux . . . Trois . . . . Quatre . . . سافا ؟ أكمل يا مقرن ؟ مقرن تمتم : أشهد أن لا إله الا الله و أشهد أن محمد رسول الله ، رفع عينِه للسقف يُشعر بأن حركته تُشَّل في هذه الساعة المتأخرة من الليل، أنتظر لوحدِه أمام هذا الكمُ من الخراب الذي يحصلُ لديْه، رفع الهاتف ليتصل على سلطان ولا يُجيب، إلا هذا الوقت يا سلطان لا تنشغل به، وضع يديْه على رأسه ليضغط بجهةِ إذنيه حتى رفع عينيْه لعبدالله الذي قرأ رسالته وأتى سريعًا، قرأ ملامح عبدالرحمن بصورةِ الخيبة ليُردف مكذبًا إحساسه : وش صار ! عبدالرحمن بوجَع عميق : مقرن وعبدالعزيز . . . . أنتهى |
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء ( 67 ) المدخل لـ مشعل الدهيم . وماقلتلك ... لو جيتني مرّه مطر ... تلقاني بدوٍ تنتظر ! يستبشرون .. إن جت مقاديمك تغنّي عن حضورك يمّهم ... من طهرهم ... البرق .. في تعربفهم يعني حياة ... والغيم .. صوته أغنيات .. من غبت عنهم عايشين بهمّهم .. تفرّقوا ... صاروا شتات ... وأنت الوحيد اللّي تجي وتلمهم ! وماقلتلك ... أشيا ( 3 ) باقيه ماقلتلك ... إنّك مثل حزني ... قدر ! وإنّك مثل ليلي ... سهر ! وإنّك عمر ... والعمر ... مرّه بالعمر ! والعمر ... مرّه بالعمر ! عبدالعزيز يبلع ريقه لينظر للسلاح المصوَّب نحوه، عدّ في داخله للخمسَة حتى دفع نفسِه على الأرض لتنطلق الرصاصَة بإتجاه النافذة، تساقط الزجاج كمطرٍ حاد، يغرزُ في الأرض ندبات البشر، ندباتُنا نحن الذين تعبنا من المسير، أخرج سلاحه ليصوِّبه نحو جسد عبدالعزيز الملقى على الأرض، وقف بثبات وهو ينظرُ للرصاصة الجادة جدًا نحو قلبه. رائد بخفُوت : وش حاول تسوي؟ تهرب؟ . . غبي! غبي جدًا ما ورثت من أبوك ربع ذكاءه عبدالعزيز يتقدَّم، يعاند الخطوات، يقف بإتزان أمام رائد، ولا يفصله عن فوهة السلاح سوى سنتيمترات قليلة، رائد رفع حاجبه : ودِّك تموت؟ مستعجل مررة! ولا عشان تعرف أنه مصلحتي بحياتك تحاول تتحداني عبدالعزيز بهدُوء : أنا أوافقك أني ممكن سويت أشياء غبية بحياتي! لكن ما وصلت لمرحلة الغباء، ما وصلت لمرحلة أنه ينضحك عليّ لمدة سنة وأكثر لم تُختم كلماته بإطباق شفتيْه، خُتمت بضربةٍ رفع بها رائد ركبته ليضربها ببطن عبدالعزيز، تراجع عدة خطوات للخلف متجاهلاً ألمُ معدته الخاويـَـة : شايف! ماحاولت أهرب! أنت محاصرني ومع ذلك قدرت أهرب من رصاصتك! . . شايف الفرق! أنا قادر . . قادر أني أفلت منك بهذا *أشار لرأسه* رائد بإبتسامة متشبعة بالخبث : تفضل أهرب . . يعجبني النضال والدراما اللي مسويها . . *يصفِّق بحرارة ساخرًا* عبدالعزيز أبتسم بمثل إبتسامته : طول عمري درامي! ممثل قدر يلف عليك رائد تختفي إبتسامته : تحاول تستفزني! لكن بدري عليك عبدالعزيز : بدري عليّ؟ بما أني وحيد ماعندي شي أخسره على قولتك! . . العقد ماراح أوقع عليه يا سيادة الجوهي رائد أخذ نفس عميق ليُردف ببرود :. آممممممم تعرف أني مآخذ من فارس شاعريته .. بضحكة عميقة مُستفزة أردف . . . بنت الفتنة! صاحبة الشعر البني ذكرني بإسمها! . . . ما تتذكرها! معليش أوصف لك أكثر . . . *يُخرج طرف لسانِه ليُشير لحركة رتيل التي رآها* يقاطعه وهو يركل الطاولة التي أمامه لتأتِ بمنتصف سيقان رائد، صخب بضحكاتِـه : واضح أنه ماعندك شي تخسره عبدالعزيز أغمض عينِه لثواني، ليتقدَّم بخطواتِه الهادئة ويركز نظراته لخلفِ رائد، كانت كلمات سلطان تُعاد على رأسـِه، كان حضُوره قوِي في عقله وحنجرته الرجوليَة العنيفة التي تلفظ بغضب " هذي الحياة ما هي هبَة يا عزيز! ما تصرف عليك ولا تعطيك بدون سبب! ما راح تطبطب على كتفك إذا فقدت أحد! . . إذا عطتك في يوم تأكد أنها راح تآخذ منك شي . . لأنها ماراح تبقى لنا! ماراح تجيك عشان قلبك أشتاق! ماراح تجيك عشان قلبك يبكي عليهم! ماراح تجيك هالحياة عشان نَفسِك بشي! . . إلى هنا ويكفي! تحملت فوضويتك بما فيه الكفاية! كلمة ثانية وأقسم بالذي لا إله الا هو راح أبدأ أعاقبك بالحجز! . . . مفهوم ولا أعيد كلامي من جديد يا سعادة المراقب عبدالعزيز " أستغرق دقائقه وهو ينظرُ لِمَ خلفه بطريقةٍ مُريبة حتى يُشتت إنتباهه ليكسب عندما رآهُ يلتفت، سحب ساق رائد بقدمِه ليأخذ السلاح من جيبِه، وضع الفوهة بإتجاه رأسه ليلفظ بخبث : أنا آسف لأني في كل مرة أصدمك بنفسك . . . الحين يا حبيبي رائد ممكن تخلي حرسك يبعدون عن طريقي عشان ما يصير شيء يخليك درامي والعياذُ بالله . . . ولا تنسى ترى راسك يبونه يعني جثتك مجد ليْ رائِد إبتسم وبداخلِه براكينٌ من القهر تفور : كنت عارف أنهم ما جابوك عشان يدربونك عليّ! ضحك عبدالعزيز ومنذُ فترة طويلة لم يضحك بهذه الطريقة العدوانيَة ليُردف وهو يليِّن نبرته بطريقة طفولية : شيء مؤسف والله . . بنبرةٍ هادئة أكمل : أرجعك شوي لورى! وش سويت فيني! حرقت جلدي بالليمون . . صح ولا أنا أتخيَّل رائد : لقيت فرصتك تنتقم يحاوط رقبَة رائد من الخلف ليشدَّها نحوه حتى ألتصق رأسُ الجوهي بصدره : أضف لمعلوماتك المهمة! أني مزاجي حتى بإنتقامي . . أفلته حتى يسعلُ من بعد أن أختنق بقبضة عبدالعزيز : برافو! أحييك بس صدقني ورب العزة لا أخليك تندم على اللحظة اللي مديت فيها يدِك عبدالعزيز ينظرُ للتاريخ الذي يُشير للثامن عشر من اكتوبر في جدول التقويم المعلَّق وبنبرةٍ ساخرة ممتلئة بالغرور : أسمح لي يا سيدي حسب المادة الثامنة عشر من دستور عبدالعزيز سلطان العيد الذي ينص على مرتكب الحماقة بأن يعاقب بإسقاط شرعيْته أمام من يتولاهم بما فيها هيبته مع كامل الأسف لمعاليك. . يالله قدامي وجِّه يا معالِيك أوامرك لحرسك رائد تنهَّد وهو يشتعل كما لم يشتعل من قبل، يشعُر بقهرٍ لا يساويه قهر، وكأنه لأول مرةٍ يُقهر! أو رُبما لأن هذه المرة الأولى التي يُستصغر بها بهذه الصورة! سلطان العيد بقوته لم يستطع أن يتجرأ عليه ومن بعد سلطان بن بدر أيضًا لم يستطع ويأتِ الآن شاب بعُمر فارس يتجرأُ بكل وقاحة! إنهم يلعبون بالنار. ، على بُعدٍ قريب، أرتخت يدِها لترفع عينيْها الغارقة بالملح وبنبرةٍ بحَّ بها البكاء أنفجرت به : راح أدعي عليك كل لحظة بأنك تشوف كل هذا في أقرب الناس لك . . *أرتفعت نبرتها مع قُربه لتحاول أن تدفعه بضرباتها على صدره* الله يآخذك يا حقيير يا قذ . . لم تُكمل من قبلته المفاجئة لها، بترَ صوتُها بشفتيْه وهو يُلصِق ظهرها بالجدار ويثبِّت يديْها بقبضةِ يده، لم أعرف ماهي الطريقة السليمة لإيقاف غضبك، كل ما أعرفه من دراستي أن القُبلة الواحدة كافيَة ببثِّ البرودة لدمٍ سخِن بثورته، قُبلة واحِدة كافيَة لتزداد رئتيْكِ إنتفاخًا لتأخذ حاجتها من الأكسجين، لتتخلص من نواتج الإحتراق وتُزيد نشاط غدَدِك المشدودة، قُبلة يا عبير كافيَة لإنبساطِ عضلاتِ رقبتِك ووجهك المنتشيَ بالغضب، تُجبريني على إستعمال طرقٍ تُغضبك، تُجبريني على تعنيفك بخفّة، ولا تسأليني عن هذا التناقض؟ أنا رجلٌ التناقضات، رجل الضد في كل الأمور، درستُ شيء ومارست شيءُ آخر، لم أوجه الحُب نحوك بوضوح رُغم أني شفافًا والسبب يعُود لك، يعُود للعائلة التي تنتهي بإسمك. أغمضت عينيْها، ليخفُت جسدها بضوءه ويشحب، أولُ قبلَة ماذا تعني؟ أولُ إلتصاق يحمَّرُ به جسدي، هذا الإرتفاع الذي أصعدُ عليه بقلبٍ يفقد سيطرته على نفسه، هذا الشاهق الأسمر الذي أنتظرتُه كثيرًا أتى بريحٍ أقتلعت جذوري، يالله! هذا حقيقي! ليس وهمًا! للمرةٍ الأولى أشعرُ بأن أحدًا يرفعني للسماء ويُسقطني، يُسقطني بقوةٍ لا يتحملها جسدٌ ناعم، عاقبني الله بك أشد عقاب، عاقبني الله بأبيك، وبك! لا حق يضيعُ في هذه الحياة، حقُ المعصيَة، حق تجاوزي كان لابُد أن يرَّد في الدنيَا قبل الآخرة، هل يحق لي أن أقول " آخ " في ضيق ملامحِك، في إتساع صدرِك وتشعبه؟ هذه الشفتيْن تقتلع قلبي من محجره، تمتصُ أوردتِي وشراييني، إنها تُسقطني جافَّـة، آخ من هذه الدنيَا ومن الحياة التي لا تستقيمُ لي، آخ من عينيْك المُشتعلة و سُمرتك الشاهِقة، لِمَ أنا بهذا التناقض؟ لمْ أواجه حبك بأمرٍ إختياري، كان حُبك أكبر من كل شيء، أتى حُبك بضراوة شديدة، أفقدني القدرة على التحكم بالأشياء التي تخصني، أفقدني كل شيء، لم يكن حُبك صالِحًا مُسالِمًا، كان حُبك نزعة تطرفيَة إتجاه أحكام هذه الحياة، كان طعنًا في خاصرة الإستقامة، كان حُبك : مآسآة . . مآسآة جميلة. أخترق صوتُ إرتطام الزجاج بالأرض حاجز شفتيْهما، ليبتعد خطوة للخلف دُون أن ينظر إليْها وصدره يهبط بشدَّة ويعلُو بذات الشدة وكأنه للتو خرج من معركَة تصنَّف تحت بند فارسيٌ حساس، أعطاها ظهره ليخرج بخطواتٍ سريعة ويتركها " غرق ". جلست على ركبتيْها والبرودة تجمِّد أطرافها، مدَّت كمها لتقسُو على شفتيْها الناعمة وهي تمسح أثر قبلاتِه، نزل دمعها المنتشي بحرارةِ أنفاسِه، كان قريبًا . . قريبًا جدًا يالله!، كان مؤذيًا، لمن أشكُو؟ لمن أشرح كيف لرجلٍ أن يُمسك زمام عاطفتي؟ عاطفةُ الأمومة التي تكبرُ معي وعاطفَة الصبيَة التي تصبرُ على برودي، بكل عواطف المرأة التي جُبلت عليها، أنا أضيع .. أتوه ولا أحد يقول: أنا معك، من يتوقع أن أكون محاصرة برجل لا أتوقع أن أبي رآه قط؟ من يتوقع أن أتزوج بهذه الطريقة؟ من يتوقع أن إبنتك يا أبي يُصيبها الدوار بقُبلة؟ أنا التي كنت أشعر بأن أولُ قبلة ستكون في حياتي تحت إطارٍ عاطفِي رقيق لرجلٍ يحبني بدوافعٍ كثيرة من أهمها " أني عبير "، هذا مالا طاقة لي به يالله! ليس لي طاقة بأن أصطبر على هذا العذاب . . عذابُ ضميرِي وعينيْه. ، يُمسك سبحته ليُبعد الخرزات المنتظمة واحِدة واحِدة بوقارٍ وسكينَة، كان تدق الخرزات السوداء المزخرفَة ببعضها البعض بصوتٍ يقتلع قلبها لحظة ويُعيده لمكانها، تحاول أن تتأكد، تتأكد من الكلمة التي نطقها ومن النبرَة ذاتها " تُركي !!! " ألتفت عليها بعد أن أنتبه للصمت، نظر إليها نظرة واحدة كافيَة بأن تُشعل وجهها إرتباكًا ورجفَة، رفع حاجبَه ولا يعجز عن مسألة ترجمة ملامحها، وقف لتعُود للخلف عدة خطوات وعينيْها تزداد حُمرة، إختصَر بقيَة المسافَة بخطوتيْن طويلتيْن ليُردف : مين؟ لم يعد لها القدرة على التحكم بصوتها الذي فلت منها لينزلق بمسارٍ ضيِّق، تشعر بأن كل شيء في جسدها يُعيش دوارٌ حارق، حتى لسانها. سحب الهاتف من كفِّها ليستمع لنبرتـِه المبحوحة كبحَّتها، الحزينَة كحزنها، الضيِّقة كضيقها، الباكيَة كبكائها، الهادئة كهدُوءها، أيشابهها أم أنا الوحيد الذي يشعر بأن كل شيءٍ يفعله يُشبهها! تُركي : الجوهرة! . . . بس أسمعيني هالمرة . . أنا أعرف! أعرف أني سرقت منك كل أحلامك، سرقت حياتك ومستقبلك بلحظة، جردِّتِك من أغلى شيء تملكينه، بس . . كنت معمي . . كنت أشوفك كل شيء، ومازلت إلى الآن مو قادر أبعدك من أحلامي! من نومي . . . تخيلي الدكتور يحسبني مجنون! يعاملوني كأني فاقد عقلي! كل هذا عشان . . بصوتٍ يُزلزل أركان الجوهرة قبل أن يزلزل أيّ جسدٍ آخر يُقاطعه : عشان؟ . . إلى الآن ما تغيَّرت! ما حاولت تصلّح وضعك! الحين تأكدت بأن حقك بالحياة سقط ومحد بيلومني على اللي بسويه! سقط يا تُركي وأقسم بالذي لا إله الا هو ما راح يبقى فيك عظم صاحي . . . أغلقه ليرمي الهاتف بقوَّة على الجدار، ألتفت إليها وهي ترتعش لينظر إليها بنظرة تُميت وبشدَّة، هذه النظرات أعرفها، هذه النظرات لا أنساها، ذاتها التي كان يراني بها أولُ مرةٍ أستمع بها الخبر، ذاتُها التي لم يكررها سوى مرَّة! مرَّة وجعلني أموت! يالله!! كم مرةٍ مُت على قيد هذه الحياة؟ كم مرَّة قلتني بعينيْه، كم مرة يا سلطان؟ من أجل الله كيف لنظراتِك أن تقتلع قلبي وتُعيده! من أجله كيف لهذه العينيْن أن تكون هُنا! على هذه الأرض التي لم تحاول أن تتعايش معي! لمْ تحاول أن تربت على كتفي وتصاحبني معها. الجوهرة تُغمض عينيْها بشدَّة تُشبه شدة الضربات على صدرها الصادرة من قلبها وهي تستندُ بذراعها على طرفِ الطاولة، سحبها من زندها لترتطم بصدره دُون أن تضع عينها بعينيْه، بحدَّة : كنتِ بتخبين بعد؟ لو ماني موجود الله أعلم كيف بعرف! . . عُمرك ماراح تتغيرين .. مثله تماما! خرجت حصَة مهرولَة بفزع : سلطان! .. نظرت للهاتف المتفكك على الأرض! لترفع عينيْها إليه بلومٍ عميق. سلطان بصوتٍ هادىء ظاهريًا ومن داخله يحترق بنارٍ لاذعة : طيب . . أبتعد بخطواته ليُعطيهما ظهره. حصة : وش صاير لكم؟ سلطان ألتفت بجنون وصخب ليعتلي صوته بإنفجار وهو يُشير بسبابته نحوها وكأنه يُشير بسلاح من شأنه أن يرتجف جسدها، هذه السبابة المتجهة نحو قلبها تقتلها : حسبي الله عليك! بس وربِّك لتلقينها بحياتك دام أنا حيّ ! حصة أتسعت محاجرها بالدهشَة لتُردف : تهددها قدامي! ما عاد في وجهك حيا!! هي ما تشتغل عندك عشان تلومها وتلوي ذراعها عند أيّ زلة! وش قدمت لها إن شاء الله عشان تحاسبها! ما تطلع منك كلمة حلوة وتبيها ملاك ما تغلط أبد هذا إذا غلطت فعلاً! . . أصحى على نفسك شوف أغلاطك .. شوف وش مسوِّي بهالمسكينة يومك تبيها كاملة منزهة! سلطان : لو سمحتي عمتي حصة بحدة تشدُ بها نبرتها وهذا الغضب لا يعتاده منها : سلطان! للمرة المليون أقولك أنت منت عايش بروحك بهالعالم! ولا كل هالعالم يطلب رضاك! أعرف هالشي وأصحى على حالك سلطان بغضب نرجسي : إلا هالعالم واقف على بابي وأسألي اللي وراك تثبت لك بعد! الجوهرة تضمُ ذراعيْها ولا صوتُ يخرج، عادت للسنوات الماضية بتصرفها هذا، عادت للسنوات التي يحتبسُ بها صوتها حتى تنسى شكلُ ولون نبرتها. تركهما ليتجه نحو مكتبه المنزلي القريب، دفع الباب بقوَّة ليضجّ بأسماعهم، عادت إليْها لتشدَّها بلطفٍ نحو صدرها: أشششش خلاص يا روحي! الجوهرة من بين طوفان بكاءها: يظلمني كثير حصة غرقت بالتفاصيل، بالتأكيد أن هناك شخصٌ أستفز سلطان خلف السماعة، ولكن كيف يستفزه؟ هل بمعرفته بالجوهرة! من المستحيل أن تتحدث مع أحدٍ لا تعرفه، يالله يا سلطان على غضبك الذي يؤلمك قبل أن يؤلمها، تنهدَّت لتُردف : يهدأ ويرجع لعقله . . ، فتح الباب لتتسع عينيْه بالدهشَة، ينظرُ لجسدِ والده الذي يقف خلفه عبدالعزيز ومصوِّب ناحيته السلاح، كيف فلت وكيف أمسك بوالدِي بسهولة هذا مالا يستوعبـه. عبدالعزيز ينظرُ إليه بنظراتٍ يفهمها فارس كثيرًا : ممكن تبعد! فارس : عبدالعزيز! عبدالعزيز بنبرةٍ مبطنة : زوجتك وتحت جناحك ... أظن أننا متفقين فارس تنهد : ممكن تبعد السلاح رائد بسخرية : كفو على ولدي الحين بيبعده عبدالعزيز : طبعًا لأنك فاهم الرجولة بالضرب وبالصوت! أكيد ماراح تعجبك تصرفات ولدك .. بس خل فارس يقولي مرة ثانية أترك السلاح وأنا أتركه قدامه رائد ولا ينفك عن السخرية : الله على الصداقة والتضحية! . . عبدالعزيز ينظرُ لفارس : تبيني أتركه؟ فارس بغضب يضع كفِّه على جبينه يحاول أن يتزن بتفكيره للحظة رائد بغضبٍ من تفكيره الذي بموضعٍ لا يحق له أن يفكر : وتفكر! يا خسارة تربيتي فيك! فارس : من ناحية تربيتك فهي خسارة فعلاً! بس قلت لك من قبل لو تذبحني مقدر أقولك شي يُكمل بصوتٍ يعتلي بنبرته : قلت لك من قبل لو أسوي أسوأ الأشياء بحياتي مستحيل أضرك بشي! مستحيييييييييل وليتك تفهم معنى مستحيل . . رائد بهدُوء : طيب وريني! عبدالعزيز : غبي! جدًا غبي حتى ولدك عجزت تفهمه رائد ولم يعتاد على هذه الأوصاف أن تقال بوجهه ليلفظ بغضب : معليش يا سموّكم أنزل شوي لعقلي عبدالعزيز : هههههههههههههههههه . . ممكن تبعد فارس .. أنا فعليًا ما عدت أتحمل أبوك فارس تنهَّد : لا . . عبدالعزيز عقد حاجبيْه : فارس!!! فارس : لو سمحت عبدالعزيز يتقدم بخطواته نحو الباب ليُردف بذكاء نحو الحارس الواقف : كل رجالك خلهم يجوني الحين وهنَا! رائد يُشير بعينيْه ليفهم الحارس ويذهب. أبتعد عبدالعزيز قليلاً عن الباب ساحِبًا رائد معه : ننتظر كلابك تجي على فكرة لا تحاول تخدعني فيهم! عارفهم بالعدد!! ثوانِي قليلة حتى أصطفُوا جميعهم أمامه لينظرُ إليهم بتفحص وهو يعدهم بداخله : ناقص واحد! : كاملين عبدالعزيز : وأنا أقول ناقص واحد! ماأشاورك إذا كلامي صح ولا غلط . . مفهوم؟ : مفهوم لكن مافيه أحد غيرنا اليوم عبدالعزيز بسخرية : عاد أخترع لي واحد! رائد : وش رايك بعد نطلع أبوك من قبره عشان تقتنع حضرتك؟ عبدالعزيز يضربه بفوهة السلاح على مؤخرة رأسه وبحدة أشتعل غضبًا : أبوي لا تطريه على لسانك! فارس يلتفت لأحدهم : روح نَاد حمد! ويقذفُ شتيمته بوجه إبنه ليضحك عبدالعزيز بإستفزاز صريح لرائد، ينتقم منه بهدُوء، كل التعذيب الذي سكبه رائد عليه لا شيء عند إستفزازه. أتى حمد ومعه الآخر ليقفَا مع زملائهم، وبإستهزاء كبير : جيب الكيس اللي وراك أخذ حمد الكيس ليلفظ عبدالعزيز : حطوا فيه أسلحتكم! رائد بغضب يضرب بقدمه على الأرض، لا يتحمل كل هذا الإستهزاء به وبقوتِه. عبدالعزيز بصوتٍ مستهزء : معليه يا رائد تحمَّل الهزيمة . . مو كل مرة تفوز وضعوا أسلحتهم جميعًا في الكيس، عبدالعزيز يحبسُ ضحكته المنتصرة : أفتح الشباك اللي وراك وأرميهم. عبدالعزيز ينظرُ للمكان نظرةٍ أخيرة حتى يتأكد من هربه بأمان، أردف : مفتاح الشقة وين؟ فارس بغضب : إلى هنا ويكفي! عبدالعزيز بجدية : أنا آسف فارس يقترب بتحدي كبير له : عبدالعزيز لا تنسى أنه في بني آدم تحت! عبدالعزيز بحدة : أبعد عن طريقي مو من صالحك! . . . ليوجه نظراته للواقفين أمامه . . وين المفتاح؟ حذفه أحدهم لتلتقطه كفُّ عبدالعزيز ، أقترب بخطواته ليُرغم فارس على الرجوع للخلف قليلاً، . . أتجه نحو الباب ليبدأ خطواته عكسيًا وهو ينظر إليهم مهددًا . . ثواني فاصلة حتى فتح باب الشقَة وسلاحه مصوَّب على رأس رائد، بكل ما أعطاه الله من قوَّة دفع جسدِ رائد للأمام حتى خرج وأغلق الباب عليهم، ركض للأسفل. رائِد بغضبٍ يُقيم جحيم الدنيا أمامه : يا ************ على أيش واقفين! بأقل من ثانية بدأوا ينتشرون ويختفُون من أمامه، أقترب من فارس وهو يقذف عليه تهديده : هي كلمة وحدة بقولها لك! راح تدفع ثمن غلطتك معي في جهةٍ أخرى أستغرق بركضِه الكثير حتى خرج من المنطقة البائسة/المشتعلة، أوقف التاكسي ليركب بتنهيدة الراحة والخلاص من كل هذا العذاب. ، ، في آخر الليل بعد ساعاتٍ طويلة من ضجيج باريس، وضع يديْه على رأسه ليضغط بجهةِ إذنيه حتى رفع عينيْه لعبدالله الذي قرأ رسالته وأتى سريعًا، قرأ ملامح عبدالرحمن بصورةِ الخيبة ليُردف مكذبًا إحساسه : وش صار ! عبدالرحمن بوجَع عميق : مقرن وعبدالعزيز . . عبدالله : عبدالرحمن تتكلم بالقطَّارة! عبدالرحمن بغضب : قتلوا مقرن! . . إحنا الأغبياء اللي ما قدرنا نوصله ونحميه والدور على عبدالعزيز . . لأنه هرب .. هرب ياعبدالله وهو يحسب أنه اللي يلاحقه رائد وبس! فيه اللي أكبر من رائد وليته يفهم عبدالله مسك جبينه الذي تعرَّج، زميلُ العمل وصديقُ سنواتٍ كثيرة يموت هكذا! دُون أن يلمس قلوب من تجرأوا عليه الندم : كيف وصلك الخبر؟ عبدالرحمن : يعرفون العناوين زين! يحاولون يحرقون قلوبنا بكل شي . . ما يخافون . . والله ما يخافون .. يسوون الجريمة ويعترفون فيها! عبدالله : يمكن يحاولون يهددون وبس! عبدالرحمن جلس على الكرسي بإنكسار، لا يتحملُ موت من يعز عليه، أأحزن عليك يا من أنجبته لي الحياة أخًا أم أحزن لأني كنت وضيع وأسأت الظن بك! على من تحديدًا يجب أن أحزن يا مقرن؟ يارب السماء أرحمني وأرحمه. أرحم ميتنا. عبدالله يجلس لترتفع الحُمرة لعينيْه بعد أدرك أنه هذا الأمرُ حقيقة واقعة، بعد كل هذه السنوات! هجرنا البكاء، نحنُ الرجال كنا نهجر البكاء ونضعه خلف ظهورنا ولكن دائِمًا ما يصفعنا، دائِمًا ما يجيء بهيئة حادة تكسرنا، نحنُ الذي لم نعتاد على الملح و ماءه ليتنا لم نتذوق الحياة. ترك المصعد الكهربائي الذي طال به حتى صعد بالسلالم وهو مفزوع من إتصال بوسعود به، بهرولة جرى نحو مكتب عبدالرحمن المفتوح لينظر إليهم بدهشة : بو سعود! رفع عينه لمتعب الذي كان لزامًا عليه أن يتصل عليه ليجهِّز بعض الملفات ويُعيد فتح القضايا من جديد وبأسرعِ وقت. متعب برهبة بعد أن طال المكوث أمامهم : بو بدر صاير له شي؟ عبدالرحمن يقف رُغم كل الهزائم المعنوية والحسيَّة، رُغم هذه الحياة التي لا تُصيب بحظٍ معه : لا . . مقرن متعب برجفة صوته : وش صار له؟ عبدالرحمن شعر بأنه يختنق، بأن صوته لأول مرةٍ يضعف هكذا، في وفاة زوجته كان حزنه يحبس صوته والآن يُعيد نفس الحزن سطوته على لسانه، نظر إليْه بنظرةٍ أنكمش بها قلب متعب. هدأت أنفاسه المهرولة وعينيْه تحمَّر بدرجةٍ مرتفعة : أسمح لي شوي بس . . عن إذنكم . . . وخرج متجهًا لدورات المياه، دخل ليضع يده على المغسلة منحنيًا بظهره، يشعرُ بأن قوَّاه تتضاءل وكل مافي هذه الحياة يتضاءل، وصوتُه، صوتُ مقرن يتوسطُ عقله وتفكيره، وكلماته وضحكاته تعاد عليه بصورةٍ مُفجعة له. " مقرن بضحكاته يقف تحت شمسٍ حارقَة وهو ينزل نظاراته الشمسيَة: تعرف وين المشكلة! طبعا غباءك موضوع منتهيين منه لكن يخي عجزت أرقع لك! مرة مع بوبدر ومرة مع بوسعود! خلاص أعفيني ماعاد بتوسط لك لأنك بصراحة منت كفو " كم مرةٍ ستر علي بمصائبي المتكررة في العمل وكم مرةٍ تجاوز عنِّي وحاول إصلاح أخطائي، كم مرة يا مقرن حاولت أن تُلطف غضبهم عليّ، لِمَ يجيء الموت خاطفًا هكذا؟ أريد أن أعرف لِمَ لا يُمهّد لنا هذا الطريق بأعراضٍ قبله. سقطت دمعته الحارِقة على خده الخشن، شدّ على شفتيْه وأنفاسه تزيدُ إضطرابًا، مات؟ هذه الحقيقة التي يجب أن يستوعبها. فتح الصنبُور ليغسل وجهه بماءٍ بارد يحاول أن يخمد به نيران روحه، في مكتب عبدالرحمن أعطاهُ ظهره لينظرُ للنافذة، كان يحاول أن لا تسقط دمعته أمام عبدالله، يشعرُ بالحرقة تصل لعنقه، تلألأت عينيْه بالدمع المحبوس وهو ينظرُ لساحة التدريب المُظلمة، من ألوم؟ هل ألوم نفسي التي فرطّت بُبعدِك؟ ليتني رأيتك يا مقرن! ليتني فقط فهمتُ منك لِمَ حدث كل هذا! ليتني شرحت لك كيف شككنا بك! أنا يائس جدًا! يائس من هذه الحياة ومن إستقامتها، يائس من بقائكم حولي، شخصٌ يغزو الشيب رأسه بمن يجب أن يُفكر؟ هل يُفكر بالحياة أم الموت! إني أفكر به أكثر من تفكيري بشيءٍ آخر، مُتصالح معه من أجل نفسي ولكن لستُ متصالح معه مع غيري، كيف أستوعب أنك رحلت! والله وبالله وتالله لأجعلهم يدفعون ثمن دماءك غاليًا، الآن فقط أدركت بأن التعامل المثالي وفق القوانين لا يفيد! إن العدالَة لا تُقام على أرضٍ هشَّة، إن العدالة هي الإنسان، قضيتُ طوال عمري أبحث عن العدالة . . عن رفع الظلم ولكنني لم أعدِل. عبدالله بمحاولة أن يصغِّر ألمه : مين لازم يكون ثابت بعد كل هالظروف؟ عبدالرحمن عارفك ما يهزِّك شي . . عبدالرحمن يلتفت عليه وبحديثٍ غاب لسنوات يعرِّي قلبه : هنا الوجع . . *يُشير لصدره* . . قاعد يروحون مني واحد ورى الثاني يا عبدالله . . عبدالله يغمض عينِه ليُرجِع تلك الدمعة لمحجرها : هذي الحياة! . . وش طالع بإيدك عشان تسويه! عبدالرحمن بإنكسار مجموعة رجال، بإنكسارهم جميعًا يلفظ : وين العدالة يا عبدالله؟ سنين وسنين وهُم نفسهم يحاصرونا! ندفنهم فترة ويرجعون يطلعون! . . وينها العدالة اللي كان لازم يروحون فيها هُم مو مقرن! . . مو سلطان العيد . . وينها العدالة اللي تخلي غادة تضيع؟ . . قولي بس ليه كل ما تقدمنا خطوة رجعنا 100 خطوة لورى! يا عبدالله أنا بالطقاق بس هُم! . . وش ذنبهم؟ . . وش ذنب أهلهم؟ وش ذنب عيالهم ؟؟ . . كيف يعيشون؟ أنا من تركت بناتي وأنا نومي ماأتهنى فيه كيف هُم ؟ .. سقط على الكرسي بحزنٍ يتغلغل بأعماقه ليُردف بنبرةٍ يخدشها بحة البكاء . . بهالمكان وش كنا نقول قدام بعض؟ بصوتٍ تعتلي نبرته حرقَة : أنا و أنت و بو بدر وبوعبدالعزيز . . وش كنا نقول يا عبدالله؟ . . إننا نموت ولا ينلمس طرف واحد هنا! . . لكن . . بنبرةٍ تجعلُ كل الأشياء تصغي له، بنبرةٍ متعبة ضيِّقة، بنبرةِ رجلٍ يُعاني ويا شدة المعاناة، وقف متعب بعيدًا قبل أن يلاحظوه وهو يستمع لحديثٍ شفاف لم يستمع له من قبل : لكن قتلوه! بس ما متنا . . ما متنا يا عبدالله . . وين العيب؟ عبدالله : انت تنهار! عبدالرحمن أغمض عينيْه ليضغط عليهما بأصابعه ودموعه تتجمع خلف جفنه، ليُردف : ولمّا ننهار . . أعرف أننا ميتين . . ميتين بهالحياة عبدالله يقف لا يتحمَّل وضعية هذا الحُزن الذي قّذف بقلوبهم بكل قسوة : بهالوقت بالذات إحنا محتاجين صلابتك عبدالرحمن : تعرف شي ياعبدالله! أنا كاره نفسي مو بس عشان مقرن . . كاره نفسي لأني أقتنعت بأني ظلمت . . أنا اللي قضيت عمري أنادي بالعدالة . . ظلمت عبدالله : ما ظلمت أحد . . الموت قدر من الله عبدالرحمن : كم مرة متنا على هالحياة ؟ عبدالله شتت نظراته، لن يجد أكثر من هذا السؤال ألمًا، لن يجد أكثر من هذا السؤال حيرةً، جلس على الكرسِي بقلة حيلة، أضطربت أنفاسُ متعب بسؤال عبدالرحمن الذي بالتأكيد لن يبحث به عن إجابة، هذا السؤال الذي أتى بنبرةٍ موجعة من حقها أن تكسرنا نحنُ الرجال. عبدالرحمن : هم يآخذون روحنا، يآخذون روحي اللي بسلطان العيد . . ويآخذون روحي اللي بمقرن . . أسند ظهره ليرفع رأسه للسقف : يارب . . . . يارب . . ، يهزُ قدمه على الأرض متجاهلاً هاتفه، متجاهلاً كل صوت يخترق عليه وحدته وغضبه الملتحم مع جلده، ينظرُ للعدَم، للفراغ وهو يغرقُ بالتفكير، يغرقُ بالنيران تمامًا، نظر للباب الذي يُفتح لتطل عليه عمته بعينيْن حزينَة. أعاد نظره بعيدًا : ماني طايق أتكلم بكلمة! لو سمحتِ حصة : سلطان لا تسوي في نفسك كذا . . والله مو قادرة أنام وأنت بهالحالة! سلطان يضغط على القلم ليُصدر صوتًا مزعجًا به في كل ثانية مستفزًا عتمته الذابلة على كتفه. حصة : سلطان حبيبي . . . أقتربت منه وما يفصلُ بينهما مكتبٌ خشبي : ممكن تروح تصلي لك ركعتين تهدي فيها! من الساعة 7 وأنت هنا! سلطان تنهّد ليلتفت نحوها : عمتي أتركيني حصة بضيق : لآتقول عمتي! أنت ماتقولها الا لما تكون متضايق مني وأنا ماأقوى يا سلطان سلطان : طيب يا حصة ممكن تتركيني بروحي ويتجمعُ الدمع بعينيْها : قوم معي سلطان يقف متجهًا إليها، دموعها تهزمه على الدوام : مو بس ماني طايق أتكلم، أنا حتى نفسي مو طايقها! خليني براحتي يا روحي و كلمته الأخيرة من شأنها أن تُبكيها وتجلدها بعذاب الضمير، أخفضت رأسها لتُردف : مدري الحق مع مين ولا مين! بس والله خايفة عليك وخايفة عليها سلطان أخذ نفسًا عميقًا : أنا آسف أني عليت صوتي عليك حصة بدمعٍ يجهشُ بعينها : أكره نفسي والله لما تسوي كذا! وضع ذراعه على كتفيْها ليخرج بها وتسقط عيناه عليها، أبعد نظره عنها بإستحقار ليتجه نحو غرفة عمته، جلس على السرير الذي بجانبها : تصبحين على خير حصَة : ما أبيك تتضايق مني بس . . سلطان يقف ليُقاطعها وينحني بقُبلة على جبينها ويُرضيها بأقرب الأشياء إلى قلبها وبأكثر الكلمات حُبًا إليها : يالله يا يمه نامي! حصة وتحزن فوق حزنها : اللي تسويه فيني تعذيب يا سلطان أبتسم بهدُوء : نقولك عمة ما يعجبك! نقولك حصة ما يعجبك! نقولك يمه ما يعجبك! طيب يا أم العنود تآمرين على شي؟ حصة تنظرُ للسقف: بس أرحم نفسك وأرحمها معك تبتعد إبتسامته وتتلاشى : تصبحين على خير يالغالية . . . وخرج ليصعد للأعلى دُون أن ينظر إليها، أخذت نفسًا عميقًا وهي تحاول أن تصمد وتتزن بجسدها الذي بدأ كل عضو به يضطرب، صعدت خلفه وهي تُجهز نفسها لبراكينه، دخلت لتُشتت نظراتها بعد أن رأته يُغلق أزارير قميصِه، رفع عينه إليْها ليترك بقية الأزارير وبنبرةٍ حادة : لو أسمع صوتك ما تلومين الا نفسك! تشدُّ على شفتيْها من بكاءٍ سيُقذف بعينيْها بحرارةٍ لا تتحملها، تراجعت للخلف لتصعد للدور الثالث وهي تجهش بالدمع، دخلت الغرفة ذاتها التي أصبحت لها قبل فترة، رمت نفسها على السرير لتخنق ملامحها بالمفرش، بكت دُون أن تحاول أن توقف هذا الإنهيار، تصاعد أنينها وهي تغرز أظافرها بالوسادة، إتصاله أعاد لها الكابوس الذي تحاول أن تنسلخ منه، مازال يلاحقني! مازال يجلبُ لي الحزن والمتاعب، لِمَ يا تركي! لِمَ كل هذا؟ شعرت بصوتٍ خلفها، رفعت رأسها ولا شيء سوى ظلها، بلعت غصتها وقلبُها يضطرب بخوفٍ ورهبة من فكرة وجودها لوحدها هنا، نظرت للنافذة وهي تراقب حركة الستائر الخفيفة، برُعب وقفت لتتجه نحو الباب والرجفة تتحكمُ بأطرافها، وضعت يدها على مقبض الباب لتلتفت محاولةً أن تتحدى خوفها، لن يُهينني أكثر! . . . عادت للسرير وهي تنكمشُ حول نفسها والخيالات لا تفارقها، تكره أن تصِل لمرحلة الوهم، هذه المرحلة التي تكره نفسها به، تشعرُ بحرارة أنفاسه قريبة منها، تشعر بكلماته التي تتقزز منها تقذف بإذنها، تشعر بجسدِه يلامسها، لا قوة لها أن تتحمل هذا، وضعت يدها على أذنها محاولة كتم كل صوت يطوف حولها. ، أشرقت سماءُ لندن بشمسٍ خافتة تتراكم أمامها الغيُوم المحمَّلة بالمطر، كان ينظرُ للنافذة وتفكيره يغرق كغرق سماء هذه المدينَة، أرتفعت عينِه ليدها الممتدة، أخذ كُوب القهوة : شُكرًا غادة أكتفت بإتبسامة مُرتبكة لتجلس أمامه على الطاولة . . ما تعرف شي عن عبدالعزيز؟ لايُجيبها بأيّ شيء، مثقل بالوجَع، بالحزن الذي لا يتركه للحظة يهنأ، نظر إليها بنظراتٍ لم تفهمها ليُشتتها نحو النافذة مرةً اخرى ويستقيمُ بظهره، تورطنا جميعًا! الغارقُ بمصائبه لا يخرج منها بسهولة، لن يتركوني! وهذا ما يجب أن أستوعبه في هذه الأثناء، أنا أخسر دائِمًا، لم أتذوق طعم الإنتصار لمرَّة، لم أتذوقه معكِ يا غادة ولم أتذوقه حتى من بعدِك، كل ما حصل كان حقيقة مؤجلة، كانت تستطيل لتغرقني بِك ثم تسحبني بتيارِ هذه الحياة، تسحبُني بشدَّة وتكسرني! . . كسروا مجاديفِ قلبي! كسروها ويا قهري لو أعددتُه لفاضت لندن بنا، يا قهرُ الأشياء التي تسكني فيّ، يا قهرُ الرسائل والمواعيد البسيطة التي كنا نرتديها . . يا قهر " أحبك " التي تموت شيئًا فشيئًا بصدري، لِمَ أشعر أن النهاية قريبة؟ لِمَ أشعُر بأن لا خلاَص من كل هذا! أنا الذي تشائمت كثيرًا ولكن لم أصِل لهذه الدرجة من التشاؤم، لم أصل لدرجةٍ أشعُر بها أنني أريد أكتب وأكتب وأكتب لتقرأينها بعد أن أموت، لم أصِل لدرجة أشعُر بها أن الأيام التي بيننا معدودة و أن النقطة التي ستفصلنا قريبة جدًا. لمن أعتذر؟ غادة بضيق : أرجوك ناصر يضع الكُوب على الطاولة وبصوتٍ يختنق تدريجيًا : غادة لا تضغطين عليّ! غادة بحزن عميق يتحشرجُ بصوتها : مشتاقة له كثييير ... كثيييييييير عقد حاجبيْه : تعرفين وش أكثر شي يكسر الرجَّال؟ . . يكسره القهر ويكسره الحزن بس تبين تعرفين وش أكثر شي يوقف هنا . . أشار لعنقه . . يوقف مثل الغصة ماتروح يا غادة بسهولة! أرتجف رمشُها بدمعها وهي تشدُ على شفتيْها بأسنانها العلويَة، تحاول منع نفسها من البكاء ولكن لا فائدة. ناصر: اليأس . . اليأس يا غادة! تبيني أكذب عليك وأقولك عبدالعزيز ينتظرك ولا إحنا راح نقدر نتوقع وش السعادة اللي تنتظرنا بعدين! . . حاليًا أنا متصالح مع نفسي كثير! ماني مقهور منك . . ماني مقهور من شي . . أنتظر بس الرحمة من الله . . في هالحياة اللي أنتِ متأملة فيها كثير . . فيها يا غادة أنا ماأنكسرت بهالطريقة! .. جيتي وكسرتيني بساطة وقف ويشعرُ ببراكين تشتعل على لسانه ليُكمل : لا .. ما كسرتنيي ببساطة . . كسرتيني بأقسى شي . . كسرتيني باليأس . . وش تبيني أقول؟ . . . . . . . أنا آسف لأني ما عرفت كيف أتعايش مع موتك . . أنا ما عشت . . ماعشت يا غادة أنا بس كنت أحاول أتعايش وما عرفت . . والحين جالس أدفع ثمن غلطاتي! . . ثمن حُبي لك . . . توقعتي بيجي يوم وأقول أنه حُبي لك غلطة؟ . . . . أنا نفسي عُمري ماتخيلت ولا حتى فكرت بيجي يوم وأحس أنه وجودك بحياتي غلط! . . في لندن! في بيكاديلي قلتي لي بالحرف الواحد العُمر مرّة! وأنت عُمر . . تبين تبعدين؟ تبين الفرصة اللي قلت لك عطيني بدالها عُمر . . أخذيها يا غادة ما عاد أبي هالعُمر . . الباب مفتوح تقدرين تطلعين بس عارف أنك ماراح تطلعين . . وحتى لو طلعتي راح ترجعين لأن قلبك ماهو بإختيارك . . قلبك هناا . . أشار لصدره . . . غادة أخفضت رأسها لتجهش بالبكاء وكأنها تستقبلُ خبر موتٍ أحدهم، رفعت عينها المحمَّرة : طيب ساعدني! . . خلني أحبك من جديد ناصر وهذا الحوار لا يطيقه، الحوار الشفاف الذي يكشفُ به كل شيء يجعله يتصلب، يفقد إحساسه بمن حوله، يتجه نحو الباب ليأخذ جاكيته البُني ويلتفت نحوها : تذكري! . . صوتك يناديني . . . وخرج ليتركها بزحمة تفكيرها، بزحمة التخمين بماهية جملته الأخيرة، نظرت للسماء من النافذة الزجاجيَة ليطرق بذاكرتها ذاتُ الجملة، أتجهت نحو الحمام لتُبلل وجهها الشاحب ويتداخلُ الماءُ ببكاءها العميق، شعرت بأن سقف هذه الشقة ينام على صدرها ويضيِّقُ على أنفاسها المضطربة، خرجت لتنظرُ لهاتفه الملقى على السرير، أقتربت منه لتفتح المتصفح، كتبت بخانة البحث " صوتك يناديني " وهي تُدرك بأنها لأحدٍ ما، لشاعرٍ يتلاعبُ بعاطفتنا . . ثوانِي قليلة حتى دخل بها على اليوتيوب، سكنَت الغرفة بصوتِ بدر بن عبدالمحسن " تِذكَّر .. جيتي مِن النَّسيان .. ومِن كلَّ الزَّمان الَّلي مضى .. والَّلي تغيَّر صوتك يناديني .. يناديني تِذكَّر " أرتجفت شفتيْها لتتذوَّق ملوحة دمعها، تكره أن تسترجع شيئًا لا تعرفُ كيف حصَل ومتى حصَل، جلست على ركبتيْها وصوتُه يمرّ عليها وبكلماتٍ تقتلها، كيف للكلمات أن تُزهق قلبي . . يالله! ، في مركز الشرطة الكئيب في إحدى ضواحي باريس، تنهَّد وهو يمسحُ على وجهه بكفيَّه لينظُر للضابط : فقط! الضابط : الساعة الرابعة كنت هناك؟ وليد : نعم أتيْت لأتحدث معه ورأيت الشرطة بأكملها في المكان الضابط : حسنًا تم تسجيل إفادتك . . وقّع هنا وليد ينحني على الطاولة ليوقِّع ويُردف : ماذا سيحدث له؟ الضابط : ملاحق قانونيًا وهربه يؤكد بأنه القاتل عطفًا على البصمات التي أثبتت أنه قتله متعمدًا وليد : من الممكن أن يكون هو من تعدّى عليه! إذا أراد قتله لِمَ أتى به إلى بيته؟ الضابط : أصدقاء المقتول أقرُّوا بأن هناك تهديدات من " ناسِر " له، وأن هناك مشكلة بينهما جعلت ناسِر يتصرف بهذه الصورة وليد : ولكن ليس هناك دليل يثبت معرفة ناصر به يا حضرة الضابط! الضابط : أعتذر منك ولكن التحقيقات مازالت جاريَة ونحن نبحث عنه . . وبما أنه ليس هناك صلة قرابة بينكما فأفضل أن لا تتدخل بهذه المشاكل أو أجلب له محامي وليد وقف دُون أن يلفظ كلمةٍ أخرى، خرج بخطواتٍ متوجسَة وهو يحاول أن يتصل عليه ولكن لا إجابَة، جنّ جنون ناصر هذا ما أعرفه، تورط بقضية قتل في فرنسَا! يا سلام على المصائب التي ستأتِ على رأسه . . غبي! نظر لإهتزاز هاتفه ليُجيب : هلا فيصل فيصل الذي يذهب ويجيء في غرفته : وينك فيه! صار لي ساعة أتصل عليك وليد : صديقك الغبي ورّط نفسه وكنت أسجّل شهادتي بمركز الشرطة فيصل وقف بمنتصف غرفته : لحظة لحظة! مافهمت شي وش صاير؟ وليد تنهّد : لقوا جثة في شقة ناصر! وهرب مع غادة وماأعرف وينه فيه الحين . . كل الأدلة تثبت أنه قتله والحين يلاحقونه!!! فيصل تجمَّدت أقدامه : قتل مين؟ وليد : فيصل وش يهم هذا! فيصل : أبغى أعرف إسمه وليد : ماركزت فيصل : مقدروا يعرفون هرب لوين؟ وليد : ماأدري يمكن إلى الآن بباريس ماطلع منها فيصل عقد حاجبيْه : طيب وليد : ناوي تسوي شي؟ فيصل بتوتر : أكيد . . أكلمك بعدين . . . وأغلقه، مسك رأسه وهو يشعُر بالثقل، بدأ يدُور بغرفته وهو يحاول أن يبحث عن حل، ضرب بيدِه الجدار حتى تألم، يعاقب نفسِه، يتصرف بتعذيبٍ لذاته، يالله لِمَ يحدث كل هذا بهذه السرعة؟ كيف أواجه كل هذه الأمور وحدي؟ لِمَ نحنُ الذين نعيش من أجلهم يرحلون عنَّا؟ كنت أشعر بأني ميِّت في اللحظة التي فقدتُ بها والدي وأشعر الآن بذات الشعور لأني أعرف كيف ستنتهي أمور ناصر! وكيف ستعذَّب بضميري إن لم يعذبوني بأنفسهم! . . يالله رحمتُك . . رحمتُك يا من وسعت رحمته كل شيء . . . أقرّ بكذبي . . بخداعي . . لكن يالله أغفر لي . . أغفر للذين ماتُوا وهُم لا يستحقون، إن كان هُناك أحدًا يستحق العقاب . . هو أنا! أخذ مفتاح سيارته ليفتح الباب ويجد والدته أمامه أبتسم بربكة : هلا يمه . . قبَّل رأسها . . تآمرين على شي؟ والدته : وين رايح؟ فيصل : عندي شغل ضروري وبرجع . . والدته بإبتسامة : بحفظ الرحمن . . بثواني معدُودة يسابق بها الزمن خرج متجهًا لبيت عبدالله اليوسف، ينظرُ للشارع بعينٍ يهبطُ عليها الضباب، يكره أن يضطر لفعلٍ شيء غير مقتنع به، يعلم ما عواقب ما يفعل ولكن لا فُرصة ثانية، أخذ نفسًا عميقًا ليقف عند الإشارة الأخيرة، أستغرق بتفكيره وبدأ يلوم نفسِه أم يحدِّثها فهذه الطقوس خاصة به " لا تحاول العودة! لا تحاول . . واجه أخطاءك يا فيصَل " ، لن أنتظر مكتوف الأيدي متى يأتون ليأخذُوا روحي! ركن السيارة بوقتٍ يخرج به يوسف من سيارته، ألتفت عليه بإبتسامة : حيّ النسيب يُبادله الإبتسامة : الله يحييك . . . سلَّم عليه ليستضيفه بمجلسهم. يوسف : شلونك؟ عسى أمورك تمام فيصل : بخير الحمدلله بشرني عنك وعن منصور والأهل؟ يوسف : لله الحمد والمنة أمورنا طيبة . . فيصل : بو منصور وينه؟ يوسف : داخل . . رفع حاجبه من هيئة فيصل المشككة . . صاير شي؟ فيصل : لآ بس أبي أشاوره بموضوع يوسف عقد حاجبيه : عيونك تقول شي ثاني! . . تعبان؟ فيصل بإبتسامة يحاول أن يطمئنه بها : وش دعوى يوسف! قلت لك مافيه شي مهم يوسف : طيب . . وقف . . الحين أناديه . . . دخل ليجد والدته تنزل من الدرج . . يمه وين أبوي؟ والدته : توني كنت بتصل على منصور! مدري وش صاير له طلع الفجر ورجع من بوسعود توّ وشكله ما يبشر بالخير! يوسف بدأ يقرن حال فيصَل المرتبك بكلام والدته : ما قالك شي؟ والدته : لا . . يوسف : اللهم أجعله خير . . صعد للأعلى ليطرق باب غرفته، حتى فتحه بخفُوت : يبه ألتفت عليه دُون أن يجيبه بحرف، يوسف : فيصل تحت يبيك! . . يبه صاير شي؟ حتى فيصل مو على بعضه! والده وقف بوجهِ شاحب لم ينام طوال ليله : صديق لي توفى اليوم يوسف : الله يرحمه ويغفر له . . مين؟ نعرفه؟ والده تنهَّد : إيه . . مقرن يوسف أتسعت عيناه بالدهشَة ليُردف : الله يرحمه ويغمّد روحه الجنة . . كيف مات؟ يعني بمرض؟ والده هز رأسه بالنفي ليخرج ويتبعه يوسف الذي بدأ يشك بما يحدث حوله، وقف أعلى الدرج تاركًا والده خيار النزول وحده، هُناك أمر يحصل ولا أحد يُريد أن يقول! بجهةٍ أخرى دخل عبدالله المجلس ليقف فيصل متجهًا نحوه، قبَّل رأسه : أعذرني أزعجتك عبدالله : البيت بيتك فيصل : راعي الطيب مو غريبة عليك . . جلس بجانبه . . جيت بوقت غلط بس مضطر عبدالله يربتُ على فخذه : حياك يا فيصل بأي وقت فيصل : أنت تعرف اللي حصل بالماضي عبدالله هز رأسه بالإيجاب دُون أن يردف كلمة فيصل : يعني . . عرفت أنك رجعت الشغل لفترة مؤقتة عشان قضية سليمان عبدالله ألتفت عليه : سليمان؟ تعرفه فيصل بلع ريقه : بس . . . . . حصلت أشياء وأبي أناقشك فيها عبدالله أبتسم بغبن : مو صعب عليّ أستنتج وش الكلام اللي بتقوله! بس ليه تكلمت الحين بالذات؟ وش علاقته بوفاة مقرن؟ تجمدّت أصابعه وهو ينظرُ بعينٍ متسعة لكلمته الأخيرة، عمّ الصمت لثواني طويلة حتى أردف : مقرن؟ وش صار بمقرن؟ عبدالله ينظرُ لسحبته التي بيدِه : توفى امس فيصل شعر بأن عينيْه تحترق بحُمرتها : مات! عبدالله عاتب نفسِه بداخله من أنه أوصل الخبر هكذا وهو يعلمُ بعلاقته بمقرن : الله يرحمه ويغفرله ويسكنه فسيح جناته فيصل وقف بصدمَة وحركاته تزداد متوترًا : كيف مات؟ عبدالله : ما عندي خير فيصَل بضياع : أرجوك! قولي كيف مات! . . شفتوا بعينكم ولا يمكن كذب . . صح كذب؟ عبدالله وقف متجهًا نحوه : يبه فيصل .. فيصل وضع يده على جبينه وهو يشعُر بأنه كان على حافة الإعتراف، كان قريبًا من أن يعترف ولكن كل الأمور تحدث بالعكس، هل هذا تهديد فعلي لأذى عائلته : ماني فاهم شي! . . ماني فاهم والله عبدالله : وش كنت بتقول؟ فيصل بإنهيار فعلي لكل عصب بجسدِه : أعذرني . . خرج بخطواتٍ سريعة مُريبة، وصدره يرتفع بدرجةٍ مرتفعة ويسقطُ بذات الدرجة، مسك طريقًا مبتعدًا به عن الرياض، على طريقٍ رملي كان يسير حتى مرَّت ساعة وهو بذاتِ الطريق، وقف ليخرج من سيارته لتنغرس قدمه بالرمال، جلس على ركبتيْه ليضع يديْه على رأسه : يالله . . . صرخ . . يالله لا تحرقني يالله بالندم، لا تحرقني أكثر! مللت والله من الشعور بأني مذنب بكل لحظة يذهب بها شخصٌ لتحت هذا التراب! أغفر لي يا غفُور، أغفر لي جُبني . . لم أستطع حتى أن أحميه وأنا كنت قادر! ليتني أعترفت لهم، ليتني تكلمت حتى يعرفُوا أنه كان يحميهم بغيابهم . . ليتهم يعرفُون ماذا فعلت يا مقرن، نظر لهاتفه ولا شبكة به . . ركب سيارته ليعود للخلف بسرعةٍ كبيرة حتى عادت له الشبكة، ضغط على رقمٍ غير معرَّف عنده ليأتِ صوته. فيصل : أظن أننا أتفقنا بصوتٍ مستهزىء يُجيبه عمر : سُوري حبيبي فيصل بغضب : الحين راح أروح لهم وماعاد عندي شي يتخبى عُمر بتهديدٍ مبطن : طبعًا ما صار عندك شي يتخبى! قول كل اللي عندك وإحنا بعد بنقول اللي عندنا فيصل بعصبيَة كبيرة : ********** : هههههههههههههههههههههه يا أخلاق يا ولد عبدالله فيصَل : أقسم بالله . . لو تحاولون لمجرد المحاولة لأخليكم تلحقون مازن؟ تذكر مازن ولا أذكرك فيه بنبرةٍ جدية : طبعا ماأنسى! لكن هالمرة ما معك مقرن! ما معك أحد يا فيصل . . علمني كيف بتقدر؟ فيصل : الليلة . . بتعرف مين فيصل . . وأغلقه بوجهه ليعُود بسيارته لصخب المدينَة المتصدِّعة بأحزانهم. ، ، جلست على الكرسي الخشّب المعلّق بحبالٍ متينَة وهي تنظرُ للمسطحات الخضراء التي أمامها ولا يخترق خصوصيَة الخُضرة أيّ بيتٍ آخر، ولا صوتُ سوى أوراق الأشجار التي تعانق الهواء، ألتحفت شالها من برودة الطقس وأنفُها يزداد بحُمرته، ألتفتت نحوها : أبوي ما أتصل؟ ضي : لا . . -وقفت- . . خلينا ندخل بردت مررة وشكلها بتمطر بعد رتيل : بعد شوي أدخل .. أسبقيني ضي تقدمت نحوها : رتول لا تضايقين نفسك أكثر . . ونامي لك شوي ريّحي فيها جسمك رتيل : لو بتناقشيني بهالموضوع تحمّلي لساني اللي بيصير أقذر لسان على وجه الأرض ضي ضحكت لتُردف : طبعا بس مع عبدالعزيز يطلع هاللسان رتيل : لأنه كلب . . ضي أبتسمت : طيب أدخلي ونامي رتيل بضيق عقدّت حاجبيْها : الله يخليك ضي أتركيني ضي تركتها متجهة نحو الداخل بعد أن تركت الباب الخلفي مفتوح حتى تدخل منه إذا أرادت العودة، على بُعدِ خطوات كان يسيرُ على حافة الطريق متجهًا إليهم، بعد أن ذهب للشقة أولاً وأخذ أوراقه الهامة وغيّر ملابسه، سقطت عينُ نايف عليه ليهرول إليه سريعًا : عبدالعزيز؟ عبدالعزيز : هلا نايف . . مدّ إليه ملفُ أوراقهم والجوزات . . أحفظها عندك نايف : أبشر . . بوسعود يدري أنك رجعت؟ عبدالعزيز : ببلغه بس أتصل عليه . . أشار بعينيْه للمنزل الصغير . .كيفهم؟ نايف : تطمن ما صار شي ولا طلعوا لمكان . . عبدالعزيز : طيب أنت روح أرتاح وأنا بكون هنا نايف بإبتسامة صافية : لا تشغل بالك . . عبدالعزيز أتجه نحو الباب حتى أستمع لصوت حركة قادمة من الجهةِ الأخرى للمنزل، ألتفت إلى نايف بشك ليُردف الآخر : يمكن جالسين ورى! الباب الخلفي مفتوح بس لا تخاف مو قدامهم شي عبدالعزيز تنهّد بإطمئنان، ليتجه بخطواتٍ خافتة نحو الخلف، وقف بعد أن ثبتت عيناه بإتجاهها، بإتجاه شعرَها الملقى خلفها وتتلاعبُ به الريح كيفما تشاء،والشال الأسود الذي يُغطيها وتُغطي به بدايَةُ ذقنها وعينيْها الغارقَة بالعدَم، بالفراغ الذي أمامها، أمَّا شَعرُك يا رتيل لم يُتيح لي بأن أعترف أمامه بشيء، أنا لا أحبه لأن لونه رائِع أم لأنكِ لئيمة جدًا بجمالك! أنا أحب هذا الشعَر لسبب واحد: أنكِ صاحبته، كل الأشياء الفوضويَة وكل الشتائم التي تلقينها ليلاً ونهار، كل هذا يا رتيل يترك بداخلي فرصَة بأن أتآلف معها وأحبها، أنا ممتن لهذه المصائب التي لولاها لما كُنت أعرف بأن شعرُكِ جميل وعيناكِ جميلة، تقدَّم قليلاً حتى جلس بجانبها على الكرسِي المتمرجح، أرتعش قلبها الذي أندفع بقوة نحو صدرها، تعوّذت بقلبها من شياطين الإنس والجن والرعب بدأ يسيرُ بأوردتِها، دُون أن تلتفت وهي تتوقع أسوأ الأشياء تحصل لها. ألتفتت عليه لتتشبث عيناها به غير مصدقَة وهي تُرجع ذلك بأنها لم تنام ومن الممكن أنها تتوهم، وضعت يدها على صدرها برجفة : بسم الله عبدالعزيز يرفعُ إحدى حاجبيْه : هذي " أشتقت لك " بصيغتك؟ بلا وعيّ منها ضربت صدره وأطرافها تتجمَّد وحرارة أنفاسها ترتفع بعلوٍ شاهق : يالله عليك . . تبقى حقير عبدالعزيز أبتسم حتى بانت أسنانه : يجي منك أكثر رتيل بتضارب الشعُور وتناقضاته بداخلها، سقطت دموعها التي سكنَت لفترة مؤقتة بعد ليلةٍ باكيَة : ليه؟ . . عبدالعزيز يسحبها نحوه ليعانقها بشدَّة لا تضاهيها شدّة، هل أحبسُكِ فيّ؟ لدقائِق معدودة أنا اسحب رائحتِك إليْ، أن اخبئها بداخلِي إلى أن يصعب على أحدٍ أن ينتزعك مني، " ليه ؟ " هذا الإستفهام الذي لا أملك إجابته لأني لم أعتاد أن أكون جوابًا، دائِمًا ما كُنت سؤال يعيشُ حيرته ويموت في حيرته ولا أحد يحاول أن يجاوب عليه بشيء. بللت كتفه بدمعها الذائبُ بالملوحة وهي تهمسُ بقرب إذنه ببحّة تخرج بها دخانًا أبيض يعبِّر عن برودة الأجواء في باريس : ليه تسوي فيني كذا؟ . . ليه تتخلى عني بسهولة؟ عبدالعزيز : أشششششش . . لاتبكين رتيل تبتعد عنه وهي تضمُّ كفيْها من البرودة، لا تستطيع أن تُخفي رعشتها ورجفتها المتشكلة بكل خلية في جسدها، نظرت إليْه بنظراتٍ " تكوِي " ، تكوِي بها عبدالعزيز. عبدالعزيز عقد حاجبيْه وبدأت البرودة تتسللُ إلى جسدِه : كيفك؟ . . كيف الأيام اللي فاتت؟ رتيل : يهمك؟ عبدالعزيز : لو مايهمني ما سألت . . أسند ظهره للكرسي والريح تحركه قليلاً، لينظر للأشجار العاليَة المنتشرة على هذه الأرض. رتيل : وش مفهوم الحب بنظرك؟ عبدالعزيز : تعبان يا رتيل . . لا تزيدينها عليّ رتيل ببكاء : أسألك . . جاوبني وتهزمُه هذه الدموع وهذا البكاء الناعم، تهزمه البحَّة في صوتها وإرتعاشُ أطرافها، تهزمه كلماتها بشدَّة. رتيل : ما تعرف ! . . . . وقفت وهي تحاول أن تتجه للداخل ليقطع عليها صوته دُون أن يلتفت إليْها : اللي يخلينا نعيش صح رتيل دُون أن تلتفت إليه هي الأخرى : وكيف نعيش صح؟ عبدالعزيز وقف متجهًا نحوها ليقف أمامها ويلاصق حذاءها حذاءه : ما عشت صح عشان أقولك رتيل أخفضت رأسها لتجهش بالبكاء وهو يزهق روحها بهذا الجواب، بهذا الإنكار، لم يعترف! لم يحاول أن يتجرأ و يعترف، مازال يُكابر ويحرقني . . يالله! عبدالعزيز : بس ممكن يختلف مفهومه عندِك؟ رفعت عينيْها وشفتيْها ترتجف : كله كلام . . كلام يا عبدالعزيز . . . . أتمنى بس لو . . يُراقب تصاعد البياض من بين شفتيْها وتبخره في الهواء وهو يشعرُ بأن صدره يحترق وهذا البرد لا يُخمد جرحه/ حزنه رتيل تُخفض رأسها : ما راح أتمنى أني أحبك أبد . . عبدالعزيز شتت نظراته، يقبل شتى أنواع الهزائم إلا قلبها، لا يقبل منه. رتيل : لكن أنت . . آآ . . عبدالعزيز يعود بنظرِه لعينيْها التي تحكي الكثير : لكن؟ رتيل : تقول أنه الحب اللي يخلينا نعيش صح . . طيب واللي ماعاش صح؟ عبدالعزيز : ما جرب الحُب رتيل تصادم فكيّها ببعضهما البعض لتسقط دموعها بإنهمار، ضمّت نفسُها بذراعيْها والهواءُ البارد يسرق منها إتزانها عبدالعزيز بصوتٍ خافت تعبره البحة من البرودة : ما أبي أوجعك! . . كنت جايّ وأبيك تبتسمين بس أنتِ . . أنتِ اللي تضايقين نفسك رتيل شدّت على شفتِها السفليَة بأسنانها : لأني متضايقة من نفسي . . أمس مانمت من البكي! . . ليه تكتب لي كذا؟ ليه؟ . . جبان يا عبدالعزيز .. أحلف بالله أنك جبااااان عبدالعزيز : جبان بأيش؟ رتيل تثبت عينيْها بعينِه : أعترف . . . عبدالعزيز : بأيش؟ رتيل بغضب تصرخ من بين بكائها : أنت تعرف بأيش! عبدالعزيز يستفزها بلا وعيٍ منه : أني جبان رتيل تلتفت للجهة الأخرى :حرام عليك! . . حرااام يا حاول أن يقترب منها ولكن صدته يدها : لآ تلمسني . . عبدالعزيز : أعصابك تعبانة ... أدخلي رتيل وضعت يدها على صدره لتدفعه بقهر وهي تتجه نحو الباب : على صبري . . مثواي الجنَة عبدالعزيز بإبتسامة من خلفها : مثواك عِيني. وقفت قبل أن تضع يدها على مقبض الباب، وأعصابها تبدأ بالإنفلات من سيطرتها، ألتفتت عليه بنظرةٍ مشتعلة : ياربي بس! أنا أضحك ولا أبكي ولا وش أسوي؟ أقطع نفسي عشان ترتاح عبدالعزيز ضحك بهدُوء : أبيك تضحكين رتيل : هذا إن بقى فيني عقل! . . جننتني الله يآخذ العدو عبدالعزيز : تعالي . . رتيل وتستند بظهرها على الباب : ماأبغى . . لأنك إنسان أعجز عن وصفه .. متناقض قاسي مجنون مستفز عصبي و معفن عبدالعزيز بإبتسامة : شكرًا . . طيب ممكن تجين شويّ رتيل : يعني حتى كلمة حلوة بخلت فيها عليّ! عبدالعزيز بإستفزاز يجري بدمِه : من أيّ صنف من الكلمات الحلوة تبين؟ رتيل : جبان مستحيل تقول شي ماتعرف تواجهه عبدالعزيز يقترب بجديّة : رتيل .. ماأبغى أزعج ضي رتيل عقدت حاجبيْها : كلامي معك أنتهى وأبوي جاي بكرا . . . . وكان مفروض أني أفرح بشوفتك بس طول عمرك يا عبدالعزيز بتخليني مقهورة و مقهورة ومقهورة عبدالعزيز : أفآآ! بعتذر لك . . والله العظيم بعتذر لك بس تعالي رتيل تتقدم خطوتيْن إليْه لتقف أمامه : يالله سمعني! . . خلني أحس أنه هالعالم تغيّر وأنت تتنازل من برجك العاجي وتقول آسف عبدالعزيز ينحنِي ليطبع قُبلة رقيقة بجانب شفتيْها، أطال بقُبلته ليهمس : أنا إعتذاراتي فعلية ضيفيها لأوصافك السابقة تجمدَّت بمكانها مع قُبلته ولا تعابير على وجهها، عبدالعزيز حبس ضحكتِه وهو يراقبها، ينتظرُ ردة الفعل. رتيل أخذت نفس عميق بعد أن شعرت أن هذا العالم يضيقُ عليها والحُمرة تدبّ في وجهها : أضحك وش عليه . . دفعته بقوة ليسقط على الأرض. لم تتوقع أن تُسقطه، نظرت بشك إليْه، عبدالعزيز الذي سقط بسبب إنزلاق حذاءه وليس بسبب قوةِ يديْها، وقف وهو ينفض ملابسه، غرق بضحكته ليُردف وهو يقلد صوتها : تنازلي شوي سموِّك وأقبلي الإعتذار رتيل لا تعرف هل تبكي أم تضحك أم ماذا؟ بقدرةٍ هائلة يتلاعب بمزاجاتها وبتعابير قلبها، أمالت فمِها : شايف النفسية الزبالة اللي وصلت لها الفضل يعود لك فيها عبدالعزيز بصوتٍ مبحوح والمطر يهطل بغزارة : أنا آسف وتشعرُ بأن كبرياءها يتشبّع بإعتذاره، تشعرُ بلذة الإنتصار لتبتسم بضحكة تحاول كتمانها، وبإنتقامٍ لفظي : إعتذارك مو مقبول! عبدالعزيز ينظر إليها بنظرة كان يقصد بها أن يُحرجها بغزلِ عينيْه، أنتظر كثيرًا حتى أشتعلت بالحُمرة، أردف بخبث : بسم الله على قلبك لا يطلع من مكانه! ، نظرت لنفسها نظرة أخيرة بعد أن حاولت ان تسترجع ضياءها الذي أزهقهُ ريان بتصرفاته، تعطرت لتخرج من جناحهما، وفي منتصف الدرج قابلته، نظر إليها بنظرةٍ تفصيلية من قدمها لرأسها. ريم بهدُوء أبتسمت : عن إذنك . . أتجهت لليمين حتى تُكمل نزولها ولكن وقف باليمين ... ذهبت لليسار ليقف أمامها، رفعت عينها بإستفهام. ريّان : خير إن شاء الله؟ لمين كل هالزينة؟ ريم : أنت شايفني الحين متزينة؟ كلها كحل وماسكرا ! ريّان : أمي مو موجودة ريم : أنا أصلا رايحة أجلس مع أفنان ريّان بنبرةٍ يُطيلها بتوجس : أفنااان! من متى علاقتكم قوية؟ ريم بمثل سخريته تُجيبه : من يوم ماصارت علاقتي مع الجدران قوية ريّان بحدّة : أنتبهي لكلامك أعرف مين تقصدين! ابتسمت ببرود : طبعا ماأقصد بأنه الجدران أنت! لكن إذا أنت تفهمها كذا الشكوى لله ريّان : مو قلتِ خلينا . . تُقاطعه : وأنا الحين أتجاهل حدتك معي وأتجاهل سؤالك وشكِك . . أظن أني ماشية على الإتفاق ريان : فيه أحد مالي راسك اليوم؟ ريم : أنا ماني ضعيفة يا ريان عشان يملي راسي أحد . . أنا لي شخصية وأعرف أتحكم بنفسي ريَّان يُميل فمِه : طيب يا شخصية . . أتجه نحو الأعلى ليرتطم بكتفها بقوة دُون أن يلتفت، كان يتعمد أن يضايقها بتصرفه. بحديثِ نفسها أنصتت، " ماعليك منه يا ريم! . . ولا يهزِّك بشي . . أنا أعرف كيف أعدله! " ، أستيقظت عيناه لينظر للسقف والشمس المشرقَة بأشعتها القويَة، ألتفت نحو هاتفه لينظر للساعة التي تُشير للحاديَة عشر ظهرًا، تنهّد من غرقه بالنوم وتأخره، بخطواتٍ سريعة أتجه نحو الحمام، تمرُّ الدقائِق الطويلة والثوانِي التي تستطيلُ مع كل قطرةِ ماء تسقط على جسدِه وتُذكره بما حدث أمس، لا يتصالح مع نفسه أبدًا، لا يتصالح مع هذه الحياة، لا يتصالح مع الجوهرة أيضًا مهما حاول، سحب المنشفة ليخرج متجاهلاً الهواء البارد الذي يُحيط جسده العاري، أرتدى ملابسِه على عجل ليُضع " الطاقيَة " على رأسه ومن فوقها " العقال " تارِكًا الغترة على كتفِه، وخرج ليقف عند الدرج، نظر للطابق العلوي . . أخذ نفسًا عميقًا ليصعد للأعلى، وقف خلف الباب لثواني طويلة حتى فتحهُ بخفُوت، تقدّم بقدمِه اليمنى لينظرُ لجسدِها الملقى على الأرض والفراش الذي يُغطي أقدامها فقط، أقترب وهو يتأملُ المكان المرتب عدَا السرير الذي وكأن معركة حدثت عليه، جلس على ركبتيْه ليضع يده على جبينها المشتعل بحرارتِه، همس : الجوهرة . . . . الجوهرة أستيقضت برُعب لتعُود برأسها للخلف حتى أرتطم بحافةِ السرير، أضطربت أنفاسها وتسارع نبضات قلبها لتُشتت نظراتها، لا تُريد أن يراها بنظرة الشفقة، وضعت يدها على رأسها بألم سلطان عقد حاجبيْه : قومي . . الجوهرة لا تُجيبه، تكتفي بأن تنكمش حول نفسها وهي تضمّ أقدامها إليْها. سلطان : وش فيك ؟ الجوهرة : أتركني بروحي . . ماأبغى أشوفك سلطان تنهّد : وراي شغل ماهو وقت تتدلعين عليّ . . قومي قدامي الجوهرة بغضب تنفجر عليه : روح لشغلك . . وش يهمك أموت ولا أروح في ستين داهية . . . . . مرررة مهتم ماشاء الله عليك سلطان بحدة وهو يضغط على أسنانه يقترب منها ويفصلُ بين جبينها وجبينِه 5 سنتيمترات لا أكثر : إن علِّيتي صوتك عليّ مرة ثانية . . ماراح أقولك وش ممكن يصير تبللت ملامحها لتُردف بضيق : أتركني . . سلطان وقف ليشدّ يدها ويجبرها على الوقوف، حاولت أن تسحب يدها من قبضته ولكن دائِمًا ما يتفوق عليها بالقوّة : أترك إيدي . . يخي ما أبغى أطلع من هنا سلطان ينظرُ إليْها بنظراتٍ تُربكها : أولاً إسمي مو يخي . . ثانيًا شوفي حالتك .. . . وش صار أمس؟ ليه نمتي هنا؟ الجوهرة : على أساس أنك ماتبي تسمع صوتي ولا تبـ سلطان : بس ما قلت ما أبي أشوفك الجوهرة : وأنا ماني تحت رحمة مزاجك ولا راح أقبل أنك تهيني في كل مرة .. أعرف أني ماأشتغل عندِك عشان تسكتني وتهددني سلطان تنهَّد ليُرغمها على السير معه للأسفل، دخل جناحه وتقدَّم بها نحو السرير : نامي هنا الجوهرة ببرود : طار النوم سلطان بعصبية : الجوهرة! . . ترى واقفة معي هنا * أشار لأنفه * الجوهرة : بتنوّمني بالغصب . . سلطان تنرفز: أقنعيني أنك نمتي أمس . . نامي وأرحمي أمي .. أستغفر الله العلي العظيم الجوهرة أدركت أن أعصابه تعبانة، بهدُوء جلست على السرير لتُردف : راجع نفسك . . بديت تظلمني كثير سلطان بغضب وهو خارج يلفظ : أمرك عمتي بحاول إن شاء الله أتناقش مع نفسي اليوم . . . ، عقدت حاجبيْها وهي تنظُر إليه بشك من كلماته الأخيرة ومن تنبيش جروحهم الغائرة، تشعرُ بأن الحرقة تصِل أعلاها من هذا الموضوع وكأنه أمر عادِي وكأن مشاعرنا لا تهم : كيف يعني؟ يوسف : ماأدري . . توّ قالي منصور أخذت نفس عميق : يوسف . . . أخوي عمره ما كان كذا وما يتورط مع ناس ما يعرفهم .. لا تحاولون تشوهون سمعته بس عشان تبرأ أخوك . . يوسف وقف ليتجه نحوها ويجلس على السرير أمامها : مهرة وش هالكلام! أنا ما قلت بيشوهون سمعته . . أنا أقولك إحتمال ممكن يكون صح وممكن يكون غلط . . والقضية للحين بس يبون يفتحونها من جديد لأن دخل عليهم إسم ثاني وممكن يفيد مجرى القضية مُهرة بضيق : طيب . . وش بتستفيدون؟ . . أنه أمي شرطت شرط ما يحق لها أو لأن . . يُقاطعها بنبرةٍ حادة واضحة : أنتِ زوجتي لو صار اللي صار! لو طلع منصور بريء هذا ما يعني أني بطلقك . . تعدينا هالمرحلة يا مهرة ولا أبغى أرجع لها. ، يضرب حبَّات النرد على الطاولة لينظر إليه بغضب : كيف يعني؟ عُمر : هذا اللي صار طال عُمرك . . سليمان يقذف الحبات الثقيلة على وجهِه : فيصل لو تكلّم بيصير كل شي واضح لهم عُمر عاد خطوتين للخلف من ضربته التي أتت بعينِه : هددته بس سليمان بصرخة يُقاطعه : هددته ما هددته مو شغلي! . . فيصل ماأبغاه يتكلم مفهوم ولا أعيد كلامي عُمر أخذ نفس عميق : مفهوم . . سليمان : وشف لي الحيوان الثاني . . عُمر بربكة : أيّ واحد ؟ سليمان وجن جنونه بغضبه الكبير : والله أنت الحيوان!!! . . من غيره عبدالعزيز . . أبيه عندي حالا عُمر : إن شاء الله سليمان : أجل هرب من رائد رغم كل هالرجال! .. والله يا خسارة الشنب فيكم! . . واحد مقدر أبوه علينا يقدر هو! . . واحد يا كلاب قدر يلفّ عليكم كلكم . . . عُمر : تآمر على شي ثاني سليمان : أنقلع عُمر ترك المكان ضاجرًا من أسلُوب سليمان الذي يعلم أنه لا يتحدث بهذه الصورة الا إذا وصل قمة غضبه، ، يجلسُ خلف مكتبِه ببرود يقاوم به كل هذا الإضطرابات التي تواجهه، وسيلٌ من الشتائم لا تختفي من على لسانه، ينظرُ لإبنه الجالس أمامه بصمت يكرهه، يكره هذا الهدوء الذي يشعرُ بأن خلفه كوارث دخل حمد : رجعوا الشباب ما لقوه في . . يُقاطعه رائد : طيب! . . طلعه لي من تحت الأرض . . . جيب لي أيّ أحد له علاقة فيه وماأبغى أعيد الكلام عشان ما يتعب لساني لأن إذا تعب لساني وش يصير يا حمد؟ حمد بربكة بلع ريقه لأنه يُدرك ماذا يحدث إذا خابت إحدى أوامره : إن شاء الله رائد يلتفت نحو فارس :والسيد فارس ليش ساكت؟ فارس رفع عينه : وش تبيني أقول؟ نظر لهاتفه الذي أنار بإسم " موضي " ، بضحكة ساخرة : أنا أقول المصايب ليه جتنا . . شف من أتصل؟ عشان لما أقولك لها قدرات هائلة بأنه تعلقني بكل مصيبة ماتخطر على البال فارس أبتسم رُغم كل هذا الإضطراب، رفع عينِه : ردّ عليها رائد : سكرته .. شكلها كانت تبي تتشمت فارس : يـــبه! رائد : ووجعة! . . أمك هذي لا خلتني مرتاح معها ولا بعدها فارس بسخرية : أوجعك الحب رائد : تعرف الكف؟ شكله بيجيك ترى للحين حرّتي منك ما بردت فارس وقف : طيب بما أنها ما بردت أنا رايح رائد : أقول إجلس فارس تنهد : يبه بتحبسني عندك رائد : كِذا مزاج فارس : أستغفر الله . . وجلس دُون أن يردف أيّ كلمة. رائد : على فكرة لو بحب أمك بحبها عشانك ولا هي وجه حُب! فارس : هههههههههههههههه طيب . . لا تبرر لي رائد : أنا ماني فاضي أبرر لك لكن أصحح مفاهيمك العوجااا فارس : مفاهيمي العوجا بأيش؟ رائد أبتسم : يخي والله العالم تمصخرنا! . . ما كأن صارت لنا مصيبة قبل كم ساعة فارس : تتهرب . . رائد يحذف علبة المناديل عليه ليغرق فارس بضحكته المبحوحة : على فكرة من قدرات أمي الهائلة إستحواذها لك عقب كل هالسنين رائد : إستحواذ! الله يآخذك أنت ومصطلحاتك تحسسني ماني بني آدمي . . بشّر أمك بس فارس وقف وقبل أن يتفوَّه بكلمة سمع صرختها التي شعر بأنها تُمزِّق طبلة إذنه، ركض بإتجاه الأسفل لينظُر . . . . . ، دخلَ مبنى عمله لينظر لوجوههم بريبة، هذه الوجوه التي تُشبه العزاء المجسَّد، قبل أن يتجه نحو مكتب عبدالرحمن ألتفت على أحدهم : وش صاير؟ . . بربكة أرتجف به لسانه : مقرن . . آآ سلطان رفع حاجبه : إيه وش فيه مقرن؟ : الله يرحمه شعر بأن العالم يدُور حوله، تجمدّت أعصابه ليُثبت عينِه بعبدالرحمن الذي تقدَّم نحوه : أتصلت عليك طول الليل! سلطان : وش اللي قاعد يصير ؟. و وجهُ عبدالرحمن الشاحب من حقه أن يجعل سلطان يقطع الشك باليقين، أردف : خلنا ندخل وأفهمك سلطان : هُم صح؟ عبدالرحمن تنهد : سلطان خلنا ندخل مافيني حيل عليك بعد! سلطان بغضب : أنا أعرف لهم . . وتركه لينزل للأسفل بهرولةٍ سريعة جعلت كل الأعين تراقبه، دخل للغرفة المخصصة للحجز، سحب زياد بقوّة ليدفعه على الأرض : كنت تعرف بأنهم راح يتخلصون من مقرن؟ زياد ببرود يقف : إيه نعم سلطان بصفعةٍ قوية جعله يرتطم بالجدار : والله لاأعلمك إن الله حق . . . أشار بعينيْه لرجل الأمن أن يأخذه ليخرجا لساحة التدريب الحارقة بمثل هذا الوقت، جعله يجلس على الأرض ليلفظ بغضب وكل الأعين من النوافذ من عدةِ طوابق تراقب ما يحصِل بإهتمام، تُراقب ثورة غضب سلطان الذي لن يرحمه بالتأكيد. يُشير إليه بالسبابة : لو تكذب بحرف والله ثم والله ما يردِّني عن ذبحك شي . . تجاوبني على كل سؤال زياد : مالك حق . . ت لم يكمل . . . ، بعد ساعاتٍ طويلة، ينظرُ للجثة الواقعة على الأرض ليلفظ ببرود دُون أن يعي قدسيَة الموت : هذا للحين موجود هنا! . . أرموه في أيّ مكان ليتمدد على الأريكة : سليمان يبي عبدالعزيز أسامة الذي كان يشربُ الماء أسترجعه من فمِه ليُردف : وشو!!! عُمر : لا تسألني شي! هو أنهبل رسميًا أسامة : يبغاه! . . يبغاه بهالوقت؟ عُمر : وحالاً أسامة : من جدك! . . يالله . . يبي يذبحنا واحد واحد يدخلُ الآخر : تخيلوا وش صار اليوم؟ عمر : واللي يرحم والديك ما أبغى أتخيل شي : زياد! . . سلطان قاعد يستعمل معه أسلوب القوة عُمر : جد؟ : والله . . . . وصلتني الأخبار وبدقة! متأكد 100 بالمية .. شكلهم أنهبلوا بعد سالفة مقرن عُمر تنهَّد : لا تقول لسليمان بيهلكنا وبيورطنا بأهل سلطان بعد من خلفهم : ماشاء الله السيّد عُمر يتخذ قرارات بالنيابة عنِّي جميعهم وقفوا ملتفتين نحوه، ليتقدَّم إليه وهو يضع طرف المفتاح الحاد على رقبةِ عُمر : للمرة الألف أحذرك يا عُمر من أنك تسوي أشياء من ورى ظهري! . . وتصرفوا مع سلطان! . . ولا تبوني أعلمكم كيف تتصرفون معه ؟ أسامة : أبشر . . اليوم ننهي لك موضوع فيصل وسلطان سليمان يتكتف : وش صار على فارس؟ عُمر : نحاول والله العظيم لكن هالفترة هو بس عند أبوه سليمان : أنا وش قلت؟ أسامة : بالنسبة لفارس عطنا وقت سليمان : 48 ساعة لا غير . . أنتهى |
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء ( 68 ) المدخل لـ محمود درويش . تكبّر.. تكبرّ! فمهما يكن من جفاك ستبقى، بعيني و لحمي، ملاك و تبقى، كما شاء لي حبنا أن أراك نسيمك عنبر و أرضك سكر و إني أحبك.. أكثر يداك خمائل و لكنني لا أغني ككل البلابل فإن السلاسل تعلمني أن أقاتل أقاتل.. أقاتل لأني أحبك أكثر! غنائي خناجر ورد و صمتي طفولة رعد و زنيقة من دماء فؤادي، و أنت الثرى و السماء و قلبك أخضر..! و جزر الهوى، فيك، مدّ فكيف، إذن، لا أحبك أكثر و أنت، كما شاء لي حبنا أن أراك: نسيمك عنبر و أرضك سكر و قلبك أخضر..! وإنّي طفل هواك على حضنك الحلو أنمو و أكبر ! يُشير إليه بالسبابة : لو تكذب بحرف والله ثم والله ما يردِّني عن ذبحك شي . . تجاوبني على كل سؤال زياد : مالك حق . . ت لم يكمل من قدمِ سلطان التي كسرت ذراعه المتوسدة الأرض حتى صرخ زياد من إلتواءها، أبتعد و بإبتسامة تُصنِّف من إبتساماتٍ سلطانية كثيرة، هذه الإبتسامة التي تُخفي تهديدًا مبطن واضح. سحب الكرسي الذي أمامه ليجلس عليه : يالله طال عُمرك سمعني صوتك زياد يرفع ظهره من على الأرض ليجلس بتوجّع من ذراعه وهو يفركها بكفِّه الأخرى : قلت كل اللي عندي المرة اللي فاتت سلطان يضع يدِه على ذقنه ليُردف بإستفزاز : وأنا ماعجبني اللي قلته .. خله يعجبني زياد بقهر : أنا مو مكلّف أني أعجبك سلطان يعقد حاجبيْه : نعم؟ عيد ما سمعت زياد يلتزمُ الصمت وهو يُشتت نظراته للساحة الشاسِعة التي تدرّب عليها كبيرهم وصغيرهم. سلطان يقف ليسحبه من ياقته ويوقفه، قرّبه منه ليدفعه بشدّة على الأرض : ليه قتل سليمان مقرن؟ مقرن وش اللي يعرفه وخايف منه سليمان؟ لا يُجيبه، يكره نرجسيته الواضحة رُغم أني أدرك تمامًا بأن التواضع والبساطة في حياة سلطان قاعدة أساسية ولكن معنا، نحنُ المجرمين بحسبِ تصوراته دائِمًا ما يتسلّط. سلطان : ما أبغى أعيد السؤال كثير! زياد يُخفض رأسه والصمت يربطُ لسانِه دُون أيّ همسٍ ولا حرف. سلطان يقف مجددًا ليأخذه بقوة نحو عمودٍ يحترقُ من أشعة الشمس، ليضرب رأسه به وبصرخة : وش اللي خايف منه سليمان؟ من أعلى ينظرُ من النافذة وبيدِه الهاتف، رماهُ بغضب على المكتب: مجنون!!! . . . ليخرج ويُصادفه أحمد : بو سعود إذا . . لم يُكمل كلمته من ترك عبدالرحمن إليه ونزوله للأسفل، ثواني حتى توسّط المكان وبحدة : سلطاااااااان سلطان بغضب : عبدالرحمن أتركني في الطابق الثاني ناداه بحماس : سعُود تعاااال شوف الغارق بالأوراق يكتبُ على البياض بحبرٍ أزرق يُسجِّل به إحدى الشواهد التي يُريد أن يناقشها معهم : مشغول! : بيطوفك نص عمرك . . يا حمار تعال شوف وش صاير؟ . . . وقف ليتجه نحوه ويُطلق بشفتيْه تصفيرٌ خافت : أووه! وش يبون يسوون فيه ؟ بحماسٍ منفعل : والله لو يقطعون جلده حلال . . سعود بضحكة : وش فيك متحمس؟ كأن اللي مات ولدك محسن : مقهور منه الكلب! أنا جلست 4 شهور زي الحمار أتعلم كيف أكشف كذب الواحد وهذا لفّ علينا كلنا سعُود : كلن بيلاقي جزاه! . . تهقى سلطان العيد الله يرحمه كان يعرف عنهم؟ محسن : إلا مليون بالمية! . . وبصوتٍ شاهقٌ شغُوف . . بيدعي على نفسه والله ولا يجيه شي من عبدالرحمن بالقُربِ منهم كان عبدالرحمن يقف بإنتظارِ إبتعاد سلطان الذي لفظ كحرقةِ الشمس المصوّبة بإتجاههم : وش اللي يخاف منه سليمان؟ زياد ببرود يصطبر على هذا الجلدُ النفسِي والجسدي : ما أدري سلطان يُخرج سلاحه ليقترب عبدالرحمن منه ويسحب السلاح من يدِه : إبعد . . بغضب تراجع للخلف : يا عبدالرحمن! اللين والرحمة مع هالأشكال ما تنفع عبدالرحمن يُمسك زياد من ياقته المتمزقة ليجعله ينحني بظهره قليلاً حتى عجن بطنه بركبته التي إتجهت نحوه بقوِّةٍ جعلته يسقط على الأرض، رفعه مجددًا ليلكمه على وجهه حتى نزفت شفتيْه. من الأعلى أبتعدت شفتيْه عن بعضهما البعض وهو يلفظُ بدهشةٍ كبيرة : أححححح! . . . تشوف اللي أشوفه سعود: بوسعود يضرب! والله هذا شكل أحد داعي عليه بليلة القدر سلطان يقترب ويشدٌّه نحوه ليدفعه بلكمةٍ أخرى وبحدة : مين ايش خايف سليمان؟ عبدالرحمن الذي يستنزفُ كل جهدِه بمعرفة ما يحصِل لا يتحمّل برود زياد وبرود إجاباته، والصمت أصبح مستفزًا لدرجةٍ لا يصطبر عليها. زياد : ما كلمته .. اللي يتعامل معي أسامة سلطان يُظهر ملامح الشفقة بسخرية : والله؟ . . لا جد . . يصفعه بقوّة حتى بدأت الدماء تنزل بين أسنانه. زياد يسعلُ بحُمرةِ سائلة تخرجُ من شفتيْه : مالنا علاقة بسليمان! علاقتنا مع أسامة وأسامة هو اللي يوصِّل كلامنا لسليمان عبدالرحمن : ومين أسامة؟ زياد : سكرتير عند رائد عبدالرحمن : حلو . . حلو . . يقترب ليشدّ على ياقته حتى خنقه وبغضبٍ لم ولن يرى مثله أبدًا من شخصٍ حليم كعبدالرحمن : ليه قتل سليمان مقرن؟ زياد بعد أن شعر أن روحه تصعد لعنقه وبصوتٍ مختنق : لأن مقرن كان يبي يبلغكم تركه ليسعل بشدَّةٍ وهو يتقيأ دماءُه، سلطان : وش يبلغنا فيه؟ زياد بعد أن شعر أن لا مفّر من غضب سلطان والآن عبدالرحمن : مقرن كان مع سلطان العيد قبل وفاته عبدالرحمن بحدّة : وش صار؟ . . تكلّم بالتفاصيل لا تخلي جنوني تطلع عليك! زياد وأنفاسه تضطرب : سلطان العيد بعد ما تقاعد كان يشتغل معه سلطان ينظرُ إليه وعينيْه تثور ببراكينها : عشان ؟ زياد : كان يعرف هو ومقرن أنه رجال رائد اللي وصاهم عشان يراقبونه مع رجال سليمان . . فكان يعرف أنه ماراح يصير له شي لأن التهديدات اللي من رائد مستحيل تتنفذ من رجال يتعاملون مع سليمان سلطان بغضب يصفعه : أنا أسألك عشان مين؟ ما أسألك عن الحادث زياد مسح دماء أنفه ليُردف : ما أعرف سلطان جنّ جنُونه ليسحبه بقوّة حتى حاول دفعه على حجارٍ غير منتظمة الشكل قاسية، ولكن وقف أمامه عبدالرحمن ليسحبه منه ويدفعه بهدُوء ليجلس على الأرض : وش الشي اللي يعرفونه عنهم؟ زياد بعصبية : أنا مالي علاقة . . أفهموا أنا ماني مسؤول هناك . . كل اللي أسويه أنفذ أوامر عبدالرحمن بغضبٍ كبير يأخذ حجرٌ كبير ويرميه على بطنه : الحين بتصير لك علاقة زياد بألم يُبعدها وهو يشعر بأن كل خلية بجسدِه تتألم : معاهم الأدلة اللي تثبت كل العمليات اللي حصلت من رائد ومن سليمان واللي حصلت بينهم بدون علم رائد وكل اللي حصل من رجال سليمان لرجال رائد والعكس . . معاهم كل شي عبدالرحمن عقد حاجبيْه : كانت مع سلطان و مقرن؟ وليه أخفوها؟ زياد بعد صمت لثواني رفع عينيْه إليهما : أتوقع كانوا مضطرين سلطان : وليه مضطرين؟ . . مهددينهم بأيش؟ . ." صرخ ". . مهددين مقرن بأيش؟ زياد : فيكم سلطان : فينا؟ . . بأيش؟ زياد : كان كل ما يرفض مقرن يعمل لهم شي يضرون بناتك . . وجه كلمته الأخيرة لعبدالرحمن. عبدالرحمن : أجبروه عن طريق بناتي؟ . . صح؟ زياد هز رأسه بالإيجاب ليُكمل : كان مضطر يسكت خصوصًا أنه مقرن ماله منصب كبير هنا يحميه سلطان بحدّة : شفت بو كريم .. هذا عندنا هنا منصبه كبير .. دوّر حجة ثانية عشان ما أخليك عمود هنا! " بو كريم مسؤول النظافة " زياد : هذا اللي صار بعد ما تدخل فيصل سلطان : فيصل مين؟ زياد : فيصل القايد عبدالرحمن جلس على الكرسي بعد أن تنهَّد تنهيدةٍ تحمل الكثير من الوجع : وش علاقة فيصل؟ زياد : ما أعرف بالضبط لكن فيصل متورط معهم بعد ما خبّر ناصر عن وجود زوجته سلطان أتسعت محاجره بصدمة : لحظة . . لحظة . . . . سليمان اللي كان ورى إختفاء غادة بعد الحادث؟ زياد : إيه سلطان بقهر تمتم :ليه يامقرن . . ليه! رفع عينِه ليُكمل بصوتٍ واضح : وخلوا مقرن يجينا ويقولنا أنه غادة حيّة وأنها في مستشفى ثاني بعد فترة من الحادث؟ زياد : كانوا يبون يحطونكم في الصورة عشان . . سلطان : عشان! . . بصرخة . . عشان أيش؟ زياد : عشان عبدالعزيز . . يبون يحملونكم الذنب قدامه عبدالرحمن ضحك من شدّة قهره ليُردف : برافو! . . حبكوها عيال الكلب صح . . . . . سلطان حكّ جبينه بحدّة أظافره ليُردف بتحليلاتٍ تتفجّر بعقله : في ليلة الحادث بلغ رائد رجاله أنهم يعترضون طريق سلطان بدُون قتل! لكن سليمان وصاهم بالقتل . . وبكذا تلبست التهمة رائد لكن اللي تسبب بالحادث فعليًا هو سليمان وأمثالك الكلاب! . . بعد الحادث جت الشرطة وجت الإسعاف! . . سلطان العيد وينه ؟ عبدالرحمن رفع عينِه بصدمة غير مصدقًا للتحليلات التي وصل إليْها سلطان. زياد : ما أعرف سلطان يتجاهل صوتُ زياد ليلفظ بغضب : أخذوا هديل و أم عبدالعزيز للمستشفى . . أتضح أنه أم عبدالعزيز توفت مسبقًا بنزيف و هديل توفت بعد وصولها للمستشفى بفترة . . باقي سلطان العيد . . . وينه؟ زياد : ما أدري سلطان بتأكيد يُعيد كلماته : و طلعت غادة عكس ما يبون! رحمها الله وطلعت سليمة، أخذتوها لمستشفى ثاني و أختفت تمامًا . . . . . زورتوا تحاليل الـ دي إِن إيه و غيرتوا الجثث . . حصل تغيير الجثث بسرعة عجيبة .. كأنكم كنتم واثقين بأنه إثنين منهم راح يكونون أحياء زياد : سلطان العيد ميّت! سلطان : وأنا أسألك وين سلطان العيد؟ ما أسألك هو ميت ولا حيّ ؟ . . وصلت الفكرة زياد شعر بأن قلبه ينبضُ بصورةٍ مهوِّلة : ما عندي علم سلطان : وكلتوا مقرن لموضوع غادة! . . جبتوا لها وحدة تكرم نعالي عنها . . . . هبّلت فيها وهذا كان المقصود! كنتم تبون تتخلصون من غادة بأقل الخساير وبدون لا تلفتون النظر . . كنتم خايفين من مين؟ بموضوع غادة؟ . . لاحظ أني أسأل وأنا أبي إجابات واضحة بدون لف ودوران عشان ما أنهي لك روحك زياد صمت قليلاً حتى أردف وصوتُه يختنق شيئًا فشيئًا : عبدالعزيز سلطان تنهّد : عبدالعزيز! . . ألتفت لعبدالرحمن الذي يُراقب الوضع ويُحلل هو الآخر بطريقةٍ أخرى : أنا أشوف الحادث صار واضح قدامنا! عبدالرحمن يقف مقتربًا منهما : ما دخلت مخي سالفة أنه مقرن خايف علينا . . زياد يهزُ كتفيه : هذا اللي أعرفه سلطان بإبتسامة مستفزة : عاد أنا أبيك تدخلها مخ بوسعود! . . عطني التفاصيل زياد : بعد الحادث مقرن حاول يتصرف بالملفات بروحه ويفضحهم واحد واحد . . لكن كنت آآ . . كنت آخذ بيانات سرية من مكتبه وأعطيها عُمر اللي يهدده ويضطر أنكم تخلونه موضع شك عبدالرحمن : قلت المسؤول عنك أسامة! وش جاب عُمر الحين زياد تجمدّت ملامحه قليلاً ليُردف : أختصرت الموضوع . . عطيتها أسامة وأسامة عطاها عمر سلطان يسحبه ليجبره على الوقوف : شايفنا حمير! . . . . لا تحاول تكذب . .لا تحاول . . فاهمني عبدالرحمن بنبرةِ وعيد : الملفات وينها؟ الملفات اللي هدد فيها رائد؟ زياد : اللي يعرف الإجابة سليمان وحده . . كل الأشياء السرية ما يخبّر فيها أحد هو بنفسه يتصرف معها عبدالرحمن يلكمه بقوّة على عينيْه : الملفات وينها؟ زياد ببلاهة : بباريس عبدالرحمن : ما أنتهينا منك للحين . . . وأبتعد ليخطُو نحو الداخل ومن خلفه سلطان الذي وقف قليلاً ليعُود، أقترب من وجه زياد ليبصق عليه ويُردف بفرنسيَة تركت في نَفسِه الرعب وهو يعرف ماذا تعني تحدثه بالفرنسية أمامه؟ يعرفُ كيف يهدِّد سلطان بطريقةٍ أو بأخرى : إينيُوبل . . . . ." ignoble = خسيس/دنيء " حاول أن يثُور عليه لولا أيدي الأمن التي أحاطت به، أعطاهُ إبتسامة ذات معنى عميق وأكمل دخُوله. في جهةٍ أخرى : يالله شباب كل واحد شغله لا يجون ويشوفنا كذا . . . جلس . . شفت متعب؟ حالته حالة : تقطّع قلبي اليوم عليه . . . . هو أكثثر واحد قريب منه . . الله يرحمه ويغفر له . . متى تجي جثته؟ : والله مدري . . أتوقع راح يخلون ربعنا اللي في باريس يتحركون هناك دخل عبدالرحمن ليدخل لمكتبِ المراقبين : أبي سكرتير سلطان العيد الله يرحمه عندي . . لا تتصلون عليه . . روحوا بيته ويجيبوه معاكم . . : إن شاء الله طال عُمرك . . . دخل مع سلطان ليُردف : سلطان العيد كان يشتغل بدون لا يحط عندنا علم! . . كان يعرف كل شي وما كلّف عمره بس يبلغنا . . يحط عندنا خبر بدل مالحوسة اللي انحسناها سلطان يجلس على الكرسي الداكِن : ضاع آخر دليل منَّأ . . مقرن وراح وقبله سلطان . . مين الحين نسأله ولا يقولنا وش اللي قاعد يصير! عبدالرحمن : سعد! . . اكيد يعرف شي . . والحين ناصر بعد! سلطان : أنا متطمن من حاجة وحدة أنها زوجته مستحيل يضرّها لكن . . لايكون فاهم غلط ساعتها بينفتح علينا باب ما يتسكر عبدالرحمن : انفتح وخلص . . لا يوصل الخبر لعبدالعزيز بهالحالة! والله ساعتها كل شي بيطلع من سيطرتها! سلطان يقف أمام النافذة وهو يُفكر بطريقةٍ يحلّ بها هذه الأمور التي تراكمت فوق بعضها بوقتٍ واحد : تتوقع سلطان العيد كان حي بعد الحادث؟ عبدالرحمن : لا .. بس ماني مقتنع بموضوع الجثة لكن مسألة أنه حي هذي شيلها من بالك سلطان : تذكر لما كان عبدالعزيز يهذي بأبوه! . . قلت لي مرة أنك شفته يتكلم وكأنه يشوفه عبدالرحمن : إيه سلطان : قلت أنه كان يقول ماراح أغلط مثلك! عبدالرحمن : وش علاقته فينا! كان هذيان من عبدالعزيز سلطان : أؤمن كثير بالأمور النفسية . . هذيان عبدالعزيز معتمد على حقيقة غايبة عنَّا عبدالرحمن ألتفت عليه : نفكر الحين بخيالات عبدالعزيز ولا بهالمصايب يا سلطان! سلطان : ليه أحس أنه سلطان العيد أرتكب خطأ وخطأ كبير! عبدالرحمن : سلطان الله يرحمه مستحيل يغلط! . . مستحيييل يا بو بدر سلطان تنهّد وهو يُدخل يديْه في جيُوبه : غلط يا عبدالرحمن! . . غلط ومايبي ولده يغلط مثله لكن . . وش الغلط بالضبط؟ ما أدري! . . تتوقع مسألة أنه يشتغل بعد تقاعده جريمة يُعاقب عليها؟ عبدالرحمن : سلطان بديت تهلوس! سلطان بهدُوء : حيازته لملفات سرية بعد التقاعد هذي جريمة كبيرة! لكن مستحيل هالغلط بيكون هاجس بالنسبة له . . عبدالرحمن بغضب : سلطان يكفي! بوعبدالعزيز مستحيل يتصرف أو حتى يفكر يضرنا بشي سلطان : أنا أفكر حسب اللي أشوفه! ما أفكر إذا هو بيسويها أو لا . . انا أعرف سلطان العيد ومتربي على إيده ومستحيل أظن فيه ظن سيء لكن أنا أقولك حسب الأشياء اللي واضحة لي . . . ليه كانت تجي هالخيالات فترة وتروح؟ لأن فيه شي يصير ويعرفه مقرن . . أكيد كان يعرفه عبدالرحمن : مجنون! سلطان : قول عني مجنون بس ما تتساءل ليه هالأشياء تصير بهالطريقة وبهالتصادف العظيم! . . ليه عبدالعزيز الحين ما صار يشك فينا؟ ما صار يتصرف بهمجيته لما كان بالرياض؟ عبدالرحمن يقف وهو يقترب من سلطان مُشيرًا إليه بسبابته : شفت يا سلطان! شفت طريقتك أنت ما قعد تستنج أنت قاعد تتهم بدون أيّ دليل! . . عبدالعزيز كانت الأشياء اللي حوله تأثر عليه ولا تنسى كان ماضي على وفاة أهله شهر وأقل . .يعني أكيد حالته النفسية سيئة ويهذي كثير! لكن الحين بدآ يسترد قوته ويوقف على حيله . . طبيعي أنه بينسى كل هالخيالات وهالهذيان! سلطان : فيه صوت بداخلي يقول أنه سلطان العيد كان شغلته بعد تقاعده ماهي شرعية! عبدالرحمن بحدة : واللي يرحم والديك سكِّت الصوت اللي في داخلك . . بتجيب لنا مصايب . .هالصوت اللي بداخلك خلاني أشكّ في مقرن وشوف وش طلع آخر شي! سلطان بحنق : الحين طلعت أنا السبب! طيب فسّر لي ليه كان يشتغل سلطان العيد بعد تقاعده؟ تحس أنه هذا أمر طبيعي؟ عبدالرحمن :أكيد كان لسبب لكن مو السبب اللي في بالك سلطان : عبدالعزيز يظن أنه شغل أبوه هو الغلط اللي أرتكبه بس سلطان العيد مستحيل يظن أنه الشغل وحماية البلد غلط! . . سلطان العيد قبل وفاته ندَم أنه تصرف لحاله عبدالرحمن بغضبٍ ينفجر بوجهه : مجنون! تحبك القصة من خيالك وتألف من عندِك وتقول ندم وما ندم! وشلون عرفت أنه ندَم! . . يا سلطان كافي تحليلات من خيالك سلطان بغضب يبتعد عن عبدالرحمن وهو يُعطيه ظهره لينظر للنافذة : ندَم وبلغ مقرن وكان راح يجينا! لكن حصل اللي حصل عبدالرحمن بحنق يجلس على كُرسيه : استغفر الله العظيم وأتوب إليه . . أستغفر الله بس! سلطان : جلسنا سنين نجمِّع الأدلة عشان نعتقلهم كلهم! وكنا نعتقل جماعات تحتهم وتنتهي فترة حكمهم ويطلعون! لكن وش استفدنا؟ ما أستفدنا شي لأن كل واحد فينا يحاول يشتغل بروحه عبدالرحمن : سلطان أطلع برا لا تطلع جنوني اليوم! سلطان : عبدالرحمن أنت تخبي شي ألتفت عليه بنظرةٍ مندهشة ليصرخ وهو يصِل لقمة غضبه : أتهمني بعد! سلطان : كلنا متهمين لين تثبت براءتنا عبدالرحمن : سلطان أقسم بالله أقدِّم طلب الحين أخليك تبعد عن هالقضية! وتعرف أنه صلاحياتي تسمح ليْ سلطان : تهددني؟ عبدالرحمن بحدّة :إيه أهددك سلطان تشتعلُ البراكين بعينيْه : وش تعرف؟ كنت تعرف بموضوع سلطان العيد صح؟ عبدالرحمن بغضب يقف مجددًا : أطلع برا ما أبي أناقشك بأيّ شي .. ماعاد فيك عقل تفكر فيه سلطان عقد حاجبيْه : وش اللي قاعد يصير؟ ليه كل شي قاعد ينهار!!! عبدالرحمن بسخرية: البركة فيك من أستلمت هالشغل وكل يوم محاولة إغتيال وكل يوم سرقة ونهب! سلطان : الحين الذنب كله صار عليّ ؟ . . بغضبٍ يصرخُ عليه . . مين اللي دفع حياته عشان هالإغتيالات على قولتك؟ . . . محد خسر كثري فلا تحلمني ذنب ما أستحقه! ولو فيه ذنب صدقني أنت تشاركني فيه عبدالرحمن ينحني ليكتب على ورقةٍ بيضاء مهددًا : راح أطلب بإعفاءك . . وكذا مايصير عليك ذنب! . . سلطان يضرب بكفِّه على الطاولة : تعفيني من منصبي يا عبدالرحمن!!!!!! عبدالرحمن : صح اني ماأملك صلاحيات الإعفاء لكن أملك صلاحيات الأسباب اللي تخلي السِلطة تعفيك! سلطان بغضبٍ يجعل عروق وجهه واضحة : وش الأسباب اللي عندِك؟ عبدالرحمن يتكتف : أطلع برا سلطان ينظرُ إليْه بإنزعاج : الحين تفسيرات منطقية لموضوع سلطان العيد خلاك تطلع من طورك؟ أحييك والله عبدالرحمن بثبات : أطلع برا سلطان بغضب يصِل صوته لكل من في الطابق : لا تنسى أني أملك صلاحيات بعد تخليني أنقلك من الرياض بكبرها! . . عبدالرحمن بإبتسامة : أطلع برا يا سلطان سلطان يبتعد متجهًا للباب ليلتفت عليه : راح أخليهم يحجزونك لو حاولت تتصرف بموضوع أمني من غير موافقتي! عبدالرحمن : برا ! سلطان يخرج ويضربُ الباب بقوة تُثير رهبة كل من في الممر، أتجه نحو مكتبه ليغلق الباب وهو يحاول أن يهدىء من أضطراب أنفاسه والغضب المنتشي بملامحه. ، ، يقتربُ من ملامحها الناعِمة بخطواتٍ خافتة لينحني عليها وينظرُ لعينيْها المغمضتيْن، فتحتها بعد أن شعرت به، لتتجمَّد خلايا جسدِها بوجهٍ لا تعرفه، بوجهٍ يُثير الرعب في قلبها، بهمس : أششش ولا صوت . . خلينا حلويين عبير تعُود للخلف لآخر زاويَة بالسرير الضيِّق دُون أن تلفظ حرف وعرُوق عينيْها تشتعل بالحُمرة، حمَد يتجاوز السرير ليضع كفِّه على خدِها لتشتعل حُنجرتها بصرخةٍ وصلت لمدى عميق، دخل الآخر بعجل : حمد الله يآخذ أمش قبل لا يجون! حمد : أنتظر . . . بقسوّة وضع كفِّه على فمِها وهو يضغطُ بأظافره على ملامحها البيضاء : قلت لا تعاندين! . . . . . . هزّت رأسها كثيرًا تحاول أن تقاومه وهي ترتعشُ من لمساتٍ غريبة، من جسدٍ لا تعرفه، من هذه الملامح الكريهة، لم تعتاد أن ينظر إليْها شخصٌ لا تعرفه، لم تعتاد على نظرات الرجال وهي التي عاشت في كنفِ رجالٍ قليلين، أختنقت محاجرها بملوحةٍ مضطربة حتى سقطت عينيْها على فارس الذي توسّط المكان، ألتفت حمَد ليخرج قبل أن تتجمّد قدماه بوجود فارس أمامه، بغضبٍ أنطبق عليه نظرية الحليم الذي يجب أن تتقِ شرّه، سحبه بقوّة ودفعه على الجدار، مسك رأسه ليشدُّه من شعره ويُلقيه بإتجاه النافذة التي تكسّرت وتناثر زجاجها، لوى ذراعه خلف ظهره ليُردف بعصبية يحترق بها صوته : لا تحاول تلعب معي! . . . صرخ حمد من ذراعه التي شعر بأنها تنفصل عن جسدِه، وبعنفٍ لم يتوقعه من فارس المُسالم أخذ كفّ يدِ حمد ليكسِر أصابعه بقبضتِه، وأخترقت صرخته أسماعهم وهو يسمعُ صوت إنكسارِ أصابعه، لفّ جسدِه عليه ليُقابل وجهه : لا تحاول ولا حتى يجي على بالك أنك تقدر تلوي ذراعي! وبصرخة : فاهم . . . كان سيُلكمه لولا يدِ والده التي مسكته : أتركه . . حسبي الله بس فارس بتجاهل ليدِ والده سحب يدِه الأخرى ليُلكمه بأقوى ما يملك حتى تناثرت الدماء من أنفِ حمد، شدّه من ياقته ودفعه على الأرض وهو يضع قدمِه على بطنِ حمد ويحفرها بمعدتِه : أقسم بالحي القيوم لو تحاول تقرّب منها لا أزفّك على القبر! حمد بنظراتٍ رجاء لرائد حتى يُبعده، للحظة شعر بأنه مجنُون سيقتله، رائِد مسك فارس من كتفيْه ليُبعده : خلاص ما بقيت فيه عظم صاحي! فارس بغضب : ولو أشوفه قدامي مرة ثانية لا أكسر راسه رائد يُشير لحمد بأن يخرج، حمد تحامل على ألمه وهو يعرج حتى خرج من الغرفة : ما قمت تشوف قدامك! . . كل هذا عشان بنت عبدالرحمن! فارس بقهر ينفجر بوجه والده : وش رايك بعد أصفق له ؟ عجيب والله أشوف هالحيوان يدخل وأسكت! . . ماألومهم من الوصخ اللي متربين عليه! رائد بسخرية : لا تصدق مررة! . . طيب حبيبي؟ عبير انكمشت حول نفسِها وهي تضع رأسها على ركبتيْها، تشعرُ بأن وعيْها يغيبُ تمامًا ولا تشعرُ سوى بالبكاء، هذا الشعور تمامًا ينهشُ جسدي يالله، هذا الشعور الذي لا أعرفُ به ما يدُور في عقلي، الذي أجهل به إرتجافات قلبي، هذا الشعور الذي يتركني مع البكاء، أتوحَّدُ مع الملح، يالله لِمَ لا يدركون أن أظافرهم تقطِّع كبدِي؟ لِمَ لا يدركون أن عينايْ ملتهِبة بالبكاء، أنا لا أخافهم يالله! أخافُ من نفسي، أخافُ من هذا البكاء، أخافُ من هذه العزلة، أخافُ على أن تنام خلايا مخي ولا تستيقظ أبدًا، أخافُ من الجنون، هذا الجنون الذي يجعلني أشعر بأن لا حياة قادمة ولا حياة تستحق أن أسترجعها. فارس بحدّة يُعيد على والده : هذي زوجتي! وصلت لك المعلومة يبه رائد ينظرُ لعبير بنظرةٍ باهتة حتى عاد بعينيْه لإبنه : لعنة تلعنكم قل آمين . . . وخرج بخطواتٍ غاضبة. عبير رفعت عينيْها بدهشَة، بدهشة اللعن الذي يجري على لسانِه وكأنه شيءٌ عادِي وهي التي اعتادت منذُ صغرها على حُرمة هذا اللعن وعلى الذنبُ العظيم الذي تقع به بمُجرد أن تلفظ هذا اللعن، شعرت بأن شيئًا غريبًا يحدُث، لا مُشكلة لدي بأن يلفظ كل الشتائم بوجهي ولكن أن يلعن! هذا الشيء الذي يُصيبني بفجاعة، يُصيبني بذات الشعُور كلما أتى في عقلي آيةٍ واحدة " وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيم " ، هذه الآية يا فارس التي كانت تمنعني عنك في كل مرة، تمنعني عن سماع صوتِك، عن قراءة رسائلك، عن التغنج بزهرِك، كُنت أشعر بأن ذنبي عظيم حين أتذكر الله وكنت أشعرُ بأنه لاشيء حين أجدني وحيدة لا تحفني الملائكة، سوى ملكيْن يكتبُون أعمالي، سوى ملكيْن يا فارس من حق التفكر بهما أن يقتلوني. فارس تنهَّد بعُمق لينظر ليدِه التي أنجرحت من ضربه لحمد، مسحها بأكمامه ليتجه نحو الباب ويُغلقه، ألتفت نحوها ولا يعرف كيف يُهدىء من خوفها ومن بكاءها، وقف صامتًا دُون أن يقترب خطوة، يشعرُ بأن البراكين تفيض بصدرِه ويديْه تهيجُ بأن تعاود الضرب على حمد، شدّ على قبضةِ يداه وهو ينظر إليْها ويستمعُ لصوتِ بكاءها الخافت الخادشُ لروحه/لقلبه الذي يضطربُ بذبذباتِه، أقترب قليلاً حتى وقف بجانب السرير وبصوتٍ خافت : عبير . . غرست أظافرها بسيقانها التي تضمّها وهي تحاول أن تُسكِن رعشة جسدها، ودمعها لا يتوقف، لا تملك أيّ خليَة بعقلها تنتصب بثبات لتُصدِّق ما يحصل لها في هذه اللحظات، تفقدُ إدراكها بالأشياء لحظةً بلحظة، جلس على طرف السرير دُون أن يقترب منها حتى لا يُثير رعبها من جديد : أهدي . . محد راح يقرّب لك . . . ومع كل كلمةٍ يلفظها تزيدُ ببكاءها، ليس لأن الكلمات وجع! ولكن الكلمات التي تهدأني دائِمًا ما تستثيرُ دمعي، تُشعرني بأني مُتعبة حدُ العدَم، حدُ الفراغ والإحساس بذاتِ العدَم، لو أنني أختفي من هذا الوجود للحظة، فقط لحظة أعيد بها نفسِي، أخاف! والله أخافُ من فقدان نفسي، هُم لا يعرفون ماهي الجريمة التي يرتكبونها بحقي؟ جريمةٌ بحقّ روحي التي إن أندثرت لن يُعيدها إليّ أحد، هُم لا يعرفون يالله كيف يعيشُ الواحد دُون أن يشعر بما يحدثُ حوله، هُم لا يعرفون يالله كيف يصِل الواحد من شدَّةِ حزنه أن لحظات فرحه هي ذاتها لحظاتِ حزنه، والله لايعرفُون كيف أنهم يخترقون الشخص ويلوثونه! لِمَ هذا العذاب؟ لِمَ هذا الأسى؟ لِمَ هذا البكاء يا أنا؟ من يجب أن ألوم؟ فارس و تفاحةِ آدم في عنقه تضطرب بحركتها : آسف . . ماراح يتكرر هالشي مرة ثانية . . وعد بتوجس أقترب حتى وضع يدِه على رأسها، نفرت بسُرعة لتزحف جانِبًا، فارس : عبير . . أنتِ عارفة أنه هالبكي ما راح يفيدك بشي! وانا والله أساعدِك!!! عبير تنظرُ إليْه بضيق : تساعدني؟ تساعدني منك! فارس أشتعلت عروقِه بحُرقة من إتهامها : تشوفني عدوّك؟ عبير تُغطي وجهها بكلتا كفيّها وهي تهزُ رأسها بالنفي، فارس : أجل؟ . . تشوفيني كيف؟ . . عبير ليه منتِ راضية تستوعبين؟ أني والله ما أخترت أحبك! ولا أفتعلت دور العاشق عشان مصلحة . . أنا ما أخترت هالشي عبير بين دموعها وهي تشدُّ على شفتِها لحظة وتُرخيها لحظةً أخرى : كنت تعذبني كل يوم وما تجرأت حتى تقول إسمك! . . خليتني أضيع فيك . . أضيع . . أخفضت رأسها وهي تختنق بهذه الكلمات التي تستثيرُ حزنها ولا تفعل شيئًا آخر. فارس : وش كان راح يصير لو ما رحت غرفتك بالمزرعة؟ عبير رفعت عينيْها بإستغراب وهي تتسعُ بصدمتها ليُردف فارس : وش كان راح يصير لو ما شفت صورك؟ لو ماشفت رقمك مسجّل بأوراق كثيرة كتبتي فيها أشياء ما فهمتها . . كتبتي عن شخص ما عرفت وش يقرب لك! . . كتبتي عن حُبك الضايع . . عن أملك اللي أنمحى . . كنت يوميًا قبل لا أنام أفكر بهالإسم . . أفكر بعبير وبالصورة اللي شفتها . . وكل ما مسكت لوحة أبغى أرسم .. القاني أرسمك . . صرت ما أعرف أميّز ملامح أحد . . عبير بتصادم فكيّها المرتجفيْن : ملامحي؟ فارس: قدامي نوعين من الملامح! ملامح عبير و ملامح هالعالم كله . . كنت اشوفك كذا . . وكان الفضول يذبحني أعرف مين هالشخص! . . تصرفت بحقارة أعترف . . حاولت أستعمل رجال أبوي بمصالحي! . . أستعملت خدمكم حتى يوصلون لي أخبارك . . أعترف أني تعديت على خصوصيتك بس أنا ما أخترت أحبك يا عبير . . ما أخترت . . عبير بضيق تنكر كل هذه الإعترافات : ما كتبت شي بالمزرعة فارس الذي حفظ النصُ من كثرةِ قراءته له : أنا التي أنتظرتك كثيرًا و أحببتك كثيرًا و تخيلتُك كثيرًا و لم أجِد منك شيئًا يكافئ هذا الكثير، أنا التي قُلت لك أني أحبك وأجبتني بصوتِ درويش، أجبتني بحُنجرة غيرك " يحبونني ميتًا "، كيف أقُول لك أنني أُحب درويش من أجلك ومن اجل عينيْك، كيف أقُول لك مثلما قال تكبّر.. تكبرّ! فمهما يكن من جفاك ستبقى، بعيني و لحمي، ملاك ، و تبقى، كما شاء لي حبنا أن أراك. عبير تسقطُ دموعها من نصٍ يُعيدها لسنواتٍ ماضيَة، من ولعُ محمود درويش ومن لحظات إختناقها بشعرِ درويش، ومن نهايَة الفجر الذي أستقبلُه بـ " أحنّ إلى خبز أمي و قهوة أمي و لمسة أمي " أنا التي أرتديتُ وشاحًا نُقش من أجل قصائده، كيف يتعدّى أحدهُم ويقرأني بهذا الوضوح؟ كيف يتجرأ أحدهم أن يقرأ حُزني بهذه الشفافيَة؟ فارس : بس ما كملتيها . . ما كملتي قصيدته؟ عبير : ليه فتشت بغرفتي؟ ليه قرأت أشياء ما تخصّك فارس بتجاهل للومها ليُردف : وإنّي طفل هواك على حضنك الحلو أنمو و أكبر ! عبير : يكفييي فارس : كان يشعلني فضولي إتجاهك عبير تشعرُ بأن حصونها تتهدَّم بصدرها : ممكن تتركني لحالي! فارس يقف : براحتك . . . براحتك يا عبير . . . أتجه نحو الباب حتى ثبت في مكانه من إسمه الذي يعبرُ لسانها الآن، لأولِ مرةٍ يشعرُ بأن لإسمه موسيقى خاصَة وجميلة جدًا. عبير : لا تتركني! . . ممكن تجلس بدون لا تتكلم فارس إتسعت إبتسامته بإنتصارٍ لذيذ ليُبعدها عن محياه وهو يلتفت نحوها، نزع جاكيته ليجلس على الأريكة التي بزاويَة الغرفة أخذ نفس عميق عندما شعر بسكينتها، قلبي يا عبير! تسرقينه والله. لأني أحبكِ عادت الحياة لأوردتي، وعدتُ أرى أن هذا العالم بإمكانه أن يكُون جميلاً من أجلِ عينيْك، بإمكان هذا الكون أن يتجمَّد للحظة أمامي بمُجرد عبورك نحوِي، لأني أُحبكِ عادت الأغاني والقصائد لحُنجرة الرسائل، عاد كل شيءٍ لمكانه الذي يجب أن يكون به، أظنُ أنني أتجاوز العشق بمراحل، أنا هائم! هائم حدُ الفضاء، مُصاب بكِ، مُصاب بالجوَى، بالشغف، بالكَلف، بالوجد، بالود، بالوصب، بالغرام، بالعشق ، أتصِل إليْك كلمات الهوى مثلما أريد؟ أم تختصرُ الكثير مما أريد؟ أجُنِنتْ؟ أظنُ أنني فهمتُ جيدًا كيف لنظرةٍ أن تعبثُ بقلب رجلٍ تظنُه الأنثى لم تترك لها أثرًا، كل الإناث أثَر في عُمرِ أحدهم وهذا ما يجب أن يفهمنه ، كل الإناث عبارة عن وسمٍ في صدر أحدهم، كل الإناث منذُ العصُور القديمة، منذُ أن قال جميل بثينَة " ألا تتقين الله في قتـل عاشـق ، لـه كبـد حرّى عليـك تقطّـع، فيا ربّ حببنـي إليهـا وأعطني المـودّة منها أنت تعطي وتمنع، وإلا فصبّرني وإن كنت كارهـا فإني بها يـا ذا المعارج مولـع، تمتّعْتُ منها يوم بانـوا بنظـرة وهل عاشـقٌ من نظـرةٍ يتمتّع ؟ " . . مولّع يا عبير . . مولّع! ، تنظرُ إليْه قليلاً حتى تعود بعينيْها لطفلها النائمُ، تُراقب تفاصيله الصغيرة لترفع عينها مرةً اخرى إليه وتُراقب أدقُ الأشياء التي يفعلها، لتعقيدة حاجبيْه وضيقُ شفتيْه التي تميلُ قليلاً بفتُور، لطُوله الفارع، لعرضِ كتفيْه وساعتِه التي يرتديها منذُ سنوات رُغم أنه يشتري ساعاتٌ كثيرة ولكن تبقى هذه، تبقى وسمٌ على معصمِه لتُذكرني بأحبك رقيقة نطقتها للمرةِ الأولى له، هذا الشيء الوحيد يا منصُور أشعرُ بأنه شيء خاص بيْ لا يُشاركني به أحد، هذه الساعة التي أهديتُك إياها وأنا في سنتي الثانية بالجامعة، تحديدًا في أولِ خطوبتنا التي أستمرت فترة طويلة حتى تنتهي بالزواج، ألتفت عليها عندما لاحظ تأملها به، رفع حاجبِه بإستفهام لتأخذ نفسًا عميقًا وتنظر إلى طفلها مرةً أخرى. تقدّم إليها ليجلس وينحني بقُبلةِ على أنف عبدالله الصغير، رفع عينه إليْها : وش فيك؟ مو على بعضك؟ نجلاء : ولا شي . . بتروح الحين؟ منصور : إيه . . أقترب ليُقبِّلها بقُبلةٍ رقيقة على جبينها وبضحكة : متهاوشة مع أحد؟ نجلاء بضجر تُبعد عينيْها لتتكتف : شايفني مشكلجية ما يمّر يوم الا وأنا متهاوشة مع احد! منصور : لا لا النفسية اليوم ماش! . . كنت أمزح . . . نجلاء : طيب روح لا تتأخر على أبوك منصُور ينظر إليْها بنظرة تتفحصُ عينيْها : عشان القضية؟ . . تطمّني الموضوع منتهي ماله داعي تشيلين هم نجلاء بقهر : ما أعرف ليه تفتحون القضية من جديد! وش تبون توصلون له يا منصور! . . بتضايقون يوسف وبتضايقون عمِّي بعد وماراح تستفيدون شي . . المجرم وأعترف وبالسجن . . ليه تفتحون أشياء راحت وأنتهت؟ منصور يمسحُ على شعرها المنسدِل بخفّة على كتفها : لأن حصل شي جديد! وإحنا في بلد لها قانون محنا بفوضى!!!! نجلاء برجاءِ عينيْها وبصوتٍ خافت : طيب المجرم معترف ليه تشككون؟ منصور : ممكن يغطي على واحد . . نجول هذي الأشياء يمكن ما تفهمينها لكن مهمة وتأثر على ناس كثير! . . . وقف . . تآمرين على شي يا عيني؟ نجلاء :سلامتك منصُور يأخذ هاتفه ومفتاح سيارته : الله يسلمك . . وخرج ليرى أمامه يُوسف . . . أحسبك سبقتنا! يوسف تنهد : لا . . قلت لأبوي يسبقنا وأنا أجي معك منصور بخفُوت : فهمتها زين وش المقصود؟ يوسف بإبتسامة ضيِّقة : جبت العيد! منصور ينزلُ معه للأسفل : وش قلت؟ يوسف : كنت أبي أوضح لها بس خليتها تشك بأخوها الله يرحمه منصور : يسلم لي مخك يوسف تنهّد ليضغط على عينيْه بأصابعه : يخي أنا أفكر بأيش ولا أيش . . مخي بروحه جايّ له تشنج من هاللي صاير! . . لازم أشوف فيصل اليوم منصور : وإحنا طالعين نمرّه يوسف : يالله أجل خلنا نستعجل وما نتأخر عليهم ، وضعت يدِها على فمِها لتُسكِن شهقاتها المتتاليَة، الأنين الذي يُزيد من تجاعيدها ثقلاً و يخرقُ شعيراتها بالبياض، سقطت سماعة الهاتف من يدِها الأخرى لترتفع الحُمرّة في عينيْها بدمعٍ يحرقُ محاجرها ولا يُبقي بها مساحةً للتفكر، لا يُبقي بها مساحةً للتركيز. ركضت نحوها لتضع يديْها الصغيرتيْن حول ساقِ والدتها : ماما أنخفضت لتجلس على الأرض بجانبها وهي تُجاهد أن تقاوم بكاءها : يا عيُون ماما ريف تنظرُ للدمع بعينيْن مُستفهمة لتُردف : تبكين؟ والدتها بإبتسامة تزيدُ تدفق الدمعُ بعينيْها لتُردف : وش رايك ننتظر فيصل . . . تحملها لتتجه بها نحو الصالَة، أجلستها بحضنها : ننتظره هنا على ما يجي . . . . تبيني أشغلك التلفزيون؟ ريف تهز رأسها بالرفض لتُردف بنبرةٍ رقيقة تُشير لنفسها بحركةٍ طفولية: أنا ماأحبك تبكين تعانقها وهي تستنشق رائحتها وتغرقُ بتفاصيلها البريئة : الحين لما تضيع لعبتك مو تبكين؟ . . إحنا الكبار كذا نبكي بس مو عشان ضاعت لعبتنا . . . . عشان شي هنا يعوّرنا . . *تُشير ليسارِ صدر ريف* ريف تلتفتُ نحوها وبإبتسامة مشرقَة : إذا جاااء بابا راح أقوله أنه عوّرك والدتها تمسحُ دمعاتها الشفافة من على خدها : عوّرني؟ ريف : دايم تقولين أنه هنا بابا! والدتها تعانقها بشدَّة لتضع ريف يدها الناعمة حول رقبة والدتها وهي تبتسمُ بأنها عرفت كيف تمسح بكاء أمها الرقيق، شدّت على شفتِها حتى لا تغرق بحزنها أمام إبنتها، لا تعرف لِمَ يُعذِّبها هذا الإبن بهذه الصورة؟ لا يُريّحها أبدًا وهو يتجه نحو الجحيم لوحده، من هؤلاء؟ كيف سترتاح بعد هذا الإتصال الغريب. ، عضّت شفتِها السفليَة حتى لا تبكِ أمام صوتُها الذي يخترق كل الجُدران، صوتُها الذي تشعرُ بأن ظله قريبٌ منها، بأن صداه يسكنُ روحها، بأن هذه المسافات بأكملها لا تستطيع أن تقف حاجزًا بينهما، ابعدت شعرُها للجانب الآخر من كتفها لتُردف : ما فيني شي بس أشتقت لكم والدتها : وإحنا مشتاقين لك . . . . ما ودّكم تجون؟ الجُوهرة بضيق بحّتها : ما أدري عن سلطان . . مشغول هاليومين كثير . . . أبوي عندِك؟ والدتها : آآيـ . . تنظرُ لإيماءة عبدالمحسن لها بأنه لا يُريد التحدث معها حتى خرج من المجلس بهدُوء. أردفت : مو موجود بس يجي أقوله أنك اتصلتي الجُوهرة شعرت بوجوده، شعرت بربكة صوتِها التي تُوحي بأنه لا يُريد التحدث معها، أبتلعت غصتها المترديَّة في حنجرتها لتُردف : تآمرين على شي يمه؟ والدتها : متأكدة أنك مو تعبانة؟ صوتِك يوجعني يا يمه . . تكلمي فيه شي صاير؟ الجُوهرة : تطمني كل أموري تمام والدتها : أسألك بالله يالجوهرة لا تخبين شي! الجُوهرة تستنزفُ كل طاقتها بالبكاء الذي أضناها : سلمي لي عليهم كلهم . . تآمرين على شي يالغالية؟ والدتها : ما أبي إلا أنك تكونين مرتاحة وسعيدة الجوهرة : الحمدلله لا تشغلين بالك عليّ . . . مع السلامة والدتها : بحفظ الرحمن . . بمُجرد ما أغلقته حتى رمت هاتف البيت الثابت بعيدًا وهي تدفنُ رأسها بالوسادة وتجهشُ بالبكاء، لا شيء يُضاهي وجع الصدُود، الصدُود من أحدٍ كأبي، لِمَ كل هذا يحدثُ معي في لحظةٍ واحدة؟ لِمَ كل هذا يالله! أرجُوك إلا أبي. كيف أعيش دُون صوتُ أبي؟ ولمسةُ أبي؟ وعينُ أبي؟ وحنانُ أبي؟ وكل أبي! لابُد أن تركي اتصل به، بالتأكيد أنه تحدَّث معه، يا مرارة الوجع التي لا تنفّك عنِّي، كُلما ظننتها أنها تلاشت أعُود لنقطة الصفر، للبداية التي ترهقني، كل شيء يستثيرُ البكاء، كل شيءٍ في الحزن يأتِ بغزارةٍ حادة، وقفت لتنظرُ للتاريخ في شاشة الهاتف، رفعته للأعلى، من المفترض أن تُنهي اليوم مراجعة سورة النور، أتجهت نحو الحمام لتُبلل ملامحها الشاحبة بالماء البارد، رفعت شعرها لتشعرُ بغثيانٍ يؤلم بطنها الخاوي، جلست على الأريكة لتأخذ مصحفها، فتحت على سورة النُور لتسقط عينيْها الآية 35 ، وتقرأها بصوتٍ مبحوح متعب: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. وقفت دُون أن تتقدم للآية الأخرى، تتأملُ الآية وكأنها للمرةِ الأولى تقرأها، للكلمةِ الأولى، لصفة القلب البشري الذي يأتِ بقلبٍ نقي صافِي كزيتٍ صافٍ لا يخالطه شيء، مستعد أن يتعلم التعاليم الإلهية، فإذا وصل له العلم النافع اشتعل هذا القلب كإشتعال النار في فتيلة المصباح. أغلقت المصحف وهي تشعرُ بأن معدتها تستفرغ داخليًا دُون أن تتقيأ، نزلت للأسفل بخطواتٍ سريعة، نظرت لحصَة التي تقرأ إحدى الكُتب، بلعت ريقها لتُردف : سلطان ما جاء؟ حصَة رفعت عينيْها : لا . . فيك شي يمه؟ الجُوهرة : لا بس . . . ولاشي . . أتجهت نحو الدرج لتشعر بأن هذا العالم يدُور حولها، مسكت مقبض الدرج تحاول أن تستنِد إليْه، تستجمع بقايا القوّة التي بدَّدها سلطان بمزاجِه، ألتفتت نحو حصَة التي أخفضت رأسها بإتجاه الكتاب، كانت عينيْها تستنجدها، أرتفع صدرها بعلوٍ شاهق حتى هبَط وبهبوطِه سقطت على الأرض مغميًا عليها. حصَة رفعت عينيْها التي أتسعت بالصدمَة، تركت الكتاب لتهروِّل إليها سريعًا، رفعت رأسها لتضعه على فخذِها : يمه الجوهرة . . . يممه أصحي . .. . . عاااااااااااااايشة . . جيبي موياا ، ، يسيرُ يمينًا ويسارًا وهو يتحدثُ بلهفة عن حالِ بناته : الحمدلله . . وعبير؟ قدرت تشوفها؟ عبدالعزيز : تطمّن عبير شايلها بعيونه عبدالرحمن : ليه مقدرت تجيبها معك؟ عبدالعزيز : هي في الدور الثاني! مقدر أوصلها! . . طلعت وأنا واثق بفارس عبدالرحمن تنهَّد : يارب أحس بهالثقة عبدالعزيز: قالوا بتجي اليوم؟ عبدالرحمن : مقدر أخلي هالخراب اللي صاير بهالفترة! . . جالس أحاول والله أجيكم بس مقدر . . بين نارين عبدالعزيز بحنق : بين نار أهلك و بين نار وطنك . . عبدالرحمن : بالضبط عبدالعزيز : تختار شغلك! عبدالرحمن : مضطر . . لأني واثق فيك يا عبدالعزيز مثل ما أنت وافق بفارس . . أرجوك بس أبعد عن عواطفك وفكِّر بمنطقية عبدالعزيز تنهد : إن شاء الله . . وش صار بموضوع رائد؟ وش قررتوا تسوون ؟ عبدالرحمن : إلى الآن! . . نحاول نحل المواضيع اللي طلعت لنا وبعدها نفكر عبدالعزيز : وش المواضيع اللي طلعت؟ عبدالرحمن : أقولك بعدين عبدالعزيز بقهر تعتلي نبرته : من حقي أعرف! . . عبدالرحمن : أنت تعبان ريّح هاليومين ولاحق عبدالعزيز بغضب : لا تقرر عنِّي . . أبي أعرف أيش قاعد يصير ؟ عبدالرحمن: أنا عندي إجتماع الحين . . نتكلم بعدين عبدالعزيز يصرخ بقهر : أنا ماني جدار تقررون وبعدين تبلغوني! عبدالرحمن بحدّة : لا ترفع صوتك! عبدالعزيز بضيق صوته الذي ينخفض تدريجيًا : لا تسوي فيني كذا! . . لا تقهرني بهالصورة عبدالرحمن يجلس على طرفِ الطاولة : بنحطّك في الصورة يا عبدالعزيز بس مو الحين .. بالوقت المناسب عبدالعزيز : الوقت المناسب! . . يضرب بعصبيَة الطاولة الخشبيَة التي أمامه لينغرز به مسمارًا لم ينتبه له، كتم نفسُه من الألم. عبدالرحمن عقد جاجبيْه: عبدالعزيز؟ عبدالعزيز تحامل على وجعه ليُردف بقهر عميق : اللي تسويه فيني ما يسويه أبو إتجاه ولده . . يا يبه عبدالرحمن بلع ريقِه من حساسيته إتجاه هذه النقطة، من " يبه " حين تخرجُ من عزيز : عز . . بس عطني وقت والليلة أتصل عليك أفهمك عبدالعزيز بعُقدة حاجبيْه ينظرُ للدماء التي تسيل وهو يتقطّع بحُرقَة . . . أغلقه دُون أن يردف كلمة، أعطى الهاتف نايف وجلَس على الكُرسي المتمرج، بفوضويَة غضبه قطَع طرفِ قميصِه ليمسح دماءه، أنحنى بظهره وهو ينظرُ للسماء النقيَة أمامه، تراجعت عن الشباك : رتيـــــــــــــــــــل! . . . سلّمت من صلاتها التي تفوتها كثيرًا بهذا المكان المعزول، بهذا التوقيت الذي يفرقُ كثيرًا ويتجادلُ مع أرواحنًا كثيرًا، بعينيْن متلألأتين : وش تسوي عبير الحين ؟ ضي تجلسُ بجانبها على السجادة وهي تضع كفّها على كفِّ رتيل : فيه شي بداخلي يقول أنه حالها مو سيء رتيل تُخفض رأسها لينساب شعرُها خلفها : ما تعوّدت تبعد عني كل هالفترة، ما تعوّدت يمّر أكثر من يوم بدون لا أشوفها . . أخاف . . أخاف صاير لها شي وإحنا ما ندري . . . بتقطّع عشان أشوفها يا ضي ضي تمسح على شعرها المموّج : رتيل .. . أبوك بيجي اليوم تبينه يشوفك كذا؟ وتزيدينها عليه؟ رتيل : أحس فيها! والله أحس فيها . . مهي مرتاحة . . أنا أعرفها عبير . . ما تقدر تنام على سرير مو سريرها . . ضي تُشتت نظراتها لبعيد لا تُريد أن تنجرف معها وتبكِي، خرج أنينها المكتُوم الذي كان نادِرًا ما يخرج أمام أحد، خرج وهي تشتعل شوقًا لعبير : كيف لو صار مثل اللي نشوفه بالجرايد؟ كيف لو ما خلوها ترجع؟ . . كيف بنعيش؟ ضي تُشاركها الدمع المالح، وبنبرةٍ ضيّقة : تفائلي! أكيد أبوك قاعد يتصرف الحين معهم . . بس ما يبي يخوّفنا . . . وقفت لتمدّ يدها إليها وتوقفها معها وبصوتٍ خافت : روحي لعبدالعزيز . . برا رتيل تمسح عينيْها بأناملها الباردة : ليه؟ ضي : روحي شوفيه . . لا تتركينه رتيل بضيق تشدُ على جاكيتها من بردِ هذه المدينة التي أصبحت أتعسُ مدينة في عينيْها : ما أبي يا ضي . . . ووقفت متجهة نحو الأريكَة. ضي تنهدّت لتقف أمامها : متضايق . . رتيل : كيف عرفتِ! ضي: مدري مين كان يكلم بس كان واضح أنه متضايق رتيل تنظرُ لعينِ ضي بمحاولة لإكتشاف خداعها لتُردف ضي بضحكة تمسح بها هذا البكاء : والله منتِ بهيّنة تقلدين أبوك بعد! رتيل بإبتسامة : ضي! إن طلعتي تكذبين لأخليك تولدين الحين! ضي غرقت بضحكتها لتُردف : والله . . أستغفر الله بس رتيل كانت ستتقدّم للباب الخلفي ولكن تراجعت للمرآة المعلقة لتنظر لشكلها أمام إبتسامات ضي التي قلدت صوتها : ما أبغى أشوفه! رتيل ترفع شعرها بأكمله كذيل حصان : صدقيني لو أبوي يدري عن هبالك ما كان فكّر يتزوجك! حسافة بس يحسبك عاقلة وأنتِ من جنبها . . . لم تُكمل سيل كلماتها من يدِ ضي التي سحبتها بإتجاه الباب : ليتك تخافين على نفسك بس وتفكرين فيها . . . رتيل فتحت الباب لتتجه نحوه، تنحنحت حتى تُجذب نظره إليْها ولكن الصمت هو من أجابها، وقفت أمامه لتشهق عندما رأت يدِه، رفع عينه إليْها دُون أن يلفظ كلمة، مسكت يدِه التي تنزف بكلتا كفيّها : وش صار؟ وش اللي جرحها؟ عبدالعزيز يسحب كفِّه منها وهو يعقدُ حاجبيْه بضجر. رتيل بضيق : لحظة . . . . ودخلت للداخل . . وين أمس شفتي علبة الإسعافات ؟ ضي التي كانت تتجه نحو المدفأة : بالغرفة اللي جمب المطبخ . . ليه؟ رتيل وهي تبحثُ بالأدراج وتحذف كل شيء أمامها بفوضوية : يدِه مجروحة . . . ضي تقدمت إليها لتمدّ لها الحقيبة البلاستيكية التي كانت أمام رتيل المُشتتة، رتيل وقفت لتأخذها وتخرج بخُطى مبعثرة خائفة. جلست بجانبه لتسحب يدِه دُون أن تترك له مجال أن يناقشها، عقمتهُ وهي تمسح الدماء التي أنتشرت على راحةِ كفّه، أخذت الشاش لتلفُّه حول يدِه : تُوجعك؟ هز رأسه بالرفض ليُردف : أبوك ماراح يجي اليوم! ما قدَر رتيل تجمدّت عينيْها دُون أن ترمش، كانت تنتظر طيلة البارحة متى يأتِ الصباح حتى تراه، وقفت وهي تُشتت نظراتها بعيدًا : طيب، أنا بدخل . . عبدالعزيز يسحبها بيدِه الأخرى لتجلس بجانبه، وضع رأسه في حُجرها ليستلقِي على الكرسي العريض المعلّق، نظرت إليْه لثوانِي طويلة حتى رمشت وسقطت دمعتها بجانبِ عينِه، أنحنت لتراقبه وهو يُغمض عينيْه، قبَّلت مكان دمعتها بقُربِ عينِه اليُمنى، نامت كفيّها على رأسه دُون أن يشاركهما الصوت بكلمةٍ أو حتى حرفٌ بسيط يُخمد النيران التي تشتعل بهما. الرجال لا يقولون شيء، الرجال عندما يضعفُون يلجأون لمرأةٍ واحدة تمدّهم القوة، بعد كل هذه الفترة الطويلة يا عزيز أنا أفهمك تمامًا، أفهمُ ضجرك وأفهمُ تعبك وإستيطان الحزن بك، أفهمُ تقاطعات الضيق بعينيْـك، أفهمُ تمامًا يا حبيبي لِمَ كانت حياتنا مُرَّة؟ لِمَ كان في فمِي تنامُ ذكراك و قلبِي يحاول لفظِك كل ليلة؟ لِمَ كان قلبِي يتجاوزني ولا يُلقي لمحاولاتِي بالاً؟ رُدَّ لي بعض قلبي أعش به، رُدَّ لي عقلٌ يُقنعني بحقيقة ما يجري. رمشت عينيْه ليُعيد إغماضها وهو يضع كلتا يديْه بين فخذيْه، يتخذُ وضعيَة الجنين المنكمش حول نفسِه، مسحت على شعره كثيرًا لتلفظ ببحة هذه السماء في هذه اللحظة، بصوتِ الريح التي تحرِّك الحبال المتمسكة بهذا الكرسي، بصوتِ هذه الأرض التي لا نعرفها مرارًا ونجهلها تكرارًا : تعرف يا عبدالعزيز! . . قد ما أنقهر منك . . من تصرفاتك بس توجعني هالنظرة منك لا يرد عليها، مازال يتوحّد مع نفسِه ومازال رأسُه المثقل في حضنها، رتيل بحُمرة تضيِّق على دمعها : ما يعني لك شي؟ أني أنتظرك وأنت هنا . . جمبي . . قريب مني وإيدي على راسك . . ما يعني لك أيّ شي أنك قريب و أني . . أشتاق لك . . يستلقي على ظهره ليفتح عينيْه عليها، على ملامحها الناعِمَة وإن شحبت قليلاً، كيف تكُونين أنثى بهذه الطريقة اللاذعة؟ بهذا اللؤم الأنثوي؟ كيف يكُون دمعك نقطة ضعف بي؟ وكيف تكون ضحكتِك نقطة ضُعفٍ أخرى؟ رتيل بحاجبيْها المعقوديْن: ما يعني لك أني اشبهك كثير! أشبه قسوتك . .أشبه عيونك لما تضيق . . أشبه عنادِك . . يستعدِل بجلسته ليُبعد رأسه عن حضنها وهو ينظرُ إليْها بعينيْن تحكي بعُمق وتُراقب تفاصيل بكاءها الذي لا يُشبه بكاء أحدٍ في هذه الدُنى. تُكمل بصوتٍ مبحوح و في الأعلى غيمَة تصرخ للحظة وتخفت للحظةٍ أخرى، في الأعلى غيمة تُظللهما وتراقب الأشياء الصغيرة التي تلتحم ببعضها البعض من أجسادهما، هُناك في الأعلى غيمة تبرق السماء وتصبُّ الرعد بها، هُناك في الأعلى مطرٌ تغنيه السماء. رتيل : ما يعني لك أيّ شي صح؟ عبدالعزيز عقد حاجبيْه : اللي أساسه هشّ وش نهايته؟ رتيل بغضب تقف : وش بعد! .. الحياة لك يا رتيل . . شوفي أيّ حيوان وأخذيه . . بس أنا لا تفكرين فيني عبدالعزيز : أنا ما قلت كذا ويهطلُ المطر ليُشاركها البكاء : إلا قلت . . أفعالك تقول . . عيونك تقول . . حتى كلامك معي واضح! . . بس أنت جبان ماتعرف تنكر ولا تعترف! . . أنت من أيش مخلوق؟ . . تُبلل السماء شعرها ليلتصق بملامحها التي يختلطُ ملحها بعذبِ المطر لتُكمل : أتقِ الله في نفسك! . . أتقِ الله في قلبك . . حرام اللي تسويه فيني وفيك . . كافي! . . من شهور وإحنا نفس السالفة .. نفس الكلام . . خلاص . . خلاااص مليت . . مليت من نفسي اللي تتأمل بشي وبعدها تنصدم! . . أنت نفسك نفسك ما تغيّرت بس أنا اللي تغيّرت . . أنا اللي صرت زي المجنونة أحاول أقنعك بأنك فعلا حمار . . لأنك لو بني آدم ما كان قلت هالكلام لبنت مثلي! عبدالعزيز بهدُوء : بنت مثلك! رتيل بنرجسيَة : إيه بنت مثلي! يتمناها ألف واحد بس مختارتك وكل مرة تعرف أنها تخطي بإختيارك . . . أنا أعيش مع شخص ما أحبه لكن بيننا إحترام . . إحترام لمشاعري أشرف لي مليون مرة من واحد يهنني في كل مرة يشوفني فيها عبدالعزيز يقف ليُبللهما المطر، متجاهلين كل هذه الغزارة من المياه وبقسوةٍ تعُود لصوته : أنتِ ما اخترتيني أنا اللي اخترتك رتيل أرتجفت شفتيْها لتُشتت نظراتها : رجعنا للنقطة اللي عمرها ماراح تنتهي! . . رجعنا لمسألة أني معروضة عليك! . . هذي المسألة ما تعنيني شي على فكرة . . ماهي مشكلتي أنك حقير بهالصورة اللي تلوي فيها أبوي! عبدالعزيز يُدخل يديْه بجيُوب معطفه : مكبوتة كثير! . .طلعي بعد وش باقي ما قلتيه! رتيل : أنا نفسيتي تعبت يا عبدالعزيز . . يرحم لي والديك فكّر على الأقل فيني لمرّة! . . ليه كِذا ؟ بس قولي ليه تحب تعذب نفسك وتعذبني معاك ؟ عبدالعزيز سعَل من المطر والبرد الذي يتصبب على جسدِه المرهق : وش قلت لك؟ . . قلتِ مثواي الجنَة . . وقلت عيني يا رتيل . . رتيل ببكاء : ما أفهم! أنا حمارة . . أنا غبية ماأفهم بهالأشياء . . قولي بشكل واضح . . عبدالعزيز يُشتت نظراته التي بدأت تصعد الحُمرَة إليها : مقدر رتيل : ماتقدر! . . عشان مين؟ عشان أثير؟ عبدالعزيز لايُجيبها وهو ينظرُ للسماء المكتظّة بالغيم، أخذ نفس عميق يبحُّ معه صوته. رتيل بنبرةٍ باكية : ماراح تقول شي؟ عبدالعزيز : بس ينتهي كل هذا . . نتفق رتيل : على ؟ عبدالعزيز بضيق : عشان ما يطلع أساسنا هشّ! رتيل تُدخل يديْها بجيُوبِ جاكيتها وعينيْها تذرفُ الدمع بلا توقف : كِذا؟ . . يهون عليك قلبك بسهولة؟ عبدالعزيز : ماراح نوصل لشي . . ماراح ننتهي من هالمشاكل . . مو تقولين مليتي! خلاص ننهي كل شي رتيل تنفجرُ بوجهها : جباااااااااااااان . . جبااان . . أعطته ظهرها وهي تتجه نحو السُور الخشبي لتقف بجانبه. عبدالعزيز بتجاهل لكلماتها : أدخلي داخل . . رتيل بحدّة : مالك شغل فيني! . . أبعد عنِّي عبدالعزيز يقف خلفها مباشرةً، يُلصق ظهرها بصدره : ما أعرف أكون مثل ما تبين يا رتيل! . . لا تطلبين مني شي أنا مقدر عليه رتيل بصوتٍ يتحشرجُ بالبحة : كلمة . . كلمة ياعبدالعزيز ماتقدر عليها عبدالعزيز ببحّة تؤلم قلبِ رتيل : لأني ما أعرف أنهي حياتي اللي كانت قبلك! ماأعرف كيف أتقبل أنه ماعاد فيه أحد أقوله يممه. ، بتنهيِدة ينظرُ إليْه ليعود لمكتبه دُون أن يلفظ كلمة، وهذا الصمت يُثير الرعب في نفوسهم، جلس ليضع أقدامه على الطاولة بإتجاههم: خذوا جثته وحطوها قدام السفارة! . . خلهم يصلُّون عليه مساكيين . . *لفظ كلمته الأخيرة بإستهزاء* عُمر : فارس ما يطلع برا الشقة! . . سليمان ببرودِ ملامحه : طيب تبيني أروح وأطلعه لك! . . حمار أنت! . . أخلص عليّ فكني من فارس عساه ما به فارس عُمر بلع ريقه : نستعمل القوة مع رجاله سليمان يقف وهو يأخذ التفاحة من صحن الفواكه ويقضمها بصوتٍ مقزز : ضحكتني وأنا ماني مشتهي أضحك! . . كلّم الكلب أسامة ولا حمد يطلعونه لك . . في راسك هذا مخ ولا درج! عُمر بضيق : موت فارس بيكلفك كثير! . . لأنه صار نسيب عبدالرحمن سليمان رفع حاجبه : نعم؟ وأنا من متى يهمني عبدالرحمن! . . ما أبغى أعيد كلامي! . . فارس أبيه يتبخّر مع هالمطر مفهوم؟ عُمر : رائد مستعد يسوي كل شي عشان ولده! . . الموت راح يخليه يفكر بجدية ينتقم منك ويترك عبدالرحمن وسلطان سليمان بغضب يصفعه : قلت ما أبي أشوف أثر لفارس! . . لا تناقشني عُمر بحدّة : فارس ما يهمك بشي! كذا بتخلي ألف واحد يتربص لنا سليمان : وأنا أبيهم يتربصون لنا على قولتك! . . خلّ أسامة يسممه ولا يسوي له أيّ شي . . عُمر برضوخ : مثل ما تبي! لكن راح تتذكر كلامي سليمان : أنقلع عن وجهي .. لا أبو من جمعكّم يالخمّة! . . يجلسُ بالأريكة . . والحمار الثاني؟ عُمر بسخرية : الحمير كثير سليمان : تأكد أني لو أربي حمار كان تعلم وأنت ما تعلمت . . عبدالعزيز الزفت! . . أنا إذا ما سارت خطتي زي ما أبي راح أخلي قبوركم معلَم سياحي! عُمر تنهّد : مقدرنا نوصله . . بحثنا في الفنادق اللي جاها وبشقته وبشقة ناصر . .مالقينا أثر له سليمان : وش صار على ناصر؟ ما قلت لي تطورات قضيته؟ عُمر : حطيت بصماته على السلاح عشان يتأكدون أنه هددهم سليمان : حلو حلو . . يعني القضية جاهزة لناصر! . . وقف ليتقدَّم نحو الورقَة المعلقة وهو ينظرُ للأسماء التي شُطبت . . أخذ القلم ليشطب " ناصِر " وبنبرةٍ حزينة يُمثِّل : وش قد هالبلد تخسر من رجالها! ، ، وقف أمام الباب كثيرًا وهو يتردد لحظةٍ ويعُود للحظةٍ أخرى، يشعرُ بشيءٍ يُرهق خلاياه، لا يستطيع للحظة أن يفكر بإتزان وبإستقامةٍ أكثر، تقدّم إلى أحمد الجالس خلف مكتبه، فيصَل بهدوء : السلام عليكم أحمد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فيصل : أبي أشوف سلطان بن بدر أحمد : تفضل إجلس . . إتجه نحو مكتبه ليطرق الباب ولا يستمع صوت يأذن له، كان جالسًا يقرأ الخطاب الذي وصله، بغضبٍ عجن الورق بقبضةِ يدِه ليصرخ : مين! أحمد أرتجف ليفتح الباب : عُذرًا .. . آآ . . ولا شي .. وخرج. سلطان بقهر يرمي الورقَة ليخرج دُون أن ينتبه لفيصَل، أتجه نحو مكتبِ عبدالرحمن ليفتحه بقوَّة حتى سقطت عيناه عليه هو وعبدالله جالسَان يُدققان ببعض الأوراق، عبدالرحمن رفع حاجبه : خير؟ سلطان : وش اللي حاول تسويه؟ تبي تكسر ظهري ... انا ماني فاهمك! أنا عدوّك ولا صديقك! . . عبدالله : وش صاير لكم؟ سلطان بغضب كبير : اقسم بالله لا أجيب تقرير بأنك أنهبلت .. وبأنه عقلك رسميًا توقف وماعاد تعرف تفكر زي الخلق! عبدالله يقف : سلطااان! . . وش هالكلام؟ عبدالرحمن يقف هو الآخر ليُردف : أنت تحتاج تجلس لحالك وتراجع نفسك! راجع أخطاءك الأخيرة وطريقة تفكيرك وحبكتك لخيالاتك سلطان يُشير إليه بسبابةٍ مُهددة : راح أعتبر اللي صار ما صار! . . . واللي محتاج يراجع نفسه هو أنتْ! وفاة مقرن مأثرة بعقلك مو بس بقلبك! . . . وخرج بغضب للأسفل متجهًا لخارج المبنى. فيصل يقف :وش فيهم؟ أحمد يهزُ كتفه باللاأدري ليُردف : ماراح تقدر تشوفه اليوم فيصل تنهَّد ليتجه نحو مكتبِ عبدالرحمن وينظرُ للباب المفتوح : السلام عليكم ألتفتوا عليه، عبدالرحمن يجلس وهو يحاول أن يهدىء من غضبه، يشعرُ بالقهر من نفسه وليس فقط من سلطان : تفضَّل فيصل . . . . كنا راح نتصل عليك ، هيفَاء تقف أمام رزنامة التقويم الموجودة في المطبخ، يومين بالتمام ويأتِ زفافها المنتظر، يومين بالتمام وتنقلبُ هذه الحياة ليُشاركها أحدٌ آخر، يومين فقط. دخلت لتجِدها تقف مبتسمة ببلاهة أمام التقويم، ألتفتت نحوها بخوف : بسم الله . . . خرعتيني مُهرة : ما كنت أقصد هيفاء بإبتسامة : رجع يوسف مُهرة : لا . . هيفاء بتوتر من الحديث مع مُهرة التي لا تجدها دائِمًا مُبتسمة : كنت أجرِّب أسوي حلا . . وش رايك تذوقينه وتعطيني رايك؟ مُهرة بإبتسامة : وريني . . هيفاء تُبعد القصدير عن الطبق لتمدّه إليْها، أخذت حبة لتتذوقها بتلذذ : مررة حلوة هيفاء : جد ولا تجاملين؟ مُهرة : والله مررة لذيذة . . هيفاء : ومكوناتها يحبها يوسف مرة متأكدة . . خليه يجي بس وأذوقه إياه . . . . سمعت صوتُهما خارجًا .. هذولي هم جوّ . . خرجت لتجِد منصور ويوسف : طولتوا مررة منصور : مرينا فيصل وما لقيناه ورجعنا هيفاء بللت شفتيْها بلسانها بربكة : سويت حلا وأبيكم تذوقونه منصور : بصعد أغيّر وأجيك . . . صعد لتخرج مُهرة من المطبخ متجهة نحوهما. يوسف : وهذا اللي قدرتي عليه . . والله لو طابخة ذبيحة! بإبتسامة يلتفت نحوها : وش صاير بالدنيا؟ السلطانة مهرة نازلة تحت هيفاء : طيب وأنا قلت لك أني مستانسة أني مسوية حلا! شي جديد وجربته فيها شي؟ يوسف : طيب لا يكثر روحي جيبيه ويقيّمه لساني هيفاء : مرتك لو يجيها حالة نفسية ما ألومها! يوسف يضع ذراعه على كتفيّ مُهرة : أنا ومرتي نتهاوش ونتكافخ بعد بس أنتِ أطلعي منها هيفاء : أفآآ يعني تفشيل بدون مقدمات مُهرة ابتسمت : ما بعد شاف التكفيخ يوسف : متعددة القدرات الله لايضرك مُهرة تضربه بكوعها على بطنه بقوّة حتى عاد للخلف بألم : كِذا قدراتي تمام هيفاء : ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههههه منتِ هينة يوسف يجلس على الأريكة : أنا قايل بنات حايل يرضعون مع أبليس بس محد صدقني! مُهرة تجلس أمامه : من عذرك . . مآخذين قلبك بنات حايل يوسف بضحكة عميقة أردف : شوفي الخبث! طبعا مين بنات حايل؟ هُم انتِ . . الله على غرورك بس تختصرين البنات كلهم فيك! هيفاء جلست على الطاولة بجانب الباب لتتسع بإبتسامتها : أسمح لي يوسف بس طلعت مُهرة جايبة آخرتك يوسف يحبسُ ضحكته ليُردف بغزل : تجيب آخرتي . . تجيب دنيتي . . تجيب اللي تبيه مُهرة أرتفعت حرارة جسدِها لتضجّ الحُمرة بوجهها، غرقت هيفاء بضحكتها ليُشاركها يوسف بعينيْن تُراقب ردّة فعل مُهرة الخجولة. هي الأخرى سحبت منديلاً لتمسح جبينها الذي تعرَّق : أنا بصعد يُوسف : تعالي يا بنت الحلال . . هيفاء : بروح أجيب الحلا . . دقيقة بس .. وخرجت مُهرة تقف متجهة نحوه بعد أن أختلت معه : مشكلة أني احب الرياض ولا صدقني كان ممكن أكرهها بسببك يوسف بسخرية : لا مالك حق! كيف يعيشون أهل الرياض بدون حبك مُهرة تقترب منه وكانت ستتوعّده لولا أن يدِه سحبتها حتى سقطت على الأريكة بجانبه، أقترب من ملامحها : تضربين بعد! مُهرة : محد أحسن من احد . . أتركني منصور بيجي الحين يُوسف : يا قوتك بس! .. ماتبين تسأليني وش صار اليوم؟ مُهرة تغيّرت ملامحها بربكة : مو مهم يوسف : مو مهم تعرفين أنك تظنين ظن سيء بأحد؟ مُهرة وقفت بتوتر كبير لتخرج من الصالة متجهة للأعلى دُون أن تلفظ كلمة وتشعرُ بأن قلبها سيخرج من مكانه، لا تُريد أن تصدِّق بأنها ظلمت أحد ولا تُريد أن تصدِّق بأن منصور بريء. ، وضعت يدِها على شفتيْها بمحاولة تصديق ما يحدُث، نظرت بعينيْن لا تصدِّق ما تقوله حصَة امامها حتى رأت دمعتها تنزل بفرح : والله! . . يالله وش كثر بيفرح سلطان لو عرف . . راح أتصل عليه الجُوهرة بدأت دموعها تهطلُ بغزارة على ملامحها لتشدّ على يدِ حصَة : لا . . أقصد يعني أنا أقوله . . لا تقولين له الحين حصَة جلست بجانبها : الجوهرة خايفة من شي؟ الجوهرة أرتجفت بالبُكاء الذي يُصيبها في هذه اللحظة، لا تعرف هل يجب أن تبتسم لهذا الخبر أم تحزن؟ هل يحقُ لها أن تسعَد بخبرٍ كان من المستحيل أن تتمناه، أيجب أن أفكر بأنه من المستحيل أن يلاحظه سلطان أو حتى يهتمُ له، لن يشعر به، لن يشعُر بالشعور الذي عند جميع الأباء لأنه ببساطة لا يُحب أن يشعر! لا يُحب أن تتحرك أحاسيسه إتجاه أحدٍ ما، كيف أخبرك؟ أنا حتى أخاف أن تصرخ بوجهي عندما أقول لك، لأنك لا تُريد مني شيء، لا تُريد أن انجب طفلاً رُبما يشبهني! رُبما يشبه أحدًا من عائلتي، رُبما يذكرك في كل مرة أن هناك جرحٌ لم يتلئم، و هُناك حزن لم يندثر رُغم كل هذه السنوات، هُناك أثر! هُناك ألم و وجع فيّ أنا . . أنت لا تعرف ولا تُريد أن تعرف، قاسي جدًا. حصَة : حبيبي جُوج وش فيك؟ . . مفروض تنبسطين .. هذا الخبر اللي منتظرينه من زمان! الجوهرة : بس سلطان ما ينتظره حصَة بمُقاطعة حادة : لا تقولين كذا! . . لو تبلغينه الحين بتشوفينه طاير من فرحته . . . أبعدي كل هالمشاكل اللي بينكم بعيد وخلِّي هالحمل يقربكم من بعض الجُوهرة أخفضت رأسها لينساب شعرها عليها وهي تضع يدها على بطنها، تحاول أن تصدِّق بأن هناك روحًا بداخلها، أصغرُ من كل هذا، حصَة : تتصلين عليه ولا أنا أتصل؟ ، باللاإراديَة قلدت حركات شفتيْه عندما أستيقظ، تأفأفت لترفع شعرها بطريقةٍ أنيقة وتضع في أذنها قرطها الذهبي، ألتفتت إليه وهو يُغلق أزارير ثوبه : بتطلع؟ ريان بسخرية : لآ بجلس معك أتونّس ريم بإبتسامة : خسارة! . . جلستك مكسب ريّان يتقدّم نحو التسريَحة ليبعدها بيدِه وهو يُعدِّل نسفة شماغه متنهدًا : خففي هالروج! ريم تسحب منديلاً وهي تستجيبُ له بلا إعتراض : كِذا زين؟ ريّان يعرف ماذا تُريد، بلؤم الرجال الذي لا ينتهي إقترب منها ليُقبِّلها بهدُوء جعل سيقانها تتجمَّد، أبتعد وبنظرةٍ ذات معنى : كذا أزين . . . وأخذ مفتاحه وهاتفه خارجًا. ريم تزفرُ أنفاسها التي توترت : يبغى يروضني! . . طيب يا ريَّان . . . . لحقته لتنزل معه للأسفل. والدته : وإحنا صايرين مانشوفك! ريّان : معليش هالفترة مشغول ريم : طيب ريان لا تنسى غداء بكرا! عشان تحجز لنا بدري ريّان رفع حاجبه : غدا؟ ريم بإبتسامة : إيه مو قلت أنك عازم خالتي وأفنان وبنتغدى بالواجهة ريّان صمت قليلاً حتى أتى صوتُ والدته : زين تسويّ صار لنا قرن ما طلعنا ريّان بنظرة وعيد وهو يلفظُ بين أسنانه التي شدّت على بعضها البعض: طيب ماراح أنسى. . . وخرج بخطواتٍ غاضبة تشتدُ غضبًا في كل لحظة. ريم بإبتسامة واسعة : خالتي وين أفنان ؟ ، على أطرافِ أصابعها كانت تسيرُ بإتجاه النافذة، فتحتها ليهبّ هواءُ باريس المحمَّل بالمطر، تجمدَّت أصابعها عندما أقترب لأذنها الصوت القادم من الشرفة الجانبيَة : مجنون أنت! . . قوله مقدر، هو أصلا بينهبل من بعد هروب عبدالعزيز! .............................. لا . . . تقريبًا يمكن الحين نايم يا عمر مقدر أدخل عليه و بنت عبدالرحمن عنده . . . . من جدك أنت ؟ . . . . . . . أستغفر الله بس! . . . . طيب الليلة أنهي لك هالموضوع . . . . خلاص لا تحنّ الليل بمحي لك هالفارس! . . . . طيب . . .يخي أبثرتني . .. مع السلامة تجمدّت عروقها وهي تسمعُ لكلماته المُفزعة، ألتفتت لتجِدهُ نائِمًا على الأريكة ويتضحُ على ملامحه التعب، جلست على ركبتيْها عند رأسه وهي لا تعرف كيف توقظه : آآآآ . . آ .. ففـ .. فارس! .. وضعت يدها على كتفِه لتُحركه قليلاً، أستيقظ بفزع لتلفظ بعفويَة : بسم الله عليك! . . . فارس يرمشُ بعينيْه يحاول أن يستوعب من أيقظه؟ أم يستوعب كلمتها الأخيرة . . نظر إليها بعينيْن غير مصدقة حتى قطعت كل خيالاته بصوتها : آآآ .. يعني . . . . . ممكن تصحى؟ إبتسم على ربكتها ليستعدِل بجلستها : محتاجة شي؟ عبير تقف ويديْها تتشابك ببعضها البعض : لا . . شتت نظراتها بعيدًا عنه لتُكمل : تو فتحت الشباك . . و .. يعني سمعت واحد يتكلم فارس : إيه عبير بربكة : يقولون أنهم بيمحونك . . ما فهمت كلامه بالضبط . . لكن كان يقول إسمك عقد حاجبيْه : أنا؟ عبير : إيه . . فارس وقف : طيب لا تتحركين وراجع لك . . . وخرج وهو يضع يديْه في جيُوبه وينظر لرجال والده المنتشرين في كل مكان وفي كل زاويـة، دخل عند والده ليجذب عينيْه له : صح النوم! فارس : اللي يسمعك يقول نمت نومة ولا أحلى منها! كلها غفوة . . بعدين يبه وش دراك أني كنت نايم؟ رائد : العصفورة قالت لي فارس بإبتسامة : عصفورة! . . عصفورة ولا الحمار اللي مخليه يراقبني! رائد : ما أناقشك بمسألة انه حمار لأن هو حمار فعلاً لكن . . أرتاح وتطمن حبيبي محد يراقبك فارس ينظر لأسامة الجالس بعينٍ جعلته يرتبك من أن وصل له شيءٌ عنه : باين يا أسامة أنك تشتغل بتركيز . . عيونك تعبانة! أسامة وقف : تآمر على شي؟ رائد : لا تقدر تروح فارس يقف أمامه : وين كنت اليوم؟ أسامة : هنا . . أبتعد قليلاً ووقف فارس مجددًا أمامه : بس ما كنت موجود العصر! . . أسامة بتوتر : كنت تحت فارس يُبعد جسدِه عن طريقه : أحلام سعيدة . . ألتفت لوالده . . واثق في هالحمار؟ رائد تنهّد : ألفاظك بدت تصير زي وجهك فارس : مليت من الكلام الحلو والذرب قلت أجرّب شوي ألفاظ الشوارع رائد : بنت عبدالرحمن طلعت جنونك فارس يقترب من والده ليلفظ : على فكرة ما تنتقص مني بشي بهالكلام! إيه مجنون فيها رائد : الله يخلف عليك! ما منّك فايدة .. فارس يحك رقبته التي تيبست من غفوته الخاطئة : إيه نسيت لازم الفايدة تكون بأني أنهي حياة أحد . . كذا المجد لي رائد : بالله ريّح مخي من مثاليتك وأفكارك اللي ما كسبنا منها شي! . . الحياة همجية . . حط هالشي في بالك فارس تنهّد : مدري مين حاط في بالك هالتعاريف الواطية رائد إبتسم ليُردف وهو ينظرُ للأوراق : أمك أتصلت تقول ليه ما ترد عليها ؟ قلبها تقطع المسكينة فارس يُراقب نبرة والده الساخرة ليُردف : بس هذا اللي قالته ؟ رائد : إيه محرومة من النوم كله تفكر فيك خايفة أننا ما رضعناك فارس : ههههههههههههههههههههههههه ههه رائد يرفع عينه : من جدي أتكلم! . . أتصل عليها تراها مجنونة تروح تبلغ عنك وتفضحنا فارس : الله العالم مين المجنون رائد بهدُوء :أنا أحس الله رزقني عائلة تذهلني بقدراتها دايم . . أنقلع عن وجهي لا يجيك ذاك الكف اللي يخليك تعيش البرزخ فارس : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههه ما افتي لك بس ما يصير كذا! لا تقول البرزخ رائد بغضب : انقلع عن وجهي! . . أنقلع لا تخليني أذبحك الحين فارس ببرود يستفز والده : إحنا يبه من ربع اللي قالوا نحنُ قوم إذا أحبوا ماتوا . . رائد : الكلب اللي قالها لو يشوف أمك ينتحر مو من حبه من قهره . . . . . فارس بهدُوء :حقك عليّ رائد : وش تبي توصله ؟ فارس : لهدرجة هالجملة تضايقك كثير؟ رائد يقف متجهًا نحوه : ما تضايقني! بس لأني عارف وش تبي توصله . . . أنا بالنسبة لي حياتك أهم من كل شي وحط هالشي في بالك قبل لا تسوي أيّ شي غبي! فارس : أمرك . . يقتربُ منه ليقبِّل جبينه ويهمس . . أبعد رجالك عنِّي لا أصدمك باللي راح أسويه . . . . وخرج متجهًا للأسفل. نظر لأسامة وهو يعطيه ظهره ويحضِّر الشاي، نظر لإنفلات شيءٍ من جيبه في كُوب الشاي، ألتفت أسامة : جيت! . . أجل خذ صحصح على هالشاي فارس : وش حطيت فيه؟ أسامة بإبتسامة : سكر فارس رفع حاجبه : سكر؟ . . .أخذه منه ليقذفه بوجهه الذي أحترق بحرارته، ركله في بطنه حتى سقط على الأرض ليشدُّه نحوه : مين بيمحيني؟ . . ها ؟ . . . لكمه بشدّة على وجهه المبتَّل بالشاي ليجلس فوقه وهو يُردف بغضب : وش رايك أخليك عظة للحيوانات اللي معك؟ . . صرخ بقوة . . يبـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــه! . . . ثواني حتى أتى بغضب والشتائم يطلقها بصورةٍ سريعة : قوم عنه فارس : لا أبيك تشوف رجالك وش يخططون عليه؟ . . تكلّم أسامة : فارس وش فيك! فاهم غلط . . رائد : حسبي الله بس . . قوم لا أفرمك الحين معه فارس : قبل وش كنت تقول ؟ حياتي أهم من كل شي .. طيب هذا اللي تشوفه كان بيسممني ولا تسألني ليه؟ رائد ينظرُ لأسامة بريبِ ليُردف فارس وهو يقف : قايلك أنك تتعامل مع حمير بس ما صدقتني . . . ودخل لغُرفة عبير . . شدّ معطفها ليتقدّم نحوها . . سحبها من معصمها دُون أن يترك لها فرصة بأن تتحدث او تقول شيئًا، خرج بخطواتٍ سريعة من الشقَة وبنبرةٍ يستعجلها : أركبي السيارة عبير تفتح الباب وهي لا تعرف ماذا يُريد أن يصِل إليه، ركبت ليركب معها ويقودها بسرعة، توجهت طلقات الرصاص ناحيته لتكسر الزجاج الخلفي، فارس : دنقي . . . ، يضع معطفه فوقها : عنيدة! رتيل التي تجمدّت بالبرد و البياض يتبخَّر من بين شفتيْها : مزعوجة منك يا عز ولا تحاول تكلمني يجلسُ بجانبها ليبتسم بخفُوت : عز! . . اول مرة تناديني بهالإسم رتيل بسخرية : واضح أني كرهتك عبدالعزيز يقترب منها ليُقرِّب كتفيْها منه وهو يحاول أن يدفئها بجسدِه : على فكرة بما أنك قلتي جبان كثير لازم أثبت لك العكس رتيل : تثبت لي بأيش؟ عبدالعزيز يقترب من إذنها ليهمس : وش منتظرة تسمعين؟ رتيل تحاول أن تدفعه ولكن قوته أكبر، ضحك ليُردف : صفِّي النية رتيل : عبدالعزيز أنت تجرح وتجي ببساطة تمشي على جرحك! ولا كأنك مسوي شي عبدالعزيز بهدُوء : لما أجرحك . . أجرحني بجهةٍ أخرى يُطلق تصفيرًا خافتًا بلسانه من خلف الأشجار، ليضع السماعة في إذنه وهو يلحِّن الكلمات : موجودين . . موجودين يا حبيبي . عُمر : وين ؟ برا باريس؟ : مدري إذا موجود عبدالعزيز أو لا بس الأنوار شغالة. . و إذا ساكنة مرت أبو سعود ماظنتي يكون داخل .. أتوقع أنه مو موجود . . مافيه ولا سيارة أصلاً قدام الباب عُمر بإبتسامة خبث : محد موجود . . غير البنات؟ .. طيب لحظة أول شي سالفة أخته وصورها مع ناصر في لندن! : إيه لا تهتم دقيقتين وربِّك لا تشوف خبر غادة عنده . . عُمر : كفو والله . . الساعة 11 أبي يكون عند عز خبر بموضوع غادة! . . وأسمعني زين لا يدري سليمان أننا نعرف بأنه ناصر بلندن! . . لازم نستغل توريطة ناصر هالفترة . . ونستغل بعد توريطتهم هناااااك! ، يدخلُ البيت بخطواتٍ تشتعل من أمور العمل التي لا تنتهي، ألتفت ناحية عائشة الواقفة : ماما حصة وين؟ عائشة قبل أن تتحدث أنفتح الباب لتدخل معه الجوهرة وعمتِه، بعُقدة حاجبيْه : وين كنتم؟ حصَة تنزع نقابها وبإبتسامة شاسعة : خل الجوهرة تقولك سلطان : تطلعون بدون لا تقولون لي وأنا محذركم مليون مرة! حصة تنهدت : وش فيك معصب! خلاص طلعنا ورجعنا ماصار في الدنيا شي .. أنا بدخل أطبخ شي للجوهرة ماكلت شي من الصبح . . وأبتعدت عنهما. سلطان أقترب منها : وين كنتم؟ الجوهرة تنزع عباءتها : كنا في المستشفى .. تعبت شوي وأصرّت عمتك سلطان بنبرةٍ تُخيفها : تعبتِي شوي؟ الجوهرة وصدرها يضطرب معها بعلوِه وهبوطه : إيه . . يعني وش فيها الواحد ما يتعب سلطان بقهر : لاأتعبي يا قلبي . . ألف سلامة عليك الجوهرة تراقب عروقه المتفجرة بوجهه : صاير شي؟ سلطان يتجاهلها متجهًا للأعلى، تبعته وهي تُردف : فيه شي أبي أقوله لك سلطان : ماأبغى أسمعه لأن مزاجي مقفل الجوهرة : على أساس أنه مزاجك دايم مروّق ألتفت عليها بنظرة . . . . . . أنتهى . |
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء ( 69 ) المدخل لـ الحميدي الثقفي . آه يا قربك ويا بعد المسافة اقرب من القرب لكنك بعيد أنت عمر صـب في عمري جفافه نصف نار ونصفه الثاني جليد أنت نهر عندي استودع ضفافه واعذابي لا افتكرت إني وحيد ! حزني ابسقف المسا يأخذ كثافه ويتصاعد صبح دخان وحديد وارتمي بين الحقيقة والخرافة جوف صدري عذق وضلوعي جريد افتح الدفتر ويصفعني غلافه ويتساقط كل ما به من قصيد وتختنق دمعه ويسقط حلم تافه وارجع ارسم اكتب احلم من جديد ! آه يا قربك ويا بعـد المسافة اقرب من القرب لكنك بعيد ! ألتفت عليها بنظرةٍ لا تدرِي ما هيتها وإلى ما تصِل إليه، عادت بخطواتها للخلف حتى ألتصقت بالجدَار وصدرها يرتفعُ بعلوِ الشهيقُ دُون الزفير، الزفير الذي دائما ما يهزمني بقوةِ أنفاسه التي تسلب الهواء من مُحيط فمي، تصَادم فكيّها برجفةٍ خافتة وهي تنظرُ إليْه برهبةٍ لم تستطع أن تُخفيها، أقترب حتى وضع ذراعه بشكلٍ أفقي على نحرها ليُردف بحُمرة عينيْه الغاضبة : لسانك طايل! . . أنتبهي على نفسك منِّي . . مفهوم؟ عضت شفتِها السفليَة بمحاولة جادّة أن لا تبكِي أمامه، بمحاولة أكثرُ صدقًا بأنها لا تنهارُ وتضعف، بمحاولةٍ حقيقيَة بكَت، سقطت دمعة من عينيْها الداكِنة، رفعت نظراتها للسقف وشفتيْها ترتجفَان معًا، البردُ يحقن نفسه بجسدِها رُغم دفء الأجواء، في كل مرّة، في كل لحظة أؤمن أكثر بأن البرد هُنا! في صدرِي وليس في السماء ولا في الهواء، ولا الريحُ تجلب هذا البرد، البردُ فيّ وإن طالت الشمسُ هناك، لم يُساعدني هذا الدفء على أن أستعيد توازنِي من عينيْه الغاضبة، لم يُساعدني أبدًا بأن يُخفف ربكتي في اللحظة التي يتسربُ حبه في دمائي، حتى عينيْه يالله! حتى عينيْه تهزمني شر هزيمَة، لمرّة واحدة . . لمرةٍ واحدة يالله أجعلني صالحة بما يكفي بأن أرد عليه، بأن أغضب . . من حقي أن أغضب وأحرقه بالكلمات مثلما يُحرقني، أن أفرغ هذه الشحنات السلبيَة المشبعّة بحُبه، لِمَ أحبك على أيّ حال؟ لِمَ أُخبرك أيضًا بخبرٍ أجزم بأنه لن يُسعدِك! لمْ يعتاد قلبك أن يفرح لأنه لم يحزن كفايةً ولم يفرح أيضًا كفايةً ، أنت النصف يا سلطان، نصفُ الأشياء التي لا ترحل، ولا تعود أيضًا، أنت النصف المعلّق بالسماء التي كلما نظرتُ إليها قُلت في نفسي أنها ستأتِ يومًا، ستكون في متناول يدِي ولكن . . دائِمًا ما تكسر ذراعي بأشعتها. أبعد ذراعه لتصطدم قدمِه بقدمها، يُلامس أنفاسها المضطربَة بشفتيْه التي تستنشق مثل الهواء، أطال نظره، أطال ترجمة عينيْها التي تتحدث بلا توقف وتبكِي بلا توقف و تحزنُ بلا توقف، متى تأتِ النهاية؟ متى تأتِ النقطة التي تُوقف كل هذه الأشياء؟ شعرت بطعم الدماءِ على شفتيْها، تستثير حواسِّي يا سلطان، تستثيرها بشكلٍ لاذع ومُدمي، حتى أنفِي الذي أحاول أن أتخلص من التوتر الذي يُربكه تُعيده إليّ بكل عدوانيَة، وضع أصبعيْه السبابة والوسطى على شفتيْها، مسكت كفّه لتُبعده بنظرةٍ أشدُ عدوانيَةٍ منه ولكن يدِه اليسرى أتت لتوقف حركة يديْها، مسح الدماء التي على شفتيْها ليُخرج منديلاً من جيبه ويرفع رأسها للأعلى، بلحظاتٍ قليلة أوقف النزيف الجارِي من أنفها، أبتعد متجهًا للحاوية الصغيرة المنزويَة ليرمي بها المنديل، بخطواتٍ سريعة أتجهت للحمام لتُغلق على نفسها، وضعت يديْها على المغسلة وهي تنحني بظهرها بدمعٍ لا ينضَبّ، وضعت أصبعيْها فوق شفتيْها التي شحبت بلونها، مازال طعمُ لمساتِه في فمي، مازلتُ أشعر بإنشطار الكلمات على حافة لساني، مازال يؤذيني هذا الشعور. في جهةٍ أخرى جلس على الأريكة وهو يمسح على وجهه متنهدًا : لا حول ولا قوة إلا بالله . . . وقف متجهًا نحو الحمام ليطرق الباب : الجوهرة! . . . لم يأتِ صوتها ولم يقترب أبدًا منه. شدّ على مقبض الباب ليُردف : أفتحي . . مو زين الجلسة بالحمام! . . بغضبٍ يتفحمُ بنبرته : لو ما فتحتيه بكسره فوق راسك! . . ثوانِي قليلة حتى فتحته ولم تترك له مجال بأن يرى ملامحها من خُطاها المبعثرة التي أتجهت نحو الأريكة وأعطته ظهرها لتُردف بصوتٍ متحشرج يحاول أن يصعد لمرحلة الإتزان ولكن دائِمًا ما يُوقعها في الدرك الأسفَل من البحّة : ما أبي منك شي! ولا أبي أسمع منك شي! ماني على هواك متى ماتبي تسمع صوتي قلت سمعيني ومتى ما بغيت سكوتي قلت يا ويلك لو أسمعك . . ماأمشي مثل ماتبي! ماني جدار ولا أنا أشتغل عندك عشان تمحي شخصيتي بهالطريقة وتحاول تبيّن كيف تقدر تتحكم فيني! أنا حرّة يا سلطان ماني عبدة عندِك توجهني مثل ما تبي . . كان واقف خلفها يسمعُ لكلماتها الخافتة ببحّة تارة و تارةً ترتفع ببحةٍ أشد، صامت لا يقطعُ مجرى كلماتها بخطوة ولا صوت، يشعرُ بإنقباضات قلبها التي تسحبُ صوتها وتُخفِض من حدّته، صمتت أمام صمته لتصمت الأشياء من حولهما، لم تتجرأ أن تلتفت إليه، أن تضع عينيْها بعينيْه، تشابكت يديْها ببعضهما البعض بمحاولةٍ طبيعية لتخفيف إضطراب جسدها المنتشي بالربكَة، بنبرةٍ مُجهدة بما يكفي للبكاء : أفصل بيني وبين اللي يشتغلون معك! ماني بالقوة اللي تستحمل كل هذا . . أنا بنت يا سلطان ما أتحمّل كل هالضغط! ما أتحمل كل هالقهر! . . ماراح أحاسبك إذا بتتحملني أو لا! مو عشان ما أبغى بس لأني مقدر! مقدر أوقف بوجهك وأقولك ليه! ومقدر آخذ منك إجابة . . ولا حتى نص إجابة، بس خلاص! مقدر أتحمل اكثر . . تبغى تعاقبني؟ عاقبتني بعيونك كثييير! . . تبغى تعذبني؟ عذبتني بعيونك كثيير! . . تبغى تقهرني؟ قهرتني بعيونك كثيير! . . تبغى تذبحني؟ أخفضت رأسها لتجهش بالبكاء وهي تلفظ بين أوتار صوتها الباكية : ذبحتني كثييير! . . و أحرقتني! . . بس أنا وش سويت؟ ما عصيتك بأيّ أمر طلبته مني ولا قهرتك بشي ولا . . ليه أشرح لك أصلاً؟ . . ماراح تستوعب حجم الألم فيني! ماراح تستوعب خسارتي بهالحياة! . . ماراح تستوعب أبد كمية اليأس اللي عايشة فيها . . . . . بقولك شي أخير يا سلطان أنا لولا رحمة الله كان ما شفتني الحين! لولا رحمة الله كان أنتهيت من زمان! لكن شي واحد يصبرني على اللي تسويه فيني! على نظراتك اللي تحسسني بالقرف وأني إنسانة ما توصل مستواك! على نظراتك اللي تنتقص من شرفي كثير! شي واحد يقولي في كل مرة إِنّ الّذِينَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنّةِ الّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ . . . الله يعرفني ويعرف نيتي ويعرف اللي بداخلي! . . وقفت لتلتفت ببطء نحوه، نظرت لعينيْه لصمتِه الشاهق جدًا بشكلٍ لا تقدر أن تصِل إليه، للمسافة القصيرة التي تفصلُ بينهما وعبارة عن مترٍ ورُبما أقل، لم تعرف أن تترجم ملامحه الجامدة، نظرت إليه بنظرةٍ عاشقة لتُردف بصوتٍ ركيك، أخفضه الحُب كثيرًا، بلحظةٍ تنتصرُ بها لنفسها : أنا ما أحتاجك! ماعطيتني شي يخليني أحتاجك . . لكن أنت؟ ولا مرة حاولت تصدق وتختار! . . سلطان بحركةٍ أولى، بحركةٍ يُزهق بها صمته وهدُوءه، سحب شفتِه العليَة بلسانه ليُردف : خلصتي كلامك؟ شتت نظراتها بعيدًا وهي تتلألأ بالدمع لتبتلع ريقها المُنهك : بتستهزأ كالعادة! بتقول أنتِ مالك حق تـ يُقاطعها بهدُوءه الغريب عليْها : لِك حق! . . على أيش بالضبط تبيني أجاوبك؟ على أيّ كلمة قلتيها؟ الجوهرة بثبات تتجه إليه ليبقى الفاصل بينهما ثلاثِ خطوات لا أكثر ولا أقل : ليه تسوي فيني كذا؟ سلطان بحدّة : على أيّ سؤال أجاوبك! الجوهرة بإنهيارٍ تام ترتخي دموعها من تفرعاتِ أهدابها : لا تسوي فيني كذا سلطان بحدةٍ أكبر : على أيّ سؤال أجاوبك! الجوهرة أخفضت رأسها ليُشاركها العزاء شعرها الطويل، تقدّم حتى تلامس قدمه بقدمها : سهل عليّ أكسر كلامك! وأطلعك كذابة! وأعطيك إجابات على قولتك . . شفتي كيف أني أقدر بمزاجي أخلي كل الحق لي وأحيانًا لك! الجوهرة دُون أن تنظر إليها، بكلماتٍ متقطعة بالبكاء : وأنا مقدر أعيش مع هالمزاج! مقدر أعيش تحت الضغط والخوف من هالمزاج! . . مقدر سلطان يُمسكها من ذقنها ليرفع عينيْها بإتجاهه وهو يغرزُ أصابعه على جانبيّ خدها بالقُرب من شفتيْها : إذا أنا مسبب لك كل هالأزمات! لعلمك عيونك أكبر حاجز بيني وبينك! الجوهرة بنبرةٍ خافتة وحاجبيْها ينعقدان بالبكاء : ومزاجك وكلامك؟ سلطان بحدّة نبرته : وافعالي . . وأيش بعد؟ الجوهرة تضع يديْها فوق يديْه وهي تحاول ان تخفف من شدّته على وجهها : ليه ما تعترف بذنبك؟ سلطان بغضبٍ يُبعد يديْه لتتراجع خطوتين من صوته الصاخب : الحين عرفت وش هي مشكلتك! . . مُشكلتك هنا . . غرز أصابعه بكل شراسَة بإتجاه قلبها حتى عادت أكثرُ من خطوة للخلف وهي تشعر بأن أصابعه تأتِ كهيئة سكين تُبدد الإتزان من دماءها المنتشيَة به. أعطاها ظهره وهو ينظرُ بإتجاه النافذة، بنبرةٍ تكسرُ قلبها من الوجَع وتكسرُه كثيرًا وهو الذي عاش في كنف الألم أكثرُ من عقديْن : يوجعني كثير أني مقدرت أسِّس لي حياة توازي التعب اللي عشته طول الثلاثين السنة اللي فاتت! يوجعني أكثر أنه زوجتي تكون بهالحزن! صح أنا مقدرت أختارك! مقدرت أقول أبي الجوهرة ! . . ألتفت عليها بكامل جسدِه ليقترب إليها وبنبرةٍ تُحرقها . . ما أخترتك بكامل قناعاتي! لأني ما أخترت أشوفك ذيك الليلة، ما تفكرين للحظة وش اللي جابني الشرقية في هاليوم! وش اللي خلاني أجي بروحي! وش اللي خلاني أكلم أبوك من الأساس! وش اللي خلاني أدخل بيتكم وأشوفك! . . ما أخترت أنا ولا شي من كل هذا! . . ولا راح أختار . . بخطواتٍ لا يُحددها شعور ولا ترتفع لسقفٍ يُقرر ماهيتها . . أتجه نحو الباب حتى وقف ودُون أن يلتفت عليها لفظ : لا تتصورين ولا للحظة أني بقمة سعادتي وأنا أوجعك ولا أضايقك بكلمة . . لا تتصورين أبد أني مبسوط . . . انا قبل ما أوجعك أوجع نفسي اللي مقدرت تنجح في حياتها أبد . . . وخرج تاركها تُصارع إحتمالاتها بالحياة، يهزمني كعادته بكلماته، حتى وأنا أخفف تراكمات الحزن بصدري وأبددها بصوتي، حتى وأنا أحاول الحديث معه لنصِل لنقطة يهزمني، لأن الوجع بيْ على كل حال مهما حاولت، لأن عيناه يالله مؤذيَة وموجعة. ، أخفضت رأسها دُون أن تستوعب ما يحدث الآن، وأصوات طلقات النار تصخبُ وأنا التي لم اعرفها إلا بلحظاتٍ قليلة كنت أتمرنُ بها مع رتيل في الرياض، وضع ذراعه على رأسها عندما أستدار بتقاطع الشارع بقوةٍ كانت ستُذهب رأسها بإتجاه النافذة لولا يدِه التي شدّتها بقوة ناحيته، أكمل سيْره للطريق السريع متجهًا لشمال باريس، رفعت رأسها ليلتفت نحوها : بخير؟ هزت رأسها بالإيجاب دون أن تلفظ كلمة وهي تنظرُ للزجاج الخلفي كيف تهشّم، قلل من سرعة السيارة عندما أبتعد عن المنطقة، في كل ثانيَة كان يلتفت إليْها ويراقب حركاتها الصغيرة والدقيقة، تداخل أصابعها في بعضها البعض وغرزها بلحظةٍ أخرى في ركبتيْها و ليدِها التي تشدُّ على معطفها في لحظةٍ أخرى و السبابة والإبهام اللذانِ يرتفعها نحو إذنها لتُحرِّك به قرطها الناعم الصغير، دُون أن تنظر إليه : وين بنروح ؟ فارس : مدري يا عبير . . فتح " درج السيارة " الذي أمام أقدامها ليُخرج السلاح ويضعه في حضنه، أخرج الجوال ليحاول أن يفتحه إلا أنه مقفل برمزٍ سري، نظر للأوراق ليُخرجها ويقرأها تحت أنظار عبير التي تراقبه بخشيَة، تتفحصُ عيناه الأسماء وألقابها التي تخفي شخصياتٍ حقيقية، كان يحاول أن يفكك الشفرات وهو يعدُ في عقله المواقف السابقة التي حصلت والكلمات التي كان يتناقلها والده مع رجاله، ينظرُ للطريق الذي أمامه وعينيْه تغرق بالتفكير، صمتُ والده عن عبدالعزيز إلى الآن يُثير بداخله ألف سؤال، من المستحيل أن يكون والده بهذا الصمت والغباء، شعر بأن عروقه تحترق من فكرة إستغباءهم لوالده، ادفع حياتي بأكملها من اجل أبي، حمَد خطوته إتجاه عبير لم تكُن لمجرد أهواءه، هُناك أمر مُخبأ و فكرة أسامة ومهاتفته لأحدٍ مجهول مثلما سمعته عبير لم تكُن أيضًا لمجرد اللاشيء، هُناك سبب واضح لصمت والدي وسبب أوضح لوجود هؤلاء حوله، ماذا يحدث بالضبط؟ عادت أنظاره للأوراق، للكلمات الحادّة المكتوبة، هل هذه وثائق سريَة؟ من المستحيل أن توضع في السيارة، أيّ رجال أبي يقود هذه السيارة؟ بالتأكيد ليس أسامة ولا حمد . . هُناك شخص آخر يتلاعبُ بهم. ألتفت على عبير وهو يُعيد الأوراق وخلفه السلاح ليشتم نفسه عندما شعر بأن ضيّع فرصة التحقيق مع أسامة وعقله يربط الأحداث، محاولة إغتيال سلطان بن بدر وقعت دُون علم أبي من رجاله، هذا يعني أنه هؤلاء الرجال مشتركين مع شخصٍ يوجههم غير أبي، هذا الشخص لا بُد أن يكون معروف، هذا يعني أن بعد حادث العيد كانوا رجال والدِي يتصرفون بغير علمه، شِتْ! حرّك السيارة ليُكمل سيره بطريقٍ لا يعرف ما مُنتهاه، وأفكاره تتخبّط بإحتمالاتٍ تُبعد عنه التركيز/الإتزان، عبير بصوتٍ هادىء : ودني الفندق! لم يسمعها وأمواجه تتلاطم عند طبلة إذنه، بصوتٍ أكثر وضوحًا : فارس! ألتفت عليها ليُعيد أنظاره بثواني قليلة إلى الطريق : هلا عبير : ودني الفندق . . أهلي هناك؟ فارس : لا . . بنشوف لنا مكان قريب تجلسين فيه وأنا بضطر أرجع أشوف أبوي عبير : بتخليني بروحي؟ فارس : ساعة بالكثير وراجع لك عبير وفكيْها يتصادمان معًا : كيف تتركني بروحي؟ بأيّ مكان؟ إحنا مو بالرياض!!! فارس: طيب انتظرك لين تنامين وأطلع وماتصحين الا وأنا عندك . . عبير : يعني تسكتني؟ تعرف شي! روح الله لا يردِّك فارس ألتفت عليها وعيناه تشتعل بالغضب : يا كُبرها عند الله تنظرُ للطريق وشفتيْها ترتجفَان بزمهرير غضبه، شعرت بأن صدرها يحترق بكلمتِه، لامت لسانها كثيرًا وشتمت نفسها بداخلها من دعوتها عليه، ودّت لو تقول " آسفة " ودّت لو تنطق شيئًا يُمحي هذه الدعوة، أخفضت رأسها أمام عينيه التي تراقبها بقهر، شدّت على شفتيْها بأسنانها لتلفظ بخفُوت : مو قصدِي! فارس : في هالدنيا كلها محد يخاف عليك كثري عدا أبوك . . تأكدي من هالشي عبير تنزلُ دمعة رقيقة على ذكرى والدها الذي أصبح يمرُّ كإسم دُون أن تراه : أنا مقهورة من اللي صار! . . كان مفروض توقف بوجه أبوك قبل كل شي . . كان مفروض ما تجي الفندق وتكذب عليّ عشان أنزل وتآخذني . . كان مفروض ما تتزوجني بهالطريقة الرخيصة . . . كان مفروض تسوي أشياء كثيرة تخليني أثق فيك وبحبك . . بس أنت يا فارس ما سويت شي! فارس يركن السيارة مرةً اخرى ليلتفت عليها بكامل جسدِه : طيب إذا كان شي فوق طاقتي؟ تبيني أقولهم خلاص أنا مقدر سوو اللي تسوونه فيها . . أنا حاولت بس أمنع أشياء كثيرة كانوا ممكن يسوونها فيك! . . حاولت يا عبير وتقولين ما سويت شي! . . يا جحودك! عبير ببكاء : في داخلك كنت راضي لأنك تزوجتني وأنت موافق بس أنا ماعطيتوني مجال حتى اختار! . . قهرتوا أبوي بعد هالعُمر! أبوي اللي كان يرفض الرجال أحسنهم وأسوأهم بعد! . . كان يرفض لأنه ماكان يثق بأي أحد والحين يجي أحد يتزوجني و أبوه بعد ملاحق قانونيًا ويضر أبوي . . فيه أكثر من كذا قهر لأبوي؟ . . ماراح تفهم أبد وش معنى انه أبوك يحترق؟ ماراح تفهم أبد لما تشوف القهر بعيونه! أنا أعرف . . أعرف والله أنه أبوي الحين جالس يحترق من وجودي معك! أعرف أنه أبوي مايحط راسه على المخدة الا وهو مقهور! . . كيف تبيني أرضى؟ . . إذا أنا رضيت كيف أبوي؟ . . محد بقى لي في هالدنيا الا أبوي! . . وكسرتوه! كسرتووه يا فارس! عُمري ماراح أغفر لأحد كسَر أبوي وقهره! عُمري ماراح أسامح أحد ذبحني بأبوي! فارس ينظرُ لنهرِ عينيْها المتلألأ : مو بكيفي! . . كانوا راح يآخذونك سواءً معي أو لا . . بس أنا مارضيت .. لأني كنت فعلاً خايف عليك . . والله كنت خايف عليك! . . صح معك حق ما حاولت كثير بموضوع الزواج لأني كنت أتمناه . . بس ماكنت أتمناه بهالطريقة . . ولا كنت راضي على هالطريقة . . كنت أحلم بشيء ثاني! بس هذي الظروف . . هذي الحياة اللي خلت خطواتنا تتقابل! . . بالنهاية محد بيجبرك على شي! بالنهاية راح تختارين .. إذا مو اليوم بكرَا . . راح تختارين ، ، في جهةٍ أخرى صفعه بقوة حتى سقط على الأرض، رفع حاجبِه : قلت تمسكونه! تخوفونه! بس ما قلت أذبحوه واطلقوا عليه النار! : هذا اللي صار! هرب ومقدرنا نوقفه الا بأننا نطلق عليه رائد يُمسكه من ياقته : لو صار شي لولدي! وش ممكن أسوي فيك؟ . . ضربه على رأسه . . فارس لا ! مفهوم ياغبي؟ . . يقف وهو يعدِّل ياقته وقميصه الذي أنتزع : إن شاء الله رائد : انقلع عن وجهي . . . دخل أسامة وهو يُغلق أزارير جاكيته الأسود . . طلبتني رائد بهدوء : اجلس . . أسامة : تفضّل رائد وهو يلعبُ بحباتِ النرد بين أصابعه : أفكِّر نكلم آسلي ونحدد موعد قريب في باريس أسامة رفع حاجبه : آسلي؟ . . بس ماعندِك عبدالعزيز! رائد : هذا اللي بوصل فيه وياك . . نلتقي فيه ونخلي سلطان وبوسعود ينشغلون بهالموعد . . نخليهم يجون هالمكان وبكذا راح نضرب روسهم في بعض أسامة : اللي تشوفه رائد : أبي رايك أسامة : متوقع أنها بتنجح الخطة ؟ يعني . . ممكن يشكون رائد بثقة : ماراح يشكون! مافيه هنا أيّ جاسوس ممكن يخرب الوضع . . صح؟ أسامة بتوتر : صح . . وقف . . خلاص أدبّر لك موعد وأجهز لك اياه رائد : تمام .. تقدر تطلع أسامة خرج وهو يفتح أزارير ياقته من حُمرة التوتر التي صعدت إليه. رائد نظر إليه وهو يخرج ليتمتم : بنشوف أنا ولا أنت يا سليمان! ، كان المسطّح مرتفع وأقدام رتيل يُحرّكها الهواء وبجانبها يجلسُ بصخبِ حضوره ورائحة عطره تغزو جسدها الذي يلامس معطفه : أكيد ما تهمك كلمة هالقد؟ والبردُ يسحب صوتها للداخل أكثر : مو مسألة كلمة! لكن مسألة رفضك هي اللي توجع . . مو مسألة أني أبي أسمع منك كلام حلو ولا غيره .. بس كل المسألة أنك . . . . مدري أنت وش أصلاً . . نظرت إليه بينما كانت عيناه للأرض التي أمامه، أبعدت عينيْها ليلتفت عليها بإبتسامة : وش هالنظرة؟ رتيل إبتسمت رُغمًا عنها : نظرة وحدة حقيرة عبدالعزيز ضحك ليُردف بصوتٍ مُتعب : محشومة بنبرةٍ تحمل معنى يعرفه عزيز : ليتك تقولها لشي ثاني عبدالعزيز تنهَّد لينظرُ إليها بنظرةٍ تُضيء هذا الليل الباريسي، يستمعُ لتأوهاتِ جسدها بمُجرد أن يلامس كفّها، يشعرُ بأنها تلتحم به في كل مرةٍ يحاول أن يبتعد، في كل مرةٍ يحاول أن يُنهي البدايَة : عن الوجع محشومة. نظرت إليه لتُحقن عينيْها بكلماتٍ خافتة مُحمّرة ترتفع شحوبًا للحظة وتقتلها البحة في صوتها : ما أحب غموضك يخي! عبدالعزيز بإبتسامة يمسح دمعتها التي حاولت أن تلامس خدّها : يخي؟!!!! طيب أسمعي . . فيه بيت شعر أحبه كثير وعالق في بالي دايم رتيل : ما توقعتك تحب الشعر عبدالعزيز بضحكة : أحب المواويل! . . ترى حافظ إذا تبين رتيل لتُردف بين دموعها : وش حافظ من المواويل ؟ عبدالعزيز : ما أحفظ شي شريف رتيل : ههههههههههههههههههههههه زين تعترف بعد عبدالعزيز : أيام الجامعة والسهرات كان ما يعلق على لساني الا المواويل اللي أسمعها بالقهاوي ماكنت أميل للشعر أبد . . يمكن لأن كنت ملغي دور قلبي فماأحب الشعر الغزلي أبدًا رتيل : وللحين ملغيه على فكرة عبدالعزيز بضحكة : لا ماني ملغيه . . لو ملغيه ما قلت لك أبي أقولك بيت شعر وبعد ماخليتيني أقوله رتيل : طيب وشو؟ عبدالعزيز وهو يُبعد أنظاره عنها : أنت عمر صـب في عمري جفافه نصف نار ونصفه الثاني جليد . . أنت نهر عندي استودع ضفافه وعذابي لا افتكرت إني وحيد ! . . . لشاعر إسمه الحميدي الثقفي نظرت إليْه بعينيْن تتلألأ، ترتفعُ الحمرة الضيِّقة إليها أمام إرتجافات شفتيْها التي تصارع البرد، بحنجرته التي تسرق الكلام والأماني والمواعيد ليُكمل : و فيه شيء ثاني قرأته ببلوق أحد ناسي مين بالضبط .. لكن حفظته من كثر ما استرجعه ببالي رتيل تحت ضوء القمر كانت عينيْها تُسرفان بالدموع دُون أن تطلق آه واحدة، عبدالعزيز : ماقلت لك ! كم أسهرك ؟ وأتنفسك ؟ وأمشي معك واقدّرك .. ! وماقلت لك! تمر لحظه .. فيهـآ أكرهك ! وأحس إني اجهلك ! وأستغربك ! وأودعك .! وماقلت لك ! برجع بـشوقي و أعشقك .. و بـداخلي ألملمك .. وأحلف, والله ما أتركك .. وأبدلك! ماقلت لك ! أني غبيّ ..! لـأني عجزت أستوعبك . . . ألتفت عليها لينظرُ لعينيْها الداكنتيْن التي تُضيء بإسراف، لم أحبك كفايةً ولم أكرهك كفايةً، أنا بينُهما، ما بين الوجود واللاوجود، ما بين البداية والنهاية، أحيانًا أشعُر بأنني أمامك مقيِّدٌ تمامًا، يستحيلُ عليّ أن أتزنُ أمام عينيْكِ وأحيانًا أشعرُ بأن الإبتعاد هو الحقيقة الواحدة الموجودة أمام عينيْكِ، أحيانًا أشعرُ بأنكِ هُنا! فيّ، وأحيانًا أشعرُ بأن ظلالِك تُعشعش بصدرِي، أحيانًا لا أعرفني، أجهلني كثيرًا، أحيانًا أحبك بشراهة و أحيانًا لا أعرفُ كيف أحبك؟ رتيل : ليه هالقصيدة بالذات؟ عبدالعزيز لأولِ مرّة تُضيء عينيْه أمامها بماءِ محاجره، رفع حاجبيْه باللاأدري ليُردف : تركضين يا رتيل وتعرفين وش النهاية . . تركضين كثييير وينقطع نفسَك بس ماتوصلين لشي . . رتيل تتبللُ ملامحها بملحِ بكاءها : وش النهايَة؟ ما تعرفها كيف تحكم من كيفك؟ عبدالعزيز يُدخل يديْه بجيُوبِ بنطاله وهو ينظرُ للسماء الغامقة وعيناه ترتفعُ بإتجاه القمر : شايفة هالمسافات الطويلة اللي مشيناها . . . . ضاعت منِّي يا رتيل! . . ضاعت . . ومستحيل ترجع . . . عقد حاجبيْه وهو يشعرُ بأن أعصابه تنهار شيئًا فشيئًا. رتيل بصوتٍ يُقاطعه البكاء كثيرًا : نقدر، صح أننا مقدرنا نسوي شي صح في حياتنا بس نقدر عبدالعزيز بضيق : أنا ما كنت جبان معاك! . . كان أقدر أقولك بأيّ وقت وبأيّ لحظة أني أفقدني لما أفقدك! بس ألتفت عليها وعينيْه تستثيرُ دموعها : بس أنا مقدر أقول لأن أنا ما ينفع أقول كذا . . لأني مقدر . . مقدر اخفضت رأسها ليصِل أنينُ بكاءها لآخر مدى في جسدِه، تناثر بكاءها وهي تستقبلُ إعترافِه الشفاف بنفسِه، يالوجع الذي يتسربُ من صوتِك، يا لمرارة الحزن التي تعبر لسانِك، يالكُبر فجيعتي بقلبِك الذي يموت شيئًا فشيئًا، لم يتركُوا لي مساحة لأتغنج بحُبك، لم يتركوا لي مساحة لأعشق إسمك، سرقوا منِّي رغيفُ الحب و تركوني على حافةِ الإنهيار، سرقُوا مني الماء و عينيْك يا عزيز. عبدالعزيز بحنجرةٍ تبحّ مع الهواء : فيه رجال ينهزمون بالحياة ومايتقبلون الهزيمة يضلُّون يحاربون ويحاربون لين تثور أوجاعهم ضدهم . . تخيلي أوجاعك توقف ضدِك؟ تصوّري وش كثر الرجّال يفقد نفسه؟ إحنا ما نؤمن بقبول الأمر الواقع . . إحنا الرجال سيئيين ومحد يتأسف علينا ولا يبرر لنا لأننا نستاهل كل لحظة وجع! لأننا ماعندنا قلوبكم يا رتيل! ماعندنا قلوب تتحمل وتحبس هالوجع! ما عندنا قلب يكمل حياته بدون لا يرجع لورى! ماعندنا هالشيء! إحنا سيئين بالحب حيييل! وسيئيين أكثر لأننا تربينا في مجتمع جاف! ما وقف فيه شخص يدافع عن حُبه . . . بنبرةٍ يتحشرجُ بها الألم يُكمل : المسألة ماهي فيك! المسألة أنه الشخص ما يقدر يتخلى عن نفسه . . مايقدر ينفصل عن نفسه . . وأنا . . رفعت عينيْها التي تُضبب عليها رؤيتها من نهرُ الدمع الذي يجري بها : وأنت؟ عبدالعزيز تنهَّد ليُشاركه الهواء البارد الأبيض الخارج من فمِه : وأنا؟ . . مين بالضبط؟ رتيل بإرتجافة شفتيْها وبالمسافة القصيرة جدًا ما بينهما : أنت يا عبدالعزيز عبدالعزيز بوجَع الرجال الذين تلاحمُوا في صدرِه ولم يرحموه : ما قلت لك الخسارة يوم جتني حاصرتني جماعة . . . وماقلت لك نحارب هالحياة لين ينكسر فينا الضلع واحد ورى الثاني . . وما قلت لك أنك نفسي يا رتيل . . وإني مهما بعدت ماراح ألقاني إلا ويَاك . . وإني مهما سويت الكثير منِي فيك . . وإني مهما حاولت أحفظك فيني . . يكسروني! .. .. مو أنا اللي ما أبيك لأن محد يرفض نفسه وقلبه . . يقترب منها فوق إقترابه ليحاصِر ملامحها بيديْه وجبينه يلاصق جبينها وعينيْها يتدافعُ بها الدمعُ بلا توقف، بصوتٍ يسلبُ قلبها و يزرع في كل زاويَةٍ بجسدها وجعًا آخر وعينيْه تحتبسُ الدموع دُون أن تنزل دمعة من أجلها : يمكن الله ما كتب لنا الحياة في الدنيَا، يمكن الوعد في الجنَـة بس تدرين وش أخاف منه؟ . . . أرتجف من درجة الحرارة التي تقل أكثرُ بكلماته الضيِّقة : أخاف أننا ما نلتقِي بعد، قدرت أهرب وأحمي نفسي مرَّة ومرتين . . بس الثالثة ماراح تكون سهلة أبد يا رتيل . . . أقترب من عينها اليسرى الباكيَة ليُقبِّلها بعمقٍ و صوتُ الهواء الذي يُداعب أوراق الأشجار وحده من يشارك صخب أنفاسهم المتصاعدة : مو جبان لما تقولين أختار الطلاق! . . لأني ما أبي ننفصل . . لأني أبي أعيش هالخراب معك وهالأساس الهش اللي مقدرنا نوثق حباله، أبي لمَّا أغيب تكونين زوجتي اللي مقدرت أراقب حركاتها وهي نايمَة، مقدرت أشوف عيونها كيف تشرق! مقدرت أحتفل معاها بزواجنا ولا قدرت أجيب منها طفل يشبهها . . أبيك تكونين زوجتي اللي حلمت فيها ولا قدرت أوصلها . . اللي أنتظرتها وماعرفت كيف ألاقيها . . ابيك زوجتي اللي مقدرت أصلي جمبها ركعتيْن ولا قدرت أشوفها كيف تصحيني! . . أبيك زوجتي اللي مقدرت أسهر معها ليلة ولا قدرت أشاركها بأيّ قرار . . أبيك مثل ما أنتِ! أبي كل هذا ينتهي وأنتِ زوجتي لم تبكِي مثل هذه المرّة أبدًا، ضاعت بغياهيبه وهي تُغمض عينيْها حتى لا تراه أكثر، هذا الوداع تعرفه، هذا الوداع لا تطيقه، أرتخى جسدُها بين ذراعيْه وهي تجهلُ كيف تتحدث، تلعثم قلبها بالكلمات وبالحُب، تشعرُ بأن الرجفة لا تخترق جلدها فقط! بل قلبها يُشاركها الرجفة، بكت كثيرًا منه وعليه ولكن لم تبكِي يومًا بكاءً يذبلُ به كل شيء، يذبلُ به تفكيرها وقلبها معًا، تفقدُ وظائفي الجسميَة مرونتها، كل شيء يتيبس يجف يا عزيز. أقترب من عنقها ليحبس أنفه بها وهو يتحدث كأن روحه تُزهق، دقائق كي أسحبُ رائحتك فيّ، كي أحبسُ لمسات جسدِك في صدرِي، أنا أموت يا جميلتي وكل آه مصدرها سمرَاء، وكل آه يتحشرجُ بها الطريق المسافر عنكِ أصلُها عينيْك، اموت بهزائمي التي قررت أن تُنيب بقراراتها عنِّي، أمُوت من حرقة الولع، أموتُ يا رتيل ولا تكفيني صلاة الغائب عليّ! أنا الذي كنت أرى الموت في أعينهم، أنا الذي أحببتُك في اللحظة التي كنت أقترب بها من الموت، المجدُ لقلبك الذي صبَر والرثاء على قلبٍ أندثَر، المجدُ للبكاء الذي لم يفوِّت لحظة من غطرسته نحوي و الحزن كل الحزن على أولئك الذين جرّمُوا البكاء بحق الرجال، الحزن على أولئك الذين علّموني كيف أتغطرسُ على دمعي حتى تغطرس عليّ، الحزن على المجتمع الذي تعامل مع الرجال ولم يتعامل مع إنسانيتهم، الحزن وكل الحزن أنهم جعلونَا نبكي بقلوبنا حتى لا نضعف، ليتهم ينظرون! ليتهم يعرفون كيف بكاء القلوب يسلبُ من الحوَّاس حركتها، ليتهم يعرفون كيف لقلبٍ أن يتقطع ولا تنزل دمعة تخفف وطأة النحَر، ليتهم يعرفُون وليتني استطعت أن انسلخ من هذه القناعات من أجلِك، ليتهم يعرفُون كيف لبرزخ القلوب أن يؤذي بهذه الصورة دُون أن يُحيلني لحياةٍ أخرى، أنا واقف بالمنتصف، واقف بالمرحلة الوسطية، واقفٌ وكلِّي موْت. أغمض عينيْه وهو يغرقُ بها : مقدرنا نسوي شي مجنون! . . ما صوّرنا ولا مرة مع بعض . . ما أحتفظنا بشيء . . قسينا! قسينا كثير! رتيل رفعت رأسها للسماء لتبكِي و أنهارُ عينيْها لا تتوقف، وضعت يديْها فوق رأسه القريبُ منها وهي تجهشُ ببكاءٍ لا يتوقف أبدًا، ما عاد الوقوف يُفيد؟ ما عادت النهايَة تُغري للوقوف! كل الأشياء ترحل . . كل الأشياء تبتعد منِّي. عبدالعزيز أرتخت يديْه منها ليصعدُ بقبلةٍ عميقة بين حاجبيْها وهو يهمس لعينيْها المغمضتيْن : جينا لزمان ماهو زماننا ولمكان ماهو مكاننا . . جينا بوقت غلط ماكان في شيء صح إلا عيونك . . رتيل تدفنُ ملامحها بعنقِه وهي تستنشق سُمرتِه وبصوتٍ مخنوق : أشششش! لا تقول كذا . . لا تتشائم بهالطريقة! أنت تعرف وأنا أعرف أننا نقدر . . راح نرجع الرياض وراح نكمّل حياتنا . . راح نبدأ من جديد وراح ننسى هاللي صار! . . أنت ماتعرف وش يصير فيني لو تغيب عنِّي؟ . . أنا مقدر . . إحنا قلوبنا بعد ما تتحمَّل! ما تتحمّل والله . . . لا تروح! . . خلك هنا، أنا أحتاجك! عبدالعزيز وشعرُها البنِّي يهطلُ على وجهه وهو يشدُّ جسدِه بقوة، يعانقها بعنفِ قلبه الذي اصطبر حتى تلاشى صبره : ما أتشائم! رتيل بضيق : من خاف سلم! .. وأنا قلبي خاف كثير ولا سلَم يا عزيز عبدالعزيز بخفُوت : كانوا يهددون أبوي لكن ما سمع لهم! . . وماتوا كلهم ولا تركوا لي أحد . . . والحين نفس الأسلوب يستعملونه معايْ . . . أنا ماأتشاءم بس ما احلم كثير رتيل ببكاء : ليتني ما سمعت كل هذا! . . ليتني ما عرفت كل هذا . . ليتني ما اصريت عليك عشان تتكلم . . . ما احب هالوجع اللي بعيونك . . أحترق يا عزيز فيه يُتبع |
، بصوتٍ يتوتر لحظة ويتزن بلحظةٍ أخرى، يجلسُ بسكينةٍ على المقعد الجلدِي دُون أن يتحرك به شيء سوى أصابعه التي تتحركُ بموسيقيَةٍ على جانبِ الكرسي : حصل هالشيء بعد الحادث تحديدًا، اضطر مقرن يساعدني وتورط معهم . . . خبينا غادة في مستشفى ثاني و . . قدموا الرشوات للطاقم الطبي المسؤول عن حالتها . . قدرنا نزوّر أوراق كثيرة تتعلق فيها . . حوّلنا إسمها وخليناه يقترن بإسم مقرن بدون رضا منه لكن من ضغطهم عليه . . . فيه أوراق محتفظ فيها مقرن وكانوا يحاولون يآخذونها دايمًا بس كل محاولاتهم تفشل ويساعدهم مقرن بطريقة ثانية غير الأوراق . . لين ما قدرُوا يضبطون له كل هالأفعال ووصلوها لكم بطريقة غير مباشرة بعد . . لما وصلتوا لمرحلة الشك فيه أضطر يختفي عشان يتفاوض معهم بخصوص الملفات اللي عنده من سلطان العيد الله يرحمه لكن . . مقدر يسرب معلومات تخص أمن بلد . . أقتلوه! و الحين مهدديني عشان ما يوصلكم كل هذا! . . . . . لأن سليمان راح ينهي قوة الجوهي بعد ما ينهي الأشخاص الواقفين هنا! . . كانت هذي خطته من بعد حادث العيد . . لكن حاليًا يستعمله آسلي المتعاون مع سليمان ورائد بس بالصدق هو ضدهم لكن يحاول يستغل إندفاعهم . . . عبدالعزيز هو الوجهة الأخيرة لهم . . راح يستدرجونه في الأيام الجاية عشان يروح لهم بروحه بدون أيّ أحد ثاني . . وهناك راح يستعملون إسمه مع شركاءهم . . وعشان يستعملون إسمه أكيد ماراح يكون حيّ . . . . راح يفككونكم .. راح يفككون أساس الأمن هنا . . وراح يضربونكم في بعض . . عبدالرحمن : آسلي هو اللي كانوا يسمونه صلاح؟ فيصل : إيه عبدالرحمن بضيق يقف : كل شي قاعد يطلع من سيطرتنا! . . وصَل سلطان بخطواتِه الثقيلة ليُسرع إليه أحمد : ينتظرونك . . في مكتب بوسعود سلطان يتجه نحو مكتبه بعُقدة حاجبيْن حادة، فتح الباب لتتجه الأعين نحوه، نظر لفيصل بإستفهامٍ شديد حتى وقف الآخر : أنا مضطر أروح الحين . . مع السلامة . . . وخرج من أمام سلطان دُون أن يتحاور معه بكلمة. سلطان : وش صاير؟ عبدالله : اجلس وأستهدي بالله عشان نقولك سلطان : أتمنى بس أنكم ما اتخذتوا قرارات من دوني عبدالرحمن تنهّد : تطمّن سلطان يجلس على المقعد بمُقابلهم : وش صار؟ وش قال فيصل؟ مرّت الدقائِق والساعات الطويلة في سماء الرياض وهُم يشرحُون ما قاله فيصَل ثم معرفَة فك الشفرات التي بدأت تختلط ببعضها البعض، والأوراق تنتشرُ في كل مكان حتى الأرض التي جلس بها عبدالله ويحلل مسار قضايا قديمة بدأ الشك يتسلط عليها، جلس كل واحدٍ منهم في زاويَة لمراجعة الأوراق من جديد والملفات التي رُبما تعمل معلومة تساعدهم، تربّع سلطان على الأرض وهو يوزّع بعض الأسماء في الأرض ليُردف : صلاح يتعامل مع فوّاز . . بس مافيه أيّ ملف يحمل إسم فواز . . . . ولا حتى له أيّ وثائق رسمية . . لا جواز ولا بطاقة تحمل هالإسم . . عبدالرحمن رفع عينِه والساعة تصِل للثالثة فجرًا : دققت بإسمه الكامل؟ سلطان صمت قليلاً حتى أردف : فواز أكيد من طرف سليمان! . . يستعمل هالإسم عشان ما نصيد عليه شيْ!!!!!! . . . و سليمان يلتقي مع رائد بأسامة . . هذا يعني أنه مخططات سليمان تتم بكل هالسرية لأنه يستعمل إسم فواز . . ممكن يكون هو فواز مو شخص ثاني من اللي يشتغلون تحته عبدالرحمن يقف وهو يسير يمنة و يُسرة : إذا حطينا هالفرضية .. أنه فواز هو سليمان . . كيف حققوا و استجوبوا فواز؟ .. مين كان ماسك القضية؟ سلطان : عبدالمجيد . . بو سطام الله يشفيه عبدالله : يتعالج في باريس الحين صح؟ سلطان : إيه قبل مدة كلمته كان طالع من غيبوبة . . عبدالله : هو تقاعد قبلنا بسنة أو . . عبدالرحمن : معقولة يكون يعرف شي وما حطّه في الملف؟ سلطان يقف وهو يُمدِّد يديْه بإجهاد : بو سطام تقريبًا تقاعد 2007 بعد المشاكل في قلبه وعلى طول راح باريس . . لحظة لحظة . . في الوقت نفسه كان سلطان العيد الله يرحمه مقدّم على التقاعد والروحة لباريس! . . عبدالله : ما فيه غير نكلِّم عبدالمجيد ونستفسر! . . مستحيل يكون فيه أوراق رسمية ما حطّها في الملف سلطان : ومستحيل تفوت على عبدالمجيد أنه هالوثائق مزورة وهالإسم ماله أيّ وجود! . . فيه شي ناقص بالموضوع! عبدالرحمن : كيف نلقى اللي كانوا مع عبدالمجيد في تحقيقه مع هالفوّاز! سلطان : ووش يضمن أنه تم التحقيق؟ ممكن ماحصل تحقيق وكل هذا كلام! عبدالله : أنا رايي من راي سلطان! . . مستحيل هالإستجواب يكون صاير وناقص بهالشكل المشكوك فيه! . .عبدالمجيد مو غبي عشان تفوت عليه مثل هالأشياء . . . سلطان : هذي بتاريخ 7 / 6 / 2007 .. يوم الخميس .. عبدالله : ما تتم الإستجوابات هذي يوم الخميس! عبدالرحمن : الخميس إجازة لدائرة عبدالمجيد أصلاً عبدالله : إيه بدائرتنا معنا الخميس إجازة دايم وماتتم فيه تحقيقات ولا شي! اللهم أمور روتينية سلطان تنهّد ليُردف بعد صمت لثواني : يعني هذا الملف مزوّر! أو ماله وجود! . . عشان كذا سليمان ما هو مراقب! لأن مافيه أيّ شي يدينه . . بس هذي جريمة بعد! اللي غطوا عليه وأتركونا ننحاس كل هالحوسة عشان نوصل لإسمه . . . عبدالرحمن : وممكن إسم عبدالمجيد بالتحقيق مزوّر بعد . . مو شرط سلطان : أموت عشان أعرف وش كان يخبي سلطان العيد الله يرحمه عبدالرحمن : بنرجع لنفس الموضوع اللي ماراح يفيدك بشي عبدالله : وش تتوقع ممكن يخبي سلطان العيد؟ عبدالرحمن : خرابيط من سلطان! سلطان بإبتسامة : تتحدى! إذا طلع صح وش ممكن تعطيني؟ عبدالرحمن بمثل إبتسامته : أحلق شاربي! عبدلله ضحك ليُردف: خرفتوا رسميًا! سلطان : لأنه صار له كم يوم يشكك بأنه سلطان العيد ممكن يخبي شي عظيم! . . عبدالله يقف وهو يأخذ شماغه ليرتديه : طيب ليه ما نستعمل زياد! . . نخليه يرجع لهم لكن نراقبه ويوصِّلنا هالأوراق اللي مضيعتكم سلطان : مستحيل ينوثق فيه! . . خله زي الكلب هنا لين يجون الكلاب الثانيين ويحاكمونهم! . . عبدالله : على الطاري! اليوم مدري أيّ جريدة كاتبة عن إختطاف بس مو كاتبة أسماء أحد لكن يقصدون بنت عبدالرحمن . . أتوقع رائد قاعد يحاول يرسلك بطريقة غير مباشرة بأنه بنتك تحت التهديد عبدالرحمن تنهّد بحنق : أفكر نحاصر بيته بس بهدوء، أخاف يوصله الخبر ويولّع في عبدالعزيز والبنات سلطان : كيف بهدوء؟ .. ماراح نقدر! لأن هو ماسك علينا أكثر من شي . . ولو عرف بموضوع أننا مصادرين بيته ماراح يرحم أحد! عبدالله : هو اصلا مافيه الا كم واحد بالرياض الباقي كلهم بباريس! . . بكرا بدون ضجة نجيه . . ندخل مكتبه ونحاصر رجاله دامهم قليليين ومحد بيوصله الخبر عبدالرحمن : يعني بدون القوّات؟ عبدالله : إيه . . واحد منّا يروح ومعه إثنين ويتولون الموضوع! . . سلطان : خلاص تم! أنا بكرا أروح وآخذ معي من القوّات إثنين يكفون . . عبدالرحمن : تدخل مكتبه وتشوف ممكن توصل لشي ولا تحاول تتكلم مع الحرس لأن أصلا ماراح يعرفون شي! ، ينظرُ بعينيْن متسعتيْن ليلفظ بخفوت : موجود! معاه وحدة عُمر : يا حيوان خلك ولا تتحرك . . لحد يشوفك . . راقب البيت و شوف وين يدخل وحط الظرف عنده . . : طيب بس شكلهم مطولين . . هذي زوجته يمكن بنت عبدالرحمن عُمر : زوجته ولا اخته وش دخلني أنا! . . انت لا تسوي أيّ ربكة وتخليهم ينتبهون لك . . خلك هادي : طيب اذا ما طلع برا البيت وش أسوي؟ آخذه هو واللي معه عُمر : أقطع راسك لو تلمسه قبل لا أقولك . . أنت الحين سوّ اللي قلته لك بعدين نفكر .. الواحد يكون حذر مو غبي كل شي بسرعة تنهّد : مو إذا صرنا حذريين قلتوا الناس تتذابح وأنتم تتفرجون وإذا صرنا متسرعين قلتوا بتشككونهم فينا . . عُمر : إكل تراب ناقصك أنا . . وأغلقه بوجهه. ، بعينيْن ناعِسة تضع رأسها على صدره، تسمعُ لموسيقى قلبه الخافتة وهي ترتفع بلحظاتٍ قليلة وتصمد للحظاتٍ كثيرة، لا يخرب اللحنُ بها، مازالت جُغرافيَةِ صدره وحدها الملاذ، أظن أنني بدأت أقع بتشعباتِك في قلبي، لستُ أظن على كل حال بل مُتأكدة تمامًا أنني لا أريد الخلاص منك : كلمتها اليوم وقلت لها عن القضية و عصبت عليّ يُوسف بصوتٍ ينامُ على شعرها : عصبت! . . ليه؟ ماقالت لك شي ثاني مُهرة : تقول أنك تدوّر الزلة عشان تطلقني ومن هالكلام يُوسف عقد حاجبيْه : أمك غريبة مُهرة : هي أعصابها توترت من عرفت بموضوع الإجهاض . . وصارت تحمّلني الذنب في كل شي أقوله لها يوسف : مُهرة لا تزعلين مني بس ما تلاحظين انها تخبي شي! مُهرة : لآ أنا اعرفها أمي هي يمكن منقهرة ومتضايقة من سالفة الإجهاض مو أكثر يوسف : ممكن تعرف شي عن أخوك الله يرحمه؟ يعني ممكن قبل لا يتوفى قالها شي و قاطعته مُهرة بحدّة وهي ترفع رأسها عن صدره : مستحيل! يوسف : مو قصدي أنها تكذب! بس ممكن هي خايفة من شي . . مُهرة : أنت ملاحظ أنه صار لك يومين تتهمني مرة ومرة فهد ومرة أمي يوسف يجلس ليسند ظهره على رأس السرير : مو إتهام! أنا أقولك أشياء مستغرب منها وأمك تثبت لي هالشي بعصبيتها وبردة فعلها مُهرة بغضب : تصبح على خير .. . وأعطته ظهرها لتُغطي وجهها بالفراش دُون أن تلفظ كلمةٍ اخرى، في داخلي شعُور بانه يحاول أن يبتعد بطريقةٍ لا تؤذي ضميره، يحاول أن يتهم ويفتعل المشاكل حتى أبتعد من نفسِي. يُوسف يقترب منها ليضع ذراعه حول بطنها ويسحبها بإتجاهه : مو قصدي أجرحك بأخوك ولا أمك . . أنا آسف مُهرة وعينيْها بعينيْه : هالموضوع يوترني كثير! خلاص خلهم يفصلون بالموضوع بدون لا نتناقش فيه .. سواءً كان الذنب علينا أو عليكم . . ما أبغى أعرف وش بيصير ولا وش راح يصير! . . أتركني أتقبل النتيجة بوقتها يوسف بإبتسامة : وعد ماراح أتكلم بهالموضوع قدامك أبد . . أقترب ليُقبِّل جبينها . . تصبحين على خير ، تستلقي على الأريكة وهي تضغطُ على بطنها للحظاتٍ كثيرة حتى ترفعها بهدُوء، يسيرُ دمعها بمجرى ضيِّق على خدها، تأملتُ كثيرًا بأن تأتِ اليوم يا عبدالرحمن، تأملتُ بأن تأتِ وتنتشلنا من وعثاءُ باريس، لم ولن أكره مدينة ككُرهي ومُقتي هذه اللحظة لباريس وفرنسَا بأكملها، متى نعُود كما كُنَّا؟ متى نجتمع جميعًا بفرحٍ مُحقق! متى يلتمُ شملنا ونسعَد؟ إلى متى والدمعُ لا يجفّ من محاجرنا؟ إلى متى والحُزن يغرقُ بنا؟ إلى متى وكفوفنا تتجمَّدُ دون دفءٍ من أحدهم، إلى متى يا عبدالرحمن ونحنُ بهذا البكاء وهذه الندبَات تُحاصرنا في كل مكان؟ إلى متى ونحنُ لا نثير دهشة السماء بفرحة؟ بضحكة؟ بإبتسامة؟ إلى متى ونحنُ نعدّ الأيام للحزن! إلى متى ونحنُ نعيش بهذا الكابوس؟ لا أطلب الكثير، لا أطلب الفرح بقدر ما أطلب الراحة، أطلبُ هذه الراحة التي سُلبنا منها طيلة الأيام الفائتة؟ حاليًا لا أشعرُ بشيء أكثرُ من شعوري ببلادِ الحروب، بأوطانٍ تربّت على طلقات النار والدبابات! كيف يعيشون؟ كيف ينامون بهدوء؟ كيف يأكلون؟ كيف يراقبون متى يحين الموت؟ كيف يحملون كل هذه القوة للإستسلام بمجدِ الشهداء؟ أشعرُ وكأنني أنتظر فجيعةٍ بأحد، متى أراك يا عبدالرحمن حتى تخمدُ في عيني الحروب؟ نظرت للباب الذي يُفتح لتدخل منه رتيل وملامحها تُثير الفزع بقلبِ ضي، وقفت لتتقدّم إليها : رتيل؟ أرتمت بحضنها وهي تعانقها بشدّة لتبكي على كتفِها، ضي بخوف : صاير شي؟ . . تكلمي طيحتي قلبي رتيل : عبدالعزيز ضي بحزن تربت على ظهرها المبتِّل بالمطر وعلى معطفِ عبدالعزيز الذي ترتديه،و يضجُّ صخب رائحته فيها لتُردف : تعوّذي من الشيطان . . قطعتي نفسك بالبكي رتيل : أحس روحي بتطلع! .. ما قد شفت في حياتي كلها كيف شخص يموت من داخله! كيف يبقى كِذا جسد وبس! . . ما قد شفت هالشي أبد . . يوجعني حييل يا ضي .. أحس أني بموت من الوجَع ضي التي تستنزفُ عاطفتها كثيرًا بكَت معها : بسم الله عليك . . لا تقولين كذا رتيل : حسيته يودّعني . . ما كان يفضفض هو كان يعترف بأننا ما عاد فيه أمل . . كل شيء ممكن الواحد يتجاوزه الا أنه يموت بإيده الأمل . . ليه يعيش؟ إذا مافيه أمل ولا فيه سعادة تنتظره؟ . . . أحس بنار في صدري .. ما ودِّي يروح مكان! خايفة يصير له شي .. ما أبيه يموت يا ضيّ ضي تسقطُ دموعها كسكاكين في صدرها : محد يموت قبل يومه! الله يطوّل بعمره . . وش صاير؟ ليه يقولك كذا رتيل : ما أدري! . . بس عُمره ما كان صادق مثل هالمرّة . . . كان صادق كثير . . . كان ودِّي أسمع منه هالكلام بس ليتني ما سمعته . . سمعته واوجعني فيه . . . . ليه كذا؟ ليه يصير معنا كل هذا؟ . . يوم حسيت كل شي ممكن يتحسن رجعنا للبداية اللي عيّت تختفي ، يجلسُ على الكرسِي بجانب السرير وعينيْه تراقب محاولاتها البائسة في النوم، يغرقُ بملامحها ليغرق بتفكيره بأعمالِ والده، ينظرُ لحركاتها الخافتة ليسترجع بعض المواقف مع رجال والده، تنتحي عينيْه لكفوفها التي تشدُّ على الفراش ويستعيدُ بعض الكلمات التي سمعها من والده، أقترب منها ليهمس : عبير فتحت عينيْها بهدوء ليلفظ : الفندق ما يدخله أيّ أحد . . وفيه تفتيش آلي عند الباب .. ماراح أتأخر بس ساعة وراجع عبير بخفُوت : طيب فارس ينحني ليُقبِّل جبينها ويخرج دُون أن ينظر لردة فعلها، نزل للأسفل بالسلالم متجهًا لمواقف السيارات، ركب السيارة ليقودها بسرعة تتعدى السرعة القانونيَة، ينظرُ للساعة التي تقترب من الثانية فجرًا بتوقيت باريس، فتح درج السيارة ليضع الأوراق بجيبِه وهو يقود بتهوّر، رفع عينه للطريق ببرود ليُكمل سرعتِه، تمرُّ الدقائق السريعة بتفكيرٍ يجعلُ عقله يُصيبه الأرق من المصائب المتداخلة ببعضها البعض، ركن السيارة اسفل الشقة التي يسكنها والده ليقترب من إحدى الحرس : هذي سيارة مين؟ لم يُجيبه وهو يلفظ : أبوك معصِّب خليتنا نضطر نطلق النار فارس يلكمه بقوة على عينه : هذي سيارة مين؟ : ما أعرف فارس : طيب . . حسابكم معي ما خلص . . .وصعد للأعلى وهو يُعدِّي الدرجتيْن بخطوة، فتح مكتبِ والده الذي كان يقرأ بإحدى الأوراق بتمعنٍ شديد، رفع عينه بغضب عندما أنتبه له : شرّفت! . . وقف . . مين سمح لك تطلع ولا مآخذها معك بعد! فارس : أترك هذا على جمب . . كيف مخلي هالحمير عندِك؟ يشتغلون من وراك وينسبون لك أشياء مالها علاقة فيك! رائد ببرود : طيب؟ فارس : وش طيب! . . أسامة جالس يخوّن فيك رائد : أدري! . . مع سليمان فارس عقد حاجبيه : تعرف ومخليه رائد بإبتسامة : أحيانًا من الذكاء أنك تتغيبى شوي! . . بعد كم يوم راح يجي سليمان بحجة عقد وراح أورطه فيه! فارس تنهد براحة : الشرهة والله عليّ اللي جايّ وراسي كان بينفجر من خوفي عليك يا يبه بس واضح أنك مضبط كل أمورك رائد : ليه طلعت؟ فارس بحدة : من الحمير اللي عندِك! . . الحين مين يطلع سليمان؟ رائد : إذا عرف سليمان بأني قابلت آسلي واتفقت معه على كذب بيروح ويتفق معه واورطه بقيمة لو يقضي عمره كلها ما جاب نصّها . . وينتهي بالسجن زي الكلاب اللي قبله . . فارس : يعني بتكذب وتسوي نفسك شاري من هاللي إسمه آسلي عشان يندفع سليمان ويشتري لأنه ضامنك وساعتها بتطلع ببرود و تتركه يواجه خسارته رائد : عليك نور! كما تدين تدان! هو تصرّف بموضوع سلطان العيد مثل ما يبي وحرّك المواضيع ببرود وخلاني اتورط فيها! . . أنا هالمرّة بورطة ورطة مايطلع منها لو يحب السما فارس : بس توريطته لك ما كلفتك ذاك الشي الكبير! وأنت تبي تفلسه على الآخر وترميه بالسجن رائد بنرجسية : لأنه تحداني! . . وأنا ماأحب أحد يتحداني فارس : ماراح ننتهي من هالمشاكل؟ رائد : لين يصير اللي في بالي! بكفّ شري عن ديرتك يا حبيبي فارس: وديرتك رائد : بهاجر هجرة بلا عودة! بنسى الرياض واللي جابوا الرياض! بعيش حياتي مثل ماأبي ومثل ما خططت فارس : مو كذا الأمور تنحّل! أنت متورط بجرايم كثيرة! رائد : وين الدليل؟ لو عبدالرحمن واللي معه يقدرون كان ما شفتني الحين! هُم ببساطة يعرفون أنه ماهو من صالحهم يتحدوني! . . عشان كذا خل سليمان يتعشى فيهم وينسفهم وبعدها أنسف سليمان وانتهي من هالعفن! ، يطلق آهٌ مؤلمة : لا تحرّك كثير : يخي دبلت كبدي . . تقول حرّك رجلي ومرة تقول لا تحرّك حمد : يا حمار حرّك رجلي الثانية أحسها تحللت : من الدرج اللي في راسك قلت لك أبعد عن فارس بس ما طعتني حمد : وتحسبني ببعد! والله ثم والله لأخلي هالكلبة تحترق لما تشوفه! : وش تبي تسوي؟ حمد : كل ماضيه الوصخ بجيبي! بالوقت المناسب راح أنشر غسيله وساعتها بشوف كيف بترضى فيه بنت عبدالرحمن ؟ : بتودينا بداهية! من الحين أقولك أنا مالي دخل لأن لو عرف رائد أني معك قسم بالله لا يشرب من دمِّي ، بخطواتٍ هادئة يُغلق الباب لينفتح النور، ألتفت بفزع لينظر لوالدته : مانمتي؟ والدته بوجهٍ شاحب : أنتظرك فيصل عقد حاجبيْه وهو يقترب منها : خير فيه شي؟ صفعتهُ على خدّه بكل ما أوتيت من قوّة، هذه المرة الأولى التي تمدُّ بها يدِها عليه، بعينيْها الغارقة بالدمع : قلت مافيه شي وكذبت! فيصل وقف متجمدًا من صدمته بالصفعة التي لم يعتاد عليها أبدًا ولم يراها في حياته، نظر لوالدته بنظراتٍ من شأنها أن تزيدُ من غضبها : ليه كذبت عليّ؟ فيصل : يمه وش صاير! والله مو فاهم وش تقصدين؟ والدته وعينيْها تختنق بالدموع : مين عُمر؟ فيصل : عُمر! والدته بغضب تصرخ عليه : إيه عُمر! . . متصل ويهدد ويتكلم بأشياء ظنيت أني أعرفها بس طلع ولدي يخبي عليّ فيصل يشعرُ بأن براكين تثور في صدره : طيب أهدي .. لا ترفعين ضغطك والدته : فيصل لا تهديني ماني أصغر عيالك! قولي مين عمر؟ وش علاقته بمقرن وبهالناس! فيصل يبلعُ ريقه : كان موظف و . . يعني حصلت مشكلة وهو شكله يبي يخوفك بس عشان يقهرني لأني متهاوش معه والدته : تضحك عليّ؟ . . فيصل أنا أعرفك لما تكذب! . . قولي مين هذولي؟ . . ياربي حرام عليك اللي تسويه فينا! عرسك بكرا وأنت تتهاوش مع فلان وعلان! . . واليوم الشغالة تآخذ من السواق أوراق من مكتبك! . . وش صاير؟ ليه ما صرت تداوم! وين تجلس كل اليوم؟ فيصل بضيق يُمسك يديْها حتى يُخفف من توترها : طيب أجلسي يا بعد عُمري مافيه شي يخوّف لاتشغلين بالك! . . بيتم العرس على خير وبتفرحين وأنسي كل هذا . . صدقيني كله كذب والدته : يا يمه اللي تسويه غلط! .. صدقني غلط! فيصل يقبِّل جبينها : حقك عليّ .. ماراح يتكرر أيّ شي من هذا . . روحي نامي الشمس قربت تشرق وأنتِ سهرانة والدته بضيق : الله يصلحك هذا كل اللي أقوله . . وصعدت للأعلى. فيصل تنهّد بغضب ليُخرج هاتفه ويكتب رسالة " راح أوصِّل لسليمان خرابيطك لو حاولت لمجرد المحاولة أن تتصل على أمي! وحط هالشي في بالك والله لا أحرقك أنت واللي معك " . . . . أتصل على من هذَّب غضبه وأعاد له توازنه في هذه الحياة بعد الله، أنتظر كثيرًا حتى أتى صوتُه المُسكِن لكل الأوجاع بنظره : هلا بالغالي : هلابك . . وش أخبارك يبه؟ فيصل : تمام . . رحت اليوم لبوسعود وكلمته . . قلت له كل شي قلته ليْ : كفو! . . فيصل بتنهيدة الوجع : بس ماني مرتاح يا عمي! . . راح يحوسون حولي! : فيصل لا تهتم! كل الأمور من الله بتتسهَّل . . . فيصل : اخاف يضرُّون عبدالعزيز! . . ويضرُّون ناصر وزوجته؟ : ناصر وزوجته بالحفظ والصون! . . فيصل : وعبدالعزيز؟ : الله يحفظه . . لا تفكر بأحد . . فكّر بنفسك وشوف مشاكلك بالشركة! . . فيصل يزفرُ بإختناق: والله خوفي يكشفونك ويضيع شغلك وشغل سلطان العيد الله يرحمه وراك : تدري يمكن محد يعرف هالشعور كثير! بس شعور الفخر والفرح بعد تعب أستمر سنين يا زينه من شعور! . . قريب جدًا راح ينتهي كل هذا . . وراح نحتفل كلنا بسجدة لله وتذكر كلامي يا فيصل فيصل بإبتسامة ضيِّقة : ليت مقرن كان موجود : دمه ماراح يروح هباء . . يُتبع |
دخل بإرهاق دُون أن ينظر لأي شيء بالغرفة، توجه نحو الدولاب ليرتدي بيجامته، نظر للسرير المرتب على حاله منذُ الصباح، عقد حاجبيْه ليخرج وينظر للطابق الثالث، صعد بخُطى خفيفة ليقترب من الباب الذي يتيقّن بأنها خلفه، فتحه بخفُوت لينظر لعينيْها النائمة، اقترب وهو يُغلق الباب بقدمِه، يتسللُ إلى السرير الضيِّق حتى أستلقى بجانبها، شعر بأنفاسها التي توحي بأنها مستيقظة، بحركةٍ تعرفها جيدًا، سحبها من خصرها بلطفٍ سلطانِي حتى ألصق ظهرها به، فتحت عينيْها دُون أن تتحرك شفتيْها بكلمة، همس : ليه نايمة هنا؟ الجوهرة : مانمت! كنت راح انزل تحت سلطان ويدِه اليمنى تستلقي على بطنها، أرتعشت من لمسته، لا تعرف كيف تسلل إليها شعُور بأنه وكأنه عرف بالأمر، حاولت أن تتخلص من قبضته وتنظرُ إليه لتترجم عينيْه ولكن زاد بضغطه ليُقيِّدها. الجوهرة بسخرية : أكيد فيه شي مفرحك! هو لازم الجوهرة تبقى تحت سيادة مزاجك سلطان : بالعكس! ما صار شي مفرح لي اليوم! . . بس حبيت أكسر كلمة مزاج اللي ما تفارق لسانك الجوهرة : وكسرتها؟ سلطان يُقبِّل عنقها وهو يهمس: أكسرها لك مرتين لو تبين شعرت بأن حرارة جسدها ترتفع والحُمرة تغزو أطرافها، أنت تعلم يا وجَع الكلمات في قلبي، يا ضيقُ التسويف في صدري، تعلم جيدًا أنك تُشعل فتيل الدماء المُستنزفة بحُبك، تعلم أكثر كيف للحياة أن ترتفع عند عينيْك وكيف تسقُط؟ يا وجعي يا سلطان مِنك في كل لحظةٍ تجمِّد بها الكون أمامي، أحيانًا أشعرُ بأنك تُضيِّع عليّ يقيني، بحقِ الله كيف تخلخل خاصرة اليقين بأصابعك دُون أن تدرك ماذا أرتكبت! أحيانًا أقف مصليَة متعبدة بأملي وأحيانًا تقطع عليّ صلاةُ الأمل التي يركع بها قلبي، تُذهب عقلي إليْك في سجُودِ أفكاره المتسبحة، كُنَّا نقول في صغرنا إذا صعدنا كبّرنا وإذا هبطنا سبّحنا، وأنا كُلما أرتفعُ لعينيْك أقول في نفسي " الله أكبر على وجعك " وحين أسقطُ بِك لا أعرفُ كلمة أبلغُ من " عيناك وجَع و إني إليها تائبة "، حتى حُزني يتُوب بصوتِي، يخمدُ لينام على عتبة لساني ولكن صوتُك يا سلطان يُزعزع نومه ويُفزعه، صوتُك كيف يجرح؟ كيف يخدش روحي و على ضفافِه ينبتُ الفردوس؟ قُل كيف لا أبكيك؟ وأنا أشعرُ بأنني مأذنة لا تجِدُ صوتًا تردُّ صداه، أتشعرُ بهذا الخلو/الوحدة ؟ أتشعرُ كيف يعيشُ الإنسان دُون أن يرتّد عليه صوته؟ بلعت ريقها لتُردف بربكة من أفكارها المتخبطة : قاعد تمحيني! سلطان ببرود يستفزها : أنا؟ الجوهرة بإختناق : ما يوجعك شي على فكرة! أنت تتلذذ بكل كلمة تجرحني فيها! سلطان : ما اتلذذ! بس متعوّد لما استجوب أحد أعيد كلامه عشان يصرخ ويقول كل اللي في قلبه الجوهرة بحدة: وقلت لك أفصل ما بيني وبين شغلك! . . سلطان : وأنا أصلي الفجر بالمسجد سمعت قصة عُمر بن الخطاب رضي الله عنه وزوجته الجوهرة : رضي الله عنه سلطان : لما علت صوتها عليه . . وجاني إحساس بأني أتقبل أنك تشتميني اليوم الجوهرة رُغمًا عنها أفلتت ضحكة من بين شفتيها : وتقول مافيه شي مروقني! المسجد لوحده يروّق الواحد ويهدِّي أعصابه سلطان بإبتسامة : قلت في نفسي! معليش يا سلطان خل الجوهرة تصرخ وتعصب وتسوي اللي تبيه . . بالنهاية هي من حقها تصرخ وتنهبل بعد إذا تبي الجوهرة وتظهرُ أسنانها من إتساع إبتسامتها لتُردف بخفوت : ضيف لصفاتك أنك ملكّع سلطان بضحكة يحبسها ليُكمل بتمثيل مُقنع : جلست بالسيارة شوي وأنا أفكر كيف أخليك تطلعين كل اللي في قلبك! لأن بكذا راح تتخلصين من حواجزك قدامي الجوهرة : وأيش وصلت له ؟ سلطان بجديّة : ولا شي الجوهرة ضحكت دُون أن تحاول أن تحبس ضحكاتها أمامه : ما يستفاد من كل هذا ؟ سلطان : بالضبط! أنا ابغاك تسأليني ليه قلت لك هالسالفة؟ الجوهرة : ليه؟ سلطان يقترب من إذنه ليُردف بخفُوت : وصلت لقناعة أننا مفروض نؤمن باللي كتبه الله لنا الجوهرة : قناعة! مررة بدري سلطان أفلت ضحكة خافتة ليُردف : هنا المشكلة الثانية الجوهرة : ليه أحس أنك تتمصخر! سلطان : واضح؟ الجوهرة بغضب : أبعد عني . . سلطان بضحكة خافتة يشدُّها أكثر : المشكلة الثانية حلها أني أخليك تتثقفين شويْ فيني الجوهرة بحدة : اتثقف فيك! سلطان : لأن نظراتي لك عمرها ماكانت انتقاص مير أنتِ تشوفينها كذا هذا دليل أنه ثقافتك فيني ماهي كافية الجوهرة : وش تبي توصله سلطان؟ سلطان : نحدد مشاكلنا ونعالجها بعدها نقرر الجوهرة : وش مشاكلك معي؟ سلطان : أولاً فيه شي بخاطري من زمان ودِّي أقوله بس دايم أتراجع الجوهرة ابتسمت : وش الشي؟ أكيد لي حق فيه سلطان : يعني هو لك حق بس مو كثير الجوهرة تشعرُ بلذة الإنتصار : إيه وشو؟ سلطان : ليه دايم أحسك تتعمدين تطلعين قدامي مبهذلة؟ الجوهرة صخبت بضحكتها وبضحكاتٍ نادرة تخرج منها جعلت سلطان يبتسم لضحكتها : واضح أنه دورك عشان تتمصخرين؟ الجوهرة : أولا عمري ما طلعت بشكل مبهذل بس أنا فعلا ما أحب المكياج ولا أحب أترك شعري مفتوح! سلطان : بس تحبينه يكون مفتوح قدام غيري الجوهرة : أقولك شي! مرة عمتك قالت لي الرجال إذا تبين تقهرينه صح! خليه هو والجدار واحد سلطان : شوفي عمتي لها سلسلة فاشلة من الزواجات! يعني نصايحها لو تفيد كان فادتها الجوهرة : أنا ما طبقت نصيحتها بس كما تدين تدان سلطان : واضح الغل في قلبك والله لو أني يهودي الجوهرة : أنت سويت فيني اللي ما يسوونه اليهود! سلطان : تبالغين كثيير الجوهرة : وش صار اليوم؟ أحس فيه شي وصلك سلطان : ذكية الله لايضرك! . . تبين الصراحة ماصار ولا شي من اللي قلته لك بالبداية بس مريت المسجد جلست فيه شوي وجاني واحد شايب قمت أسولف شوي معه وقالي دايم قبل لا تقدِم على عمل منت واثق فيه كفاية تذكّر الرسول صلى الله عليه وسلم .. قول في نفسك لو كان الرسول مكاني راح يسوي هالشي أو لا؟ إذا حسيت أنه بيسوي هالشي سوّه وإذا حسيت أنه مستحيل الرسول يتصرف كذا أبعد عنه .. خل أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام هي القاعدة في حياتك والمفصل بكل قراراتك الجوهرة بخفُوت : وراجعت أفعالك! سلطان بجديّة : جلست لين طلعت الشمس وأنا أفكر واستخير الله . . وش ممكن يسوي الرسول صلى الله عليه وسلم بحالتي؟ الجوهرة بربكةِ شفتيْها وقلبها يضطرب : وش ممكن يسوي؟ ، ريم : أفنان واللي يرحم لي والدِيك أفنان تنهدت : طيب خلاص بسوي كل اللي تبينه . . سمعت صوتُه القريب، ركضت بخطواتٍ سريعة نحو الفراش، لتندَّس وتُغمض عينيْها، فتح الباب ليرفع حاجبه وهو يعلم تمامًا بأنها مستيقظة، أقترب بخطواته وجلس على طرف السرير عند أقدامها : بالله؟ ريم تحاول أن تكتم أنفاسها التي بدأت تُخيط لها ضحكة قد تُنهي كل خططها بحقِ ريَّان، ألتفت عليها : أدري أنك صاحية! . . بالله وش خليتي للبزارين؟ ريم فتحت عينيْها : ممكن تطفي النور لأني أبغى أنام ريَّان : وش تحاولين تسوين؟ تبين تورطيني مع أهلي وتوقفينهم ضدِّي ريم بإندهاش: أنا!! طبعًا لا . . واللي يوقف ضد زوجي يوقف ضدي ريّان بسخرية : إيه واضح ريم بإبتسامة تستعدل بجلستها : شفتني سويت شي غلط؟ . . بقولك شي ريّان . . أنا من يومي صغيرة أعاني من شي نفسي وياليت تراعيه شوي ريّان : وشو؟ ستسلب الإتزان من عقل ريَّان بنبرتها الصادقة : ممكن أتوهم أنك قلت لي شي أنا ماقلته . . عشان كذا أنا ماأركز كثير . . ماكنت أدري أنك ماقلت لي عن الغدا لو كنت أدري طبيعي ماراح أتكلم بشي أنت ما قلته ريّان عقد حاجبيْه : وش هالخرابيط؟ كيف تتوهمين؟ أنتِ بوعيْك ولا . . ريم تُقاطعه : يعني هي حالة تجيني مرّات وهالمرة صدفت عليك . . على فكرة هو شي طبيعي يعني فيه ناس كثير يعانون منه ريّان : ريم لا يكون تكذبين ريم بضيق وهي تُكمل التمثيل ببراعة : أكذب؟ يعني عقب كل هالحكي تحسبني أكذب . . أوكي شكرًا يجي منك أكثر ريّان : طيب وهالحالة كيف علاجها؟ ريم : مالها علاج! هو شي نفسي إذا كنت سعيدة مايجيني بس إذا كنت *شدّت على كلماتها* تعيسة تجيني كثير وممكن تحطني في مصايب كثير . . يعني تخيّل أتوهم أحد قالي أطلعي برا وأطلع . . استغفر الله استغفر الله إن شاء الله مايصير . . نفثت على نفسها بكلمتها الأخيرة. ريّان ينظرُ إليها بصدمة : ماني مستوعب! ريم بلعت ريقها : وش اللي منت مستوعبه! . . أتصل على أخواني إذا تبي وأسألهم بس أنا خفت أقولك في بداية الزواج وتحسبني مجنونة ولا شي ريّان : طيب نتصل على أخوانك ريم توترت لترتفع الحمرة لجسدِها : كلم يوسف ريّان : لا منصور احسن ريم : مقدر أتصل على منصور يعني يوسف أكيد صاحي الحين! ريّان : بهالوقت؟ ريم : إيه عادي أخوي أتصل عليه بأيّ وقت بس أنت أكيد مو عادي ريّان يعض شفتِه السفلية بحدّة : طيب أتصلي عليه قدامي ريم بدأت أصابعها ترتجف وهي تضغط على إسمه، ثواني قليلة حتى أتى صوتُه الناعس : ألو ريم : هلا يوسف فزّ من سريره : ريم! . . فيك شي؟ ريم بربكة : لا لا . . ولا شي بس كنت أبغى أسألك وكذا يوسف : الله يآخذك قولي آمين ريم بإبتسامة لريّان : بخير الحمدلله يوسف : الله يآخذك مرتين إن شاء الله! الواحد حتى وأنتِ منقلعة عنه ما ينام براحة ريم : كيف أمي وأبوي؟ يوسف بعصبية : وش قاعدة تخربطين؟ ريم : أيوا الحمدلله . . طيب أسمعني يوسف أنا قلت لريّان أنه فيني حالة نفسية تذكر اللي جتني وأنا صغيرة وأحيانا تجيني . . المهم ريان تصوّر أنه مو مصدقني فقلت خلني أتأكد من يوسف بديت أشك حتى في نفسي يوسف صمت قليلاً حتى أردف : هذا يدخل من باب إيش؟ ريم بضحكة : يدخل من باب وفاق الزوجين يوسف : هو قدامك؟ ريم : إيه يوسف : طيب وش تبيني أقول ريم : إيه . . أقصد يعني صح أنا احيانا أتوهم أشياء ماهي موجودة . . تذكر يوم في المزرعة أحسب أبوي ناداني وطلع ما ناداني وبغيت آ يقاطعها يوسف : طيب يا كذابة وصلت المعلومة لا تكثرين منها عشان مايطلع شكلك بايخ قدامه . . حطي سبيكر خلني أتكلم ريم : طيب . . . ضغطت على زر السماعة الخارجية لتلفظ : إيه يوسف عيد اللي قلته يوسف : جتك ضربة على راسك يوم كان عمرك 7 سنوات أتوقع أو ممكن 8 والله ناسي .. مفروض علمنا ريان عشان يكون على بينة .. المهم هو عندِك؟ *ألفظ كلمته الأخيرة بإستغباء* ريم : آآآ . . لا يعني أنا بس أبي أقوله لا جاء أنك أتصلت وكلمتني وكذا يوسف في داخله يشتم ريم بأشد الشتائم ليلفظ : طيب أنا أكلمه أجل ريم : لآلآ وش تكلمه تبي تفضحني عنده! يقول هذي مجنونة ولا شي يوسف : طيب وش تبيني أقول! يعني مفتخرة بأنك تتوهمين أشياء مهي موجودة؟ ترى هالشي يفشل ولا عاد تقولينه لريان بكرا يحسبك مجنونة صدق ريم بنبرة حزن تنظرُ لعينيْه : هو أصلا حسبني مجنونة وخلص! ما صدقني أبد يوسف : يا حبيبتي والله! ولا يهمك أهم شي لا تنسين أذكارك . . هي تخف شوي هالحالة مع الأذكار وقراية القرآن ريم : طيب حبيبي كمل نومتك . . . . وضعته على أذنها لتأتِ كلمات يوسف الحادة . . فعلا فعلا أنا مصدوم فيك! ريم : لا ولا تهتم كل أموري تمام يوسف : إيه أكذبي أكذبي على ظهري . . حسبي الله كان الزواج خرّبك! ريم : يوصل سلامك . . تآمر على شي يوسف : الله يآخذك أنقلعي . . وأغلقه. ريم : بحفظ الرحمن حبيبي . . وأغلقته لتنظر إليه . . سمعت بإذنك؟ ريّان : طيب ليه مانروح دكتور يمكن . . ريم : لآلآ وش دكتور! . . خلاص إذا أنت متضايق ماعاد بتكلم بشي الا لما أتأكد سمعته منك أو لا أصلا هالحالة ناسيتها من كثر ماجلست فترة طويلة ماجتني الا يوم تزوجتك . . ياليت تراعي هالشي شوي ريّان ، يقذف بالهاتف على الجدار لتبتعد عدة خطوات للخلف من أعصابه التي بدأت تفلتُ منه، يُكمل يومه الثاني دُون نوم! تشعرُ بأنه ليس بوعيْه وهو لا ينام ولا يُريح جسدِه، بلعت ريقها لتُردف : آآ .. ناصر ناصر بعصبية : عبدالعزيز جواله مغلق! . . أكيد صاير شي غادة : طيب أهدى . . اجلس ناصر : وين أجلس! هم قاعدين يكذبون من وراي! أنا أعرفهم غادة عقدت حاجبيْها بضيق على حاله : مين اللي يكذب؟ ناصر بعينيْه المحمّرة من السهر وهالات السواد التي تنتشر حولها : بيقولون اني كذبت عليه . . مفروض أروح الحين الرياض وأكلمه غادة : كيف تروح؟ أنت لو تطلع يمسكونك ناصر بحدّة : مين يمسكني؟ . . أنا ماذبحت أحد مفهوم! غادة برجفةِ شفتيْها : ناصر الله يخليك أجلس . . أعطيك بندول يريّح أعصابك ناصر يجلس بهدُوء لينظر إليها : غادة رفعت عينيها نحوه ليلفظ بإبتسامة موجعة : بس كنت بتأكد أنك هنا تصادم فكيّها برجفةٍ أقشعر منها جسدِها، شعرت بأن هُناك دمعة ستفلتُ من عينيْها : نام وارتاح ناصر ينظرُ إليها بنظراتٍ حانية : قبل مدة قالي عبدالعزيز أنه شافك بس قلت له أنت تتوهّم . . أنا بعد أتوّهم يمكن عشاني مانمت؟ . . هو كان يتوهم بعد لأنه ما نام . . إحنا أصلاً ما . . غادة تُلاحظ تقاطع الكلمات في صوتِه المتعب وهي تقترب نحوه : أششش .. أنا هنااا . . جلست على ركبتيْها أمامه . . . نام شويّ .. بس شوي عشان نفسك وصحتك! ناصر يضع يدِه على شعرها ليُردف بخفُوت : عبدالعزيز ماراح يصدقني! محد بيصدقني . . أنتِ بتصدقيني؟ غادة تجهلُ ماهية حديثه لتُردف : مصدقتك ناصر : بكل شيء راح أسويه راح تثقين فيني؟ غادة تنزلُ دمعتها الرقيقة : راح أثق فيك ناصر يشعرُ بأنه يتخدَّر وعينيْه تذبلُ أكثر : راح ترجعين معي! ماراح تسمعين لهم؟ صح؟ غادة والغصات تتجمعُ في حنجرتها : صح ناصر : تحبيني؟ غادة تُخفض رأسها لتتبلل ملامحها بمطرٍ مالح يُثير البثور و الندبات الضيِّقة، رفعت عينيْها الناعمة وهي تنظرُ للوجَع بعينيْه، إبتسم بضيق : من زمان ما سألتك ؟ لأني كنت أحسك دايم تقولينها لي بتصرفاتك . . بس ودِّي أسمعها منك غادة ببكاءٍ عميق وصوتُها يبُّح بهذه الكلمة : إيه ناصر يستلقي وعيناه تنام تدريجيًا، بصوتٍ خافت: قوليها! أبي أسمعها غادة بمرارة الحزن في صدرها : وأحبك ، يخرجُ بخُطى هادِئة ليأخذ هاتف نايف، رفع حاجبه : مين أتصل؟ نايف : ما أعرف! .. عبدالعزيز إحنا لازم نطلع من هالمكان بأسرع وقت! . . . عبدالعزيز تنهَّد : لازم يجي بوسعود عشان يروحون الرياض! نايف : راح أتصل عليه اليوم وأكلمه بهالموضوع لكن أنت بعد مفروض ما تطلع مكان . . عبدالعزيز : بجلس لا تشغل بالك . . . نظر للظرف الذي تحت – مسَّاحاتِ السيارة - . . وش هذا ؟ مين حطه هنا؟ نايف : آآ مدري والله . . يقترب ليلفظ عبدالعزيز . . أتركه أنا أشوفه . . . تقدم نحوه ليُقلِّبه بين كفيّه . . . فتحه لتتساقط الأوراق المختلطة بالصور على الأرض المبتلة، أنحنى ليرفعها و أصطدمت طبلةُ إذنه بصوتِ الرصاص . . . . الساعة العاشرة صباحًا – الرياض. [ يقترب منه أمام الموظفين بأكملهم، لتتجه الأعين صوبِه، أكثرُ شخصين مؤثرين في هذه المؤسسة الأمنية يقفان بمُقابل بعضهما ويبدُو الغضب على ملامحهم ، أقترب حتى لكمه على عينِه بشدَّة لترتفع الشفاهُ المراقبة بصدمة ليس بعدها صدمة، وقف متعب وقدميْه ترتجفان أمام المنظر وهو يهمسُ للذي بجانبه : .. ] . أنتهى |
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء (70) المدخل لـ حبيبنا بشارة الخوري :$ جَفْـنُـهُ عَلّـمَ الـغَـزَلْ وَمِـنَ العِلْـمِ مـا قَتَـلْ فَحَـرَقْنَـا نُـفُـوسَنَـا فِي جَحِيـمٍ مِـنَ القُبَـلْ وَنَشَـدْنَـا، وَلَـمْ نَـزَلْ حُلُـمَ الحُـبّ وَالشّبَـابْ حُلُـمَ الـزّهْـرِ وَالنّـدَى حُلُـمَ اللَّهْـوِ وَالشّـرَابْ هَاتِهَـا مِنْ يَـدِ الرِّضـى جُرْعَـةً تَبْعَـثُ الجُنُـونْ كيفَ يَشْكُـو مِنَ الظّـمَا مَـنْ لَـهُ هَـذِهِ العُيُـونْ يـا حَبيبِــي ، أكُلّمَـا ضَمّنَـا لِلْهَـوَى مَكَـانْ أشْعَلُـوا النّـارَ حَـوْلَنَـا فَغَـدَوْنَـا لـهَا دُخَـانْ قُلْ، لِمَـنْ لامَ فِي الـهوَى هَكذَا الحُسْـنُ قَـدْ أمَـرْ إنْ عَشِقْنـا... فعُـذْرُنَـا أنَّ فِـي وَجْهِنـا نَـظَـرْ أنحنى ليرفعها و أصطدمت طبلةُ إذنه الرقيقة بصوتِ الرصاص، رفع عينه لينظر لنايف الذي وقف أمامه حتى يحميه من أيّ رصاصة تخطفُ روحه، وضع الصور المختلطة بالاوراق في جيب جاكيته دُون ان يُدقق بها أو يلتفت حتى بنظرةٍ، هي إشارات القدر التي تستطيل بالجدار الفاصل عن الحقيقة/ النهاية، لكننا دائِمًا يالله نفهمُ متأخرًا، ونصِل بقلوبٍ تلهث تتسامى وتتبخَّر كأن شيء لم يكُن، كأن هذا الوجع لا يهم أحد ولا يعني هذا العالم، لِمَ ارواحنا أصبحت بهذا الرخص؟ إني حزين ويجب على هذا العالم أن يتفهم كيف لرجلٍ أن يحزن ويصِل لمرحلة متقدمة من بحَّةٍ تُزعزع أمن قلبه، يجب أن يفهم هذا العالم أن حنجرتي مُصفّرة كالخريف لا تزرع الكلمات ولا ينمُو على ضفافها زهرة واحدة. نايف : أنت خلك هنا أنا بشوف بالجهة الثانية عبدالعزيز بتعقيدة حاجبيْه وضع كفيّه بجيبِه : لا طبعا رايح معك نايف : عبدالعزيز! أرجوك عبدالعزيز يسيرُ بإتجاه الأشجار المتكاثرة على جنباتِ المكان ليلتفت نحو نايف : خلك هنا عشان محد يقرّب من البيت نايف يتقدّم إليه بضيق : عبدالعزيز كِذا بتحطني في مشاكل! . . خلك هنا وأنا أشوف الوضع عبدالعزيز رفع حاجبه الأيسر : وش المشاكل؟ بوسعود لما حطِك هنا قالك عن أهله ولا قالك عن عبدالعزيز؟ نايف بإستغراب : أكيد عنكم كلكم عبدالعزيز بنبرةٍ خافتة موجعة : منت مسؤول عني يا نايف! مسؤول عن اللي في البيت هذا اللي قاله لك بوسعود ولا أنا غلطان؟ نايف شتت نظراته ملتزمًا الصمت ليُكمل عبدالعزيز وهو يسير نحو الجهة الأمامية : هو أصلاً بقى شي عشان أخسره؟ . . . يسيرُ والغيم يلاحِقه ببداياتٍ دافئـة. رفع عينِه للسماء الداكنة بالبلل. تموت في حنجرتي الكلمات، تتصاعد لتحجب عن صوتي وضوحه، لا أعرف تماما بمن يجب أن أسخَر حتى أفرغ هذا الغضب، لِمَن أوجه هذا القهر الذي يتجعَّدُ في قلبي، إثنان وثلاثون عامًا يا أمي لم يجيء الضياعُ مختالاً جريئًا هكذا، لمْ أضعف بهذه الصورة قط، لم يتمكّن مني البلل حتى الغرق، كانت حنجرتي ينمو على ضفافها من البلل مدائن يا أمي، ولكن الآن! لاشيء من هذا! أفقدُ صوتي تدريجيًا كما أفقدُ إحساسي بالأشياء من حولي، وهذا ما يُزعجني، أنني لا أشعر بالأيام، بالأحداث التي تصير أمامي، أنا أموت يا – يمـه – كنت أمنِّي النفس من دونكم بأنني قادر ولكن لم أستطع أن أواصل، حاولت ولكن الآن أقف بلا حولٍ ولا قوة، أنا العدد الزائد في هذه الحياة وأنا الذي يعيشُ الموت بتضاداتِه، بالأمس لم أتمكن من النوم ليس لأن الأرق يسيطر عليّ، على العكس تماما أنا من باعدتُ بمسافات كثيرة بيني وبين النعاس، أنا أحارب كل ما تقوم عليه هذه الحياة، حتى النوم تخيلي! تذكرتُ أوصافك عندما بلغت عقدي الثالث، كان أبي بجانبِك يقول في القرآن ذُكِر لفظ السنة للأيام الصعبة والحزينة وذُكر لفظ عام للأيام الطيبة الجميلة، قُلتِ بفمِك الناعم " لا سنوات في أعوامِ ولدي " وكُنت أتخيّل دائِمًا بأنه ليس هُناك سنة ستقطعُ أعوامي الخالدة في عُقدة قلبك، إلى أن جاءت هذه السنة، أتت السنة السيئة التي ظننتها لن تجيء أبدًا، هذه السنة لم أبتسم بها من فرط السعادة ولا للحظة، أبتسمت فيها كثيرًا ولكن لستُ سعيدًا، كنت سيئًا لم أفعل شيئًا حَسنًا، حتى المرأة التي ظننت أن من حقي أن تكون ليْ تزوجتها برُخص، لِمَ أنا بهذه الصورة؟ أوّد أن أشرح لنفسي يا " يمه " كيف لإبنك خلال سنة أن تختل به موازين هذه الدنيـا، أنا فقدتُ في الحياة حياتي، لأنني ببساطة لم أعرف كيف أتعامل مع الصدمات ولم أعرف كيف أتجاوز أعيُنكم النائمة بعُمق الموت، تصوَّري أن اليوم عرفـَة، و غدًا العيد، تصوَّري حجم فُقدِي الذي يجعلني أتلاشى بين هذه الأيام، لم أصوم لأولِ مرة منذُ أعوام طويلة، لم أجلس أمام التلفاز أراقب الحجيج، لم أستقبل رسائل التهنئة من أيّ أحد، لم يكُن الموت عاديًا يمرُ بسلام عليّ! هذا الموت لو تعلمين ماذا يفعل بيْ؟ أنه يُفقدني الشعور بالحياة، هذا الشعور الذي يتفاقمُ في داخلي لا يترك لي فرصَة بأن أُعيد إتزان الأشياء المتناثرة. كل ما أوّد قوله وكل ماأريده أن يصِل أنني والله العظيم أشتقت حتى الوجعُ مات فيّ. ألتفت كثيرًا وهو يغرقُ بتفكيره، نظر بدقَة لِمَ حوله حتى عاد بخُطى مبعثرة للبيت، تقدّم إليه نايف : شفت شي؟ عبدالعزيز : لا . . مافيه شي! دخل للغرفـَة الجانبية التي يفصلها عن المنزل ممرٌ ضيِّق، رمى نفسه على السرير الوثير لينظر للسقف بعينيْن ناعِسة تطلبُ النوم، أغمض عينيـه طويلاً وهو يسحبُ الهواء ببطء لداخل صدره الخاوي، الخاوي من كل شيء إلا الحزن، هُناك مسافة شاهقة كانت تنمو بيْ وتحمَّر كضحكة أمي الخجلى، لكن هذه المسافة تلاشت، ذابت كالسكر في الشاي، إني أنسى حلاوة الأشياء كما أنني أنسى تدريجيًا الحياة، لله يالنسيان! لله أطلبك. فتح عينيْه ليراها بدلاً من السقف الجامد، لم يتفوه بكلمة تقطع هذا السكون، تأملاها بملامحها القاسية مرّات والناعمة مراتٍ كثيرة، لتقاطعاتِ وجهها الخافتة، للشمس التي لم أرى إنعكاسها ببشرة أحدٍ سواها، للمعة عينيْها الداكِنة و لشعرها الذي لو لم يكُن ينتمي إليْها لَمَا أحببته، لكل الأشياء التي تطوف حولها كلؤلؤٍ أبيض، ولكل الأشياء التي أحبّها من أجلِ عينيْها. رمشت عيناه لينظر للسقف مرةً أخرى دون أثرٍ لرتيل، ألتفت بإتجاه الباب " صرت أتوّهمك وأنتِ واقع." تمتم بخفُوت وهو يمسح على وجهه بكفيّه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . . ، قبل ساعاتٍ قليلة، بجديّة : جلست لين طلعت الشمس وأنا أفكر واستخير الله . . وش ممكن يسوي الرسول صلى الله عليه وسلم بحالتي؟ الجوهرة بربكةِ شفتيْها وقلبها يضطرب : وش ممكن يسوي؟ سلطان : أنتِ وش تتوقعين؟ الجوهرة تضع أصابعها على كفِّه الخشن بإتجاه بطنها لتُبعدها بهدوء دُون أن يعارض، بقيْت للحظات بمثلِ وضعيْتها حتى أستلقت على ظهرها لتنظر للسقف أمام نظراته المثبتة بإتجاهه. بنبرةٍ متزنة : ممكن يترك لي الخيار . . سلطان : وش خيارك؟ الجوهرة أرتجفتا شفتيْها لتقع عيناها بعينيْه، حاولت أن تُشتت نظراتها ولكن! هُناك شيء يشدُّني نحوك، شيء يسحبني إلى النظر بعينيْك، أحاول أن لا ألتفت ولكن تفلتُ مني زمام الأمور، أحاول أن أن أجمِّد كل الأشياء بيننا ولكن لا شيء يستجيب لرغبتي، كل الأشياء تتغلغل فيني وتتحرك بلا توقف، أحاول أن أستقِّل بحياتي عنك ولكن لا قُدرة لي على ذلك، إنك قضائِي والقدر الذي كُتب على الجبين، كيف أنساك؟ كيف أتجاهل وجودك؟ كيف لا أتسامى بعينيْك والشمس ترقد بها؟ كيف لا أتبخَر وأنت تنظرُ إلي بهذه الطريقة يا سلطان؟ هل تنظر إلى نفسك بذاتِ النظرة؟ هل تشعر كيف نظراتُك الحادّة والناعمة بذات الوقت تُشعل قلبي البكر الذي لم يحب قبلك ولن يُحب بعد، يا مشيئتي بهذه الحياة بعد الله، عيناك قاتلة. إبتسم من نظراتها، بانت أسنانه المصطفّة في إبتسامة ودّت لو تحفظها بصورة، الإبتسامة التي تصنَّف من النوادر السلطانيَة، كل الأشياء يا سلطان أصبحت تنتمي إليْك وتتوزعُ بك. شتت نظراتها بحُمرة ملامحها ليُردف والإبتسامة لا تتلاشى : عيونك كانت تحكي! . . الجُوهرة بتوتر يعتلي صدرها بشهيقٍ ويهبطُ ببطء : ما كملت ليْ! وش تسوي؟ سلطان بنظراتٍ تغرق و تغرق و تغرق ولا تنجُو : فيني فضول أعرف وش كنتِ تفكرين فيه الجُوهرة دُون أن تنظر إليه : ما كنت أفكر بشي محدد . . سلطان تنهَّد لتتبدد بجُزءٍ من الثانية إبتسامة سرقت قلبها : ما وصلت لنتيجة واضحة! الجوهرة تستعدل بجلستها لتُقابله بمسافةٍ تتضاءل وكأن الهواء يتخدَّر من المضي بينهما : وصلت! . . صرت أفهمك وأفهم كلامك اللي تخفي وراه أشياء كثيرة! سلطان يرفعُ ظهره عن السرير ليجلس هو الآخر : وش فهمتي من كلامي؟ الجوهرة : وش لازم مفروض أسمع الحين؟ سلطان : لا تجاوبين على سؤالي بسؤال الجوهرة : لا تسألني وأنت تعرف الجواب سلطان : بقولك شي الجوهرة . . لو أنا شاك واحد بالمية بعفتِك ما تركتك كل هالمدة هنا! كان بسهولة راح أرمي عليك الطلاق بدون لا يهزّ رمشي ندم! الجوهرة بلعت ريقها، تخشى كلماته الواضحة الصريحة، شتت نظراتها ليرتجف قلبها ببعثرةٍ. سلطان : الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة قال لقريش أذهبوا انتم الطلقاء . . ما حاسبهم ولا حاول يعاقبهم . . رفعت عينيْها المتلألأة بالدمع إليه وهي تفهم ماذا يُريد أن يصِل، ليُكمل : أحيانًا أفكر من هالزاويَة، من زاوية تسامح الرسول عليه الصلاة والسلام . . . لكن في داخلي ماني مقتنع! مو ماني مقتنع بهالمبدأ لكن ماني مقتنع بأني أستعمله معك الجوهرة تسقطُ دمعة حانيَـة تربتُ على خدها : تستعبدني يا سلطان! سلطان بضيق يُبعد أنظاره عنها دُون أن ينطق كلمة تنحر الإتهام الموجّه إليْه، لا يعنيه أمرُ قلبي ولن يعنيه أبدًا ما دامت الكلمات التي أرتجي منها إجابة لا تحرِّك به شيئًا والإتهامات المصوَّبة نحوه لا يُبطلها صوتها. الجُوهرة بدمعٍ مالح : تآخذك العزة بظلمي، أنت ببساطة تلغيني وتمحي كياني! أنا أستحي من نفسي لمَّا أتخيَّل كيف ممكن أقبل إعتذارك! لأنك من الأساس ماراح تعتذر ولا حتى تجبر خاطر قلبي وتعترف! الماضي اللي تشوفه أسوأ شيء ممكن يحصل في حياتي! يهووون كثير لما أشوف نفسي منذلّة بهالصورة! . . على الأقل كنت أحس أنه لي حق القبول والرفض لأيّ إعتذار ممكن يجيني! لكن معك أنا ما مقدر أختار! مقدر أرفض ولا أقدر أقبل . . أنا معك على الهامش. تتقابل عينيْه بعينيْها المُشتعلتيْن بالبكاء، بنبرة موجعة تُكمل : أسألك بالله ما يوجعك قلبِك؟ سلطان بعُقدة حاجبيْه : أنتِ وش تشوفين؟ الجُوهرة : تبيني أجاوب بس مُجرد جواب يشبع غرورك وبعدها أنت اللي تقرر! . . تبي تهيني وبس! سواءً بقصد أو بدون قصد. سلطان بخفُوت يقف مبتعدًا بخُطاه نحو الخلف : لعلمك! . . دايم تحبطين أيّ خطوة نتقدم فيها بعلاقتنا سواءً بقصد أو بدون قصد. الجوهرة بحزن عميق يتحشرج به صوتها : لأنك ما تراعيني! ما تحاول تنتبه لكلامك معي! كافي والله كافي! وش بقى يا سلطان ما قلته؟ سلطان يُدخل كفِّه اليمنى بجيبه ليُردف وهو ينظرُ لسماء الرياض التي تشرق تدريجيًا : أبي أعرف رايك! الجوهرة : رايي! كأن مالي علاقة بالموضوع! لكن أنت لك الحق بالقرار بس أنا لا! مجرد أني أقول رايي وأنت بعدها ممكن تآخذ بهالراي وممكن لا . . وتقول ليه ما نتقدم خطوة!! سلطان بحدّة : لا تنتظرين مني أني أعتذر! ولا تنتظرين مني أقول إني غلطت! . . يُشير إليها بالسبابة . . ماني في مجتمع ملائكي ولا أنا مخلوق من نور! إذا بتوقفين على كل غلط وتنتظرين مني أعتذر فأنتِ تضيعين وقتك! ماعندي شي اعتذر عشانه الجوهرة وتشعرُ بالدماء تجري على لسانها : يعني ما غلطت؟ ما ضربتني؟ ما احرقت إيدي؟ ما أتهمتني؟ ما قلت لي ولا شي يستحق أنك تعتذر؟؟؟؟ سلطان : أغلاطي ما جت كِذا بدون سبب! لكل فعل ردة فعل . . إذا كانت ردَّات فعلي أغلاط بالنسبة لك فأفعالك سبب هالأغلاط! الجُوهرة بضيق : صحِّح أغلاطك معي! . . سلطان : أبشري يا بنت عبدالمحسن! الجوهرة عقدت حاجبيْها وهي تشدُّ شفتِها السفليَة حتى لا تسقط ببكاءها : من الحين أقولك لا تلومني لو خبيت عليك شي! ولا ما صارحتك بشي! . . إذا أنت ماتعرف كيف تقرر في حياتك! هذي مشكلتك مو مشكلتي!!! سلطان : متى ماتبين قلتي حياتنا ومتى ما ودِّك تفصلين حياتي عنك قلتِي حياتك ومشكلتك! الجوهرة بملوحة محجرها الذي لا ينضبّ : أنت ما عطيتني سبب واحد يخليني أقول حياتنا! ما شاركتني في أيّ قرار! ما جيت مرّة وقلت أنا متضايق أنا محتاجك! ما حسستني بأيّ شيء يقول أني مهمة في حياتك! . . على أيّ أساس أقول حياتنا وأنت ملغي دوري؟ نظر إليْها بحُرقة القهر في عينيْه، أقترب حتى أبتعدت بخطواتها وأصطدم ظهرها بالدولاب، ألتصق بها بلسانٍ يزفرُ غضبًا : يالله قرري! أعطيتك الصلاحيات الكاملة بأنك تقررين! . . قولي لي وش قرارك؟ وراح يتنفذ . . أرتجفت شفتيْها الناعمة بإنقباض قلبها الذي ينكمش بلا تردد، تلعثمت خُطى الكلمات على لسانها لتتكوَّر حول الصمت، حاصرها بأقدامه وبطنه يُلامس بطنها، بنبرةٍ حادة : وش قرارك؟ الجوهرة أخفضت رأسها لتنساب ببكاءها، بغضبٍ رفع صوته : شايفة أنك إنسانة ما تعرف تتخذ قرار واحد! وتلوميني على أيش؟ . . . أنا لما ما أشاركِك في قرار أكون عارف بقرارة نفسي أنك مستحيل تختارين! الجوهرة بصوتٍ يختلط بالدمع رفعت رأسها، قريب جدًا منها، من ملامحها الباكية. : أنت كِذا! تشدِّني بنظراتِك! تخليني ساذجة أصدق كل كلمة وكل شيء تنطقه عيونك قبل لسانِك، تخليني أظن أنه الأمل قريب لكن بمجرد ما تدير وجهك عنِّي أذبل! . . . أنا أكره نفسي اللي مقدرَت تكرهك. سلطان بحدّة : مين يقسى على الثاني؟ الجوهرة بنظراتٍ ضائعة : صرت أشبهك! عشان لما أقولك أنك ألغيت الجوهرة القديمة فأنت فعلا ألغيتها ومحيتها سلطان بنبرةٍ خافتة تصِل إلى شفتيْها قبل أذنها بهواءٍ يتجادلُ بينهما : ما تقدرين تقسين! الجوهرة بقسوة بترَت النصف المضيء من قلب سلطان : ماني مُثيرة للشفقة عشان أتعلق بحياة احد أشتعل صدره من جُملة قصيرة، قلبه الذي لا ينقبض من الأفعال ألتزم قهره بسبب جُملة ضيِّقة لا يتلاشى صداها، باقٍ في سمعه وقلبه الذي توتَّـرت حباله. بحدّة : أحد؟ الجوهرة بوجَع :تصبح على خير . . . وخرجت من أسفل ذراعه التي تحاصرها، نزلت للأسفل بخطواتٍ مرتجفة، وضعت يدها على أنفها الذي غرق بالدماء، سحبت منديلاً وهي تحاول إيقاف النزيف، لا شيء يمرُّ بسلام، لا سلام بيننا يا سلطان ولا حتى هُدنـة. ، بتجمدِ أطرافها على الأرضيَة التي تُغطيها قطعة قماشٍ رقيقة، وضعت يدها على جبينِه المحترق بحرارته، لم تستطع الوقوف من تشبثِه بها، أستجابت لنومه على حجرها دُون أن تتحرك وتُزعجه، عينيْها ترتفع للنافذة، للثلج الذي يملأ لندن، تُراقب سقوطِه وأصطدامه بالزجاج، تُخفض نظرها لتتنهَّد ويُشاركها الهواء البارد الأبيض من بين شفتيْها الحزن. ببحَّـة تستعيدُ ذاكرتها الطريَّة صوتُه : المحبّة أرض والفرقـَآ أرآضي والزمن كله ترى لآ غبت مـَآضي . . والله إني ما أشوف الا عيونكـ إن رحلت اليوم أو طول مرآضي . . هرولت دمعةٌ سريعة من عينيْها لتسقط على جبينه، مسحتها بأصابعها الناعمة لتتجمَّد كل الأشياء التي أمامها، غابت في ذاكرتها للحظةٍ تضخُّ بها أصواتٍ متداخلة لا تدلُّ صاحبها. في زمانٍ ومكان لا تعرفُه، أمام عينيْه الشاهقة و الضحكات تتورَّدُ بين شفتيْها. ألتفتت نحوه : قَآلوآ العذآل والعذآل مرضـى وش بلآ حآلك من الأشوآق قـَآضي . . قلت يهجرني حبيبي لين يرضى علموآ الظآلم ترى المظلوم رآضي . . . رمشت عينيْها لتنظر إليْه، شعرت بالصداع يُهاجمها ويُعيق كل فكرة تحاول التعمق بها، كل نبرة تحاول أن تتكىء عليها وتكتشفُ صاحبُها، عقدت حاجبيْها لتنساب ببكاءٍ عميق دُون أن تتأوه بأنينها، تُراقب نومه المطمئن وتغرقُ بأفكارٍ لا تنتهي، كيف يحيَا المرء دُون ماضي؟ أوَّد أن أسمع بلا توقف عن لقاءاتنا الأولى، عن المحادثات الطويلة التي تنتهي على وسائدنا، عن الصور التي جمدَّت لحظاتُنا وعجزت عن تجميد النبضَة التي ترتجفُ في كل مرَّة نلتقي بها، أوَّد أن تحكي لي عن الحياة التي مضت من عُمرِي معك، أوَّد أن أعرف كيف كُنت أحبك؟ وكيف كُنَّا نلتقي بأغنيَة! كيف كُنَّا نخطفُ حنجرة شاعر و نسقطُ في البيت الأول؟ علِّمني كيف كانت القصائد تتكاثف بجانب نوافذنا وكيف كانت عيناكِ تطلّ على حلمٍ لا ينتهي! أنا ذابلة يا ناصر! لا أفهم تصرفات قلبي، ولا أعرف إلى أين سيذهب بيْ، أشعرُ بك والله، أشعرُ بالنبضة المرتجفة في جيب قلبي، أشعرُ بالحيويَة التي تتسلل إلى جسدِي أمامك، أشعرُ بالتصلَّب في اللحظة التي تُدير وجهك عنِّي، أنا أفهمُ كل هذا ولكن شيءٌ واحد لا أستطيع تحديده، شيء واحد ينتهي بـ " أحبك ". ، يُشير إليْها بإتجاه إحدى الزوايـا : هنا القبلة . . وقفت لترفع عينيْها للسقف، بمحاولة جادة أن تصرف كل الأفكار عنها، بمحاولةٍ جادة أن تستجلب الهدوء/ الخشوع إليْها، كبَّرت لتتبعها نظراته، أستلقى على السرير بإرهاق وعيناه مازالت تُبسط النظر إليْها، تطُوف حولها كـ ناسكٍ متعبِّد، يجمِّد اللحظات بين أهدابه التي لا تقطعُ صلاة عينيْه برمشَة ولا رجفة، ركعتيْن تنتهي وترمش عينيْه، جلست على الأرض للحظاتٍ طويلة دُون أن تقِف. أشعرُ بغربة قلبك في هذه اللحظات، أن غدًا العيد ولا شيء حولك يدلُّ على ذلك، بعد شهور قليلة سأُكمل الثلاثون عامًا ولم يرمق لي العيد مرَّةٍ بنظرة ناعمة، ولم أسمع تهنئة ورديَـة تُسعدني سوى من أمي وأبي، ما عدا ذلك تهنئاتٍ تمرُّ كالعدَم، من نساء لا أعرف عنهن إلا أسماءهن الأولى، من نساءٍ كنت أكتب ما أقوله لهن في مسوَّدة خشية النسيان، من نساء لم يحركن بيْ شيء، ولم أرسمهن مرَّة ولم أكتب لهن الشِعر ولا للحظة ولم أرسل لهن هديـةٍ واحدة. كُنت أشبع الفراغات حولي بهن لأني آمنتُ بأن لا حُب ولا خرافاتِ السعادة عبر الهاتف، نحنُ الشباب نطيش لأننا نعلم بأن هُناك مجتمع خلفنا سيُبرر لنا هذا التمرُّد، لا أحد يتزوَّج من فتاة رآها بسوق تجاري ولا أحدٍ يتزوَّج من فتاةٍ تعرّف عليها بموقعٍ في الإنترنت، كل هذا أنا أؤمن به لأنني أؤمن بطبيعة العلاقات في مجتمعي، لا نهايات طيبة تبدأ من رقمٍ ورسالة. ولكنني سيء! مضى حُبكِ يتفاقمُ بصدرِي، بدت نظرات الإعجاب تتحوَّل لتفكيرٍ مزمن لا ينتهي الا بِك، كنت أنام لأستيقظ بفكرةٍ واحدة وهي أنتِ، وكُنت أحاول النوم ولكنكِ في ليالٍ كثيرة كانت الوسائد أرق، أُدرك جيدًا بأن بدايتنا هشَّـة لأنها مُشبعة بغضب الله، بالتعدي على حدوده، أُدرك ذلك جيدًا ولكن الآن! الخيارات بأيدينا. ألتفتت عليه عندما حسَّت بسكُونِه، ألتقت عينيْها بعينيْه، بحركةٍ بائسة بدأت تُقطِّع أظافرها بأسنانها، لتُردف وهي تقف : ابي اكلم أبويْ فارس يُخرج هاتفه الذي أتى به من الشقة، مدَّه إليْه أمام نظراتها المندهشـة. بلهفة أخذته من يدِه لتضغط رقمه الذي تحفظه عن ظهر غيب/حُب،بدأت بالسير بلا توقف في الغرفـة الضيِّقة، تشعرُ بأن الثواني التي تستطيلُ بلحظاتها تعبرها كساعاتٍ لا تنقضي بسهولة. عبدالرحمن : ألو . . توقفت أقدامها بنبرته التي اشتاقت إليْها، توقَّف هذا العالم بأكمله واصطَّف بعيني بصوتِه الطري في ذاكرتِي والخالدُ في يساري، مالِي أنا والناس؟ إن لم تلفني يدِك الحانيَـة، إن لم تأخذنِي عينيْك لعلييِّن، مالي أنا والحياة؟ إن لَمْ أعِش في كنف صوتك. يا وجَعُ الكلمات المتراميَة على أطرافي يا " يبـه " و يا شدَّةُ وجعها إذا ضاقت بها حنجرتي، يا إتصالي بهذه الحياة عبر وريدُك، إن باعدت المسافات وارتفعت لن يفصلني عن قلبك شيء، وكيف يفصلني؟ و جسدِي يبتهِّلُ بـ " اشتقت ". تصعد الحُمرة إلى عينيْها المتلألأة، بإختناق : يبــه عبدالرحمن فزّ من كرسيْه ليُردف بصوتٍ مُبلل باللهفة : يا عيون أبوك! . . عبير جفَّت حنجرتها ببحَّـةٍ موجعة : اشتقت لك عبدالرحمن بأنفاسٍ تتصاعد حدُ الإضطراب : وينك؟ . . تكلميني من أيّ جوال! عبير : جوال فارس .. يبه . . أخفضت رأسها بصوتٍ يئن . . أشتقت لك كثييير عبدالرحمن بنظراتٍ حائرة تثبتُ على المكتب الخشبي : اشتقت لك أكثثر! . . قولي لي كيفك الحين؟ تنامين كويِّس؟ وين تنامين؟ فيه أحد يضايقك؟ عبير : أنا بخير .. دام سمعت صوتك بخييير الحمدلله عبدالرحمن : يبه عبير طمنيني ولا تخبين عليّ شي! . . عبير بخفُوت : والله بخير . . محد يضايقني! أصلا طلعنا من عندهم أنا مع فارس في مكان بعيد . . بعّدنا من وسط باريس! عبدالرحمن بدهشة : طلعتوا!!!! عبير : إيه بس رفض يرجعني للفندق عبدالرحمن : عبير . . كيف تعامل فارس معك؟ يضايقك بشي؟ عبير تنظرُ لعينيْه التي تراقبها لتُشتتها بعيدًا، بصوتٍ ضيِّق : مو مثل أبوه عبدالرحمن تنهَّد براحةٍ لم يشعر بها منذُ فترة طويلة : الحمدلله . . الحمدلله . . عبير : شلون رتيل وضي؟ عبدالرحمن : كلهم بخير . . يجلس على الكرسي ليُكمل بصوتٍ يختنق تدريجيًا . . . تثقين فيني يا يبه؟ وعد أنه كل هذا راح ينتهي عبير ببكاء تنهار كل أوتارها : إن شاء الله عبدالرحمن بهمس : أشششش! لا تبكين عبير تزيدُ نبرتها حزنًا وبكاءً، لم تستطع أن تصمد أكثر أمام نبرته التي تشكَّلت بعنفٍ أمام قلبها المتلهَّف إليْه : الأيام تمّر كأنها سنين! تمّر وتقطعّني يا يبه! . . أبيك . . عبدالرحمن بدأت أعصابه تضعف وصمُوده يتضاءل، هُناك ثقبٌ فيّ يتسع مع كل نبضةٍ تعبرُ لسانها، مع كل كلمةٍ مُبللة، هذه النبرة المترسبة بالملح تقتلني. بضيق تُكمل : كل يوم أندم على الأيام اللي كنت ازعلك فيها! . . كل يوم أتذكر أشياء ألوم نفسي كيف سويتها! . . يبه مشتاقة لك كثييير! أخاف ما أشوفك! أخاف من هالفكرة وأتعب منها! . . . أموت لو صار فيكم شي!!! عبدالرحمن بإتزان يحاول أن يُمسك زمامه بكفٍّ بدأ الإتزان يذوب بها : بسم الله عليك من الموت، جعلي ما أبكيك! . . عبير لا تفكرين بهالأشياء، حافظي على صلواتك طيِّب و . . . بُتِر صوته، أبعدت الهاتف لتنظر للشاشة التي غُلِّفت بالسواد، جلست لتضع جبينها على ركبتيْها، شعرَت بالدمع المحترق بمرارة حزنها يتدفقُ من محجرها الذي اشتعل بالبكاء. بخُطى هادئة إتجه نحوها، جلس على الأرض بجانبها، يتأمل رجفتها من أجلِ صوت والدها، إنقبض قلبه بأنينها التي تحاول أن تحبسه في فمِها الناعم، صمَت! أُدرك جيدًا أن الكلمات ذابلة لن تقدر على الإنتصاب من أجلِ مواساتِك، لا شيء يُخفف الحزن بغيابِ والدك، لا شيء ولا حتى أنا! رفعت وجهها الذائِبة به الدموع، نظرت إليْه بنظراتٍ تجهل ماهيتُها، كل الأشياء تفقدُ إتزانها وتضطرب بين يديّ، حتى عيني بدأت تتصرفُ من تلقاءِ نفسها، بدأت لا تخضعُ إليّ. فارس : بالرياض؟ هزت رأسها بالإيجاب وهي تشدُّ على شفتيْها خشيَة الغرق أكثر، خشيَة الإنهيار. فارس : طيب قومي! الأرض باردة . . وقف ليمِّد يدِه إليْها، بقت بالهواء لحظاتٍ كثيرة أمام نظراتهما المتبادلة، رفعت كفَّها لتتلامس بكفِّه، هدأ كل شيء عدَا اصوات الرياح التي أشتدَّت من خلف زجاج النافذة، ولا شيء يعبرُ مسامعهم، لا الرياح ولا رفرفة الأشجار، للحظةِ الاولى أشعرُ بأن للمساتِ نبضاتٍ ترتجف وتعبرُ طبلة الإذن بربكة، للحظةِ الأولى أشعرُ بأن عروق كفِّي تتحرَّك بمساراتٍ متخبطة، هُناك شيء غريب! هُناك قلب يتوزَّع بكامل جسدِي ويرتجفُ بكل جزءٍ به. شدَّها بلطف لتقف، سحبت كفَّها لتحضنها بكفِّها الأخرى، شتت نظراتها بعيدًا عنه لتتجه نحو الأريكَة. فارس من خلفها : راح أنام ساعتين بالكثير! . . إذا أحتجتِي شي صحيني . . . نزع جاكيته ليبقى على بلوزتـِه القطنيَة، أستلقى على السرير ليغمض عينيْه بمحاولة جلب النوم إليْه رُغم نعاسه. نظرت لعينيْه النائمتيْن بسكُون، بقيْت لدقائِقٍ كثيرة تتأملُ ملامحه، أبعدت عينيْها ولكن سُرعان ما تعود لمصَّبِ فتنتها، يُذكرني بعبدالعزيز في ملابسه، في ذوقِه الداكن، في حُبه الواضح " للـسكارفات "، تستغرقُ الكثير من الوقت في نظراتها إليْه. فتح عينه المتجهة نحوها بلا سابق إنذار، شتت نظراتها وهي تضع يدها على رقبتها التي اشتعلت بالربكَة. فارس : ماراح تخليني أنام؟ عبير بتوتر بدأت تنظرُ لكل الأشياء عداه، لم تشعرُ بأنه يراقبها حتى وهو مُغمض العينيْن، من بين دموعها الناعمة ابتسمت بمحاولةٍ جادة أن تُبعد هذه الإبتسامة التي لا مُبرر لها، عضَّت شفتِها السفليَة حتى لا تبتسم. فارس بنبرةٍ تسرقها في كل مرَّة منذُ المكالمة الأولى : على فكرة عيُونِك أرق. ، ، طرقت عليْها كثيرًا بنبرة تتصاعدُ بخوفها : ضيّ!! أفتحي الباب . . لم يأتِ سوى سعالها المتكرر وتقيؤها الحاد، استغرقت وقتها حتى فتحت الباب وهي تضغط على بطنها بكفِّها. رتيل عقدت حاجبيْها بشحُوبِ ملامحها التي اصفرَّت بالتعب، استندت عليْها لتسيرُ بخُطى متعبة نحو الأريكة، جلست بتأوه من بطنها الذي يهيجُ بالوجَع : أخاف صاير شي! رتيل بإندفاع : لا إن شاء الله . . جلست على ركبتيْها أمامها . . يوجعك كثير؟ اختنقت محاجرها بالدَمع لتلفظ : مو مرة . . أقدر أتحمله رتيل بضيق : أكلم عبدالعزيز؟ . . يعني ممكن فيه مستشفى قريب! ضي : لا . . خلاص بنام وممكن يخف الألم رتيل : طيب أنسدحي يمكن داخلك برد ضي بإبتسامة : لو داخلني برد ما رجّعت رتيل بإبتسامة شاحبة: تحمّلي دلاختي بهالأمور . . بروح أجيب لك فراش يدفيك . . . إتجهت نحو الغرفة المنزويـة لتجلبْ لها فراش يدثِّرها، غطت جسدها : إرتاحي . . . بخطواتٍ خافتة نظرت للنافذة، لا ترى شيء سوى ظهره على الكرسي المتمرجح بفعلِ الهواء، سحبت جاكيتها لترتديه، أخذت وشاحها الصُوفي لتلفّه حول رقبتها، إتجهت نحو الباب وانحنت لتأخذ معطفه التي نامت به، شدَّت على مقبض الباب دُون أن تصدر صوتًا، إلتفت عليها لتسير برجفة من البرد الذي يصيِّر أنفاسها لبياضٍ متبخر، جلست بجانبه لتمد إليْه معطفه، ارتداه فوق جاكيته ليلفظ : كيفك اليوم؟ رتيل دُون أن تنظر إليْه، أعينهما كليْهما متجهة نحو المسطحات الخضراء التي أمامهما : بخير عبدالعزيز : و ضيْ؟ رتيل : تمام . . إلتفتت عليه . . ما نمت؟ عبدالعزيز : متقطِّع نومي رتيل تنهدَّت لتعود إلى صمتها مرة أخرى ويُشاركها الصمت، نظراتهما جدل لا يهدأ. سمع صوت طرق، إلتفتت رتيل للخلف بتوجس، عبدالعزيز وقف : هذا نايف . . . إتجه إليْه ليقترب منه : أبو سعود يبي يكلمك . . عبدالعزيز يأخذ الهاتف ليُجيب : ألو عبدالرحمن : هلا . . شلونك يبه؟ عبدالعزيز : تمام . . أنت شلونك؟ عبدالرحمن : بخير الحمدلله . . أموركم تمام؟ عبدالعزيز : إيه بس نايف يقول لازم نغيّر المكان لأنه شاك بأنهم عرفوه! عبدالرحمن تنهَّد : بخلي نايف يدوِّر على مكان ثاني إن شاء الله عبدالعزيز : وش قررتوا؟ عبدالرحمن : بأقرب وقت راح أجي عشان نرجع الرياض كلنا وهناك بفهمك كل شي عبدالعزيز : متى؟ عبدالرحمن : بس أضبِّط كم شغلة هنا وأسلمها لسلطان يكملها عني وأجيكم عبدالعزيز : طيب عبدالرحمن : رتيل عندِك؟ عبدالعزيز : إيه . . لحظة . . . إتجه للخلف بخطواته الهادئة ليمدّ إليها الهاتف . . أبوك بلهفة أخذته لتُجيب : هلا عبدالرحمن : هلابِك رتيل : شلونك يبه؟ عبدالرحمن : بخير الحمدلله و . . كلمتني عبير اليوم رتيل وقفت بدهشة : جد!! وينها فيه؟ يعني بيتركونها؟ عبدالرحمن بإبتسامة لم يشعرُ بأنه تلذذ بها منذُ مدَّة : أمورها تمام إن شاء الله كلها كم يوم وينتهي كل هذا رتيل : قالت لك شي؟ تعبانة؟ عبدالرحمن : لآ بس مشتاقة لنا كثيير رتيل برجفةِ شفتيْها تلألأت عينيْها بالدمع : واحنا مشتاقين لها . . طيب يبه متى بتجي؟ عبدالرحمن : بس انتظر كم شغلة أنهيها وأجيكم . . أنتبهي لنفسك ولا تنسين صلواتِك وكل أمورنا إن شاء الله بتتسهَّل رتيل : إن شاء الله عبدالرحمن : عطيني ضي! رتيل بتوتر : طيب . . دخلت إلى البيت الدافىء . . . شكلها نايمة عبدالرحمن عقد حاجبيْه : نايمة الحين؟ . . فيها شي؟ رتيل : آآ .. لا . . يعني شوي تعبانة بس . . يعني عادي تمام عبدالرحمن بضيق : تعبانة!! رتيل وش صاير؟ فيه شي مخبينه عنِّي؟ رتيل بربكة : لآ . . يعني وش بيكون؟ . . هذا هي صحَت ضي التي كانت تحاول النوم ولم تستطع من الألم، رفعت عينيْها إليْها رتيل : أبوي .. ضي بحركة متهورة من لهفتها إليْه ضربت بطنها بطرفِ الطاولة التي أمامها لتخرج " آآه " موجعة من بين شفتيْها الشاحبتيْن. عبدالرحمن بخوف : ألو!! .. رتيل تضع الهاتف على الطاولة : لا تتحركين . . ضي أخذت الهاتف بعدمِ رضوخ لطلبات رتيل : ألو عبدالرحمن : وش فيك؟ ضي تتحامل على وجَعها: ولا شي بس صدمت بالطاولة . . المهم ماعلينا . . بشرني عنك؟ عبدالرحمن بعدمِ إقتناع : صاير شي؟ ضيْ : وش فيك عبدالرحمن؟ مافيه شي . .الحمدلله كل أمورنا تمام . . . أبي أسمع أخبارك؟ ليه ماجيت قبل أمس؟ عبدالرحمن : مقدرت! بس إن شاء الله هاليومين بجي ضي : إن شاء الله عبدالرحمن : يبه ضي فيك شي؟ ضي بضيق : صار فيني شي من قلت يبه عبدالرحمن ضحك ليُردف : لا تدققين مرة! طلعت عفوية ضي بإبتسامة : الله يديم هالضحكة! من زمان ما سمعتها رتيل بضحكة تجلس على الطاولة ليصِل صوتها إلى والدها : من قده أبوي! ضي بدأت الحُمرة ترتفع لوجهها لتُردف : كنت متأملة تجي قبل العيد! عبدالرحمن تنهَّد : والله ماهو بإيدي . . ضي : أهم شي سمعنا صوتك، لا تطوّل عبدالرحمن : أبشري . . . تآمرين على شي؟ ضي : ما أبي إلا سلامتِك و ضحكتِك عبدالرحمن : الله يسلمك من كل شر . . أنتبهي لنفسك طيب يبـ . . طيب ضي ضيْ تنهدت : طيب يبه عبدالرحمن بضحكة عميقة أردف : بحفظ الرحمن يا رُوحي ضي : مع السلامة . . أغلقته لتمدِّه إليْها. وقفت رتيل بخبث : راح التعب؟ ضي بضحكة مجنونة : هههههههههههههههههههههههه مبسوطة . . مبسووووطة ودي أطييير رتيل : هههههههههههههههههههههه عساه دوم . . خرجت لتمدّ إليْه الهاتف. إبتسم لإبتسامتها لتُردف رتيل بفرَح : أتصلت عبير على أبوي! عبدالعزيز : كويس الحمدلله رتيل : الحمدلله . . عبدالعزيز : دقيقة بوديه لنايف وأجيك . . . ثواني قليلة حتى عاد وجلس بجانبها، إلتفت إليْها بكامل جسدِه : شوفي عيونك كيف تضحك؟ لو أدرِي كان قلت له يتصل عليكم كل دقيقة. رتيل إلتفتت نحوه بمسافة قصيرة تفصلهما، نظرت لغياهيب عينيْه: محد يرِّد للحياة فرَحها إلا صوت أبويْ. عبدالعزيز : الله يخليه ويطوِّل بعُمره رتيل : آمين . . . كليت شي؟ وجهك تعبان! عبدالعزيز : مو مشتهي رتيل : عبدالعزيز ممكن أسألك سؤال؟ عبدالعزيز تنهَّد بعينيْن تقبلُ الإجابة. رتيل : كيف عرفت عن هالجرح؟ . . أشارت إلى بين حاجبيْها. عبدالعزيز بإبتسامة ضيِّقة : كنت أصلي الفجر بالمسجد وشفت سيارتكم مارَّة، قمت أخمِّن وش ممكن يخليكم تطلعون بهالوقت وما جاء الصبح الا وسألت الشغالة وقالت ليْ وعرفت. رتيل : كنت أحسب في وقتها كنت تدري أني إسمعك عشان صدق أحقد عليك! عبدالعزيز : ما عرفت إلا منك، بس أحب هالمكان رتيل بإبتسامة : تحبه عشان . . لم تُكمل من قبلته العميقة بين حاجبيْها ليهمس بضحكة مبحوحة : هنا موضع العشق . . أرتفع قليلاً ليُقبِّل جبينها . . وهُنا الإحترام . . إلتفت جانبًا نحو عينيْها ليقبِّلها . . وهِنا الودّ . . . مال قليلاً ليُقبِّل خدها . . وهنا الحنان . . ضحك عند إذنها ليُردف : أعلمِّك فن القُبل؟ تراني خبرة من بعدِك رتيل تدفعه بقوة ليضجُ كل ما حوله بصوتِ ضحكاته، والحُمرة ترتفع لأعلى رأسها، كل الأشياء في جسدها تغلي بالدماء. إلتفت عليها بإبتسامة ونبرةٍ فصيحة : جفنه علم الغزل ومن العلم ما قتل، فحرقنا نفوسنا في جحيــم من القبل رتيل تُقلد صوته : أنا ماأحفظ شعر غزلي كثير! عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههه رتيل تقف بغضب ليسحبها بيدِه : له الجنة أبوك . . كان بيروح يومي بالكآبة. رتيل تحك جبينها بتوتر عميق لتُردف دون أن تنظر إليْه : لمين هالقصيدة؟ عبدالعزيز بخبث: عجبتك؟ رتيل : لا! بس كِذا أسأل فضول عبدالعزيز : لبشارة الخوري . . اللي قال يـاعاقد الـحاجبين على الجبين اللجين . . إن كنت تقصد قتلي قـتلتني مرتيْن رتيل : ما أعرفه عبدالعزيز بإستغراب : اللي قال قـَتل الوردُ نفسهُ حسـداً منك وألقــى دِمَاهُ فــِيْ وجنتيـــكِ. رتيل بإصرار :ما أعرفه عبدالعزيز يبتعد بأنظاره للسماء : ما عندِك ثقافة أدبية! رتيل : لأني ما أحب الشعر! أحب المواويل عبدالعزيز بضحكة إلتفت عليها : طقطقي عليّ! مسموحة رتيل بإبتسامة تنظرُ إلى السماء و بصوتٍ ناعم لم يعتاد أن يسمع فصاحته : أضنيتـنـي بالهـجـر مــا أظلـمـك . . . فارحم عسى الرحمن أن يرحمك إلتفت عليها بدهشَة جعلتها تضحك ليُردف : هذي اللي ماتعرفه! رتيل بضحكة محمَّرة بالخجل : أقولك شي! . . الأيام اللي كنَّا جالسين فيها في شقتك كنت أحب أشوف أغراضك وأكتشفها وأقرآها! وعلق في مخي إسم الشاعر لما رجعنا الرياض ما قريت الا قصيدة وحدة وصرت أرددها دايم لين حفظتها . . بس ما تذكرتها يوم قلت البيت الأوَّل لكن يوم قلت قتل الورد نفسه تذكرت اللي قريته بشقتك! عبدالعزيز بإبتسامة يراقب حركات شفتيْها الرقيقة. رتيل : مـولاي .. حكمتـك فـي مهجـتـي . . فارفـق بهـا يفديـك مــن حكـمـك! . . آآ . . ما كان يُكمل عنها بنبرةٍ لا تقلُ صحة مخارج الحروف عنها : ما كان أحلى قبلات الهوى إن كنت لا تذكر . . فأسأل فمِك، تمرُ بي كأنني لم أكن قلبك أو صدرك أو معصمك. رتيل بنظراتِ متلألأة نحو السماء : لو مرّ سيفٌ بيننا لم نكن نعلم . . هل جرى دمي أم دمُك ؟ عبدالعزيز بإبتسامة واسعة : الله الله! رتيل : سـل الدجـى كـم راقنـي نجـمـه لمّـا حكـى .. مبسـمـه مبسـمـك عبدالعزيز إلتفت عليها : يا بدر إذا واصلتني بالجفا . . ومتُ في شرخ الصبا مغرمك . . قُل للدجى مات شهيد الوفا فأنثر على أكفانه أنجمك. رتيل غرقت بضحكة مبحوحة وهي تُدفىء كفيّها بين فخذيها : هذي القصيدة خلتني أحب الشعر على فكرة! عبدالعزيز : شكرًا. رتيل إلتفتت إليْه بإبتسامة : عشاني حبيت الشعر؟ عبدالعزيز : عشانِك جميلة. ضاعت النظرات بينهما، هذه النظرات لا تصنَّف تحت الحُب الناعم، هذه النظرات عشق موضعها: علييِّن. حرَّكت الريحُ شعرها الملتوِي بإلتواءاتِ ناعمة تُشبه تلعثم قلبها في هذه اللحظات، تاهت بحيرة هدبيْه، رُغم الدنيـا، الحزن ومراسيل عينيْك الحادَّة، رُغم الناس والعالم الذي يُباعد بمسافاته عنَّا، رُغم الكلمات المودِّعة و الأشياء المخبئة في تلويحة، رُغم إيماءات الغياب نحنُ نلتقي بقصيدة شفافَـة، بمُباركة طيِّبة من حناجرنا المبحوحة. ، في ساحة العمل المكتظَّة بحُرقة الشمس، يتدرَّب على ثلاث ساعات متواصلة. أتى إليه ليُناديه بصوتٍ عالي : سلطاااان سلطان الذي كان يتشبثُ بالحبل المتين الذي يربطُ المبنى بمبنى آخر، إلتفت عليه ليُشير إليه بالإنتظار للحظات، رمى نفسِه وخاصرته تلتفُ بحبلٍ آخر، نزل ليقترب منه. عبدالرحمن : بيته من داخل فيه شخصين عند الباب، وعند الباب 4 بس . . بتروح الحين؟ سلطان يفتح الحزام الغليظ ليرتفع الحبل المصنوع من المطاط إلى الأعلى : إيه . . بس خلني أغسِّل وأجيك عبدالرحمن : طيب موضوع زياد وصلهم؟ سلطان : ماراح أطلع من بيته إلا وأنا عارف مين الكلاب اللي عندنا! عبدالرحمن : المهم نفسك لا تجهدها ولا تدخل بخناقات معهم! توّك طالع من العملية سلطان : بتجلس سنة كاملة وأنت تقول توّك طالع من العملية! عبدالرحمن : الشرهة على اللي خايف عليك! سلطان بإبتسامة : أبشر من عيوني . . طيب أسمعني فكرت وأنا أتدرب بهالشي وحسيته بيساعدنا كثير . . إذا دخلت أبيك تجي وتضربني! خلنا نوصِّل لهم أننا على إختلاف وبعدها بروح بيت رائد وبيتأكد رائد أننا على خلاف وبيوصل للحمار الثاني سليمان . . . وبعدها نطبخهم إثنينتهم على نار هادية عبدالرحمن إتسعت إبتسامته : طيب أستعجل وأنا بنتظرك فوق سلطان يشعرُ بالنوافذ التي تكشفُ هذه الساحة كثيرًا : طيب حاول تبيِّن إنك معصب عبدالرحمن بجمُودِ ملامحه : كلمني وبتركك الحين وحاول تحذف أيّ شي عشان تضبط السالفة سلطان أعطى النوافذ ظهره ليتسع بضحكته : واثق أنهم أغبياء لو يشوفنا نضحك بعد يشكون عبدالرحمن بعُقدة حاجبيْه : طيب يالله لا تطوِّل . . بنتظرك فوق وبنتظر 5 دقايق وبطلع من مكتبي سلطان : تمام . . أخذ نفس عميق ليعقد حاجبيْه . . . عبدالرحمن تركه بخُطى سريعة إلى الداخل، سلطان بحركة غاضبة رمى المنشفة على الأرض وإتجه نحو دورات المياه. أستمر دقائِق حتى أغتسل وأرتدى لبسه العسكري، مسح وجهه ليتنهَّد ويعُود بخطواته نحو المبنى، وضع السلاح على خاصرتِه والقبعة بجانبها، صعد للطابق الثاني لينظر لعبدالرحمن المتجه إليه بغضبٍ يتضح بملامحه، شعر لوهلة بأنه صادق في غضبه، كل الأنظار بدأت تتبع خُطاه الحادة. لكمه بشدَّة جعلت أنفه ينزف دماءً، بتعابيرٍ من سلطان صادقة بسبب الألم الذي بدأ يشعرُ به بأنفه، تخدَّر تمامًا كما تخدَّرت عيناه، أشار إليه بالسبابة وهو يقترب منه بخفُوت، همس وأشعَر كل من حوله بأنه يهدد، بخبث يعرفه سلطان جيدًا : سلامات سلطان بمثل همسه وهو ينحني بظهره بمحاولة أن يوقف النزيف الذي أندفع في أنفه : الله يسلمك ما سويت شي بس طيّرت لي خشمي! . . إبتعد عبدالرحمن عائِدًا لمكتبه تارِكًا سلطان واقف أمام أنظار الجميع المندهشة/المصدومة. وقف بربكة أقدامه : وش صاير؟ أحمد بإستغرابٍ شديد : شكلهم مختلفين في شي! سلطان بخطواتٍ غاضبة عاد للدرَج لينزل للأسفل، ركب سيارته ومن خلفه تتبعه السيارة الأخرى بإتجاه قصر رائد الجوهي. سحب المنديل وهو يقود بكفٍّ واحدة، يمسح الدماء التي بدأت تسقط على قميصه، تنهَّـد وهو يراقب السيارة من خلفه، أستغرق دقائق كثيرة حتى وصل للمنطقة. ركن السيارة بعيدًا، إلتفت إليهما : واحد منكم يجلس هنا وواحد معايْ : إن شاء الله سلطان و مُعاذ إتجها نحو الباب الخلفي، نظر لكاميرات المراقبة ليثبت ظهره بالجدار : انتظر . . تسلق الجدار ليضع أمامها حجرة صغيرة تحجب الرؤيـا. قفز ليُردف : خلنا ندخل من هنا . . دخلا ليثبِّت السماعة في إذنه المتصلة بعبدالرحمن. عبدالرحمن الذي يراقب الوضع بنفسه بعد أن فقد الثقة بموظفيه : فيه شخصين عند الباب الأمامي سلطان : معاذ خلك هنا . . دخل من باب المطبخ ليرى الخادمة، أشار إليْها بالصمت وهو يضع يدِه على السلاح. الخادمة برهبة إبتعدت ليصعد للأعلى بخطواتٍ سريعة، عبدالرحمن : مكتبه على يمينك سلطان تراجع عندما سمع خُطى أحدهم، مدّ قدمِه لتتلعثم خُطى الآتي ويسقط على وجهه، جلس عليه وهو يضع كفِّه على فمِه حتى لا يصدر صوتًا، ضغط بقوَّة خلف رقبته حتى أُغمى عليه، تركه وإتجه نحو المكتب، حاول فتحه ولكنه مقفل، بقوَّة دفع نفسه بإتجاه الباب حتى أنفتح، دخل وأغلقه عليه. أخذ نفسٌ عميق ليتجه نحو مكتبه، فتح الدروج لينظر إلى الأوراق، يقرأها بعجالة ليرميها بفوضوية على المكتب، إتجه نحو الملفات المصطفة بترتيب في رفوف مكتبته، إبتدأ من الملفات التي على الجانب الأيمن، قرأ بعض المعاملات والعقود التي تربطه مع شخصياتٍ معروفة، تركها وهو يقف على ركبتيْه لينظر للرفِّ الأول، بدأت الأوراق تتوزَّع على الأرض، ليُردف : كلها أشياء نعرفها! عبدالرحمن : شوف أبحث! يمكن يحفظها بمكان ثاني سلطان يقف ليأخذ نظرةٍ شمولية لمكتبه الواسع : مافيه شي يُذكر! . . إتجه نحو الجهة الأخرى من الغرفة لينظر إلى الباب الذي يتوسطها، حاول فتحه ولم يستطع، دفع نفسه بقوة بإتجاهه ولم ينكسر، حمل الكُرسي ليدفعه بقوة نحو الباب حتى إنكسر وفُتح. نظر للمكان الشبه خاوي سوى جهةٍ واحدة مكتظة بالأوراق والملفات الورقيـة. سلطان بنظرةٍ مندهشة : هنا أسماء الموظفين . . . وضع الأورق بجيبه دُون أن يقرأها، أستغرق وقتٌ كبير وهو يفتش بكل جهة تسقط عينه عليها، تراجع ليُغلق الباب بهدُوء ويضع الكرسي جانبًا، اخذ منديلا ليمسح كل المواضع التي لمسها، مسح بصماته ورتَّب المكان، نظر نظرةً أخيرة ليطل من النافذة على الرجال الذين يقفُون عند الباب. فتح الباب بهدُوء ليُغلقه بذات الهدوء، نظر للرجال الساقط أمامه وبكُرهٍ أبعدهُ بقدمه لينزل للأسفل، شعر بفوهة السلاح على رأسه من الخلف، تجمدت قدماه ليأتِ صوت عبدالرحمن : سلطان؟ : سلطان بن بدر بجلالة قدره مشرِّف عندنا! سلطان : أبيك تبشِّر اللي فوقك بضحكة مُستفزة : لازم نبشّره! بيجيك من باريس طاير!! . . دفعه حتى يسيرُ للأسفل، سحب سلاحه من خاصرته ليرميه بعيدًا : وش خذيت؟ سلطان : قرِّب أقولك : قديمة الحركة سلطان بخداع قدَّم قدمِه اليمنى بخطوة وترك قدمه اليسرى ليشِّد بها ساق من خلفه حتى سقط من أعلى الدرج، هرول إليْه سريعًا ليسحب السلاح منه، أخذ سلاحه المرمي جانبًا ووضعه في حزامه، رفعه من شَعرِه بحدة الغضب : بلغه يا روح ماما . . . وخرج بخطواتٍ سريعة بجانب معاذ. ، تنقضي ساعات الظهيرة، تجيء ساعات الليل الطويلة، تنقضي هي الأخرى بتفاصيلٍ مرتبكة، يحلُّ ليلٌ آخر و عيدٌ يفتقدُ نفسه تحت أسقف مالِحة و يتغنجُ فرحًا بين جُدرانِ ناعمة في بيوتٍ أخرى.الساعة التاسعة مساءً. وقفت أمام المرآة التي تعكسُ البياض الذي يلفَّها كقطعةٍ سماويـة، كنجمةٍ سقطت من كنف القمر، وشعرُها مرفُوع بأناقة مخمليَة، و بشرتها التي تعُود لبياضها المعهُود يغرزها السواد بعينيْها التي تطلُّ على أحلامٍ زهريـة، أخذت نفس عميق ولسانها بحركة مستمرة على شفتيْها حتى تلاشى الروج. نجلاء : هيوف مو من جدِك! . . بطلي تلحسين الروج! تقل بزر هيفاء تأخذ المنديل لتمسح شفتيْها : ما أحس على نفسي! . . تعالي حطيه ليْ أحس قلبي وقَّف نجلاء تضع لها الرُوج وهي تمسح الأطراف الخارِجة : كِذا شكلك تمام . . . ماشاء الله تبارك الرحمن ربي يهنيكم ويسعدكم ويرزقكم الذرية الصالحة هيفاء بإبتسامة : آمين نجلاء : أستحي شوي مو على طول آمين هيفاء تنهدت : نستحي مايعجبكم! ما نستحي بعد ما يعجبكم! . . نجلاء بضحكة : وجهِّك لا يحمّر بس! دخلت ريم بتأفأف : إنكسر كعبي! هذي حوبة ريَّان والله ... نجلاء إلتفتت عليها : أشوف! ريم جلست على طرفِ الأريكة وهي تنزع حذاءها : يالله . . نجلاء : جيبيه أنا أعرف كيف ألصقه بس لا رقصتي أنزعيه عشان ما تطيحين على وجهك ريم : وش بتسوين فيه؟ نجلاء : جايبة معي صمغ! ريم بإبتسامة : منتِ هيّنة كل شي عندِك اليوم! نجلاء : جايبته عشان أختك الهبلة! ماتعرف تمشي بالكعب وخفت ينكسر ريم بضحكة : هيفاء أمشي خلني أشوف هيفاء : جايين عشان تمصخروني؟ ريم : لا والله بس بشوف! . . هيفاء تسيرُ نصف خطوة لتغرق ريم بضحكاتها : لا تدخلين القاعة! هيفاء بضيق : الفستان أبو كلب مو الكعب! نجلاء : يا حمارة يا كلبة شكلك حلو وفستانك حلو! مفهوم؟ هيفاء ببلاهة : مفهوم ريم : جايبة الكعب الثاني صح؟ هيفاء : إيه مستحيل أمشي فيه هذا مسافة طويلة، لا طلعت من القاعة بلبس الثاني . . . بشغف أردفت . . كيف الناس تحت؟ صديقاتي جوّ؟ ريم : القاعة ممتلية كل صديقاتك وبنات ما أعرفهم بعد جايين! . . وأهل فيصل أنصدمت منهم! طبعا ماعرفت الا أمه بس شكل أهله من بعيد أو مدري نجلاء تمدُّ لها حذاءها : يالله ألبسيه . . ريم ترتديِه لتقف : تمام . نجلاء بخبث : وش حوبة ريَّان؟ ريم بحماس جلست : ما قلت لكم! سويت نفسي المريضة المسكينة عنده نجلاء بدهشة : من جدِك؟ . . وش تبليتي فيه على نفسك؟ ريم : قلت له أنه فيني مرض نفسي وأني أتوهم أشياء ماهي موجودة نجلاء : مجنونة! بكرا ربي يعاقبك وتمرضين جد! . . لا تتمارضوا فتمرضوا ريم : أستغفر الله يعني أنا قصدي حسَن مو سالفة أتبلى على نفسي! . . وش أسوي ريَّان عقله واقف عند عصر ما أنولدت فيه! لازم شوي أكسب رحمته عشان يرحمني هيفاء : أنا لو أتميرض الليلة وش يقول عنِّي؟ نجلاء إلتفتت عليها : وش بتقولين له بعد؟ خففي ربكة وش فيها الأدوار أنقلبت! هيفاء تجلس بتنهيدة : هذا إذا طلع صوتي! . . طيب وش أسوي؟ يعني وش أقوله أول ما اشوفه . . ريم أنتِ وش قلتي له؟ ريم : أصلاً ليلتي كانت زفت! نمت وما سأل عني . . هيفاء : وأنتِ نجول؟ نجلاء بإبتسامة شاسعة : سولفنا عادي! هيفاء بربكة : يعني وش أقوله؟ أجلس ولا وين أروح أول ما أشوفه؟ ريم ضحكت لتُردف : أمشي على حظك وشوفي وش يصير! لا تفكرين وش بتقولين ولا وش بتسويين . . خليك عفوية هيفاء تضع يدها على عنقها لتبلع ريقها بصعوبة، أردفت : طيب سوِّي لي تجربة . . يعني أنتِ فيصل نجلاء بإبتسامة : مبرووك يا قلبي ريم : كذابة ماراح يقول يا قلبي على طول! وش هالميانة الوصخة نجلاء : ههههههههههههههههههههههههه هههههه طيب مبرووك هيفاء بإتزان تجاهد أن تصِل إليه : الله يبارك فيك نجلاء : آآ . . آممم . . شلونك؟ ريم أسندت ظهرها على الأريكة بضحكاتٍ عميقة لا تنتهي. نجلاء : والله كِذا يسألون وش فيك! هيفاء عقدت حاجبيْها : يخي جد أتكلم! . . لا تضحكون نجلاء : ما عليك منها! . . إيه شلونك؟ هيفاء : تمام . . نجلاء : قولي وأنت شلونك هيفاء صمتت قليلاً لتُردف : لا وش ذا الجو المخيس! مستحيل يكلمني كذا ريم : إيه خليها تنفعك! . . أنا أقولك وش بيصير . . . مبروك هيفاء نجلاء : أقص إيدي لو قال إسمها ريم بسخرية : بيقول يا قلبي ياعيوني يا روحي! . . أنتِ إكرمينا بتضيعينها بكلامك هيفاء تنهدت : الله يبارك فيك . . ريم : خلاص أنتهى دورك أسكتي لين هو يتكلم! إذا تكلم جاوبيه ما تكلم لا تحاولين أنتِ اللي تتكلمين . . وإكلي هنا لين تقولين بس عشان تتغلين هناك نجلاء : الحمدلله والشكر! خلها تآكل معه . . هذي ليلة للذكرى تبينها تموت جوع فيها ريم : مستحيل راح تآكل براحتها . . صدقيني هيفاء : طيب شكلي حلو؟ ريم : يجنن والله العظيم يجنن هيفاء : يارب تمر هالليلة على خير . . تخيلوا نقضيها سوالف ونضحك؟ ريم : إيه وش فيها؟ عادي .. أكيد بتسولفون بس عاد لا تفلينها مررة هيفاء : لا مستحيل! وش بنسولف فيه؟ مافيه سوالف نجلاء : أهم شي كلمة براحتك . . على كيفك شيليها من قاموسك! إثبتي شخصيتك قدامه من البداية عشان بكرا ما يمسح فيك البلاط ريم : لا تسمعين لها! لو فيها خير سوّت هالأشياء عند منصور نجلاء : أنا و منصور طبيعة زواجنا غير! جلست دهر ملكة لين جاء العرس! ، الإبتسامـة تُزيِّن محياه بسكسوكـة تشتدُّ سوادًا تُشابه عينيْه المضيئة بالفرحَة، على كتفيْه يثبت البشت الأسود وبفلاشاتٍ تصوِّرُ كل شخصٍ يجيء إليْه للسلام، زفاف يخطفُ أنظار الصحافة بحضُورٍ يحتوي على شخصياتٍ هامة، جلَس و بمُجرد ما لمَح دخُول عبدالرحمن حتى جاء إليْه، قبَّل رأسه بإحترام كبير. عبدالرحمن : مبرووك منك المال ومنها العيال فيصل : الله يبارك فيك . . . عاد ليُوسف ليهمس له بضحكة يقصدُه بها . . شكلي تمام؟ يوسف الذي يتلاعبُ بين أصابعه سبحته السوداء : خل أمك تبخرك فيصل: عيّت الساعات تمّر يوسف : مستعجل! .. هدّ اللعب إلتفت عليه بدهشة ليضحك يُوسف : جوكينق! . . وش فيها حرارتك ارتفعت؟ فيصل : لولا البرستيج كان هفيتك ذاك الكف اللي يعلمك الحرارة صح! يوسف : ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههه أحمد ربك وجه وقفا أني موجود في حياتك لولا الله ثم يوسف ولد عبدالله كان الحين أنت ضايع! فيصل بإبتسامة : ما أبغى أدعي عليك! انت عارف دعواتي يوسف يمسح وجهه : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه . . طيب طالعني بصوّرك فيصل : لا تنزلها بالإنستقرام! يوسف : خف علينا! . . ترى الأكاونت برايفت إذا خايف على جمالك فيصل : صوّرني ولا يكثر . . يوسف يصوِّره ويرسلها بالواتس آب إلى " هيفاء ". فيصل : ورني أشوفها يوسف يمدُّ له الهاتف : حلوة الصورة حطها بدل المخيسة اللي من أيام الثانوي وأنت عليها فيصل : لا هذيك الصورة أحبها يوسف : حبتك القرادة وين الزين فيها!! كنك توّك بالغ على هالشنب! . . فيصل : ههههههههههههههههههههه عمري فيها 22 يوسف : قسم بالله كل ماأشوفها ودِّي أتفل بوجهك! معليش فيصل ودي أجاملك أحاول أجامل بس يخي الصورة معفنة! . . معفــــــنة . . معفنننننة فيصل :الله يآخذك قل آمين . . أدخل يوزري وغيّرها . . وقف عندما أتى أحدهم للسلام. ، تذكَّر الأوراق التي تركها في جيبه، بخُطى متمللة إتجه نحو الغرفة ليأخذها من جاكيته، سحبها لتنتثر مرةً أخرى بعض الصور، إنحنى لتتعلق عينيْه بصورة غادة، تخدَّرت أقدامه بهيئتها الجديدة عليه، رفعها لينظرُ إليْه بعينيْن متخدرة تمامًا، نزلت عينيْه نحو الأوراق، قرأ الورقـةِ الأولى التي تنقشُ إسم " رؤى بنت مقرن بن ثامر " عقد حاجبيْه ليرى سجلٌ طبي لا يفهم ولا كلمة منه، قرأ الورقة المنفردة لوحدها مع الصور " غادة صارت رؤى؟ و سلطان بن عيد صار مقرن بن ثامر؟ . . هوَّا الميِّت إزايْ بيصحى؟ العلم بعد الله عند أبو سعود " ، في ساعاتِ الليل المتأخرة بعد عملٍ دام لساعاتٍ طويلة بعد خروجه من زفافِ فيصل، عاد لينظر للضوء المستيقظ بالصالة، إتجه لتلتقي عيناه بهما : صاحيين! حصة بإبتسامة : جيـ . . تغيَّرت ملامحها عندما رأت الجرح الذي بجانب أنفه . . وش فيك مجروح؟ إلتفتت الجوهرة بنظراتٍ ترتجي الإطمئنان. سلطان : بالتدريب . . ليه ما نمتوا؟ حصَة : خذتنا السوالف . . سلطان ينظرُ إليْهما بنظراتٍ فضولية تُخمِّن الكثير، يعرف جيدًا أن خلفهما أمرٌ ما. حصَة وقفت : يالله تصبح على خير سلطان يقف أمامها : بالله؟ حصَة : وشو؟ سلطان : فيه شي تطبخونه من ورايْ؟ حصَة : وش فيك سلطان! يعني وش بيكون؟ . . سوالف عادية تبي تعرفها؟ سلطان : لا . . بس عيونك تقول شي ثاني حصة بإبتسامة : لا تطمَّن مافيه شي . . يالله تصبح على خير . . وأختفت من أمامه لتتجه عينيْه نحو الجوهرة الهادئة، إقترب بخطواته إليْها، بدأ الغضب يعتليه عندما أنتبه لتجاهلها وهي تنظرُ للتلفاز، وقف أمامها وبحدَّة دفع ساقها اليمنى التي تضعها على اليسرى . . . . . أنتهى. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة () رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء (71) المدخل لـ سليمان الطويهر. تجيئين حسناً .. وتمضين حزناً .. كما داعبَ الغيمُ جوعَ الفلاة وأحلمُ فيكِ.. ولا ألتقيكِ.. وجفني يعَضُّ على الذكريات وأغدو ابتهالاً.. وقلباً يتيماً .. يفتش عن أهله في الرفات وأهتِف ُفي الأفْقِ .. ما من مجيبٍ.. سوى رجفةِ الأضلع المرهفات أهزُّ إليَّ جذوعَ الأماني .. فتسقُط أوراقــها .. يابِسَات ! رحلتِ .. تجرَّين حبلَ الأماني .. وزادُكِ.. أحلامُكِ الزائفات تخيَّرتِ وهماً مديدَ الظلال .. ودرباً جوانبُهُ موحشات بخديكِ يجري فراتٌ صغيرٌ .. وأين أنا من مصبِّ الفرات ؟ ولو ينبتُ الزهرَ ملحُ العيونِ .. لأزهرتِ يوماً على الوَجَنات سألتكِ بالله .. يا نور عيني .. بدونيَ هل في الحياة.. حياة ؟ تعالي .. لنسخرَ منـَّا قليلا .. مللتُ الحديثَ عن الأمنيات مللتُ انتظاري لحلمٍ كذوبٍ... فلا قال "هاكَ".. ولا قلتُ "هات" ! تعالي.. لنزعج حزنَ الصدورِ .. برجفِ الضلوعِ من القهقهات فـ حتام نجري إلى غير شيءٍ .. وما العمرُ إلا "هنيئاً" و.... "مات!" سئمتُ غيابكِ .. في القلبِ طفلٌ .. يطارد طيفكِ في الشرفات تعالي.. نعدُّ الدموعَ سويـَّاً.. و ونرجع أيامنا الضاحكات ونخطف َمن وهمِنا.. ما حُرمنا.. ونوهِمُ حِرماننَا.. بالسُبات ! أحبكِ .. يا رحلةَ الروحِ.. أنتِ.. بذورُ الحياة.. وقشُ الممات تغيبـين عني.. طويلاً.. طويـــلاً .. وتأتيــــن دوماً مع الأغنيـات بدأ الغضب يعتليه عندما أنتبه لتجاهلها وهي تنظرُ للتلفاز. اشتدَّت الدماءُ في رأسي حتى شعرت بأن عروقي ستتفكك لا مُحالة، أكره أن أكون بهذه النرجسيَة معكِ بالذات، أكره كوني مجرَّد من تراكمات السنوات الفائتة، أكره كوني أنسى من أنا في عينيْك، أكره كل أمرٍ يجعلني خارج سيطرة عقلي، هذه الأمور البسيطة التي تتفاقم بصدرِي إن انجرفت نحو قلبي تقع كارثة، الكارثة التي تجيء في اللحظة التي ينبضُ بها رأسي بقلبٍ لا يحكم سيطرته، أكره عيناكِ التي تتلعثم بعفويـة تُحبِط كل رجسٍ من عمل عقلي، أكره عيناكِ التي تُجادلني كثيرًا. وقف أمامها وبحدَّة دفع ساقها اليمنى التي تضعها على اليسرى، رفعت عينيْها بجمُودِ ملامحها التي لا تُعبِّر عن شيء، هي لا تتجاهلني فقط، هي تتجاهل حتى شعُورها وردَّاتِ فعلها. أنحنى عليْها ليضع ذراعيْه على جانبيْن الأريكة ويحاصرها، أبتعدت بظهرها حتى ألتصق بظهرِ الأريكَة، قاتلت كل رهبة وخوف في قلبها لتنظر إلى عينيْه بتحدِي عميق، كل شيء يهرب حتى الهواء من أمامي تخدَّر وتلاشى، لا شيء يعمل بصورة طبيعية بقُربه، يشتعلُ صدرِي ويرتفع بأنفاسٍ مضطربَـة ويهبط بزفيرٍ جبَان. سلطان يقرأ عيناها الجريئة المتحديَة التي تُثبتها بلا تردد في عينيْه، هُناك شيء تُريده أن يصِل إليّ بنظراتها، أنا أفهم جيدًا عيناكِ الغاويَـة. الجُوهرة بصوتها التي جاهدت بأن يتزن : هالمرَّة وش غلطتي اللي بتعاقبني عليها يا بابا ؟ لا يتحرَك، كلماتها تعبره ببرودٍ تام، مندهش/مصدوم. الجُوهرة تشعرُ بأنها تغصّ بالهواء : ممكن تبعد؟ سلطان بنبرةٍ تُخفي تجوفًا بركانيًا : مين بابا ؟ الجُوهرة بدأت أصابعها تنغرز في الأريكَة بتوترٍ عميق لتُردف بإصرار : ممكن تبعد؟ سلطان بحدَّةٍ كبيرة : منتِ قد الكلام؟ الجُوهرة بإستفزاز تنظرُ إليْه بعينيْن تتشكَّل من البرود : ممكن تبعد؟ سلطان إبتعَد بخطوتيْن إلى الخلف لتقف وهي تُعدِّل بلوزتها الناعمة، نظرت إليْه بنظراتٍ متهمَة تُشعل به نارُ الضمير، لوت فمِها جانِبًا بضيق، لتقترب منه حتى ألتصق بطنها ببطنِه، رفعت عينيْها إليْه بتحدي : تعرف وش مشكلتي معك؟ أني يوم دعيت الله يهديني! كنت الضلالة في عيني . . . حاولت أن تتجاوزه وتخرج ولكن يدِه إمتدت لتمنعها، سحبها حتى أرغمها على الوقوف بأطرافِ أصابعها، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدَّها نحوه، وبإجابة أرجفتها : أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ هرولت حُمرة الخجل في جسدِها بأكمله حتى وصلت لعينيْها التي ضاقت بالملح، بلعت غصَّتها من جوابٍ أفحمها، أسقط حصُونِ قوَّتها، جواب أسكتَها حدُ اللاحديث بعده، شدَّها أكثر حتى شعر بنبضات قلبها الملتصقة به، تألمت من الوقوفِ على أصابعها حتى تجارِي طُوله، تألمت من قلبها الذي بدأ ينبض في كل جزءٍ بجسدِها الغضّ. يُكمل بإبتسامة تهزم كل محاولاتها في إستردادِ قوّتها المندثرة بحضرته : اللي ودَّه الضلالة ما يدعي بالهدايَة! لوهلة شعرت بأن جسدِها عبارة عن دماء/ماء لا شيء آخر، ترتخِي بقبضة يدِه كقطعة صلصال يُشكِّلها كيفما يُريد، تلألأت عينيْها بتجمع الدموع في غيمِ محاجرها. أرتفعت أنفاسها وكأنها للتو خرجت من معركةٍ حاميَة، في لحظةٍ كان هو يشعرُ بزلزالٌ يضربُ بصدره الذي يعلُو بشهيقٍ وينزلق بزفيرٍ مضطرب. كنت أظن أنني أنتصرت عليك بجملةٍ خافتة من حقَّها أن تُزلزل ثقتِك بحُبي، كُنت أظن ذلك حتى سلبت منِّي حق الإنتصار وهزمتني بآية عظيمة من كتابٍ عظيم، أنا حزينة! من الأشياء التي صيَّرتها ضدِي، من صوتي المتخشِّب بإستجداءاتِ الهوى، من البياض الفاترُ في عينيّ، من طعم الدماء المترسبـة في فمِي، من صوتُك الذي ينزلقُ ويسلب سَلام قلبي، من عينيْك ونظراتها التي لا سلطة تعلوها! ماذا بقيْ يا سلطان لم تهزمني به؟ هذا وأنا لم أرفع الرايات البيضاء! ضاق صوتُها بكلماتٍ جافّـة خدَشت حوَّاف حنجرتها : لعلمك هذي الآية نزلت في المنافقين. سلطان : وش الشي مشترك بينك وبينهم؟ ارتجفت شفتيْها برجفةِ فكيّها، طلَّت على عينيْها دمعة حجبت عنها عينيْه : وش قصدِك؟ سلطان بإستخفاف : يُظهرون خلافِ ما يبطنون . . تجعَّد جبينها بتعرجاتِ عروقها الغاضِبـة، عضّت على شفتها السفليَة حتى تُخفي ربكتها، أبعدَت أنظارها عنه لتسقط برمشتها دمعة فاضت بإنهزاميـتها. سلطان يجهل ماذا يُريد من إستهزاءه : لِك حق الإنكار!! رفعت عينيْها مرةً أخرى إليْه، أشتعلت بغضبٍ صيَّر ملامحها الناعمة لحدَّةٍ تُشبهه، بين أنفاسها التي تعتلي بإضطراب : لا بارك الله في ليلٍ جابك بطريقي . . . نفذَت من يديْه لتتجه نحو الباب، تبعها ليسحبها بشدةٍ حتى ثبَّت كتفيْها، تألمت من ظهرها الذي ضربه بالجدار، لهثت ليسحب كل الهواء من رئتيْها بقُبلة عنَّفت شفتيْها الناعمتيْن، أغمضتْ عينيْها أمام عينيْه التي أطبق جفنه عليها، إلتفت يدها الرقيقة حول رقبته وهي تغرقُ به، كالفضاء أتأملُك وأرغبُ بِك. صعِدت ملامحها لأعلى سقفٍ من اللاشعُور، لولا دمعتُها التي نزلت في قُعرِ إلتحامهما، لا تتراجع الحياة عن إذلالي، مازلت يا سلطان تُمارس سطوتك عليّ وساديـتُك التي لا تنتهي، أحاط ذراعه خلف ظهرها ليشدَّها نحوه أكثر، أفرغ غضبِه منها بحدَّةِ قُبلتِه، تستطيل اللحظات بمرورها حولهما بعد أن تلاقت أجسادهما بجسرٍ (شفتيهما)، بجسرٍ يحملُ هواءٌ خالِص من رئتيَّ على ضفتِها نهرٌ من الهوى/الجوى، وضع يدِه اليمنى خلف رأسها وأصابعه تُخلخل شعرَها في وقتٍ كانت ذراعه اليسرَى تُحاصر جسدها بحصارٍ متين، إبتعد قليلاً دون أن ترتخي قبضة يديْه، لم يفتح عينيْه للحظاتٍ طويلة أستمر به صدره في علوٍ وهبوط مُتذبذب، أرتخت يديْه ليبتعد بخطواته ويُعطيها ظهره، مسح وجهه بكلتَا يديْه دُون أن ينطق كلمة. لم تحتمل قدماها ذبذباتِ الثباتِ من تحتها، سقطت على ركبتيْها على رخامٍ بارد، أخفضت رأسها لتسقط بفخِ بكاءها الذي لا يتركها تُكمل السير وتُكابد من أجل الحياة، وصله أنينها كغزوِ قبائلٍ على صدرٍ خوَى، لم يلتفت بقيَ ينظرُ لإنعكاس الجدران لظلاله، عقد حاجبيْه ليرَى ظلها الذي يُرتب نفسه ليقف، بغضبِ الناعمات وحسرة بكاءهن، بشدَّةِ أسنانها التي ترتطم ببعضها البعض : أكرههك! أكره هالحياة اللي مخليتني أنتظر حظي معك! أنا ماني جارية عندِك! مالك حق تستعبدني بهالطريقة! . . بعلوِ نبرتها صرخت، كثقبٍ في نهرٍ أخطأ الوِجهة وصبّ في عينيْها : لما أكون معصبة ومتضايقة لازم أروق لأنك تبيني أروِّق! ولما تكون معصب فلازم أعصب معك! . . ولا مرّة حاولت تراعي شعوري! تضرب وتمّد إيدك كأني . . مافيه شي يوصف تصرفاتك معي! مافيه شي يوصفك يا سلطان! . . . أناني ما يهمك الا نفسك! ما يهمك الا مزاجك! . . . . اليوم بس تأكدت أني مهما حاولت هذا قضائي وهذا قدري! . . ألتفت عليها بعُقدة حاجبيْه، و صدرُه يلتهِب بنارٍ شاهِقة، نظر لعينيْها المتلألأتيْن كخرزتيْن مُضيئتان في نهرٍ جارٍ. الجوهرة : ذليتني وأوجعتني كثيير! سكت مرة ومرتين وثلاث بس إلى متى؟ حتى لما أكون بحالي بعيدة عنِك تجي وتكرِّهني في عيشتي . . قراري ماراح أرجع فيه! أنت ما تقبل على عمتِك أنه زوجها ما يحترمها! بس تقبل أنك تهيني!!! . . ماراح أجلس عندك عشان تستخف فيني كِذا! سلطان بلل شفتيْه بلسانِه ليُردف بحنق شعر به أن لسانِه ينثني عن الحركَة بإعوجاج : و لِك اللي تبين . . الجوهرة بلعت ريقها بصعُوبة لتُردف برجفةِ اهدابها : يعني ؟ سلطان : تبين ننفصل أبشري . . أنا بنفسي أتصل على أبوك وأبلغه، عشان تكسبين إحترام نفسك اللي على قولتك فاقدته عندي! الجوهرة تيبست قدماها لتشدّ على شفتِها السفليَة ودموعها تتساقط بلا توقف، أنهار كل جزءٍ بجسدها بمحاولاتٍ بائسة أن تقف أمامه بثبات. نظرتْ إليْه بعينيْن مُضيئتيْن تجرُّ القناديل حتى احترقتْ، اكتظّ زُحام الدمع حتى انتزع وسقَط، جرَى النهرُ يا سلطان وصبَّ فوق خدِي ولم تستطع أن ينجح حدسُك بأن يفهم ما تَشِي به عينايْ، كتمت أنفاسها لتحبس نحيبها، في لحظةٍ كانت عيناها تُكابد من أجلِ الصمُود، خذلتها قوتها الصغيرة في الثبات/الإتزان، بلع غصتـُه لتتجمَّد عيناه بإتجاهها، لا شيء مفهُوم هنا. عقَد حاجبيْه بعُقدةٍ أسقطت اللوعة في قلبه، وماذا يعني أن نفترق؟ أن تخطُو قدماكِ دُون أن أظللها، أن تُراقبي هفواتِ الزمن دُون أن أصحِّح مسارها بإتجاهك، أن تنشطِر المسافات بيننا لتُطوى بحواجزٍ شاهقة، أن لا نتشارك الطاولة نفسُها، أن لا ننام على الوسادة نفسها، أن ترفع الشمسُ خمارها قبل عينيْك، أن تندلعُ في جوفي الكلمات ولا تصِل لصوتي، أن يبهت العالم في عيني و نفترق. هرولت الرجفة بأطرافها لترفع عينيْها الباكيَة إليْه، إلتقت به بنظرةٍ ذابلة، مازال طعمُ قبلته في فمِي، مازالت أوردتِي منتشيَة به. آمنتُ والله أننا كاذبات مُغفلات لا نلتفت ولا لمرَّة لأنفسنا، نحنُ النساء اللاتي لا يعرفن إختيار مصيرهن، اللاتي يخجلن من قول الحُب وفعل الحُب و نسيمُ الصبح إن أتى كبرقيَةِ حُب، نحنُ الصامداتِ من أجل عزة النفس والجبانات/الذليلات من أجلِ الحُب، لِمَ على كُل حال ننادي بالسعادة؟ لِمَ نطلبها ونحنُ في أول إنحناء لها تركناها! تركتها يا سلطان للحياة التي تقتصُ مني كل يوم، وكل ساعة ولحظة، الحياة التي تغرز أظافرها في حنجرتي وتقتلع صوتي من محجره، تركتني حُرَّة حين طلبت الإنفصال! خذلتني كل الأشياء بما فيها صدرُك الفسيح، ولكن في البُعد لم يخذلني أحَد، حتى صوتي أتى أكثرُ إتزانًا. أتسمعُ رعشة قلبي؟ أتصِل إليك حسرة حواسي؟ ببساطةٍ أكثر أقول لذاتي " أنا أستاهل لأني ولا مرَّة عشت لنفسي، ولا مرَّة حاولت أكسب نفسي، أنا أستاهل لأني دايم أحاول أدافع عن نفسي اللي أصلاً يئست منِّي، أنا ضايعة! لأني تخليت عنك، يعني خلاص؟ خذني لآخر مدَى وقُول أنه كذب! كل هذا كذبْ، أعتذر عشان أعيش! عشان ما أحس بالإذلال! اعتذر وراضيَة، راضيَة بِك "يا سلطاني" سلطان بإنكسار واضح في صوتِه الضيِّق، اغدقت في تفكيرها وصمتها ليقطعه : لا تقولين ما حاولتْ! أنا حاولت لكن . . ماعاد ينفع! المُشكلة ماهي فيك! المشكلة اننا جلسنا سنة وأكثر مو قادرين نتجاوز هالشي! كيف نتجاوزه؟ كيف نبدأ صفحة جديدة؟ . . ما نقدر! لا أنا أقدر ولا أنتِ تقدرين!!! بس . . أنا شتت نظراته بعيدًا عنها عندما رأى دمعتها كيف تصمدُ في هدبها قبل أن تسقط بإنصياع للحزن، ثبتَّ أنظاره للطاولة التي امامه ليُكمل بتنهيدة تهزم البدايات والنهايات وما بينهما : للحياة تركتك. الجُوهرة بنبرةٍ مالِحة: لله يا سلطان. دارت عينيْه إليْها، اعتدتُ الوجَع وَ إيماءاتِ الوداع، اعتدت أن أكون الخاسر في الحياة ولا أسفٌ عليّ، وعلى الرُغم من هذا أنا لا أتقبَل خسارتي معك، لا أتقبَّل الخدش أسفل جلدِي إثر الدماء النافِرة من جسدِي، كل ما يُحطّ ويصب ينفرُ مني في اللحظة التي أريد ان أفصل ما بيننا، آمنت والله أننا وُجدنا للنصف وأن الوَجع قدرٌ كُتِب علينـا، آمنت يالجوهرة أن لا نهايـة سنصِل إليها ولا بدايـة يُمكننا الرجُوع إليْها، آمنت أننا معلقيْن لا نهزم أحدًا ولا ننتصر أيضًا، تعالِي! أسكني فيّ، لم تجيئي وحدِك، أتيتِ كقبائلٍ نصبَت خيامها في صدرِي، سحبت من أرضي ماءي ولم يبقى لي ماء! لم يُصلي أحد الإستسقاء من أجل قلبي، أنتظرتُ كالمساجد الشاهقـة الخاويـة سجدةُ مصلِّين، أتيتِ سماءً واسعة حجبت الغيم والمطر، أتيتِ جفافٌ صبَّ في عُمرٍ يابس نحيل، أتيتِ راكِضة في زمن توقّف عند عتبة الحياة، أتيتِ جذعٌ فقير هزتـهُ الريح وأنغرز في صدرِي كوَسمٍ باقٍ لن ينتهي، أتيتِ يالجوهرة وعيناكِ ليل طويل، وأنا لم أبرأُ بعد من ذنب النهار. لم تحتمل عيناه المتحدثة بإنحناء الحزن في إنكسارٍ كُلِّي، يالله! أنا التي لم أدعُو الله طوال السبع سنوات من أجل السعادة والفرح والحياة، أنا التي ضللت أردد أغفر لي يا رحمَن، أنا التي خجلت أن أطلب منك يالله الفرح وأنت سترتني بعظيم لُطفك، أنا التي قضيْت أيامًا لا يجيء على لساني سوى " رحمتك لقلبٍ أمتلأ بك يالله " ، إني أسألك يالله في هذه اللحظة، إني أسألك يارب الكلمات و الوجَع، يارب الرحمَة والعطف، يارب حُزننا وفرحنَا، يارب قلبِه أعطف عليْ، ردني إليّ، للصبيـَة الناعمة التي أودَعت في صدرها حُبك، التي كتبت مذكراتها بنشوة الصِبـا، رُدني لقلبي قبل 7 سنوَات، قبل أن أموت في متاهات الدنيا المُذلة، قبل أن يعصفُ النسيم الرطب ويصبح ريحًا شديدة، قبل أن تصبح يقظتي كابوسًا ومنامي سوادًا، رُدني يالله لنفسي إني أخافُ يومًا يبكِي البُكاء من نفسي. يا لوعة الحُب الشديدة أسكني فيّ إني أرغب بحملك في شراييني للحياة التي تركتني من أجلها، إني أمرض بك ولا أسألُ من الله الشفاء، أريدك طريًا في دماءي، في ذاكرتي، في حياتي يا كُل حياتي. لاحت لوعتُها في أنينٍ مرتجف، بكَت بعُمق الحزن في صدرها، بكَت بعُمق الجرح في صوتها، بكَت من الماضي الذي كان له سلطته في حاضرها، بكَت لأن الموت ثابتٌ في قلبها. سلطان أغمض عينيْه للحظاتٍ طويلة حتى يسحبُ هواءً نقيًا لرئتيه التي ازدادت ضيقًا، لا مفَّر منكِ يا شديدة الطفُولـة والبياض، يا أنثى هزّت تاريخ الإناث برنةِ خلخالها، ليت ما كان لم يكُن وليتني استطع قول ما كان. نظر إليْها بنظرةٍ خدَّرت الهواء من حولها حتى إمتلأ جوفها بالعدَم/بالفراغ. بقسوة لسانه يُصادق على قولها : لله يالجوهرة . . . خرَج بخُطى مبعثرة ليفتح أوّل أزارير قميصه العسكري بإختناق، دخل لمكتبه المنزوي في عُتمة لا يخدشها سوى ضوء بسيط نافذ، رمى سلاحه على الطاولـة ليجلس بغضبٍ يتضح في ملامحه السمراء، شدّ على قبضة يدِه ليضربها في حافة الطاولة، مسك رأسه بوَجع من صُداع لا يدع فرصة شماتته تذهب، أنحنى بظهره قليلاً ليثبت جبينه على المكتب وعيناه تنظرُ للرخام، عوِّضنا يا كريم، أنا وقلبي. غطّت ملامحها بكفيّها، أشعرُ بأني احتضر، أغيبُ تمامًا عن وعي الحياة، لِمَ طلبتُ منه؟ لِمَ اعيش في هذا التناقض! لم يبقى بيْ عقل يتجاوز كل هذه التناقضات التي تُعشعش فيّ!! لا أحتمل يومًا يأتِ لا يجيءُ بِه، لا أحتمل! يالله فحُبه تمكَّن مني حتى آخرُ خلية في جسدي، انسني حُبه يا رب قلبي وقلبه، انسني عيناه الساهرة في ظلالِ منامي، انسني كلماته التي عقدها فيّ، انسني من حياتي حياتـه. ، وقف بضياعٍ تام، عقله لا يفهم إلا جملة واحدة " غادة لم تمت بالحادث " ، جُملة تسحب كل ذرة أكسجين من الهواء المُحيط به، سقطت كل ألوان الحياة من أمامه حتى أصبحت سوادًا ولا غيرُ ذلك، ما يحدُث أيضًا مدعاة للسخريَة! لأن الحياة لم تكُن يومًا منتصبَة في باقة ألوان، دائِمًا ماكانت تُعطيني ظهرها الشاهق، أنا لا ألوم أحَد، ألوم نفسي التي واصلت تصديقها لأشخاص لم أكن يومًا على محمل الأهمية بالنسبة لهم، ألوم نفسي التي صبَرت بفُرصة أن يكُن نهاية صبرها إنشراح وفوز! ألوم نفسي للرجس الذي أعمل به، ألوم نفسي وساخطٌ عليها لأنني مازلت بقربهم، مازلت معهم! غُفرانك يالله على ما فعلته وسأفعله، لم أكن يومًا صالحًا بما يكفي حتى أتعلم التجاوز والعفُو، لم أكُن شيئًا طيبًا بما يكفي حتى ابتسم بوجه المصائب، حاقد! ولن أُخفي حقدي من أجل الأخلاق والشيَم، لن أخفي لوَعتي بالحياة من أجل أحد. هذه المرَّة و رحمةُ الله لن أرحم نفسًا أوجعتني، لن أرحم نفسًا أضعفتني! لن أرحمهم!! سأقتّص منهم واحدًا واحدًا ولو كان ذلك على سبيل خسارة قلبي/حياتي، كان لزامًا عليّ أن أفهم هذا مُبكرًا أنني لا أستقيمُ مع هذه الحياة مهما بذلت من جُهد، ولن أحاول ولا للحظة أن أستقيم. عاد بخُطى تائهة حائرة للخلف ليصطدم بحافة السرير، دارَ بهِ رأسه كما تدُور الحياة بعينيْه، اسنَد ذراعه على التسريحة بمحاولةٍ جادة أن يتزن، ارتفع الضبابُ لعينيْه حتى أختفت الرؤية تمامًا، شعر بحُرقة تسيلُ بأوردته، وضع يدِه تحت أنفه لينظر لظاهر كفِّه المُبلل بالدماء، عقد حاجبيْه بجهلٍ لمصدر الدماء، لم يحاول التفكير بشيء غير الكلمات التي قرأها، كما السكين تُزهق الروح أيضًا الكلمات، من يستوعب هذا الحديث؟ لم يتبقى بيْ عقل لأستوعب، هل هذا إبتلاء يالله أم عقاب؟ أين هي الآن؟ من المستحيل أن يفعلها بي ناصر! أم ماتت بعد فترة من الحادث؟ . . شعَر بغصة تقف في مجرى تفكيره، جفَّت عيناه وترسَّبت بالملح، لا دمعةٌ تسقط تنقذ الموقف المُزرِي ولا دمعةٌ تربت على خدِه، ولا دمعةٌ تشفق على إنهزامه، لا دمعٌ يسيل! لكن القلب كيف يسكُت؟ كيف يصمد ولايبكِي؟ ، ينظرُ بتجاهل شديد للدماء التي تتدفق من أنفه، لم تحتمله قدماه حتى سقَط على ركبتيْه، نظر للصور المتناثرة على الأرض، لعينيْها التي تُشبهه، لملامحها الباهتة، تفتقدني أيضًا؟ تشعرُ بيْ؟ كُنت تجيئين في منامي بصفةٍ وحشيَة حتى ظننتُك تتوجعِّين من التراب، ولكن كُنتِ تتوجعِّين من هذا العالم، تتوجعين منهم يا "رُوحي"، وضع يدِه على جبينه يحاول أن يثبِط هذا الدوار الذي يُصيبه، أدرك بأن ضغطي ينخفض الآن، أعرفُ جيدًا ما يُصيبني، هذه الأعراض تشمتُ بي في كل مرة أتنفسُ أملاً، أنا رجلٌ لا أصلح للهدنـات، للأماني والأحلام الصغيرة، أنا رجل لا أصلح للحُب والأيام الجميلة، أنا رجلٌ كسرته الحياة مرَّة وكسَر معها حياته و محتواها، البرودة تحتبسُ أسفَل جلدي وبقايَا الماء في جسدِي يتسامى حتى حجَب الوضوح عن عيني، هل هذه أعراضُ صدمَة؟ مُعاذ الله أن أكون مصدوم كل ما في الأمر أنني لم أتوقع أن تأتِ مُزحة الحياة بهذه الجديّـة القاسية. تحامل على ألمه ليسحب نفسه قليلاً حتى يأخذ الصورة بيديْن تفقد قدرتها على الإمساك بثبات، كل طرفٍ به يرتجف، نظر لغادة بشوق عظيم رُغم رؤيتـه الشبه معدومة في هذه الثانية المرتبكة، سعَل بذبُول كُلِّي. " اشتقت! يا عذابي في الصور وضحكات الصور! يا عذابي وش بعد باقي ؟ وش بعد يا غادة؟ ماطِبتْ! كيف أطِيب وأنا من عشمني في الوفَا غدَر! كيف أطِيب وأوفى من بقى لي خان! ما عاد ليْ حق أسأل – ليه ؟ - ما بعَد ناصِر سؤال. " سقطت الصورة بين أصابعه التي ارتخت، أشتعل صدره بحقد،بغضب،بشحناتٍ هائجة، بشتاتٍ تكدَّس بصوتِه، سمع ضربات المطر على الأرض، ليقف وهو يسندُ نفسه على الجدار، إتجه نحو الحمام ليغسل وجهه بشحُوب، أغرق ملامحه لينظر لنفسه بالمرآة، لم أكن بهذه الصورة أبدًا! في حياتكم لم ينزف أنفي ولا مرَّة، لم تتحرك مساراتُ حنجرتي لتسَّد مجرى تنفسي، لم أضيع ولم أتُوه قبلكم، هذه الحياة بعدكم خراب! ولا تصلحُ ليْ على كل حال. أخفض نظره قليلاً ليرفع عينيْه بإبتسامة مكسورة، جُننت! غادة مازالت الأرضُ تحمل أقدامها؟ أم أنا بدأت أتوهّم كلماتٌ مقتولة؟ عقد حاجبيـْه بشدّة، لا يفعلونها! لو أنني ألدُ أعدائهم لا يفعلونها بيْ! . . لا يفعلونها بإبن صديقهم. بدأ صوتُه الداخلي يظهر، يُدرك بأنه واقع في صدمة شديدة ولكن مازال يُنكر، مازال يحاول أن يقِّر بوعيْه التام في هذه الأثناء، رُغم أن وعيْه غائب تمامًا في لحظةٍ انسلخ اللون من جلدِه وطغى الشحُوب، إنخفاضُ الضغط الذي يُداهمه ماهو إلا نتاج الصدمَة. خرج من الحمام ليأخذ قارورة المياه ويفرغها بفوضوية في فمِه، حاول أن يسترجع بعض الطاقة المهدرة، لدقائق كثيرة بقيَ جالِسًا لا يُفكر بشيء ولا شيءٌ يأتِ إليه، وقف متجهًا للخارج، اقترب من نايف ليلفظ : ممكن جوالك شوي نظر إليْه نايف بنظراتٍ مستغربـة : فيك شي؟ تشكِي من شي؟ عبدالعزيز : لا . . ممكن؟ نايف: إيه أكيد . . تفضَّل عبدالعزيز أخذه ليعُود بخُطى متأرجحة مضطربة للداخل و المطرُ يُلامس جسدِه بلا شعُور يّذكر، فقد حاسيـَة الإدراك تمامًا. جلس على السرير، وضغط بأصابعه الباردة على رقمِ ناصر السعودي الذي يحفظه، ثوانِي حتى اتاه " مغلق " ، حاول أن يتذكر رقمه الفرنسي، بدأ يُخمن بعقله عدة أرقام يحفظ بعضها وبعضها يُجرب حدسه بها، جرَّب للمرة الأولى ولكن أتى " خارج نطاق التغطية " ، إختار التخمين الآخر ليضغط عليه، قرَّب الهاتف من إذنه لينتظر إجابته، تمرُ دقيقة تلو دقيقة ولا مُجيب. : ألو شعَر بأن روحه تخرج، تقتربُ من النفاذ للسماء، لا سياج يفصلها عن التسامي، عن العلوِ وتركِ جسده، اتسعت محاجره حتى اجتاحتها الحُمرة الكثيفة، ارتجف فكِّه بصريرٍ مؤذي، لا شيء طبيعي! وربُّ الكعبة لا شيء!!!!، كل الخلايا تندفع بإتجاه صدره الذي يعلو بإرتفاعٍ مضطرب. كررتها مرةً اخرى بنبرتها العذبـة : ألو . . مين معايْ ؟ لا يُسعفه الصوت، يُريد أن ينادي! يُريد أن يبتهِّل صوته بإسمها ولكن حتى نبرته تُخذله، فوق وعثاء الحياة وحظِّها السيء معي! فوق كل هذا يُدير صوتي نفسه عنِّي، يارب لا تجعلني أتخيَّل صوتُها بهذه الصورة المؤذيـة، يارب أرجوك. بخفُوت : ناصر نايم . . مين أقوله؟ هذا مالاطاقة ليْ به! كُنت أقول أن الحياة إن شاءت و وقفت ضدِي فناصر معي، ما يخُون؟ " خلِّي ما يخُون " ، هذه أنتِ يا غادة، كيف؟ رُبما أحلم! طبيعي أن أحلم. بضجر لا تعلم لِمَ لمْ توَّد أن تغلقه، الأنفاس المضطربة التي تصِل إليها تُشغل عقلها : مين؟ لستِ حلم! أنتِ يقظة، بعد سنـةٍ كاملة و نصف السنـة أسمعُ صوتك يا غادة، أسمعُه يا " روح عزيز " ، ناديني من أجل الله، " اصرخي بعالِي صوتك، اصرخي لقلبٍ مات نصفه ونصفه ينتظر إحتضاره، اصرخي عشان أصحى لو كنتِ منام البائسين اللي أتعبهم حرث أرضٍ فاسدة، نادِيني!" غادة بتوتر مستغربة هذا الصمت : آ آ صوتي لا يلُوح لأحدٍ ولا لكِ يا غادة، تحبسُ الأشياء نفسها فيّ دُون أن تترك لي حق الرفض والقبول، أنا أسمعك! أقرأ صوتُك بخشوع، لكن لا أقدر على لمسِك على مُناداتِك، رُبما هُناك شيء يربطني بك ويُمكِّنك من سماع قلبي، رُبما. أثق بذلك ما دُمتِ لم تغلقي الهاتف إلى الآن، أنتِ تشعرين ولكن صوتي جبان، ما أمرُ به " جاثوم " الذكريـات، يهزمني صوتك يا غادة! أرجوك، أرجُوك، أرجوك لا تفعلي بيْ هذا! لا مجال بأن يخدعني أحدٌ آخر في حياتِك، لا مجَال أبدًا. " أنتِ حيّـة ؟ " أنتِ هنا، أسمعك. : مع السلامة. لحظة! . . صوتُك يا غادة لا يُغادرني، من يدلني عليك؟ . . . أغلقته دُون أن تسمع صوتـُه. وقف بلا تركيز، تمرُ الدقائق بكثافةٍ عاليـة دُون أن يشعر بثانيةٍ واحدة، يترددُ بعقله صدى صوتُها و " ألو " التي خرجت من بين شفتيْها كحياةٍ جديدة، هيَ! والله العظيم هيَ. أذني لا تُخطىء! أذني تحفظ صوتُها كـ رقيةٍ على قلبي كل ليلة. و حسرةُ السنـة والنصف من يُشفيها؟ من يردّ ليْ أيامًا من عُمري تلحفها النحيب، هُم لا يدركون! لا يعرفون قيمة أن أخسر عائلتي! كيف قضُوا كل هذه الأيام ينظرون إلى عيني دُون أيّ خجل؟ كيف تجرأُوا أن يفعلوا بيْ أسوأ فعلٍ على مرِّ حياتي، لا أفهمهم! ولا أفهم دناءتهم! لا أفهم أبدًا كيف لهؤلاء البشر أن يبقوا على قيد الحياة وهُم أقل من أن يقال لهم أحياء، ضمائرهم ميتة وقلوبهم ميتة! وأنا أيضًا؟ من أجل هذه الحياة سأكُون أشدُ دناءةً منهم، والله لن يردني شيئًا، لن يردني خُلق تربيتُ عليه ولا شيء، هذه المرَّة أنا أريد ان أخسر نفسي وأخسر مبادئي، أريد ان أخسَر " عبدالعزيز سلطان العيد ". أما أنت يا من ناديتُك " يبـه " وأنا استشعرُ طعم لذة الكلمة في لساني، ناديتُك بأبي وأنا أشعرُ أنِي إبنك، ولكنـك استغليْتَ حُزني على فقدي بمصالحك، نظرت إليّ كأنك تُشاركني المواساة في وقتٍ كنت تدرك بأن هُناك قطعةٌ مني تسير على ذاتِ الأرض ولا ألتقيها، كُنت تدرك بأن جزءً مني ينظرُ إلى ذاتِ السحابة ولا تُمطر عليّ ولا عليه، كُنت تدرك كل هذا وتركتني أحارب الحياة بمخالبٍ ملتويـة، كُنت تدرك يا " بو سعود "، أنا لن أشفق على أحد بقدر شفقتي على نفسي التي صدقتك، حسبي الله عليك وعلى الذين حسبُوا أن الحياة تُدار بتخطيطهم، لن يبرأ قهري منكم، لآخرِ لحظة في حياتي سأدعُو عليكم قولاً وفعلاً. ، وضعت الهاتف على الطاولـة، بقلبٍ يُطلق علاماتِ الإستفهام، أثـارت أنفاسه الثائرة فضولها، وضعت يدها الدافئة على نَحرها، شعرَت بلوعةٍ تغصُ بها، جلست بمُقابل جسده الذي يغطُّ في سباتٍ عميق، بدأ عقلها بالهذيان. رُبما عرفني! أو ارتبك من الصوت الغريب. رُبما كان مثل ناصِر يحسبُني غائبـة تحت التراب وتفاجىء بصوتي! لكن كيف ورقمه غير مسجل؟ هذا يعني أنه ليس من معارفِ ناصر. تنهدَّت بيأس لتنجذب لحركته الخفيفة، لميل رأسِه ناحيـة اليمين قليلاً، وقفت لتقترب منه، جلست بجانبِ بطنه، وفي داخلها سؤال واحد " من صاحب الأنفاس المضطربـة؟ "، كُنَّا شتاتًا وما زلنا! لا أحد سيشعُر بحجم حُزني لأن لا أحد سيفهم معنى أن تستيقظ عيناك ولا أحدٌ بجانبك، لا عائلتك ولا أصدقائك، لا أحد سيفهم معنى أن تنظر للسقف دُون أن يطِّل أحدٌ عليك، لا أحد سيفهم معنى أن تجلس على الطاولة وحدُك دُون أن تُذكرك أمك بالتسميَة، دُون أن يُصحح أبيك بعثرة خُطاك، لا أحد سيفهم معنى أن أشتاق لعائلتي بهذه الصورة المؤذيَة! هُم اللذين لا أعرفهم ولا يعرفوني، اللذين يحسبون أنني راضيَة بحالتي، أنني سعيدة بفقداني لذاكرتي/لحياتي، هُم لا يعرفون كيف أنني أنام على أملٍ ان أتذكر أيامُ أمي الأخيرة، وضحكات أبي المودِّعـة، هُم لا يعرفون كيف أن 5 سنواتٍ من عُمري تغيب عنِّي فجأة! أستيقظ وأراها تبخَّرت!!! لا أحد سيفهم معنى ان تكُون وحيدًا إلى هذا الحد؟ لا عزيز و لا هديل بجانبي، لا أحد. ردَّ ليْ يالله ذاكرتي وحياتي. تبللت ملامحها بالدمع، " موحشـة الدنيَا بدونكم! " مسحت على جبينـه وهي تشعرُ بوجعه، بألمه، بحافةِ دمعه. تحرَّك بإختناق دُون أن يفتح عينيْه النائمة، همست بالقُرب منه: ناصر حرَّك رأسه للأعلى ليغرق بحلمه، أعلى معدلات اليأس/الذبول التي يصل بها الإنسان أن يشعُر بأن منامه واقع. سقطت دمعةٌ احترقت بمحجرها، ادركت بإحساسه بها، وضعت كفَّها على كفِّه لتُردف : ناصِر مازال مُغمضًا نائِمًا بسلامْ، يمرُ صوتها لحنَّا شجيًا، لانت ملامحه بإسمه الذي يعبر لسانها، أوجعها بتعابيره المبتسمة، أوجعها بأنه يعيشها " حلم ". انحنت عليه وشعرُها يتجه نحو كتفها اليمين لينتثر بجهةِ واحدة كستارِ ليلٍ مظلم، بحزن: لا تسوي كِذا! . . سالت دمعةٌ يتيمـة من عينِه اليسرى التي مازالت مُغمضة، مسحتها بكفِّها الناعمة لتُقبِّل جفنـه النائم دُون أن ترفع رأسها، ضعِفت كل قوَّاها أمام دمعته، تأكدت أنه يحلم، أنه يحارب واقعه بالأحلام. تنفست سُمرتـِه وهي تدسُ أنفها بملامحه اللينـة، أما أنت مازلت أكثرُ الرجال طغيانًا، في صخب رجولتـِك وإتساع وسامتُك، في صوتـِك الذي يُودع للكلمات ضياءها، مازلت يا ناصِر فارس أحلامِ الصبَا. رفعت جسدِها قليلاً لتنظرُ إليْه بوضوح، ثبتت نظراتها بعينيْه حتى فتحها بهدُوء، نظر إليْها بغصَّات السنين التي مرَّت في سنـةٍ واحدة، نظر إليْها بحُزن الثكالى واليتامى، أمال رأسه بإتجاه شَعرِها المنسدِل، نظر بضياعٍ شديد. غادة: إحكي ليْ! . . أبي أسمعني فيك. ناصر ببحة: ضعنا يا غادة غادة بهمس وعينيْها لا تتوقف عن البكاء:أششش! .. سولف ليْ خلّ آخر التعب لقَى ناصِر: وين اللقَى؟ غادة تُغمض عينيْها وجسدِها يُلاصق جسدِه، تنتقل رعشاتها إليْه بخفَّـة: وش يعني لو ما قدرنَا نعيش؟ وش يعني لو ما بنينا من أحلامنا حياة؟ وش يعني لو شابت ملامحنَا ولا كبرنَا؟ وش يعني لو ذاب الورد في إيدينا؟ وش يعنِي لو أمطرت السمَا وعيَّـت لا تسقينَا؟ وش يعني لو نغيب؟ نغيب ونلتقي في مقطع قصيدة ابتسم بوجَع ليرفع ظهره عن الأريكة ويجلسُ بجانبها، نظر إليها بشحُوبِ ملامحه، نظراتٌ تسطع على جدار قلبها: يعني اننا انكسرنا، نعيش على البركـة غادة: على أساس أننا عايشين بتخطيط وما نسمح للعشوائية تخرِّب حياتنا! ناصر: لمَّا قلبك يخطط بدون لا يرجع لك هذا يعني أننا محنا عايشين بعشوائية، لمّا تصحيني كل صبح بصوتِك وتنتظريني عند نهاية الشارع، لمّا أوصلك لين الجامعة وأرجع آخذك، لمَّا أسولف لك عن أتفه الأمور وأبسطها، لمّا نسهر وندوِّر الأعذار حتى نغطي فيها أخطاءنا، بس كانت أخطاءنا تسعدنا! كنّا نتجمل فيها، وكنت أرجع وأنام على صوتِك . . . كل هذا يا غادة تشوفينه عشوائية؟ هذا الروتين كان وجودك يرتِّب فوضويـته. غادة تُخفض رأسها لتُردف بضيق يتحشرجُ به دمعها: أبي أتذكر كل هذا! . . بس مو بيدي . . والله مو بيدي ناصِر : آسف إلتفتت عليه بحُمرةٍ تتسلق عينيْها. ناصر : لأني ما عرفت ألتقي فيك إلا بالحكي! غادة : ناصر ناصر : لبيه غادة : سولف لي عنِّي . . خلّ اللي ماعرفت استرجعه ألتقي فيه بصوتِك ناصر بعُقدة حاجبيْه نظر للنافذة والثلج يتساقط على لندن بوِفرة، مدّ ذراعه نحوها : تعالي اقتربت منه لتضع رأسها في حضنه، استلقت على الأريكـة لتُغمض عينيْها الباكية: قولي عن اصغر التفاصيل. ، وضعت يدها على صدرها الذي يرتفع كريحٍ مُحمّـلة بالبرودة، نظرت للمرآة التي أمامها ويدِها الأخرى تغرزُ أظافرها بـ/ مسكَةِ الورد المنتشي بين أصابعها، الممر الذي يفصلُ حياة عن حياةٍ أخرى ليس ممهدًا أبدًا، المرُور نحو الزواج ليس بالسهولة التي تخيّلتُها، أشياء كثيرة تحدث فيّ لا أعرفُ ماهيتُها، رعشـَةً أطرافي ماتزال ترنُّ في إذني، صوتُ قلبي يسعلُ بضوضاءِ نبرته، أشعُر بأنني أتلاشى وأذوب، كل شيء أمامي ينعدِم ويعطب، أشعُر بأنني متراجعة مترددة، يالله! أحسُّ أنني تسرعت، كان من الممكن أن لا أوافق بهذه البساطة، كان من الممكن أن نؤجل هذا الزواج لأجلٍ غير مسمى، أو رُبما مسمى بسكُون قلبي، بصوتٍ داخلي يشدُّ عزمها " يالله يا هيفا! أنبسطي . . أنبسطي " ، بدأت تقرأ في داخلها كل الآيات التي تحفظها بمحاولةٍ ناعمة لتهدئة الربكة التي تُرعش حواسَّها، اللهم حببني الى قلبه وجملني في عينه واستر عيوبي عنه واستر عيوبه عني وألف بين قلوبنا واجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة. . . اللهم يا كريم. طلَّت ريم عليها لتُردف : جوّ! . . . هيفاء بلعت ريقها : تكفين جيبي لي مويَا ريم بإبتسامة مُطمئنة : سمِّي بالرحمن . . ولا تتوترين كثير . . مدّت لها كوب الماء لتشربه بدفعة واحدة. هيفاء ويدها مازالت تربت على صدرها : أحس قلبي بيوقف ريم كانت ستتكلم لولا دخول أم فيصل، إتسعت إبتسامتها لتُردف: جاهزة؟ عشان تنزلين؟ هيفاء بإبتسامة مرتبكة : آآ . . آيه أم فيصل بصوتٍ عذب قرأت عليها للحظاتٍ طويلة حتى ضجَّت الهواتف بإتصالاتِهم، خرجت والدته لتتبعها ريف الصامتة المُحدقة بإستغراب لهيفاء ولهذه الأجواء، بتوتر: يالله ريم ضحكت : مستعجلة! هيفاء أشتعلت حُمرتها بخجلها: لا .. أقصد . . طيب ريم ممكن تآكلين تبن؟ ريم بإبتسامة : ممكن يا ستِّي . . ثانيـة، ثانيتيْن، رعشـة و رعشتيْن، ركض الفرح إلى عينيْها الداكنتيْن لتتلألأ بالدمع المتغنج بعذوبـةِ محجرها، ابعدت أنظارها عن ريم التي التقطت بكاءها الصامت، ريم بضيق وهي تتجه نحوها: لا تبكين! هيفاء رفعت عينيْها للأعلى حتى تُبدد الملح الذائب في عينيْها، فرحٌ شاهق يُصيبها بربكة، تأتِ الأفراح دائمًا بربكـة عكس الأحزان التي تجيء برتابـةٍ واضحة : طيب يا حمارة! أنتِ تبكيني ريم بضحكـة عانقتها لتسقط دمعتها الناعمة على خدِها : ماسكة نفسي من اليوم وأقول ماراح أبكي! . . شدَّت على جسدِها بعُمق السعادة المتشكلة في صوتها : الله يوفقكم يارب ويهنيكم ويسعدِكم . . هيفاء همست: آمين ريم ابتعدت لتنظر إليْها بفرحٍ شديد : يالله ننزل . . . هيفاء تمتمت وهي تضع يدها على بطنها لتأخذ نفسًا عميق : بسم الله الرحمن الرحيم ، نزلت من على الدرَج الشاسع بعِرضـه، الشاسعُ بمسافاتِ القلوب التي تُحبها و تنتظرها، رفعت عيناها لتنظرُ لملامحهم المبتسمـة الطيبـة. للمرة الأولى أشعرُ بأنني شخصٌ آخر، بأنني عبارة عن أشخاصٌ كثر يعيشون داخلي، عندما نظرت لهم رأيتُ الفرح كغيمٍ مُبارك فوق رأسي، ولكن هُناك شيء يُجمِّد خطواتي ويُبطئها، أنا سعيدة! أنا لستُ اعرف ماهي السعادة تحديدًا. جديًا أنا أنسى مفاهيم الحياة و قوانينها الوضعيـة والفطرية أيضًا، لا أعرف إن كُنت سعيدة، ولا أعرف إن كنت حزينـة، فقط أشعُر بأنني خفيفـة كجناحِ طائر، و ناعمـة كملمسه، أشعُر بالإنتماء للحياة، لأصلِ الحياة، *إتسعت إبتسامتها حتى بانت أسنانها العلويـة في اللحظة التي رأت بها والدتها* فخورة بأنني أتنفسُ مثل الهواء الذي يدخلُ إلى رئتيْكِ يا أمي. سالت دمعـة رقيقة لتثبت أقدامها على الرخام، اقتربت من والدتها لتُقبِّل جبينها ورأسها وتنحني لكفِّها،بكَت بعاطفة الأمومـة التي لا تقوى مهما كانت المسافات ضئيلة بوداعِ ابنتها : الله يهنيك يا يمـه و يحرسك بعينه اللي ماتنام هيفاء : آمين . . . إتجهوا نحو الصالـة المنزويـة في القاعة بقُرب الباب الرئيسي، سمعت أصواتهم الخشنـة التي تنبأ عن قُربهم . . أغمضت عينيْها بنفسٍ عميق تستجمع قوتها، لتفتحها على ملامح يوسف، اقترب منها وقبَّل رأسها: مبرووك يالشينة هيفاء تهمسُ بقرب إذنه: على الأقل أجبر خاطري بكلمة حلوة يوسف بضحكة : مبروووووووك يا هلي أنتِ . . يا بعد طوايفي! هيفاء إبتسمت بعناقها الحميمي معه: الله يبارك فيك يُوسف بضحكات السعادة التي تشاركها معها، رفعها قليلاً عن مستوى الأرض ليُردف وهو يرفع عينيْه إليْها : الله يهنيكم يارب ويرزقكم الذرية الصالحة هيفاء بدمعتيْن مرتعشتيْن همسَت : آمين ابتعد يوسف ليُتيح المجال لمنصور الذي قبَّلها على جبينها بعُمق الحب والسعادة في قلبه: مبروك يا روح أخوك، الله يهنيكم ويوفقكم هيفاء أضاء الدمع في محجرها : الله يبارك فيك . . وين أبوي؟ يوسف : بيجي الحين مع فيصل منصور اقترب من والدته ليُقبِّل رأسها: ورينا إبتسامتك؟ مفروض الحين السعادة مو شايلتك إلتفت يوسف عليهما ليُردف بخُطى مقتربـة : لا ما تسويها ريّانة وتبكي!! ضربته بخفَّة على كتفِه ليبتسم حتى بانت أسنانه، قبَّل جبينها وهو يعانقها، بخفُوت : وش دعوى يالغالية تبكين؟ يكفيها دعواتِك وتجيها السعادة كاش! . . بس لا تضيقين صدرك ابتعد قليلاً للخلف ليسمع أصوات الغنَاء تضجّ بين الجدران، بفرح غامر أخذ والدته ليُراقصها ويغنِّي لها، رفع " عقاله " ليُشاركه منصور ليرتفع سقف شاهق من الفرح والسعادة، دخلت ريم لتتسع إبتسامتها عندما رأتهم، هذه الفرحة مغريـة للتجسيد،للرسم،للكتابة،للت صوير، لكل الأشياء الجميلة، مغريـة جدًا بأن تكون كالوسم في صدورنا، لا شيء أعمق من عاطفـة العائلة إن اجتمعت، لا شيء أسعدُ من ضحكاتهم و جديلة الفرح المعقودة على رأسِ أمي، خفتت الأصوات لتجلس والدتهم بسعادة لا تُقدَّر بمقدار. ريم بنشوة الفرح: ما بعد جوّ؟ يوسف: للحين تلقينهم بالزفّة انا ومنصور قلنا نجي قبلهم . . تعالي بس صورينا ريم: لحظة . . أخذت الكاميرَا لتثبتها على الطاولة وهي تضع علبة المناديل تحتها، وضعت المؤقت لتهرول سريعًا نحو " الكوشـة " انزلقت ليمسكها يوسف وعلى صدى ضحكاته العاليَة إلتقطت الصورة. والدتها : بسم الله عليك! ريم بهيستريَة ضحك : رجلي ما عاد أحس فيها! يوسف جلس بإستنزاف الضحك: عز الله أنه وجهك ينقص حظ الواحد! ريم رفعت نفسَها لتقف بثبات: إيه طقطق عليّ هالمرّة مسموح! يوسف رفع حاجبه بإبتزاز واضح: طبعا مسموح! ريم شتت نظراتها بحرج لتُردف: طيب يالله بسرعة روح أنت أضغط على الزر اللي على اليمين عشان نصوّر قبل لا يجون منصور مسح وجهه من الضحك الذي غرق به: قسم بالله عايلة محششة! . . أخلصوا يالله يوسف ضغط الزر ليقف بجانب هيفاء و الإبتسامات الزهريـَة تُجمِّدها " لقطة ". ريم تنظر لجمُود هيفاء لتلفظ : هيوف بلعت العافية! يوسف يُشير بيدِه أمامها: بوعيْك؟ هيفاء بضياعٍ تام: إيه يوسف بإبتسامة : ريلاكس . . هيفاء تنهدَّت : أحس بيغمى عليّ يوسف: أصبري بس دقيقتين وأغمي على صدره والدته : يوسف!!! . . لا توترها يوسف بإبتسامة: نمزح! . . هيفا طالعيني . . . نظرت إليْه ليُكمل . . الحين الواحد كم مرّة بيفرح مثل هالليلة؟ حرام تضيع بتوتر وضيق؟ أفرحي يا بنت عبدالله ولو تبين ارقصي! . . هيفاء ابتسمت لتُردف وهي تتنهد لتهدئة رعشاتها: طيب . . طيب منصُور : جوّ . . ريم : لحظة بطلع . . يوسف إبتسم لها إبتسامة ذات معنى حميمي عميق، إبتسامة تُسكِن رعشاتها وتُطمئنها، إبتسامـة أخويـة علوِّها شاهق. دخل والدها وعينيْها تضيعُ بالأقدام والأرض، اقترب منها ليقبِّل رأسها: مبروووك . . الله يهنيك يا يبه ويحفظك بعينه هيفاء رمشت لتسقط دمعة جاهدت أن تحبسها في محجرها، برجفة صوتها: الله يبارك فيك . . قبَّلت رأسه بوضعٍ لا تعرف كيف تصف مشاعرها. سقطت عينها عليه لتُشتتها بعيدًا، مسك عبدالله يدِ فيصل بحنيـةِ الوالد الغائب: الله يهنيكم ويرزقكم الذرية الصالح بإبتسامة صاخبة تُقيم أعراسًا في قلب هيفاء، أتى صوتُه المُسكِر : اللهم آمين . . إلتفت نحو أم منصور ليقبِّل رأسها. أم منصور : مبروووك يا فيصل منك المال ومنها العيال فيصل : الله يبارك فيك . . ارتعش للحظة وهو يقترب من هيفَاء، تجمدَّت أطرافه ليُثبت أنظاره بإتجاهه، عيناه تخذله ولا تنظر إليْها، تشتت بملامح الجميع عداها، بإبتسامة جعلت أمر الكلمات صعبـَة، نطق بعُمق الربكـة: مبرووك هيفاء بعد ثواني طويلة همست بخفُوت : الله يبارك فيـ . . فيك لحظاتٍ طويلة كان الصخب في كل مكان عدا قلبيهمَـا، صُمَّت أسماعهما أمام تصاعد الفرح، صمتٌ ينام على شفاههم و كلمات المباركة تتهاتفُ عليهما، تمرُ الدقيقة تلو الضحكَة، وتمرُ الثانيـة تلو الرعشـة، تتكاثرُ الدقائِق وتزداد ربكتهُما. توقعت أن لا ارتبك، أن لا تضيع الكلمات من حافـةِ شفاهي! ظننتُ أنني بمزاجيـة جيِّدة لحفل زفاف لا أكثر، ظننتُ هذا حتى وقفت أمامها، أُدرك أنه أسأت الظن بحجم دهشـتي والفرح المنصَّب في قلبي، أنا على يقينٍ تام أنني سعيد فوق كل الكلمات المختصرة والمنضبة على أمرها، سعيد جدًا بعينيْها. خلَت الصالة المتوسطـة بحجمها مقارنـةً بصالة الفرح الرئيسية التي يقف عليها أحبابهم، دخلت ريف المهرولـة بعبث فستانها القصير، أنحنى إليها فيصَل ليرفعها ويغرق ملامحها البيضَاء بقُبلاته. همست بشغب: مبروووك ضحك بنبرةِ صوتها الناعمة التي تلفظ الكلمات بطريقة التسميع : الله يبارك في الشيخة ويخليها إبتسمت لتنظر لطرفِ بشته الأسود بذهول عقلها الذي يكتشف رداءً جديدًا، من خلفها والدتها، اقتربت منه ليعانقها بقُبلة عميقة على رأسها. : مبروووك يا يمه فيصل: الله يبارك فيك أبعدها حتى ينظرُ لعينيْها المكتظة بالدمع، بإبتسامة: وش قلنا؟ والدته بلعت غصتها لتُردف بإبتسامة فسيحة: الله يوفقكم يارب ويهنيكم . . اقتربت من هيفاء التي تنصهر بحرارة جسدها المرتفعة تدريجيًا، عانقتها لتمتص رجفة جسدها. ، في ساعاتِ الليل الأولى بأقصى بقاع الأرض، مُستلقي على السرير بملامح الأموات الشاحبة الباردة، ينتظرُ بصيص أمل في الحياة ولكن لا إنتظار يكسبُ به. جلس الدكتُور ذو الجنسيـةِ الكويتيـة بمُقابله: شلونك اليوم يا تركي؟ تركي : تمام الدكتور: عارف أنه ماهو مسجّلة هالليلة في مواعيدنا! بس تدري يا تركي أنا أحس بمسؤولية إتجاهك خصوصًا! يمكن عشانك سعودي وقريب مني! وممكن لأني ماني راضي على حالك ولا راح أرضى . . . اشرح لي شلون تمام؟ تُركي بضيق الكرة الأرضيـة المتحشرجة في صدره : ماني تمام! . . أنا اشتقت لها ليه ماتفهموني!!! أنا ما أبي أضرّها . . والله ما أبي أسوي لها شي . . أبيها سعيدة دايم الدكتور: و الضرر في داخلك وش تفسره؟ تركي: ما أبي أبكيها الدكتور: بس أنت بجيتها؟ صح؟ *بكيتها* تركي: هي تفهمني غلط الدكتور: لأنك كسرتها . . تصوَّر معي لو رجعت لورى! ليوم الحادثة! . . بتسوي نفس اللي سويته؟ تركي: لا الدكتور: يعني أنت معترف أنك غلطت! والإعتراف هو بداية التصحيح . . يا تركي أفهم شي واحد المسألة ماهي غلط في دينك وفي بيئتك بس؟ هالمسألة فطرية! غلط في كل حضارات هالعالم من أنخلقت البشرية! . . كيف تشوف واحد ينجذب لأمه؟ يشتهي أخته؟ . . غلط هالشي يا تركي ولا لأ؟ حتى أكثر المجتمعات تحرر ما تقبل بهالشي! فكيف بديننا؟ . . تركي بحُرقة صدره الذي يشتعل: أنا أحبها! أبيها دايم قدامي! بس أسمع صوتها!! . . ارتاح لما أشوفها يا دكتور ياسر ياسر: إبن تيمية رحمه الله قال كل من أحب شيئا لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه . . محد بيساعدك بعد الله الا نفسك . . حاور نفسِك وشوف أنت شنو اللي تبي توصله؟ .. حُبك ماهو لله وكل شي ماهو لله مخالف للفطرة الصحيحة . . أنت أنخلقت وفي داخلك إنتماء للي خلقك، وكل أعمالك هي نابعة من إنتماءك للخالق! أنت ليه تصلي؟ ليه تصوم؟ ليه تستغفر؟ ليه وليه أشياء كثيرة؟ كلها بسبب واحد اللي هو رضا الله . . رضا من خلقك . . تخيَّل معي أنك تعزم شخص لبيتك وتكرمه وتضيّفه لكن بعد فترة يجحدِك ويبدأ يسيء بأفعال كثيرة ممكن ما تنتقص منك شي بس تضايقك لأنك قدمت له أشياء كثيرة لكن هو ما قدَّرها! . .ولله المثل الأعلى! كيف ببساطة تجحد سنين من عُمرك رزقك فيها الله الأكل واللبس والأمان والإستقرار! . . كيف تجحدها يا تركي؟ انا أكلمك الحين بمبدأ فطرِي . . بعيدًا عن تصرفاتك اللي طافت! تُركي بلا جواب ينظر للنافذة التي يتساقط عليها الثلجُ بكثرَة، ياسِر : أنا ماأقولك غيّر نفسك بيوم وليلة، ما اقولك خلاص لا تحب هالإنسانة! . . أنا أبيك توقف وقفة صادقة مع نفسك اللي بكرا راح تحاسب عليها! . . خلني أعطيك إياها على بلاطة على قولتكم في السعودية . . أنا ممكن ما قدّمت شي في حياتي صالح! لكن مستحيل مستحييل أحد يرضى يعيش بعكس فطرته . . طيب خلاص تبي تعيش على هواك! ماعندي مشكلة عِيش مثل ماتبي لكن هل أنت سعيد؟ . . مو سعيد يعني شنو اللي استفدته؟ . . قاعد تتعذَّب! لكن تصوّر لو كان هذا حُب عفيف من إنسانة ما تحرم عليك! . . يا تركي أبي أوصلك شي واحد . . أننا احنا كلنا نغلط . . أنا غلطت في حياتي وأنت غلطت وكلنا غلطنا! لكن خيرنا التوابين . . . . أنت دمرت نفسك! ودمرت علاقتك بأهلك كلهم! . . ونفسك توّ تقول لو يعيد الوقت نفسه مستحيل تكرر فعلتك . . يا تُركي أنت قادر! الله عطاك نعم ماعطاها لغيرك . . شدّ على نفسك شويّ وجدد وصلك بالله . . وكل أمورك بتتسهَّل وماراح تحتاج لا لدكتور ولا غيره . . تسقط دمعة حارِقة من محجر عينِه اليسرى دُون أن يخرج صوتـِه بكلمة، يتعذبُ بحبها وبإشتياقه لها. ياسر: خذيت لك إذن من المستشفى! . . بكرا راح آخذك لمكان تغيّر جو فيه ونفضفض شويّ . . تمام؟ تُركي بصوتٍ مخنوق : والله العظيم أني فرحت لما حفظت القرآن . . والله العظيم ما أبي أضرّها ياسر وقف ليقترب إليْه : وأنا والله العظيم مصدقك . . وراح تفرح أنا متأكد لما تعرف أنك صححت نفسك!! ، يُقطِّع البرتقالة بسكينٍ حاد ليرفع عينيْه : حمار! ماعليك شرهة أنس: أنا وش يدريني! قلت ناصر واضح بالصور مايحتاج أكتب تلميح عنه . . يكفي بوسعود عُمر: كِذا ولا كِذا الحين بتلقى عبدالعزيز أنهبل!!! بيشك في ناصِر وساعتها .. يتصنع النبرة الطفولية بخبث ليُكمل : نتصل ونقول تعالوا يا جماعة! لقينا القاتل يدور في الشوارع أنس بضحكة : عاد لو يجيب أحسن محامي ماراح يطلع من هالقضيَة! كل الأدلة تدينه . . بيخيس في السجن لين يقوده الشيب! عُمر يُلحن الكلمات : و بيتفككون! . . دخل أسامـة لينظر إليهما بتقزز: وين سليمان؟ عُمر: وش فيك تكلمنا من طرف خشمك؟ أسامة يجلس بمُقابله ليسحب جزء من البرتقال ويمضغه : احس رائد شاك فيني مع أنه ما تصرف بأيّ شي يخليني اشك بس كلامه معي يشككني عمر : اللي على راسه بطحا يحسس عليها! . . أسامة : مانيب ناقصك . . وين سليمان؟ أنس: فوق . . ما قلنا لك وش سوينا؟ . . أرسلنا صور يحبها قلبك لعبدالعزيز وكتبنا له بعد عُمر : أنت اللي كتبت له لا تجمعني معك ! أنس تنهَّد : المهم خليناه يولِّع وراح يشبها قريب في بوسعود وسلطان . . عرف عن موضوع أخته أسامة لاحت إبتسامته : وش هالأخبار الحلوة؟ . . وسليمان يدري؟ أنس : لا بنبلغه بس هو حاط عليّ أنا و عُمر فخلنا مؤدبين هالفترة قدامه أسامة : وخله يدري والله ثم والله لا يجيب أجلك أنت وياه! . . مهبّل تتصرفون من كيفكم! عُمر تأفأف ليستلقي على الأريكة: أكرمنا بسكوتك وخلني أستمتع بروقاني! . . أحمد ربِّك ماجبت معي بنته أسامة رفع حاجبه : بنته! أنس بحماس : بنت بوسعود الثانية كانت موجودة و زوجته بعد أسامة : بنته اللي هي زوجة عبدالعزيز؟ أنهبلتوا!!! عُمر : لمحتها بس مدري هي ولا زوجته . . بس زينهم والله من زين أبوهم! ولا اللي يشوف عبدالرحمن وش يقول؟ . . سبحان الله يخي فيه ناس مهما يكبرون تبقى أشكالهم ثابتة وشباب . . أسامة: لمحتها! وفصلتها تفصيل ماشاء لله على عيونك عُمر : أصلاً هم ما يطلعون من البيت . . بس يوم غيّرت مكاني ورحت ورى شفتها وهي داخلة! . . أسامة : وشسمها ذي اللي جابها فارس! بنته الثانية بعد تشبه أبوها! أنس: قضت السوالف صرتوا تسولفون بأشكال الحريم بعد! عُمر: خلنا نتمتع يا حبك للنكد! . . كيف شكلها بنته اللي عند رائد؟ أسامة : شفتها مرة وحدة! ما ركزت بس تشبه أبوها . . نفس عيونه عُمر : والله شكلها بنته اللي شفتها! . . تخصص عيون . . هي وين راحت مع فارس؟ أسامة بعصبية: مدري عنه هالكلب! . . أنا مستغل حالة حمد الحين أبيه يخرب بينه وبين الكلبة اللي معه بعد عُمر بضحكة: وش فيك خربتها! توّك محترم صارت الحين كلبة! أسامة : أنت ماتدري! يقولك أبو سعود معلِّم بناته على الرمي والفروسيـة بعد! ماتشوف مزرعته كنك داخل ساحة حرب!! . . أنا أحس بنته ذي اللي مع فارس وراها شي! . . مستحيل فارس كِذا يشك فيني! لأنه كان نايم وأنا متأكد أنه نايم عُمر : والله عاد الحين يا ولد أبوك مستحيل تتعدل علاقتك مع فارس! شاك فيك شاك! ولا وصل شكه لرائد منت معيّن خير أسامة : حمار أنت! مو المشكلة صارت قدام رائد بس ما شك ولا قال شي لأن دايم فارس يتبلى علينا يعني متعوّد عُمر رفع حاجبيْه بإستغراب: رائد مو غبي! . . والله مدري يخي حتى بناته شقَا الله يآخذهم أسامة : بس أنت ملاحظ معي! بناته كلهم الله معذبهم! . . إثنينتهم تزوجوا بدون رضاه!!! عُمر : والله ياأني ذيك الليلة مانمت من الوناسة! أنا يوم عرفت منك أنه عبدالعزيز قال لرائد أنه زوجته وأنا قايل بتصير مصايب قومية بينهم! . . أسامة: أصلاً هذا الموقف اللي تقربت فيه لفارس وعلمته قلت كود يحبني! بس جحدني الكلب عقبها!! عُمر : لأن فارس داهية! والله داهية وقلت لك إذا أنت تفكر بعقل واحد هو يفكر بعقلين الله يآخذه أخذ عزيزٍ مقتدر!!! . . قسم بالله مب صاحي! تحسه يتعاون مع الجن! كل شي يعرفه . . كل شي يدري فيه قبل أبوه . . المشكلة أنا مايخوفني الا سكوته .... ذولي اللي يجونك هاديين وكلامهم قليل يرعبون يخي! . . أسامة : أنا بس آمنت بشي واحد من عقبه! أنه الواحد مفروض ما يخاف من الناس الأذكياء واللي يبينون ذكاءهم مفروض يخاف من الناس اللي يبيّنون غباءهم! . . ماتوقعت أنه فارس بهالصورة الوحشية يا رجل!! عُمر : والله أني قلت لك من سنة جدي! أنه فارس شيطان مثل أبوه وألعن! أسامة: يالله هذانا استفدنا من هالدرس! عشان ثاني مرة نفتح عيوننا على اللي مسوين نفسهم مايدرون وين الله حاطهم!! عُمر : تدري وش طينته؟ نفس عبدالعزيز لكن عبدالعزيز يآكلك بلسانه أما ذا هادي وهدوءه يخوّف! . . أسامة ضحك وهو يسترجع موقف عبدالعزيز مع رائد : الله لا يحطك في لسان عبدالعزيز! ما شفته يوم هرب من رائد . . مسح فيه البلاط .. عُمر بحسرة : آآآخ ليتني كنت موجود! لين يومك ذا وأنا متحسف ودي أشوف وش سوَّا فيكم! أسامة: وذا اللي هامك! قلبي كان حاسّ أنهم ما اختاروا عبدالعزيز عبث! لعنبو إبليسه قدر يهرب مننا كلنا! عُمر : لأنكم حمير مع كامل عدم إحترامي!! .. هو وفارس شياطين الله يآخذهم بحريقة تحلل جثثهم ، الساعـة تُقارب للثالثة فجرًا بتوقيت الرياض الناعسـة، وقفت خلف الباب كثيرًا، ترددت بفتحه للحظات طويلة لتعود بخطواتها للخلف، نظرت لنفسها بالمرآة، بربكـة أخذت شعرها المنسدل على كتفيْها لجانبٍ واحد، اقتربت من باب الغرفـة وهي لا تعرف كيف تخرج بثبات، مرَّت ساعة كاملة على كلمته الأخيرة " بنتظرك هنا " ، لابُد أن إنتظاره طال ولا بُد أن العشاء قد تجمَّد بالبرودة أيضًا، يارب. تنفست بعُمق لتفتحه، نظرت للجناح الذي يبدُو فارغـًا، إلتفتت لتبحث عنه بعينيْه ولم تراه، بخُطى خافتة اقتربت للجانب الآخر من الجناح لترآه يُصلي. تراجعت للخلف لتعود للصالـة، جلست على الأريكة وهي تنتصب بظهرها متظاهرة بأنها لم تراه، جمعت كفيَّها في حُجرها لتثبت أنظارها على الطاولـة. شعَرت بأن اللحظات تنخفضُ حرارتها. سلَّم فيصل من صلاته ليقرأ بعض الأذكار التي يحفظها عن ظهر غيب، غرق بتفكيره وهو جالس على السجادة، يشغلُ فضولـه كيف من الممكن أن المكياج يغيِّر لونها بهذه الصورة؟ قبل فترة كانت سمرَاء فاتـنة والآن بيضاء أشدُ فتنـة. قرَن كل تساؤلاته بأنَّ كل هذه أدوات المرأة الخارقة التي لا يفهم منها شيء، وقف ليطوِ السجادة ويضعها على الطاولة، تنهَّد بعُمق ليتجه بخُطاه وتسقط عينيْه عليها، وقف وهو يتأملها من الخلف، غاصت نظراته بشعرها المموَّج الذي تُحركه بأصابعه مرةً لليمين ومرةً لليسار، تبدُو الربكة واضحة من رعشة أصابعها التي تتلاعبُ بخصَلِ شعرها، دقيق جدًا لأبسطِ التفاصيل، للقرط الذهبي الناعم الذي يُزيِّن لحمةُ إذنها، للسلسال الذي يُقيِّد معصمها اليمين، لأنفاسها المضطربـة التي يصِلُ صداها نحوه، تنحنح ليتقدم بخُطاه المتوترة أكثر منها، أصطدم فكيّها بربكة دُون أن ترفع عينيْه نحوه. فيصل لا يعلم ما سر الضحكة التي أقتربت من شفاه، حبسها في داخله خشية من أن يُقال عنه " قليل ذوق "، توتَّر ولا يعرف ماذا يقول : آ . . حكّ عوارضـه القصيرة المرتبـة . . آآ . . خلينا نتعشى! هيفاء شدَّت على شفتها السفليَة حتى لا تفلتُ منها إبتسامة بمسماها " قليلة حياء " فيصل وقف ليأخذ كوب الماء الذي أمامه ويشربه بدفعة واحِدة، إتجه نحو الطاولة التي تتوسط المكان ليعود للخلف فهو يُدرك تمامًا من الذوق أن تتقدم النساء أولاً، هيفاء تنحنحت هي الأخرى من التوتر الكبير الذي يُصيبها، جلست بمُقابله ولا صوت يصدر منهما ولا من الأطباق التي أمامهما. فيصل تمتم: أستغفر الله . . مسح على وجهه ليرفع عينه إليْها . . تمنى لو لم يعتمد على نفسه بهذا الأمر، لم يتوقع ولا لـ 1% أنه سيحصل على كل هذه الربكـة والتوتر، في داخله أجزم بأنه كان يحتاج أن يستمع لنصائح يوسف حتى لو أتت " حقيرة " بمفهومه. بعفويـة : معليش بس ماني متعوَّد هيفاء حبست ضحكتها من الربكة ليخرج صوتٌ بسيط ينبؤ عن حبس هذه الضحكة. فيصل إبتسم بلا حول ولا قوة ليُردف : أقصد . . تنحنح قليلاً . . يعني . . وش رايك نآكل ؟ هيفاء رُغمًا عنها أفلتت إبتسامة ناعمة على محيَّاها دُون أن تضع عينها بعينيْه. فيصل يشرب كأس الماء الثاني بدفعة واحِدة. هيفاء أخذت كأس الماء لتشرب رُبعه تُخفي به حرارة الربكة .. مرَّت الدقائق الطويلة دُون أيّ صوتٍ يذكر سوى إصطدام الملاعق بالأطباق، لا حديث يُجرى بينهما وسط ربكـة تامة تصِل لأقصى مدى. فيصل رفع عيناه إليْها ليسرَح بها، أطال النظر وغرق بتفكيره، حتى شعرت بنظراته المصوَّبة بإتجاهها، إلتقت عيناها بعينيْه وسُرعان ما شتتها. حسّ على نفسه ليضع ذراعه على الكرسي الفارغ الذي بجانبـه: فيك النوم؟ رفعت عينيْها بدهـشة أحمرَّ بها جسدها بأكمله، أخفضت نظرها باللحظة التي أندفعت ضرباتُ قلبها إتجاه صدرها بقوَّة. فيصل تشنجت شفتيْه التي أفترقتَا بمسافةٍ قصيرة : آآ . .مو قصدي .. أقصد قلت عشان . . نجلس بس هذا كان قصدي . . أنه يعني إذا مرهقة وكذا صمتَا لثواني طويلة ليُردف بخيبة أمل كبيرة في تصرفاته التي تأتِ بالمعنى النجدي البحت " جاب العيد " : أنا آسف . . هيفاء بلعت ريقها بصعُوبـة، لتقف: عن إذنك . . إتجهت نحو المغاسل. فيصل تنهَّد ليمسح على وجهه بلومٍ لاذع لقلبه، سمع صوت المغسلة التي خلفه دُون أن يلتفت، حسّ بوقاحته للحظة. أخذت نفس عميق وهي تمسح يديْها بالمناديل الورقيـة، وضعت يدها على خدِها المشتعل بالحرارة، اقتربت بخُطاها نحوه لتعود لمكانها، أخذت كأس الماء لتشرب نصفِه برعشة تامة. فيصل بدأ يُحرِّك الشوكة بطبقه دُون أن يأكل لقمة واحدة، تفكيره ينحصر بدائرة واحدة هذه اللحظة " كيف أقول جملة مفيدة؟ "، أيقنت أن ليلة الزواج مُربكـة لأشدِ الرجال. لم يرفع عينيْه منذُ جلست. ودّ لو يحدثُ أيّ شيء أمامه حتى يتكلم عنه ويخترع بدايـةٍ للدردشـة، " ليلنا طويل يا هيفاء ". اقترب أذان الفجر ولم يفتحَا أيّ حديثٍ تندمج به أصواتهما. تنهَّد ليجذب عينيّ هيفاء ناحيته، فيصل بإتزانٍ أكثر: سولفي لي عن إهتماماتك! هيفاء بلعت ريقها لتُردف بشعورها القريب جدًا منه، تُدرك حجم ربكته المندرجة بين شفتيْه : آآ . . مدري فيصل حك جبينه للحظة لينظر إلى عينيْها المضيئتيْن، استغرق تفكيره بها ليُردف : وش تحبين؟ . . وش ميولك يعني؟ هيفاء تشعر بغباءٍ شديد من أنها لا تميل لشيء : بصراحة . . يعني . . مافيه شي معيّن فيصل : يعني أنا أحب الشعر . .تحبين الشعر؟ هيفاء لا تعلم أيّ إجابة يجب أن تُجيب بها حتى تظهر بمظهر لائق: الشِعر! . . عادي . . يعني . . *تنحنحت لتُكمل* . . أقرأ أحيانا فيصل : مين تفضلين من الشعراء؟ هيفاء شعرت بورطة حقيقية، لا تحفظ ولا إسم، بدأت تسترجع ذاكرتها أيّ إسم لتُردف : سعود الفيصل . . بدر عبدالمحسن فيصل بإبتسامة: قصدِك خالد الفيصل هيفاء تجمدَّت بمكانها من حُمرة/حرارة اندفعت بوجهها، بلعت شفتِها السفليَة من شدِّها العنيفُ عليها، نظرت لكل الأشياء امامها عداه، مسكت قرطها الناعم بتوتر: لخبطت بالإسم فيصل إبتسم ليحبس ضحكة عميقة في جوفه، أردف: وش بعد؟ هيفاء بإحراج شديد : بس فيصل : ما تسمعين فصيح؟ هيفاء أدركت فعليًا أنه له ثقافة واسعة بالشِعر تجعلها لا تُفكر بأن تكذب عليه بكلمة : لا فيصل : و وش تميلين له بعد؟ هيفاء بتوتر تنطق الكلمة بثواني طويلة: ماعندي ميول معيَّن، يعني أشياء كثيرة تجذبني فيصل بإستدراج لمعرفـة ميولها الفكريـة : وش كانت مشاريعك بالجامعة؟ هيفاء فعليًا شعرت بأنها فاشلة مع مرتبة الشرف أمام توجهاتِ عقله لتُردف ببلاهة : ولا شي فيصل صمت للحظة ليُردف : ما سويتي شي بالجامعة؟ يعني معارض أشياء زي كذا! هيفاء : يعني ماكان فيه مشاريع بجامعتنا وكذا . . فيصل : و متى مفكرة بالوظيفة؟ هيفاء بلعت ريقها : آ . . يعني . . قريب إن شاء الله ببدأ أبحث لأن أكيد ما أحب الفراغ فيصل : حلو! أشترك معك بهالصفة أكره الفراغ بشكل فظيع هيفاء أكتفت بإبتسامة بسيطة وهي في داخلها تعلم أنه ثلاث أرباع عُمرها قضته فارغة والربع الآخر قضته بتفكيرها كيف تحول أوقاتها لفراغ. فيصل : تحبين فن الكولاج؟ هيفاء تجمدت ملامحها ليُردف حتى لا يُحرجها : الكولاج بالصور . . يعني تلصقين أشياء مع بعضها وكذا هيفاء بصراحة تامة حتى لا تُحرج نفسها أمامه أكثر : ما أعرفه . . فيصل : إذا جينا بيتنا بوريك غرفة أنا مضبط جدرانها بالكولاج بصور قديمة لي ولأبوي الله يرحمه وللعايلة هيفاء: الله يرحمه . . فيصل : آمين . . هيفاء استغلت شروده لتتأمله بخفُوت وهي ترفع عينيْها ببطء نحوه، نظر إليها لتضع عينيها على يدِه وهي تضع يدها على رقبتها بحركاتٍ لاإرادية/غير مفهومة. تسلل صوتُ الأذان الرطِب إلى أسماعهم، " حيّ على الفلاح ، حيّ على الصلاة " كيميَاء النَفس التي تنجذبُ للفلاح لا بُد أن طريقها : صلاة. فيصل وقف متجهًا نحو المغاسل، إغتسَل ليتوضأ دُون أن ينطق كلمة أخرى، ثواني طويلة أستغرقها مثل ما استغرقتها هيفاء في النظر إليـْه و تأملُ أدق تفاصيله. تنهَّد متجهًا نحو الأريكة التي وضع عليها شماغه، إرتداه وهو يغلق أزارير كمه، وقف خلفها لثواني طويلة يحاول أن يكوّن في عقله " جملة لطيفة " ، وقفت لتلتفت نحوه، برجفة أسنانها: تقبَّل الله. فيصل : منا ومنك صالح الاعمال .. . خرج من الجناح ليتجه نحو المصاعد الساكِنة في مثل هذا الوقت. هيفاء ضحكت بصخب بلا داعٍ ولا سبب، لا تفهم أيّ شيء من تصرفاتها. إبتسمت لتُمتم : وش أحس فيه!! . . إتجهت نحو المرآة لتنظر إلى نفسها وهي تتلاعب بملامحها وترفع حواجبها لحظة وتلوي فمها لحظةً اخرى، شدَّت على أسنانها لتُخرج أصواتًا بلسانها. – هيستريَة الفرح -. رسمَت شخابيط لامُنتهية على الورقـة البيضاء، لتُردف بخيبة: وش نسوي؟ ضي المستلقية على ظهرها تنظر للسقف الخشبي: شويّة حظ وتضبط علاقتكم رتيل بتنهيدة: هالحظ شكلي بموت ولا شفته! . . من دخل غرفته ما طلع! ودِّي أروح أشوفه بس ما أحب أبيّن له إهتمامي ضي : تعلّمي فن التنازلات رتيل بإبتسامة: بتعلم منك أنتِ وأبوي ضي بحالمية عاشقة : يا زين الطاري . . ليت أبوك عندنا الحين. رتيل تُكمل شخبطتها على الورق : أنا أفكر بأيش وأنتِ بأيش!! تتوقعين نام؟ ضي: لا . . روحي له . . بعدين أثير هالفترة ماهي عنده يعني مفروض تخلينه يتعلق فيك رتيل: شفتي! تجيبين طاريها ويجيني غثيان! أتوقع يكلمها أكيد أتصل عليها!! . . حيوانة ضي بضحكة: أهم شي حيوانة!! رتيل: والله حيوانة تقهرني! . . تذكرين يوم بالمستشفى! آآآخ يا قلبي كل ما أتذكر السالفة أحس ودي أذبحها أقطّعها بأسناني ضي: المشكلة انك أنتِ اللي قهرتيها رتيل: بس للحين قاهرتني! . . يعني شوفي أنا ماني حاقدة ضي أغمضت عينيْها من شدَّة الضحك لتنجرف رتيل رُغمًا عنها بضحكة خافتة. رتيل : أستغفر الله! جد أتكلم يعني والله ماني حاقدة كثيير . . يعني حاقدة شوي بس لما أفكر هي مالها ذنب! زوجته ولها حق فيه . . بس أنا كارهتها! اكتشفت أني أغار لدرجة أكره بعنف ضي بهمس سمعت صوتٌ بالخارج: تلقينه برا . . روحي له رتيل: قلت لك ماأحب أروح بنفسي . . ضي بسخرية: أجل انتظريه يعزمك . . والله رتيل أنتِ تضيعين نفسك وتضيعينه معاك! . . خليك معه دايم وحسسيه بوجودك عشان ما يتجرأ يبعد لأنه بيكون متعوّد على وجودك رتيل تنهدَّت لتقف: شكلي كويس؟ ضي بضحكة : مُزَّة رتيل نظرت إليها بغضب لتُردف: كم عُمرك وعَادِك تتهيبلين ضي: آخر وحدة تتكلم عن العقل أنتِ رتيل إبتسمت لتبتر غضبها: ماشاء الله على أبوي كل الماضي الوصخ قاله لك . . . إتجهت للخارج ولمحته جالس بعيدًا وغارق بتفكيره : أخاف أزعجه ضي: أجلسي ولا تتكلمين بس وجودك جمبه يكفي. أخذت نفس عميق لتخرج بخُطى ثابتة، جلست بجانبه دُون أن تتفوه بكلمة واحِدة، إلتفتت عليه لتنظر لملامحه الشاحبة والمشحونة بالوقت ذاته. رتيل: وش فيه وجهك؟ عبدالعزيز بهدُوء: ولا شي . . أدخلي لا تبردين رتيل بعُقدة حاجبيْها: تعبان؟ .. عبدالعزيز يخرج صوته المبحوح بوَجع: لا رتيل تنهدت : عبدالعزيز لا تخوفني! عبدالعزيز وقف: تصبحين على خير . . . وبخُطى حادَّة إتجه للجهةِ الأخرى، إلتفتت رتيل بدهشَة من تصرفه، إرتعش جفنُها من كلمتِه الحادة الباتِرة كل الكلمات العابرة على لسانها، تنهدَّت بضيق لتدخل: مدري وش فيه؟ إلتفتت ضي بنظراتٍ إستفهامية. رتيل تشعرُ وكأن الأرض غصَّت بحنجرتها: فيه شي!! وجهها مخطوف وواضح تعبان بس ما خلاني أتكلم معه على طول قام!!! ضي أستعدلت بجلستها: كان زين الصبح! رتيل: طيب شوفي جوالك لقط شبكة!! .. يمكن أبوي يعرف ، أشرقت الشمس في صباحات الشتاء الأولى، صباحُ الأجواء التي ترتفع برودتها ساعات حتى تسقط في حرٍ شديد. فتح عينيْه لتتجعد ملامحه بضيق من نومِه على الكرسي المكتبي، أبعد ظهره المتصلِّب بإرهاق، بتنهيدة نظر إلى ساعته التي تُشير إلى الثامنة صباحًا. وقف خارجًا من مكتبه، إلتفت لحصَة الجالِسة بسكينة وتقرأ إحدى المجلات. انتبهت عليه لترفع عينها بإستغراب: نايم هنا؟ سلطان بصوتٍ ناعس: ماحسيت على نفسي . . إتجه نحو الدرج كارهًا لهذا الصعود ولهذا البيت بأكمله، فتح باب غرفتهما لتسقط عينِه عليها وهي تُسرِّح شعرها. بربكة أنزلت المشط لترفع شعرها بأكمله كذيلِ حصان. لم يُطيل بنظره كثيرًا حتى إتجه نحو الحمام، استغرق في إستحمامه دقائِق كثيرة وهو يفكر بأسوأ الإحتمالات التي تُفكِك حياته. في جهةٍ أخرى جلست على الأريكـة لتغرق في تفكيرها به، ملامحه المُتعبة لا تعنيه وحده! هي تُرهقني أيضًا. كانت ستبطل كل مبادِئه لو عَلِم بحملي ولكن سَيبطُل إحترامي لنفسي، من أختار يا سلطان؟ شعرت برجفةِ جفنها، كيف أُشفي إلتواء قلبي حول نفسه كُلما ذكر إسمك؟ كيف أشفيه منك؟ أنت جدَل مهما انتحلتُ به الإتزان، أضطربت. خرج ليدخل للزاويـة الخاصة بملابسهما، ارتدى لبسه العسكري لينحني بلبسِه لحذاءه الثقيل، فتح الدرج ليأخذ حزامه وأنتبه لخلوِه من أغراضها، رفع عينِه للدولاب الآخر ليجده خاليًا تمامًا، إذن ستُغادر! تنهَّد باللامبالاة ليخرج متجهًا نحو التسريحـة، ارتدى ساعته وعيناه تغرق بما خلفه، أخذ نظارته الشمسيَة ليخرج من الغرفـة دُون أن يهمس بحرفٍ واحد. بمُجرد خروجـه سالت دمعة على خدها الشاحب، بقيْت بثباتها دُون أن تصدر منها حركة أو إيماءة، بلعت غصتها العالقة لترفع عينيْها للأعلى في محاولة هزيلة لإيقاف تجمع دموعها، كل شيء يرفض الغياب، حتى الدموع تُقيم ثورتها ضدنا. إلتفتت نحو عائشة التي طرقت الباب، بإبتسامة بشوشة: بابا كبير تحت! الجوهرة تنهدت: طيب جاية . . أخذت منديل لتضغط على عينيْها، نزلت للأسفل لتتجه نحو المجلس الخاص بالرجال، دخلت بخُطى سريعة نحوه، وقفت على أطراف أصابعها لتعانقه بشدَّة الحنين في صدرها و الحزن أيضًا. مسح على رأسها: شلونك يبه؟ الجوهرة انهارت قوّاها لتبكِ على كتفه: ليه ماكلمتني؟ أوجعتني يبه عبدالمحسن بضيق: لا تعتبين يا عيني، كنت متضايق يومها ومابغيت أكلمك وأضايقك معي الجُوهرة ابعدت جسدها عنه لتنظر إليْه بتعرٍ تام من قوتها المزيفة: والحين؟ عبدالمحسن : دام شفتِك بخير الحمدلله الجوهرة : وش ضايقك؟ عبدالمحسن تنهَّد ليجلس بجانبها: عبير بنت عمك عبدالرحمن الجوهرة بخوف: وش فيها؟ . . رجعوا من باريس؟ عبدالمحسن بعتب : ليه ماتسألين عن بنات عمك يالجوهرة؟ منعزلة عننا وعن الكل! ما يصير كذا الجوهرة شتت نظراتها بلا عذر يشفع لها: مقصرة عبدالمحسن: كثيير . . حتى ريّان مارفعتي السماعة تكلمينه!! مهما يكون هذا أخوك الجوهرة ببكاء عميق : مو قصدي والله! يبه لا تفكر أني حاقدة عليه ولا زعلانة منه!!! . . الحين قدامك أكلمه عبدالمحسن: أنا ماأقول زعلانة منه!! بس أنتِ تبعدين عنّا يوم عن يوم!! الجوهرة بعينيْها اللامعتيْن بالدمع: والله مو بيدي! صايرة أيامي من سيء للأسوأ . . عبدالمحسن بعُقدة حاجبيْه : وش صار؟ الجوهرة بلعت ريقها لتلفظ بشحًوب: وصلنا لطريق مسدود أنا وياه عبدالمحسن شتت نظراته بعيدًا دُون أن يعلق بكلمة. الجوهرة إلتفتت عليه: برجع معك! جهزت أغراضي وهالمرة ما أظن راح أرجع له عبدالمحسن نظر بعينيْها بصمتِه المُربك لحواسَّها التي تهيج بالدمع. الجوهرة بضيق: ماراح تقول شي؟ عبدالمحسن: كم مرة تهاوشتوا ؟ كم مرة قررتوا تنفصلون؟ الجوهرة تُدخل كفيّها باكمامها وهي ترتعشُ بالبكاء، بنبرةٍ خنقت قلب والدها: وش أسوي يبه؟ عبدالمحسن: ليه أوجعتي قلبك فيه؟ رفعت عينيْها الذابلة، تجمدَّت بنظراتِ والدها الذي أكمل: أنا خايف عليك! ويضايقني أنك تتعلقين بأحد منتِ قادرة تتأقلمين معه الجوهرة بحشرجة الحزن : ليه تقول كذا؟ والله حاولت . . . أنت شايف أني غلطت؟ عبدالمحسن: كلنا نغلط! الجوهرة : طيب قولي! وجِّهني .. وش أسوي؟ . . عبدالمحسن بحزنٍ بالغ، لا شيء أشد من هذا الحزن المارّ في صوته : أبي أفرح يالجوهرة . . الجوهرة أخفضت نظرها لتغرق بكومة بكاء لا تنتهي، لم تستطع أن تحبس صوتُ أنينها المحترق في جوفها، بين حزنها المكتظ: خيبت أملك كثيير! ما سويت شي في حياتي يخليك تفرح وتفخر فيني! . . سحبها لصدره ليُوقف موجة كلماتها المضطربة: لا تقولين كذا . . أنا لابغيت أبتسم أتذكر اليوم اللي ختمتي فيه القرآن! هاليوم كان أسعد يوم في حياتي! . . . . أنا فخور فيك والله . . بس أبي أفرح لفرحك . . يوجعني أنه بنتي ماهي قادرة تعيش لنفسها! . . بنبرةٍ خافتة موجعة أكمَل : لك الجنة وأنا أبوك الجُوهرة ببحة: كل ماحاولت وكل ما قلت هانت! جاء شي جديد وخرّب كل شي . . والله ما أبي أنفصل عنه بس أحس خلاص . . . مهما طوّلنا مهما حاولنا بالنهاية طريقنا آخره طلاق . . عبدالمحسن: كلمتيه؟ الجوهرة: أمس قالي عبدالمحسن: ويدري أنك بترجعين معي! صمتت لثواني طويلة حتى قطعها بصوتِه: أنتِ للحين على ذمته! ما يصير تطلعين بدون علمه الجوهرة: بس أمس اتفقنا على الإنفصال يعني أكيد برجع عبدالمحسن بلع ريقه بإستنزاف كبير لعاطفته الأبويـة : ولو كلميه . . مسح ملامحها الباكيَة بكفِّه ليبتسم : أنتظرك ما على تجهزين نفسك . . عشان يمدينا نوصل قبل صلاة الظهر الشرقية الجوهرة: إن شاء الله . . خرجت لتتجه نحو غرفة حصَة، طرقت الباب لتدخل بتوتر، إبتسمت: صباح الخير حصَة : صباح النور . . أبوك وصل؟ الجوهرة : إيه من شوي . . جلست بمُقابلها . . كلمك سلطان اليوم بشي؟ حصة بلهفة الشغف : قلتي له عن حملك؟ الجوهرة تحشرجت عينيْها بلهفتها لتُردف: لا . . ماراح أبلغه الحين حصة بضيق: إلى متى؟ خلينا نفرح الجوهرة : أمس تكلمنا . . قررنا ننفصل حصة تجمدَّت بمكانها بدهشَة لا تسبقها دهشة، صمتت و ماتت الكلمات في جوفها. الجُوهرة بربكة تُشتت نظراتها: والحين برجع مع أبوي وبآخذ أغراضي . . بس ما قلت له وماأبيه يفهم تصرفي أنه . . يعني . . كلميه حصَة للحظات طويلة بقيت على حالها حتى لفظت: ليه؟ . . حرام اللي تسوونه! الجوهرة : تعبانة من هالموضوع والله وماودِّي أتكلم فيه . . هو راضي وانا راضية حصة بإنفعال : على مين تضحكون؟ أنتم ما شفتوا نظراتكم لبعض! . . ماراح أقول عشان خاطر هالعشرة البسيطة اللي بينكم بس أقول عشان خاطر الحب! . . الجوهرة : أيّ حب واللي يسلمك!!! . . مانصلح لبعض يا حصة حتى لو حاولنا نبقى ما نصلح لبعض! مانستفيد من قربنا إلا تجريح لبعض!! حصة بضيق يرتجفُ به جفنها: كل شي وله حل! . . دايم تتهاوشون! ودايم تجرحون بعض بس ترجعون! لأن أنتم نفسكم مؤمنين أنه مالكم الا بعض . . لا أنتِ تستاهلين ولا هو يستاهل! . . ليه دايم تفكرين بسلبية وبزواية وحدة؟ الجوهرة: لو تكلمتي مع سلطان راح يقولك نفس الكلام وهو واثق أنه كلامه واقع! حصة: لا تسوين في نفسك كذا! تفكيرك ومنطقيْتك في الأمور ماراح تعطيك السعادة!! . . تنازلي شوي الجوهرة بإختناق : طيب وهو؟ ليه ما يتنازل؟ ليه دايم أنا اللي لازم اتنازل!!! .. حصة : وهو بيتنازل! أحلف بالله أنه سلطان معاك شخص ثاني!!! بس فكري! ليه هالإستعجال الجوهرة بقهر تجهش بدموعها: وتبيني أكلمه وأقوله أنا ماأبي الطلاق! . . مو انا كرامتي منمسحة من تزوجته!! . . حطي نفسك مكاني! ترضين؟ .. هو ثارت شياطينه على كفّ إنمد لِك وأنا طيب؟ . . ولا أنا لي معاملة خاصة! حصة تقف لتجلس بجانبها، عانقتها لتهمس: والله مو قصدي أنك تهينين نفسك عشانه! . . بس لو قلتي له عن حملك وش بتخسرين؟ ممكن تنحل أمور كثيرة الجوهرة : ليه أجبره يعيش معاي! ليه أرمي نفسه عليه بحجة الحمل! . . هو ماراح يتعلق فيني بيتعلق عشان هالطفل! وأنا مقدر اتحمل أني اكون على الهامش دايم!!!! حصة بضيق متوسِل: طيب لاتروحين اليوم! أجلسي بس اليوم لين يرجع وأكلمه الجوهرة تُخفض نظرها لتسقط دمعتها الناعمة على خدِها: كلكم تقولون أجلسي وحاولوا تلقون حل! . . بس ما فكرتوا وش كثر أعاني! وش كثر موجوعة منه حصَة: لأن الطلاق مو سهل! . . أنا عارفة أنكم تبون بعض بس تكابرون! . . وش تفيدكم هالمكابرة؟ الجوهرة: تفيدني أني أكسب نفسي اللي محاها سلطان حصة: تبالغين يالجوهرة! سلطان حتى لو قسى تلقينه يتوجع أكثر منك الجوهرة: مو قلتِ أنه شخص ثاني معاي؟ هالشخص الثاني لمَّا يقسى ما يرحم! حصة: يعني مافيه أمل؟ الجوهرة تحشرجت صوتها بالبكاء: مافيه . . وقفت . . ما أبغى أتأخر على أبوي . . أرسلي له مسج لأنه هو بعد ما قصّر وكسر جوالي! حصة : شايلة عليه كثير! الجوهرة إختناقٍ يسحبُ صوتها تدريجيًا: وكثيير شوية فيه! . . خرجت لتتجه للأعلى، أبلغت عائشة بأن تُنزل أغراضها، إتجهت نحو الدولاب لتأخذ عباءتها، ضجَّ أنفها برائحة عطره، أخذت نفس عميق لتُغمض عينيْه برائحته المُسكرة لكل خليـة في جسدِها، و كُل ما حاولت الغياب كان عطرك طريق العودة. ، بغضبٍ مجنون يلكمه على فكِّه حتى نزف، شدَّهُ من ياقته ليقربه منه: حتى الحمير تكرم عنكم تراجع للخلف بخُطى هائجة ليُشير إليه بالسبابة غاضبًا ويصل غضبه لأقصى مدى: واحد!! شخص واحد قدر يدخل بيتي وفيه مليون كلب!! . . قوم أنقلع عن وجهي لا أثوِّر فيك الحين . . إلتفت لحمد: الكلاب يحجزون أقرب طيارة ويجوني هنا! ويخلون كلاب ثانين مثلهم يحرسون البيت حمد بلع ريقه : أبشر رائد: واللي يشوف وجهك تجيه البشاير! . . عاد لمكتبه وهو يشتعلُ بداخله من فكرة دخول سلطان لبيته، يشعرُ بأن أعصابه تتفكك، عصبٌ عَصب. بحنق مسك هاتفه ليتصل على فارس، استغرق ثواني طويلة حتى أتاه صوته الناعس: ألو رائد بعصبية: نايم يا روح أمك!!! فارس بضيق أستعدل بجلسته: وش فيه بعد؟ رائد: تجيني الحين ولا أقسم بالله . . فارس يُقاطعه : بدون حلف! . . راح أجيك رائد : وجيب الكلبة الثانية معك فارس بعصبية : لها إسم! رائد : شف فارس! أنا اليوم ممكن أرتكب جريمة فلا تخليها عليك فارس: عبير ماراح تجي رائد: لا تحدِّني أقهرك فارس: وش تبي فيها؟ . . تبيني أخليها مع كلابِك! . . رائد زفر أنفاسه الغاضبة: قلت جيبها ما أبي أكرر كلامي! فارس بإصرار: لا رائد : طيب أنا أعرف كيف أجيبك أنت وياها بنفسي!!! فارس بقهر: كل شي عندك بالغصب!!! . . تبيني أجيك أبشر لكن أني أجيبها معي لا وألف لا رائد: طيب يا ولد الكلب! . . تعال الحين فارس إبتسم بين كومة غضبه: مسافة الطريق . . . وأغلقه. تنهَّد ليلتفت إليْها نائمة بهدوء على الأريكة، اقترب منها ليأخذ الفراش ويُغطيها جيدًا، أغلق الشبابيك التي ينساب منها بردٌ قارس في فترةٍ من السنـة تنخفضُ بها درجة الحرارة بصورة هائلة. إتجه نحو الحمام ليغتسل، أستغرق دقائقـه القصيرة ليخرج ويأخذ جاكيته، لفّ " سكارفـه " الرمادي حول رقبته، ليميلُ إتجاهه نحوها، وقف للحظاتٍ طويلة أمامها لتتسع إبتسامته على حركتها الخفيفة، مغرية للتأمل. فتحت عينيْها عليه لتأخذ شهيق دُون زفير برهبـة، فارس: صباح الخير عبير أخذت نفس عميق لتُردف بخفوت : صباح النور فارس: عندي شغلة ضرورية بخلصها وأجيك . . ماراح أطوّل إن شاء الله عبير استعدلت بجلستها لترفع عينيْها إليه دون أن تعلق بأيّ كلمة. فارس: راح أطلب لك فطور . . وبيجيك غيره لا تفتحين الباب لأحد عبير بضيق: طيب فارس تنهَّـد ليتجه نحو الباب، وضع يدِه على مقبضه ليقف، إلتفت عليها: إذا بتتضايقين من . . قاطعته: تطمّن ماراح أتضايق! . . بصفتي مين أتضايق أصلاً!! فارس شعَر بأن الهواء يتصلَّب في جسدِه، بإتزان نبرته: بصفتك زوجتي!! نظرت إليْه بعينيْن تشتعلان بالغضب. خرج ليُغلق الباب بعصبيـة نازلاً للأسفل. ، يشربُ من كأس الحليب ليُكمل : عاد قمت أقول في نفسي سبحان الله كيف الحريم يتغيرون قبل الزواج وبعد الزواج مهرة وضعت الملعقة على الطبق لتُردف : مو بس الحريم! حتى أنتم تتغيرون يوسف : لا الرجال ما يتغيرون يا عيني! يعني لو مثلا أنا جيتك وقلت لك أقطعي فلانة ماأبيك تسولفين معها! بتروحين وتقطعين عشان سواد عيوني لكن لو أنتِ قلتي لي بسوي نفس الشي؟ أطلقك ولا أقطع عشرة عمر مع واحد من ربعي مُهرة بإنفعال اندفعت: ومين قال أنه الحريم سطحيات لهدرجة؟ لا ياحبيبي محد يقطع عشرة عُمر عشان أحد ثاني! يوسف بضحكة : عشان كلمة حبيبي بوقف برآيك مُهرة زفرت بغضب: والله يوسف! أنت منت طبيعي كله حريم وحريم وحريم! تحسسني أنه الرجال منزلِّين منزهين يوسف: ههههههههههههههههههههههههه هه طيب كيفي هذا رآيي بعد بتناقشيني في رايي! أنا قلت لك أنه الحريم يبيعون الدنيا إذا حبّت لكن الرجال عقلاني مايبيع الدنيا مُهرة بقهر: مالت على عقولكم! تحسسني أنكم مجتمع ملائكي يوسف يُكمل شربه للحليب ليُنزله على الطاولة ويُردف: طيب أنا ماأعمم! يعني عادي رايي على فئة محددة! ولا تقولين لي أنه الحريم عقلانيات عشان ماأهفّك بهالكوب . . يعني مثلا لو أقول المصريين ظريفين! يخي هم صدق ظريفيين بس مو معناته مافيه واحد بينهم سامج! يعني أتكلم عن صفة سائدة . . أنا أشوف البنت إذا حبّت تبيع عُمرها عشان اللي تحبه مُهرة : شف بموضوع أختك ريم! أنا أشوفها عقلانية يوسف بضحكة عميقة يشعرُ بالإنتصار أنه مسك عليها شيء: شفتي! الخبث الأنثوي هذا تشجعينه! وين العقلانية في الموضوع؟ مُهرة إبتسمت : مو خبث أنثوي! هذا ذكاء بطريقة ملتوية يوسف: لأنكم تحبون الطرق الملتوية! أما احنا الرجال ماعندنا يمين ويسار واضحين مُهرة بسخرية : كثّر منها! . . خلصت فطوري وأنت للحين تشرب بنفس الحليب! يوسف: قاعد أتلذذ فيه . . مُهرة بإبتسامة: لو فكرة ريم جاية في بالي ماترددت لحظة أسويها فيك يوسف بضحكة: تبطيييين تعرفين وش يعني تبطيين ما قدرتي تسوينها فيني! لسبب واحد . . أنا حقير بهالمواضيع ما أتعاطف على طول مُهرة رفعت حاجبها: مستحيل ما تتعاطف! . . لاحظت فيك شي .. قلبك رهيِّف وحساس بمُحيط أهلك بس يوسف بجديّة: لأن بالنسبة لي عايلتي هي أنا! يعني إحترامي لها هو إحترامي لنفسي! وحُبي لها هو حب لنفسي، وحياتي قايمة على أساسها . . مُهرة بإبتسامة واسعة: دُرر ماشاء الله تبارك الرحمن يوسف: تطنّزي عليّ بعد . . لا أكبّ ذا الحليب في وجهك مُهرة بضحكة: عطني إياه منت مخلصه اليوم يوسف يمدّه إليها لتشرب من نفس جهته، شربته كله لتدخل والدته على وقع ضحكاتهم: الله يديمها من ضحكات يوسف: اللهم آمين . . قربي مُهرة بتوتر: وش بتسوي؟ يوسف يسحب كرسيْه إليها ليمسح بطرفِ أصبعه بقايا الحليب على طرفِ شفتها. مُهرة اشتعلت حرارتها لتكتسي ملامحها الحُمرة أمام والدته، بلعت ريقها لتُشتت نظراتها بعيدًا وسط إبتسامات يوسف العريضة. وقف : يالله أنا رايح . . تآمرين على شي يمه؟ والدته : سلامتك يوسف: الله يسلمك . . رمق مُهرة بنظرة ذات معنى عميق ليتبعها بضحكة خافتة. ، بدأ يضرب بطرف القلب على الطاولة بتوتر، أربك كل من حوله بصوت القلم، تنهَّـد لينظر للمصعد الذي انفتح. مدّ يده ليأخذ الملف بعُقدة حاجبيه المزاجية هذا اليوم التي أتت في وقتٍ يجب أن يقتنع كل من يعمل هنا أن هناك خلاف بينه وبين عبدالرحمن : بوسعود جا ؟ : لا سلطان بقي لثواني طويلة واقفًا، هذا الهدوء يُربكهم. تحرك بإتجاه مكتبه ليعود بخطواته للخلف وينظر للمكتب الخاوي: مين هنا؟ أحمد بلع ريقه: طالِبْ . . بيجي الحين سلطان : الساعة كم؟ قربت تجي 10 والسيّد ما بعد داوم أحمد : يمكن زحمة وكـ سلطان بعصبية تسلط مزاجه عليهم : بس يجي حضرته يجيني . . عشان أوريه الزحمة صح! سمع صوت ضحكات قادمة من إحدى الغرف المنزويـة وأحمد من خلفه تعابير وجهه كافية لتُوصل مزاجية سلطان هذه اللحظة، دخل لتستعدل جلساتهم ويقفون. سلطان رمى الملف على المكتب الذي أمامه: هالملف ناقص! بتروحون حضرتكم للأرشيف تكملون القضايا اللي ناقصة بدل طق حنك : أبشر سلطان خرج وهو يفتح أول ازارير قميصه ومن خلفه أحمد كظله : طال عُمرك ماراح تشوف الملفات الجديدة؟ سلطان بتنهيدة: أستغفر الله . . خلهم على مكتبي . . . . . فيه تدريب اليوم؟ أحمد: لا بعد ساعة التدريب الصباحي! سلطان: كويس . . إذا جاء بو سعود نادني . . . نزل للأسفل خارجًا لساحة التدريب، لا شيء يُفرغ به غضبه سوى هذا التدريب القاسي. سحب الحبل المتين ليربط حزامه حول خصره، تذكر هاتفه الذي في جيبه ليخرجه، أهتز بيدِه ليُجيب دون أن ينظر الإسم إثر أشعة الشمس : ألو . . . وشو!!!!!!!! ، لفّ " السكارف " حول رقبته ليأخذ المفتاح من بين يديّ نايف: مشوار صغير وراجع إن شاء الله . . أنتبه للبيت . . إتجه للخلف ليطرق الباب، ثواني قليلة حتى خرجت رتيل. عبدالعزيز بجمُودِ ملامحه التي لا تُفهم : ألبسي حجابك وتعالي معايْ رتيل بإستغراب: وين؟ عبدالعزيز بحدّة : ماني رايق لأسئلة كثيرة . . رتيل عقدت حاجبيْها : وش فيك؟ صاير شي! عبدالعزيز يسحبها من ذراعها ليُردف بغضب شديد: روحي جيبي حجابك وتعالي! مو معقولة بعيد الكلام كل شوي!!! رتيل بلعت ريقها بربكة: طيب . . . دخلت دُون أن تنطق كلمة واحِدة من الدهشة، أخذت حجابها ومعطفها لتُردف: بروح مع عبدالعزيز شوي واجي . . ضي المنشغلة بإيجاد شبكة لهاتفها: طيب . . رتيل تنهدَّت لتخرج معه، مسكها من يدها ليضغط عليها بلا وعيٍ منه، بصوتٍ مخنوق: توجع إيدي!! أرخى قبضته ليُركبها السيارة بجانبه، سَار بسُرعةٍ جنونيـة وهو يُخرج للطريق السريع. رتيل ربطت حزام الأمان ولا تتجرأ أن تسأله سؤال آخر، قلبها يندفع بشدَّة الخوف الذي يسيلُ بدماءها. عبدالعزيز خفف السرعة ليُردف: الشخص لما يضحي بأشياء كثيرة عشان مبادئه وأخلاقه . . وش يستفيد؟ رتيل بضيق : عبدالعزيز وش فيك! خوفتني!!! عبدالعزيز بعصبية : ما يستفيد شي! بس اللي يكسب نفسه ويضحي بمبادئه وكل هالأشياء؟ بيستفيد كثيير رتيل بتوتر : مو فاهمة شي عبدالعزيز : مو لازم تفهمين! . . لأن أنا جاء وقت قالوا لي فيها مو لازم تفهم الحين يا عبدالعزيز! بغضب يُعلي نبرته ويزيد من سرعته : مو لازم تفهم أشياء صارت بحياتك! لأن حياتك ماعادت لك . . . وبتهديدٍ صريح . . بس والله العظيم يا رتيل أنه . . . . . أنتهى |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة () رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء (72) المدخل لـ حسن المرواني + ضروري تقرأون القصيدة كاملة من أجمل القصائد اللي ممكن تقرأونها، هذا مقتطف منها. خانتكِ عيناكِ في زيفٍ و في كذبٍ؟ أم غرك البهرج الخداع ..مولاتي؟ توغلي يا رماحَ الحقدِ في جسدي ومزقي ما تبقى من حشاشاتي فراشةٌ جئتُ ألقي كحل أجنحتي لديك فأحترقت ظلماً جناحاتي أصيح والسيف مزروع بخاصرتي والغدر حطم امالي العريضاتِ هل ينمحي طيفك السحري من خلدي؟ و هل ستشرق عن صبح وجناتي؟ ها أنت ايضا كيف السبيل الى أهلي؟ ودونهم قفر المفازات كتبت في كوكب المريخ لافتةً أشكو بها الطائر المحزون اهاتي وأنت أيضا ألا تبتْ يداكِ اذا اثرت قتلي واستعذبت أناتي من لي بحذف اسمك الشفاف من لغتي إذا ستمسي بلا ليلى حكاياتي عبدالعزيز : مو لازم تفهمين! . . لأن أنا جاء وقت قالوا لي فيها مو لازم تفهم الحين يا عبدالعزيز! بغضب يُعلي نبرته ويزيد من سرعته : مو لازم تفهم أشياء صارت بحياتك! لأن حياتك ماعادت لك . . . وبتهديدٍ صريح . . بس والله العظيم يا رتيل راح أحرق كل قلب نحرني . . ذبحني ونام ليله مرتاح. رتيل إرتجفت شفتيْها : تقصد مين؟ عبدالعزيز: مين! . . أسألي اللي حولك! كيف يعذبُّون الروح قبل ينحرونها! رتيل أجهشت عينيْها بالبكاء، سلاسلٌ من الدموع تتساقط على وجنتيْها : لا تسوي فيني كذا ! عبدالعزيز بغضب يتحشرجُ به صوته: مين أنتِ! وش اللي بيوقفني؟ رتيل بصراخ ألتفتت عليه بكامل جسدها: أنا بوقفك! . . أنا وقلبك!! عبدالعزيز يضغط على دواسـة البنزين بقوَّة ليُردف: ما سألت الله عن قلبك . . أقصد قلبي ضاقت حنجرتها بنتوءاتِ الحُب، لا تفعل هذا يا عزيز! أرجُوك، من أجل الله، الحُب، الرسائل الغاضبة التي تُخفي شغب قلبي، الليالي الساهرة على ظلال عينِك، من أجلنا لا تفعلها! تخلصتُ من حياتي السابقة، من طيش الصبَا لأجلك، مشيتُ بإستقامة ناحية قلبك، نظرتُ إلى عينيْك حتى أضاء العالم بعيني، كنت الأمل الذي سلكته بكامل إتزانِي، تجاهلت الريح المُرسلـة بمرارة الحزن/الضيق، تجاهلتُ الكلمات العابسَة التي إتكأت على شفتيْك، تجاهلت عُقدة حاجبيّ الحياة بوجهي، تجاهلتُ كل شيء بما فيها قيَم الكرامة التي كُتبت في حياة كل عربي، تجاهلت كل هذا من أجلِنا، لا تخذل هذا الحُب! لا تخذله بإلتفاتة النهايـة وأنا التي صممتُ عن الماضِي/الذاكرة التي تحفظ أسوأ ما بيننا، ويا حُزني لو أسأت الطريق ولم ألتقيك بالنهايـة! أنتظرتُك كثيرًا وأتى صوتُك قاسيًا، أتى على هيئة جملة قاطِعة ناعمة " أنتبهي ليْ " منذُ يومها وقلبك يكبر وينمو فيّ كبساتين كثيفة، تساقطت أوراقي كثيرًا ولكن هُناك قطعة من الربيع صامدة مازالت تنمُو، مازالت يا عزيز! أرجُوك يا حبيبي لا تأخذ من حياتي حياتِك. : ما تسويها فيني! مستحيل تسويها . . أكذّب عيوني وسمعي وكل كلامك . . بس ما أكذّب قلبي وقلبك. عبدالعزيز أغمض عينيْه بشدَّة ليمنع إنهيار ضلال أهدابـه من الذبول أكثر والتساقط، أوقف السيارة فجأة ليضع رأسه على مقوِّد السيارة، ساعدني يالله! تساقطت الحياة من على كفِّي، كخريفٍ أستعذب قوافل بدُو أرادوا من الأشجار ظلال، كربيعٍ لامس الوجنات زيفـًا و ما ظننا يومًا أن الزهر يخدع ويعصرُ في المحاجر ملحٌ من الدمعات، يا الماضيات الجاريَات على خاصِرة الحُب إننا ننحدرُ من قبيلة سمرَاء غِناها الشمس وبحرُها الصحراء، إننا ننحدرُ من جلدِ أسمر إن عشِق الفردُ منهم " مات بحُبه ". أوجعتني يالله معضلاتِ الحياة إن تشكلت على هيئة سمرَاء بذخُها عالٍ! كيف عن السمراء أغمُض وأتجاوز؟ عن رتيل يالله! إنها عذابٌ لذيذ، لم تستطع أن تكُون شيئًا ناعمًا يعبرنِي دُون أن تحتّد أطرافه وتؤلمني، دائِمًا ما كانت الوجَع الذي أحب، والحزن الذي أريد. ومازالت! مهما حاولت أن تبتسمُ فيّ وتحبسُ الضحكات أسفل جلدِي، مازالت هي الوجَع وستبقى لذته في فمِي للأبد. أنا على إستعداد تام بالخسارة، بخسارتك يا حبيبتي. و ليبقى حزني عليكِ سلامٌ من الحيَاة ورحمة. رتيل : أبوي؟ صح؟ عبدالعزيز دُون أن يرفع رأسه : وش تفهمين عن العايلة؟ عن الأهل؟ . . وش تفهمين؟ رفع رأسه ليصرخ بوجهها الشاحب : ماتفهمين شي! . . ماتفهمين وش كثر أنا موجوع !! رتيل بصوتٍ خافت يقرأ السكينة ببكاء ناسك : متى فقدتهم؟ فقدتهم وأنت رجَّال قادر تعتمد فيه على نفسك؟ بس أنا فقدت أمي بوقت ما كنت أعرف وش يعني الموت؟ وش يعني النهاية؟ إذا أنت خسرت أنا خسرت من عمري سنين! كنت أعيد فيها دراستي مو لأني فاشلة ! لأني ما عرفت أكبر بدون أمي! . . ما عرفت كيف يعني الخلاص! يعني البُعد! . . كل اللي بعمري تخرجوا وتوظفوا! وممكن تزوجوا وجابوا عيال! . . بس أنا وش سويت؟ . . ولا شي في حياتي يستحق الذكر . . اللي متضايق منه ومعصّب ولا اعرف أيش سببك هو أبوي وأمي وأخوي وصديقي وحبيبي! . . هذا أبوي ياعبدالعزيز كيف تحرق قلبي كذا؟ . . ما ترحم! عُمرك ماراح ترحم قلب غنَاه أنت! عبدالعزيز بضيق خنق قلبها : مالله خلق فيني الرحمة الكافية عشان أشفق على أحد! رتيل بغضب أعتلى به صوتها : ما أطلب شفقتك! أنا أطلب نفسي اللي معك!!! عبدالعزيز بخفُوت يستدرجها : قوليها! . . قوليها رتيل أشاحت وجهها للنافذة وهي تغرق ببكاءٍ لا ينتهي، وضعت يدَها على شفتيْها حتى تحبسُ أنينها، كل شيء حولها يرتجف ويفقد إتزانه، ما عادت الأرض تتزن لأقدامها الذابلة بوقعِ الحُب، مُصابة بك! بلعنة الحب. وصلت لمرحلة لا أقدر على تجاوزك يا عزيز. عبدالعزيز بعينيْه المحمّرة بغضبٍ هائج يعقدُ حاجبيْه: قوليها . . ما تقدرين! لأن فيه حولك ناس تحبك! فيه ناس تنتظرك! فيه ناس راح تتصل عليك إذا فقدتك! فيه ناس كثييير إسمك حيّ في ذاكرتهم لكن أنا؟ شايفة الفرق الكبير اللي بيني وبينك! بقولها لك وأعتبريها . . . رتيل نظرت إليْه بعينيْها الممتلئتين بالبكاء المالح، ثبتت يدها على فخذِها الأيسر وهي تغرز أظافرها بعُمق الحزن المتصبب في قلبها: أعتبره أيش؟ أعتبره فمان الله بقاموسك!! .. ولا مرّة كنت صريح وقلتها بوضوح! عبدالعزيز يفتح الباب ليخرج، يستشنق الهواء الطرِي والمطر يندلعُ في جوف السماء، أبتعد بخطواتِـه ناحيـة البساتين الخضراء على جانب الطريق، شدّت على معطفها لتنزل، وقفت وهي تسند جسدها على السيارة، تنظر إليْه والمياه العذبـة تُبللها، تركت رجفـة السماء المتسللة نحو أطرافها لتتجمّد عينيْه ناحيـته، إلتفت عليها ليُردف بصوتٍ عالٍ : كلنا نخاف لأننا نحب! نخاف من شيء ممكن يكون بسيط ما يستحق الخوف! لكن لازم نخاف! . . ودايم هالخوف يلوي ذراعي ولساني بعد! لكن هالمرّة أنا على إستعداد تام بأني أقولها في وجهك بدون ما أحط أيّ إعتبارات قبلها . . أقترب بخُطاه نحوها، أصطدمت أقدامه بأقدامها، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدَّها نحوه تحت رجفـة المطر الذي يُبللهما: فمان الله يا رتيل . . تيبَّس ريقي، إنني مملوءة بالنتوءات والعثرات التي تسدُّ صوتي، راهنت عليك كثيرًا، حاولت أن أتخلص من وسواس عقلي ناحيتك – إن وجد بي عقلاً – حاولت كثيرًا ولكنني أخسَر بطريقةٍ فضائحية لقلبي الذي ينتحي بشمسِ عينيْك كإنتحاءٍ ضوئي/عاطفي. لِمَ يا عزيز؟ في جوفي يسعر السؤال ولا يخمد. لِمَ تفعل بيْ كل هذا؟ كيف تقولها ببسالة وأنا يتحشرج صوتِي بـ " وداعًا " ويئن؟ كيف تقولها وأنا أبكِيك بإلتقاء مطريْن أحدهُما أشدُ مرارة، أحدهُما يسكنُ فيّ لأيامٍ طويلة ولا ينقضي! كيف تقولها وأنا أصمدُ/ أعيش من اجلك، كيف تقولها وأنا سلمتُك قلبي؟ يُكمل بصوتٍ قاس يفضُّ عذوبـةِ المطر : بس ماراح أتركك! بتسأليني ليه؟ . . . كِذا . . جربي حياة التعليق! أنك توقفين بالنص ما تقدرين تتقدمين بحياتِك خطوة ولا تقدرين ترجعين! جربِّي وخلِّي عُمرك يضيع مو عشانِك صاحبة قرار وفشلتي بقرارك! عشانك حبيبة شخص تنازل عنك. رتيل بعينيْها المصوبتيْن بلذاعة الدمع: حبيبة شخص؟ . . تعترف بحُبك في وقت تتنازل فيه عني؟ ببكاءٍ يختلط بالمطر أكملت : منك لله يا عبدالعزيز . . منك لله. عبدالعزيز رفع عيناه للسماء المتكحلة بغيمٍ مُبارك : لأني ما عدت أخاف، واللي ما يخاف ما يحب. رتيل أغمضت عينيْها بكثافة الدمع الجارِي على خدِّها: يطاوعك قلبك؟ عبدالعزيز: عشان أكون أكثر دقة بكلامي . . مو عشانك حبيبة شخص تنازل عنك بس! أنتِ حبيبة شخص تنازل عن نفسه وقلبه. رتيل بغضب البكاء الهائج في دماءها : أنت تعرف وش يعني أبكِيك وأنت هنا قدامي؟ عبدالعزيز بأنفاسه التي تختلط بأنفاسها، بالقُرب الشديد لشفتيْها المرتجفتيْن، بالمطر الذي يُشاركهما الحزن العميق : أعرف وش يعني أبكِي على شخص يشاركني الأرض والسمَا! رتيل : وأنا؟ عبدالعزيز: أحتاج أموت، عشان تغفر هالناس أخطائي، دايم الأموات نوقف بصفّهم حتى لو أوجعونا. دايم الأموات ما يجي ذكرهم إلا حسَن! رتيل: أحتاج أعيش بنيـة الخلاص! عبدالعزيز: جربِّي تعيشين مثل أيّ شخص وحيد سطحي ما يملك أدنى بديهيات الحياة رتيل تحرقه بالكلمات المتشابكة بين حبالها الصوتيـة: جرَّبت، كنت الناس في عيني و كان الغياب إحتضار جَمعهُم، ما أملك بديهيات الحياة يا عبدالعزيز! لو أملك ما وقفت قدامك دقيقة!! . . عبدالعزيز سحب يدِه من خلف ظهرها، نظر إليْها بنُور عينيْه الطيبة الحزينة الثائرة المُسعِرة، بسؤالٍ يستثيرُ قلبها : فقيرة؟ رتيل بإصرار : غنايْ أنت عبدالعزيز: أحيانًا أحسّك مخلوقة من وجَع! في حياتي كلها ماشفت إنسانة تجمع كل هالتناقضات! ما شفت إنسانة بالحُب تحرق اللي تحبه وتبكِي عليه! رتيل بلعت ريقها المترسب في حنجرتها : ما شفت إنسانة تحبك بكل تناقضاتك؟ عبدالعزيز: أنتِ رتيل تضرب صدره بكفيّها ليبتعد وهي تنظر للطريق ببكاءٍ رتيلهُ " نايْ " : سَادي يا عزيز ما عرفت تكون أعمق من كذا! عبدالعزيز من خلفها وظهرها يُلاصق صدره: إلا عرفت! . . وش نسوي يا رتيل؟ حياتنا ما عادت لنا! إحنا فقارى اللقا كان غنانا بالفراق!! شايفة وش كثر إحنا مترفين؟ قدرنا حتى نقول مع السلامة لبعض . . كم شخص في العالم يودِّع صاحبه بدون ما يقدر ينطق كلمة! إحنا قدرنا بس ما قدرنا نقول . . . رتيل ببحّة الوجع تنظرُ لشفتيْه المؤذيـة : ما تقدر! ما تقدر تتنازل وتقولها! . . عبدالعزيز بحشرجة قلبه : ان عذَابها كان غرامَا . . وأنتِ عذابي يا رتيل. إلا الآيات القرآنية! هي أشدُ من يوقعني بحزنٍ لا ينضب، هي أكثرُ الكلمات صدقًا وأكثرها بكاءً. موجع يا عزيز حتى في إستخدامك للآيات، موجع في خُذلانك ليْ، في محاولاتك السيئة بالتصالح مع ذاتِك، مُوجع في إتصالك معي كخطٍ موازٍ لا نلتقِي أبدًا ولا نتقاطع معًا أبدًا ولكن نستطيل بمسافاتٍ لا منتهية. ويستمر حالنا بهذه الصورة المُذلّة! كم يلزمني أن أغني من حناجر الشعراء حتى أخففّ وطأة الحزن في صدرِي، كم يلزمني أن أعالج نفسي مِنك بقصيدة ناعمة تربتُ على كتفي كُلما ساء بكائي، كم يلزمني من قولٍ يُشبه " ليت الذي بيني وبينك عامر و بيني وبين العالمين خراب " حتى أخفف لوعـة قلبي! عبدالعزيز بهمس : ولا شيء من أحلامي تحقق! . . وأنا ما عرفت أعيش بدون احلام! . . وتعرفين وش خطورة انه الشخص يعيش بدون أحلام؟ هذا يعني أنه راح يتطرف على قواعد الحياة مثل كل طُغاة ومخربين العالم!!! رتيل : تقولي هالكلام عشان تعذبني! . . كيف أكرهك؟ أسألك بالله كيف أكرهك؟ عبدالعزيز يشدَّها من الخلف ليُحيط خصرها بذراعيْه، شعرَت بأن يدِه تنحفر في بطنها : كيف نغيّر القدر؟ حاولنا في كل الأسباب لكن ما قدرنا! . . رتيل: وش هي خياراتِك من القدر؟ عبدالعزيز : الموت. رتيل ببحة الغضب: حقير! عبدالعزيز: أحيانًا كنت أقول في نفسي لازم نوقِّف هالحب! لازم نحط نقطة ما بعدها حياة، وأسهل الطرق أني أكرِّهك فيني بس ما تصرفت بأيّ طريقة و نيتي أنك تكرهيني! رتيل شعرت بشحناتٍ في عينيْها من حزنها الصاعق: وش كانت نيتـك؟ عبدالعزيز : اللهم بعد الشهادة والتوحيد إني أحبك. رتيل أصطدم فكيّها بصريرٍ مؤذي، أخفضت رأسها لتنهار تمامًا ببكاءٍ لا ينضب، أنتظرتُها كثيرًا!! يالله ساعدني! لا قوّة لديْ لأحتمل هذا الحُب، مدَّني برحمةٍ منك ولطف، كيف يأتِ الوجع صاخبٌ على هيئة رجلٍ محَى الرجال من بعدِه، كيف يأتِ الحزن عميقًا كعينيّه؟ كيف يجيء الحُب أسمر الملامح لا يلقى من السعادة سوَى " أحبك ". عبدالعزيز : أنا إنسان أتعايش مع الحزن أكثر من الفرح! . . رتيل من بين دمعاتها : ولا جاء في بالي أنه مسألة تركِك ليْ تكون بهالطريقة! . . عبدالعزيز : ولا جاء في بالي يوم أني أرمي المبادىء والاخلاق وأكون شخص عدواني بهالطريقة! . . حطي في بالك هالشي! مثل ما تُدين تدان، ماراح أطلقك ولا راح أكمل معك، بنكون تحت سقف واحد عشان أبوك! عشان يحترق قلبه مثل ما حرقني. تصوّري كيف بتمّر سنة كاملة وأنتِ تحسين بالوجود واللاوجود؟ تصوّري كيف ممكن تعيشين مع ظلِك بالرغم من وجودي! تصوّري وش كثر ممكن أأذيك! ولا تتصورين أنه فكرة أني أأذيك مسألة تتعلق بأبوك بس! أنا ودِّي أحترق معك، . . خلينا نموت بطريقة درامية أحسن صح؟ إبتسم لها ليُكمل بعصبيَة شدّت حباله الصوتيـة: أفعال الحياة الدرامية مجبورين عليها! رتيل : تحاول تستفزني! ألاعيبك القديمة ما عادت تفيد! عبدالعزيز : ما أحاول أستفزك! أحاول أقولك الحقيقة بطريقة لطيفة! . . وأحلف لك بعظمة الله أن الكل راح يندم! رتيل تحاول أن تفكك يدِه التي تحاصر جسدِها، صرخت: أتركني!! عبدالعزيز شدَّها بغضبٍ كبير: أكرهيني! سبِّيني! ادعي عليّ! سوِّي اللي تبينه ما فرقت معي، أنا قادر بمزاجي أأسس لي حياة ثانية وما ألتفت لك! بس هالحياة الثانية أنا أبيك تذوقين وجعها رتيل فهمت مقصدِه بمرارة هائلة : حياة ثانية؟؟ . . تبي تستلذ بعذابي بعدها تتركني! . . . . أثبت لي أنك تخليت عن مبادئك!! عبدالعزيز يتحدثُ بلهيبٍ بالقرب من إذنها : تخليت عن عبدالعزيز نفسَه وصفاته القديمة . . راح أبقى عثرة في حياتِك! مستحيل تتجاوزينها ومستحيل تتجاهلينها! أدفعي ثمن حزني لعُمرك كله رتيل بصراخ : أتركننننننننني عبدالعزيز بصوتِه المنتشي بالحمم: كذبوا عليك؟ قالوا لك أنه أمك ما ماتت! . . ما كذبوا! كانوا أصدق ناس للي يحبونهم لكن كانوا أحقر ناس للي حاولوا يحبونهم! . . تذكرين يوم قلت لك أثير ماهي وسيلة! وأني لو أبي أأذيك أقدر أأذيك بدون أثير! وأثير في قلبي أكبر من هالرخص!! . . تذكرين؟ . . هالكلام نفسه أعتبريني أقوله لك اليوم! رتيل: تبيها؟ تبي تروح لها؟ . . يارب ارحمني . . عبدالعزيز: لو ماأبيها ما تزوجتها! . . الفرق بين الحين وقبَل، قبل كنت أحس بضميري عليك! لكن الحين أحس تستحقين كل شيء يصير! رتيل بإستفزاز غاضب: ما تقدر تكون قاسي! ما تقدر! عبدالعزيز يؤلمها من بطنها الذي يغرز أصابعه به : كان ممكن أبداها معك بهالكلام وتنقهرين وممكن حتى ماتبكين وبسهل عليك موضوع النسيان والتناسي! لكن أبيك تحسين بفقدك لنفسك! . . شايفة كيف قدرت أخليك تتعلقين فيني بدقايق؟ وشايفة كيف قدرت أضحي فيك بثانية؟ . . قبل شهور كان في بالك أنك رخيصَة ليْ! والحين أنا أعرف إحساسك . . إني أعترف لك بأنك ماراح تكونين في حياتي شي ولا حتى على الهامش! بس أخليك معلقة!! في النهاية لازم الكل يدفع ثمن أخطاءه أنا ماني ملاك أغفر وأسامح بسهولة! . . رتيل ارتخى جسدِها بقبضتِه المنتشية بنيرَان غضبه، عاد لكلماته الجارحـة لكل جزء في قلبي ولكل زاويـة في جسدِي، عاد لكلماته السيئة الغاضبة، عاد لحزنـه الملتوِي كأفعى تخنق كل خليَة فيّ، عاد لعزيز الذي عرفتهُ أول مرَّة، مؤذي أن أشعر بإندفاع عاطفتي نحوِك في وقتٍ كنت تستدرجني به! كم لزمِك من الخبث حتى تُفكر بهذه الصورة الحادّة! كم لزِمك من اللاشعُور حتى تقتلني هكذا! . . أكرهك جدًا بقدر ما أنا أكذبُ بها، يالله أنزعه من قلبي المنمَّش به. عبدالعزيز يُبعد يديْه ليفتح باب السيارة: هالطريق بحّ!!! رتيل شدَّت على شفتِها السفليَة المبللة : أهنتني كثير! بس مثل هالإهانة . . متأكدة ما راح أشوف! عبدالعزيز بخفُوت : الشكوى لله . . رتيل بغضبها الثائر : تحسب أنك انتقمت لنفسك! وأنك رجَّال وأنك قدرت تجرحني! . . أرضيت نفسك بأني أعترفت لك! وأرضيتني مؤقتًا بأنك أعترفت ليْ! عشان تقلب كل شي عليّ . . حقير وماجبت شي جديد . . . عبدالعزيز بإبتسامة تُخفي هيجان وبراكين: يشرفني هالشي دامه بيسعدني بالنهاية! ، ، خلخل أصابعه بحبال الحزام المرتبط بخصره ويدِه على هاتفه الذي يهيجُ بأنفاسه المضطربـة : كيف؟ . . : هالكلام وصلني الساعة 7 الصباح! . . أظن سليمان راح يضّر فارس بدون شك! . . لكن المشكلة هو أنت! سلطان توترت أصابعه ليترك الحزام دُون أن يحاول فتحه : الحيّ مراقب! أنا اهم شي عندي بيتي!! : كثفنا جهودنا الأمنيـة، لكن بالنهاية . . انت عارف الحال! سبق ودخلوا البيت وكسروه سلطان شحب لونـه بفوران دماءه : لو صار شي لأهلي ماراح يحصل لأحد طيِّب! مفهوم؟ : مفهوم طال عمرك لكن احنا سوينا اللي علينا! وش ودِّك نسوي أكثر وإحنا مستعدين؟ سلطان : ما شفتوا أثر أحد لما أحترقت المزرعة؟ : لا . . بس الجانب الخلفي اللي احترق ولا أحد من العمَّال شاف شي! سلطان تنهَّد بهواءٍ يضيقُ بإنحداراتِه في جوفه : طيب . . بس يصير شي ثاني بلغني! : أبشر . . أغلقه ليسقط الهاتف من يدِه بحركة الحبال التي أنسحبت للخلف، جرّه الحبل لإرتطام رأسه بعامودِ قاسٍ حارق، أخفض رأسه ليتقيأ الدماء، شعر أنه يغيب كليًا عن العالم الذي حوله. لا عينايّ ترى الإنعاكسات بإتجاهٍ سليم ولا أنا أرى شيئًا بمكانه الصحيح، أختنق يالله بغصاتٍ متكاثرة على حافـة قلبي، لا تترك ليْ فرصة المرور سهلة ولا تترك لي فرصة الرجوع سهلة، إني عالق! . . " ثارت دماءه لتعتلي الحُمرة عينيْـه، حاول أن يفتح الحزام ولا جدوى، أختنق وهو يشتدُ اكثر حول بطنه حتى شعر بغثيانٍ مؤلم والدماء تنزفُ بعمق من رأسه، حاول أن ينادي، أن يصرخ ولكن بلع صوتـُه بحُرقة الدماء الثائرة، طريقـة وحدة بأن يفتح الحبل الاول ولحظتها سيصعد به للاعلى وفرصة أن يرتطم بإحدى الأبراج الشاهقـة كبيرة " كانوا كثير يالله الذين فقدُوا حياتهم بهذه الصورة المفجعة، لا تجعلني منهم! يا رب . . يارب . . يارب أسألك ثلاثًا. تقيأ مرةً أخرى وهو يضع يدِه المرتخية على الحبل، كل شيء يخذله حتى قوتـه. ثانيـة، لحظة ولحظتيْن، عدّ في داخله وهو يُدرك تمامًا لو فقد وعيْه الآن سيذهب لموتٍ شنيع ويفقد قدرته على التحكم بالحبال المرتبطة به. مرّت في باله بصورة موجعة، مرّت بملامحها الباذخة، بكلماتها الناعمة، بربكـةِ شفتيْها وحُمرة خجلها، مرَّت بصوتِها النَدِي، مرَّت بألم. فاتنـا أن نعيش! أن نُخيط لنـا من الأرض قطعـة من اجلنا، فاتنا أن نحيـا بلا ألم. يا مرورك المرّ في ذاكرتي، ويا حُزني الذي تشي به عينايْ. عاد بخُطاه الذابلة للخلف وهو يحاول أن يسحب الحبل للجهة الأخرى، مسك القطع الحديدية الحادة الخارجة من الحزام، حاول أن يُبعد إحداهما بلا حول ولا قوّة. في جهةٍ أخرى خرج من المصعد متجهًا لأحمد : سلطان جاء ؟ أحمد : إيه وسأل عنك! عبدالرحمن : بمكتبه ؟ أحمد : لآ طلع للساحة! عبدالرحمن عاد بخطواته للمصعد ولكن سُرعان ما أبتعد : بس يخلص تدريب خله يمّرني . . وإتجه نحو مكتبه. سلطان تحت حرارة الشمس التي تغلي دماءه النازفة، يسعلُ ببحة مؤلمة دُون أن يخرج صوتـه، يرى الموت بعينيْن يغيبُ نصفها ونصفها ينظرُ بوجَع. سقطت عيناه للدائرة الكهربائية المكشوفـة، على بُعد خطوات لو يقترب منها سيحترق لا مُحالة. تمرُّ الدقائق وهو يتحامل على وجعه حتى لا يغيب وعيْه. كل الأشياء السيئة التي فعلها تعبره، يشعرُ بأن الموت يُداهمه بصورة فجائية. كل الاشياء تتعلق بالجوهرة وحدها، تصبب عرقـه مُبللا وجهه الذي يختفي اللون منه، الموت الذي نعرفـه جيدًا لا يتعامل معًا بشكلٍ جيّد، سكرَات الموت الذي نسمعها دائِمًا تأتِ أحيانًا على هيئة كلمات. أنا أحتضر وأخشى على شخصٍ واحد. من أعلى وقف أمام النافذة تغرق عينيْه بهذه المملكة الأمنيـة العملاقـة، أنتبه لسلطان، غرقت عيناه حتى شدَّته الدماء، نظر للحبل الملتوي حوله، أدرك أنه يختنق. بخُطى سريعة خرج ليهرول مُفاجئًا الجميع، نزل للأسفل بالسلالم دون أن ينتظر المصعد، ركض إليْه، حاول أن يفك الحزام الذي يحاصره، رفع عينه لسلطان الذي أغمي عليه تمامًا. عبدالرحمن وضع يدِه على عنقه ليستشعر نبضه، بصراخ: سلطااان . . أبعد أنظاره لتأتِ صرخته بعظمة مكانته في صدره، يستجدي أحدٍ يأتِ يُساعده. نظر إليْه برجاءٍ كبير وهو يحاول أن يُبعد الحبال عنه، وجهه لا يُبشر بالخير من الدماء التي لم تتدفق إليْه بعد : سلطااان . . وضع يدِه على رأسه ليُلامس الدماء، نظر بدهشـة لكفِّه من منظر الدماء، بصوتٍ يموت تدريجيًا : لآ يا سلطان! . . لا . . صرخ بقوّة : أطلـــــــــــــبوا الإسعاف! . . خرج بعض الموظفين على صوتِـه لتندهش أعينهم بما يرون، كأنها محاولة إنتحار لا يروْنها إلا بالأفلام السينمائية. عبدالرحمن ويدِه لا تفارق عنقه الشاحب : يارب . . يارب . . وضع يدِه الأخرى المنتشية بدماءه على وجهه دُون أن يهتم بأيّ بلل. أقترب أحمد ليحاول نزع الحبال عنه، بتوتر : كيف متشباكة ؟ عبدالرحمن بربكة عميقة : جيب أيّ شي نقطعه أحمد : مستحيل! الحبال ما تتقطع بسهولة! . . لحظة . . مفروض هالحبل يكون بالجهة الثانية! عبدالرحمن يحاول رفع رأس سلطان الذي بدأ بأكمله هو وجسدِه يذبلان معًا وبغضب : وين الإسعاف!!! أحمد : دقيقتين بالكثير وهم هنا . . بس عشان نلحق . . . . . أتى مسفر المسؤول الآخر عن هذه الساحة : مافيه حل غير نحرق الحبل عشان يرتخي ونفكّه! عبدالرحمن : جيب كبريت ! أحمد وقف أمام جسدِ سلطان حتى لا تتسلل النار إليْه. عبدالرحمن وضع ذراعه بجانب رأسه أيضًا حتى لا تُقارب النار إليْه، أقترب مسفر ليُشعل النار بمنتصف الحبل وسُرعان ما أطفأها، أخرج السكين الحادة من جيبـه ليُقطِّع بها الحبل الليّن بعد الحرق، بمُجرد ما قطّع آخر أوتار الحبل حتى سقط على الأرض، جلس عبدالرحمن على ركبتيْه ليرفع رأسه من الأرض الحارقة : نبضه ينخفض!!! أحمد أنحنى الآخر ليُجري أول ما تعلمه في حياته، شبك كفيّه ببعضهما البعض ليضعها فوق قلبِ سلطان، بقوّة ضغطه حاول أن يُعيد نبضه لإتزانه، حاول مرةً ومرتين وثلاثـة ولا يحصل شيء سوى الدماء التي تخرج من فمِه. عبدالرحمن يشعرُ بأن قلبـه يُقارب على التوقف من منظر سلطان، لا يتحمل فاجعة جديدة! أؤمن والله أن المصائب لا تأتِ فُرادى، يارب يارب يارب أحفظه. أحمد برهبـة : نبضه متوقف!!! عبدالرحمن أشتعلت عيناه بالحُمرة : لا . . أبعد . . وضع رأسه على صدرِه ولا شيء يسمعه! وهذه " اللاشيء " تعني موتٌ لا يصطبر عليـْه. عبدالرحمن بنبرة متحشرجة : وين الإسعاف؟ . . ويننننهم أحمد بتوتر وقف وهو يشعرُ بأن العالم يدُور به، خسارة سلطان تعني خسارة دولة بأكملها، من بعد سلطان العيد و عبدالله القايد و مقرن و الآن ؟ هذا ما لا طاقة لنا به. موتُه مخطط! هذه الحبال المتشابكة ليست صدفة! وربُّ البيت ليست صدفـة، إنما مفتعلة من أحدهم. دقائِق عميقة حتى دخل رجال الإسعاف، وقف عبدالرحمن ملطخًا بدماءه يحاول أن يصدق عكس ما تُشير إليه صورتـه، وضعُوا جسده الذابل على سرير الإسعاف المتحرك وخرجُوا به دون أن يقولوا شيئًا يُطمئننا، إتجه نحو المغاسل ليُغسل يديْه و وجهه، توضأ بثواني ممتدة بتفكيرٍ غائب تمامًا. أحاول أن لا أفكر بأسوأ الأشياء ولكن تأتِ بغتة. خرج متجهًا للغرفة المنزويـة، نزع حذاءه، شعَر بأن قوَّاه تنهار فعليًا ليسجد قبل كل شيء، إلتصق جبينـه على سجادة الصلاة بملامحٍ صبرت عُمرًا وفي أرذل هذا العُمر فقد قوَّاه و صبره، لا يحتمل الموت الذي يحمل نعش الذكريـات على الدوام! لا يحتمل أن تنتهِي حياة أحدٌ بصورة مؤذيـة. سالت دمعته التي تصطدم بالسجادة، يارب الناس والحياة، يارب الموت والنهايات، يارب الأمن والأمان ، يارب قلبـه لا تُرينا به مكروهًا، أعِد له نبضـه وحياته ولا تُحمّلنا فوق طاقتنا بفُقده، يارب أنت تعلم بحاجتنا إليه بعدك، يارب أنت تعلم بوجَع عائلته فلا تتركنا نبكيه، يارب أرزقنا النفس المؤمنـة بقضاءك وقدرك. يارب إنه لا يعجز عنك شيئًا ولا يخيب من سألك. ، دخل مشمئز من الملامح التي يراها، يشتدُ بغضه لهذه الأعين التي تلاحق ظلاله، فتح الباب لينظر لوالده : السلام عليكم رائد بهدُوء دُون أن يرفع عينه : وعليكم السلام فارس تقدّم نحوه لينحني ويقبِّل رأسه : وش صاير ؟ رائد يرفع رأسه ليسند ظهره على الكُرسي : أنت اللي قولي وش صاير ؟ فارس : مافهمت!! رائد يلوي فمِه يمنةً : فارس لا تستفز أعصابي فارس : والله مو فاهم رائد وقف بغضب : وش مخبي عني؟ فارس : ولا شـ لم يُكمل من والده الذي دفعه بإتجاه الجدار، أحاط رقبته بكفيّه الحادتيْن، بغضبٍ يضغطُ على أسنانه : وش مخبي عني؟ فارس يختنق بقبضة يدِه، تركه لينحني بسُعاله الضيّق، رفع عيناه بهيجان مالح : قلت لك ما أعرف شي!!! رائد : طيب!! . . وين عبير؟ تركتها وين؟ فارس : كلامك معي مو معها رائد بصراخ : فاااااااارس!! . . لو تموت قدامي ما كملت معها! فارس : ماراح أموت قدامك! وبكمل معها رائد يصفعه بقوّة ليشدّه من ياقته : لا تعاندني! فارس نزفت شفتِه بالدماء الثائرة : سمّ وأبشر بكل شيء عدا عبير رائد يدفعه ليضرب رأسه بالجدار، تجاهل فارس كل ألامه ليُردف : هذا اللي طلبتني عشانه؟ رائد :قلوبهم كلهم بتحترق بما فيهم عبير!! فارس تنهّد وهو يمسح دماءه بطرفِ كُمه : واضح يا يبه أنك بديت تنسى كثير! عبير هي أنا لو ضريتها بتضرني! عاد إذا يطاوعك قلبك تضّر ولدك فهذا شي ثاني رائد : أتركها زي الكلاب! وأبشر بكل اللي تبيه فارس : لا رائد بعصبية هائلة : أتركها يا فارس لا تخليني أوجع قلبك فيها!!! فارس : مستحييل رائد : إذا تركتها وعد ما يجيها شي فارس ثارت أعصابه ليُردف : تحاول تجبرني أني أتركها!! رائد : أقسم لك بالله لو تركتها ما أخلي ظل يسيء لها فارس : يبه لا تسوي فيني كذا!! رائد : أتركها! . . أتركها وأوعدك ما راح يضرّها شي! لو تحبها صدق أتركها فارس مسح على وجهه وعينيْه تشتدُ بحمرتها : اللي تسويه في ولدك حرام! خله يعيش ولو مرّة رائد بخفوت : سليمان راح يذبحك معها! أنا قاعد أحميك فارس بضعفِ الحُب الذي دائِمًا ما يستمد قوته منه : بس احبها! مقدر . . روحي معها رائد بحنيَّةٍ لا يُبددها الزمن، يقترب منه ليمسح دماءه بكفِّه : أنا احاول ألقى منفذ عشان أورّط سليمان مع آسلي . . لكن ماراح أضمن أنه ماراح يجيك شي! . . فارس أحلف لك بالله أنه هالمرّة مالي مصلحة في هالموضوع! أبيك تتركها عشانك فارس : مقدر رائد : إلا بتقدر! . . بكرا تنسى عبير وطوايف عبير! فارس : مقدر لا تطلب مني شي فوق طاقتي!! رائد : فااارس! لا تجبرني أستخدم القوة معك!!!! مثل ما صار هالزواج بتدبيري ينتهي بتدبيري بعد! ولا تتوقع أنه عبدالرحمن بيجي يوم يرضى فيه عنك!! . . لا أنت تناسبها ولا هي تناسبك! أتركها من الحين قبل لا تدخل في معمعة ما تنتهي على خير! فارس عقد حاجبيْه : نسيت أمي؟ قلت ما تناسبك؟ تزوجتها وأنتهى زواجكم فيني! ليه تحرمني من شي أنت مقدرت تحرم نفسك منه؟ رائد بغضب : أنا غير وأنت غير!!! فارس للمرة الالف أقولك أتركها فارس وضع يدِه على رأسه بمحاولة جادة أن لا تنهار خُطاه المبعثرة : مستعد أسوي لك أيّ شي بس أترك عبير ليْ . . رائد : ما ينفع! وجودك معها خطر لك ولها! . . لم أترجى في حياتي شيئًا كرجائي من أجل عبير : أكيد فيه حل! . . رائد للحظة الأولى أدرك عُمق الحب في عين إبنه، صمت لثواني من عينيْه التي تتوهَّج بحُمرة العشق : يا يبه أسمع كلامي! أصلا طريقة زواجكم مبنية على فشل!!! لا عبدالرحمن راضي ولا أنا! مستحيل أحد يتنازل منّا! . . مهما حاولت تطوّل بالوقت بينك وبين عبير بالنهاية لا أنت لها ولا هي لك فارس بجمُودِ ملامحه الغير مُصدقة لكل هذه الإتهامات : عبير ليْ . . سواءً رضيتوا أو لا رائد : فاارس! فاارس أفهم أنها ماهي لك! . . أتركها!! تتألم من غيابها أحسن من أنك تتألم من موتها فارس : الأعمار بيد الله رائد بعصبية : لكن نآخذ بالأسباب! أنا أعرف شغلي زين وأعرف كيف تنتهي فيه الأمور!!! كنت عارف أنك تشتغل من وراي! ورطت نفسك وورطتني معك!!! كان مفروض كل معلومة تعرفها تقولها لي بس شوف نهاية سكوتك وهدوئك! . . فارس بتطلقها وبتتركها أحسن لك وأحسن لها تأتِ الكلمات بصورة قاتلة، بصورة مُفجعة اكثرُ من كونها كلمات، تأتِ بشكلٍ إنتحاري فوق كل إحتمالاتنا بالحياة. فارس : وأنا يبه؟ ما عشت بعُمري يوم حلو! طلبتك إلا هيْ رائد صمت طويلاً حتى سحبه له وعانقه بإندفاع الحنان في صدرِه، ذبل جسده بعناق والده الحزين : عشانك وعشانها. فارس بضيق يخنق صوتـه : كم مرّة يا يبه أموت في هالحياة؟ كم مرّة أتعذب؟ . . خلني بس مرّة أعيش! رائد بخفُوت قريبًا من أذنه : فيه أشياء تستصعبها بالبدايـة وما تتقبلها لكن بعدين تقتنع فيها! فارس بحسرة : عبير ماينطبق عليها هالكلام! . . يبه عبير اللي شفت فيها نفسي وحياتي! كيف تقوى تقولي أترك حياتِك! مقدر! . . . تكفى يبه! رائد يضيق صوتـه : ماعاد ينفع هالكلام فارس يبتعد عن حضنـه الفسيح : كيف أتركها ؟ والله أموت رائد : بسم الله عليك! . . فارس ما أخبرك ضعيف!! أنت قادر توقف على حيلك بدونها فارس : كنت صادق يوم قلت لك نحن قوم إذا أحبوا ماتوا . . رائد نظر إليه بنظراتٍ لا منتهيـة من التيّه : كنت صادق! فارس يُشير لقلبه : هنا الوجع مين يداويه؟ رائد : أتركه للأيام فارس أشاح بنظره ليُردف : الأيام داوتك بعد أمي؟ رائد : إيه فارس : تكذب يا يبه! . . تكذب وأنت لهفتك بعيونك كل ما أتصلت رائد بحدة : فارس!!! فارس بضيق يجلس على حافة النافذة ونظراته ممتلئة بالرجاء : مقدر يا يبه! والله مقدر . . تعرف وش يعني أتركها؟ رائد بهدُوء : حبيت الشخص الغلط! وهذا الحل بالنهاية فارس : أوقف مع ولدك ولو مرّة! أنصفني رائد : وأنا ما عُمري وقفت معك؟ أسألك بالله يا فارس تصدق؟ أنا لو اعرف أنه مصلحتك معها كان خليتها معك لكن أنا عارف أنه مصلحتك صفر معها! فارس تنهّـد : طيب رائد : بتطلقها؟ بتنهي هالموضوع بكرا ؟ نظر للسقف بعينيْه التي تحمرُّ حبًا/عشقًا : إن شاء الله رائد عقد حاجبيْه لينحني بظهره ويُقبل رأس إبنه الذي لا يعتلي مكانته أحد بقلبه/بحياته، أحاط يدِه برأسه : بنتظرك بكرا! لا تتأخر فارس أبتعد ليخرج، نزل للأسفل بالسلالم المتأملة لخُطاه التائهة. ركب سيارته خارجًا من الحيّ الأسوأ على الإطلاق، أبتعد عن المنطقة متجهًا نحو الفندق، تعبره الدقائق والمطر يهطل بغزارة! لا شيء أخفُ من المطر ولا شيء أثقل من وجَع الماء. وصل للفندق ليضع رأسه على مقوّد السيارة. يالله! لا أعرف لمن ألجأ، أخطأت دروبي ولكن لم يأتِ دربها خاطئًا، كانت أكثر الأشياء صدقًا في حياتي! يارب أنت تعلم أنني أحببتها بشراهـةِ، بكثافة. أنت تعلم كم كلفني حُبها. ولكنني أغرق في أرضٍ تيه، ماذا أطلبُ من قدرِي بعدها؟ يارب هي آخر الأحلام وختام الحياة، لا نجمة بعدها أهتدِي بها في صحراء الدنيـا الواسـعة، لا نجمة بعدها تطلُّ من السماء. كموَّالٍ عراقي يضلُ يبكينـا لسنين طويلة ، كلَيلةٍ بغداديـة مخضبـة بالدماء، كنحنُ يا عبير. استسلم رُغمًا عني! أنا الذي وعدتُ نفسي أن لا يجيء شيئًا يُباعد بيننا، ولكن رمشُ الوَعد تكسَّر! لا شيء يهزّ الرجل سوى الحُب، لا شيء يعبثُ به أكثرُ من المرأة، أترانِي أبكيكِ حُبًا ام بُعدًا ؟ حد الفضَاء موجوع. عن الصبَـابة،الشغف و الود، عنهم جميعًا أنا البكاء الواقفُ في حنجرة القصائد، وأنا الشطر المكسُور في أغنيـة يتيمة لم ينعشها وزن ولا قافيـة، لم أكن طاهرًا بما يكفي حتى أليقُ بِك ولكنني كنتُ عاشقًا بما يكفي حتى أهتدِي إليك. تلألأت في محاجره دموع شرقيـة، تُكابر بعزَّةِ سمرَاء ولا تسقط، فقط تُضيء عينيْه كمصابيح الحوانيت في القُرى الفقيرة. مثل قلبي الذي توسَّل الغنى من عينيْك ولم يفلح. مسح وجهه بكفيّه الدافئتيْن، نزل متجهًا للداخل بشتاتٍ فعلي، ضغط على المصعد الكهربائي. من المؤسف أن أشعر بضيق قلبي في لحظة توقعت أن كل الأمور تُبسط يدها أمامي، من المؤسف أن تغيبين عنِّي. دخل ليضغط على الطابق الثالث، وضع يدِه على رأسه بمحاولة تخفيف هذا الصداع الذي ينهشُ خلايا عقله الثائرة بوجه الحياة، . . بوجه الفراق. أخرج مفتاحه ليفتح الباب بخفُوت، دخل ليبحث بعينيْه عنها، تقدَّم بخُطاه لينظر للسرير الذي تستلقي عليها ومن خلفها شعرٌ مبلل بالماء، وقف دُون أن يهمس بكلمة ودُون أيضًا أن تشعر به. تُعطي الباب ظهرها وهي تتوسَّد يدها ويدها الأخرى تُحركها بخُطى موسيقية على الفراش، بصوتٍ ناعم مبحوح يكاد لا يُسمع : كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق، علِّمني! كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق علِّمني! كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق .. . صمتت لتغرق عينيْها بالنافذة، ضمَّت يديْها ناحية صدرها حتى تُخفف رجفة البرد التي تُصيبها. سحبت وسادة أخرى لتضعها تحت رأسها مما جعلها تلتفت للخلف، شهقت برُعب من وقوفه. عبير تسارعت أنفاسها بإضطراب كبير، جلست لتُبعد شعرها للجهة الأخرى دُون أن تُجففه من الماء الذي يمتصّـه. نظر للطعام الذي لم يُلمس ليُردف : ليه ما أكلتي؟ عبير : مو مشتهية فارس : طيب تعالي .. بكلمك بموضوع عبير بخُطى خافتة وقفت لتجلس أمامه : وشو ؟ فارس ضاعت عينيْه بعينيْها، أربكها بنظراته حتى شتتها بعيدًا عنه : بس يجي أبوك باريس! راح ترجعين معاه عبير إبتسمت بسعادة لا تستطيع أن تُخبئها : متى راح يجي ؟ فارس يختنق بإبتسامتها الفسيحة : بالضبط ما أدري! ممكن هاليومين عبير : اتصل عليك ولا كيف ؟ فارس : لا . . بس أنا فكرت وشفت أنه طريقة الزواج غلط وبالنهاية لازم تتصلح! عبير توترت لتتلاشى إبتسامتها الناعمة : أكيد لازم تتصلح!!! لأن مافيه زواج بالغصب فارس : ممكن أسألك سؤال واعتبريه آخر ما بيني وبينك عبير بربكة وضعت يدها على نحرها : تفضَّل فارس : مين اللي كنتي تقصدينه بكتاباتك؟ عبير بلعت ريقها لتُردف : محد فارس : فيني فضول أعرف مين كنتي تحبين في مراهقتك؟ عبير أحمرَّت ملامحها البيضاء لتقف : ما يخصّك! فارس ظهرت غيرته في عينيْه التي تحرقها بنظراته : لهدرجة الجواب صعب؟ عبير بغضب : مالك علاقة فيني ولا بمين حبيت ولا كرهت!! فارس يقف ليروِّض غضبها بوقوفه المُهيب لقلبها : خليك لطيفة شوي على الآقل في هالأيام الأخيرة عبير عقدت حاجبيْها وبنبرةٍ مُتذبذبة : وش تبغى توصله؟ فارس يُدخل يداه في جيوبِ بنطاله : ولا شي! وش بيكون مثلاً؟ عبير تنهدَّت بنظراتٍ غاضبة : طيب . . حاولت أن تتجاوزه لتتجه نحو الأريكة الأخرى ولكن وقف أمامها ومن خلفها الطاولة الزجاجيـة رفعت عينها بتنهيدة : أستغفر الله فارس إبتسم : بمُقابل أني راح أسلمك لأبوك لازم نتفق على شروط معينة عبير فهمت مقصده من خُبث إبتسامته : إبعد عن وجهي فارس : أول نتفق! كلها يومين مو لهدرجة ماتقدرين تتحملين عشان أبوك! عبير : وش تبي ؟ فارس إقترب خطوة لتتراجع عبير خطوتين وترتطم أقدامها طرف الطاولة، إلتوى ساقها حتى سقطت على ظهرها، تناثر الزجاج حولها من سقوطٍ لم تتوقعه في وسطِ طاولة زجاجيـة خفيفة. فارس بخُطى سريعة إنحنى عليها : لا تتحركين . . . جلس بجانبها ليُبعد الزجاج الذي التصق ببلوزتها. عبير بغضبٍ أحمرّت به عيناها المنتشية بالدمع :كله منك! . . . لا تلمسني . . أبعد . . فارس بعصبية وضع يدِه على فمها ليُسكتها وهو يُبعد بيدِه الأخرى قطع الزجاج المتناثرة حولها ليُردف : أنا لو أبي أضرّك كان ضرّيتك من أول يوم! فما له داعي تخافين مني في كل حركة أتحركها!! عبير بغضب رفعت رأسها ومازالت يدِه تكتم فمها، عضَّته بشدّة حتى أبعدها. فارس نظر إليها بدهشـة : عنيفة!!!! . . عبير : ولا تحاول تقرّب لي بخطوة فارس تنهَّد وهو يُشير إليها بالسبابة : لا تنسين أنك لوحدك! حطي هالشي في بالك قبل لا تخسريني بعد عبير أشاحت أنظارها بعيدًا وهي تُمدد بأكمام بلوزتها حتى تُغطي كفيّها، شعرت بدوارٍ إثر هذا السقوط، فارس : ما سمعتي الشروط ؟ عبير تنهدت : وش ؟ فارس : كوني زوجتي ليوم واحد. نظرت إليه بدهشـة ومحاجرها المحمّرة تتسع، خفتت أنفاسها المضطربـة، لم يبقى هواءً تسحبه لصدرها، هُم هُم لا يتغيرون! مثل التفكير ومثل التصرفات! مثل الدناءة! فارس : لا يروح فِكرك بعيد!!! أقصد تصرفي كزوجة بدل هالحدّة بنظراتك عبير أخذت نفس عميق وكأنها استردت الحياة للتو، أغمضت عينيْها لثواني طويلة حتى فتحتها، يسحبني بلحظاتٍ سريعة نحوه، يُوقعني بتفكيره بعُمق شخصيته، يتصرف بطريقةٍ تُثير حواسِّي التي تتشبثُ به كمحاولة أخيرة للخلاص : تبيني أمثّل أني مرتاحة معك! فارس : لا تمثلين! تصرفي بعفوية! عيونك تقول أشياء ولسانك يقول أشياء ثانية عبير بغضب : بطّل تحلل شخصيتي! . . وقفت وتحتها كومة زجاج، ليرفع فارس عينه وبتلذذ بتحليلها : تحاولين تحسسيني أنه مالي وجود في عالمك وأنك معصبة علي! وأنك متضايقة من وجودك هنا! لكن كل هالأشياء خرافات من عقلك والمشكلة أنك مكذبتها لكن تتصرفين وكأنك مصدقتها عبير تجمدَّت أقدامها من قراءته لها كأنها صفحـة واضحة لا تُخفي شيئًا، أخذت نفس عميق لتُردف دون ان تلتفت إليه : والمشكلة انك تصدق خرافاتك! فارس وقف ليضع قدمه بين قدميها، أمال قدمه حولها حتى تلوي كاحلها ويُرغمها على التمسك به، وضعت يدَها على ذراعه حتى تقف بإتزان، بغضب من ألاعيـبه : فارس!!!! فارس بضحكة يُخفف بها لوعة الوداع : يا عيونه عبير شعرت بأن دماءها تفُور وتغلي، نظرت لعينيْه وهي تشتدُ حمرَّةً من النار ذاتها : لو سمحت! فارس : وش أتفقنا؟ تصرفي كزوجة عشان أتركك بأقرب فرصة عبير بحدّة : والزوج يلوي رجل زوجته ؟ فارس بإبتسامة هز رأسه بالنفي ليُردف : بس ممكن يسويها في حالات مجهولة الأسباب! عبير رُغمًا عنها إبتسمت في وقت جاهدت فيه أن تبقى بغضبها، ضحك فارس بخفُوت على شفتيْها التي تحاول أن تحبس إبتسامتها : بما أنك راح تتصرفين بعقل كزوجة راح نطلع الليلة لمكان قريب . . وأعتبريها الليلة الأولى والأخيرة عبير : وين ؟ فارس : خليها مفآجآة عبير : أخاف من مفاجآت الناس الغريبة فارس بإبتسامة : أنا آسف على محاولاتك السيئة بأنك تجرحيني! عبير شعرت بأنها تذوب فعليًا، وقلبها يضطرب بنبضاته : ما قصدت أجرحك! فارس : مسألة أنك تقولين أني غريب و إلى آخره من كلماتك صدقيني ما تحرّك فيني شي! أنا يكفيني عيونك وش تقول! ، وصلَت بعد ساعاتٍ طويلة ناعسـة لبيتها الذي لم تفقتده كثيرًا، كل الذكريات السيئة تتفرعُ منه بصورة مؤذيـة لقلبها، أخذت نفس عميق لتنزل من السيارة ومن خلفها والدها. : لا تخبين عن أمك شي! الجوهرة : إن شاء الله . . وقفت الجوهرة لتترك والدهًا يدخل أولا إمتثالاً للحديث الذي تحفظه منذُ نعومة أناملها " لاتسمه باسمه ولاتمش امامه ولاتجلس قبله ". عبدالمحسن بصوتٍ عالٍ : السلام عليكم . . دخل إلى الصالة لترفع عينها : وعليكم السـ . . نظرت للجوهرة بلهفة . . وعليكم السلام والرحمة . . وش هالمفآجآة الحلوة الجوهرة بإبتسامة أنحنت عليها لتُقبِّل رأسها ويدها، جلست بجانبها : بشريني عنك؟ والدتها : بخير الحمدلله . . انتِ شلونك؟ وش مسوية؟ الجوهرة : تمام دام شفتك . . رفعت عينها لريـان الذي نزل وبجانبه ريم. وقفت بتوتر وحساسيـة ما بينهما، قبلته بهدُوء : شلونك ؟ ريان بإقتضاب: بخير . . . عانقت ريم التي بدأت تعتاد على أجواء هذه العائلة بكافة تناقضاتها بين الصخب والهدوء: منوّرة الشرقية الجوهرة بإبتسامة عميقة : منورة فيكم . . بشريني عنك؟ ريم : بخير الحمدلله . . ريّان جلس دُون أن ينطق كلمةٍ أخرى، تركنا حزننا للزمن ولم يُداوي هذا الزمن خيباتنا. الجوهرة توترت من صمت ريـان وجمُودِ ملامحه، جلست لتُردف : وين أفنان ؟ ريم : قبل شوي نامت! والدتها : زين جيتي! على الأقل تبعدين عن الرياض شوي! خذتك منَّا الجوهرة إبتسمت : محد يآخذني منكم ريّان ببرود : واضح الجوهرة نظرت إليْه لتأخذ نفس تُخفف الربكة التي اصابتها : انشغلت شويْ عن الكل مو بس عنكم! ريّان : سلطان ماراح يجي ؟ الجوهرة بلعت ريقها : لا . . مشغول عبدالمحسن : بيأذن العصر الحين . . يالله ريّان أمش معي . . ريّان رفع عينه لوالده الذي يشي بكلماته لموضوع ما : إن شاء الله . . ريم لاحظت التوتر بينهما لتُردف : ليه ما جيتي العرس؟ الجوهرة : ما أحضر حفلات! بس أتصلت على هيفا . . اللهم يهنيهم يارب ريم : آمين . . والدتها : وشلون عمة سلطان؟ الجوهرة : ماعليها بخير الحمدلله . . ريم وقفت : بروح أشوف الغداء أم ريان بإبتسامة : عاد جيّتك يالجوهرة بركة! اليوم أول مرة بنذوق طبخ ريم ريم بإبتسامة منتشية بالفرح خرجت لتُردف الجوهرة : واضح أنها مرتاحة الحمدلله أم ريان : إيه الحمدلله . . ما شفتي الأيام اللي فاتت! الله يصلح ريّان بس الجوهرة بنظراتٍ ممتلئة بالشوق : إيه سولفي لي بعد؟ والدتها : أبد على حطة يدِك ! مافيه شي ينذكر .. أنتِ اللي سولفي لي؟ شلون سلطان؟ الجوهرة : عندي لك بشارة والدتها بإبتسامة : وشو ؟ الجوهرة بحُمرة ملامحها الناعمة : أنا حامل تجمدَّت ملامحها لتستوعب حتى عانقتها بشدَّة : يا عين أمك! عساه مبروك الجوهرة ضحكت بفرحة عميقة : الله يبارك فيك . . والدتها : من متى ؟ الجوهرة : تو ما صار! بس قلت أقولها لك وجه لوجه! والدتها بعينيْن تُضيء بالفرح : وأخيرًا بشوفك أم لا شيء أطهرُ من أن يُصبح لك حفيدًا ينحدرُ من رحم إبنتك، لا شيء أجمل من هذه الفرحة ولا يُضاهيها أيضًا، الحياة الناعمة مهما تنازعت وفاض جدلُها يبقى الطفل محلُ وفاق أبدِي، والجنين الذي يكبرُ فيك يالجوهرة يتخذُ من قلبي مقعدًا. الجوهرة وإبتسامتها لا تغيب، نظرت لدموع والدتها المحتبسَة لتهيج محاجرها بالملوحة : الحمدلله والدتها: يا سعادتي والله . . ياربي لك الحمد والشكر الجوهرة : ما ودِّي أخرب فرحتك عشان كذا بكرا بقولك الخبر السيء والدتها عقدت حاجبيْها : لآ قولي الحين! عسى مو صاير شي كايد؟ الجوهرة : لا . . بس أنا وسلطان والدتها بضيق : لآ تجيبين طاري الطلاق!!! الجوهرة أخفضت رأسها : وش أسوي يمه! علّه خيرة والدتها : لآ يمه لا توجعين قلبي!! أكيد فيه حل! . . سلطان يدري عن حملك؟ الجوهرة : لآ والدتها : حرام عليك! كيف تخبين عنه؟ لو تقولين له كل أمورك تنحّل الجوهرة برجاء : الله يخليك يمه لا تضغطين عليّ! ماتدرين الخيرة وينها! والدتها بحزن يعبرُ صوتها : الله يسامحك بس ، ، دخلت للغرفـة وعيناها تتأمل بغرقٍ عميق، أشعرُ وكأنني أدخل متحف من السبيعنات الميلاديـة، الصور المعلقـة بطريقةٍ مُذهلة تجذب عيني بلا إنتهاء، و آلة الكتابـة البدائيـة تتوسطُ الطاولة الخشبيـة، رفعت عينها للثريـا الذهبيـة التي تُشبه عصور أوربـا المنتشيـة بالثراء، ألتفتت ناحيـة المكتبة التي تحبس الكتب بترتيبٍ أنيق، يبدُو لوهلة أنها غرفة للتأمل فقط. من خلفها : وش رايك؟ هيفاء بإبتسامة : تجنن . . جميلة مررة فيصل اقترب من المكتبة ليُردف : أيّ نوع من القراءة تفضلين؟ هيفاء تنحنحت بتوتر : آ . . يعني . . فيصل : روايات وأدَب؟ هيفاء : إيه فيصل : هذي رواية البؤساء! لما كنت في باريس حضرت مسرحيتها . . ماراح تندمين عليها! تعتبر من أشهر الروايات سوُّو منها أفلام ومسرحيات كثيرة وللحين مشهورة مع أنها من القرن 19 . . هيفاء جاهدت أن تُظهر إبتسامتها : تحكي عن أيش؟ فيصل : عن الظلم الإجتماعي في فرنسا بعد سقوط نابليون! . . هيفاء ودّت لو تُخبره بأنها تكره القرآءة ولكن ألتزمت صمتها ليُردف فيصل : وفيه كتب كثير ممكن تعجبك! متى ما طفشتي أدخلي وأقرأي براحتك هيفاء بإعجاب كبير : هالغرفة للتأمل بجد! فيصل إبتسم لينظر لريف التي تتمايل بمشيْتها حتى تجيء إليه، رفعها : وشلون الحلوة؟ ريف: كويسة فيصل : طيب سلمي على هيفا ريف بعفويـة مدّت يدها الصغيرة. هيفاء بضحكة عانقت كفّها : مساء الخير ريف ترفع عينها لفيصل لتهمس : وش أقول؟ فيصل : قولي مساء النور ريف بتلعثم حروفها الناعمة : مسا النور خرجَا من الغرفـة، ليأتِ صوت والدته الهادىء : غيّروا ملابسكم على ما احط الغدا فيصل يُنزل ريف : شوية وأجيك . . ريف بإبتسامة : تيب فيصل صعد للأعلى لتتبعه هيفاء، فتح لها جناحه لتتأمله بمثل تأملها السابق، يطغى عليه التصاميم القديمـة منذُ عقودٍ سابقة، إتجهت نظراتها ناحيـة السرير الذي يطغى بخمريـة لونه : هنا غرفة الملابس! هيفاء : أوكي . . نزعت عباءتها لترتفع معها بلوزتها أمام أعين فيصل التي لا تفوّت لحظة لتأملها، علقت عباءتها وهي تُنزل بلوزتها دون أن تنتبه لنظراته، رفعت عينيْها لتقع بعينيْه، إرتبكت بحُمرة تصاعدت لملامحها البيضاء. فيصل بسؤالٍ فضولي : ممكن أسألك شي؟ هيفاء بربكة : إيه فيصل : لا تفهمين انها قلة ذوق بس بجد هالسؤال في بالي من زمان هيفاء بلعت ريقها : تفضَّل فيصل : في الملكة كنتِ سمرا كِذا على برونز . . والحين بيضا!! هيفاء لم تستطع أن تحبس ضحكتها التي أنفجرت بوجهه، شتت نظراتها من ضحكتها الصاخبة فيصل بإبتسامة : ترى إذا سؤالي غبي تقدرين ما تجاوبين! هيفاء أنطلقت بعفويتها : لآ عادي . . بالملكة كنت مسوية تان! ومع الوقت راح ورجع لوني الطبيعي فيصل يتفحصها بنظراته من أقدامها حتى رأسها : آهآ .. طيب خلينا ننزل لا نتأخر على أمي هيفاء بإبتسامة شغب ترتسم على محيَّاها : ينفع أقولك شي غبي! فيصل وهو ينزل معها للأسفل والإبتسامة لا تفارقه : قولي هيفاء : عندي مشكلة مزمنة مع القراءة! فيصل ضحك ليلتفت عليها : أجل ليه تجاملين من اليوم؟ هيفاء : هو يعني بقرآ الرواية بما أنك رشحتها ليْ! بس ماعندي ميول للروايات والقصص فيصل : وش ميولك؟ هيفاء بكذبٍ لا تتردد به : يعني مثلاً أحب أقرأ الأشياء الإقتصادية فيصل رفع حاجبيْه بدهشة : جد؟ ماتوقعتك تحبين الأشياء الإقتصادية والحساب وهالأمور هيفاء : على أني أكره المواد العلمية بس أيام الثانوي دخلت علمي عشان الرياضيات فيصل بإعجاب كبير بميولها الذي يشترك معها فيه : وليه ما تخصصتي رياضيات أو أيّ شي يتعلق بالإقتصاد؟ هيفاء بلعت ريقها لتُردف: بصراحة مدري! ناسية أسبابي فيصل جلس على طاولة الطعام بمُقابلها ليُردف لوالدته : تصوّري يمه أنه هيفا ميولها يشابه ميولي! هيفاء بتوتر : يعني مو مررة والدته : تراه فرحان لأن عنده أهم صفة يبيها بشريكة حياته أنها ذكية وتحب شغله هيفاء أكتفت بإبتسامة مرتبكة، أدركت أنها تقع بمصيبة كبيرة بسبب كذبها التي حاولت أن تُثير إعجابه به. ، استلقت على السرير لتنظر للسقف بمللٍ بدأت تتأقلم معه وتتعايش معه كصورةٍ روتيـنية، في جهةٍ أخرى كان واقف أمام والده ومنصور : عاد للأمانة يبه ما جاء في بالي كذبة سنعة إلا أنك مسافر! . . منصور : المشكلة ما تعرف تكذب! قبل أمس كانوا في الشركة ينتظرون أبوي والده : الله رزقك عقل حمير وأنا أبوك! يوسف : مقبولة منك يا بو منصور! . . سبحان الله منصور علاقته طردية من رفعة الضغط منصور : حط حرتك فيني! يوسف يجلس بمُقابل والده : يبه فيه خبر أسود وخبر أبيض . . وش ودِّك أبدأ فيه؟ والده : لو الأسود شين بيجيك كفّ يطيّحك شلل كامل يوسف بضحكة : بس أنت روّق والده : قل وأخلص يوسف : الخبر الأبيض أني أنا ومنصور وقعنا لك عقد ذهبي والده : قالي منصور منصور غرق بضحكته على ملامح يوسف من ردّة فعل والده الباردة. يوسف : واضح اليوم أني متمصخر! . . طيب الخبر الأسود . . اني ألغيت العقد وأسألني السبب قبل كل شي! منصور بدهشة : من جدك! والده : يا وجه الخيبة بس! . . ورآه ؟ يوسف : بصراحة ما عجبوني ومندوبه واضح أنه يتلاعب فينا! قلت ورآه نجيب الغثا لنفسنا وفيه عقود ثانية ممكن نرتاح لها والده أغمض عينه ليُردف بهدوء : يوسف! يوسف : سمّ والده : أنقلع عن وجهي . . أغيب عن الشركة يومين وتلعبون فيها لعب!! يوسف وقف: والله أنا بريت ذمتي! الناس ماعجبوني ولا تنسى يبه أنا عندي حاسّة سادسة أعرف الحيوانات من عيونهم والده : وماعرفت نفسك ؟ منصور : ههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههه ههههه سوّ نفسك ميّت يوسف بإبتسامة يحمّر وجهه : معليه معليه يمون الوالد! . . يومين مانيب طالع لكم . . . صعد متجهًا للأعلى والإبتسامة لا تفارقه. دخل غرفته لتسقط عينيْه عليها : مساء الخير رفعت مُهرة ظهرها : مساء النور . . يوسف : وش جوِّك! بتنامين الحين!!! مُهرة : لآ وين يجيني النوم! بس طفشت قلت أفكر يوسف يجلس على الأريكة وهو ينزع شماغه : تفكرين بأيش؟ مُهرة : ولا شي محدد . . إتجهت نحوه لتجلس بجانبه : ماراح تآخذ إجازة قريب؟ ودِّي أروح حايل مشتاقة لأمي يوسف : شكلي بدعي على حايل والسبة أنتِ مُهرة إبتسمت : لا والله جد يوسف! مافيه إجازة قريب؟ يوسف : أنتظري بس هالشهر يعدِّي على خير وبعدها آخذ من إجازتي السنوية ونروح مُهرة : تمام . . وش فيه وجهك؟ حرّ برا ؟ يوسف : وين حرّ! الرياض بدت تبرد الحين مُهرة : أجل حرارة جسمك مرتفعة يوسف بضحكة إلتفت عليها : لولا البرستيج كان قلت لك مُهرة إبتسمت : قول . . تراني فضولية ممكن ماأنام لو ما عرفت! يوسف : أستغفر الله كنت بقولك شي وقح مُهرة : يخص؟ يوسف بسخريـة : سواليف الشباب بينهم وبين البعض ما فيها حيا لكن لا جت عند الحريم تصير وقحة مثل سواليفكم تمامًا . . مو فيه سواليف تنقال بينكم عادِي لكن لو وصلت لنا تستحون! توترت لترتفع الحُمرة من جدار قلبها نحو ملامحها البيضاء، غرق يوسف بضحكته ليُردف : ترى ما قصدت شي! مُهرة أخذت نفس عميق لتُردف : أنت تفكيرك غلط مع مرتبة الشرف . . يوسف أسند ظهره بإرهاق على الاريكة لينظر إليها بنظرة مُربكـة : تذكرين لما كنا جالسين هنا في بداية زواجنا مُهرة : أيام تعيسة ذيك الأيام يوسف : خليك من الأيام التعيسة .. ما تتذكرين شي صار هنا؟ مُهرة عقدت حاجبيْها بتفكير لثواني طويلة حتى أردفت : لا ... وش صار ؟ يوسف : تعالي قربِّي أقولك مهرة : ما عاد أثق فيك يوسف : قربي مُهرة بإصرار : لا . . قول من هنا يوسف يستعدها بجلسته ليسحبها ويُقبِّلها بالقرب من شفتيْها، همس بضحكة : فلاش باك للمشهد ، بدأت تسير بإجهاد يمينًا ويسارًا، قلبها ينقبض لدقائق طويلة وينبسط للحظة قصيرة، تشعرُ بأن ستلد الآن من وجَعِها، الساعات التي تعبرها لا تمرُّ بخفـة، كلما أستطال الوقت ولم تأتِ رتيل يزداد خوفها أكثر وهاتف عبدالرحمن المغلق يزيدُ من توترها/ربكتها. لا تعرف مالوسيلة المثلى بأن تهدأ وتُسكن ربكة تفكيرها، تقدّمت نحو الباب الأمامي لتفتحه قليلاً، من خلفه : نايف! أقترب : سمِّي ضي : عبدالعزيز ما قالك وين رايح ؟ نايف : لآ . .بس قريب وراح يرجع تطمني ضي : طيب أتصلت على أبو سعود؟ نايف : لا ضي : قاعدة أتصل عليه وما يرّد! . . إذا تقدر تتصل على مكتبه وتشوف نايف : أبشري . . محتاجة شي ثاني؟ ضي : لآ . . . أسندت ظهرها على الباب بألم المغص الذي يُداهمها، يارب رحمتك التي وسعت كل شيء. نحنُ الذين ضللنا السير في حياتنا لا نعرف طريقًا أوضح من الله. يارب أشرح صدري ويسِّر أمري، جلست على الكرسي المتصلِّب بجسدِها، تخشى أن أمرًا حدث لعزيز. غضبه الأخير وتصرفاته الغريبة تُوحي لشيءٍ غريب، من المستحيل أن يؤذي رتيل ولكن مرّت ساعات منذُ خروجهما!!! ، وضع قدمه على الطاولة وفوقها قدمِه الأخرى لينظرُ ببرود : طيب؟ وش أسوي؟ عُمر : آ . . ولا شي بس قلت أخبرك أنه عبدالعزيز طلع من المكان بس! سليمان : مايهمني! كل اللي يهمني الحين فارس و ناصر! هالإثنين أبيكم تنهون لي موضوعهم بأسرع وقت! أسامة : طيب وش صار على آسلي؟ ماراح تقابله؟ سليمان : خلّ آسلي على جمب بمخمخ له هاليومين! .. المهم فارس وناصر عُمر : ناصر عرفنا مكانه بلندن . . ننتظر إشارتك سليمان : حمار! . . أنا وش قايل؟ . . هالأمور أستعجلوا لي فيها لا تنتظرون كلمة مني! كم صار لكم سنة ماعرفتوا اسلوبي!!! .. إلتفت لأسامة : قلت لي متى بيجتمع معه؟ أسامة : بعد بكرا . . هاليوم مصيري لنا كلنا! وأتوقع لو وصل العلم لربعنا بالرياض راح يكون مصيري لهم بعد! سليمان ببرود : خل يوصلهم! أهم شي اللي تعبت عليه طول هالشهور يصير! أسامة : بس لا تنسى أنه رائد معك وهذا إذا ما دخل بالخط سلطان وبوسعود!! سليمان : هاليوم أنتظرته كثيير وحلمت فيه كثيير! بس لازم شوي أكسر رائد بفارس وأكسر سلطان و بوسعود بناصر وعبدالعزيز! . . . . وبتصفى لي الساحة أسامة : تقدر بهاليومين تحقق هالشي؟ لأن العد التنازلي بدآ يا سليمان أيّ غلطة مننا ممكن تضيع كل أتعابنا سليمان : لا تكثّر حكي قلت لك أنا مضبط أموري . . بس لازم فارس وناصر تتصرفون بأمورهم عشان نشغلهم أسامة : أبشر 24 ساعة وأنهي لك أمورهم . . ، هبط الليل بظُلمة يُنيرها قمر باريس، نظرت للنهرِ الجاري لتلتفت إليْه : وين بنجلس؟ فارس تقدَّم بخطواته دون أن يُجيب عليها بكلمة ليقترب من حافـةِ النهر أمام القارب الصغير ، إلتفت عليها : تعالي عبير مشت بخُطى ناعمة نحوه ليمدّ يدِه إليها، رفعت حاجبها بتوتر : بنركب القارب؟ .. فارس : إيه عبير : آآ . . كيف؟ ما معانا أحد ممكن يصير فارس يُقاطعها : تطمني مو صاير شي! استغرقت ثواني طويلة حتى وضعت يدَها على يدِه، أرتعش جسدها بلمساته، مدّت خطوتها الطويلة لتركب القارب، من خلفها أقترب وجلس ليُجدِّف مبتعدين عن هذا الجانب. عبير بربكة قلبها تنظرُ للمكان الخالي تمامًا إلا منهما، نظرت إليْه بخوف : لآ تبعّد كثير!! فارس : أدِّل هالمكان . . عبير : طيب وقف خلاص أحس بعدّنا كثير . . فارس ترك المجداف، ليتوسط القارب المُضيء بمصباحه وسط النهرِ الفسيح، نظر إليها بنظراتٍ أشعلت قلبُها بربكة عميقة . . ، بين يديْه هاتفه الذي سئم منه، لم يصِل لعبدالعزيز ولن يصِل ما دامت كل أرقامه لا تعمل، تنهَّد ليرفع عينه لغادة الجالسة أمامه : تذكري! ممكن قالك كلمة غادة : ولا شي! كان ساكت ماعرفت مين . . بس أكيد مو عبدالعزيز لأن الرقم مو مسجّل ناصِر : لازم يعرف عبدالعزيز قبل لا يدري من غيري!!! . . إتصل على آخر رقم ليأتِ صوت نايف بعد دقائق طويلة : ألو ناصر : ألو . . مين معاي؟ نايف : انت اللي متصل! ناصر : أمس أتصل علينا شخص من هالرقم!! نايف : أكيد غلطان لأن محد أتصل أمس ناصر تنهّـد : أوكِ . . مع السلامة . . أغلقه . . محد أتصل! قبل أن تُجيبه غادة أتى صوتُ الجرس قاطعًا، ناصر وضع أصبعه على شفتيْه بإشارة واضحة لغادة أن لا تصدر صوتًا، إقترب من الباب لينظر من العين السحريـة، تيبست أقدامه للحظاتٍ طويلة مع الرنين المتكرر. ، جلست بمُقابله دون أن تهمس بكلمة، غاضبة من هذا المكان ومن وجودها في هذا المكان ومن فكرة أنها تتشارك معها السقف ذاته، تنهدَّت لتُبعد أنظارها للأشياء القريبة، للأثاث المخضَّب بذوقها. عبدالعزيز يشربُ الماء دفعة واحدة ليثبِّت أنظاره بإتجاهها : تفكرين فيها؟ رتيل بعينيْها الحادة : مُشكلتك واثق من نفسك كثيير! عبدالعزيز بإبتسامة : كان مجرد سؤال! قولي لا وراح أصدقك . . بس واضح أنه ثقتي بمحلّها رتيل بضيق : لا تكلمني بشي! ماأبي أتناقش معك بأي موضوع عبدالعزيز بسخرية : أبشري . . أنتِ بس آمري وش تبين وأنا أسويه لك رتيل تكتفت بتنهيدة غاضبة ثائرة. عبدالعزيز : تطمّني ما راح تجي اليوم! بكرا إن شاء الله تصبّحين على وجهها رتيل تتجاهل كلماته وحضوره الصاخب في قلبها، لا تُريد أن تنظر إليه وتثور أعصابها مرةً أخرى. عبدالعزيز بإستفزاز يجري بدمِه : شاركيني أفكارك! أخفف لك حدة الموقف على الأقل رتيل بغضب لم تتمالك أعصابها : تعرف تآكل تبن!!!!! عبدالعزيز وقف ليقترب منها، أرتبكت من وقوفه أمامها، بهدُوء : علميني كيف آكله؟ رتيل دُون أن ترفع عينها بإتجاهه : عبدالعزيز أبعد عني! عبدالعزيز بغضب يضع قدمه فوق قدمها ليضغط بقوّة : لسانك أمسكيه زين!! رتيل بوجع دفعته لتسحب قدمها للداخل : نذل!!! عبدالعزيز جلس بجانبها وعينه على هاتفه يحاول أن يُشغله بعد وقتٍ طويلة بمحاولاته الفاشلة : هو كِذا بتعصبين يوم ويومين! وآخر شي بترضين رتيل بحدة : لآ تكلمني! مالك علاقة فيني عبدالعزيز بإبتسامة يحاول أن يُخمد وجعه على غادة بها، لو يصِل إليها الآن ويروي عيناه : مو أنتِ اللي تقولين لي لا تتكلم وتكلّم! رتيل بغضب بدأت عيناها تلمع بالدموع : عبدالعزيز كافي!! عبدالعزيز وضع الهاتف على الطاولة بيأس ليلتفت إليها بكامل جسدِه رتيل إلتفتت إليه لتنظر لعينيْه الباردة : ممكن توديني غرفة أجلس فيها بعيد عنك!! عبدالعزيز أشار لغرفته، وقفت ليسحبها من يدِها ويُعيدها للجلوس: بس ماراح تجلسين فيها الحين! رتيل بحدة : تبيني أقابلك وأسمع كلامك الحلو!!! عبدالعزيز : أحسن من الجدران! رتيل : الجدارن أبرك لي مية مرة منك عبدالعزيز بسخرية لاذعة : سبحان اللي يغيّر وما يتغيّر!! فهمت قصدِه، ودّت لو تبصق عليه لتُشفي حرقتها/غضبها : طيب؟ وش أسوي لك ؟ عبدالعزيز : أجلسي تأملي معي هالحياة رتيل : صدقني محد بيخسر غيرك ومحد بيندم غيرك!! عبدالعزيز : جاني تبلد! ما يهمني وش أخسر ولا على أيش أندم!!! رتيل زفرت غضبها، ما عادت تحتمل ربكة وجوده و كلماته المؤذيـة. عبدالعزيز : كنتِ تحسِّين بالرخص قبل شهور! والحين؟ أفهم إحساسك تمامًا رتيل بعصبية ثارت كل أعصابها : وتذكر وش قلت لك وقتها! المشكلة مو إني رخيصة المشكلة إني ما لقيت رجَّال . . عبدالعزيز إلتفت عليها ليسحب ساقها بقدمِه ويجعلها رُغما عنها تستلقي على الأريكة، سحبها بشدَّة غضبه الذي ثار كبراكينٍ مُتصاعدة . . ، بحزنٍ عميق سارعت خُطاها المبعثرة، لتنظر لعبدالرحمن الذي تحفظه جيدًا : وينه ؟ عبدالرحمن بحرج : تفضلي من هنا . . دخلت حصَة لترى ملامحه الشاحبـة الذابلة كليًا، ورأسه يلفُّه الشاش الأبيض، جلست بجانبه ليبتسم لها يُجاهد أن لا يُخيفها . . حصة بغضبٍ وعينيْها تجهش بالبكاء : هذي ضربة بسيطة!! سلطان ببحة التعب : الحمدلله على كل حال حصة تمسح على رأسه : شوف كيف وجهك تعبان؟ ما بقى جهة في جسمك ما طحت عليها!! سلطان تنهد ليسعل بوجَع، رفع عينه إليها : ليه تعبتي نفسك وجيتي؟ أصلا بيطلعوني بعد شويْ حصة : مو شايفني أصغر عيالك اللي تضحك عليهم!!! سلطان بجديـة : والله كنت بطلع حصة بتوسِّل عينيْها الباكيتيْن : يا روحي لا تسوي في نفسك كذا . . خاف ربك في نفسك سلطان بضيق : حادث ومرّ على خير . .لا تفكرين بشي ثاني حصة : حادث وحادثين وثلاث . . مو كل مرة بتسلم!! سلطان شتت نظراته بعيدًا ليأتِ سؤاله الثقيل على نفسه : الجوهرة راحت ؟ حصة : إيه . . كنت أنتظرك عشان أعطيك محاضرة تعلمك أنه الله حق بس عقب هالحال وش عاد أقول! سلطان بإبتسامة ينظرُ إليها : ماش الغالية مهيب راضية علينا! حصة : سلطان شايف نفسك! شوف كيف الحزن مالِيك! المشكلة كل الأمور بإيدك لكن تكابر . . والله حرام اللي تسوونه بنفسكم!! سلطان أغمض عينيْه : بغمضة عين ممكن أخسر حياتي! . . اليوم للمرة المدري كم حسيت بالموت قريب مني! . . تعرفين وش جاء في بالي ؟ حصَة : وش ؟ سلطان : الجوهرة حصة سقطت دمعة ناعمة على خدها : ليه يا سلطان تعذب نفسك وتعذبها معك؟ سلطان : كنت أفكر فيها بشعور ما عرفت أصنّفه! بس مافيه قرار أفضل من هالقرار حصة بغضب : إلا فيه! . . تحبون الشقا والغثآآ وش فيها لو تنازلتوا شوي وكملتوا حياتكم . . هذا وبينكم و. . . صمتت لتُشتت نظراتها. سلطان : بيننا أيش؟ حصة : ولا شي سلطان عقد حاجبيْه : عمتي . . حصة : سلطان ماأبغى اتكلم في هالموضوع سلطان : أيّ موضوع ؟ حصة بضيق : بقولك بس أوعدني ماتقول للجوهرة لين هي تقولك سلطان بحدة : وشو ؟ حصة بلعت ريقها : الجوهرة حامل . . . . أنتهى |
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء (73) المدخل لـ يزيد بن معاويَة، أقرأوا فتنته :"( لي يومين وأنا أهوجس بقصيدته :"" أقرأوها كاملة بمواقع مشهورة لأنها منتشرة بتحريف لأبياتها https://www.rewity.com/forum/images/smilies/frown.gif المهم هذا مقطع منها. لها حكم لقمـان وصـورة يوسـف ونغـمـه داود وعـفـه مـريـم ِ ولي حزن يعقوب ووحشـه يونـس وآلام أيـــوب وحـســرة آدم ِ ولو قبـل مبكاهـا بكيـت صبابـة لكنت شفيت النفـس قبـل التنـدم ِ ولكن بكت قبلي فهيج لـي البكـاء بكاهـا فكـان الفضـل للمتـقـدم ِ بكيت على من زين الحسن وجههـا وليس لها مثـل بعـرب وأعجمـي مدنيـة الألحـاظ مكيـة الحشـى هلاليـة العينيـن طائيـة الـفـم ِ وممشوطة بالمسك قد فاح نشرهـا بثغـر كـأن الـدر فيـه منـظـم ِ تجمدَت خُطى عيناه ناحية حصة، تجمَد العالم بأكمله في شُرفة محاجره، تصاعدت الحُمرة ببخارٍ ضيَق لتُباعد النظر/البصر عنه، تصاعدت حتى اوشكت على خنقه بدمعٍ متجمَد/متيبس. لا شعور! أنا أخاف للمرةِ الأولى بهذه اللذاعة، أنا أخاف بعُمق قلبٍ لم يعِش الحياة كما ينبغي أن تُعاش، أنا أخاف من الأحلام إن أتت، أخاف من فكرة تحقيقها، لأن هذه الحياة لا تُناسبي، تروق لي فكرة أن أرى أحلامي تتساقط واحدة تلو الأخرى، قضيت عُمري أتأمل كيف لأحلامي أن تنتهي وتختلف بنهاياتها، أراقب كيف لها أن تتبدد وتتلاشى كأنها لم تكُن، أراقب كيف تنتهي دُون أن تنظر إليْ؟ دُون أن تعتذر عن العمر الذي قضيته في إنتظارها؟ لا أحد يحترم إنتظاري فكيف أحترم معتقدات هذه الحياة؟ كيف يطلبون مني أن أنسى؟ أن اتجاهل؟ أن أتغاضى؟ كيف يريدون مني أن أحترم هذه الحياة التي لم تحترمني ولا مرَة! حصة بخوف : سلطان ؟ سلطان بصوتٍ يضيق وجعًا : متى ؟ حصة : قبل فترة عرفنا سلطان زمَ شفتيْه، لينظر بإتجاهٍ مستقيم حاد للجدار الذي أمامه، شعر بأن قلبه يتقيأ حزنًا/كمدًا، " إلتزم الصمت والسكون " ليس لأني أريد الصمت، ولكن كيف لأبجديـة واحِدة أن تشرح حُزني في هذه اللحظة؟ كيف لها أن تصوَر بحة قلبي؟ وترسم تقاطيع الأفكار المارةَ في حنجرة أتخذت لها من الريحِ صوتًا، يالله! هو حلمٌ واحد! كيف له أن يتحقق بهذه الهيئة المؤذية؟ لم أتوقع ولا للحظة أن أًهان بأحلامي! أن أكون آخر من يعلم بولادة حلمٍ ابتعد عني طويلاً! ليه يا جوهرة سلطانِك؟ حصة سقطت دمعتُها بمنظر عينيْه القاسية، يكسرها حزن الرجال كيف إن كان سلطان؟ يكسرها أن تنظر لدموعهم المعلَقة بين الأهداب؟ يؤلمها أكثر أن ترى الوجع بملامحه حتى وإن حاول إخفاءها، هذه المرة سلطان واضح جدًا حدُ الألم/الحزن/الوجع/الحسرة : كانت راح تعلمك مو قصدها تخبي عنك! سلطان دُون أن يرمش أو يلتفت، تصلَب لتسعُر رعشات الدماء المُثارة في داخله : عمتي اتركيني لحالي شويَ! حصة برجاء : لا تسوي في نفسك كذا! واللي يرحم والديك يا سلطان سلطان إلتفت عليها بحدَة تُقيم الثورات بدماءه الهائجة بقاعٍ غاضب : ليتني متَ ولا سمعت منك هالخبر! حصة بكت بلا تردد، سقطت دموعها سقوطًا حاد: لا تقول كذا! . . وضعت يدَها على كفه الباردة . . سلطان تكفى أبيك تنبسط بهالخبر مو تتضايق! سلطان : مسألة إني أتضايق منها هذا أمر تركته للوقت ، ماني متضايق من أحد ولا أنتظر أسف من أحد! صعد دمعُه القاسِي في محجره لتُضيء عيناه ببكاءٍ معلَق : محد بيعرف ويحس بحجم حزني الحين! حصة بضيق تشدَ على كفَه : حاسة فيك . . حمَلت نفسك فوق طاقتها، خسرت كثيير عشان هالأرض باقي الجوهرة . . لا تخسرها بعد! سلطان عقد حاجبيْه بتعرجاتِ الضيق في جبينه : الله يعوضني حصة : لا سلطان . . لا تكفى . . سلطان يهذي بوجعه : مصدوم منها! إذا أنا غلطت وقهرتها في أيَ شيء فأكيد أنه شي مؤقت هي بتقهرني عُمر كامل! . . ردَت عليَ بأكثر شي يوجعني يا حصَة!!! . . أنتِ أكثر وحدة تعرفين وش كثر متشفق على طفل يحمل إسمي! ممكن أستوعب أنها تسوي أيَ شي بس ماأستوعب أنها تكون لئيمة هالقدَ! تبي تكسرني بطلاقها! وتكسرني بأني آخر شخص يعرف بحملها . . حصة : الجوهرة مو كذا سلطان يُكمل بروح مخضبَة بحزنٍ،أسى، غمَ، بأس و شجَن، يُكمل بعبراتٍ ظهرت بعد عُمرٍ طويل لم يتجرأ أن يُتيح لحزنه فرصة أن يتوسَع بتفكيره وقلبه، دائِمًا ما كان يترك البكاء يتغلغل في داخله دُون أن تلتفت إليه عيناه ولكن هذه اللحظة كل حواسَه تلتفت لقلبه ولحزنه. : إلا كذا! لمَا حاولت أرجع وأصحح معها حياتنا صدَت وهي حارمتني حتى من أني أعرف بالموضوع! إذا أنا غلطت ألف مرة هي غلطت مرَة وتساوي هالألف كلها! هي اللي تبي الطلاق! وراحت .. سوَت اللي براسها وماكلفت نفسها تقولي!! . . ولو ما زلَ لسانك ما قلتي لي! . . أنتِ شايفة أنه تصرفها طبيعي؟ ومالي حق أتضايق ؟ حصة : سلطان . . يُقاطعها بعصبية : لا تدافعين عنها! . . نبرته تعتلي حتى تبحَ بوجعها/تعبها . . لا تدافعين! لا توقفين ضدي!!! ماعاد في حيل أصبر على أحد! حصة : ماأوقف ضدِك يا روحي، ولا راح أوقف ضدك بيوم! أبيك تصحح حياتِك! ماراح يجيك اكثر من اللي مضى . . سلطان تجاوز هالموضوع!! تجاوزه عشان خاطر نفسك اللي تبيها سلطان : اللي موجعني أنه في حياتي كلها ما هزَني شيء، بقيت ثابت مع كل الظروف اللي شفتها واوجعتني، اللي موجعني أنه بعد كل هالأيام والعُمر اللي فات . . يهزَني حمل الجوهرة!! حصة شتت نظراتها، يا رب! كيف ينكسِر بهذه الصورة العنيفة لقلبي : سلطان! . . أرجوك سلطان : إتركيني . . حصة ببلل ملامحها : بس ترتاح راح تفكر صح، . . وقفت . . تصبح على خير سلطان بلع صوتُه كغصَة عكَرت صفو الكلمات. خرجت حصة ليُغمض عينيْه ثانيتيْن وبنصفها الثانِي فتحها لتسقط دمعة من عينِه اليسرى، دمعةٌ لم يُثبَط مسارها بأيَ جهد، تركها للحياة، للثبات الذي عاش به لسنواتٍ مديدة، للإتزان الذي لم يتخلى عنه الا عند الجوهرة، تركها تسقُط بحزنٍ إلتم حوله كجماعَة توحدت به. شدَت عروقه حتى بانت في أطرافِ رقبته وجبينـه، أشتعلت عيناه بحزنِ قبائل وليس فردًا واحدًا. انهارت قوَاه الداخلية، انهارت بعد حياةٍ كاملة ظهر بها في موقف الرجل الصامد الذي لا يهزَه شيء، ولكن هزَه خبر! هزَه جنين في رحمِ إمرأة بلغت من قلبه ما لم يبلغ أحدًا قبلها. مالذي كان يدُور في عقلك لحظتها؟ كيف قدر قلبك أن يهزمني بإرتطامٍ مدويًا؟ من يُنظف مخلفاتِ الحياة التي تعوث في قلبي؟ من يُرتب كومة ملامحك فيَ؟ من أنا من هذا كله؟ ألغيتِ وجودي في لحظةٍ لم أكن أريد فيها إلا أن أثبت نفسي في حياتك! قاسية، أقسى من أن يحتمل أحدًا هذا الحزن الذي خلفتِيه بصدري!! كل الإناث مهما بلغت عواطفهن الناعمة إن انتقمت الواحدة منهن لا تُبقِ جزءً منَا صالحًا للحياة. وضع رأسه على الوسادة البيضاء، أغمض عينيْه لتفكيرٍ لا يدري ماهيتـه، لتفكيرٍ يشتدُ مخاضه بعقلٍ بائس، كيف أبتهلُ بحزني؟ لم أعتاد على إتاحة الحزن بيْ! لم أعتاد أن يتحدث بصوتي! يا نداء الحُزانى في مأذنـةٍ أندلسيـة فقدت إمامها، يا نداء الثكالى في محرقـةٍ عراقيـة يسمعُ صداها لعقُودٍ من زمنٍ ذابل لا يقف على عتبة وقت إلا ليحمل دقائقها ويدفنها، يا ندائي الخافت! بحَ صدرُ الحياة ولم يبق بنا صوت. ، إلتفت عليها ليسحب ساقها بقدمِه ويجعلها رُغمًا عنها تستلقي على الأريكة الشاسعة، سحبها من ذراعها بشدَة غضبه الذي ثار كبراكينٍ مُتصاعدة، أشعرُ وكأن أحدًا حشَر في حلقي طبقةً من النار، بعينيْن تجلدها بسياطٍ من النظرات اللامنتهية : لا تنتظرين مني أثبت لك رجولتي! لأنك لو كنتِ شيء له القيمة كان ممكن أبرر لك!! ضاقت محاجرها بدمعٍ يغزو البياض حُمرةً : ومين قال أني أنتظر إثبات رجولتك ليْ! أنا ما أسألك عن مبرراتك! بقسوة تُكمل : كلامي كان بصيغة خبرية ! شكَك في نفسك ماراح يغيَر من الموضوع شي . . جنَ جنُونـه في وقتٍ لا يلتزم عقله بأيَ تفاوض للإتزان، صفعها بقوَة على حافةِ شفتيْها ليسدَ مجرى الكلمات المتعاليَة بصخبها : راح تندمين! . . على كل كلمة وعلى كل حرف! رتيل بلعت دمعُها بحموضتِه، كابرت بأن لا يهتَز رمشها لتُردف بحدَة : وأنت راح تندم! قلتها بعظمة لسانك إحنا نقدر نتجاوزكم لكن أنتم الرجَال أبقوا في جهنمكم!! . . عبدالعزيز : كيف بتتجاوزيني؟ خليني أتعلم من خبراتِك! . . أردف كلمته الأخيرة بسخريَةٍ لاذعة لعدم مقدرتها على تجاوزه طوال الفترة الماضية. رتيل ببحـة : تحاول تذلني؟ . . وش القلب اللي عليك؟ عبدالعزيز احترق ببحتها الحادة: تقدرين تحكمين سيطرتك على قلبك؟ . . طبعًا لا وأنا كذا يا رتيل! رتيل اندلع في عينيْها فوجٌ من الدموع لتذبل نبرتها المبحوحة : كذااااب! . . قلبك ما يقدر يضايقني بظل كلمة! . . . . . ما أعرفك ولا راح أعرفك! . . غلبني قلبي فيك. عبدالعزيز ألان قبضته، بنبرةٍ خافتة : لا تحاولين ولا لمجرد التفكير أنك تضايقيني!! لأن لحظتها ماراح أضمن حياتك! رتيل بتحدِ عينيْها وبإصرار الكلمات المتحشرجَة على لسانها : و لا تحاول تكسرنِي! .. طول ما أنا هنا صدقني ماراح تشوف يوم حلُو!! . . سحبت نفسَها لتخرج من بين ذراعيْه، وقفت ليقف أمامها، لاصق جسدها بجسدِه ليحتَد صوته : محد يكسر نفسَه بنفسه مثلك!!! رتيل بقسوَة أنثويـة : لو تعرف وش الجنون اللي ممكن أسويه إذا حقدت على أحد! لو تعرف بس كيف ممكن أمحيك من حياتي!! عبدالعزيز تأمل الصدق/الشفافيَة التي تبُوح بها، أدرك أنها وصلت لأقصى مراحل الحقد والكُره : المسألة مو بإيدك! المسألة بإيدي وأنا اللي بحدد وجودك من عدمة بحياتي! رتيل أخذت نفس عميق لتُثبَت عينيْها به : ماراح أحبسك فيني وأنتظرك تحنَ! ولا راح أمنع دموعي من أنها تبكي عليك! راح ابكِي لين تنتهي من داخلي! ولحظتها راح تعرف حجم خسارتك ليْ وراح أعرف كيف ممكن تجي النزوات ثقيلة!! عبدالعزيز برزت عرُوقه بغضبٍ عالٍ، سحبها من ذراعها ليدفع بظهرها على الجدَار، أوجعها ليُحيط عنقها بقبضةِ كفه شديدة الحرارة، خنقها حتى شحب لونُها بالهواء الذي يطير من رئتيْها : مطلُوب أخاف منك؟ أو أفكر بأيش ممكن تسوين؟ . . بغضب تعتلي نبرته . . لا تتحدين شخص ما عنده شي يخسره!!! رتيل تضع كفيَها على كفِه لتُبعده، شدَ أكثر حتى أحمرَت رقبتها، تركها بعد ثوانٍ حاول أن يُسكِن بها حدَة غضبه بروحها. سعلت كثيرًا وأصابعه تنقشُ نفسها حول رقبتها، رفعت عينيْها بإتجاهه: هان عليك؟ . . صرخت ببحَة . . ليه؟ جلست على ركبتيْها، لم تعد تحتمل الوقوف أكثر وقلبُها يضطرب بنبضاتٍ لا تعرفُ إلى أين نهايتها. عبدالعزيز عقد حاجبيْه ليجلس بجانبها، بخفوتٍ واضح: ممكن أكون متناقض! ممكن أكون لئيم! ممكن أكون كذاب! ممكن أكون أيَ شي تتخيلينه لكن بخصوصك أنتِ أبدًا . . لكن غصبًا عنَي، مقهور! . . مقهور منهم كلهم رتيل بضيق محاجرها المتلألأة: وش ذنبي؟ وش ذنبنا أنا وقلبك من كل هذا؟ عبدالعزيز : مالكم ذنب . . بس أنا ممتلي ذنوب . . رتيل: عزيز عبدالعزيز : يا روحه رتيل ببكاءٍ يتصببُ من نهرٍ مجراهُ عيناها : سامح! سامح والله بيجبر خاطرك عبدالعزيز: أسامح على أنهم بغمضة عين اخطفُوا منَي أهلي! أسامح على أنهم تركوني أهذي بغادة وهي تشوف نفس السمَا اللي أشوفها! أسامح على أنهم كذبوا عليَ بأكثر شي مشتاق له! أسامح على أيش؟ لو تدرين بس مُرَ الوجع اللي فيني؟ لو تحسَين بس بقدر أنك تفقدين أحد بفجيعة كذا! لو بس تعرفين أنه كل هذا مو بإيدي!!! سَار بخطواته نحو الأريكة ليسحب معطفه والهاتف ويخرج، نظرت لمقبض الباب الذي يلتف ويُقفل جيدًا، وضعت يدها على رقبتها تتحسس الحرارة التي ارتفعت بها، ثوانٍ قليلة حتى يضطرب هدبها وتعُود لكنفِ بكاءها. جلست على الكرسي لتُخفض رأسها ببكاءٍ عميق، اختر هواكَ يا عزيز، ومثل ما يشتهي هواكَ، عسى أن يقطع الطريق قلبًا عزَهُ هواه وأذلَه، إن نصيبي من دُنيـاك حلمٌ، و نصيبك من حلمِي وجعٌ، كيف ننتهي؟ كيف نتجاوزك؟ أنا وقلبي! كيف نتشافى مِنك؟ إني أؤمن بأن الحُب الذي يصلني بِك محفوف بالخواطِر، إني أؤمن أكثر بأن لا بُد أن نتغاضى ونتنازل، ولكن لا تُشرك إمرأة أخرى معي! لا تُشركها ونحنُ نولد بكيدٍ عظيم.أرجوك يا عزيز! لا تستفز شياطيني الأنثوية بها، أرجُوك لا تقتلني بوجودها، لا تقلتني بالنظر إليْها، لا تقتلني أكثر وأنا أُحبك أكثر وأكثر. همست : أرجوك!! ، تيبست قدماه مع الرنين المتكرر، تجمدَت كل خليَة مُتاحة للتفكير، عاد خطوتين للخلف، لا يعرف مالحل المُجدي بهذا الأمر، إلتفت عليها، نحنُ لا نملك القدرة على مُحاربة الأقدار، كل ما يربطنا بها حفنةُ صبِر. انتهينا! لا مدى يسعَنا ولا الأرض تحتمل وجودنـا معًا، نحنُ نموت جزءً جزءً، ننكسر ضلعًا تلو ضلعًا، نتلاشى كفُتاتٍ يصعب على الأرض أن تجمعنا، نحنُ نموت بصورة بطيئة مؤذيـة، كنت أريد دائِمًا أن تكونين آخر وجه أراه، كُنت أدعو الله دائِمًا أن تكونين في الجنـة وأصعدُ إليْك، كنت أطمع بحياةٍ أخرى معك في وقتٍ لم تدفع لي هذه الدُنيا ما يُكافىء حُبِك، أنتِ معصمي في هذه الحياة ومنذُ غبتِ لم أفعل شيئًا صالحًا بيدٍ مستأصلة جذورها! والآن؟ لا أعرفُ أعمق من قولٍ لأودعكِ به سوى " ردَيني لعيُونك " ، كان حُبنا حلمٌ تحقيقه بمتناول اليد، كان حُبنا أقوى من أن يُطوى، كان ما بيننا أعمق من أن تنسينه يا غادة! أعمق من أن يفلت من ذاكرتك! مُتنا، مُتنا منذً زمنٍ بعيد. تقدمت إليْه بعينيْن مُحمرَة بدمعٍ يضيق بمحاجرها، همست : مين؟ ناصر بجمودِ ملامحه التي تُخفي وجعًا عظيم : الشرطة غادة برجاء يُبللها بالدمع : لا تروح! .. سحبت يدِه لتضغط عليها بوجَع . . لا تروح! ناصر بصوتٍ خافت يحبسُ صداه بقلبها : بقولك شي مهم . . . أحاط وجهها بيديْه ليُقربها منه هامسًا : فيه شي ما قلته لك أمس، وهو مهم بالنسبة ليْ غادة بعينيْن متلألأتيْن، اختلطت أنفاسها بأنفاسه القريبة منه، رمشت لتسقط دمعاتها مرارًا، ويهزَ البكاء غصنه تكرارًا يُكمل تحت رنين الجرس المُزعج : تاريخ مستحيل أنساه وأبيك تتذكرينه حتى لو كذبْ! قولي اتذكره وأحفظيه بقلبك، ظ،ظ¦ أوقست ظ¢ظ ظ ظ¨ اشتركنا بالرسائل المستقبلية اللي تنظمها الجامعة . . كتبنا مع بعض كلام كثير وحطينا تاريخ وصوله بداية عام ظ¢ظ ظ،ظ£ وقلنا راح نكون مع بعض ومرَ على زواجنا ظ¥ سنوات . . كتبنا أحلامنا كلها . . بس نسيت أكتب شي وأبي أقوله لك الحين . . اقترب ليُقبَل جبينها بحُبٍ بلغ في قلبه الشيء الكثير والكبير، بحُبٍ أصبح عذريًا نسبَة للنوى والغياب، نسبة لقومٍ عُذرة الذين أبكُوا أجيالاً من بعدِهم، هُم الذين بلغوا الهزَل والمرض حد الموت من أجلِ حُبهم الذي يحترق من شدَة الوَجد والصبابة، أغمض عينيْه. أريد أن أسحب رائحتِك يا غادة فيَ، لا أريدك تموتين في داخلِي، أريدك حيَة لذاكرة لم تنساكِ لحظة ولن تنساكِ أبدًا، أوَد أن أستنشقك حتى لا يبقَ من هواءِ المدينـة غيرُكِ، أوَد أن أتغلغلُ بِك، بكل خليَة بجسدِي أريدك، لم يهرم حُبنا، لم تتحقق أحلامنا معًا، نحنُ الذين وعدنا بعضنا البعض أن نشيخ معًا، ولم أرى طفلي يا غادة! لم أراه. لم أُأذن بإذنه اليمنى وأُقيم باليسرى، لم أغرقه بقبلاتِي ولم ينام بحُضني، لم نسافر بعيدًا ونُقيم لحُبنا ضحكات هذا العالم بأكمله، لم نفعل أيَ شيء يا غادة!! يا فردوسِي بهذه الدُنيَا، يا جنَـتي، يا ضحكة الميلاد ومواعيده. أحبسي نفسك فيَ، لا أطمح لنهاياتٍ بالغة السعادة ولكن يالله أريد قُربها حتى لو كان وَجعًا إني راضي بوجعها، إني راضي يا ذو الكرمِ. إني راضي بإستبدادها وظُلمها ما دامت هُنا. يا صاحب الجلالة والفضلِ والقوة أرزق فقير الحظ من لطفك واكرمني بحُبها. انهارت قوَاها وذبلت لتتشبث أصابعها بقميصه، غرقت به حدُ اللاإنتهاء، شدَت على صدرِه لتُغطي به وجهها المُبلل، استنشقت عطرِه الذي يُنقش بذاكرتها بصلاحية عُمرٍ كامل، حبست جسدِها بجسده وهي تبكِ، بكلِ دمعة هُناك رجاء أن لا تذهب، بكل دمعة هُناك حزنٌ يمدُ يدِه نحوك، بكل دمعة هُناك وَجدٌ ينسابُ إليك، بكل دمعة هُناك أحبك مُشرَدة. ناصِر يهمس : اللي نسيت أكتبه . . كنت دايم أسأل نفسي وش فايدتي في هالحياة؟ بعدِك حسيت إني مجرد عدد زايد لا أفيد ولا أستفيد . . كنت دايم أقول يارب أرزقني الصبر على أنَي اتحمل اللي بقى من عُمري . . وبس جيتي! طلعتي لي مثل الحلم . . ما كنت أبي أنام أو تغفى عيوني دقيقة، كنت أخاف ما اصحى! ماألقاك جمبي، كنت أبي أستغل كل دقيقة معاك قبل لا ينتهي عُمري . . كنت أبيك هنَا وبالآخرة وبكل مكان راح أعيشَه، ما عدت أسأل ربي عن عُمري، انا كنت أحمد الله على كل دقيقة كنتِ فيها هنا . . قدام عيوني، . . اللي أبيك تفهمينه أنه . . مدَ الله بعُمري عشان أعيشَه معاك. خرج أنينها موجعًا مؤذيًا لكل خليَة بصدره، سقطت حصُونها بآخر جملة، إرتخى جسدِها وكأن العظام ذابت وتبخرت، شدَ على ظهرها ليعانقها بكل ما يملك من قوَة، دفن ملامحه بعنقها، عاد لأصلِ الهوَى، لعنقها الذي هو المرجعُ في العشق والشِعر، صعد بقُبلاتِه نحو ملامحها ليهمس بالقُرب من إذنها : بحفظ قلبي بعد الله. ستقرأين يومًا عن أحلامنَا المشتركة التي أصلُها إثنيْن وكان لا بُد أن يجمعنا ثالثٌ يحمل إسمِي ويحملُ ملامحك، ستقرأين يومًا عن الحُب الذي غادر ذاكرتك سريعًا، ستقرأين يومًا عن الحياة التي كانت لابُد أن تنصفنا ونجتمع تحت سقفها، ستقرأين يومًا عن هذيَان رجلٍ كتب لكِ عن أطفاله الذين لم يأتون و عن حياته التي لم تأتِ، ستقرأين يومًا أنني أحببتُكِ أكثر مما يجب لنفسٍ بشريَة، لا تحتمل كل هذا الغرام. تركها ليُعطيها ظهره، أقسى ما في الوداع الإلتفاتة التي تُصعَب من أمرِه، سحب جاكيته ليأخذ نفَس عميق وبداخله ردد " اللهم أحفظها " ، فتح الباب ودُون أن تتحرك شفتيْه بكلمة سحبُوه ليُقيَدوا يديْه. سقطت على ركبتيْها بمُجرد ما أن اختفى عن أنظارها، رحَل! كيف أدلَ طريقـه بعد الآن؟ هل سينتهي أمره بالسجن ثم الموت؟ وأنا؟ . . يا الله أستعيذُك من إنكساراتٍ أخرى لقلبٍ أمتلأ بثقوبـه/خدوشه. أستعيذُك يالله من الوجع أن يقترب من قلبه، لو أن الوقت يستطيل ويتيح لنا فرصَة واحِدة، فرصَة حتى أُخبرك بأنني أتحدى هذه الذاكرة والزمان الذي رحَل، إنني أتحدى كل شيء من أجلك، من أجل أن أعُود لأصلِي، أصلي الذي هو قلبك. ، ، لا صوتٌ ينفذ سوَى رعشات الماء تحت القارب، ولا ضوءٌ يبرق سوى المصباح الصغير الذي على جانبيَ القارب، السكُون يهبطُ بسلامِه على الهواء الذي يُحيطهما والبرودة تُرجِف ملامحهم وتخرج كبُخارٍ أبيض من بين شفتيْهما. نظر إليها بنظراتٍ أشعلت قلبها بربكة عميقة، شدَت على جاكيتها بتجمُد من درجة الحرارة المنخفظة، شتت نظراتها خوفًا/رهبةً. فارس وقف ليُثير كل خليَة في داخلها ويُغرقها برعبٍ شديد، رفعت عينيْها المرتجفتيْن لعلوِه و هيبـته المتسللة بجسدٍ تترجمه حواسَه، ثبتت نظراتها لعينيْه المُرَة كالقهوة والحُلوة بذاتِ الوقت. مالذي تحاول أن تفعله بيْ يا فارس؟ عيناكَ لم تكُن يومًا شيئًا عاديًا حتى أتجاوزه! عيناكَ ثقافـة كُلما رأيتهما شعرتُ بأني أُميَة، عيناكَ موسوعة وأنا لا أحفظُ أمامهما إلا لحنِ إسمك الملتوي على لساني، مالذي تُريد أن تصِل إليْه؟ قلبي؟ أمرٌ أنتهينا منه. عقلي؟وقعنا على إستعمارك له في عقدِ زواجنا. هذه السماء التي تقف خلفك تُضيئني، أم أنت من تُضيء لي هذه السماء! أحبك! " كِذا ببساطة أحبك ". تتغلغل بيْ وتتحكم بحواسَي، كل شيء يخرج تحت سيطرتي لتُسيطر عليه بإستحلال تام، أنا مُقيَدة تحت شرعيْتك، أعملُ بقوانينك أهمها ما تُمليه عليَ عينيْك، أنت تعلم! والله تعلم كم يبلغ مداك فيَ، تعلم وتثق بذلك مهما حاولت أن أنكر لك وجُودك في داخلي. عيناكَ كارِثة! لولا الخوف من الله لعبدتُها عبادة، عينَاك أمسيَة لولاها ما خرَجت علينَا الشمسُ ولا غربَت، عيناك يا فارس! لا أحتملُها. فارس ابتسم لملامحها حتى بانت أسنانه : وين وصلتي له؟ . . جلس بمُقابلها، بقُربٍ شديد حد أن يلامس أقدامه أقدامها. عبير أخفضت نظرها دُون أن تنظر إليْه : أفكر وش بيصير بعدين! فارس : وش بيصير؟ عبير رفعت حاجِبها الأيمن : مدري!! وش بتسوي؟ فارس: عادِي! برجع لحياتي القديمة . . مافيه شي تغيَر عبير نظرت إليْه بقُربٍ لا طاقة لها به، شتت نظراتها لتُردف : كيف حياتك القديمة؟ فارس: أصحى أقرأ أرسم أكتب وأنام عبير : بس؟ فارس : بس عبير بلعت ريقها بصعُوبة : كيف كنت تراقبني؟ فارس بضحكة : كم تعطيني عشان أقولك! عبير ثبتت نظراتها عليه : أبي أعرف فارس : وأنا أقولك كم تعطيني؟ عبير : ماعندي شي أعطيك إياه فارس إبتسم : إلا عندك عبير إبتسمت : أفهم وش تبي بس ماأبي فارس غرق بضحكته ليُردف : ولا أنا أبي أقول!! عبير نظرت لضفَة النهر البعيدة لتُعيد عينيْها نحوه : تحب الغموض في كل أمور حياتك!! حتى معلومة مستخسر تقولها ليْ. فارس: على الأقل ما ما استخسرت أمر واقع ولا أنكرته عبير شعرت أن دماءها تجلطت وتجمدَت، صمتت لا كلمات تطفُو على لسانها، كل شريَان يضخُ عجزه أمامك. فارس بخفُوت : على فِكرة ماراح تمرضين ولا راح تموتين لو كنتِ صريحة شويَ مع نفسك عبير تنهدَت : جايبني عشان تستدرجني بالحكي فارس : ماأستدرجك على شي ماتبينه! من حقي أعرف عبير بحدَة : لآ مو من حقَك فارس : عبير! من حقي وأنتِ أكثر شخص يعرف أنه من حقي! عبير : وأنا حُرَة بأني ماأتكلم فارس : أنتِ عنيدة كذا مع الكل ولا بس معايْ ؟ عبير : ماني عنيدة . . فارس: كل شي تنكرينه لو أقولك إسمك عبير بتقولين لا ماني عبير!! بس لمُجرد أنك تعانديني!! عبير بسخرية : إيه أنا نفسية كذا . . قبل أن يتحدث ثبتت نظراتها به لتُكمل : تسألني وكأنك توَك متعرفْ عليَ!!! فارس : كِذا . . نفسية عبير أشتعلت بقهرها لتصمت مشتتة نظراتها، يعرفني أكثرُ من نفسي ذاتُها، يحفظُ أدق تفاصيلي وأصغرها، ومع ذلك يحاول أن يسألني وكأنه لا يستطيع أن يستشفَ الأجوبـة من عيني. فارس : بردتي؟ عبير بحدَة : إيه خلنا نرجع فارس ينزع معطفه ليُغطيها دُون أن يترك لها مجال للرفض أو القبول، شدَه ليُقرب ملامحها من ملامحه هامسًا : خلَي عندِك أمور وسط وخيارات كثيرة عبير اخترق عطره جيوبها الأنفيَة حتى شعرت بأن رائحته تجري بدماءها جريَان الأنهارِ والسيُول، هذا العطر يهزمني بصخبِه، على هواكَ يا فارس ننصبُ طريقَا ونغيَر جغرافيَة العالم بإمتدادِ صوتُك/رائحتك : شكرًا فارس : عفوًا يا روحي عبير خافت من إستسلامها له بهذه اللحظة، ارتعشت أطرافُها بحمرةِ الخجل التي صبغت ملامحها البيضَاء. فارس : جزآ الله عن صبري الجنَة عبير ضاقت حنجرتها بتحشرجاتها، بنبرةٍ ضيَقة : محد صبر غيري! كنت تعرفني وتعرف اهلي بكبرهم! وأنا حتى أول حرف من إسمك أجهله فارس : وتحسبين أنه الوضع كان عاجبني؟ لكن كانت لي أسبابي! عبير بإستهزاء : ماأتوقع أنك أول شخص إسمه فارس ولا آخر شخص عشان تخبي عليَ الإسم فارس : المُشكلة أنك أكثر إنسانة جدية مع الكل! بس معايْ أكثر إنسانة تستهزأ بكل كلمة أقولها عبير ابتسمت رُغمًا عنها،" تتحكم بإبتساماتي يا فارس! بكل حركَة أصدرها تملك سيطرتك عليها. " فارس بضحكة : حيَ الإبتسامة اللي تطلع بالسنة مرَة عبير بجديَة : لأني مقهورة منك! ماني مستوعبة كيف سنة وأكثر وأنا أشحذ خيالي عشان أخمنك! وآخر شي ببرود تبيني أتعايش مع الوضع طبيعي! فارس : صححي معلوماتك! ماطلبت هالشي ببرود عبير : وش تفرق يعني؟ بالنهاية أنت تعرف وأنا ماأعرف ولا شي فارس: تفرق كثير . . احيانا نكون مجبورين على أشياء ما ودَنا فيها عبير : من أضعف الإيمان أنك تقولي إسمك . . صمتت، عادت لكنفِ السكُون، لا قُدرة على الكلمات أن تشرح حزنك في اللحظة التي تغصَ بذاتِ الكلمات، الكلمات التي كانت خلاصُك للإنشراح. كم ليلة شحذتُ بها عقلي حتى يُخمنك ويصوَرك. كم ليلة حاولت أن أرسمك بطريقةٍ أسطوريَة تليقُ بصوتِك الرجولي الذي هزَ ما كان وما سيكُون، صوتُك الذي زلزل قلبي بصخبِه. صوتُك الذي سمعتهُ مرَة وسرقني لعُمرٍ بأكمله، و لمحتُك لحظةً على شارع بمُقابل الفندق حتى توسدت تفكيري بعينيْك، لمحتُك وأنا أدرك فداحة اللمحة الآن، فداحتها التي تنتهي بظلالِ مقبرة يقودها والدك، لمحتُك يا فارس وزعزعت أَمني. فارس: بس هذا ما يمنع إني كنت صادق عبير انسابت دمعة تحت ضوء القمر من عينها اليسرى، نظرت إليه بضياءِ الدمع : تتحمل ضميرك يأنبك ليُوم؟ بتضيق الدنيا في عينك وتنام عشان تهرب من هالتأنيب . . كيف تتصوَر هالضمير لو استمر معك سنَة ؟ وأستمر كل دقيقة وكل لحظة!! جرَبت تغص بالحكِي وتحس حتى ضحكتِك ما عدت تملكها؟ مافيه شيء ضلَ على ماهو عليه من لحظة دخولك لحياتي! فارس: كل شي له جانب سلبي . . وله جانب إيجابي عبير: الحُب اللي ما يقويك ما هو حُب فارس: وش اللي صبَرك كل هالفترة؟ مين عطاك هالقوة عشان تخبين على كل اللي حولك ؟ عبير: الله فارس: بعده؟ عبير بوَجع: أنت تضعفني يا فارس!! ماكنت مصدر قوة بالنسبة ليْ فارس: وأنا كنت أبيك، حاولت أمنع نفسي عنك بس مقدرت، ماعندي قوتك اللي خلتك تقطعين بالشهور عنَي، ماعندي هالصبر اللي يخليني ما أسمع صوتك ولا أشوفك . . ماعندي ولا شي من هذا!! رآس مالي بهالحياة قلبك! قلبك اللي هنَا . . أشار لصدره. عبير بضيق: وهالقوة والصبر على قولتك ما خلتني أبتسم يوم!! ليه بخلت عليَ بكلمة أتطمن فيها؟ ليه لمَا شفتك بباريس أول مرة ما قلت ليْ شي! حسيت . . والله حسيت أنك تعرفني! فارس: كنت بوضع مقدر أقولك فيه شي . . . ما اخترت أنا حياتي! مااخترت ولا شيء عشان تحاسبيني عليه. عبير بدأت ملامحها بمقاومة البكاء الذي يفيضُ بها : طيب وأنا؟ خليتني أدعي على نفسي أيام وأكره نفسي شهور! . . . ما يحق لي أتضايق؟ فارس تنهَد : يحق لك تتضايقين! بس إلى متى؟ الحياة ماراح تنتظرك ترضين! عبير: تنتظرني؟ تقدر تصبر؟ فارس صمت قليلاً ليُردف بكلمةٍ أجهشت عينيْها ببكاءٍ عميق : إذا كنت حيَ عبير شدَت على شفتِها السفليَة حتى تقاوم طوفَان الدموع الذي يعبثُ بمحاجرها : ودَي أصدقك . . بس لأني عارفة أنك ممكن تنجبر على أشياء ماتبيها! وممكن منها تنجبر على شي يخليك تنساني! فارس: الشي اللي ماتملكين سيطرتك عليه محد راح يسيطر عليه، حركاتك تصرفاتك أفعالك كلها أشياء أنتِ تقررينها وممكن تنجبرين عليها لكن قلبِك؟ أنتِ ماتملكين سيطرتك عليه كيف غيرك يملك سيطرته عليه؟ عبير رفعت نظراتها للسماء المتوهجَة بنجومها البيضاء: اللي سويناه غلط! رضينا ولا مارضينا! تعبانة من هالغلط . . لأنه بحق الله مو بحق أحد ثاني عشان أنساه!! فارس: وصححناه، يعني تتوقعين كِذا أنه ربي راضِي عنك!! أنك تمنعين نفسك عن شي بالحلال؟ الله خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو رسول وقاله لا تُحرم على نفسك ما أحله الله لك . . كيف أنتِ؟ عبير همست: صلى الله عليه وسلم فارس: محد معصوم عن الغلط! كلنا نغلط . . لكن نصحح أغلاطنا . . صح أننا صححنا غلطنا بطريقة أقبح من الغلط نفسه لكن بالنهاية صححناه مهما كانت الطريقة . . ما أطلب منك شي يا عبير، ولا راح أضغط عليك بشي، كان يكفيني أحبك لو يوم بعُمري، كان يكفيني أني أعيش معك هاليوم. عبير تبللت ملامحها برجفةِ اطرافها المتجمدة، شدَت على معطفِه الذي يُغطيها: تتنازل؟ تتنازل عني بسهولة؟ فارس شتت نظراته بعيدًا ليصمت لدقائق طويلة، بكل ثانية تسقطُ دمعة مالحة على خدها المُحمَر. أردف: ما اقُول أنتِ قلبي ولا أنتِ حياتي ولا أنتِ جزء مني، ماأقول إنِك شيء عادِي ممكن أنساه، أنتِ تقاسميني نفسي، كيف أتنازل عن نفسي؟ ارتجفتْ شفتيْها، نظرت إليْه بدمعٍ يُضيء به وبعضه ينسكب، انساب حجابُها دُون أيَ ردة فعل لتوقف إنسيابه خلف ظهرها، تركت للريح مجرَى أن يتلاعب بشعرِها الطويل، تجمدَ هذا الكونُ بأكمله ولا رمشةُ تنقذ الموقف. لحظةُ صمتٍ عميقة تربطُ نظراتهما المتقابلة عشقًا/شغفًا/غرامًا/حُبًا. اندفعت الضرباتُ لصدرها الذي يرتفعُ بعلوٍ ويهبطُ بذاتِ العلو. كيف يأتِ الإعترافُ صريحًا هكذا؟ حادًا بهذه الصورة! أشعرُ بحدائِق تتحشرجُ بأوراقها في رئتي، لا خريف يأتِ يقتلع جذورِي ولا ربيع يُساعدها على النمو، واقفة بالمنتصف أنا وقلبي. أنت ما كُتبت عنه غادة السمَان وصدقت، أنت الذي شهدت عليكَ ولولا عكازُ كلماتها لأنكسرت أمامك الآن " وإذا أنكرت حُبي لك، تشهد أهدابي على نظرة عيني المشتعلة حتى واحتك، وإذا تنصلت منك تشهد يدي اليمنى على اليسرى وأظافري على رسائل جنوني بك، وتشهد أنفاسي ضد رئتي وتمضي دورتي الدموية عكس السير ضد قلبي، وتشهد روحي ضد جسدي وتشهد صورتي في مراياك ضد وجهي، وتشهد الأقمار الطبيعية والإصطناعية ضد صوتي، وحتى يوم أهجرك أو تهجرني، لن أملك إلا التفاتة صبابة صوب زمنك لأشهد أنني أحببتك مرَة ومازلت " مازلت يا فارس. اقترب أكثر، اغمضت عينيْها ليندفع الحلم نحوَها كإندفاع الدمع، أحاط يدِه خلف رأسها ليُخلخل أصابعه بشعرِها المُطلَ بعُتمته، لامسَت ملامحه السمرَاء بياضها ولا شهُود سوَى القمر وبضعِ نجومه. استسلمت بلا أيَ مقاومة تُذكر، من فرطِ السعادة لا نملك القدرة على رؤيتها، نُغمض أعيننا لأن لا قدرة على الواقع أن يُرينا ضخامة ما نشعُر. أغمض عينيْه ليمتزج بها حسيًا، إني أستودعُ ثغركِ وعودًا لا تكتبها سوَى القُبلات، إني أشهدُ على شفتيْكِ بغنَى وثراء ما قبلُ التاريخ وما بعده، إني أشهدُ على إختصار الكونِ فيك، وكل الكونِ أنتِ. تعبرُ الدقائق ولا يُلقى لها بال، لم يكُن الزمن مُرًا في أشدِ اللحظات عُمقًا، إنما مرارته بالوحدة/العُتمة. سقط معطفِه من على كتفِها لتنجرف بأكملها نحوه، وضعت يدها خلف عنقه باللاشعُور الذي يقودها، بكل كلمات الحب التي قيلت ومازالت تُقال، يكفيني يا فارس أن أُحبك لدقيقة وأن أتنفس أنفاسك، وأنا أُقاسمك هذا الهواء وهذا الفضَاء، يكفيني أن أختلي بك في وسطِ هذا النهر وليكُن أجمل يوم في حياتي، ولا يومٌ يضاهيه، ألتحمُ بِك بدوافعٍ أعرفها ولا أعرفها، بدوافعٍ لن أسأل نفسي عنها، بدوافعٍ إسمُها " أحبك " وكفى، يا لذة الوجَع منك! " يا حلوَه لا جا مِنك " أدركت تمامًا أنَ وجعي لذيذ ومُغرِي للغرق به، أعني الغرق بك. اضطربت أنفاسُها بربكةِ قُربه/إلتحامه بها، ابتعد مقدارِ سنتيمتر واحد عن شفتيْها، ليُلاصق أنفُها أنفه، كيف بقُبلة أن يقف هذا الزمن بعيني؟ أن يتلاشى الجميعُ من عيني لتبقى الحياةُ أنتِ وماءُ عينيْك شَرابي؟ لن يجيء من بعدِك شخصًا له القدرة على إلمام الكون في ملامِحه ومُقابلتي. لن يجيء شخصًا يقف ويلتفُ الكون حوله. من أيَ الأرحامِ أتيْتِ حتى تحملِي قلبِي؟ يالطاعة التي أبذًلها كلما تأملتك وقلت " سُبحانه من أوجَد الفتنة في عينيْك ". سنفترق يا عبير؟ هذا ما يطفُو على سطحنا، ولكن أحبك! " كِذا ببساطة أحبك ". فتحت عينيْها لتنظر إليْه بإضطرابِ الأنفاس المتبادلة، ما مرَ حلمٌ أو واقع، ما مرَ مطرًا قَدَرَهُ أنتْ. فاضت ملامحها بالحُمرة، ولم يبقى بياضٌ سوى عينيْها المتلألأة بالدمع. همس: مضطر! عشانك وعشاني، ولو بإيدي كان قلت أموت معاك ولا أموت من حياة بدُونك، . . آسف عبير ببكاءٍ سلك مجراه على ملامحها، همسَت ببحَة : لا تروح! فارس صعدَت دمعةُ لعينيْه، صعدَت بتقيؤ للوجَع، أنا الذي ضللت السير طوال حياتي ولم أحب سواكِ. كُتب عليْنا أن لا نجتمع مهما حاولنَا أن نقترب. عبير بإستسلامٍ تام يختنق صوتها تدريجيًا ببحةٍ لم تُبقِ من لياقة الكلمات شيئًا يُسمع: فارس فارس رفع عينه للسماء: مافيه شي بحياتي مستقر! مافيه إلا أنتِ. عبير: محتاجتك . . فارس بألم يتحشرجُ به صوته : آسف لأني مقدرت أكون زوجك عبير أخفضت رأسها ليواسيها شَعرها على الجانبيْن، بكَت بلا أيَ محاولاتٍ للصمود، بكَت من مرارة البُعد والوداع، بكَت لأن لا شيء سيكُون على ما يُرام في يومٍ سيغيب به فارس. ، وقف أمام الباب بتعبٍ وجُهدٍ استنزفه الجوُ البارد، ضغط على الجرسِ كثيرًا، تمرُ اللحظة واللحظة الأخرى ولا يتحرك من مكانه، مازال يضغط على الجرس حتى بدأت ملامحه تحمَر بالغضب، طرق الباب بقوَةٍ صاخبة، صرخ: ناااااااصر! . . . أدري أنك هنا! أدري أنك بباريس . . ضرب الباب بكفَه المتجمدة من البرد. واصل ضربه متجاهلاً الشقق التي بجانبه، واصَل حُرقته التي تصِل بضرباته، صرخ حتى بحَ صوته: نااااصر . . نااااااااااااااااصر هرول إليه حارس العمارة سريعًا : أزيز؟ *عزيز* إلتفت إليه ليُخبره الحارس قبل أن ينطق كلمة: ألم تعلم ماذا حصَل؟ قد أغلقته الشرطة وأتى أمرٌ بأن لا يسكن أحدًا حتى تنتهي مجريات القضية. عبدالعزيز بفرنسيَةٍ أصبح يُبغضها و رُغمًا عنه لا يتخلى عنها : أيَ قضية؟ : لا أدري تمامًا ما حصل ولكنه قتل شخصًا وهرب عبدالعزيز شعَر بأن العالم يدُور حوله والحارس العجوز يدُور أكثر : من الشخص؟ إمرأة؟ : لا أدري عبدالعزيز بهذيَان تذكَر صوتُها: متى حصلت الحادثة؟ : قبل أسبوعيْن أو أكثر تنهَد براحة وكأنه أمتلك العالم بكفَ يده: شكرًا : بوردون نزَل للشارع ليُفكر بأيَ مكانٍ من الممكن أن يذهب إليْه، سَار كالعابرين البائسين، يشدُ الخطوة ويسحبُ الأخرى والذبول يلحظه المارَة. لا تفعل هذا بيْ يا ناصِر! تجمدَت خطواته ليقف بالمنتصف، و الأصوات تتداخل بمخيلته، حاول أن يستعيذ بالله ويتركُ هذا الأمر برمته خلف ظهره ولكن لم يستطع، لم يقدِر على أن يُصفي ذهنه من كل هذا. مسك رأسه لينخفض بوَجع عميق : يالله ساعدني . . ساعدني يارب يا كريم . . . بصداعٍ يُفتت خلاياه تنبعثُ أصواتهم، و صوتُ هديل الناعم والصاخب يسلبُ عقله، جلس على عتباتِ الدرج لينقبض قلبه بشوقٍ لهديل ولضحكة هديل ولروح هديل، يارب! رفع عينه لسيارة الأجرة الواقعة أمامه ليقف بتعب ويتجه نحوها : إلى المقبرة. : ولكن لا يُمكنك دخولها بهذا الوقت. عبدالعزيز بحدَة : إتجه بي إليْها . . . : حسنًا نظر لساعته التي تعبرُ الفجر بساعاته الأولى، يالله كم يلزمني من وقتٍ حتى أتعايش مع موتكم/فقدكم، يارب أجبر كسر قلبي بفقدهم، يارب يا كريم عوضني بخيرٍ من عندِك في جناتِك. مرَت نصف ساعة حتى وصل إلى عُتمةٍ لا يضيئها شيء، أعطاه أجرته ونزل، نظر لِمَن حوله، ليتجه نحو الناحية الأخرى، بحث في الأرض عن شيءٍ حاد يُدخله بالقفل، حاول أن يدفع الباب ولكن لا جدوى، نظر بنظراتٍ للجانبيْن حتى تسلق الجدَار ورمَى نفسِه على الأرض بمسافةٍ ليست بالمرتفعة، نفض ملابسه ليسير بخُطاه نحو الجهة الأخرى التي يحفظها، بكل خطوة كان يخرجُ الهواء من رئتيْه ولا يعُود، بكل خطوة كان يختنق أكثر. جلس على ركبتيْه أمام قبرها، لا قوة لديْه تُسعفه أن يقف أمام هذا الألم المفجع. " السلامُ عليكم دار قومٍ مؤمنين أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون " صمَت ولا فكرة تدُور بباله، ينظرُ للتراب الذي يرقد فوقها ويفيضُ قلبه بحزنٍ لا تشرحه الكلمات ولا توازيه المعاني. أخفض رأسه لتحمَر محاجره بملحِ الدمع، لا شيء يُبكينا بقدر الموت، لو أن الحياة تعود يومًا لمَا فرطت بدقيقة دونكم، لمَا تركت لحظة تأتِ وأنتم لستم معي، لمَا غبت. لو أن الحياة تعود يومًا يا هديل وأشرح لكِ عن وجع غيابك،" أشتقت! اشتقت لك كثير. وكيف ألتقيك؟ لو أنِي أقدر أشوفك أو بس ألمحك! لو بس أملك هالمعجزة اللي تخليني أسمعك. " وضع رأسه على الصخرة التي ترمز لقبرها، انسلخ من جلدِه ولونه وشخصه وكبرياءه وعاد لأصله، أصلُ البشر بكاء منذُ أن خرج من رحمِ أمه ليواجه هذه الدنيَا. كل شيء بعدكم يحمل الإفتراضات و " لو " لا شيء حقيقي يُسعدني، وأنا والله العظيم لا قُدرة ليْ على الحياة بعدكم. يارب أسألك بكل إسمٍ سميت به نفسك ذكرته في قرآنك أو على لسان أحدٍ من خلقك أو أخفيته في علم الغيب عندِك لحكمة منك لانعلمها، يارب أرزقني الصبر، يارب أرزقني الصبر، يارب أرزقني الحياة. ، السَاعة الثامنة صباحًا -/ باريس. خرج من المطَار ليتنفس هواءً بارِدًا يُدفىء خلاياه المشتاقة لهم، هذه البرودة لا تعني شيئًا أمام حرارة الشوق، ولا شيء يعتلي سقف العائلة، لا شيء له القدرة أن يوازِي مقدار العائلة، هذا الشتات، شتاتكم تحديدًا يعني أن يُكسَر في داخلي ضلعًا تلو ضلع، يارب المم شتاتنَا وبعثرتنا. إتجه نحو نايف ليُسلم عليه بحرارة : الحمدلله على السلامة عبدالرحمن : الله يسلمك . . شلونك يابوي؟ نايف: تمام . . خليت سالم في البيت عبدالرحمن : ليه وين عبدالعزيز؟ نايف: طلَع . . خلنا نستعجل قبل لا تمسكنا الزحمة عبدالرحمن عقد حاجبيْه ليركب السيارة بجانبه، ربط حزام الأمان ليُردف : فيه شي صاير؟ نايف: كل الأمور تمام عبدالرحمن : وعبدالعزيز؟ نايف بتوتر تنحنح : بخير . . حرَك السيارة ليأتِ سؤال عبدالرحمن مزلزلاً لكل كذبَة يُغطي بها ما حدث: هذي سيارتك؟ نايف: لآ . . لسالم عبدالرحمن صمَت لينظر للطريق المزدهر بخضاره وقلبه يبتهلُ شوقًا لعائلته. تمرُ الدقيقة تلو الدقيقة ويفيضُ قلبه شوقًا أكثر/أعمق، كل الأفكار تنسحب وتبقى فكرة واحدة " عائلته " . . رتيل، عبير، ضي. بعد 45 دقيقة انقضت بطريقٍ طويل نحو البيت الخشبِي الذي لم يراه عبدالرحمن مُسبقًا، ركن سيارته لينزل، سلَم على سالم ليلتفت نحو نايف: تقدرون تآخذون إجازة اليوم بكون هنا سالم: الحمدلله على سلامتك قبل كل شي عبدالرحمن : الله يسلمك من كل شر . . إتجه نحو الباب ليفتحه بخفُوت، طلَ للجهة الأخرى ناحية المطبخ المكشوف على الصالة، نظر لظهرها وهي تتكىء به على الطاولة وتُحرَك الملعقة وسط الكُوب. لم تشعُر بخطواته خلفها وتفكيرها غارق حدُ اللاشعور بشيءٍ آخر وبطنُها ينتفخ بشهورٍ أولى، بدأ الحملُ يظهر عليها ويزيدُها جمالاً مهما شحب لونُها وانصهر، تبقى الحياة تُبَث بها لأن بداخلها حياةً أخرى. : صباح الخير إلتفتت بلهفة لنبرةٍ تحتلُ قلبها، ارتجفت شفتيْها لتتجه نحوه بعناقٍ جعلها تقف على أطرافِ أصابعها، سحبت رائحته بداخلها وهي تستنشقُ الهواء الذي يعبرُ عنقه، فاض قلبُها ببكاءٍ ممتلىء بالسكينة، فاضت رُوحها بالشوق وهي تتشبثُ به كطفلةٍ أضاعت سبيلها، " وجُودك بجانبي يكفيني! يكفيني عن هذه الحياة بأكملها، لو تعلم كيف لمزاجيَة قلبي أن تتبعثر وتصطدم بحدَة التفكير لمُجرد أنك لست هُنا! لو تعلم فقط كيف تتلعثمُ روحِي دُونك؟ وأنك الطريق الأوضح على الإطلاق! وأنك صوتي يا عبدالرحمن، صوتي الذي لا يُبَح أبدًا ". : اشتقت لك عبدالرحمن بإبتسامة: وأنا أكثر . . تشبثت به بطريقةٍ تُثير كل خليَة حانيَة في جسدِ عبدالرحمن، لستُ على ما يُرام! لا شيء يسير بخير طالما أنك لست هُنا، لا شيء يا عبدالرحمن يسدَ مكانك. شدَ على ظهرها وهو يشعرُ ببكاءِها الذي يهزُ قلبه قبل كل شيء: ليه البكِي؟ . . ضي!! ضي: مِحنَا بخير!!! عبدالرحمن يُبعدها ليُحاصر ملامحها الباكية بكفيَه: الحمدلله على كل حال . . كل امورنا راح تتصلح بإذن الكريم . . إلتفت ليبحث بعينيْه عن رتيل : . . وين رتيل؟ ضي بضيق: طلعت مع عبدالعزيز عبدالرحمن: متى؟ ضي: أمس عبدالرحمن عقد حاجبيْه: كيف ما رجعت؟ وين راحوا؟ ضي هزت كتفيْها باللاأدري : عبدالعزيز مو على بعضه في اليومين اللي راحوا عبدالرحمن: رتيل معها جوالها؟ ضي: لا لمَا غاب عبدالعزيز آخر مرة أخذه معه وما رجعه عبدالرحمن تنهَد ليبتعد بخطواته متجهًا للخارج، اقترب من نايف: وين عبدالعزيز؟ نايف: قالي بيرجع بس ما رجع وماحبيت أشغل بالك!! عبدالرحمن بغضب: كان لازم تعلمني! . . الحين وين نلقاه؟ نايف: تطمَن ماهو عند رائد ولا غيره . . لكن بالضبط مقدرت أوصله عبدالرحمن مسح على وجهه بتعبٍ وإرهاق: من وين طلعت لنا هالمصيبة بعد!!! نايف: الحين راح أدوَر عليه داخل باريس يمكن أقدر أوصله، عبدالرحمن صمت لتتداخل الأفكار بعقله، تحديدًا الأفكار الأشد سوءً. : ما قالك شي؟ كِذا فجأة قالك بطلع نايف: لأ . . حصل شي غريب، جاه ظرف ومنعني إني أفتحه، خذاه ومن عقبها انقلب حاله عبدالرحمن شتت نظراته لتثبت للغرفـةِ الخارجة عن البيت، أتى صوتُ نايف منبهًا: هنا كان ينام اقترب بخطواته ليفتح الباب ويدخل، نظر للمكان المبعثر حتى سقطت عيناه على الأرض، على الصور المشتتة. انحنى ليأخذها بملامحٍ تشتدُ غضبًا، قرأ الورقـة ليعجنها بكفَه المنتشي غضبًا، تنهَد راميًا الورقة على الأرض: مجنون!!!! جلس على طرف السرير ليضع يدِه على رأسه، كل الأمور تسوء! ما أن نخرج من مصيبة حتى ندخلُ في أخرى! ماذا تفعل الآن يا عزيز، أعرف تمامًا ماذا يدُور في عقلك هذه اللحظة. يالله أرحمنا!!! ، يُدخن سيجارته ليجلس أمامه بساقٍ ترقدُ على ساقٍ أخرى: أكرر سؤالي مرةً أخرى ناصِر بتظاهر يتحدثُ بركاكة إنجليزية : لا أتكلم الفرنسية ولا الإنجليزية : يبدُو أنك لا تفهمني جيدًا! سجلك وافر بشهادات اتقان اللغة . . لذا لا فرصة لك بالكذب ناصر: لا أفهمك بغضب: اجبني قبل أن اتخذ بحقك عقاب يمنع عنك النوم!! ناصر ببرود: لا أفهم شيء : حسنًا! في حال حُكم عليك بالمؤبد قُل لهم أنني لا أفهم لغتكم! ناصر بإستفزاز : من دواعي سروري اقترب منه الضابط ليلكمه على شفتِه: إياك! إيَاك أن تستفزني ناصِر: ما أفهمه من لغتك أنني لست قاتل : سأقول لك شيئًا وتذكره جيدًا . . لن تخرج من هنا إلى لقبرك. ناصر سعَل من بحَة البرد الذي يُداهمه : شكرًا لمعلومتك جلس الضابط الفرنسي خلف مكتبه: هروبك إلى لندن سيُكلفك الكثير ناصر أسند ظهره متجاهلاً صوته البغيض، الضابط: ألا تملك شخصًا نتصل به؟ ناصر: لا الضابط: أين والدك؟ ناصر: ليس هنا! الضابط: أنا اسألك أين هو ولا أسألك إن كان هو هنا! ناصر تنهَد بغضب ليعُود لصمته دُون أن يجيبه بكلمة، هذه الحياة تتخلى عنَي للمرة الثالثة، لم أكن أحتاج أن يقف معي أحدًا، تشافيْت تمامًا من الخيبات والصدمات التي مازلتُ أتعرض لها، تشافيْت من النهايَة التي تجيء ببطءٍ يقتلني! تشافيْتُ من الإنكسارات التي تغدرُ بيْ، تشافيْتُ من كل هذا ولكن لم يكُن شفاءِي بلا مقابل! دفعتُ مقابله اللاشعور، لم أعد أشعرُ بأيَ فرح! لم أعد أُدرك أعراض الفرح ذاته، وقلبي؟ فقدته تمامًا. أنا أموت! بطريقةٍ بشعة. ، نظر للسقف يحاول بشتَى ما يملكُ من قوَة أن يخرج صوته مناديًا، لا أحد حوله/بجانبه، مهما علَى صوتُه لا أحد يسمعه، احترق جوفـه بإختناقٍ لا قُدرة له عليه، اضطرب صدره الهابط/المرتفع، شدَ بأصابعه على السرير، يحاول أن يتمالك نفسَه ويقاوم هذا الغرق، يدعُو الله أن يدخل أحدًا لينقذه الآن، يبتهلُ قلبه بأن يدخل طبيبًا أو ممرضًا ويُسعفه، في كل لحظة يزيد به الألم كان يزيد بغرزه لأصابعه على السرير، في كل لحظة يزيدُ به الوجَع كان يأتِ صوتُها الملائكِي بآيات السكينة، في كل لحظة كان صوتُها يقرأ " هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم ولله جنود السماواتِ والأرض وكان الله عليمًا حكيما " لا مخرج هذه المرَة، ولا خلاص. الذي أشعرُ به، تحديدًا إنقباضاتِ قلبي في هذه اللحظات، هل هي سكرَاتُ الموت؟ يأتِ صوتُها مرَا يالله، يأتِ صوتها بأكثرُ الآيات تأنيبًا " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونُفخ في الصور ذلك يوم الوعيد " أخذ نفس عميق يحاول أن يستنشق الهواء اللازم للتنفس بصورة طبيعية، ولا محاولة تُجدي وتُفيد. تفجرَت عروقـِه بحُمرة ملامحه التي تضيق وتختنق بشحُوب، يراهم! يقسمُ بالله أنه يرى ما حوله ولكن لا قُدرة له على مناداةِ أحد. يكاد يجزم أن طوال حياته لم يشعرُ بوجعًا قدر هذا الوجع الذي يقتلع حنجرته وقلبه ببطءٍ لا تتحملهُ الروح، يالله أسألك سلامًا. اصطدم فكيَه بصريرٍ مؤذي، تقف الغصَات وتقبض على عنقه لتخنقه بشدَة، لا مفَر من الموت، لا مفَر! أصعبُ لحظاتِ حياته يشعرُ بأنه يواجهها الآن، حاول أن يضع يدِه على عنقه ولكن حتى يدِه تجمدَت في موضعها، يشعرُ بطعم الدماء التي تعبثُ بفمِه، يشعرُ بالقلب الذي يقتلع من محاجره، يشعرُ بأن شوكًا ينهشُ بكل جزءٍ من جسدِه، كل قوةٍ زائلة ما دامت هي في يدِ الله. حاول أن ينطق الشهادة، حاول حتى لويَ لسانه، ضاقت محاجره حتى تدافع الدمعُ بفوجٍ عميق، تحشرجت روحَه وهي تعبرُ حنجرته كصوتٍ ركيك جاهد أن يتسلق الشهادة. لم يستطع! لم يملك الحياة الكافيَة حتى يقول " أشهدُ أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله "، فقد الهواء اللازم ليدفَع بها كلمات الشهادة على لسانه . . فقد الحياة. ارتخت أصابعه المشدودة على السرير، وهدأ إضطرابِ صدره حتى سكَنت أنفاسه بنظراتِه الذابلة الأخيرة، كان الموتُ جديًا أكثر من اللازم. وضع الممرض يدِه على يدِ السلطان الباردة ليلفظ بخوف: سلطان . . سلطااااااااان!!! . . . . . إلتفت مناديًا . . دكتووور أحمد . . .اقترب الممرض من كوب الماء ليُبلل يدِه ويُبلل ملامحه الشاحبَة المختنقة، بنبرةٍ أخوية حانية: بسم الله عليك . . استعيذ بالله هذا كابوس!! نظر لمَا حوله ولا شيء يشعرُ به سوى وجعُ قلبه هذه اللحظة، وضع يديْه على رأسه المنفجر بصداعه، بربكةٍ عميقة، تعلق عقله بفكرة أنه لم يستطع نطق الشهادة في موته، يحاول أن يستوعب حاله الآن! هل ما يمرَ به حقيقة أم كابوس/حلم! هل ما يحدثُ له الآن واقع. استعدل حتى حاول الوقوف ولكن منعه الممرض الواقف بجانبه: ارتاح سلطان المتعرق من كابوسٍ لم يرى مثله أبدًا: بس بتوضأ : تحتاج مساعدة؟ سلطان هز رأسه بالنفي متجهًا للحمام، وقف أمام المغسلة مستندًا بذراعيْه، ليتعرَى بجروحه أمام المرآة، اختنقت محاجره من هول ما رأى، لمُجرد الحلم شعَر بأن روحه تُقبض كيف لو كان حقيقة؟ يالله! كيف سيأتِ الموت! ماذا لو أتى ولم أكن مستعدًا! هذا حلم ولكن المرة المُقبلة لن يكون حلمًا. بدأت أفكاره تتشتت، لتتوسدَه مسألة الأمن التي تتذبذب في الفترة الأخيرة وهو مؤتمن عليها، بلل ملامحه بالمياه الباردة، يحاول أن يُهدأ روَعه ولا فائدة، كل خليَة في جسده ترتجف. توضأ ليخرج، رفع عينِه للممرض: راح أطلع الحين!! الممرض: إيه بس . . حالك .. قاطعه: تمام . . . تحامل على كل شيء ليتوجه ناحية القبلة، بأولِ سجدة وأول دعوة لله، أتتَ بنبرةٍ مجروحة من بكاءٍ لا يخرج " اللهم أحفظ بلادنَا بحفظك وآمنها بأمنك وأبعد عنها الفتن ما ظهر منها ومابطن، الله عليك بأعداء الدين والمنافقين ومن ولاهم ومن عاونهم، اللهم أحفظ أرضنَا وأرض المسلمين بعينك التي لا تنام، اللهم أدم أمننا واستقرارنا، يارب يارب يارب أخلف لنا خيرًا ممن فقدنا ومُدَ حماةِ الأرض والدين بالقوة والمعونة. " خفت! خفتُ على أمنٍ يتزعزعُ بلحظة، خفتُ على أرضٍ أن تُسلَب، خفتُ على خرابٍ أن يبعثرها، خفتُ للمرةٍ اللاأدرِي على الشهادة التي تعتلي العلَم، خفتُ عليْها من أن تتلوَث! ، ، جلسَت أمامه دُون أن تنطق كلمة من هول الكلمات التي لم تعرف منها ولا شيء، لابُد أن أصارحه بأنني أكذب! هذا الحال لا يُمكنني أن أستمر عليه، يالله على غباءي في اللحظة التي كذبتُ بها عليْه، يالله على غباءي كيف أصحح الأفكار الخاطئة التي يأخذها عنَي، كنت أعلم والله أنني أستحق رجلاً طائشًا أطيش معه وليس متزنًا يغلبني معه. فيصل :الله يعين هيفاء: آمين انشغل بأوراقٍ مبعثرة على مكتبه، لا يرفع رأسه من الثغرات المتورِط بها بفعلِ ناصر، تبقى له من الشهر 17 يوم إن لم يُحلَ الأمر سيُفضح بإتجاهه إلى السجن، أخذ نفس عميق ليُعيد قراءة ما بين يديْه، يتجاوز الأسطر لينظر للحسابات البنكية المتعامل معها وعيناه تقرأ لغة الأرقام. تُراقب حركاته وتفاصيله الصغيرة بالتفكير، أصابعه التي تحكَ جبينه للحظاتٍ طويلة وفرقعة أصابعه بين كل لحظةٍ والأخرى، تنهَيدته الطويلة التي تأتِ بعد عملٍ مُتعبًا، تحاول أن تحفظه بقلبها وعينيْها. هيفاء وقفت: راح أجيب لك قهوَة . . خرجت لتنزل للأسفَل، نظرت لريف التي تلعبُ بألعابها في منتصف الصالة، بحثت بعينيْها عن أم فيصل ليأتِ صوتها مقاطعًا للعبها: ريف إلتفتت عليها، أردفت هيفاء : وين ماما؟ ريف: راحت هيفاء أمالت فمِها لتتجه نحو المطبخ، تحتاج أن تتعرف عن فيصل من خلال والدته، دقائق قليلة حتى ملأت الكوب بقهوةٍ مُرَة، صعدت به وبُخارها الحارَ يسبقها، وضعته على الطاولة أمامه. فيصل: شكرًا هيفاء: العفو . . رفع عينيْه على صوتِ الهاتف الذي صخب برنينه. هيفاء: خليك بشغلك أنا برَد . . راقبها بنظراته إلى أن إتجهت نحو الهاتف، رفعته : ألو . . . إيه . . . . . . . لزمت الصمت بربكةٍ تامة . . . نظرت إلى فيصل الذي يخفض نظره ناحية الأوراق، بلعت ريقها بصعُوبة حتى نطقت : فيصل . . . رفع عينه : مين؟ . . . أنتبه لملامحه ليترك القلم ويتجه إليْها، أخذ السماعة : ألو . . . لم يأتِ صوتًا واضحًا، ليشتَد صوته بحدة : ألو!!!! : مبروك الزواج . . ليتك قلت لنا نسوي معك الواجب! فيصل أشار لهيفاء أن تخرج، بخطواتٍ مرتبكة إتجهت نحو الغرفة المرتبطة بمكتبه ببابٍ فاصل، جلست على طرف السرير وقدمِها تهتَز من الكلمات التي زعزعت سكينة قلبها " زوجته؟ ماشاء الله تزوَج ولا قالنا !! زوجك من أولها باع العشرَة! . . " أيَ الأصدقاء هذا الذي يُحادث زوجة صديقه بهذه الوقاحة! من المستحيل أن تكون طبيعة أصدقاءه بهذه الصورة. في جهةٍ أخرى يلفظ بحدَة : عُمر كلمة وحدة ماراح أكررها كثير لو أتصلت عليَ هنا ما تلوم الا نفسك! لا تجرَب تستفزني عشان ما أجرَب أذبحك عُمر: معليش يا عريس شويَة تفاهم داخل علينا بقوَة! عندي لك موضوع يهمك فيصل: وأنا عندي لك ****** عُمر غرق بضحكته ليُردف بإستفزاز: تؤ تؤ!! هذا حكي يطلع من فيصل ولد القايد!! فيصل بعصبيَة: أقسم لك بالله لو جربت تلعب بذيلك معي لاأقطعه لك عُمر بجدية : أنا أبي أساعدك! شفت توريطة ناصر لك وماهان عليَ فيصل ابتسم بسخرية : على اساس أنه ناصر متصرف على كيفه! لا تلعب عليَ ولا ألعب عليك!! ألاعيبكم حافظها عُمر: بكرَا راح تنسحب الدعوى اللي ضدِك! فيصل: وش المقابل؟ عُمر بضحكة: وش متوقع أبي منك؟ فيصل: لا يكثَر وأخلص عليَ عُمر: أبي بعض الأوراق من عبدالله اليوسف فيصل: روح لبومنصور وقوله أبي الأوراق! ماني وسيلة لك عُمر: أكلمك جد!! ماهو وقت مصخرة . . أنا أحتاج هالأوراق ومتأكد أنه بومنصور يعرف مكانها فيصل: مقدر أجيب لك شي! . . ولا تتوقع أني بساعدك بشي!! عُمر: أجل صبَح بكرا على الشرطة اللي راح تحبسك بديون مقدرت تسدد ربعها! فيصل بغضب: عُمممر!!! عُمر: جرَب تساعدني وراح أساعدك فيصل زفَر براكينه ليلفظ بين كومةٍ حادة تخنق صوته : تخص إيش الأوراق؟ عُمر: أسماء موظفين يشتغلون عند رائد، أنسرقت قبل يومين من بيته وهي موجودة عند بومنصور! فيصل: بتفهمني أنه الي سرقها بومنصور!! عُمر: لأ لكن وصلت له فيصل تنهَد: تطلب مني شي صعب!! عُمر: ما يصعب عليك . . عن طريق زوجتك فيصل: وش عرفك عن زوجتي؟ عُمر بضحكة: أنا ممكن أتظاهر لك بالغباء بس ولا يدخل في مخك للحظة إني غبي!!!!! فيصل بغضب: طلبك مرفوض!! عُمر : تحمَل اللي بيجيك فيصل صمت قليلاً ليُردف :إذا عشت لبكرَا إن شاء الله عُمر بضحكة عميقة : يعجبني أنك واثق بمسألة موتي! بس بخليك تثق بقدراتي بعد . . إتصال مني ينهي لك بيتك بكبره! فيصل: يؤسفني والله إني أنزل من مستواي عشان أوصل لمستواك وأقول على *** . . أغلقه في وجهه ليأخذ نفس عميق يحاول أن يُهدأ به أعصابه، أخذ هاتفه المحمول ومفتاحه ليتجه نحو الباب، تراجع بخطواته لغرفته، نظر لسكينتها التي ترتدِي عقلها بتفكيرٍ عميق : هيفا رفعت عيناها دُون أن تنطق كلمة، : أنا طالع . . هيفاء بتوتر تُشتت نظراتها بعيدًا عنه : طيب نظر إليْها ليرفع حاجبه : فيك شي؟ هزت رأسها بالنفي ليخرج بخُطى سريعة، أخرج هاتفه المحمول ليثبته بكتفه وهو يفتح باب سيارته : عُمر هددني! ، بحرَج يحاول يُغلق الموضوع برمته بعد أن تم فتحه بطريقةٍ لم يتوقعها : لآ أكيد . . هي أم زوجتي الضابط رفع حاجبيْه: بس الواضح مثل ما قلته منصور: يعني كان فيه إتصالات بين يزيد وفهد؟ قبل وفاته؟ الضابط: إيه ومن جوال أمه يوسف بضيق: طيب ما أظن حكي أمه بيغيَر شي الحين! سواءً كانت تعرف أو ماتعرف . . بالنهاية يزيد هو اللي قتله ولبَس التهمة لمنصور الضابط: هي تحايلت وغيَرت مجرى قضية كاملة! يوسف بغضب لم يسيطر عليه: أنا وش دخلني الحين بأنكم تجيبون أمه! منصور يضع يدِه على كتف يوسف وبحدة : يوسف!!! يوسف تنهد : أستغفر الله بس الضابط: إحنا راح نسوي اللي علينا ومضطرين نعتقل الأم يوسف بحدَة : كيف تعتقلونها! هذا ولدها مستحيل تضرَه، ممكن تكلمت من خوفها .. بس بتجرَ وحدة بمقام أمك لهنَا وبتدخلها بين الرجال!! . . الضابط : أتمنى يا أخ يوسف ما تنسى نفسك يوسف بعصبيَة بالغة : أنا ماني موافق! ولا من المعقول انكم بتجيبونها الضابط: ومين قال أننا ننتظر موافقتك؟ منصور: يوسف قوم!! يوسف: ماراح أتحرَك . . يجي أبوي ويتفاهم مع مقامك السامِي . . أردف كلمته الأخيرة بسخرية/إستهزاء الضابط: أخ يوسف أنت كذا بتخليني أحتجزك عندنا لمخالفتك القواعد منصور وقف بغضب: يوسف قوم!!! يوسف يخرج من المكتب بخطواتٍ غاضبة، إتجه نحو الخارج ليلتفت يمينًا نحو سيارته، إقترب منه منصور: مجنون! تبي تورطنا بعد!!! بغضبٍ كبير يقف أمامه: تحمَلت سخافاتكم بهالقضية بما فيه الكفاية! ترضى على أم نجلا ؟ ماراح ترضى بس يوسف تآكل تراب وترضى منصور: كان راح نقدر نوصل لحل لو ساكت ومخلينَا نتفاهم مع الضابط يوسف: ماني مجبور أتحمَل أغلاطك يا منصور! . . ركب سيارته ليُغرق منصور بغضبٍ بالغ، إتجه نحو سيارته التي تركنُ بجانبه ليلحقه. ، صعد الدرج الذي شعَر وكأنه مبنى شاهق يتسلقه، رفع عينه لينظر لجسدِها الواقف أمام الباب، إلتفتت عليه بلهفة، وضع قدمِه على آخر عتبَة حتى اندفعت إليه وعانقتها بشوقٍ كبير هامِسَة: وينك كل هالمدَة! يالله يا عزوز خوفتني عليك . . عبدالعزيز تنهَد : أنشغلت شويْ . . ابتعدت قليلاً لتنظر لملامحه الشاحبَة: وش فيك؟ صاير شي؟ عبدالعزيز: لا . . أثير: طيب طمني عليك؟ وش مسوي؟ عبدالعزيز: كل أموري بخير . . رتيل هنا أثير أتسعت محاجرها بالدهشَة : نعم!!!! عبدالعزيز يقترب من الباب ليُخرج مفتاحه، من خلفه: كيف هنا؟ كيف تجيبها يا عبدالعزيز؟ عبدالعزيز بتعب: مافيني حيل أتناقش معك! بتكون هنا وياليت ما تقربين لها بكلمة أثير بغضب: يعني تتركني فترة لا أعرف أرضك من سماك بعدها تجيبها ليْ وتقول لا تقربين لها! ما تراعي شعوري أبد عبدالعزيز: أثير!! أثير بعصبية: عبدالعزيز الحين توديها لأيَ جهنم مالي أيَ علاقة فيها! ماتجمعني معها في مكان واحد عبدالعزيز بغضب يلتفت نحوها، شدَها من ذراعها : كلمة ثانية وأقسم بالله . . أستغفر الله بس أثير ارتعبت لتصمت دُون أن تهمس بحرف، فتح الباب لتدخل، بحث بعينيْه عنها ليراها منحنيَة تُغلق حذاءها، رفعت عينيْها نحوه، لتشتَد حدتها بمُجرد أن رأتها. جلس على الأريكة دُون أن يبالي بأيَ واحدة منهن، أثير تنهدت لتُعلَق معطفها خلف الباب والسكارف، جلست بجانبه : وين كنت فيه؟ عبدالعزيز: هنا أثير بضيق ينخفض صوتها: هنا وما تسأل عني!!! عبدالعزيز: جوالي طاح في النهر وماطلعت جوال جديد! أثير رفعت عينها لرتيل، ألتهمتها بنظراتها، رُغم أنها كانت تشعر بأن رتيل ليست بالمنافسة لها إلا أنها تشعرُ الآن بأنها تفوقها جمالاً/فتنةً. إلتفتت لعبدالعزيز لتلتصق بجسدِه: اهم شي إنك هنا . . رتيل وقفت ولو جلست للحظة لن تتردد بأن تدفنها حيَة، تشتدُ غضبًا وكرهًا لها : ممكن تفتح غرفة من هالغرف عشان أدخلها! عبدالعزيز: كلهم مقفلات؟ رتيل تعلم أنه يستهزأ بها : إيه عبدالعزيز: وش أسوي؟ رتيل بحدَة: يعني كيف؟ عبدالعزيز رفع حاجبيْه: وش اللي كيف؟ رتيل بلعت ريقها بصعُوبة لتُردف: على فكرة مسألة أنك تقهرني باللي جمبك أمر أنساه! فعشان كذا تكرَم وأفتح لي غرفة من الغرف!!! أثير بضحكة مستفزة : إسمي أثير مو اللي جمبك! . . عيب يا بنت عبدالرحمن آل متعب تقولين مثل هالحكي! عبدالعزيز إلتفت لأثير بحدَة جعلتها تصمت، أعاد نظره لرتيل: أظن أني وصلت لك الفكرة أمس! رتيل بغضب: أوكي وأنا أوصلك فكرة أني مجنونة أحرق لك البيت باللي فيه لو ما تركتني بمكان ماأشوفك فيه أنت وياها!! عبدالعزيز تجاهلها تمامًا ليُشتت نظراته بعيدًا. تحاول أن تقتلني يا عزيز برؤيتك معها، تحاول بأيَ طريقة أن تُهين كبريائي أمامها، لو أراك تحترق معهًا وبيديِ ماءً لن أفكر ولا للحظة أن أسكبه عليكما. أشعرُ بقهرٍ يُثبَت أشواكه في صدرِي، أُريد أن أنساك حالاً، أنا أتجاهلك وكأنك لم تكُن شيئًا، أوَد بشدَة أن أتخلى عنك بدناءة لا تفارقك عُمرًا بأكمله، أوَد أن أمحي أمرُها وأن لا يبقى في هذا الكون صدى لإسم " أثير "، أوَد بشدَة ذلك. رتيل إقتربت منه لتقف أمامه: أنا أكلمك!! عبدالعزيز بحدَة: رتيييل! ماأبغى أكرر الكلام عليك ألف مرَة أثير تضع يدها على ذنقه لتلفَه نحوها وبإبتسامة: روَق وبسوي لك كوفي تمخمخ عليه . . وقفت لتسير من أمام رتيل، ضربت كتفها بكتفِ رتيل وإتجهت نحو المطبخ. رتيل أغمضت عينيْها تحاول أن تمتص غضبها قبل أن ترتكب كارثة بحقِها، نظرت إلى عبدالعزيز: الكلبة اللي معك ماأجلس معها بمكان واحد! عبدالعزيز يستلقي على الأريكَة بتعب: لها إسم! بغضب ركلت الأريكة بقدمِها، أنحنت عليه لينخفض صوتها بخفُوت: وش تبي توصله؟ تبي تقهرني؟ أنت ما تقصَر ماله داعي تعزز قوَاك فيها! عبدالعزيز بهدُوء: هذا بيتها رتيل فاضت البراكين بداخلها، رفعت رأسها عنه لتتكتف : أبي أطلع من هنا! ماراح أجلس معها ولا تفكر إني بأرضى . . والله يا عزيز لا تطلع جنوني عليكم أنتم الإثنين عبدالعزيز بضحكة يحاول أن يدفع بها القليل من همومه : أحب الشراسة!! رتيل إلتفتت لترى غِطاء المناديل الثقيل، رمته بإتجاه بطنه بقوَة لتُردف: ماراح أجلس معها!! عبدالعزيز يُبعد الغطاء عن بطنه ليستعدِل بجلسته: تبيني أعيد حكي أمس؟ رتيل: أبي أطلع من هنا عبدالعزيز بغضب: وقلت لك لا . . تفهمين ولا ماتفهمين؟ رتيل: أفتح لي غرفة من الغرف . . ماأبغى أجلس معك طيب عبدالعزيز : وبعد لا رتيل تمتمت : حقييير! كان سيتحدث لولا مجيء أثير، استغل فرصته بإستفزازها فعليًا، ليسرق قُبلة خاطفة على خد أثير: شكرًا بإبتسامة تمدَ له الكوب : عافية على قلبك . . تجمدَت حواسَها، حتى شعرَت بأن عقلها يغلي وليس قلبها وحدُه، أغار عليك بصورةٍ مؤذيَة لقلبي، أغارُ عليك بوَجَع يتخمرُ في قلبي وينضج، لا اعلم كيف لك القدرة أن تقسى بهذه الصورة؟ كيف لك أن تتجاوز أمرُ قلبي وتُلامسها أو حتى تُحدَثها بكلمة ناعمة! كيف لك كل هذه القوة أن تُغيضني بها! " عسى حزني منك مايفارقك " أثير رفعت عينيْها بتغنج لرتيل: خلاص ولا يهمك الحين أقوله يعطيك المفتاح! لا تموتين بس . . إلتفتت لعبدالعزيز . . حبيبي عطها المفتاح، ماتسوى نسمع تحلطمها طول اليوم! عبدالعزيز يضع الكوب على الطاولة ليرفع عينيْه لرتيل المنهزمة تمامًا، نظر لعينيْها وهو يفهمها جيدًا، تقاوم بكاءها ودموعها، تقاوم بملامحٍ جامدة لا تلين بدمعة. صمتٌ يدُور بينهم، ورتيل مازالت صامدة ثابتة أمام كل قوة تُهين قلبها. نظراتِك هذه تحفظني، في الوقت الذي تخونني به أفعالك، عيناك تقف بصفَي، في الوقت الذي تُشعرني بأني لا شيء, عيناك تُساندني، تملك القدرة على اهانتي بكل شيء إلا نظراتِك! مهما حاولت لن تستطيع أن تُهينني بنظرة محجرُها فيَ. أتى صوتُها مقاطعًا للأحاديث المتناقلة بنظراتهما : عطها عزوز رتيل بحدَة ملامحها : ما أحتاج وساطتك في شي! . . أثير بإبتسامة ناعمَة ترتسم على شفتيْها : أنا أتوسط لنفسي! بصراحة ما أتحمل وجودك قدامي . . فأبي فرقاك عبدالعزيز بحدَة : أثير . . أثير رفعت حاجبها : وش قلت؟ رتيل نظرت لحزمة المفاتيح المتوسدة الطاولة، رفعت عينها لأثير بإبتسامة سُرعان ما تلاشت بطريقة " تسليكية " : لا تتكلفين مرَة بكلامك لأنك ما تهميني! زيَك زي الجدار . . وممكن حتى الجدار أكثر أهمية منك . .على الأقل مغري للتأمل! عبدالعزيز بلامُبالاة وضع قدمِه على الطاولة التي أمامه: واضح أنه ليلتكم ماراح تعدَي على خير!! أثير: يا سلام! بس عليَ أنا! رتيل بتشفَي تنظرُ إليها من أقدامها حتى رأسها بطريقةٍ تفصيلية مُهينة، بمكِر : ممكن يا روحي تعطيني المفتاح عبدالعزيز نظر لنبرتها المتغنجة، إبتسم لا إراديًا: لا مو ممكن أثير تأفأفت : بس تحلَ مشاكلك معها نادني . . وقفت ليسحبها عبدالعزيز من ذراعها ويُجلسها رُغمًا عنها : اللي ينطبق عليها ينطبق عليك أثير: لا تساويني معها . . رتيل استغلت إنشغالهما لتسحب المفتاح وتأخذ الكوب، بقهر سكبته عليها لتُردف بسخرية: كِذا صار فيه فرق بيني وبينك على الأقل شكليًا . . مشَت بخطواتٍ سريعة نحو الغرفة، فتحتها لتدخل وتغلق قبل أن يصِل إليها عبدالعزيز. أثير تجمدَت بمكانها من القهوة التي تُبللها في هذه اللحظة : شايف اللي سوَته!!! عبدالعزيز يسحب المناديل ليمسح ملامحها، أثير بغضب تُبعده: لا والله! روح كسَر راسها، لو أنا اللي مسوية هالتصرف كان كليتني! . . بس هي على راسها ريشة عبدالعزيز تنهَد: بسم الله على قلبك كأنك ما قلتي شي! أثير: يعني شايف وش سوَت هالبزر فيني! . . مهي بصاحية مكانها مستشفى المجانين!! عبدالعزيز وقف متجهًا نحو الغرفة، طرق الباب: رتيل أفتحي رتيل الجالسة على السرير لا تُجيبه بكلمة، نظرت للحاسُوب المنطوِي على المكتب لتتقدم نحوه، فتحته وهي تدعي أن تجِد شبكة " وايرلس " قريبة لتتحدث مع والدها. عبدالعزيز تنهَد: حسابك بعدين . . مسح على وجهه بإرهاق : أستغفر الله . . نظر للساعة . . أذَن العصر أثير وهي تمسحُ أثر القهوة على ملابسها: عبدالعزيز هالمجنونة ماأجلس معها بكرَا عادي أنها تولَع فيني عبدالعزيز يعقد حاجبيْه: ماني ناقص مواضيعكم! فيني اللي مكفيني . . إتجه نحو المغسلة ليتوضأ. أثير إتجهت إليه لتغسل ملامحها: عاجبك شكلي كِذا! حسبي الله عليها! . . هالقميص توني شاريته وشوف وش سوَت فيه عبدالعزيز نظر لقميصها لتحتَد ملامحه بالغضب: طالعة بالشارع كذا؟ أثير بربكة: كنت لابسة جاكيتي؟ عبدالعزيز بعصبية : عادِي عندك تلبسين قميص شفاف؟ واللي رايح وجاي يتفرج! أثير: لآ تبالغ ماهو شفاف! بس لأن حرمك المصون كبَت عليَ شفَ . . وبعدين كنت لابسة فوق جاكيتي عبدالعزيز: قلت لك مليون مرَة وأحذرك للمرة الأخيرة وبعدها لا تشرهين على أيَ تصرف أسويه بحقك! لو شفتك لابسة هالخرابيط ماتلومين الا نفسك! أثير تنهدَت : أستغفر الله . . عبدالعزيز : على فكرة التحرر بالمنطق وبالتفكير وبالراي ماهو بالشكل أثير بغضب: ومين قال إني متحررة! أنا حرَة ألبس مثل ما أبي ماراح تحاسبني على كل قطعة ألبسها . . لا تصادر حريتي الشخصية! عبدالعزيز : منتِ حُرَة! دام أنتِ على ذمتي يعني بتنضبطين ! أثير بهدوء : ماأمشي ورى قناعاتك يا عبدالعزيز! لي شخصيتي ولك شخصيتك عبدالعزيز يُعيد وضوءه بعد أن فقد شرط " الترتيب والمتابعة " متجاهلاً الجدال معها، إلتفت إليها بعد أن فرَغ : هالموضوع لا عاد تفتحينه . . ، تأملتهُ بنظراتٍ تحاول أن تكتشف سر " مُنى " التي سمعت أسمها اليوم، زوجته الأولى! مالذي يُخبئه بالضبط! هذا يعني أنه لم يستطيع أن يتجاوزها بعد كل هذه السنوات! هذا يعني أنه يحاول أن ينساها بيْ! ولكن لا قُدرة يملكها على النسيان، لا شيء يُوحي بأنه يريد حياةً جديدة يبدأها معي، ولا عذر يُقنعني بأنه مستعد لحياة نتشاركها معًا! هذه الـ " مُنى " أخذت حاضرُه وماضِيه ورُبما مستقبله، لا يملك أيَ فرصَة تقوده للبدء من جديد! لأن فرصه بأكملها عند مُنى!! وأنا التي أحاول بشتى الطرق أن أكسب ودَك، حتى الكذب سلكته لأُلينك قليلاً نحوي، ولكن لا شيء أصِل إليه بالنهايَة لأنك لا تريدني من الأساس! . . تعلم شيء! أحتاج أن أصرخ وأقول " لجهنم أنت وياها ". بخَ عطره العابثُ بخلاياها ليلتفت نحوها : وش فيك سرحانة؟ ريم ببرود : ولا شي! ريَان: لا فيه شي . . ريم : قلت لك مافيه شي! غصب تخلَي فيني شي ريَان تنهَد : مُجرد إحساس ريم بحقد : لا تطمَن إحساسك غلط ريَان بنظراتٍ يتفحصها : وش صاير لك اليوم؟ ضاربة فيوزاتِك؟ ريم وقفت لتتجه نحوه : كِذا . . سمعت خبر وأنقلب مزاجي ريان : وش الخبر؟ ريم: أخاف أقوله وتقولي تتدخلين بأشياء راحت وانتهت ريَان بحدة: وش الخبر يا ريم؟ ريم : عن منى!!! ريَان بغضب: ولا تفتحين هالموضوع قدامي مرة ثانية! ريم بربكة: كيف نبدأ حياتنا صح وأنت تخبي عنَي أشياء كثيرة أولها منى ريَان يُشير إليها بالسبابة غضبًا : قلت لا تفتحينه مرَة ثانية ولا قسمًا بالله ما تلومين الا نفسك ريم : من حقي أعرف ريَان بصراخ : لا مو من حقَك! ريم عادت خطوتيْن للخلف برُعب من صوته، بلعت ريقها الذي تجمَد كغصةٍ يصعبُ ذوبانها ورمشُها يهتَز ببلل. ، يرتدِي بدلته بأناقةٍ باهضَة، متناسيًا موضوع المقابلة التي لا تحتمل كل هذا، ولكن أمرُ سقوط أعداءه يُشعره بأنه ذاهب لزفاف، اليوم يومُ سعادة بالنسبة له، وقف أمام المرآة ليرتدِي معطفه ويلفُ حول عنقه " السكارف "، ألتفت إلى حمَد : فارس ما جاء؟ حمد : لا للحين رائد جلس خلف مكتبه : إن شاء الله ما يودينا بداهيَة!! . . المهم جهزتوا أوراقنا حمد : كل شي جاهز . . رائد رفع هاتفه ليتصل على فارس وهو ينظرُ لساعته، تمرَ الثواني ببطء تشغل عقله بأفكارٍ سيئة، تنهَد: وينه!!! وقف ليسير ذهابًا وإيابًا وهو يتصل على فارس لمراتٍ كثيرة، في كل لحظةٍ يتأخر بها يخسرُ جزءً من روحه، هذا الصباح لا بُد أن يفترق فارس عنها. لا بُد!! تنهَد بضيق ليجلس مكررًا إتصالاته. في جهةٍ أخرى سَار بخطواتٍ خافتة نحوها، قبَل جبينها بخفَة دُون أن يضايق نومها الناعم، لم يستطع أن يمنع نفسه من قُبلةٍ على عينها اليمنى، طبع قبلةً رقيقة وتراجع للخلف، حاول أن يحبسُها فيه بنظراته العميقة. أحاول أن أقول لكِ وداعًا بما يليقُ بِك، أحاول أن أبتعد دُون أن يُزعجك أمر إبتعادي، أحاول يا عبير الحياة على بُعدٍ منك، هذا الحلم الذي مرَني سريعًا والآن يتبخَر أمامي، هذا الحلم تمامًا هي المرحلة التي عشتُها عدَا ذلك مُجرد محاولات يائسة للعيش، هذا الحلم الذي أفتقده الآن قبل أن يذوب بكفَي، يؤلمني!! " كان بخاطري " أن أعيشُكِ واقعًا بما يكفي، ولكن قدَر العُشاقِ حلمًا. قدَر الحياة أن تكون حُلمًا، ليتني أستطيع أن أجاور كتفك على الدوام، ليتني أستطيع أن أحيَا لكِ. خرج ببعثرةِ خُطاه ليفتح هاتفه، كتب رسالة إلى نايف تحملُ عنوان الفندق، لينزل بهرولة سريعة إلى الخارج، شدَ على معطفه الذي امتصَ رائحتها، اتجه للطريق الآخر قبل أن يشعر بفوهة السلاح المثبتة خلف رأسه. : ولا صوت! ، يضع السلاح على خاصرته ليرفع عينه ناحيَة نايف: لا تخلَي بالي ينشغل على أحد وأنا هناك! . . طلعهم من تحت الأرض نايف : إن شاء الله بسوي كل اللي أقدر عليه . . عبدالرحمن نظر للسيارة التي تركنُ بقُربه وبداخلها رجاله الذين درَبهم طيلة السنوات الفائتة، اليوم يجب أن يسقطون بفخَ أفعالهم، إلتفت لنايف: لا أوصيك نايف: أبشر باللي يسعدك عبدالرحمن تنهَد : تبشر بالجنة . . . إتجه نحو السيارة ليركب بالأمام : فيه أحد وصل؟ : رائد إلى الآن أما سليمان موجود عبدالرحمن : طبعًا مثل ما أتفقنا ما ابغى أحد يحس علينا . . راح نحاصرهم بدون ولا أثَر : أكيد . . عبدالرحمن : في الوقت اللي راح أدخل فيه لهم بحجَة تهديد رائد ليْ راح تكون التسجيلات شغَالة! كل شي راح يصير أبيه يكون مسجَل! . . ابي اصدم سليمان بوجودي . . فراقبوا كل ردة فعل له ، دخَل للبيت بعينيْن تبحث عن عمتِه، تقدَمت إليه لتعانقه بحُب: الحمدلله على سلامتك سلطان بشحًوب : الله يسلمك . . حصَة : كيفك الحين؟ سلطان : تمام حصة : كليت شي؟ وجهك أصفر سلطان : مستعجل بتروش وأطلع لدوامي حصَة عقدت حاجبيْها بدهشة : تروح! وأنت بهالحال! خاف ربك في نفسك سلطان بضيق: أجلي كل هالكلام لين أرجع حصة تقف أمامه لتمنعه من الصعود : سلطان شوف حالتك! تعبان يالله توقف على حيلك وتبي تروح! سلطان : حصة!! . . ابعدها بلطف ليصعد للأعلى. حصَة شعرت بحُرقة من أفعاله اللامبالية بنفسِه، مسكت هاتفها لتتصل عليها، أتى صوتُها المبحوح : ألو حصة : هلا الجوهرة . . الجوهرة بتوتر: هلابك .. صاير شي؟ حصة : ممكن أطلب منك طلب؟ الجُوهرة : إيه أكيد . . آمري حصة : ممكن تكلمين سلطان . . الجوهرة : حصة قـ تُقاطعها : تعبان! الجوهرة بضيق : تعبان من أيش؟ حصَة : توَه طالع من المستشفى ويبي يروح شغله . . بس كلميه! حسسيه أنك معه . . يمكن يلين شوي ويعطي نفسه أهمية ويخاف عليها! الجوهرة فزَت من سريرها لتُردف بحشرجة صوتها الذي فقد إتزانه : ليه دخل المستشفى؟ حصَة : أمس صار له حادث بالتدريب . . الجوهرة والله العظيم أنه بس يفكر فيك . . بس تنازلي شوي وكلميه الجوهرة تلألأت عينيْها بالدموع لتُردف : هو قريب منك الحين؟ حصة : لا .. جواله طافي بعطيه جوالي .. خليك معي . . صعدت للأعلى لتفتح باب الجناح بهدُوء، بحثت عنه بعينيْها لتسمع صوتُ الماء : يتروَش! . . عطيني 10 دقايق وراح أتصل عليك . . خليك قريبة منه الجوهرة : طيب . . أنتظرك . . أغلقته ليدُور عقلها بأفكارٍ كثيرة عنه، أن تفقده حيًا أمرٌ بغاية الصعوبة كيف لو كان ميتًا! لا يُمكنني تخيَل الحياة بعدِك، أُفضَل أن أموت معك ولا أموت من حياةٍ دُونك، يالله يا سلطان! ليتَك تفهم وتعرف أمرُ الحب الذي يهرول بقلبي عبثًا، ليتك تفهم معنى أن أسقط بأنينٍ يستأصل جذوري وخلايايْ، ماذا ستخسَر لو تتنازل قليلاً؟ ما ستخسَر لو فقط تُشعرني بأنني أهمك كما ينبغي، مجروحة مِنك، مجروحة من الكلمات التي تخرج منك بصورةٍ بشعة، مجروحة من عينيْك التي تُكثر لوْمها عليَ! مجروحة و موجوعة مِنك. طرقت أفنان الباب المفتوح : انزلي تحت . . مجتمعين وناقصنا أنتِ الجوهرة بملامحٍ شحبت بلونها : جايْتك بس أنتظر إتصال أفنان : فيك شي؟ الجوهرة هزت رأسها بالنفي وعينيْها تضيعُ بالفراغ. أفنان بشك : تكلمي وش فيك؟ الجوهرة نظرت لهاتفها الذي يُضيء بإسم حصَة: شوي وأجيك أفنان بإستغراب : طيب .. أجابتها : ألو . . حصَة بهمس: دقيقة خليك معي . . . دخلت إليه وهو يُعدَل نسفَة شماغه : سلطان إلتفت عليها : سمَي حصة : سم الله عدوك . . آآآ . . مدَت إليه الهاتف. سلطان بحاجبٍ مرفوع إستغرابًا : مين؟ حصة : ردَ بنفسك . . بمُجرد أن أعطته الهاتف حتى خرجت وأغلقت الباب من خلفها. سلطان بصوتٍ يظهرُ عليه نتوءاتِ المرض والبحَة : ألو أشعرُ وكأن الهواء ينجلي بنبرته، أشعرُ بأني أفقد تمامًا قدرتي على الحديث بحضرةِ صخبه، صوتُه المتعب ما سرَه؟ لو أنني أقدر على مداواته، تُتعبني يا سلطان من تَعبك. سلطان أبعد الهاتف لينظر للإسم، أمال فمِه من حركة عمته به ليُعيده إلى إذنه : أتمنى إتصالك ما يكون شماتة!! الجوهرة بخفوت : محشوم . . كيفك؟ سلطان ببرود : تمام! الجوهرة : قالت لي عمتك أنك طلعت من المستشفى اليوم . . الحمدلله على سلامتك سلطان : الله يسلمك . . الجُوهرة بضيق : سلطان سلطان : مشغول مضطر أسكره . . الجوهرة بمُقاطعة سريعة : لحظة! . . بس بقولك شي سلطان بسخرية : وش الشي؟ . . حامل! مبرووك حبيبتي الجوهرة بصدمة تجمدَت أصابعها وجسدِها بأكملها، شعرَت بأن هذا العالم باكمله يحشرُ نفسه بصدرها ويقبضُ على نبضاتها، لم تتوقع ولا للحظة أن يلفظها ببرود هكذا! ولم تتوقع ولا بنسبة ضئيلة أن تُخبره حصَة، كيف يستقبل خبرًا مُهمًا بهذه الصورة السيئة التي تُفقد الخبَر بريقه؟ كيف يقوَى أن يكون باردًا حتى بأمرٍ مهم كهذا! يالله يا سلطان! يا قساوتِك! ما تحمله ليس بقلب! لوهلة أشعرُ بأن ما في صدرك حجرًا لا يشعُر ولا يحسَ! من أين خرجت ليْ؟ من أين حتى تسلبُ كل قوَايْ وتشدَني إليْك! من أين أتيْت حتى تذلَني بهوَاك! لمرةٍ واحدة فقط أشعرني بأن كل جزء مني هو مهم بالنسبة لك، لمرةٍ واحدة فقط أجعلني أستشعرُ بأنك زوجي ولست حبيبي فقط. برجفة : أيش!!! سلطان : هذا اللي تعلمتيه و ربَوك عليه؟ أنك تخبين عليَ!!! الجوهرة : سلطان . . سلطان بغضب : لا تقولين سلطان! الجوهرة : فاهم غلط . . لو كنت مكاني . . سلطان بحدَة : ماأبي أكون مكانك! ما قصرتي علمتي العالم كلها بس أنا لان . . الجوهرة بوجَع : لو تعرف بس أنه وقتها . . يُقاطعها بغضب يزيدُ تعبه تعبًا : ما أبغاك تشرحين وتبررين! . . الجوهرة بإصرار : إلا بشرح لك وأبرر . . تهمني يا سلطان سلطان : واضحة هالأهمية! . . الجوهرة تساقطت دموعها بمواساةِ صوتها الذي يزدادُ ذبولاً : ممكن ترتاح الحين وماتروح الشغل وتزيد تعبك! سلطان : شكرًا على إهتمامك . . ماأحتاجه الجوهرة بغضب : سلطان سلطان بحدَة : . . . ، شعَرت بالهدوء الذي يحفَ المنزل، نظرت لشاشة الحاسُوب التي أمامها، أُدرك فداحة ما أفعله ولكنك يا عزيز لم تترك لي فرصَة، هذه المرَة من تهجرك أنا ولست أنت، هذه المرَة لن يكون الخيَارُ عائِدًا إليْك، لمرَةِ واحدة أُريد أن أهزمك بطريقةٍ ملتويَة أستخدمتها معي كثيرًا، لمرةٍ واحِدة أُريد أن أكون لئيمة إتجاهك، حتى تبرد حرارة القهر الذي زفرتهُ بيْ، إلتفتت عليه بمُجرد أن شعرت بخطواته، اندهشَت لتتجمَد بمكانها، عبدالعزيز يقترب ناحيتها بغضبٍ يعتلي ملامحه : أنتِ اللي تجبريني أتصرف بهالطريقة رتيل بلعت ريقها وهي تعرف ماذا يُريد أن يفعل بها، وقفت لتبتعد لآخر زاويـة في الغرفَـة وعيناه تشرحُ بطريقةٍ ما كيف ستكون الإهانة مؤلمة بحقَها. رتيل : . . . ، يأتِ صوته واضحًا بجانب إذنه ليلفظ : أنهينا لك موضوع فارس! أما ناصر بالسجن عطني بس يومين وتدفنه بنفسك. . . أنتهى |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة () رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء (74) المدخل لـ يزيد بن معاوية. سَألْتُها الوصل قالتْ :لا تَغُرَّ بِنا من رام مِنا وِصالاً مَاتَ بِالكمدِ فَكَم قَتِيلٍ لَنا بالحبِ ماتَ جَوَىً من الغرامِ ، ولم يُبْدِئ ولم يعدِ فقلتُ : استغفرُ الرحمنَ مِنْ زَلَلٍ إن المحبَّ قليل الصبر والجلدِ قد خَلفتني طرِيحاً وهي قائلةٌ تَأملوا كيف فِعْلُ الظبيِ بالأسدِ قالتْ:لطيف خيالٍ زارني ومضى بالله صِفهُ ولا تنقص ولا تَزِدِ فقال:خَلَّفتُهُ لو مات مِنْ ظمَأٍ وقلتُ :قف عن ورود الماء لم يرِدِ قالتْ:صَدَقْتَ الوفا في الحبِّ شِيمتُهُ يا بَردَ ذاكَ الذي قالتْ على كبدي واسترجعتْ سألتْ عَني ، فقيل لها ما فيه من رمقٍ .. و دقتْ يداً بِيَدِ وأمطرتْ لُؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ ورداً ، وعضتْ على العِنابِ بِالبردِ وأنشدتْ بِلِسان الحالِ قائلةً مِنْ غيرِ كُرْهٍ ولا مَطْلٍ ولا مددِ واللهِ ما حزنتْ أختٌ لِفقدِ أخٍ حُزني عليه ولا أمٌ على ولدِ إن يحسدوني على موتي ، فَوَا أسفي حتى على الموتِ لا أخلو مِنَ الحسدِ تنبيه : هذا جزء أوَل من البارت ظ§ظ¤، لوضع خارج عن إرادتِي أضطررت أني أقسمه بهذي الصورة، البارت جدًا مهم وأهميته تكمن في الجزء الثاني اللي راح ينزل إن شاء الله يوم الأحد، أغلب اللي كنتم تنتظرونه من أحداث بتكون بالجزء الثاني بإذن الكريم، فأتمنى تقدرَون هالشي وتحطونه بعين الإعتبار أنه البارت يعتبر ناقص، لكن ماهو قصير كثيير لأن تقريبًا ظ،ظ§ صفحة بالوورد، المهم تمامه وإكماليته يوم الأحد تقرونه برواق إن شاء الله. حطَوا هالشي في بالكم عشان ما يجيني تعليق يقولي " البارت قصير و فقدنا فيه فلان وفلان " لأن قلت هالشي مسبقًا، هذا جزء أوَل من البارت وبيكون مشبع بالجزء الثاني. الجوهرة تساقطت دموعها بمواساةِ صوتها الذي يزدادُ ذبولاً : ممكن ترتاح الحين وماتروح الشغل وتزيد تعبك! سلطان : شكرًا على إهتمامك . . ماأحتاجه الجوهرة بغضب : سلطان سلطان بحدَة : أنتِ لو . . . استغفر الله بس! الجوهرة بضيق : أنا أيش؟ . . أصلاً أنا وش بالنسبة لك؟ تحاسبني على أشياء بدون لا تلتفت لنفسك وتحاسبها بالأول! سلطان : بشَرتي السعودية بكبرها واستكثرتي تقولين لي!!! وبعدها أعرف من زلَة عمتي! . . كيف تبيني ما أحاسبك؟ الجوهرة : ما بشرت أحد! أهلي و . . يُقاطعها : وأنا ماني أهلك؟ الجوهرة بلعت رجفتها بربكةِ فكيَها من إعترافه المبطَن/الحاد لقلبها : سلطان آآ . . ماراح تفهمني سلطان : ولا أبي أفهمك! كنت متوقعك واعية وعاقلة مهما ضغطت عليك الظروف! بس أنتِ ما ضيَعتي أول فرصة جتك عشان تهينيني قدام الكل بأني آخر من يعلم الجوهرة بدأت نبرتها تميلُ ناحية البكاء : ما أهنتك! أنا ما بغيت تصلَح الأمور معي بحجة حملي! كنت أبيك . . يقاطعها بغضبٍ جعلها ترتبك من خلف الهاتف، بغضبٍ جعلها تتراجع بظهرها للجدار. يا سطوتُك عليَ يا سلطان حتى وأنت بعيد! يا لهيبتِك المزروعة في نبرة، من شأنها أن تُسقطني في أسفلِ قاع وترفعني لأعلى غيم.لو أنني استطيع أن أتجاوزك بخفَة ولا التفت إلى الخلف، لو أنني أستطيع أن أغمض عيني وتسقط بدمَعة، لو أنني فقط أعرفُ كيف أقمع ذاكرتي وأنساك! أنت تتكاثر بيْ، تتكاثرُ بكل دمعةٍ تمرَ على خدي، لستُ صالحة بما يكفي للنسيان! أنا صالحة بما يكفي لحُبك. : تستهبلين!! وش اللي ما صلحت الأمور معك! جيتك وأنا مدري عن عقليتك المريضة اللي تقرر من كيفها! . . دوَري حجة ثانية عشان تقنعيني فيها الجوهرة : ليه تآخذ الأمور بهالطريقة؟ أنت ماتشوف نفسك أجبرتني أتصرف كذا! سلطان : اقتنعت أنه الكلام معاك ضايع . . الجوهرة بوَجع : لا تضيَق عليَ بأسلوبك! سلطان بعصبية : ربي رحمك أنك منتي قدامي ولا والله كان ذبحتك من حرَتي! الجوهرة شدَت على شفتِها لتمنعها من بكاءٍ طويل : الله رحمني عشان ما تقهرني بتعبك سلطان عقد حاجبيْه بضيق ليجلس على الأريكة : روحي اللي تعبانة منك! اخترتي طريقك وكمليه بروحك الجوهرة بغصَة تُربك الكلمات العابرة فوق لسانها : قلت لي كثير لا تتوقعين إني أفرح لما أضايقك بكلمة! . . وأنا بعد! لا تتوقع مني إني أفرح بهالخبر وأنت تقابلني فيه بهالطريقة!!! سلطان بغضب يعود ليقف : على أساس إنك قلتي لي إياه! انا لو ماعرفت الله العالم متى راح تكلفين عمرك وتقولين لي! الجوهرة تنهدَت بدمعٍ يغزو محاجرها : ماراح نقدر نتناقش وأنت معصب . . ماراح تفهمني صح! سلطان : أسألك بالله! في نيتك نقاش وصُلح؟ بلعت ريقها بصعوبة لتُردف : ليه تظن فيني سوء؟ سلطان بحدَة أرعشت جسدها : لا تجاوبين على سؤالي بسؤال! الجوهرة : أكيد . . أبي نتناقش ونوصل لحل يرضينا سلطان بضيق اتضح على نبرته التي تزدادُ إتساعًا بالتعب : تبين تكسبين كل شي بما فيهم تعاطف عمتي معك، وش راح تخسرين؟ بتكمَلين حياتك مع ولدك في وقت أكون أنا متشفق على هالولد! . . مين الغلطان؟ الجوهرة : نسيت كل اللي سويته فيني؟ ضربتني وحرقتني و أهنتني مليون مرَة بكلامك ونظراتك! . . وبس خبيت عنَك الحمل اجرمت فيني! سلطان : لأن هذا أكثر شي كنت أحلم فيه! وأنتِ ما تركتي لي فرصة حتى أفرح!! الجوهرة بدمعها الناعم : كنت راح تفرح؟ سلطان : مين اللي يظن في الثاني ظن السوء؟ الجوهرة : ما تركت لي مجال يا سلطان، عُمرك ما حسستني بأني زوجتك اللي منتظر منها تكون أم عيالك! سلطان يعود صوته للخفوت/للإنكسار : حرقتي قلبي! أبشع يوم شفته بحياتي كان أمس . . كيف تبيني اتقبَل أعذارك وكلامك؟ . . الجوهرة بضعف : أتركه للوقت سلطان : هو باقي شي ما تركته للوقت؟ لم اتوقع ولا للحظة أن يأتِ صوته الضيَق مؤذيًا هكذا! أشعرُ بأن هالة من العتمة تحوم حول قلبي، " تعبانة " من الحياة التي لا تنصفني ولا لمرَة، وحين أشعرُ بأنني أسترجعت بعض من القوَة تُهينني بظنَك السيء، قُل كيف أُسعدك وأنا لستُ قادرة على أن ابتسم بأريحية! " فاقد الشيء لا يُعطيه " وأنا لا استطيع أن أُعطيك شيئًا لا أملكه، كل هذه الدنيَا خواء، وأنت الشيء الوحيد الذي أحسَه ويعنيني، أُريد أن أكون أم أطفالك و إبنة قلبك، لا أنتظر تصفيق من الحياة لأنني أحاول أن أردَ إليْك ما فعلته بيْ، ولا أنتظرُ أن يقول لي أحدًا " قويَة تركتيه " أنا لستُ قوية بما يكفي حتى أتركِك بإستسلامٍ تام، أنا مازلت معك، أجاورك تمامًا ولا أقدر على نفيْك من قلبي، يا راحتي بهذه الدُنيَا وإن زعزعت راحتي، يا فرحتي البسيطة وإن أثقلت حُزني، يا أمني وأماني، يا وداعةُ قلبي في صدرِك إني مبعثرَة، لا تنتظر مني أن أُلملم شتاتي لوحدي، قُلت " تركتك للحياة " وهذه الحياة يا سلطان لا تُدللني، دثَرني بحُبك، يكفيني أن أعيش العُمر المبتقي في كنفِ صدرِك، لو سمَحت هذه الحياة أساسًا! ولكنها أحلام، و قدَرُ الأحلام أن لا تتحقق. وأنت الحقيقة التي سُرعان ما تتلاشى وتُصبح " حلم/ خيال ". أردفت : سلطان سلطان بقسوةِ نبرته : بستخير بطلاقك الليلة الجوهرة صمتت، إلتزمت السكُون وهي تغرسُ أسنانها في شفتِها السفلية، يارب ساعدني، يارب إني لا أسألك أن تُخفف حزني بقدر ما أسألك قلبًا يحتملُه ويصبر عليه. سلطان أبعد الهاتف قليلاً ليسعل ببحَة شعر أن روحه تخرج من محجرها، لن يستطيع مهما حاول أن يُخفي تعبه ومرضه برداءِ الجمود و اللامبالاة : مع السلامة . . . انتظر لثوانِي يسمعُ صدى أنفاسها التي ترتطم بأذنه، ثانيَة تلو الثانية من حقها أن تعبث بقلبه، أغلقه ليضع الهاتف على الطاولة، نظر للنافذة التي تُقابل الضوء بالإنعكاس، اضطربت أنفاسه بصدرٍ يرتفع ويهبط دُون سلَام/إتزان، أسند ظهره على التسريحة ليُردد بقلبه " يا رب اعطني جزءً من الحياة أكافح من أجل أن أعيشه " ، رفعت عيناها الباكية لسقف غرفتها الذي يشتدُ بسوادِه،ينقبضُ قلبها بإرتطاماته الحادة، اخفظت نظرها لتنظر لباطن كفَها الأيمن، علامةُ حرقه التي مازالت تُعلَم عليها وتُذكرها بصرخاتها تلك الليلة، بصوتٍ تُركي الحارق لمسامعها، بكلماته الرخيصة التي يُدافع من أجل أن يثبت مصداقيتها، بحزنها الشاسع الذي لا ينضَب، ولا ينطوِي على حاله! كُنَا نُماطل من أجل أسباب لا نتجرأ على قولها لأنفسنا، كُنا نقرر " الإنفصال " كثيرًا، كانت نهايةُ كل خناقاتنا مصيرها ذاتُ الكلمة، هذه الكلمة التي حمَلناها فوق ما تحتمل، ولكننا لم نملك الشجاعة الكافية بتنفيذ القرار، كُنا يا سلطان نخضعُ لقلبيْنا، الذي نواجه صعوبة بتفسيره/بفهمه، ومازلنا نواجه هذه الصعوبة، لا نقدر! لا نلتزم بأيَ وعدٍ نقطعه من أجل الحياة، كيف سنصبر؟ كيف سيمضي العُمر؟ موجوعة، أشعرُ بأنني اختنق من هذا الهواء الذي يعبثُ بصدرِي ولا يحاول ان يملأ رئتيَ، أشعرُ بأن الكل حاقد الآن بما فيهم هذا الهواء، هذه الذرات المتطايرة بشفافيَة حولي، تخنقني، تملأني كلَي ولا تذهب لمجرى تنفُسي! أشعرُ تمامًا وكأني أتذوَق طعمُ الشحوب/الإختناق/الضيق، الطعم اللاذع الذي يسعُر بلساني ويطويه، يطوِي الكلمات ويقتلني! سنصلِي اليوم آخرُ ما يربطنا، سنصلِي دُون أن نتنازل من أجلنا، سنصلي لله الذي أمهلنا الوقت لنمضي معًا، ولكننا نثبت أننا من جلدٍ أسمر لا يرتضي بأن ينحني قليلاً من أجل " الحب "، نضيعُ تمامًا ونسأل الله بصلاتنا أن لا نضيع، نرتكب أسوأ ما يُمكن للإنسان أن يفعله بحق من يُحب وندعو الله أن يحميه، كيف لنا أن نتناقض بهذه الصورة البشعة؟ أنا سيئة! سيئة جدًا في الوقت الذي مال به قلبي ناحيتُك، لأنني لم أعرف كيف أدافع عن نفسي/قلبي/ذاكرتي . . لم أعرف كيف أدافع عنك وأنت تتشعبُ فيَ. شعرت بغثيانٍ يجوَف معدتها، إتجهت إلى الحمام لتتقيأ تعبها وحُزنها، توضأت وبمنتصف الوضوء ادركت أنه ليس وقتًا للصلاة، هذه الصفة التي ستحملني العُمر بأكمله تُذكرني بك أيضًا، كل شيء بالحقيقة يُذكرني بك مهما حاولت أن أنكر ذلك. أكملت وضوءها لتمسح شحوب ملامحها، أخذت نفس عميق ونزلت للأسفل، حاولت أن تبتسم بضيق شفتيْها : السلام عليكم : وعليكم السلام الجوهرة بسؤالٍ معتاد وإن عرفت إجابته، بعضُ الأسئلة لا ننتظر منها جواب بقدر ما نُريد أن نتأكد أنها مازالت حيَة فينا : وين أمي ؟ أفنان : توَها طلعت . . الجوهرة جلست لتُردف ريم : تعبانة؟ أفنان بضحكة : قولي أنها محلوَة بالحمل ريم اتسعت إبتسامتها : أكيد هالموضوع خالصين منه أصلاً الجوهرة اكتفت بإبتسامة حتى لا تفضحها نبرة صوتها، أفنان : كنت أسولف لريم عن أيام كَان وباريس، فيه سالفة ما قلتها لك الجوهرة تنحنحت حتى تُعيد إتزانها : أيَ سالفة؟ أفنان : هناك كان يدربني واحد سعودي من الرياض . . إسمه نواف الجوهرة : إيه؟ أفنان بتوتر يُخجلها : يعني هو ما صار بيننا سوالف ولا شي . . بس . . ريم بضحكة : أوصفي شكله عشان توصل المعلومة لجُوج صح أفنان بنظرة غير مبالية : تفكيرك وصخ ريم : لو انك سنعة كان خذيتي عنوانه أفنان : أروح أخطبه يعني؟ . . الشرهة على اللي حكى لك ريم : وش فيها عادي! خديجة رضي الله عنها تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم وهي اللي عرضت عليه الزواج الجوهرة : كل فترة وتختلف معتقداتها، أنتِ أصلاً ماراح ترتاحين لو تصرفتي كذا! لأن ممكن بأول مشكلة يهينك بتصرفك!! وبعدين هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مو أيَ أحد ريم : أكلتيني كنت أمزح أفنان بشغف : المهم جوج طحت عليه بتويتر . . يا عليه رزَة تقتل ريم : كِذا طول بعرض . . يعجبوني الرجال اللي كذا تحسينه صدق رجَال . . أفنان تُكمل بحالمية : كذا لمَا تضمينه تصيريين وش صغرك في حضنه . . ريم ولا تتردد بأن تعيش حالمية أفنان : كِذا يشيلك وتصيريين بيبي بين يدينه . . تقطَعت كبدي خلاص الجوهرة تنظر إليهما بدهشة لتُردف : بديت أخاف عليك أفنان : بالله جُوج ما تستانسين إذا وقفتي جمب سلطان! يعني كذا تصيرين فتنة وهو . . الجوهرة تقاطعها برفعة حاجبيْها : منتِ صاحية! ماله علاقة الطول افنان : الله يرزقني يارب واحد كِذا طول بعرض . . وعضلات بطنه بارزة أهم شي . . وأسمر وله عوارض . . ويهتم بشكله . . يعني كِذا ودَك تآكلينه من زينه ريم : لا يسمعك ريَان والله لا يخليك تعضَين الأرض! أفنان : أستغفر الله . . أهم شي الدين والأخلاق ريم : خليتي آخر صفة الدين والأخلاق!! ماش من رجعتي وعقلك مو مضبوط أفنان بإبتسامة تعيش حلمها الوردِي كما ينبغي لفتاة عازبة : عقلي للحين معي الحمدلله! بس يعني خليني أحلم براحتي الأحلام ببلاش . . ودَي يجيني فارس أحلامي اللي رسمته في بالي ريم : كلنا كنَا كذا نقول ودَنا وودنَا بعدين يجيك واحد عادي تشوفين كل مزايا الكون فيه لأن ببساطة أنتِ تصيرين قنوعة وتنبسطين معه ولا يجيك واحد حلو وآخر شي يعيَشك بنكد أفنان : هذا رتيل صدق زواجها كان بطريقة خايسة لكن تزوجت واحد وش زينه يقطَع القلب ومبسوطة والحين في باريس فالَة أمها . . وهذي الجوهرة تزوَجت . . ماأبغى أمدح وتآكليني بس يعني تزوجتي واحد يعتبر ولا حلمت فيه . . أما أنتِ ريوم الصبر زين إنما توفى أجورهم بما صبروا! ريم ترمي عليها علبة الكلينكس : طايح من عينك ريَان! بالعكس أنا مرتاحة معه ومبسوطة الجوهرة : وش يدريك أنه رتيل مبسوطة ولا أنا مبسوطة؟ أفنان بضحكة : يعني تبين تفهمينَا أنك منتِ مرتاحة مع سلطان! أشهد أنك طايرة في السما عشانه الجوهرة أكتفت بإبتسامة لتُردف : مررا! . . الحمدلله بس أفنان : يارب ترزقني بس رنَ الجرس مرتيْن، ليأتِ صوت أفنان الساخر : شكل دعوتي يا بنات استجابت ريم : تخيلي لو نواف عند الباب أفنان : لو هو بآخذ وضعية الموت!! الجوهرة : لا تجيبين سيرة نواف قدام ريَان ويقوَم الدنيا عليك أفنان : من جدِك! يا زيني وأنا أقوله . . بيعلقني مروحة في البيت دخل ريَان بنظراتِ الإستغراب من تجمعهم : سلام : وعليكم السلام ريم : غريبة . . مفتاحك وينه؟ ريَان : لا كنت أبي الشغالة تطلع تجيب الأغراض . . أمي وينها؟ أفنان : طالعة جلس بجانب الجوهرة لينظر لعينيَ الجوهرة المُحمَرة، وضع باطِن كفَه على خدِها لترتعش من لمسته : تبعانة؟ الجوهرة ارتبكت من قُربه لتلتفت إليه : لا ريَان عقد حاجبيْه بخفوت : كنتِ تبكين؟ الجوهرة توتَرت من أسئلته وصدرُها يرتفع بشهيقٍ مرتجف، ريَان : صاير شي؟ لم تعتاد على إهتمامه وسؤاله، شعَرت بأن شيئًا غريبًا يحدُث الآن، أفنان التي تُدرك التوتر الذي بينهما حاولت أن تُضيع حدَته على قلب الجوهرة : تلقاه تعب حمل عادي ريَان تنهَد ليُردف : طيب عطيني دلة القهوة أفنان وقفت لتمدَ له الفنجان وتضع الدلة على الطاولة أمامه. ريَان نظر لشاشة الآيباد المفتوحة على صورة " نواف " الذي يجهله : مين هذا ؟ أفنان أنتبهت لتخرج من حسابه : واحد بتويتر ريَان رفع حاجبه : ومين يكون الواحد؟ أفنان بلعت ريقها : آ آ . . ممثل . . إيه ممثل توَه طالع وجالسة أوريه البنات ريَان : وش إسمه؟ أفنان تظاهرت بالسعال لتُردف : إسمه . . ريم بإبتسامة تُكمل عنها : نايف أفنان بربكة : إيه نايف محمد ريَان نظر لعينيْها بتفحَص، يشعرُ بخداعهما ولكنه تجاهله : طيب . . إلتفت للجوهرة التي تُشتت نظراتها بعيدًا : إذا تعبانة أوديك المستشفى!! بس لا تجلسين كذا الجوهرة بضيق تجاهد أن تبتسم وتُخفف ربكتها : وش فيك تصَر!! قلت لك تعب عادِي ريَان بهمس : صاير لك شي اليوم؟ " الجُوهرة إرتجف هدبها، لا تُريد أن تبكِي أمامه، آخر من تريد أن يراها باكية هو ريَان." السؤال وحده من يبعثرني في تمامِ قوَتي كيف لو كنت أُعاني؟ كيف لو كنت أتقلَب بحُزني؟ ليس لأن الجواب صعب يالله ولا أقدِر بأن أغلقه برسميةٍ اعتدتها، ولكن " بخير " أصبحت تُتعبني، تمتَص الحياة من جلدِي وتُسقطني في شحوبي! حزينة! حزينة فوق ما تتصوَر يا ريَان. سقطت دمعة على خدَها سُرعان ما قطعت مجراها أصابعها، بضيق : الجوهرة الجوهرة رفعت نظراتها للأعلى خشيَةً من دمعٍ لا يترك لها مجالاً للمقاومة، إلتزمت الصمت حتى لا تقع بفخِ صوتها الذي ينهارُ شيئًا فشيئًا. ريَان ترك الفنجان على الطاولة ليلتفت بكامل جسدِه عليها : تشكين من شي؟ متضايقة من أحد؟ الجوهرة وقفت لتُردف بصوتٍ لا يكاد أن يُسمع : عن إذنك . . صعدت للأعلى ريَان إلتفت عليهما : وش فيها؟ ريم : قبل شوي كنَا نسولف ومافيها شي أفنان : يمكن تعبانة نفسيتها . . لا تنسى هي بشهورها الأولى فأكيد بتتعب ريَان : شكرًا على المعلومة أفنان ضحكت لتُردف : وأنا صادقة! أكيد الوحدة زين ما تكره نفسها وهي حامل!! ريَان : مجربة؟ أفنان أشتدت حُمرة ملامحها : يعني هذي أمور فطرية كلنا نعرفها . . خرجت قبل أن يُكثر بأسئلته المُربكة. اتجهت أنظاره ناحية ريم، ليُردف : مروَقة ! ريم : أكيد بروَق نسيت كلامك لي قبل كم ساعة!! ريَان تجمدَت ملامحه : أيَ كلام!! ريم تتظاهر بالغضب : تراني ما انجنيت عشان تسوي نفسك ما قلت لي شي! أنا صدق أعاني أحيانا وأتخيَل أشياء مهي موجودة لكن تراني بعقلي وأعرف وش قلت لي ريَان بصدمة : أصلاً أنا من الصبح مارجعت البيت ريم صمتت لثواني وهي تحاول بكل جهدها أن تُضيء عينيْها بالدمع : إلا كلمتني! يوم . . طيب خلاص ما قلت لي شي ريَان : وش قلت يا ريم ؟ ريم بضيق : حقَك عليَ أنا أتبلى ريَان تنهد : ما قلت تتبلين! يمكن ناسي قولي لي! ريم بعد جُهدٍ كبير تجمَع الدمعُ في عينيْها حتى تكسب تعاطفه : قلت أنك ما توافقت مع منى وطلقتها لأن ما بينكم تفاهم! و . . اعتذرت ليْ ريَان : أنا!!!! ريم : إيه وحتى كنَا بالصالة اللي فوق ريَان : ريم وش رايك أحجز لك موعد عند دكتورة تشوف حالتك ؟ ريم نزلت دمعتها المالحة و الكاذبة أيضًا : دكتورة! طبعًا لا . . خلاص قلت لك لا عاد تسألني وأنا ما عاد بتكلم بشي ريَان وقفت ليتجه إليها ويجلس بجانبها، بخفوت : مو قصدِي كذا! ريم : خلاص ريَان سكَر الموضوع ما أبغى أتكلم فيه وتضيَق عليَ ريَان مدَ ذراعه خلف كتفيْها ليُقرَبها منه ويقبَل رأسها : أنا خايف عليك لا تتطوَر هالمشكلة معك ريم : ماهي متطوَرة تطمَن ريَان : براحتك مثل ما تبين . . ، شعَرت بالهدوء الذي يحفَ المنزل، نظرت لشاشة الحاسُوب التي أمامها، أُدرك فداحة ما أفعله ولكنك يا عزيز لم تترك لي فرصَة، هذه المرَة من تهجرك أنا ولست أنت، هذه المرَة لن يكون الخيَارُ عائِدًا إليْك، لمرَةِ واحدة أُريد أن أهزمك بطريقةٍ ملتويَة أستخدمتها معي كثيرًا، لمرةٍ واحِدة أُريد أن أكون لئيمة إتجاهك، حتى تبرد حرارة القهر الذي زفرتهُ بيْ، إلتفتت عليه بمُجرد أن شعرت بخطواته، اندهشَت لتتجمَد بمكانها، عبدالعزيز يقترب ناحيتها بغضبٍ يعتلي ملامحه : أنتِ اللي تجبريني أتصرف بهالطريقة رتيل بلعت ريقها وهي تعرف ماذا يُريد أن يفعل بها، وقفت لتبتعد لآخر زاويـة في الغرفَـة وعيناه تشرحُ بطريقةٍ ما كيف ستكون الإهانة مؤلمة بحقَها. فتحت عينيْها الغافية لتنظر للجهة التي خلفها ولا ظِل لعزيز، ارتفع صدرها بشهيقٍ مؤذي لكل خليَة منزلقة في جوفها، ماذا يحصل يالله! لا أريد أن أفكر ولا لثانية واحدة أن هذا الحلم تنبيه من الله حتى أكبح طريقي الملتوي ناحيتُك، أقسم لك أن " أثيرك " لن تهنأ للحظة معك، أقسم لك يا عزيز أنني سأخرج لوعة حُبي منك بها، لن يقف أمامي أحد! لن ترتاح معها وهذا ما سأصِل إليْه، لتعلم أنك أحببت مجنُونة لا ترضى بأن يُقاسمها أحد، أحببت متمرَدة لا تُهذَبها سوى عيناك! أحببت يا عزيز إمرأة أخفت إعجابها بك من أولِ مرة خلف لسانٍ سليط، لم أكرهك ولا لمرَة حتى أولُ ما جئت، كانت مُجرد محاولات أن لاأُحب، أن لا أحيَا بقلبِ احد، ولكنك نفذت وشردتُ كطيرٍ إليْك، لن يعود الزمن حتى أسيطر على نفسِي، لن يعود وقتًا أتصنعُ كرهك حتى أنفذ من هذه الورطة، ورطة حُبك. ولكن الآن! هذه الإمرأة اختلفت، عدوانيَة شرسَة لكل من حولك، طيبَة ناعمة لقلبك، حاقِدة ناقمة للظروف المحيطة بك، مسامِحة وأستغفرُ لقلبك كثيرًا. لن تفهم أبدًا كيف يصل ولعُ النساء! لن تفهم أبدًا كيف لإمرأة أن تصبح بهذه الصورة الشيطانية الغانية من أجل رجل، لن تفهم يا عزيز أنني أحبك بهذه الهيئة المؤذيَة لنفسي أولاً ولك ثانيًا، ولكنني لن أسمح لأحدٍ أن يحتَل جزءً من قلبك، أنت ليْ و منِي، أنت هُنا من أجلي حتى لو انفصلنَا، حتى لو ابتعدنا، حتى لو افترقنا. سأجعلك تعيش هذا العُمر بأكمله متوحدًا بيْ، متغلغلاً فيَ، لن أسمح لأيَ أنثى مهما كانت أن تكون معك في غيابي، لتعِش يا عزيز ولع هذا الحُب، لتتألم منه لبقية عُمرك ولتتركني بسلام أكافح من أجل نسيانِك، لستُ أول من يحب ويفترق! لستُ اول من أموت عشقًا بك، جميعهم يُكملون حياتهم بحماسةٍ أقل ولكنهم يُكملونها! وأنا مثلهم وسيأتِ الوقت الذي تعي به أنك خسرتني وأنني أصبحت حُرةً لا يسيطر عليَ قلبك ولا تؤلمني عيناك بنظراتها. تبللت ملامحها من زُرقَةٍ ملأت محاجرها، وقفت لتنظر للنافذة الزجاجيَة التي تطلَ على شارعٍ من باريس خافتٌ في هذا الليل، تعبرهُ الضحكات كما يعبره المطر المنساب من سماءها. أخذت المنديل لتمسح ملامحها الشاحبة، رفعت شعرها البندقي كذيل حصَان، إبتسمت بمحاولة أن تُعيد لنفسها بعض الحياة، أخذت نفس عميق لتقترب من الباب، بقيْت لثوانِي طويلة تحاول أن تتلصص للصوت، فتحته بهدًوء لتسير على أطرافِ أصابعها ناحية المطبخ، أخذت الكوب الزجاجي لتملأه بمياهٍ باردة تروي عطشها الذي استنزفه قلبها. من خلفها : أشوفك طلعتي! مسكت أعصابها قبل أن ترمي كوب الزجاج وتكسره بوجهها، تنهدَت لتلتفت إليْها بإبتسامة : خير آنسة أثير ؟ أثير اقتربت منها وهي تتكتفت ببيجامتها التي تكشفُ منها أكثر ما تستر : سُبحان مغيَر الأحوال كيف كنتيِ وكيف صرتي! قبل كم شهر في باريس كان وجهك فيه حياة والحين؟ رتيل تنحنحت لتقترب أكثر وبلسانٍ حاد : طبيعي أتغيَر! واضح أنك ماتعرفين الأخبار ما ألومك يمكن ماجلستي مع عبدالعزيز جلسة محترمة وقالك وش صاير! أثير شدَت على شفتها السفليَة : البركة في أبوك اللي مو تاركه يشوف حياته رتيل ضحكت بتشفَي لتُردف : it's not my problem مو ذنبي إذا عبدالعزيز ما يشوفك حياته أثير : حركاتك وكلامك صدقيني ما يهزَ فيني شعرة! أنا مقدَرة شعور القهر اللي مخليك تتكلمين بهالطريقة رتيل بإبتسامة لئيمة : أكيد مقدَرة لأنك سبق وجربتيه، بس خلني أقولك الأخبار عشان أحطَك في الصورة وتعرفين قهري من أيش! . . حاليًا أبوي يتعرض لمشاكل كثيرة بشغله وأضطر يترك باريس! و أختي مختفية من شخص طمننا عليها لكن إلى الآن مختفيَة . . حطَي في بالك أنه عندي أسباب كثيرة تخليني بهالحزن، وطبعًا مستحيل تكونين سبب يشغلني! أثير بإبتسامة : عندِك قدرة عجيبة بأنك تحوَرين الكلام وتقلبينه على مزاجك! رتيل بخفُوت : و عندي قدرة عجيبة بأني اقلبك على رآسك الحين!! أثير تغيَرت ملامحها لجمُود أمام حدَتها، لتُردف بنظراتِها التي تًفصَل جسد رتيل من أقدامها حتى عينيْها : لو كنتِ شي له القيمة ما تزوَج عليك عبدالعزيز! إذا ودَك تفهمين شي! أفهمي إنه عبدالعزيز لو يبي يقهرك كان قهرك بأشياء كثيرة وما يحتاج أنه يستخدمني عشان يقهرك! ولو يبي يستخدم أحد ماراح يهون عليه أنه يستخدم صديقة أخته وزميلتها وبضحكة أكملت وهي تتصنعُ النبرة الطفولية : it's not my problem إنه عبدالعزيز إختارني عليك رتيل نظرت إليها ببرودِ ملامحها : برافو! أقنعتيني، تصبحين على خير ماما ولا تنسين تقرين الأذكار على قلبك أخاف أحد يسرق عبدالعزيز منك . . . . ولا أووه سوري نسيت أنه أنتِي متعوَدة أصلاً أنه الناس يشاركونك بكل شي حتى قلبك!! . . أقري الأذكار على عقلك أخاف لا أشاركِك فيه . . . *لفظت كلمتها الاخيرة بتهديد واضح* نظرت إليها أثير بجمُود وهي تغلي من الداخل، شعرت بأن دماءها تفُور، تصنَعت الإبتسامة : مريضة! الله يعينك على نفسك رتيل بإبتسامة صادِقة أظهرت صفَ أسنانها العلوي: آمين اشتعلت البراكين في صدرها من إبتسامتها لتُكمل مقتربة من أثير : طبعًا ماراح تفهمين وش يعني " نفسك " ؟ أسألي عبدالعزيز وش معنى نفسك بقاموسه! . . . أبتعدت وهي تشعرُ بلذة الإنتصار، دخلت الغرفة لتغلق الباب جيدًا. في جهةٍ أخرى نظرت لكوب الماء الذي على الطاولة، مشَت بخطواتٍ حادة سريعة ناحية الغرفة الجانبية ليرفع عبدالعزيز عينه من الأوراق التي ينشغلُ بها لساعاتٍ متأخرة من الليل، عقد حاجبيْه بإستغراب! أثير بأنفاسها المتصاعدة غضبًا : إن شاء الله إني ما أكمَل أيامي الجاية معها!! عبدالعزيز بهدوء يُعيد أنظاره للأوراق متجاهل كلماتها، إقتربت أثير بحدَة : هذي المجنونة ما تجمعني معها يا عبدالعزيز!!! تنهَد ليضع القلم على الورقة الغارقة بحبرها : إن أنفتح الموضوع هذا مرَة ثانية أقسم لك بالله إنك ما تبقين دقيقة على ذمتي! أثير تصلَبت ملامحها بدهشة : تطلقني عشانها؟ عبدالعزيز يقف ليضع يديْه بجيوب بنطاله، وبحدَة اقترب منها حتى تلاصقت أقدامه بأقدامها : ما أطلقك عشان أحد!! مالك علاقة برتيل ولا لك حق تناقشيني بشي يتعلق فيها . . أتفقنا؟ أثير أمالت فمِها بضيق : كيف تجمعني فيها؟ كيف تمسح كرامتي بالبلاط عشانها! عبدالعزيز : محد يمسح كرامتك! وكرامتك من كرامتي!! لا تصيرين أنانية وتفكرين بنفسك، تقبَليها إذا كان لي خاطر عندِك ولا عاد تخلقين مشاكل خصوصًا بهالوقت اللي ماني فاضي لمثل هالسواليف أثير شتت نظراتها لثواني طويلة: ممكن أسألك سؤال! عبدالعزيز نظر إليْها بنظرة تنتظر السؤال، أردفت : وش مفهوم كلمة نفسك بالنسبة لك ؟ عبدالعزيز بدهشة رفع حاجبه : عفوًا ؟ أثير : لهدرجة السؤال صعب؟ عبدالعزيز : طبعًا لأ .. بس مستغرب أثير : مُجرد فضول إني أعرف الإجابة عبدالعزيز فهم تمامًا أنه لرتيل علاقة بالأمر : نفسي أنا، محد يقاسمني فيها حتى لو قاسمني شخص حياتي أثير تنهدَت براحة لترسم إبتسامة ناعمة على ثغرها :كويَس! . . . ماراح تنام ؟ عبدالعزيز : عندي شغل . . نامي وارتاحي أثير نظرت إليْه بنظراتٍ غاوية : شغل إلى متى حبيبي؟ صار لك ساعات وأنت تناظر هالورق وتكتب! عبدالعزيز بإبتسامة إقترب منها ليُقبَل جبينها : تصبحين على خير . . أثير بادلته الإبتسامة : طيب براحتك . . وأنت من أهل الخير والطاعة . . . خرجت متجهة لغرفتها وهي تشتم رتيل بداخلها من حيلتها الكاذبة بإستفزازها. راقبها حتى دخلت الغرفة ليعود بخُطاه ناحية الطاولة، لم يجلس بقيَ لثواني طويلة واقفًا/غارقًا بالتفكير، تراجع للخلف متجهًا إلى غرفة رتيل، شدَ على مقبض الباب لتلتفت عيناها ناحيته، وقفت أمام الباب، تسحبُ هواءً نقيًا لرئتيْها حتى تستعيد توازنها، اقتربت لتفتح الباب، دخل بنبرةٍ ساخرة : ماشاء الله! من وين جايَك هالهدوء ؟ رتيل بإبتسامة تعود لتجلس على طرف السرير، رفعت عيناها إليْه : ليه فيه سبب يخليني ماني هادية؟ عبدالعزيز : وش سويتي؟ رتيل : ما فهمت عبدالعزيز بحدَة : فاهمة قصدي زين! رتيل بضحكة أشعلت جحيمٌ مصغَر في قلب عبدالعزيز : والله عاد الحمدلله اللي خلاني أتصالح مع نفسي وأتقبَل موضوع أثير عبدالعزيز : تتقبلين موضوع أثير!!! فاهمة غلط يا قلبي . . أنتِ بتتقبلينها سواءً رضيتي أو ما رضيتي رتيل مازالت بإبتسامتها : طيب وأنا أشرح لك سبب رواقي في هالوقت! إني تقبلتها برضايْ عبدالعزيز أمال شفتِه السفليَة بمثل طريقتها عندما تغضب : سبحان من خلَا الكذب مكشوف بعيونك رتيل بضحكة : سُبحانه عبدالعزيز لم يسيطر على أعصابه، إقترب منها ليُشدَها من ذراعها ويجبرها على الوقوف : وش سويتي؟ فيه شي صار خلَاك كذا ؟ رتيل ببرود مستفز : تبيني أقولك؟ مايهمني إنك تعرف! عبدالعزيز بغضب: لا تخلين جنوني يطلع عليك بهالليل!!! رتيل بهدوء أخذت نفس عميق : طيب يا روحي ممكن تترك يدي عبدالعزيز يشدَ عليها أكثر ليُقرَبها إلى عينيْه المشتعلة بالغضب : وش تبين توصلين له؟ رتيل : معك ما ابغى أوصل لشي نظر إليْها بنظراتٍ تجهلُ ماهيتها، اندلعت الربكة في أطرافها لتُردف : تصبح على خير عبدالعزيز بنظرةٍ عميقة : أحفظك وأعرف كيف تفكرين! بس صدقيني لو تجربين تضايقيني بشي ما تلومين الا نفسك رتيل تنهدَت بضيق : يزعجني إنك إلى الآن تفكر بأني ممكن أأذيك وكأنك ولا شي عندِي! لو راح يجيك الوجع مني ماراح يكون الا وجع حُبي لك! عبدالعزيز : لا تتصرفين بأيَ طريقة توجعني يا أثـ . . يا رتيل تجمَع الدمع في عينيْها، حاول أن تتصرف بأيَ طريقة من شأنها أن تؤذيني، ولكن لا تتخيَل بأن وجع مناداتِك لي بإسمٍ آخر أمرٌ عادي، لا تتخيَل ولا للحظة أن قلبي لا يُبالي يا عزيز، أنا اموت في اليوم ألف مرَة كلما فكَرت بأنها معك، تُشاركك الوسادَة وجسدِها، تُشاركِك الهواء الداخل إلى رئتيْك، تُشاركِك الحياة بالنظر إليْك، تُشاركِك كل شيء وهذا يقتلني! كيف تُناديني بإسمها؟ كيف " يقوى" قلبك ؟ لا أريد أن أصدَق أنها تمكنت من قلبك، وأنا تُسيطر على لسانِك وعقلك، لا أريد ولا للحظة أن أفكر بأنها تُشاركني قلبك، ما أرغب به أن يضيق قلبك ويؤلمك! هذا تمامًا ما أريده. سحبت ذراعها بحدَة لتُعطيه ظهرها وهي تنظرُ للنافذة، أرتفع صدرها ببكاءٍ محبوس، وعيناها تتلألأ بالدمع. عبدالعزيز من خلفها : تصبحين على خير . . اتجه نحو الباب ليسحب المفتاح ويضعه في جيبه. بمُجرد أن اخرج انسكبت دمعةٌ يتيمة على خدَها الأيسَر. ستعلم يا عبدالعزيز ما معنى أن تكُون موجعًا بنبرة، و ما معنى أن تؤذي إمرأة بكلمة. ، - قبل عدةِ ساعات، واقفٌ بجهةٍ مقاربة لمكان اللقاء المنتظر، ينظرُ لرسالةٍ مجهولة المصدر تُثير في داخله 100 إستفهام، تجمدَت أصابعه على الورقة البيضاء، حتى تجعدَت أطرافها بضيق صبره الذي لم يعد يحتمل أيَ مماطلة. عبدالرحمن : كيف جتَ هالرسالة الى هنا ؟ : هذا اللي ما نعرفه! وش رايك؟ كيف نتصرف؟ عبدالرحمن تنهَد : مستحيل يكون فيصل أخفى عننَا شي ثاني!! : وممكن أخفى! عبدالرحمن يخرج من السيارة ليستنشق من هواء باريس النقي، أخرج هاتفه ليتصل على سلطان، يرن مرَة ومرتين ولا إجابة. في مكانٍ آخر كان ينظرُ إلى ملامحهم بريبة، اقترب من أحدهم ليقف بتوتر : سمَ طال عُمرك سلطان يقرأ الإسم على البطاقة ليُردف وصوته المتعب يشتَد ببحته : متى توظفت ؟ : آآ . . قبل 4 شهور تقريبًا سلطان : 4 شهور!!! على أيَ أساس : كانوا طالبين إداريين سلطان : مين طالب؟ هز كتفيه باللامعرفة : أنا قدمت أوراقي لإدارة شؤون الموظفين وبعد كم يوم اتصلوا واقبلوني سلطان يسند ذراعه على الطاولة : مافيه شي مستقل إسمه إدارة شؤون الموظفين! الإدارة هذي مسؤولة عن الموظفين اللي متعينيين رسميًا ماهي مسؤولة عن التوظيف : آآآآ أتوقع إدارة التوظيف أختلط عليَ الإسم سلطان : ومين هذي إدارة التوظيف اللي ما اعرفها أحمد من خلفه خشية من تعب سلطان أن لا يتفاقم : طال عُمرك أنت ارتاح وأنا . . يُقاطعه سلطان : أول نتعرف على الأخ الكريم اللي قدامي! مين إدارة الموظفين؟ : أنا قدمت أوراقي و . . يُقاطعه سلطان : لمين؟ أيَ موظف؟ : ما أدري عن إسمه . . ما أعرفهم سلطان بسخرية : ماتعرفهم! صار لك 4 شهور هنا وتقول ما أعرفهم! لا يكون بعد ما تعرفني بإبتسامة مرتبكة : لا أكيد الله يسلمك . . أنا أقصد ناسي مين استقبلني في التوظيف؟ سلطان : وش سألوك في المقابلة الشخصية للوظيفة ؟ : آآ . . سألوني عن . . تخصصي و . . سلطان بحدَة : وش سألوك بعيد عن التخصص؟ : عن توقعي لطبيعة العمل هنا و . . سلطان يُقاطعه بغضب لم يسيطر عليه : ما فيه حمار يسأل واحد متقدم لوظيفة وش تتوقع طبيعة العمل هنا؟ وش رايك بعد يسألك ويقول متوقع أنك بتنبسط ولا بتتضايق؟ . . تستهبل على مخي!!! : لآ طال عمرك ماعاش من يستهبل عليك . . أنا بس توترت من سؤالك ومو قادر أتذكر التفاصيل سلطان يقترب بخُطاه أكثر : كيف مو قادر تتذكر التفاصيل! رحت أيَ دور؟ : الأول سلطان بإبتسامة يكاد أن يحترق من خلفها : الدور الأول مافيه غير الحجز وبعض الأرشيفات!!! : إلا سلطان : يعني تعرف أكثر مني! دلَني وين أيَ مكتب؟ شتت نظراته المرتبكة : أنا بس ما تعوَدت أتكلم معاك وما أشوفك الا بالجرايد و .. يعني عشان كذا شوي متوتر أكيد مو قصدي أخدعك بمعلومة سلطان : سمَعني وش السي في حقك؟ : تخصصي محاسبة سلطان : محاسبة!! فيه أحد متوسَط لك هنا!! . . . بعصبية يُكمل : يعني لازم أوقف عند راس كل واحد وأقيَم شغله مافيه إدارة صاحية تمسك مهامها صح! أحمد : الحين أرسلك ملف تعيينه سلطان : ناد ليْ مسؤول التوظيف! بشوف وش هالوظايف اللي نزلت بدون علمي!!! أحمد : أبشر . . إتجه للطابق العلوي مُرتبكًا من غضب سلطان الذي يجتمع مع تعبه ومرضه، سلطان بنظرةٍ تفحصية : وش قاعد تشتغل عليه الحين؟ : و .. ولا شي اليوم ماعطوني أشياء أراجعها وابحث فيها سلطان : تبحث وتراجع فيها؟ قلت أنك محاسبة وداخل على أساس أنك إداري! والحين تقول أبحث وأراجع!!! وش وظيفتك بالضبط؟ يمكن أنا غبي وماأفهم بعد كل هالسنين : محشوم! أنا أقصد اليوم شغلنا خفيف ما كان فيه شي سلطان : عطوك ملفات تبحث فيها وتدقق؟ : آ . . لـ . . أقصد إيه سلطان : ملفات أيش؟ : إستجوابات سابـ سلطان بغضب : هذي الملفات ما يمسكها أيَ أحد! بعطيك دقيقة وحدة إذا ما تكلمت بدون لف ودوران ساعتها بورَيك نجوم الليل في عز الظهر!!! خرجت عروق وجهه الضيَقة بالإرتباك : أتكلم عن أيش؟ سلطان : وظيفتك كإداري هنا يعني بتمسك ملفات الموظفين وتتابع إجازاتهم و معاشاتهم و كل ما يتعلق فيهم! لأنك أنت هنا بمكتب شؤون الموظفين يا ذكي!! تجمدَت ملامحه دُون أن تفلت منه كلمة واضحة. سلطان : ما تشوف اللوحة اللي قدامك!! بسخرية يُكمل : هنا يجون طال عُمرك و يقدَمون على إجازاتهم وأعذارهم الطبية و يقدمون للدورات السنوية والشهرية . . 4 شهور ما علَمتك هالأشياء؟ . . دخل أحمد ويرافقه المسؤول عن التوظيف المبدئي قبل المقابلة الشخصية، إلتفت سلطان : ألأخ الكريم هذا مين موظفه؟ مرَ عليك ملفه ؟ المسؤول : إيه الله يسلمك وظفناه يوم ترقوا الدفعة السابقة سلطان إلتفت على الموظف الآخر : هذا اللي وظفك؟ مرَيت من عنده توتَر من ضيق تنفسه الذي لا تسعه حنجرته، سلطان : واضح من نظراتك أنه هذي أول مرة تشوفه المسؤول : اللي مرَوا عليَ كثير حتى أنا شخصيًا ما اتذكره لكن اللي قبل 4 شهور مرَوا عليَ قبل المقابلة الشخصية سلطان : عبدالرحمن شافهم؟ المسؤول : أتوقع . . سلطان بحدة : ماأبيك تتوقع! أبي عبدالرحمن وش قال؟ المسؤول : ما شافهم سلطان ينظرُ للطاولة وعليها هاتفه : عطني جوالك : عفوًا!! سلطان : قلت عطني جوالك!!! مدَ له هاتفه بربكة تُشتت نظراته. اتصل على آخر رقم وهو يضعه على السماعة الخارجية " سبيكر " : هلا فهد . . سلطان ينظرُ لبطاقته التي يعلقها بإسم " وليد " أغلقه ليرمي الهاتف على وجهه : يا سلام على الحمير اللي عندي!!! لم يتردد سلطان ولا للحظة بأن يلكمه أمام الجميع على عينِه، بغضبٍ كبير : حسابك أقسم لك بالله بيكون عسير! . . وخلَ زياد ينفعك يوم توَسط لك هنا!! إلتفت لأحمد :أفتح لي تحقيق بطريقة توظيفه! . . بتهديدِ عيناه للمسؤول الذي أمامه . . لو عرفت بأنه لك علاقة ولا أحد ثاني هنا له علاقة أقسم بالله ماراح أرحمكم!!! . . وأحجز هالكلب . . حتى الكلب أشرف من هالأشكال . . أقترب من فهد مرةً أخرى ليُردف : أضيف للسي في حقك يا محاسب تهم تزوير وتلاعب و .. والباقي تعرفه إن شاء الله لا أحكموا عليك . . خرج وهو يفتح ياقة ثوبه بعد ان اختنق بغضبه، دخل مكتبه بشعورٍ فظيع، كل مصيبة يتداركها تجعله يقف بحيرة مما يُخفى عليه، جلس ليطوَق رأسه بكفيَه : يارب رحمتك رفع عينه لهاتفه الذي يهتَز، أجاب : هلا بوسعود عبدالرحمن : صار لي ساعة أدق عليك!! سلطان : ما كنت بالمكتب! . . أكتشفت مصيبة جديدة عبدالرحمن : واضح أنه اليوم يوم مصايب!! سلطان : ليه وش صار؟ عبدالرحمن : قولي مصيبتك أوَل بعدين بتفاهم معك على اللي صاير هنا سلطان : وأنا داخل اليوم شفت واحد بمكتب شؤون الموظفين . . وشكله غريب أول مرة أشوفه! المهم كلمته وبدآ يرتبك ويلف ويدور! . . بالنهاية طلع حيوان زيَه زي غيره . . وشكله هو اللي يوصَل الأخبار بعد زياد عبدالرحمن تنهَد براحة : الحمدلله على الأقل قطعنا جذورهم من عندنا سلطان : إيه هذا أهم شي . . لله الفضل والمنَة عبدالرحمن : جتني رسالة مدري مين حاطَها! وبقولك بس أبيك تشيل فكرة سلطان العيد من بالك سلطان بسخرية : قول أصلاً مخي متشنَج من سالفة سلطان الله يرحمه عبدالرحمن : مكتوب أنه رائد ما راح يجي وأنه مقابلتنا مع سليمان راح تكشفنا بطريقة خاطئة وبتخلينا نفقد سيطرتنا على الموضوع !! سلطان : مين هذا ؟ عبدالرحمن : أنا نفسي ماني عارف! مكتوب بخط اليد سلطان : تعرف خط سلطان العيد؟ عبدالرحمن تنهد : أستغفر الله!! سلطان وش قلنا ؟ الرجَال ميت والله يرحمه لا تشوَش أفكارنا بشي مستحيل سلطان : طيب ليه مانقول هذي لعبة منهم عشان يبعدونا! عبدالرحمن : أنا فكرت بهالطريقة بس رائد إلى الآن ما وصل سلطان : صار له شي؟ عبدالرحمن : ماأتوقع! لو صار له كان وصلنا خبر . . سلطان : وين عبدالعزيز ؟ عبدالرحمن بغضبٍ ساخر : ما بشَرتك؟ سلطان تنهد : وش بعد؟ عبدالرحمن : عبدالعزيز عرف عن غادة والحين ما أدري وين مكانه سلطان تجمدَت ملامحه/نظراته ليُردف : شلون عرف؟ عبدالرحمن : وصلت له صورها مع ناصر!! وأكيد الحين مقوَم الدنيا والله يستر وش قاعد يخطط له سلطان : كل شي انقلب على راسنا بوقت واحد! عبدالرحمن : سلطان . . وش رايك تجي باريس؟ خلنا ننهي الموضوع بسرعة ماعاد يتحمَل خسارات فوق كل هذا! سلطان : وهنا؟ عبدالرحمن : منت وحدك! فيه مسؤولين وفيه موظفين! . . نحتاج تجي ، بالنهاية مافي غير هالحل! لازم نتنازل ونقابلهم!! بكلا الحالتين إحنا مستعينيين بالسلطات الفرنسية بأنها تقبض عليهم لكن مستحيل يتم بدون لا نحطهم كلهم قدام بعض ونخليهم يطيحون في شر أعمالهم سلطان تنهَد : هالطريقة سوَهاا سلطان العيد قبلنا وطاح فيها عبدالرحمن : وش نسوي؟ نجلس نحط إيدنا تحت خدنا ونراقب كيف واحد ورى الثاني يضيع! والله يعلم الحين كيف حال ناصر ولا حال عبدالعزيز!!! سلطان : ما قلت نحط إيدنا على خدنا! لكن فيه حلول منطقية أكثر!! أخاف نخسرهم مثل ما خسرنا قبلهم عبدالرحمن : وش الحل المنطقي برآيك ؟ سلطان : نفاوض رائد، هو أصلاً بينه وبين سليمان عداوة، ممكن نمحي سليمان عن طريقه . . وبعدها نفكر بطريقة نقبض فيها على رائد بدون أيَ مشاكل وبأدلة واضحة بدون لا نلقى له دعم من الجوازات اللي يحملها!! عبدالرحمن : مستحيل رائد بيتعاطى معك سلطان : نجرَب ونحاول عبدالرحمن بحدَة : ماهو وقت تجربة يا سلطان!!! وإحساسي يقول أنه فيصل مخبي عنَا شي غير اللي قاله!! رسايل رائد ولا سليمان ماتجي بهالطريقة! سلطان : يوم راجعت الموظفين عند رائد مرَ عليك إسم فهد؟ عبدالرحمن : لا . . كل الأسماء كانت صحيحة ما عدا إسم واحد بحثت عنه ولا قدرت ألقى أيَ معلومة عنه سلطان يُمسك الورقة التي أمامه ويخرج القلم من جيبه الأمامي : وش إسمه ؟ عبدالرحمن : قاسم معاذ سلطان عقد حاجبيْه : قاري هالإسم بس مدري وين عبدالرحمن : حتى أنا حسيت أنه مارَ علي بس يوم بحثت فيه ما لقيت أيَ شي!! أتوقع إسم مزوَر سلطان يُشخبط على الورقة برسوم تخطيطة وأسهم كثيرة : إذا قلنا أنه بداية دخول سليمان كانت عن طريق قضية منصور! ومثل ما فهمنا من عبدالله أنه أم المقتول تنازلت بشرط زواج بنتها! لو افترضنا أنه الأم تبي الستر لبنتها مستحيل تسلَمها لقاتل ولدها! . . فيه لَبس بالموضوع!! هذا يعني أنه فيه توقعِين إما أنه فهد معهم! أو أنه فهد ضحية راحت بيِد يزيد اللي حاول يلبَسها منصور وهددوا أم فهد . . في كلا الحالتين أكيد فيه شي تعرفه أم فهد!! عبدالرحمن : أنا متاكد من مسألة أم فهد! فيه شي وراها . . ممكن يكون الإسم المزوَر قاسم معاذ صاحبه يزيد!! أو ممكن أحد يعرفه رائد . . بس المشكلة انه اللي داخلين بين رائد وسليمان مصرَحين بأسماءهم ما خافوا من رائد أنه يكشفهم!! هذا يعني أنه الإسم المزوَر ماله علاقة بسليمان . . يعني مو يزيد! لكن أكيد يزيد له علاقة فيهم سلطان : تتوقع فيصل يعرف ؟ عبدالرحمن : فيصل علاقته مع سليمان ماهو مع رائد!! يعني رجال سليمان مكشوفين قدامنا سلطان : ممكن حصل شي بين الحادث و وفاة سلطان العيد؟ عبدالرحمن : رجعنا لنفس الموَال! سلطان توفى بعد الحادث سلطان : جثث غادة و سلطان كانت جاهزة! وش هالترتيب اللي جاء بالصدفة؟ عبدالرحمن بحدة : سلطان!! مانبي نشتغل على توقعات وأوهام سلطان : ما يثير فضولك أنه بو عبدالعزيز اشتغل بعد وفاته؟ عبدالرحمن : ما اشتغل! لكن كان يتلقى تهديدات تخليه يتصرف كأيَ شخص سلطان : قدامك ملف يخص إسم يحمل فواز! ما شفناه ولا حضر ولا إستجواب ومسجَل أنه تم إستجوابه من عبدالمجيد . . تقاعد عبدالمجيد راح باريس . . قبلها تقاعد سلطان راح باريس . . لا تقولي صدفة ومستحيل يتقابلون!! عبدالرحمن : وش تبي توصله؟ سلطان : عبدالمجيد و سلطان مسكوا ملف فوَاز وممكن يكون حسب توقعنا أنه فواز هو سليمان . . لكن ممكن مايكون سليمان لأن ماعندنا دليل واضح! . . اللي يعرف سلطان وعبدالمجيد . . وبعدها يجي فيصل ويقولنا عن اللي صار بعد الحادث! وقبلها ببداية السنة يجي مقرن ويقولنا أنه عبدالعزيز ما يدري أنه غادة حيَة!! . . ما تحس أنه كل هالأشياء تصير من شخص واحد لكن يحاول يشتتنا لأسماء ثانية عبدالرحمن : لو فعلاً كان هو شخص واحد! مين ممكن يخاطر بكل هالأسماء ويترك سليمان و رائد بدون علم!! سلطان : صرت متأكد 70ظھ أنه اللي ورى كل هذا شخص نعرفه عبدالرحمن بغضب : تبينا نحفر قبر سلطان ونوريك أنه مات!! سلطان : وانا أقولك أنه مات الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة، لكن قصدي أنه ما مات بعد الحادث مباشرةً! حصلت أشياء بعد الحادث وبعدها توفى عبدالرحمن : بكرا عندي موعد مع إدارة المستشفى وبحقق بموضوع الجثث على قولتك!! سلطان : طيب . . إرجع البيت الحين دام رائد ما وصل . . . أكيد هذي لعبة من رائد عبدالرحمن : حطينا كام داخل، براقب الوضع ولو أني عارف مستحيل يحصل التبادل بهالطريقة . . حلَ مسائل الشغل اللي قدامك الحين وحاول تحجز أول رحلة لباريس ، ابتهلَ قلبه بكل ذكرٍ يتصل بالله، وقف على أقدامه التي تتجمدَ على المساحة الخضراء، بلع ريقه بصعوبة وهو يثبت الهاتف بكتفه، بنبرةٍ خافتة : دخلت . . : طيب يا ابوي انتبه لحد يشوفك . . حاول تصعد للدور الثاني فيصل : البيت مراقب! في كل جهة كاميرا : الكاميرات الأمامية ما تتحرك، مثبته بجهة وحدة، الكاميرا اللي حولها لصق أزرق هي اللي تتحرك فيصل رفع عينه : اللي قدامي أتوقع أنه فيها جهاز إستشعار!!! : طيب . . حاول تروح للجهة الثانية فيصل : ما كنت أدري عن بيت سليمان هنا! أخاف داخل مايكون فيه أحد : تطمَن انا معك وقبلي الله معك . . روح للجهة الثانية الحين فيصل بضيق خطواته، قطع أمتارًا كثيرة حول المنزل ليقف بجانب الباب الخلفي : فيه كاميرا : خذ أيَ ورقة وأطويها على شكل مثلثات، ثبَتها بأيَ شي وحطها على طرف الكاميرَا، بيصير الفوكس عليها، معروف نظام هالكاميرات فيصل : بيشكَون!! : بيحسبونه عصفور ولا أيَ شي . . حطَها الحين فيصل وقف على ركبتيْه على التراب، أخرج ورقة من جيبه ليطويها على شكل " طير " مررَها على لسانِه حتى يُثبَتها، رفع يدِه لأقصى ما يُمكن أن يصِل إليْه، زحف بالورقة للكاميرَا بخفَة حتى لا تظهر وكأنها أتت فجأة. : ضبطتها : طيب الحين حرَك الكاميرة للجدار وخل الورقة تتحرك معها . . بثانيْتين يا فيصل مو أكثر فيصل بتوتر : بسم الله . . وضع إبهامه وأصبعه الأوسط خلف الكاميرَا ليلَفها بسُرعة ويفلت يدِه. صمت لدقائق ينتظر أيَ ردة فعلٍ مُفاجئة ليردف بضحكة : تمام . . أدخل الحين؟ : انتظر دقيقة عشان تتعطَل كل الكاميرات اللي تتبع هالكاميرة فيصل : وكيف أعرف أنها تعطَلت؟ : شوف الكاميرات اللي فوق اذا تحرَك إتجاهها معناها بتعلَق الصورة وماراح تشتغل مثل الكاميرا الرئيسية فيصل رفع عينه للسور الشاهق ليراقب الكاميرات الموضوعة على جوانبه، أنتظر لدقيقةٍ وأكثر ولم تتحرك : ما تـ . . إلا .. أدخل؟ : الطريق قدامك محد بيقدر يشوفك فيصل : بسم الله . . . دخل ليلتفت للمساحة الواسعة الخالية من أيَ ظل، نظر للنوافذ الزجاجيَة المغلقة، ولا عينٌ تنفذ منها. إتجه نحو الباب الخلفي ليدخل بخفَة دون أن يصدر أيَ صوت، نظر للزجاج العاكس الذي أمامه ولم يلحظ أيَ أحدٍ يعبر المجالس الفارغة، إتجه نحو الدرج ليصعد بخطواتٍ سريعة، نظر للغرف نظرةٍ عميقة قبل أن يدخل أولُ غرفة على يساره، خرج منها ليتبعه دخوله للغرفةِ الأخرى، أغلق الباب خلفه : وين أقدر ألقى الأوراق؟ : بتلقاهم بين الكتب اللي في غرفته فيصل : مستحيل يحطهم هنا! : مو مستحيل! دايم يحفظهم بمكان محد يتوقعه أنه يحط أوراق مهمة فيه! . . يعني مجرد تمويه فيصل تنهَد ليبحث بين كتبٍ أدبية ذات أسماءٍ مشهورة تميلُ للأدب الغربي، أخرج كتابًا كتابًا وهو يبحثُ بين أوراقه، حتى وصل إلى المنتصف وسقطت الأوراق المطوية على الأرض، اعاد الكتاب لمكانه ليجلس على الأرض وهو يفتح الأوراق ويتأكد منها، أتسعت إبتسامته عندما قرأ إسمه، هذا الدليل الذين يستمرَون بتهديدهم ليْ به أصبح بيدي!! : وش صار؟ فيصل بنبرةٍ تتسع لفرحٍ عميق : لقيتهم : الحمدلله . . يالله فيصل أخذ منديل النظارات وأمسح كل مكان مسكته . . فيصل : طيب . . . أخرج المنديل الذي جاء به من جيبه، ليمسح الجهة بأكملها ويُزيل بصماته من عليها : أدوَر على أشياء ممكن تفيد بوسعود و سلطان؟ : خلَ هالأمور عليَ . . لا تخاطر بنفسك فيصل : البيت شكله فاضي . . خلني أدوَر؟ : مستحيل يحط أيَ دليل لشغله في بيته فيصل : طيب . . وضع الأوراق بأكملها في جيبه دون أن يقرأها جميعها. إتجه نحو الباب حتى سمع صوت خطواتٍ تسيرُ بإتجاهه، وقف خلفِه وهو يلصق ظهره بالجدار، انفتح الباب ليُغطي نصف جسدِه بالباب. سَار الشخص المجهول بإتجاه الطاولة ليُردف وهو يتحدثُ بالهاتف : أبد هذا كل اللي صار! . . . . . . . إيه طبعًا . . . . يمكن للحين بالمستشفى! . . . سمعت من واحد يقول أنه حالته خطيرة . . . إيه وش أقولك من اليوم! نفسه الحبل خنقه عاد الله أعلم مين نكبه! . . . ههههههههههههههه كل الأمور تمشي تمام . . . على بُعدِ خطوات كانت النظارة الشمسية التي تعتلي رأسه تنزلق ببطء ولا يستطيع أن يرفع يدِه ويُحرَك الباب، تسارع نبضه وهو يدعو أن لا تسقط النظارة وتصدر صوتًا. إلتفت جسدُ الشخص الآخر بجهةٍ معاكسة لفيصل : كلها يومين وماعاد تسمع بإسمه . . . . . على كلامهم أنه ما لحقت الإسعاف عليه . . الكلب فهد ما يرَد ولا كان عرفت وش صار بالضبط . . . . إيه ولا يهمك . . . . . دبرتوا موضوع فارس؟ . . . . . ههههههههههههه كفو والله . . . . . بأقل من اسبوع إن شاء الله ونطوي صفحتهم . . . . . كلمني قالي عيَا لا يقبل الرشوة! . . والله طلعوا الفرنسيين راعيين أخلاق!! . . . . . وش قررتوا تسوون فيه؟ . . . أنا والله فكرت وقلت ليه ما تطلعون ناصر من القضية وتعلقونه بعبدالعزيز . . . . ماراح يسكت له خذها مني! . . . عبدالعزيز بعد ما عرف بيمسك ناصر ويذبحه بنفسه . . . . . . كيف بتقدر تذبحونه وهو بالسجن؟ . . . مستحيل حتى يتسمم إذا هم رفضوا الرشوات! . . . أنا أقولك هي طريقة وحدة، طلعوه وأنهوها براحتكم! ساعتها الكل راح يلتفت لهالموضوع وممكن حتى نلبَس التهمة عبدالعزيز ونقول أنه اخته هي السبب وأنه يبي ينتقم ومافيه غيره متهم . . . . أضربوا عصفورين بحجر! . . . . . . ههههههههههه كلَم سليمان وقوله والله بظرف يومين وبتشوف وش بيصير . . . . . . بس يبيلك تجيب بصمات عبدالعزيز وتحطَها عند جثة ناصر ساعتها لو يموت ماراح يطلع منها خصوصًا بهالفترة أنه عبدالعزيز ما هو خاضع لأوامر بوسعود . . . . . . . . خلاص شف سليمان وأكيد ماراح يعارض . . اهم شي جيبوا دليل يبرىء ناصر عشان يطلع . . . .. . يخي اندبلت كبدي والله أبي أخلص من هالموضوع عشان أطلع من هالخياس اللي عايش فيه تعرَق جبينه ولمَع بقطراتِ عرقه من التوتر والنظارة مازالت تُهدده بالسقوط. اشتدَت أنفاسه التي يحاول أن يكتمها، وهو يعلم أنه بمجرد أن يلتفت إليه سينتبه لظلَه الواضح، من خلف الهاتف فهم صمتُ فيصل ووصله الصوت البغيض الذي يُخطط على القتل : قرَب من عنده وأكتم فمه، لا تخليه يشوفك! أخنقه لين يغمى عليه وأطلع فيصل وضع قدمِه اليسرى خلف اليمنى ليدوس على حذاءه وينزعه وكرر الحركة بقدمِه اليسرى، أقترب حتى لا يصدر أيَ صوت بخُطاه، وقف خلفه تمامًا وبحركةٍ سريعة وضع ذراعه حوله، كتم على فمِه أمام صرخاته التي يحاول أن يستنجدُ بها، دقيقتين تمامًا حتى ارتخى جسدِه وسقط مغميًا عليه، بهرولة ارتدى حذاءه ونزل للأسفل، خرج للشارع المقابل للمنزل ليقف متنهدًا براحة : طلعت . . . ، مسحت على وجهها مرارًا، حتى فقد جلدَها الحياة/اللون، تصبَغت بالشحُوب، ومازالت الرجفة تسكنُ أطرافها وتسعرً بدماءها التي تنتشي بالغضب لحظة وتبكِي لحظاتٍ كثيرة. رفعت عينيْها إليْه : محد راضي من أهلك عليَ وأنت مضطر أنك تمشي مع كلامهم!! يوسف بحدَة : طبعًا لا! لا تفسرين من مخك . . أنا الحين أكلمك بموضوع أمك لا تفتحين مواضيع ثانية مُهرة بعينيْها المحمَرة بالدمع : صح كلامك . . أمي عرضتني عليك لأنها دارية أنه أخوك بريء يوسف بغضب يقف ليُشير إليها بالسبابة : ما قلت عرضتك عليَ!!! لا تقوَليني كلام ما قلته!! . . أنا قلت أمك تخبي شي أو خايفة أنها تقول شي يخص أخوك الله يرحمه مُهرة بضيق : ليه تشوَه صورته قدامي؟ ما تحس وش ممكن تسوي فيني لمَا تتكلم عن فهد بهالطريقة؟ . . ترضى أحد يتكلم عن خواتك أو عن منصور بنفس طريقتك توَ!!! يوسف : مُهرة ما تكلمت عنه بتأكيد مني، أنا بس أقولك اللي صار بالضبط واللي يبون يعرفونه من أمك! .. لا تخلينا كلنا ننحرج ونحط نفسنا بموقف بايخ بسبب أمك . . . بس دقي عليها وفهميها الموضوع وأنها لازم تتكلم! على الأقل تقولي ساعتها أقدر أتفاهم معهم بأنها ماتجي أو يحققون معها!! مُهرة عقدت حاجبيْها لتقف : طيب مثل ماتبي . . . أخذت هاتفها لتتصل على والدتها أمام أنظار يوسف المترقبة. : هلا يمه . . والدتها : هلابتس . . مهرة : يمه أبي أكلمك بموضوع يخص فهد الله يرحمه والدتها : الله يرحمه . . وش به ؟ مُهرة : تعرفين مين كلَم أو مين قابل قبل وفاته؟ والدتها : وش هالسؤال!! مُهرة : يمه جاوبيني! والدتها بعصبية : اجاوبتس وانا مااعرف ليه تسألين هالسؤال! مُهرة : لأن الحين فتحوا تحقيق وتأكدوا أنه منصور بريء لكن قالوا أنه أمه مخبية شي والدتها : أنا!! مهبَلِ(ن) ما يدرون وين الله حاطهم!! مُهرة : يمه راح يجيبونك من حايل للرياض عشان يحققون معك! إذا فيه شي قولي لي عشان نحط يوسف وأخوه بالصورة والدتها : وش صورته وش خرابيطه! توفى أخوتس والله يرحمه واللي ذبحه أخو رجلتس لا يلعبون بمختس! مُهرة برجاء يُذيب دموعها على خدِها : يمه تكفين والدتها : وش تبيني أقول!! هالتسلاب لعبوا بمختس صح؟ مُهرة : راح ينادونك وبيجبرونك تجين هنا عشان التحقيق!! والدتها : ما يجي من وراهم خير! لو رجلتس به خير ما يقول بجيب أم مرتي وأعنَيها للرياض مُهرة : أنا وين وأنتِ وين يا يمه! . . بس أبي أعرف وش صار قبل وفاته والدتها : ما صار شي! انفجعنا عسى الله يفجع العدو مُهرة بخفُوت : يممه مو حلو منظرنا لمَا تروحين ويمسكونك بحجة أنه تكذبين!! والدتها : الله يسلَط أبليس عليهم كانهم يبون يتبلُون عليَ مُهرة : محد يبي يتبلى عليك بس هم مستغربين كيف أم ترضى تزوَج بنتها لواحد أخوه قاتل ولدها! والدتها : ما خلصنا من هالسالفة! انا كنت أبي أحرق قلب أهله عليه مثل ما حرقوا قلبي وأزوَجك إياه بس أخوه طق الصدر وفزع له مُهرة بضيق : طبعًا أنا ولا أهمك بشي والدتها : أكيد تهمينن! وانا اعرف أبوهم ما يرضى بالظليمة من جينا الرياض ولا جابوا سيرة أمنها انذكر اسمه مُهرة : يعني هذا سبب مقنع لطريقة زواجي عشان تقنعين الشرطة فيه والدتها : إيه سبب مقنع عاجبهم يا هلا ماهو عاجبهم يضربون راسهم بالجدار وش علاقتي بعد مُهرة : فهد الله يرحمه قابل أحد؟ يمه تكفين جاوبيني والدتها : ما قابل أحد . . طلع من البيت ومن بعدها صار اللي صار . . وش بيدرينن عن الغيب يوسف يقترب منها : عطيني أكلمها . . مدَت له الهاتف ليأخذه : ألو والدتها : هلا بالصوت اللي ما وراه شيِ(ن) زين يوسف : هذي شرطة ماهي لعبة عشان تخدعينهم!! خلال أسبوع راح يوصلك خبر إستدعاءك وإن ماجيتي برضاك بيجيبونك بالغصب وساعتها استقبلي الفضايح أم مهرة : وش تبينن أسوي! أتعنَى للرياض عشان أقابلهم يوسف : بس جاوبينا على أسئلتنا! . . تعرفين شي وماقلتيه؟ إذا خايفة قولي لي أنا وماراح يجيك شي أم مهرة : وش خايفتن منه! صاحي أنت!!! . . هذا ولدِي يالأغبر تبينن أضرَه حتى وهو في قبره! كل اللي عندي قلته ليلة الحادثة الله لا يعيدها من ليلة يوسف بتوسَل : أنا آسف . . حقك علي بس تكفين قولي وش اللي تخبينه علينا؟ أم مهرة : لا حول ولا قوة الا بالله أحتسي صيني ما تفهم! يوسف : لا تفضحينا أكثر ما أحنا مفضوحين! . . وش اللي تعرفينه عن فهد الله يرحمه؟ إذا غلط قولي لنا وصدقيني موب صاير شي شين! أم مهرة : اللي يغلط أشكالك ماهو ولدي اللي يغلط يوسف بغضب لا يسيطر عليه : هالكلام روحي قوليه للشرطة! يسجنونك ويجلدونك على النصب والكذب!! أم مهرة : هذا اللي ناقص!! لو بك خير ما قلت أجرَ أم مرتي! بس مقيولة وش نرتجي من واحد أخوه قاتل!! يوسف : هذي شرطة ! تعرفين وش يعني شرطة مافيها حب خشوم!! أم مهرة : إن جيت الرياض بمَر هالشرطة اللي تحتسي عنه وبمَر بعد بنيتي وبآخذها معي وخلَك قابل أخوك اللي فرَ مخك يوسف بحدَة يحاول أن لا تفلت أعصابه منه ويتلفظ بأبشع الألفاظ لمرأةٍ بمقام والدته : الأدلة ثبتت أنه منصور ماله علاقة! لكن ثبتت بعد أنه لك علاقة بتغيير مجرى القضية . . أم مهرة : الله يشلع قلب العدو قل آمين! وش اللي غيَرته! أنتم صاحيين على تالي عُمري تحاسبونن يوسف مسح على وجهه : ساعديني عشان أساعدك! وش اللي تعرفينه عن فهد الله يرحمه وماقلتيه للشرطة أول مرة ام مهرة بغضب : أعرف أنكم ناس تدورون الخراب! وتتبلون يوسف يمدَ الهاتف لمُهرة : تفاهمي مع أمك مُهرة : ألو أم مهرة بإنفعال : ماتجلسين مع هالتسلب! بكلَم خالتس ونجيتس الرياض وخلَه يعض أصابعه ندم يوم أنه يبي يجرَني للشرطة ويفضح بيْ مُهرة : يمه . . تقاطعها : وصمَة تصم العدو . . جهزي شنطتس مالتس جلسة عندهم! يوم أنهم يقولون إني بايعتتس وماأبيتس! أنا أعلمهم مين اللي بايع الثاني مُهرة : هذا كلام الشرطة ومن حقها تسأل لما شافت أنه الموضوع غريب! كيف أم تخلي بنتها تتزوج من واحد أخوه قاتل ولدها! أم مهرة : خلاص أجل يبشرون بخليه يطلقتس عساس يقتنعون أنه ما يصير أم تزوَج بنيْتها لاخو قاتل مُهرة ببكاء بحَ صوتها : فوق انه نفسيتي تعبانة تزيدينها عليَ! بس جاوبيني وريَحيني والدتها بصراخ : وش اجاوبتس عليه! يتسذبون وتصدقينهم مُهرة : يعني ماتعرفين شي والدتها : وش رايتس بعد أحلف لتس على كتاب الله!! حسبي الله ونعم الوكيل هذا اللي أقوله بس أنا أوريه رجلتس يوم ينافخ عليَ ! والله ثم والله مُهرة تقاطعها : لا تحلفين والدتها : والله ما تجلسين عنده . . مُهرة بضيق : يمممه والدتها : لا تناقشينن! يومين وأنا جايتتس مع خالتس . . لاابوه من زواج ماجاب لنا الا وجع الراس! فوق ما احنا عافين عن ولدهم وبعد يتهمونن! جعلهم اللي مانيب قايلة . . وراتس بس . . وأغلقته دون أن تنتظر من إبنتها أيَ تعليق. يوسف تنهد: استغفر الله العليَ العظيم مُهرة : أمي صادقة لو فيه شي مخبيته كان ارتبكت! أنا اعرف أمي ما تقدر تكذب زي الناس وتغطي كذبتها يوسف : مُهرة لا تجننيني! كل شي يقول أنه أمك تكذب مُهرة بغضب : لا تتهم أمي على باطل! قلت لك مستحيل تكذب، كلمتها قدامك وتأكدت أنه مستحيل تكون كذبت بالموضوع يوسف : أنا ما عاد أقدر أتوسَط لها ولا حتى أقدر امنع الشرطة عنها! بيمسكونها تحقيق يخليها تكره الساعة اللي كذبت فيها مُهرة بحدَة : ماألوم أمي يوم تدعي عليكم! كذبتوا الكذبة وصدقتوها يوسف اقترب منها : وش قصدِك ؟ مُهرة : اللي فهمته! أمي ما كذبت . . إذا ما كان أخوك القاتل، فأكيد أمي ماراح يهون عليها ولدها وتتبلى على أحد بالقتل! أنت متصوَر أنه قتل مو شي عادي عشان أمي تكذب فيه! . . امي تخاف الله ماهي كذابة عشان تتهمونها يوسف : محد معصوم عن الخطأ، إذا أمك غلطت خل تواجه غلطها مهرة انفجرت لتصرخ : لو أمك مكانها! ترضى أحد يتكلم عنها كذا ويقول عنها كذابة وغلطانة . . ولا عشان أمي ماوراها أحد قمت أنت وأخوك تحذفَون عليها الإتهامات!! يوسف بدهشة من صوتها الذي اعتلى بنبرته، بغضبٍ شديد : صوتِك لا يعلى لا أدفنك أنت وياه!! مُهرة تكتفت لتُعطيه ظهرها وهي تغرق ببكاءها : ابشرك أنه امي تبي تبيَن لكم أنه نظرتكم الغريبة للموضوع غلط وتبي تآخذني معها عشان تثبت لك أنت وأخوك أنه مافيه أم ترمي بنتها على قاتل ولدها يوسف : العصمة مو بإيد أمك . . حطيها في بالك . . . خرج ليغلق الباب بقوَة، فتح أول أزارير ثوبه بإختناق من هذا النقاش الذي أثار دماءه بحدَته. ، نظرت للهاتف وهي تنزوي بالغرفة الضيَقة، في كل رنَةٍ لا تستطيع أن تصِل بها إلى صوتٍ يُطمئنها تسقطُ دمعة مالحة تمتصُ الحياة من ملامحها، نظرت لإسم " عبدالعزيز " كثيرًا ولا إجابة تصلها، كل ما يصِلها " الرقم خاطىء "، وناصِر أيضًا أشتقته، يوم واحد يمرَ بدونه بعد هذه الفترة الكئيبة تجعلني أشعر أنني فقدت جزءً مني، لا قدرة لديْ حتى احتمل كل هذا الضغط النفسي الذي يُربك ذاكرتي المشوَشة، لو أنني أتذكر أماكن لأصدقاءٍ أعرفهم، لو أنني فقط أعرفُ أين أنا من حياة أصدقائي القدامى، أين أنا من " عبدالعزيز "، يارب ساعدني. يارب! رنَ جرس الشقة ليقع الهاتف من بين يديْها، إرتجفت بخوف من وحدتها هذه اللحظة، لا أحد بجانبها، لا شيء يُطمئنها سوى لفظ " الله "، يارب أحفظني. وقفت لتجرَ خطوة خلف خطوة ببطءٍ يُسقطها ببحرٍ مالح من البكاء، نظرت من العين السحريَة لترى ملامحه التي فقدتها طوال الفتنة الماضية، سحبت حجابها لتلفَه حول رأسها وأنتبهت بأن بلوزتها قصيرة، تراجعت لتأخذ معطفها الذي يُغطي جسدِها، فتحت الباب. وليد بإبتسامة وهو يرتعش من البرد والثلج المستاقط على لندن : السلام عليكم غادة ببحة : وعليكم السلام! وليد : توَ وصلت لندن كنت عند ناصر . . غادة بلهفة : وش صار؟ وليد : كل الأدلة ضدَه! ما ودَي أضايقك بس واضح أنه بيجلس هناك كثير . . وجلستك هنا بروحك أكيد غلط غادة بضيق : يعني ماراح يطلع ؟ وليد : لا غادة : طيب هو ما ذبحه بإرادته . . كان يدافع عن نفسه وليد : هالأشياء ما تهمهم قد ما يهمهم الشي المحسوس! والشي المحسوس يقول أنه ناصر قتله بكامل إرادته غادة : طيب وش أسوي الحين؟ وليد : أنسب حل أننا نتواصل مع السفارة ويجيبون عنوان أخوك . . وممكن حتى يطلقونك من ناصر غادة عقدت حاجبيْها : كيف يطلقوني؟!!! وليد : يسوي توكيل ويتم الطلاق عادي . . أنتِ ماتبين الطلاق؟ غادة ارتبكت لتُردف : أبي أشوف عبدالعزيز الحين وليد : طيب . . إذا جاهزة خلينا نروح المترو ونرجع باريس . . غادة بعُمق عاطفتها التي تجهلها تعود لنفس السؤال : طيب وناصر؟ وليد بهدوء : وش نسوي! مافيه حل يا غادة . . لو فيه طريقة أساعده فيها كان ساعدته غادة بإرهاق : طيب . . بس دقيقة أجيب أغراضي وليد : أنتظرك ، - ، لم يترك لها أيَ مجال بأن تتصل على أحدٍ، تركها وحيدة دُون أن يُخبرها لأيَ ملاذٍ تلجأ. نظرت لأسفل الباب الذي ينزلق منه ظرف أبيض، ارتعش جسدها لتتجمَد بمكانها، تمرُ اللحظة تلو اللحظة حتى يسكُن الهواء بأكمله الذي يُحيط بها، اقتربت من الباب لتأخذ الظرف، فتحته لتبلع ريقها بصعوبة، أشدُ ما اواجهه في حياتي " الخيبة " وأصعبُ ما أستطيع أن أتجاوزه هي الخيبة ذاتها. تُقلب الأوراق لتقرأ صور محادثاتٍ بينه وبين فتاة لا تعرفُ مصدرها، كلماتٌ مبتذلة تشكُ بمصداقية أن فارس يكتب مثل هذه العبارات، نظرت للصورة التي يقف بها بإنحناءٍ بسيط وبيدِه كأس . . لا يالله . . يارب لا تشوَهه بعيني هكذا. في اللحظة التي تغلبت بها على الصوت الذي يُذكرني دائِمًا بأن هناك عقوبة تنتظرني، باللحظة ذاتها أُصاب بعقوبةٍ لم أتخيَلها ولا للحظة، " لم تحتمل قدماها الوقوف لتجلس على الأرض وعيناها تنهمرُ ببكاءٍ طويل يُشبه صبرها الذي عانت منه " كان حلمًا لا أريد أن أفوق منه، كان شيئًا طيبًا في حياتي، ولكن تلاشى كما تتلاشى اللحظات السعيدة التي لا تستطيل أبدًا من أجل ضحكاتنا، كُنت أراك كاملاً حتى طمس الله عيني عن عيوبك، ولكنِ أسوأ الصفات التي يُمكن أن يواجهها المرء بحياته تتكوَر بك وتتكاثر أيضًا، كنت مثلهم! وأنا التي صدقتك على الرغم من كل شيء، تشرب وتتحدث مع نساءٍ كُثر من بينهم أنا، أنا التي أصبحت بمثل رداءتهم ودناءتهم، أنا التي أحببت شخص لا ينتمي للأخلاق بشيء. أستحق كل هذا! لأنني كنت ساذجة بما يكفي حتى أتصوَرك بطهارة هذا الكون وبياضِه، لِمَ يا فارس؟ يا من غيَرت إنتمائِي فداء قلبك، يا من جعلتني أمحِي السنين التي مضت وأعيش العُمر من أجل الذي ينمو بيننا كشجرةٍ شاهقة لن يقدر أحدًا على قطعها سوى من قدَر لنا هذا الحُب، من قدَر لنا أن نعيش يومًا يوازي العُمر بأكمله، من قدَر لنا أن نلتقي بـ " أحبك ". وضعت رأسها على ركبتيْها لتنخرط ببكاءٍ لا يهدأ، تشعرُ بأن روحها تنزلق من جوفها، بأنها تختنق حد الموت. أُفضَل أن أموت ولا أن أُصدم بِك، أُصدم بعينيْك التي أحبها. بالأسفل قريب من الفندق، حمد : حطيت الصور . . بشوف فارس الكلب وش بيسوي! : ورَط نفسك برائد بعدها . . محد بيخسر غيرك حمد تنهَد : أنا مالي دخل . . فيه أحد يعرف أني وديتها ؟ بتوتر : لا حمد : اجل أبلع لسانك ولا تتكلم بالموضوع! ، يمدَ له كوب الماء بعد أن أستيقظت عيناه ببطءٍ وآثارُ الدماء باقية على ملامحه وملابسه : سمَ يا ابوي فارس ينظرُ إليه بإستغراب، تأمل المكان الذي يحويه، الذوق الشرقي يطغى على المكان ذو الألوان العتيقة، أعاد نظره للرجل الواقف أمامه. : تفضَل . . فارس : مين أنت ؟ بإبتسامة حانية : خذ يا أبوك وبعدين نتكلم فارس يأخذ كأس الماء ويشرب رُبعه ليضعه على الطاولة، بعُقدة حاجبيْه وكل حركة بسيطة يتحركها يشعرُ بأن ضلعًا من ضلوعة ينفصل عنه : انا وين؟ : بالحفظ والصون، لكن أبي أطلبك منك طلب وإن شاء الله ما تردَني فارس بعينيْه المتعبة والهالات تنتشر حولها : تطلبني بأيش؟ : أبيك تقعد عندي هاليومين . . عشان نفسك فارس وقفت بتعب حتى سقط على الأريكة مرةً أخرى : مشكور على اللي سويته معاي ماأبي منك شي ثاني : ما تعرفني؟ فارس : لا . . تنهَد : طيب . . أنت ارتاح الحين وبخليهم يحضرَون لك شي دافي يريَحك فارس : مين أنت؟ : تعرف بعدين . . فارس عقد حاجبيْه : كيف أقعد عند واحد ماأعرفه؟ . . لو سمحت أتركني أشوف طريقي : فارس يبه ارتاح! والله إني خايف عليك فارس : خايف عليَ من أيش؟ : أشياء كثيرة . . أنت بس ريَح نفسك ولا تشغل بالك فارس : طيب أبي جوال أتصل فيه : لا . . كذا بيعرفون مكانك . . صدقني مسألة يومين وراح أشرح لك الموضوع . . رن هاتفه ليُردف : خذ راحتك البيت بيتك . . . وقف ليُجيب : هلا فيصل . . . . يُتبع |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة () رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! ( الجزء الثاني من 74 + البارت 75 ) " اللهم أصلح أحوالنا و احفظنا من الفتن " المدخل لـ المتنبي :""" أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ جُهْدُ الصّبابَةِ أنْ تكونَ كما أُرَى عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ مَا لاحَ بَرْقٌ أوْ تَرَنّمَ طائِرٌ إلاّ انْثَنَيْتُ وَلي فُؤادٌ شَيّقُ جَرّبْتُ مِنْ نَارِ الهَوَى ما تَنطَفي نَارُ الغَضَا وَتَكِلُّ عَمّا يُحْرِقُ وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ وَعَذَرْتُهُمْ وعَرَفْتُ ذَنْبي أنّني عَيّرْتُهُمْ فَلَقيتُ منهُمْ ما لَقُوا رن هاتفه ليُردف : خذ راحتك البيت بيتك . . . وقف ليُجيب : هلا فيصل . . عقد حاجبيْه فارس لينظر للمغسلة التي أمامه، إتجه نحوها ليُبلل ملامحه بالمياه الباردة وعقله يتشوَش بفكرة وحيدة محلَها عبير، نظر للمرآة التي تعكس الصورة بإستقامة واضحة لا تشبه إعوجاج ضلعه، نظر للساعة المُعلَقة على الجدار الخشبي وتعتليها كلمة " الله " هذا الرجل يُشبه أحدًا أعرفه، رأيتهُ بجريدةٍ أو على غلافٍ ما، أجزم أنه ذو مكانةٍ رفيعة وله من السمعة الكثير، ولكن من؟ قبل ساعاتٍ كنت مرميًا وعينيَ تغيب بمهلٍ عن الدُنيا، آخرُ ما أتذكر السلاح المصوَب بإتجاهي والأقدام التي تلمَ حشدَها حولي لتضربني. أودَعت قلبي بفكرةٍ أنكِ حبيبتي و عِند الله لا تضيع الودائع، أنتِ الآن معهم هذا ما يهم، مع والِدك بالطبع، ما يحدُث أنني الآن أُفكر بأيَ طريقة سترحلين بها عن باريس، بأيَ هيئة ستغادريني! كنت أوَد بشدَة أن أُسمِيك بدُعاءي " زوجتي " ، لن يفهم أحدًا الوجع بِأن تطمح لقولٍ/للفظٍ رُبما لن يغيَر شيء ولكنه يعنيني بالكثير، يعنيني بأنه إرتباط وثيق لا يفضَ قيده أحدٌ سوايْ بعد الله، جبان! أُدرك ذلك، أتخذت الشجاعة بأن أتركك ولكنني الآن تائب من هذا الغياب، أشعرُ بأن روحي تنفصِل عنَي، وحرارة الندم تغرز المرض بصدرِي، تنتشر فيَ ولا تُبقي أيَ ضلعًا صالحًا للحياة من بعدِك، مريضٌ بِك! إني ماضٍ على كل شيء، لا فائدة لهذا الندم بعد كل هذا، من حقِك الحياة كما تُريدين ومن حقي أن أذهب فداءً لقُبلة/حياة تجمعنا، مازال صوتُك الناعم يا عبير يرنَ في إذني، سنَة ونصف أُطاردك كخيال، أنا الكافرُ بالحب من قبلِك، العابثُ بالحياة والسائر بها بلا هدف، و نظرةٌ واحِدة لصورة نائمة على الرفَ أشغلت عقلي لساعاتٍ طويلة، و أتخذت من قلبي مكانًا لأيامًا عديدة، لا أنكر أنني بحثت عنك في البداية لأشبع فضولي من بعدِ رؤيتِك، كُنت أريد أن أتسلى وأسمع صوتُك مثل أيَ " ناقص " يبحثُ عن " أنثى " لمجرد كونها " أنثى " لا غير، ولكن قلبي كفَر بهذه الأفعال، انجذب ناحيتُك حتى أفسدتِ عليَ فسادِي و أصلحتِ قلبًا فطرتهُ أن يُحبك، أنا المؤمن بقلبِك و أنتِ الحلم و الهدف و الغاية و الوسيلة و السبب و الداعِي و كل ما ينتمي للعيش و الحياة. وكنت أعرف إستحالة ما أفعل نحنُ نرتبط بالحُب ولم نستطع أن نرتبط بعائلتيْن متوافقتيْن، كنت أعرف ولكنني واصلتُ الإحتراق بِك، حتى اندلعتِي في دماءي و عقلي وبين خلايايْ و في صوتي وأعلى حنجرتِي، كنتِ تعبريني كقصِيدة يستحيل على ذاكرتي أن تنساها، أحسنتِ الأبيات المكسورة وأصلحتِ أوزانًا لم تكن لولاكِ أن تتزن، كيف أغنَيك الآن؟ يا من لي على هواها مشَقة، إني على العناءِ راضٍ. من خلفه : صلَ ركعتين ترتاح فيها لم يلتفت، أخفض نظره، يُصلي فترة ثم ينتكس، يعِش عُمرًا لا يُصلي به ركعة، كيف تواجه الله هذه الروح؟ يؤذيني أنني مُسلم بالوراثة، أنني منقطع تمامًا عن العبادات ولا أتصِل بالله سوى الدعاء، لأنني أعرفُ يالله أن لا أحد معي سواك، لأنني أعرفُ مهما تماديتُ بعصياني سأعود إليك لأن هذه فطرتي، لأن الملاذُ أنت، ردَني يالله إليْك، ردَني إليك ردًا جميلاً، لم أكسب من هذه الدنيا شيء حتى الحُب، ولا أُريد أن أخسر الآخرة، ردَني يالله إليْك وأرحمني. أنت تعلم ما في نَفسي، تعلم يالله أنني أُريد الحياة التي تكون خلف سجدَة، ولكن أهوائي أقسى من أن تُفارقني، أصلحني يا كريم و حبب إليَ طاعتك كما أحببتها لقلبي. : فارس فارس بضيق : وين لقيتني ؟ : ما لقيتك، كنت معك فارس : راقبتني؟ : لا . . يهمني تكون بخير فارس إلتفت عليه بشحُوب ملامحه وعينيْه التي تُضيء بالحُمرة : مين تكون؟ عقد حاجبيْه و بياضُ شعره يزيده وقارًا : فيه أشياء ما يصلح تعرفها الحين، بعدين بتفهم كل شي فارس خرج ليجلس على الأريكة وهو ينحني بظهره ليثبَت أكواعه على فخذيْه ويديْه على رأسه، جلس أمامه : أسمع وأنا أبوك يا فارس . . مافيه أحد يجبرك تسوي شي ما تبيه . . أنت منت عبد لأحد . . أنت حُر وأمرك بإيدك فارس دون أن يرفع رأسه : تعرف عني كثير!! : أكثر من الكثير نفسه . . هذي زوجتك محد يقدر يطلقَك منها فارس بسخريَة يؤذي روحه بها : وين يجتمع رائد الجوهي مع عبدالرحمن آل متعب ؟ : عبدالرحمن ممكن يكون حازم بهالمواضيع وما يقبل أنصاف الحلول لكن مستحيل يظلمك أو يظلمها فارس : تعرف أبوها زين؟ بنظرةٍ تلألأت بها عيناه حنينًا : ابوها! . . ماراح تلقى بحياتك شخص نفس حكمته و رجاحة عقله فارس رفع عينه لينظر للرجل الذي يبلغ من العُمر الكثير و الشيب يملأ رأسه ويُزاحم السواد في عوارِضه الخفيفة : أشغلت فضولي! . . تعرفني وتعرف بوسعود!! : كل شي بوقته، قريب إن شاء الله . . . أبيك ترتاح وتريَح روحك ولا تثقل على نفسك بالهم!! صدقني محد عايش مرتاح! لا تحاول تصحح كل هالعالم اللي حولك . . صحح بس نفسِك وإذا صححتها كل من حولك راح يتغيَر . . . على الأقل يتغيَر بقلبك فارس بتوتَر إبتسم : تخوَفني! . . أحسَك تقرأ أفكاري ربت على كتفِه بإبتسامة : لأني متوَقع كيف تفكر! . . الله يهنيك ويسعدِك ويرزقك الذرية الصالحة فارس صمت، تجمدَت ملامحه، لم يسمع ولا لمرَة هذا اللفظ، هذا الدعاء تحديدًا، إرتجف قلبه المنقبض خوفًا على عبير، كيف لكلماتٍ بسيطة أن تستثير الحزن بصدريِ، لأول مرَة أحدًا يقولها ليْ بهذه الحنيَة و الحُب، سُبحان من جعلنا لا نهتَز لمواقفٍ هائلة ونهتزُ لكلماتٍ خافتة، سُبحان من جعل دُعاء من شخصٍ لا أعرفه يُثير كل خليَة حسيَة، اختلفت ديانات العالم المنزَلة و المستحدِثة ولكنها اجتمعت بـ " آمين " خلف كل صلاة، أجتمعت بنا والتي تعني بحسب فهمِي الضيَق " أحبك " ، آمين على حياةٍ طيبة ستجمعنا، آمين على سماءٌ سخيَة ستربطنا، آمين على قلبٍ جعل الله به نورًا من أجلك، آمين على الوصِل/اللقاء، على الأطفال الذين يحبسُون ملامِحك و يُغطيهم جفنك، آمين على الهدايَة و الصلاح، آمين على قلبِك وآمين على أحبك. : عساه آمين فارس همس : آمين ، يجلسُ بجانبها والهم يزيده حزنًا على ما وصل به الحال، أن تكون أبًا ليس سهلاً، ان تعِيش من اجل أحد أيضًا ليس سهلاً، أن تحمل على كتفك مسؤوليَة وطَن يزيدُ من الأمر صعوبة، الولاء لهذه الأرض التي خُلقنا منها، للصحراء التي تحنَ إلينا كلما أمتلأت سماء الرياض بالتراب، للقُرى الصغيرة والمحافظات التابعة لمُدننا الشاهقة، الولاء وكل الولاء للشهادة التي تتوسَط البساط الأخضَر. يارب ساعدنا، إنا نحتاجُك، نحتاج أن تربت على قلوبنا وتُطمئنها من كل حزنٍ و كمد و قهر و ضيق، إنا نُنيب إليْك فأرحم عبدًا شهد لك بالوحدانيَة والعبوديَة. ضيْ تنحنحت لتُردف بإتزان جاهدت أن تصِل إليه : عبدالرحمن إلتفت عليها بإبتسامة خافتة يحاول أن يُطمئنها بها، يُحمَل نفسه فوق طاقته ليرى الإبتسامة لمن حوله في وقتٍ يفقد كل أسباب الراحة والإستقرار و أيضًا يفقد سببًا للإبتسامة : سمَي ضي : سمَ الله عدوَك . . أبي أكلمك بموضوع بس . . يعني عبدالرحمن يلتفتُ بكامل جسدِه عليها ليضع يدِه على شعَرها الطويل : وشو ؟ قولي ضي أخذت نفس عميق لترتفع الدموع ناحية عينيْها، كل الإعترافات حتى أبسطها دائِمًا تجيء صريحة حادة و أحيانًا قاتلة. عبدالرحمن يمسح دمعتها قبل أن تسقط : متضايقة؟ . . تطمَني إن شاء الله كلها يومين وراح نرجع للرياض ضي إبتسمت حتى تغلب بكاءها ولكن هذا الدمع من غلبها حين تساقط كمطرٍ باريس هذه الأيام عبدالرحمن تنهَد بعُقدة حاجبيْه : ضي؟ . . وش فيك يبه؟ ضي اخفظت رأسها، جبَنت في آخر لحظة بأن تقول له. شدَها ليعانقها، حاول بكل قدرته أن يمتص حزنها بهذا العناق، يُحزنه أن تعاني ضي أيضًا. غطَت ملامحها بكتفِه ودمعُها يُبلله وبصوتٍ مختنق : ما أبيك تزعل مني . . والله أموت يا عبدالرحمن لو تضايقت مني عبدالرحمن : بسم الله عليك . . ليه أزعل؟ ضيْ ببكاء : مقدرت أقولك . . بس والله مو بإيدي . . خفت . . خفت كثير . . عبدالرحمن أبعدها قليلاً ليُقابل ملامحها الناعمة، رفع حاجبه : وش صاير؟ وش اللي ماأعرفه ؟ ضي شتت نظراتها : آسفة . . عبدالرحمن : وش الموضوع لا تخوفيني ضي بربكة وهي تلمُ كفيَها في حضنها : أأ . . قبل يعني فترة عرفت . . بس ما كنت . . يُقاطعها : عن ؟ ضي بشكلٍ سريع أبتعدت بجسدِها للخلف قليلاً وهي تنطقها : حامل تجمدَ هذا العالم بأكمله في عينيْه، نظر إليْها بدهشَة دُون أن يساعده الصوت بأن ينطق كلمةٍ واحدة، انتفض قلبه من هذه الكلمة، انتفض من الفرحة التي تجيء بشكلٍ مُفاجئًا، أدركتُ تمامًا بعد هذا العُمر أنني أخاف من لحظاتِ الفرح التي لا تطول أبدًا، " عقد حاجبيْه بردَة فعلٍ لا يفهمها جيدًا " أُجاهد بأن لا يهتَز بي ضلعًا من أيَ خبرٍ يجيء بصورةٍ مُفاجئة، أحاول بكل ما أملك أن لا ينحني ظهري بأيَ شيء من أجل هذه الأوضاع التي تقتل القلب ببطء لتُجمَد الإحساس به، ولكنِك يا ضيَ عينِي أنتِ إستثناء من هذا بأكمله. ضي عضَت شفتِها السفليَة لترفع عينيْها بتردد حتى تراه، سُرعان ما شتتها بحُمرةِ ملامحها الباكية، خافت أن تقع بشباكِ نظراته لتعِيش حُزنًا يصبَ من عينيْه. عبدالرحمن بلع ريقه بصعوبَة أنفاسه التي تخمدُ برئتيْه: متى؟ ضي بخفوت مهتَز : هذا الشهر الثانِي عبدالرحمن همس مُشتتًا نظراته : الحمدلله ضي رفعت عينيْها لتنظرُ إليْه بعينيْن باكيتيْن : مو متضايق؟ عبدالرحمن اقترب منها ليُقبَل جبينها بقُبلةٍ عميقة، أستطال بالثواني وهو يُلامس جبينها المرتفع بدرجة حرارته، أبتعد ليُردف : أؤمن بأن كل اللي يصير خيرَة ضي دُون إرادتها أجهشت عيناها مرةً أخرى : يعني ما ودَك بهالطفل ؟ : مو قصدِي . . سحب يدَها ليضغط عليها بدعمٍ معنوي يُقدَره جيدًا. أكمل : محد يرَد شي فضَله الله وأختاره له، صحيح إني طلبت منك تآكلين حبوب المنع وقطعتيها بدون علمي . . لكن من حقَك! مقدر أحاسبك على شي أنتِ تبينه ضيْ : إذا أنت ماتبيه أنا ماأبيه عبدالرحمن يمسح على شعرها بإبتسامة تكسره كثيرًا : واللي تبينه أنا أبيه ضيْ : ماأبي أخليك تشيل هم فوق همَك ولا تـ يُقاطعها بضحكة تتمايل بقلب ضيَ الغنيَ به : استحي على وجهك! فيه أحد يقول عن ولده همَ ؟ ضي ابتسمت بين بكاءها : كنت خايفة، خفت تعصَب من . . . مدري بس أشياء كثيرة خلتني أخاف! عبدالرحمن يمسح دموعها بكفَه الحانية : ليه أحملَك فوق طاقتك؟ وأخليك تشيلين همَي بعد! أعرف شعورك يا ضيَ . . أعرف وشلون تشيلين همَ كيف توصلين خبر لأحد . . وماأبيك تجربين شعوري ، هذا الشعور اللي ما يخليك تنامين براحة ويقتلك كل يوم وكل لحظة تفكرين فيه ضيْ تضع يديْها على كفَه التي تعانق خدَها لتسحبها قليلاً وتُقبَل باطن كفَه : الله يخليك ليْ عبدالرحمن وقف ليُمسكها من يدِها ويوقفها بإبتسامته الهادئة: توضَي وخلينا نصلي الشفع و الوتر . . ضي : أنا على وضوء . . عبدالرحمن : طيب . . تقدَم ناحية القبلة، أخذت حجابها لتُصلِي خلفه، سكَن المكان بصلاتهم وصوتُ المطر الذي يضطرب بالخارج يعبرُ مسامعهم كطمأنينة، سجَد وفي أولِ سجدة أبتهلَ قلبه بالصلاة على النبي إقتداءً لسنَة الدعاء، ليصمت قليلاً بخشوعٍ عظيم حتى تصاعدت روحه بالكلمات الراكعة لله " اللهم يا كريم يا رحمَن يا منَان ردَ بناتي إليَ وأحفظهم بحفظِك، اللهم إني أستودعتُك فلذات كبدي فأحفظهم وأحمِهم، يارب لا تُريني بهم مكروهًا وأصلح أمرَهم وسهَل ما صُعَب عليهم، يارب أرزقهم الدرجات العليا في الدنيا والآخرة و أجمعهم بمن يحبُون، يارب أحفظ قلوبهم من الوجَع و الحُزن . . أطال بسجُودِه وصمت بعد " الحزن " ، من شأن الكلمات أيضًا أن تقف كغصَة وتمنع الصوت عنَا،( بناتِي ) الصوت المبتهج في داخلِي أما الآن أحتاجُ حنجرة أخرى لأواصل السير على نبرةٍ أتعبها الوقوف " الغصَة ". مهما بلغنا من القوة الا أننا فُقراء ضعفاء أمام الله، سقطت دمعته على السجَادة. ليُكمل " يارب يا كريم أرزقني القوَة والصبر حتى احتمل وجعهم، يارب أرزقني النفس الصبورة التي تحمدُك في أشدَ المصائب وأصعبها، اللهم احفظ زوجتي و اكرمها بما تشتهي نفسها ولا تُصعَب عليها أمرًا إنه لا يعجز عنك شيء، اللهم ارزقها السعادة و الراحة. . . . . اللهم أحفظهم . . أحفظهم يا رحيم. ، في ساعات الفجر الأولى دخَل لعُتمة المنزل الذي يزداد إضطرابًا بسكُونِه، إلتفت ليندهش من وجودها : عمَة؟ إلتفتت حصَة التي غفت قليلاً وهي تنتظره : جيت! إقترب منها ليُقبَل رأسها ويجلس على ركبتيْه أمامها : وش فيك نايمة هنا؟ كنتِي تنتظريني؟ حصة صمتت قليلاً حتى تتغلب على نوبة البكاء التي أصابتها طوال اليوم : متضايقة من اللي قاعد يصير فيك ومو قادرة أرتاح دقيقة وحدة سلطان : تطمَني . . ما فيني الا العافية . . يا ما شفت ولقيت بتجي على هذي! حصة تمسح على رأسه القريب من حضنها : طلبتك يا سلطان لا تطلقها! سلطان بضيق : قومي نامي ارتاحي شكلك مانمتي طول اليوم . . حصة : تكفى يا سلطان والله قلبي بيتقطع من هالموضوع سلطان : بسم الله على قلبك عساه فيني ولا فيك حصة ببكاءها الذي لا يهدأ : لا توجعني فيك . . بس عطَ نفسك فُرصة والله ما تستاهل كل هذا سلطان سعَل قليلاً من المرض الذي يتفاقم عليه في كل لحظة، وقف ليجلس بجانبها : الحين تبكين كأن احد ميَت لِك؟ والله أنا اللي بتقطعين لي قلبي!! يا عُمري ماتدرين وين الخيرة . . الله يسهَل من عنده ويرزقنا حصة : ليه ما تفهمني يا سلطان! موجوعة والله العظيم . . ماراح تلقى وحدة تناسبك غيرها! أنتم مكتوبين لبعض لا تضيَعها من إيدك سلطان بضيق يمسح دموعها بكفَه وبنبرتِه الخافتة يشعُ قلبه لها : طيب لا تبكين! . . لا تبكين حصَة : لو أبوك الله يرحمه موجود وشافك كذا والله لا يحلف عليك أنك ترجعها! سلطان : الله يرحمه ويغفر له ويغفر لأمواتنا جميعًا . . حصة : كلكم بإيدكم الحل . . وش بتسوي بعدها؟ بتصحى عشان تشتغل وتنام عشان تريَح من هالشغل وما بينهم أنت مشغول . . وإلى متى؟ بعد عُمر طويل تتقاعد ومين بتلقى عندِك؟ . . بس فكَر بطريقة منطقية أنه اللي تسوونه أكبر غلط! والله أكبر غلط سلطان بإبتسامة يُخفف وطأة هذا البكاء : يا ويل قلبي بس! مين اللي بيتطلق أنتِ ولا الجوهرة ؟ حصة تضربه على كتفه : أنا اللي بتطلق وش رايك؟ سلطان : بنتك وهي بنتك مابكيتي عليها كذا حصة : لأني عارفة عواقب تصرفاتها لكن أنت يا سلطان عارفة وش بيصير بحياتك بعد الجوهرة!! تكفى يا سلطان أبي أفرح فيك وبعيالك سلطان بلع ريقه بصعوبة ليُردف : يا أميمتي أنتِ . . ماعاش من يرد لك طلب بس خلَي هالموضوع وطلعيه من بالك . . أنا ما أنفع للزواج وأريَحك من الآخر . . عفت الحريم حصة صدَت عنه بضيق : ما تعرف مصلحتك! والله ماتعرفها سلطان : مشاكلنا ما تنتهي، بنوجع بعض كثيير حصة : بتنتهي لو بس تقدمت خطوة وحدة سلطان ابتسم : ملاحظة أنك ما تفقدين الأمل كل مرة نفس الكلام تقولينه حصة : وبجلس طول عمري أزَن عليك لين تتعدَل! . . فيه شي إسمه تفاهم وتنازل وتضحية عشان حياة زوجية زي الخلق . . . المشكلة أنكم إثنينتكم تبون بعض وأكذِب وقول لا .. والله لا اذبحك لو تكذب!! سلطان بضحكة يُريد أن يُبعدها عن هذا الموضوع : ولدِك جلف ما يفهم بهالأمور حصة بسخرية : ناجح بحياتك العملية وفاشل مع مرتبة الشرف بحياتك الخاصة سلطان : الشكوى لله . . حصة : فرحة وحدة مستكثرها على نفسك!! وش فيها لو قلت للجوهرة أبيك . . وش بينقص منك؟ هذا وأنت راعي دين وتعرف بالدين وتدري أنه أبغض الحلال عند الله الطلاق سلطان بضحكة مبحوحة صادقة : عشاني راعي دين على قولتك أدري أنه ماهو أبغض الحلال عند الله الطلاق . . وهذا حديث مغلوط عن الرسول صلى الله عليه وسلم . . كيف شي حلال شرَعه الله يكرهه الرحمن؟ يعني بالعقل ما يدخل هالحديث . . لأن في الطلاق فوائد! وأكيد لحكمة منه شرَعه حصة نظرت إليه بجمود ليبتسم سلطان : حجَرت لك ؟ حصة : الشرهة على اللي مقابلك!! سلطان غرق بضحكته ليُردف : جعلني ماأبكيك . . قومي نامي وريَحي نفسك حصَة : إيه أضحك! ماشاء الله على روحك اللي لها كل هالقدرة على التجاهل سلطان : لا حول ولا قوة الا بالله وش تبيني أسوي؟ أجلس لك وأبكي وألطم حظي! عندي أمور أهم تخص شغلي! . . . وعلى فكرة معدَي سالفة الصبح ولا عاد تحاولين تجمعينا بأيَ طريقة حصة من غضبها لم تعد تعرف ماهية قوْلها : هذا إذا ما حطيت صورها في البيت كله عشان تحترق كبدك شوي وتروح لها سلطان : تبين الملائكة ما تدخل البيت؟ حصة : أشوف غرفة سعاد ما قلت والله الملائكة ما تدخل بيتي! لو ماجيت وسنَعت غرفتها كان الله يعلم كم بقيت تحرَ الجوهرة فيها . . سلطان تنهَد : الله يصلحك بس حصة : أنا أعرف كيف أطيَح اللي براسك . . بيجي يوم وتعض أصابعك ندم على اللي قاعد تضيَعه منك، يخي شفت الجوهرة بس قلت لها أنك تعبان فزَت لك ونست كل شي عشان تكلمك . . يعني لو بس ترفع سماعة التليفون عليها وبكلمتين حلوة تتسنَع فيها وتعقل مثل كل الرجال بترضى وبتجيك سلطان سعَل بمرارة دُون توقف لتربت حصَة خلف ظهره : يا لكاعتك!! بس تبي تضيَع السالفة سلطان بضيق بحَ صوته من السعال : ذبحتني الكحَة والله حصة : لو قاعد في البيت اليوم مو أحسن! رحت ورجعت أسوأ من أوَل . . المهم شدَ حيلك شوي بس وكلَمها سلطان : بقولك شي . . الحين أمَر بمرحلة مهمة بشغلي ومضطر إني أعطيها كل وقتي حتى لو على حساب نفسي وحياتي حصَة : إلى متى؟ بس قولي متى تنتهي هالمرحلة المهمة اللي من فتحت عينك على هالدنيا وأنت تمَر فيها سلطان : كل شي يخص شغلي مهم، وأيَ غلط صغير يضيَعنا وببساطة ينهينا حصَة برجاء : سلطان سلطان : يا عيونه طلَعي هالموضوع من بالك ونامي وأرتاحي . . وأعتبري ما صار الا كل خير حصة : اتصل عليها . . بس على الأقل حسسَها أنك مهتم . . تطمَن عليها وأسأل عنها سلطان : وش بستفيد؟ حصَة : صاير تفكيرك إستغلالي لازم مقابل لكل فعل تسويه! ما ينفع تكون أخلاقك حلوة شوي مع البنت؟ سلطان ابتسم : أفآآ! صرت إستغلالي الحين؟ حصة بضيق انفعلت : منت إستغلالي! والدليل أنك حمار وماتفكر بنفسك! سلطان مازالت الإبتسامة المتعبة تتسع حتى أظهرت أسنانه : مقبولة منك يا أم العنود حصة : وش أسوي فيك يا سلطان ؟ بموت من حرَتي عليك!!! وش بيصير في هالدنيا لو قلت لها وش أخبارك يالجوهرة ؟ سلطان : الحين غيَرتي توجهاتك! قبل شوي تقولين رجَعها والحين تبيني بس أكلمها حصة بسخرية : عاد حكم القوي على الضعيف! كل ماجيتك من جهة عنَدت سلطان : طيب خلاص حصة : تكلمها ؟ سلطان : إيه حصة : إحلف سلطان غرق بضحكته ليُردف بتعب وهو يسند ظهره على الأريكة : ما عاد فيه ثقة؟ حصة : إخلص عليَ وإحلف عشان أعرف كيف أواجهك بالحجَة؟ سلطان : والله العظيم بكرا بكلَمها حصة إبتسمت : خلَ أسلوبك حلو سلطان بسخرية : سجَلي وش الكلام اللي تبيني أقوله ؟ حصة : لا طبعا ماراح أتدخل بينكم سلطان لم يتمالك نفسه من الضحك ليُردف بين ضحكاته : بسم الله على قلبك اللي ما تدخَل حصة إبتسمت بإحمرار وجنتيْها : اللي سويته مو تدخل . . إسمه إصلاح . . الله يصلح قلوبكم ويجمعكم سلطان مسح على وجهه بإرهاق دُون أن ينطق شيئًا لتدفعه حصة من كتفه : قل آمين عساك اللي مانيب قايلة سلطان بتعبٍ واضح : آمين . . آمييييين . . . آميييييييييين حصة ضحكت لتُردف : يممه منك حتى آمين مستخسر تقولها!! سلطان : قلتها في قلبي حصة : أنت ماشاء الله عليك كل شي تقوله في قلبك ولمَا أقولك سوَ كذا ولا لا تسوي كذا قلت أنا أمشي ورى عقلي . . سلطان سعل بشدَة حتى أردف وهو يغمض عينيْه ويضغط عليها بأصابعه : اللهم صلِ وسلم على محمد . . شكل حرارتي بترتفع من نقاشك!! حصة بخبث تُلقي عليه من أعظم أبيات الشعر الفصيح في العصر العباسي : جربتُ من نار الهوى ما تنطفي نار الغضا و تكَلُ عما يُحرق . . سلطان إلتفت عليها بنظرة حادَة لتكتم حصة بضحكتها وهي تُردف واقفة : أمزح وش فيك ؟ . . تصبح على خير . . . أختفت من عينيه سريعًا بلذَة إقناعه بمحادثة الجوهرة. ضلَ يُراقبها حتى تلاشت، تمتم بتنهيدة : سبحانك لا اله الا أنت وأتوب إليك . . . صعد للأعلى ودُون أيَ سيطرة منه على عقله الذي بدآ يُكمل الأبيات " و عذلتُ أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لا يعشق؟ وعذرتهم وعرفتُ ذنبي أنني عيَرتهُم فلقيتُ منهم ما لقوا " دخل لياخذ نفس عميق حتى يطرد كلمات المتنبي من عقله الغارق بقصيدته التي تُضرب بها الأمثال حتى هذا اليوم، نزع حذاءه ليرمي نفسه على السرير بإرهاق دُون أن يغيَر ملابسه، سحب وسادة الجوهرة ليضعها فوق وسادته وتصِل رائحة عطرها أنفه متجهة لعقله الذي مازال يستذكرُ صوت القصيدة، " أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرَق " في كل جُزء منَي وعلى كل جزءٍ و فوق الحال وبين كل حال تضعين مُسببًا للأرَق، للغرق، للاوجود، للغياب، عفيف يالجوهرة لمْ أسكُر ولم يُذهب عقلي شيء عدَا عينيْك، لم يكذب من لعن الفتنة، الفتنة التي تسرق مني نومًا في هذه الساعات. أستلقى على ظهره متقلبًا، يحاول جذب النوم بالذِكر : استغفر الله . . . كاد أن ينفجر عقله من القصائد التي يقرأها عليه في وقتٍ يحاول أن يقرأ به الأذكار، في كل لحظة يلفظ ذكرٍ من أجل أن ينام مرتاحًا يُقاطعه مقطع قصيدة، لم يبقى شيئًا حفظه منذُ زمنٍ بعيد لم يُعاد عليه في هذا الليل، بدأ يُكرر الإستغفار في داخله : أستغفرك ربي من ديارٍ تجلب حُزنًا . . لم يُكمل بمُقاطعة قلبه الذي يحفظ " واستلذُ نسيمها من دياركم، كأن أنفاسهُ من نشركم قُبلٌ " تنهَد بمحاولة قمع كل محاولات عقله وقلبه في ترديد الشعر في وقتٍ يُريد فقط السكون والهدوء، ولا فائِدة مع كل كلمة تستنطق لسانه بخفُوت يُجيب عقله بطريقة مُستفزة وهو لا يخضع لأيَ سيطرة منه، التفكير يخرج عن إرادتنا مهما حاولنا أن لا نُفكر، نستطيع أن نمنع أنفسنا من الكلام و أعيُننا من النظر و لكننا لا نستطيع أن أنمنع أنفسنا من التفكير وهذه الحقيقة في وقتٍ مثل هذا تشدَ أعصابه وتستفزه. ـ بإسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فأن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادِك الصالحين. بمُقاطعة قلبية : " ولو أنني أستغفر الله كلما ذكرتك لم تكتب عليَ ذنوب " ـ اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك. بمُقاطعة أخرى : " هجرتُك حتى قيل لا يعرف الهوى و زرتُك حتى قيل ليس له صبرًا " دفن رأسه بالوسادة ليشتعل عطرها بكل خليَةٍ في جسده، أغمض عينيْه ليُردد بصوتٍ منخفض حتى لا يُفكر بأيِ شيءٍ آخر : أستغفر الله . . أستغفر الله . . أستغفر الله . . . أندهش من نفسه التي تحفظ أبياتًا لم يُرددها يومًا، دخل في صراعٍ مع الوسادة حتى ينام " شطرٌ واحد يا حصَة أشعلتي به ذاكرتي النائمة ". على بُعدٍ طويل في شرق المملكة كانت مُستلقيَة على السرير وكفيَها على بطنها وعيناها للسقف. لم يجيئها النوم رُغم أنها لم تستيقظ مُتأخرًا، ابتسمت من الإسم الذي جاء بقلبها " بدر بن سلطان بن بدر الجابر "، أريده يحمل سُمرة والِده و عينيْه التي تُناقض كل ما يقول دائِمًا، كيف أنتظر 9 أشهر ؟ لا افهم مقدرة الحامل على إنتظار كل هذه الشهور بصبرٍ وحِلم وأنا منذُ الآن أعدُ الوقت من اجله! وأعدُ اللحظة التي تجيء به، لم اتمنى شيء كمجيئه بظروفٍ اجمل لا ينفصلُ بها عنَي أحدٌ أحببتهُ قاسيًا حتى أصبحت قسوته لُطفًا بعيني، يا وداعة الأشياء الجميلة في صدرِي إني أُحبك بقرارٍ يشملُ الحياة. إلتفتت للباب الذي انفتح، أفنان : صاحية ؟ الجوهرة أستعدلت لتجلس : إيه أفنان : طفشت وقلت مالي غيرك الجوهرة : ما عدلتي نومك؟ أفنان : لآ للحين . . وش رايك نجيب فيلم ونسهر عليه ؟ الجوهرة : مو مشتهية والله أفنان بملل : طيب الجو حلو خلينا نسهر برا . . الجوهرة بإبتسامة : جد مالي خلق أتحرك أفنان : من الحين بديتي تتعيجزين شلون لو تصيرين بالسابع! الجوهرة : أجلسي وسولفي عن باريس وكَان أفنان : تعبت وأنا أسولف لك وأعيد نفس السوالف! خلاص خلصت سواليفي الجوهرة إبتسمت : سولفي عن أيَ شي؟ عن رواية قريتيها ؟ أفنان : يوه يا قدمك! صار لي سنتين ما أقرأ الجوهرة : أجل بنام وأنتِ روحي أسهري لحالك أفنان برجاء : جُوج! يخي بموت من الملل . . سوَي معي شي مفيد قبل لا ترجعين الرياض!! الجوهرة تنهدَت بضيق من كلمتها الأخيرة لتُردف : وش تبيني أسوَي؟ أفنان بصمتٍ لثواني : صح ما قلت لك! رجعت أحفظ أجزاء جديدة من القرآن الجوهرة بنبرة فرح : شدَي حيلك لا تقطعين . . ما بقى لك الا الأجزاء الأخيرة أفنان : يارب أقدر وأحفظهم . . والله تعبت تخيلي أحفظ وأسمَع ألقى نفسي ماحفظت نفس الناس الجوهرة : طيب أنا قلت لك أسمعي بالقارئ اللي تبينه وخلَي إذنك تحفظ معك . . القرآن ما ينفع تحفظينه بطريقة الترديد، لازم تحفظه عينك معك بالقراءة وإذنك بالإنصات عشان يبقى بذاكرتك فترة طويلة أفنان صمتت لثواني طويلة لا حديث يقطع صمتهم حتى أردفت : طيب بسألك سؤال الجوهرة : وشو ؟ أفنان : تضايقتي من ريَان اليوم ؟ الجوهرة : أنا ؟ لا ليه ؟ أفنان : أجل ليه بكيتي؟ الجوهرة بلعت ريقها : مو عنه أفنان : ترى ريَان بدآ يتغيَر والله حتى صايرة أسئلته مو كثيرة مثل دايم، يعني أجاوبه وينهي الموضوع ما يستفسر كثير . . وأنتِ بعد لا تشيلين بقلبك عليه! الجوهرة : مين قال إني شايلة عليه؟ أفنان تراه أخوي مهما صار مالي غيره أفنان : أنا بس قلت لك يوم حسَيت أنه اوضاعكم للحين متوتَرة الجوهرة : لا تطمَني، قلبي ما يشيل على سلطان! أفنان بضحكة : سلطان!! والله مآخذ عقلك هالسلطان نسَاك حتى إسم أخوك الجوهرة تصاعدت الحُمرة لوجنتيْها لتستمر أفنان بنظراتِها المتغنجة : إيه وش أخبار سلطان ؟ الجوهرة شتت نظراتها : بخير أفنان بإبتسامة فسيحة : متى بيجي؟ الجوهرة : ليه يجي ؟ أفنان : يعني عشان يآخذك، ماراح يجي هنا؟ الجوهرة بتوتر : الحين هو مشغول . . مدري بالضبط متى بينتهي شغله ، في صباحٍ هادىء بالغيم، مُضطرب بالشعور، تتصاعدُ الأحلام وتتسامى دُون أيَ قُدرة على الإمساك بها! تفلتُ منَا أحلامنا التي هي ذواتنا، تفلتُ منَا أنفسنا ولا نُسيطر عليها. بين أربعة جدرانٍ صمَاء ينظرُ لوميض الضوء المنبعث من ثقبٍ بزاوية السجن الإنفرادي، رأسُ مالي في هذه الحياة ثلاثٌ لا يزيدهم فردًا، والدِي و عبدالعزيز و غادة، و إثنيْن أنفصل عنهم شيئًا فشيئًا، ما حيلتي لأعِيش وأنا مُقيَد بهذه الصورة، لا أطلب من الدنيَا عدل وحُكمها بيدِ البشَر، لله أترُك أمر الحياة والناس. يا وجَع قلبي و يا ضيقُ الفرح بجوفِي! قبل سنواتٍ كانت الحياة تتمهدُ امامي وتُبسِط على كفَها من الفرح حُزمٍ لامنتهية، كانت تأتِ دائِمًا في الكلمات بضميرٍ يحمل غادة، ياء الملكية التي تُنهي الكلمات كان يُزعجني أنها ألتوت على نفسها كهاء الغائب، وأنتِ لم تغيبي لحظةً عن روحي، " أخفض رأسه من فكرة وجود ولِيد معها هذه الأثناء، وعدهُ بأن لا يقترب منها ولا يُخبرها شيء " قبل ساعاتٍ طويلة في مكتب الضابط يُقابله. وليد : والحين وش بتسوي ؟ ناصر : ولا شي! . . أبيك تبلَغ فيصل بموضوع غادة أنها بروحها عشان يتصرف وليد : وينها ؟ ناصِر بتهديد يُشير إليه بسبابته : صدقني ماراح يحصل خير لو عرفت أنك أنت اللي رحت لها وليد إبتسم بهدوء : قضيت سنة كاملة معها! لو بضرَها كان ضرَيتها من زمان ناصر : الكلام الدرامي هذا وفَره لنفسك! بلَغ فيصل ومشكور وليد تنهَد : وش مشكلتك معي؟ أنا أحاول أساعدِك!! ناصر بحدَة : بتساعدني؟ بلَغ فيصل وماتقصَر وليد : عطني عنوانها طيَب، أقول لفيصل أيش؟ ناصر يسحب الورقة الموجودة على الطاولة ليكتب عنوانه في لندن، مدَ الورقة وقبل أن يلتقطها وليد سحبها ليُعيد تهديده : صدقني لو يوصلني خبر أنك معها بحرقك في مكانك!! وليد وقف ليمدَ يدِه ويأخذ الورقة : أستغرب من أنانيتك حتى وهي بروحها! ما خفت عليها من أحد لكن خفت عليها منَي!! ناصر وقف ليقترب منه : إذا حبَيت بتعرف وقتها وش يعني أنك تغار من ظلَ يلامسها و ماهو ظلَك! وليد : يعني لو كنت أناني محد بيشره عليَ بنظرك؟ ناصر : الأنانية إنك تفكَر بنفسك وتتجاهل اللي حولك وأنا ما تجاهلت أحد. ، يقف أمام النافذة المطلَة على الحديقة المنزليَة، وعيناه تُراقب هيفاء التي تُحضَر طاولة الطعام للفطور، يأتِه صوتُه المُشتعل بالغضب : يعني ما جبت الأوراق؟ فيصل ببرود : ليه أجيبها ؟ عطني سبب يخليني أروح وأجيبها عُمر بحدة : فيصل!! فيصل بضحكة : ودَي أذبح ذبيحة على شرف هالصوت! عُمر بعُقدة حاجبيْه : أذبحها على شرفك حبيبي!! أقسم لك بالله ماتكون في بيتك الليلة إن ما طلعت الأوراق فيصل يُلحَن الكلمات ويُمططها بإستفزاز : أنا آسف عشان الأوراق اللي شايف نفسك فيها صارت بإيدي . . وهذي الأوراق بتنحشر في فمَك عُمر بهدوء يخفي خلفه براكين مشتعلة : كيف طلعت لك ؟ فيصل بسخرية : أمطرت الرياض عُمر بغضب : تكلَم! كيف وصلت لك؟ فيصل : زي الكلب تروح وتطلَع ناصر ولا بضطر أسوي شي يحرقك فيه سليمان قبل لا أوصَل الموضوع لأبو سعود وسلطان عُمر : ناصر ماراح يطلع! وبشوف وش بتسوي يا فيصل؟ فيصل تنهَد : عاد الشكوى لله، اللهم بلَغت اللهم فأشهد . . سُو سورِي عُمر : مين وراك؟ فيصل غرق بضحكة عميقة ليُردف : اللي قاعد يصير لك أمر مُحزن ومثير للشفقة! صرت تشَك بنفسك صح؟ يا حياتي والله عُمر بحدَة : لو أنك رجَال تقول مين! فيصل : مقطَعتك الرجولة! والله عاد ما يهمَني أكون رجَال بعيونك . . يكفيني أنه ينتهي اللي بديتوه بخسارة كبيرة لكم عُمر : كأنك ما بديته معنا!! فيصل بإستفزاز : أنا؟ متى؟ عُمر : تنكر؟ فيصل : عطني دليل واحد إني كنت معكم؟ . . . إلتزم عمر الصمت، ليُكمل فيصل : حاول ما تجي الساعة 7 بتوقيتكم الا وناصر طالع وإلا والله أنت اللي ما راح تنام الليلة!! . . أغلقه ليتنهَد براحة الكون أجمَع، اتسعت إبتسامته الفسيحة حتى ظهرت أسنانه في لحظةٍ شعر بها أن هذا العالم يقف على شُرفةِ منزله، نزل للأسفل ليمرَ مكتبه الذي ورثه عن والِده، وضع الأوراق في الخزانة، انتبه للسلاح العتيق النائم على الأوراق، لمعت في رأسه فكرة ليضعه في جيبه ويُغلق الخزانة جيدًا، خرج متجهًا نحو الخلف، إلتفتت عليه بإبتسامة : صباح الخير فيصل بنبرةٍ مبتهجة : صباح النور والسرور والرضا هيفاء : عمتي خذت ريف وطلعت ويوم شفت الجو حلو قلت نفطر هنا فيصل : زين تسوين . . جلس لتجلس بمُقابله . . هيفاء : كنت أبغى أستأذن منك يعني لو أقدر أروح لأهلي اليوم فيصل رفع عينه : إيه أكيد هيفاء أبتسمت : مشكور فيصل : حسستيني إني رئيسك بالشغل على هالإستئذان!! هيفاء ارتبكت بتوتر عميق لتُردف : آآ . . يعني عشان . . فيصل وبدآ يقع بعشق ربكتها، ليتمتع اكثر بصمته ويراقب حركاتها العفويَة المتوترة، أكملت : مو مفروض استأذن؟ فيصل بلع ضحكته قبل أن يصخب بها ليُردف : مو قصدِي كذا هيفاء : أجل؟ يعني طريقتي بالإستئذان فيصل هز رأسه بالإيجاب ليأخذ كأس العصير ويشرب منه. هيفاء تمتمت : الله يآخذ دفاشتي!! فيصل : عفوًا؟ هيفاء : ولا شي بس لأني متعودة أستأذن بهالطريقة وبداخلها تمتمت " الله يسامحني على الكذبة انا لو أستأذن منك زي ما استأذن من أبوي بترمي عليَ الطلاق " فيصل بإستلعان يُربكها ويقف على كل كلمة : يعني تروحين لأبوك وتقولين أبغى أستأذن منك لو أقدر أروح لصديقتي؟؟؟ هيفاء إبتسمت بتوتر : يعني مو كذا بس لأن ما أعرف أستأذن فيصل : ما تستأذنين! تطلعين بدون إستئذان؟ هيفاء أخذت نفس عميق : لآلآ .. خلاص أنسى أشرح لك بعدين إبتسم إبتسامة أوقعت قلب هيفاء : بنسى يا عيني ليه ما أنسى؟ هيفاء تصاعدت الحُمرة لتتورَد وجنتيْها، شربت من كأس الماء لتُخفف حرارة جسدها المرتفع بالربكة. فيصل ضلَت عيناه تغرق بتفاصيلها وتبحر بمراقبتها، لم ترفع عينيْها تُدرك أنه ينظر إليْها، بدأت تُحرَك الملعقة على الصحن دُون أن تأكل لقمة واحِدة. فيصل : هيفا رفعت رأسها وبتعجُل : لبيه . . آآ أقصد هلا فيصل بضحكة : وش فيك مستخسرة عليَ كلمة حلوة؟ هيفاء بربكة : لآ لآ مو قصدي كذا أقصد يعني . . خلاص لبيه فيصل إبتسم : تلبين بمكة . . قومي بورَيك شي هيفاء وقفت لتسير خلفه وهي تضع يديْها على خديْها المشتعليْن بحرارتهما، " يالله عليك يا فيصل " لم أتوقع أن تُصيبني كل هذه الربكة بحضُورك، أشعرُ بأن نظراتِك لها خُطى مهيبة لا قُدرة على قلبي بأن يتحمَلها، فيك شيءٌ لا أدري ما تفسيره، و على عينيْك أمرٌ يتخطَى العادة، يجيئني شعور أنه أمرٌ خارق، أعني بذلك النظرُ إليْك وإستكشاف تفاصيلك التي تهرول حولك، يبدُو لي أنني أقع بِك/فيك. إلتفت عليها لتسير بجانبه متجهَان لمكانٍ لا تعرفه، نظرت للمكان الخاوِي سوى من زرعٍ بسيط يُزيَنه. فيصل يأخذ علبة المياه ليضعها على بُعد 20 متر تقريبًا، رفعت حاجبها بإستغراب : وش بنسوي؟ فيصل : بعلَمك شي . . أخرج السلاح لتبتعد خطوتيْن للخلف بشهقة فلتت منها رُعبًا. فيصل : بسم الله عليك! . . تعالي هيفاء : لآ مستحيل . . ما احب أمسكه ولا . . يقترب منها ليسحبها من ذراعها، هيفاء برجاء : لا تكفى والله أخاف منه . . أعرف نفسي والله ما اكذب إني ماأشوف زين وممكن أوديك بداهية فيصل بإبتسامة شاسعة : أنا معك هيفاء بتوتر وكأنها تواجه الموت : والله العظيم والله ما اكذب . . فيصل : مين قال إنك تكذبين! أنا معك . . يالله أوقفي زين هيفاء : تكفى لا . . حتى بمزرعتنا أخواني يعطون ريم ومايعطوني لأني ما أشوف زين . . والله ما اكذب فيصل بضحكة يشدَها ليجعل ظهرها مُلاصق لجسدِه، ووجهه على كتفِها، مدَ يديْها بإستقامة ليضع إبهامها والسبابة على السلاح ومن فوقها يدِه، هيفاء بضيق : ما أبغى أتعلم واللي يرحم لي والديك! . . علَمني أيَ شي خايس الا هذا فيصل : أعلمك كيف تقرأين؟ هيفاء أشتَد إحراجها من إدراكه لكذبها، إلتزمت الصمت وهي تبلع رهبتها من السلاح. فيصل لفَ قدمِه على ساقه حتى يُثبَتها، أغمضت عينيْها بشدَة لتضغط على الزناد وتذهب الرصاصة بعيدة كل البعد عن قارورة المياه. فتحت عيناها بتجمَد تام، فيصل يهمس بالقرب من إذنها : لازم تتعلمين كيف تدافعين عن نفسك، بكرا لا سمح الله اذا صار شي تكونين عارفة وفاهمة هيفاء : خلاص؟ فيصل : أبي العلبة تنفقع! هيفاء إلتفتت عليه وساقها مازالت مثبَته بقدمِه، لاصق بطنه بطنها ويدِه خلف ظهرها، وبصوتٍ مُرتبك تنطق الكلمات بهيئة مستعجلة : والله إني أخاف من هالأشياء وعندي فوبيا منها . . فيصل بهذا القرب لم ينطق شيئًا، اكتفى بعينيْه التي تُراقب شفتيْها المتحركتيْن بكلماتٍ سريعة. إرتجف فكيَها لتبلع ريقها مُشتتة نظراتها بعيدًا عنه في وقتٍ يُحيطها جسدِه من كل إتجاه، ابعد قدمِه عن ساقها ليجاور قدمِه قدمها، أمال رأسه قليلاً ليصِل لمستوى شفتيْها، ويدِه تنزلُ من أعلى ظهرها لتُحيط خصرها، أغمضت عينيْها ليلتحم جسدِه بجسدِها، ارتفعت درجة حرارتها الداخليَة ليغيب قلبها عن الوعي بما حوله، ويديْها المرتجفتيْن تغفو على صدرِه. عن الشعور الذي أجهله في هذه الأثناء؟ كيف أحكيه؟ قلبِي بِكر لم يعشق من قبل ولم يسلك طريق الهوى، تُغيَرني يا فيصل بظرفِ يوميْن، تقلبني رأسًا على عقب، تفضَ الحياة بعيني ليصعد مقامها نحوُك، نحوك أنت فقط لا يُشارِكك إنسانًا ولا جمادًا، فوق العادة، ما أعنيه تمامًا أنَ هذا الشعُور المحمَر خلف قلبي فوق العادة، أجهلُ ماهية الشعور ولكنني أُدرك تمامًا بأن هناك شيئًا يشدَني إليْك، كُنت أظن أن عينيْك وحدها المصيبة إلا أن شفتيْك أكثرُ المصائِب ودًا. ابتعد بحرارةِ أنفاسه التي أنتقلت لرئتيْها لتضجَ أنفاسه بداخلها، ولا أعرفُ وصفًا يا هيفاء أعمقُ من قول المتنبي " قد ذقتُ ماء حياةٍ من مقبَلها، لو صاب تُربًا لأحيا سالفَ الأمم "، للمرةِ الأولى أتذوَق الجنة بترتيلِ شفاهِ غانيَة، أتحسَر للعُمر الذي مضى دُون أن أفكَر بالزواج، وأرثي الآن من يعيش دُون أنثى، أقصد فتنة. ابتعدت خطوتيْن للخلف دُون أن تتجرأ بالنظر إليْه، سارت بإتجاه الداخل وأنفاسها تضطرب إضطرابًا يصِل لقلبها الذي يرتفع أشدُ إرتفاع بحركته، دخلت لتصعد بخطواتٍ سريعة نحو الأعلى، أغلقت الباب لتُسند ظهرها عليه، وضعت يدَها اليمنى على خدَها والاخرى على صدرها لتُهدأ من روْعِها، نظرت للنافذة و جسدِها من قدميْها حتى رأسها يشعُ حُمرةً ويُضيء، بللت شفتيْها بلسانها لتبتسم من ربكة شعورها، تسللت أصابعها نحو فمِها لتشعرُ بأن شفتيْها تحترق بحرارته، إتجهت نحو الحمام لتُبلل ملامحها بمياهٍ باردة، نشفَت وجهها المحمَر بخجله، جلست على الأريكة وتفكيرها يتشوَش بأشياءٍ كثيرة لا تستطيع أن تُحددها. قُبلةٍ واحدة أدت إلى غياب عقلي عن وعيْه كيف لو أطالها؟ يسيرُ ذهابًا وإيابًا، وصوتُ ضرباتِ القلم على إصبعه يرنَ صداها، إلتفت للباب ليدخل أسامة : ما لقيناه رائد بغضب يقترب منه ليُحرقه بجحيمه : طلَع فارس من تحت الأرض! والله ثم والله لو يصير له شي راح أحرقكم كلكم أسامة صابته الرهبة من وعيده : سوينا اللي علينا! وأنت ما كلفتنا نراقبه رائد يصفعه بقوة حتى أصطدم جسدِه بالجدار، بصراخ : وأنا الحين كلفتكم!! فارس يطلع لي!!! نزفت شفاهُ أسامة وهو يقف بإرتباك : إن شاء الله رائد : أنقلع عن وجهي ولا ترجع الا وفارس معك . . . جلس خلف مكتبِه وأفكاره تشتدُ سوءً حول فارس، أنحنى بظهره وقدمه اليمنى تضربُ الأرض بإستمرار لتعبَر عن توترها أيضًا، سيُصاب بالجنون من غياب فارس عنه، يتمنى أن يموت ولا يصِلهُ خبرٌ سيء عنه، أهتز هاتفه على الطاولة ليسحبه، فتح الرسالة لتُصاب عيناه بجمودٍ سحب كل أنفاسه للداخل ولم يزفرُ بشيء، اختنق صدرِه من الصورة التي يراها، من منظر فارس الملقى على الأرض والدماء تنتشر على جسدِه و تُبلل الجزء الآخر من ملابسه، لا يُريد أن يصدَق أن شيئًا حلَ به، للمرةِ الأولى منذُ فترة بعيدة ترتجف عينيْه وتُسبِب ربكة فكيَها التي تزداد إصطداماتها ببعضها البعض، وقف وهو يضع يدِه اليسرى على جبينه من صُداعٍ يُداهمه ويُشتت رؤيته، خرج من الغرفة ليصرخ بصرخة هزَت أركان الشقة، تجمَعوا بأقل من الثانية إليْه، إقترب من أسامه ليُحيط رقبته بيديْه : تعرف مكان فارس؟ . . تعرفه أسامة أختنق من قبضة يدِه دون أن يُجيبه بأيَ شيء، رائد يرمي كل خططه بعرض الحائط من أجلِ إبنه : سليمان صح؟ أسامة بدهشة أتسعت عيناه من معرفة رائد به، لكمه حتى سقط على الأرض، سحبه ليلكمه بشدَة مرةً أخرى، دفعه بإتجاه الجدار ليسحب قميصه ويضربهُ مرةً أخرى، رفسَه على بطنه ليُثير غثيانه : تكلَم لا أقسم بالله أدفنك بمكانك!! أسامة والدماء تنزفُ من كل جزءٍ بجسدِه، بصعوبة نطق : ما أدري رائد يرفسه بقوَة : أنا أبيك تدري . . إلتفت للواقفين خلفه . . جيب سلاحي أسامة برهبة أحمرَت عيناه : ما أعرف شي صدقني يمدَ حمد السلاح إليْه ليأخذه، صوَبه بإتجاه أسامة : عندِك دقيقة وحدة لو ما تكلمت ترَحم على نفسك أسامة بضيق صوته : سليمان ذبحه رائد لم يتردد ولا للحظة أن يضغط على الزناد، وجهه لساقِ أسامة، انطلقت الرصاصة لتنغرز به وتهتَز الجدران التي تُحيطه بصرخته الموجعة حد البكاء، صرخ بقوَة وعينيْه تجهشُ بالوجَع، أنحنى رائد إليْه بنبرةٍ لم ولن يجيءُ من يُشابه غضبها : والله لا أفقهكم بالتعذيب كيف يكون!! .. ولدِي أنا تذبحونه وترمون جثته !!! والله إن ما خليتكم تدعون على أنفسكم بالموت ما أكون رائد . . . والحين بتقولهم عن مكانه ماهو أنا اللي ولدي ينرمي على الطريق!!! وحسابكم جايْكم بالدور . . . . دخل لغرفته ليضرب الباب بقوَة حتى يغلقه، قبض على يدِه ليضربها على الجدار، صمَد لدقائق طويلة حتى أهتزَ جسدِه ببكاءٍ داخلي لا يقوى على الخروج، لم تحمله أقدامه ليجلس على ركبتيْه وهو يُغمض عينيْه ويضغط عليها بكفَه. " يا عيون أبوك! يا عيونه كيف تتركني؟ " اشتدَت حُمرة عينيْه بحزنٍ لم يعتاده أبدًا، بحُزنٍ يُصيب قلبه ويقتلعه، أخفض رأسه بأنفاسٍ تحبس نفسها في صدره وتخنقه. إلا أنتْ! أدفعُ للحياة كل شيء عداك، أبكِيك يا فارس لعُمرٍ كامل ولن أتجاوز أمرك، أرجُوك يالله ليقل أحدًا أنها مُزحة أو كُذبة، ليقل أحدًا أيَ شيء إلا موته، إلا موتي. ما كُنت أخشى بالحياة شيئًا عداه، فارس الإستثناء في كل شيء، أتوسَلك يالله لو كان كابوسًا أيقظني منه، أيقظني . . أنهارت كل خليَة تسبحُ في جسدِه ولم يعد يفرق بين منامه ويقظته، جنَ جنونه مع إبنه. رفع رأسه للسقف وضحكاتِ إبنه تأتِ بصورة موجعة وكلماته الضيَقة تبحَ في ذاكرته " ماكذبت يا يبه يوم قلت نحنُ قومٌ يا إذا عشقوا ماتوا " " بسم الله عليك يا يبه من الموت " تأتِ الحقيقة بسهامٍ حادَة لا تُقدَر قلبًا ثمَل من عشقه لإبنه، تأتِ بصورةٍ مُفجعة، لا أرضى بالعيش، بالحياة، بالدُنيا وعيناك لا تطلَ بناظريْها، كنت أوَد بأن تكون آخر شخص تراهُ عيني في إحتضاري، ولكنك ذهبت مُبكرًا ولم أراك، لم أراك يا فارس! كل شيء فيَ ينطق " الآه " و الوجَع، إني على بُعادِك لا أصبر وإني على حُزني موعود، لو كُنت معي في ذروة جحيمي بهذه الدُنيا لقُلت إنني أعيشُ في الجنَة، أمَا الآن لو وضعوني بين مُسببات السعادة لعشت جحيمًا يحرق جسدِي دُونك. يخترقه صوتُه مجددًا لتسقط دمعةً يتيمة على خدِه الأيسَر تكسرُ رجُلاً لم يكسره موت احد من قبِل ولم يكسرُه حدثًا هزَ بيته و عمله، يجيء صوتُه الضاحك " رائد : طبعًا كاتب قصة حُب . . عارفك ناقص حنان، فارس بضحكة عميقة : مغرقني بحنانك وش لي بحنان غيرك " تسترجعُ ذاكرته صوته بكل الكلمات الضيَقة والواسعة بفرحها، يأتِ صوته قاتلاً لكل صبرٍ يحاول أن يثبت عليه. ارتخى جسدِه بذبول، شحَبت ملامحه من مُحادثته في نفس هذا المكان ، " رائد بغضب : أنقلع عن وجهي فارس بإبتسامة : والله يا يبه صرت تنكر على الرايحة والجايَة! أحلف لك بالله أنك للحين أمي في بالك رائد رفع عينه إليْه : وإذا أمك في بالي وش بتسوي؟ قلت لك أمك هذي مهي بصاحية حتى عقب هالسنين داخلة في مخي أعوذ بالله منها فارس بضحكة منتصِرة : عاد قلبك ومالك سيطرة عليه رائد : دبلت كبدي الله يدبل كبد العدو! . . قوم عن وجهي لا يجيك ذاك الكفَ اللي يثقفك بأصول الحب فارس إتسعت إبتسامته حتى ظهرت أسنانه وهو يستفزُ والده بكلماته : عسل على قلبي يا أبو فارس لو تكفخني من اليوم لين بكرا رائد : أنقلع لا والله . . يُقاطعه فارس : ههههههههههههههههه وش فيك عصَبت؟ كنت أمزح بس شكل طاري امي يقلب قلبك رائد : الا يقلب معدتي، الشرهة بس على اللي مقابلك فارس : جرير وش يقول يبه . . يقول إن العيون التي في طرفها حور قتلننَا ثم لم يحيين قتلانا . . رائد : الله يآخذك أنت وجرير قل آمين . . صدق فاضي ماعندِك شغل غير تحفظ بهالشعر اللي ماوراه الا النكد الله ينكَد على عدوَك فارس بخبث : وش دعوى يبه! هذا أشهر بيت في الغزل مفروض تكون حافظه . . رائد : ترى أمك ضاحكة عليك عيونها مهي حورآ . . هي فيها إنحراف فارس غرق بضحكته ليُردف : ماشاء الله على الذاكرة اللي حافظة أصغر التفاصيل رائد يحذف عليه علبة المناديل وهو يُخفي إبتسامته : قم وراك فارس بضحكته التي تُشبه ضحكة والده : المُشكلة أنك أبوي رائد بحدَة : أنا مشكلة؟ فارس بإبتسامة يقف ويقترب منه، قبَل رأسه ليبتعد خطوتيْن للخلف : بكون صريح معك، أنا أكره بعض تصرفاتك وأكره تحكمك فيني وأكره طريقتك بالتعامل مع غيري. . . رائد يُعيد النظر للورق : أنقلع ما أبي أسمع فارس بنبرةٍ صادقة : وترى ما أحمَلك ذنب شي! الصالح لو بأسوأ المجتمعات بيضَل صالح والفاسد لو بأحسن المجتمعات بيضَل فاسد . . ما أحمَلك شي يا يبه، لأن الله بيحاسبني على أعمالي ماراح يحاسب أحد ثاني، وأكبر مثال أنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم! أكيد ماراح يحاسب الله الرسول على عمه! محد يشيل ذنب الثاني! أغلاطي هي من نفسِي مو منَك . . ومهما تصرفت وقلت بس لو يخيَروني عُمري ماراح أنفصل عنك . . ولا راح أرضى إني أعيش بعيد عنك . . رائد يرفع عينه : وش مناسبة هالكلام؟ فارس : أنت سألتني ليه أنت بالنسبة لي مُشكلة؟ رائد : ما فهمت!!! فارس بعلاقته الحميمية التي لا تهتَز مع والِده أبدًا : المُشكلة إنه حُبي لك يتناقض مع حُبي لعبير . . رائد عقد حاجبيْه : ليه ؟ فارس بإبتسامة يبلع بها ضحكتِه على ملامح والده : أحبني لأني ولدِك رائد بضحكة وقف مقتربًا منه : صحيح ؟ فارس أطلق ضحكته ليُردف : و أحب عيوني لأنها تشبهك رائد غرق بضحكتِه : يا سلام على الغزل الصريح! فارس بعينيْه التي تُشاركه الطرب والبهجة على الكلمات : و الحمدلله إنك أبويْ حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه ، وقفت بإتزان أمامها، ومن داخلها تحترق من وجودها معه بين 4 جدران وسقفٌ يشهد عليهما، وأنا يا عزيز؟ أنا التي يشهدُ على حُبي لك أربعة، قلبي المرتجف و عينيَ الذابلتيْن، و صوتِي الضيَق و جسدِي المرتعش، لكَ حُكمهم يا سُلطانًا أتخذ من صدرِ أنثى عرشًا، لكَ مُلكهم يا رجلاً أستوطَن قلبًا أُرسِل إليْك، تركت قلبًا وضع في طريقك منذُ زمَن والآن أدفعُ ثمن الطريق الذي سلكته، أُنافس الحياة بِك بعد أن كُنت لك حياة، يسرقوني مِنك! وأنا وحدي التي أُحبك. أثير بإبتسامة ناعِمة ترسمُ على ملامحها الباذِخة بجمالها : تفكرين كيف أبعد عن طريقك؟ رتيل أخذت نفس عميق لتُردف : أدعي الله كثير إني أنا اللي أبعد عن طريقك! أثير بضحكة مستفزة : بالمناسبة، عزوز حبيبي قالي كلمة أمس وأشغلت بالي كثير أظنها تهمَك رتيل بلعت ريقها بصعوبة وهي تُجاهد أن لا تفلت أعصابها منها. أثير بدلع : قالي نفسي هي أنا حياتي اللي مستحيل يقاسمني فيها أحد حتى لو كان جزء من هالحياة . . رتيل شدَت على شفتِها السفلية بأسنانها حتى لا ترتجف ، أثير تُكمل : أظن غلطتي بكلمة نفسك او شكلك فاهمتها غلط بقاموس عزوز رتيل شتت نظراتها لتُعيدها بإشتعالهما لعينيَ أثير، بحركةٍ خافتة تراجعت أثير للخلف خطوتيْن من نظراتها التي شعرت وكأنها تُجلدها. إن كنت تخاف من أحدٍ يا عزيز يجب أن تخاف من المرأة إن اشتعلت غيرتُها، الرِجال أسلحتهم واضحة أما النساء لهن جيوش سريَة إن اندلعت لن يقف بوجهها أحدٍ، النساء اللاتي أسقطن حكومات لم يستطع رجلٌ واحِد أن يقمع جزءٍ منها، هؤلاء النساء يجتمَعن في مرأة واحِدة ويُعينها الشيطان بكيدٍ عظيم إن أشتدت غيرتها، فقط استفز غيرتها وسترى الجحيم بعينه. أثير بلعت ريقها من نظراتِ رتيل الغريبة والمُخيفة بنفس الوقت، شتت نظراتها لتُردف بتوتر أتضح على صوتها عطفًا على أن عبدالعزيز خرج ولا تستبعد أن تفعل رتيل بها شيئًا مجنون : وأسألي عبدالعزيز إذا جاء . . نطقت إسمهُ دُون دلع حتى لا ترتكب بها جريمة، رتيل أقتربت أكثر بجسدِها إليْها وبإبتسامة تُخفي معانٍ كثيرة : كنت أبيك تتفاجئين باللي راح يصير، بس راح أعلَمك كيف تدفعين ثمن أغلاطك معي! أثير : تهدديني؟ رتيل بحدَة : إيه أهددك . . أتقِ شرَي يا أثير لا والله أطلَع حرَة عبير وأبوي وعبدالعزيز فيك أثير أخذت نفس تُعيد به توازنها : في بيتي وتهدديني بعد؟ أنا والله اللي لازم أقولك يا غريب كُن أديب رتيل ضحكت بسخريَة لاذعة : ما أحتاج أعيد لك نفس المنوال كل يوم . . لا تحاولين تعوضين نقص ثقتك بعبدالعزيز بترديدك لحكي أنتِ تعرفين أنك تلعبين فيه على نفسك! يكفي عيونه اللي تفضحه مهما حاول يبيَن لك . . مفهوم؟ أثير : الله العالم مين يعوَض نقصه! رتيل إقتربت لتشتعل نظراتها بغضبِ الغيرة : أبعدي عن طريقي أثير غرقت في عينيْها لتُردف بعد صمتٍ لثواني : وإن ما بعدت؟ رتيل : فيه شي ما تعرفينه عنَي! ضميري ميَت وأسألي عبدالعزيز عنه، هو بنفسه شهد عليه أول ما جاء الرياض! أثير تراجعت لتأخذ حقيبتها وهاتفها : طبعًا راح أسأله وأبلغه بتهديدك الحلو . . . خرجت لتضرب الباب بقوَة، رمشت عينيْها لتسيل دمعة حارقة على خدِها الأيمن، أخذت العلبة الزجاجية الموضوعة على الطاولة لترميها على الحائط وهي تصرخ بغضب يندمج مع بكاءها : حقييييييير! . . حقيييير . . . جلست على ركبتيْها، اخفضت رأسها ببكاءٍ صبرت عليه كثير. وضعت كفيَها على إذنها حتى لا تسمع صوتُ قلبها المرتجف، كيف أصمَ سمعي عن قلبي؟ أكرهك وأنا كاذبة، سأُرددها حتى أصدَقها مثل ما صدَقت مسألة أثير، سأصدَقها يومًا وأكرهك يا عبدالعزيز. ، بغضبٍ، بحُزن، بحسرة و حقد ينظرُ إليْه، لستُ على قيد الحياة ولا التُراب يدثَرني، إني مُعلَق منذُ أن غابوا! كيف أستطاع قلبك أن يفعلها بيْ وأنت أبْ؟ تُدرك معنى أن تكون وحيدًا، كيف قدِرت أن تُحزنَي بهذه الصورة؟ وأنا ناديتُك " يبه " من يُشفي علَتي؟ من يُساعدني على الوقوف مجددًا؟ ألم تشفق عليَ؟ كنت أستيقظ في بيتك كل يوم وأنا قلبي يمرض بهم! كنت أراك وعينيَ تحترق ببكاءٍ محبوس! ألمْ تُخبر نفسك بضرورة معرفتي بلقاءِها؟ كيف أستطعت " يا أبوي يا أبو سعود . . يا أبو زوجتي " من يُسكِن حرارة القهر المندلعة فيَ؟ من يُضمَد جراحِي؟ من يقرأ على قلبي حتى يطمئن؟ من أجل الله كيف لم ترحمني سنة كاملة؟ من أجله كيف لم تُخبرني في وقت كنت تراني به أتلهف لذكرى تمَر على بالي، كيف تؤذيني بهذه الهيئة المتطرفة؟ في داخلي إستفهاماتٍ موجعة لا يُخمدها جواب، لا يُخمدها والله سوى الموت. عبدالرحمن الواقف ومن خلفِه أرضٍ خضراء واسعة : أجلس عبدالعزيز : ليه تسوي فيني كذا ؟ عبدالرحمن بقلة حيلة : أجلس يا عبدالعزيز عبدالعزيز عقد حاجبيْه بضيق : ليه؟ عبدالرحمن بضيقٍ أشد : عبدالعزيز عبدالعزيز : لا تقول إسمي . . أبي أنسى إني عرفتك عبدالرحمن يقترب منه ليبتعد عبدالعزيز بخطواته : ما كان بإيدنا شي ثاني عبدالعزيز بصراخ أوجَع قلب عبدالرحمن : كل شي ماهو بإيدكم! سرقتوا حياتي، قابلت ناس أحلف بالله ما تخلَون عيالكم يقابلونهم . . طيَحتوني من ورطة لورطة . . دخلت غيبوبة و رجعت وأنكسرت و طحت في المستشفى ألف مرَة . . . و عشت بأرق لفترة طويلة . . . وأستخسرتوا تقولون روح لأختك . . أعتلت نبرتِه مرةً أخرى : هذي أختي! خليت أختي سنة وأكثر بروحها . . . من أيش مخلوقين؟ قولوا لي اللي بداخلكم قلب ولا حجر ؟ . . والله لو إني يهودي ما تسوون كذا! . . كِذا تعاملون ولد سلطان العيد . . كِذا تعاملون شخص ما قد جاب سيرتكم بأيَ شي شين . . كِذا تسوون مع شخص خسر نفسه عشان شغلكم! . . أنتم من أيش؟ عبدالرحمن شتت نظراته : ما كنَا نعرف أنك ماتدري بالبداية عبدالعزيز : طيب وعرفتوا! . . ليه ما تكلمتوا؟ والله العظيم لو أشتغل عندكم عبد رضيت بس عشان واحد من أهلي يرجع لي . . وأنتم بخلتوا عليَ! بخلت يا يبه نظر إليه عبدالرحمن بضعف حقيقي من كلمته الأخيرة : عبدالعزيز . . بس أسمعني لين الآخر ولا تقاطعني عبدالعزيز وعينيْه بدأ الدمعُ يتراكمُ بها : ما أبي أسمع . . بس قولي وين غادة؟ . . ارحم قلب ما بقى منه شي وقولي وينها عبدالرحمن : عبدالعزيز أرجوك عبدالعزيز لم تحتمله قدماه ليجلس، وإنكساراتِه تُعاد عليه هذه الفترة بألم وحشرجة روحٍ مُتعبة : وينها! . . يكفي اللي سويتوه فيني! تذكر أول ماجيت الرياض وش قلت! قلت لك لا بغيتوا تنحرون روح لا تعذبونها! . . وأنتم قتلتوا فيني أعظم شي . . قتلتوا فيني الحياة عبدالرحمن لم يحتمل إنهيار عبدالعزيز ليخونه الثبات/الإتزان، أحمرَت عيناه بضعف : أقسم لك بالله أننا بالبداية ما كنَا ندري . . عبدالعزيز رفع عينه للسماء برجاءٍ صادق : يارب رحمتك عبدالرحمن : لا تسوي في نفسك كذا وتوجعني عليك . . تكفى يا عبدالعزيز لا تسوي كذا عبدالعزيز بإنهيارٍ تام ينظرُ إليْه : يوجعك إني أموت؟ ما ظنتي! ما هزَني شي في هالحياة كثر ما هزَني موتهم وما أوجعني شي كثر ما أوجعني إني أنخدعت فيكم! عبدالرحمن : فيه أشياء نكون مجبورين عليها والله العظيم نكون مجبورين . . أفهم هالشي يا عز عبدالعزيز : لو كان أبوي عايش كان راح تتجرأون تتصرفون مع ولده بهالطريقة؟ . . . . أنتم تصرفتم كذا لأن ما عاد لي أحد ولمَا عرفتوا بوجود غادة قلتوا ما يصير! . . قلتوا ما يصير يعيش . . لازم يموت بحزنه وضيقه . . . حسبي الله . . حسبي عليكم ضعف اللحظات اللي حلمت فيها وخفت عليها . . حسبي عليكم بضعف الدقايق اللي راح فيها عنَي النوم . . . . . حسبي عليكم كثر ما أوجعتوا قلبي عبدالرحمن يجلسُ على الأرضِ بجانبه : يا بعد الدنيا يا عبدالعزيز أسمعني. . عبدالعزيز بهمسٍ خافت يبحَ معه صوته : وينها؟ . . قولي مكانها . . . قولي ما عاد أبي شي منكم بس قولي وينها! لا تحرقون قلبي أكثر من كذا! ما سمعتوا بناس تموت من حزنها؟ . . لا تذبحوني وأنا ما شفتها! عبدالرحمن تلألأت عيناه بالدمع، أشدُ موقفٍ يواجهه منذُ زمنٍ بعيد، إنكسار الرجال تحديدًا يزيدُ من إنكساراته، إنكسارُ عزيز بالذات هو إنكسار الرجال بأكملهم، نظر إليْه وهدبيْه يرتجفان بشحُوب : بتشوفها عبدالعزيز بخفُوت : كيف قوَى قلبك؟ يرضيك تعيش اللي عشته مع وحدة من بناتك؟ بنتك غابت بس كم يوم وقلبت الدنيا وضاقت بك! وأنا تاركني سنة وأكثر بدونها؟ . . يا قوَ قلوبكم! كيف قدرتوا تنامون؟ كيف كانت قلوبكم مرتاحة؟ عبدالرحمن : جانا خبرها في وقت ما نقدر نتصرف فيه بأيَ شي . . كان خطر أننا نكشف حياتها لأحد خصوصًا في ذيك الفترة عبدالعزيز بحزن العالم الذي يختصرُ نفسه بصوته، بعذابٍ الحرُوب والمعارك، بوَجع المرضى و الثكالى، ببحَة المُشتكين و الحُزانى : وش خسرت؟ ما خسرت شي بس اللي خسر هو أنا! احترقت بأحلامي وأنا أنتظر صوت واحد من أهلي! وأنا أنتظر جيَتهم! عشت أيام عُمرك ما راح تحسَ بوجعها، كنت أصحى وأنا أحس موتهم حلم! كنت أصحى وأنا أتخيَلهم في كل جهة ألتفت عليها . . كانت كوابيسهم تكبر فيني وأنا أنتظر متى يروح هالكابوس؟ . . جلست شهور وأنا تعبان من حزني! ويوم تجاوزته وآمنت بأنهم رحلوا! طلعت غادة هنا . . عاشت شهور وأيام وأنا ماني عندها . . . بصراخ : حرام تكون أبو! وأنت ما فكَرت حتى بأني أخوها اللي محترق عليها . . عبدالرحمن ببحَته التي تتضح على صوته : كان ممكن لو عرفت هي تروح فيها! كنَا مضطرين نخبي عليك لين يجي وقت مناسب نقولك فـ يُقاطعه بغضب : متى الوقت المناسب؟ أنا لو ما عرفت الحين كان ما قلتوا لي؟ على الأقل أعترفوا أنكم أذنبتوا! . . بس مهما استغفرتوا لحزني والله لا يضيَع حقي يوم القيامة عبدالرحمن بدهشة : لا تفكر بهالصورة عبدالعزيز بحدَة : تبيني أفكر بنفس طريقتك وأتصرف مثل ما تبي! تبوني الشخص اللي ما يفتح فمه بشي وينفذ الأوامر؟ . . بس مهما سويتوا مستحيل أكون بهالهيئة!!! . . راح تدفعون ثمن اللي سويتوه فيني طول هالسنة والنص . . . راح احرقكم مثل ما حرقتوني . . راح احرقك ببنتِك . . عبدالرحمن : لا تنتقم بأغلاطي من بنتي، أنتقم مني عبدالعزيز بكلماتٍ أوجعته : ليه ما قلت هالحكي مع غادة! وش ذنبها هيْ ؟ عبدالرحمن : ذنبها أنها بنت شخص يدورون عليه ناس كثير ويتصيَدون له ناس أكثر عبدالعزيز بحدَة : ورتيل بنت شخص ضيَع لي حياتي عبدالرحمن تنهَد بوجَع : سامح عبدالعزيز : مثل ما ضميركم مات وانا ضميري مات عبدالرحمن : عبدالعزيز لا تسوي شي برتيل عبدالعزيز : جيت متأخر عبدالرحمن بغضبٍ لم يسيطر عليه : إلا رتيل . . إلا هي يا عز عبدالعزيز : شفت! شفت كيف تخاف عليها حتى مني . . بس ما خفت على أختي اللي من لحمي ودمَي من . . . . أصلاً مافيه أحد معها . . مافيه!! عبدالرحمن : كانت بالحفظ والصون، كان معاها مقرن عبدالعزيز بهدوء أنفاسه التي تموت بداخله : وينها؟ ارحم حالي وخلني أشوفها . . ما تركت مكان بباريس مادوَرت فيه عليها . . من الصبح وأنا أدوَرها . . واللي يرحم بناتك وينها؟ احمَر وجهُ عبدالعزيز بالبكاء المحبوس لتلتقط عيناه عينيَ عبدالرحمن اللامعتيْن بالدمع، عبدالرحمن : معاها ناصر عبدالعزيز إبتسم بخيبة عظيمة : ادري! . . حتى ناصِر اللي ماتوقعته يوجعني أوجعني! . . وش بقى ما صار ليْ؟ قولي بس وش بقى؟ . . . أنا لو أموت محد بيتعجَب! أصلاً بيتعجبون كيف للحين عايش! عبدالرحمن بصوتٍ راجٍ : عبدالعزيز عبدالعزيز بإبتسامة شاحبة : موجعتني أشياء كثيرة . . لدرجة أدعي على نفسي وعلى إسم عبدالعزيز اللي ارتبط بأبوي . . . . . تمنيت كثير لو كنت رايح معهم ليلة الحادث! تمنيت والله إني ما عشت الى اليوم! . . تمنيت إني ما عرفتكم ولا شفتكم! تمنيت إني ما صحيت من الغيبوبة . . تمنَيت إني ما هربت من رائد . . تمنَيت إني أموت بدون كل هالتعذيب . . تمنَيت أموت من حادث بس ما أموت من حرَتي على نفسي عبدالرحمن : بكرا بتعرف أنه كل هذا خيرة عبدالعزيز : وحزني خيرة؟ حزني اللي مخلي حتى ناصر يخونني بمعرفته وهو الشخص الوحيد اللي بكيت قدامه؟ هو الشخص الوحيد اللي تركت فيه كبرياءي وماحبست دمعة وحدة قدامه! عبدالرحمن : كلنا نغلط، ممكن أشياء بنظرك صحيحة غلط بنظرنا وممكن العكس عبدالعزيز بغضب : وين الصح بأنك تحرق قلبي بأختي؟ الله لا يسامحكم ولا يحللكم . . الله يحرق قلوبكم مثل ما احرقتوا قلبي عبدالرحمن بوجَع من دُعاءه المؤذي لقلبه : وإحنا يا عبدالعزيز ما عشنا بالسعادة اللي متوَقعها!! إذا أنت خسرت أهلك إحنا خسرنا وإلى الآن نخسر . . لا تسوي في نفسك كِذا ولا تتعبنا بكلامك . . لا تتعبنا يا عبدالعزيز عبدالعزيز : تعرف وش ندمان عليه؟ ندمان على اللحظة اللي كشف فيها فارس عن نفسه قدامك وتزوَج بنتك بإسمه الصريح، بحقدٍ عميق يُردف : كنت بكون أسعد الناس لو تزوَج على أساس أنه مشعل وقدرت أخدعك فيه . . صدق كان بوقتها نيَتي إني أخدعك عشان يخدمني فارس بموضوع رائد! لكن كانت بتتغيَر أفكاري وأخلي خدعته لك إدانة للي سويته بحقي تجمدَت حواسُه من الصدمة التي يُلقيها عليه عزيز، كان يعرف انَ مشعل هو ذاته فارس منذُ ان رأى فارس في ذلك اليوم البائس ولكن لم يتوقع ولا 1ظھ أنَ عبدالعزيز يُساعده بهذه الطريقة. عبدالعزيز وقف ليبتعد للخلف مُهددًا : أنسى إنه عندِك بنت . . مثل ما نسَيتوني غادة . . . ولا تقولي وينها! ماراح أستغرب أصلاً . . بتضلُون أكثر الناس دناءة بعيوني . . في جهةٍ اخرى وضعت ظهرها ضيْ على الجدار ويدَها على شفتيْها المرتجفتيْن، ودموعها لا تهدأ، موجوعة من إنكسار عبدالعزيز الذي لم تشهد على إنكسارٍ بهذه الطريقة المؤذيَة لروحها، رُغم أنها لم تعرف عبدالعزيز جيدًا ولكن منظره وصوتُه الحاد يُزلزل أعماق كل من يسمعه، ولا تطيق أيضًا أن ترى عبدالرحمن بهذا الضعف، ماذا يحدُث يالله؟ كل شيء بيومين أنقلب رأسًا على عقب!! ، يجلسُ بجانبها في المقاعد الثابتة أقدامها فوق الرصيف، لا كلمات تعبرهما ولا صوتْ يجيء بهما، تغرق بالطريق الذي يسلكه المارَة بهرولة وأخرى ببطء، تغرق بتأملاتها وهي تُفكر بالحياة التي تنتظرها بعد هذا اليوم، بالحياة التي ستلتفت عليها! أنتمي إليك يا ناصر، رُغمًا عنَي أنتمي لقلبك، علَمني كيف أتجاوزه الآن؟ أتعلقُ بك في وقتٍ تحتضرُ به الأشياء بيننا! أتعلقُ بك في وقتٍ تبتعد به عنَي، متى ستصِل الرسالة التي قُلت لي أن أنتظرها؟ متى سأنظُر إليْها وأقرأها؟ رُبما هي وحدها من ستهرُم معي؟ من ستنام معي، رُبما هي وحدها التي تُحقق أحلامنا بالكلمات، أُريد أن احبك يا ناصر، أن أحبك بمثل الشدَة التي سبقت الحادث، أُريد وبشدَة أن أعشقك بطريقةٍ جنونية لا تُحبطها ذاكرة ولا نسيان، حزينة من الحياة والناس، حزينة لأن لا شيء يستقيم وضلعي أعوَج! إلتفت عليها وهو يدخل كفيَه بجيوبه : بردانة؟ نقوم؟ غادة دُون أن تنظر إليْه : أقدر ازور ناصر؟ وليد بكذبٍ لا يتردد به : لا، ممنوع زيارته غادة بضيق : طيب ما قالك شي ثاني؟ شي يتعلق فيني؟ وليد تنهَد : لا، قالي بس أوديك السفارة عشان يتصرفون وترجعين لأخوك قبل لا تطول مدتِك هنا غادة : حتى عبدالعزيز مو قادرين نوصله!! وليد : ما أبي أحبطك بس لا تتأملين بناصر كثير . . إلتفتت غادة عليه بإستغراب : ليه؟ . . ناصر ما ذبحه كان يدافع عن نفسه و يُقاطعها بهدوء : بعيونك يدافع عن نفسه لكن ممكن ما شفتيه! . . لاتخلين الحب يعميك غادة تجمدَت ملامحها والبياضُ يخرج من شفتيْهما برجفة : مستحيل! ناصر ما ذبحه بتعمد وليد : وأنا كنت أقول مثلك، لكن يوم رحت آخر مرَة أتضح أنه متعمَد . . مستحيل يطلع من القضية وكل الأدلة تشهد ضده . . مافيه ولا دليل واقف معاه الا شهادتِك!! . . وأنا أخاف عليك يا غادة . . والله العظيم أخاف عليك غادة هزَت رأسها بالنفي، لا تُريد أن تصدَق شيئًا من حديثه لتُردف : مستحييل . . تعرف وش يعني مستحيل!! وليد : ما أبي الا إنك ترجعين لأخوك سالمَة . . وراح أحاول قد ما أقدر إنك توصلين لعبدالعزيز بأسرع وقت غادة بضيق غاضب : وش صار يوم رحت؟ فيه شي صاير مو راضي تقوله ليْ!!! وليد : ولا شي . . كلمت ناصر وجيتك غادة أخفضت رأسها لتجهش عينيْها بالبكاء : صرت أخاف على نفسي من هالبكي . . أخاف من هالضيقة اللي تجيني، مافيه شي أوجَع من إنك تجهل نفسك؟ نفسك اللي هي ذاكرتك! . . أبي أتذكر أشياء كثيرة بس ماني قادرة لكن قلبي يتذكَر، أحس فيه يا وليد . . أحس إني أعشقه . . أعشقه حد الجنون . . . كيف يرجع ليْ؟ أبي ناصر يكون بخير وليد عقد حاجبيْه بضيق : وهو بخير . . إن شاء الله بيكون بخير غادة مسحت على ملامحها لتُردف ببحَة موجعة تُشبه بحَة أخيها : يارب ، نظر إليْه بحاجبٍ مرفوع من صوته الذي يرتفع بغضبٍ لا يراه مبررًا : في القضاء مافيه أمي ولا أبوي يا يوسف!! يوسف بقهر : فتحتوا قضية مسكَرة وقلنا معليه لكن الحين بعد بتتهمون الناس وتجيبون المصايب فوق راسي!!! والده : وين المصيبة بالضبط؟ المصيبة أننا نعرف الحق؟ يوسف يفيضُ قلبه بالضيق : مو على حسابي يا يبه والده : ليه تدافع بهالطريقة وكأنك تعرف شي؟ . . إذا أمها غلطانة خلها تتحاسب يوسف بغضب : أم زوجتي! تعرف يا يبه وش يعني أم زوجتي؟ كيف أرضى أنها تتحاسب وأجلس أحط يدي تحت خدي أنتظر حضرتكم متى تحترمون قدر هالناس بحياتي! إذا أمها ما تعني لكم شي فهي تعني لي منصور تنهَد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه والدته : تعوذوا من الشيطان لا تتهاوشون وتكبرَون الموضوع يوسف إلتفت لوالدته : يعني يمه وش أسوي؟ واقف بين نارين بين اللي مفروض يهتمَون لحساسية هالموضوع بالنسبة لي وبين مُهرة والده : يا يوسف يا بعد روحي أنا فاهم وضعك بس هالموضوع حساس بالنسبة لموضوع أكبر منه، تو اكتشفناه والحين مضطرين نكمَل تحقيقات . . هالشي مو متعلق بقضية فهد وبس! هالشي متعلق بقضايا كثيير يوسف : يعني تبي أمها تدخل بين الرجال عشان تعيد لهم نفس الحكي اللي قالته بالبداية؟ صمت والده قليلاً حتى أردف بضيق : خلاص ماراح يصير الا اللي بخاطرك! تجي هنا والبيت بيتها . . أنا بنفسي بحقق معها بدون شرطة ولا شي والدته بإبتسامة تنظرُ ليوسف الغاضب : شفت . . هذانا حالَيناها! يالله هوَنها ولا تضيَق صدري عليك يوسف صمت كثيرًا مع حديث والدته حتى نظر لوالده ونطق : وبتحلَها مع الضابط؟ والده : تطمَن علاقاتي معهم قويَة أتاهُم صوتها المبتهج : سلااااااااام إلتفتُوا جميعهم، لتتسع إبتسامة والدها : وعليكم السلام حيَ هالطلة تقدَمت هيفاء إليه لتقبَل رأسه ويدِه : الله يحييك، سلَمت على منصور الذي عانقها بشدَة : أشتقنا لك هيفاء : واضح! أنتم زين ما نسيتوني منصور : والله أننا مشتاقين لك، بس ماش دايم ظالمتنا هيفاء قبَلت والدتها بحميمية كبيرة لتنظر ليوسف الذي وقف لها، طبع قُبلته بالقرب من عينيْها في عناقٍ لا يليقُ إلا بهما : شلونك ؟ هيفاء : بخير الحمدلله . . نظرت إليهم لتُردف . . وش فيه جوَكم مشحون؟ والدتها: اجلسي لا مشحون ولا شيَ . . قولي لنا أخبارك والدها : فيصل نزل؟ هيفاء : لآ قال عنده شغل بس بيجي بعد شويَ ويشوفكم . . إلتفتت لوالدتها . . أنا الحمدلله أخباري عال العال . . أنتم بشروني؟ وش مسوين ؟ والدها وتعانق أصابعه سبحته : والله البيت فاقدك . . هيفاء بإبتسامة شاسعة : عرفتوا قيمتي والدتها تضربها بخفَة على كتفها : ليه في أحد كان مقلل قيمتك؟ هيفاء بضحكة :وناسة كل يوم بجيكم اذا بتستقبلوني كذا يوسف وقف : عن إذنكم . . خرج بهدوء ليُثير علامات الإستفهام بعينيَ هيفاء : صاير شي؟ منصور : متضايق شويَ من قضية فهد أخو مهرة في جهةٍ اخرى صعد بخطواتٍ ثقيلة للأعلى، وقف امام باب غرفته كثيرًا وهو يسحب هواءً تستجيبُ له أعصابه فترتخي من هذه الشدَة، فتحه بخفُوت لتقع عيناه على جسدِها المستلقي على السرير دُون غطاءٍ، أغلقه ليقترب منها وملامحها الباكية نائمة بهدوء، بضيق حاجبيْه أخذ الفراش ليُغطيها جيدًا، أبعد خصلاتها المتمردة عن ملامحها لينحني عليها بقُبلة بين حاجبيْها، بقُبلته فتحت عينيْها المتعبتيْن، شعرت به من نومها الذي لا يتعدَى بخفته أيَ عُمق، جلس بجانبها ليُشتت نظراته بعيدًا بِـ هَمٍ يُثقل على كتفيَه. مُهرة بضيق أستعدلت حتى تجلس، وقفت لتهرب من وجودِه بجانبها، راقبها حتى دخلت إلى الحمام، بللت ملامحها المرتجفة بالحُمرة بماءٍ بارد، نظرت للمرآة التي تكشف حزنها من عينيْن لامعتيْن. لم يكُن موتُك عاديًا يا فهد! تمرَ سنَة ومازال موتُك يستثير حزننا في كل لحظة، لو كُنت هنا لمَا أخذوا أمي! لو كُنت هنا لما بكيْت الآن، أخطأت! أخطأت باليوم الذي أحببته فيه وهو سيبقى ينظرُ إليَ بنظرة أختُ فهد الذي تورَط بقضيته أخيه، لو كان بإمكاني الآن أن أكرهه لمَا ترددت لحظة، لو بإمكاني أن أصرخ بوجهه حتى لا يجيء بسيرتك، لفعلت يا فهد. ولكنني لا أستطيع، لا أقدر! يقف كالغصَة بداخلي لا أتجاوزها ولا أعود للوراء، في كلا الحالتين أنا واقفة بالمنتصف، بين قلبي وعقلي، أشعرُ وكأنني أعيشُ بقاعٍ من الجحيم، لا يفهمون معنى أنَ الذي مات هو أخي وليس أحدًا من الشارع حتى لا يهتمَون بمشاعرنا! نحنُ الذين نبكِيك إلى اليوم لا ندرَي في أيَ جسدٍ نحتمي. سحبت منديلاً لتُجفف وجهها، خرجت دُون أن تنظر إليه في وقتٍ كان ينظرُ إليْها ولتصرفاتها التي تعبَر عن هروبها منه وصدودها، جلست على الأريكة وهي تُعطيه ظهرها. بصوتٍ متزن : كلَمت أبوي وماراح تروح أمك مكان غير بيتنا . . أبوي بنفسه هو اللي راح يكلَمها مُهرة بضيق : زين حسَيتوا أننا ناس ولنا مشاعر يوسف : محد أهانك ولا أهان أمك يا مهرة!! هالموضوع مثل ماهو حسَاس بالنسبة لك فهو حسَاس للقضية اللي تهمَ الكل مُهرة إلتفتت عليه : بس تجي أمي راح أروح معها! أختنقت من الرياض وهوا الرياض يوسف نظر إليها بجمُود : تبين تبعدين وبس!!! مُهرة : أنت وعدتني إنك توديني لأمي قبل أسبوعين وهذا أمي بتجي بنفسها . . أنا جد مختنقة من أهلك ومن بيتكم يا يوسف يُوسف تنهَد : سوي اللي تبينه . . أستلقى على ظهره ليأخذ هاتفه ويلتهي به حتى يُخفف غضبه الذي بدآ يضجَ بكل خلية في جسدِه. مُهرة أطالت نظرها لتجاهله لها في هذه اللحظات، في كل نظرة كانت تصعد الدمعة من قلبها ناحية عينيْها، في كل رمشَة كان جُزءً من قلبها يسقُط. شعر بنظراتها، لم يتحرَك ضلَت عيناه على شاشة هاتفه ومازالت عينيْها تطوف حوله، أخذ نفس عميق ولا يفهمُ ماهية الشيء الذي يراه، عقله ليس بهاتفه أبدًا. ، كان ينتظر الملف الذي سيصِله وعيناه على محادثة الجوهرة بالواتس آب، بدأ يُحرَك أصبعه الأوسط والسبابة على الطاولة بموسيقيَةٍ وهو يُفكَر بأكثر من طريقة يسأل بها عنها، رفع عينه للنافذة الزجاجيَة التي تطلَ على ساحة التدريب ليُعيد النظر لشاشة هاتفه، لم ترمش عيناه أول ما قرأ " on line " أخذ نفس عميق ليسحب هاتفه ويتصِل عليها، ثوانِي قليلة حتى أتى صوتُها المرتبك : ألو سلطان : السلام عليكم الجوهرة : وعليكم السلام والرحمة سلطان : شلونك؟ الجوهرة توتَرت من سؤاله الذي يعتبر مُفاجىء لقلبها، بضيق صوتها : بخير . . صاير شي؟ سلطان : وش بيصير مثلاً ؟ الجوهرة : آآ . . لا بس أستغربت سلطان : استخرتي ؟ الجوهرة بلعت ريقها بصعُوبة، لو تعلم إنني أخاف الإستخارة، أخاف من اللاإطمئنان معك، أخاف من الإنفصال الذي يكون مبنيًا على " حكمة من الله " لو تعلم يا سلطان أنني جبانَة في الصلاة، أُريد أن ننفصِل دُون أن أضع في بالي أنني لن أكون مطمئنة معك، دون أن تلمع في عينِي دمعة بأنك لم تكون خيرةً ليْ، ببساطة يا والد طفلِي وسيَد قلبي، أنني أؤمن بأنك وداعةُ الله ليْ و مضيتُ معك على سبيل أنَك خيرةً ليْ ولا أُريد أن تتغيَر قناعاتي. سلطان : الجوهرة؟؟ الجوهرة : لا سلطان تنهَد : انا فكرت . . الجوهرة : وأيش وصلت له ؟ سلطان : بروح باريس لشغل وقلت في نفسي هذي فرصة عشان أحدَد وش أبي من الحياة الجوهرة : كم بتغيب ؟ سلطان : ماعندي علم بالمدَة الجوهرة تكره أن تتكلم بلسانِ عقلها الذي تُجبر عليه لتُقمع محاولاتِها القلبيَة بالإنتفاضة : كِذا ولا كِذا القناعات وحدة سلطان سعَل قليلاً ليُردف : وش القناعات الثابتة؟ الجوهرة : اذا ما تنازلت واعتذرت واعترفت بأغلاطك ووعدتني أنك تصلحها ماراح أرجع سلطان بغضب : يعني أنا بس اللي مطلوب مني أنفَذ وأنتِ اللي بتنتظرين؟ الجوهرة بضيق : ما أطلب منك تنفَذ! أطلب منك إذا تبي الحياة اللي معي تحترمني سلطان بحدَة : تستفزيني في كل مرَة أحاول فيها ما أتنرفز!!! الجوهرة : ما أستفزك! هذي أبسط حقوقي، ماني عبدَة لك يا سلطان بتلقاني متى ما اشتهيت سلطان : تعبت من كلامك هذا! عُمري ما أهنتك بهالطريقة أو خذيت منك حقوقي بطريقة مذلَة!! أفهمي إنه عُمري ما جيتك وبغيتك مثل مايشتهي مزاجي وكل هذا من خرافات عقلك! الجوهرة بلعت ريقها بصعوبة لتُردف : أنت تشوف شي غير اللي أشوفه! . . أنا أشوفك أهنتني وذلَيتني وماهي خرافات من عقلي سلطان بعصبية : أنتِ حتى نفسك مو عارفة وش تبين!! تناقضين كلامك في كل مرَة! . . الشرهة على اللي متصَل بس الجوهرة بضيق : شفت! حتى إتصالك تمَن فيه وتستخسره فيني ضحك من غضبه ليندفع بإنفعاله : عاد جاك العذر لين عندِك عشان تتحججين فيه!! الجوهرة : سلطان سلطان بعصبية كبيرة يزيدُ عليها ضغط أعصابه في الفترة الأخيرة : ما عدتِي الجوهرة اللي أعرفها! كل تصرفاتك ماهي واضحة!! فيه أحد يأثر عليك؟ الجوهرة بغضب لم تسيطر عليه : على فكرة صفحتك بيضا قدام أهلي كلهم! وإذا فيه أحد يعرف بتصرفاتك فهو عمتِك! بس اكتشفت أصلاً إنك ماتحب أحد يكون قوي ويوقف بوجهك! تبي الكل يخضعون لك ويوم شفتني أنادي بحقَي أتهمتني وقلت فيه أحد يأثر عليَ!!! ليه ما تستوعب إني أبي أبسط حقوقي وهو أنك تعتذر سلطان : عقب حكيْك هذا حتى لو كنت مفكَر بالإعتذار ماراح اعتذر! لأن حتى أنا من أبسط حقوقي إنك تحترميني وما ترمين حكي مثل هذا . . ماني أصغر عيالك!! الجوهرة بعصبية تنرفزت من أسلوبه : أنت بأيَ حق تفكر كذا؟ بأي حق يا سلطان!!! . . . دام كِذا أنا بعطيك إياها على بلاطة وأقولك ما أبـــــيـــــك سلطان صمت قليلاً حتى يُردف : تبين الطلاق؟ الجوهرة بصعُوبة: إيه سلطان بغضبٍ أتضحت به عروقِ ملامحه : أنتِ طالـ . . الجوهرة : . . . . . ، إلتفت عليه : ما راح أطوَل : متأكد أنه زوجتك رجعت؟ فارس : إيه متأكد أرسلت مسج لنايف . . بس بجيب أغراضي وأدفع للفندق : خلاص انتظرك . . مانقدر نطوَل فارس خرج من السيارة ليتجه بعرجٍ خفيف في ساقه اليمنى للفندق، دخل المصعد الكهربائي وسبابته تضغط على الطابق الثالث، أخذ نفس عميق بملامحه المُتعبة وتزداد تعب في كل إرتفاع، أنفتح المصعد ليتجه نحو الغرفة 302، فتحها بخفُوت، ليرفع عينِه وقبل أن يُخفضها تجمدَت ناحيتها، أنصدَم من وجودِها، إلتفت لكل جهة من الغرفة حتى يتأكد من خلوِها من أحدٍ آخر، بدهشة : عبير!!! عبير وقفت وملامحها تُعبر عن بكاءٍ أستمر ليومٍ كامل : جيت؟ . . عرفت أنك مو قد المسؤولية! أغلق الباب ليقترب منها : ما جاك أحد؟ عبير بغضب : ليه سويت كل هذا؟ فارس عقد حاجبيْه بإستغراب : وش سويت ؟ عبير : تنكر بعد؟ ليتني ماعشت يوم واحد معاك ولا عرفتك!! فارس : عبيير؟؟ عبير بصراخ أبكاها من وجَع الخيبة : لا تنطق إسمي! . . أكره نفسي كل ما تذكرت إنك قدرت تتزوجني!! فارس بلع ريقه بصعوبة : وش فيك؟ . . وش صار؟ عبير تأخذ الظرف من على الطاولة لترميه عليه متجاهلة الجروح التي على وجهه، لا تُلقي بالا لتعبه وفي قلبها تندلع الحسرة، يفتحه فارس ليتنهَد بضيق دُون أيَ كلمة تُنقذ الموقف، لا شيء يُساعده! كل شيءٍ يقف ضدَه من والِده للكلمات الجامِدة على لسانِه. أيَ وجعٍ يستطيع أن يُكابر إلى الآن؟ أيَ وجعٍ من الممكن أن أمحيه بهذه السهولة؟ وأخسرك يا عبير للمرة اللاأدري! أرجوك، هذه المرَة لا يقف قلبك ضدَي! يتفاقم حُزني بشكلٍ لا يُطاق، أنا أحتاجك أكثر من أيَ لحظةٍ سابقة. عبير : ماتقدر تنكر؟ .. علَمني وش بقى من رجولتك؟ . . وفوق هذا تاركني وكأنك تدري في مصيبة تحاول تخبيها عنَي فارس : فاهمة غلط عبير تبتعد عنه بخطواتٍ للخلف : وش اللي فاهمته غلط؟ تكلَم بنات وتشرب و . . أيش بعد؟ ولا أنا من ضمن البنات اللي تكلَمهم ومتعوَد عليهم . . فارس بغضب يحتَد صوته : عبير! . . لاتكلميني بهالطريقة عبير بغضبٍ أكبر : المفروض أنا اللي أعصَب ماهو أنت! فارس بتنهيدة : ممكن تسمعيني بدل هالصراخ؟ عبير : لآ مو ممكن! أصلاً ما أتشرف إني أسمعك . . منقرفة منك ومن نفسي . . الله أعلم كم بنت قابلت وكم بنت . . أخفضت رأسها ببكاءٍ يجرحُ صوتها، تشعرُ بأن قلبها يكسرُ ضلوعها المُحيطة به، تشعرُ بأن أوردتِها تنهبُ دماءها وتُجمَدها، تشعرُ باللاشيء ناحية الحياة. نصيبي من هذا العذاب أتى كافيًا لمعرفتِك، خُنت ثقة والِدي وأنت خُنتني، لا حق يضيع بهذه الحياة وكما تُدين تدان، لِمَ تفعل بيْ كل هذا يا فارس؟ لِمَ تُحزنَي بهذا القدِر؟ أشعرُ إني أختنق من النُدب التي تنتشر على جسدِي ومن هذه الجروح، أنا أفقد نفسي تمامًا ولا أحد يمدَ يد العون إليَ، لم يجيء والِدي بعد ولم أرى أحدًا يُشفي قلبي من هذا الحُزن، وأنت أيضًا تزيدني، تقتلع جذوري بحدَة، أن أُصاب بهكذا خيبة وكأنني أصاب بمرضٍ عُضال يُشعرني بأنني أنتظرُ الموت. " كيف تخُون وعيناك فردوْس؟ " كيف تقوَى يا حبيبي؟ إقترب منها لتزداد إبتعادًا حتى ألتصق ظهرها بالجدار : هذي أشياء قديمة، قبل ماأعرفك زين عبير ببكاء تفقدُ به كل خياراتها، إرتجفت شفتيْها : الحين عرفت قيمة إني أفقد أبوي! عرفت كيف الناس تجرحني بهالطريقة اللي تفجعني! فارس: ماهو انا اللي أجرحك! عبير بضيق تنهار ببطء : أبيه . . ودَني له . . ما عاد لي في حياتك شي! فارس برجاءِ عينيْه الذابلتيْن : طيب أنا أعترف، أنا سيء في كل شيء لكنَي أنا اللي أحبك فوق كل شيء. عبير نظرت إليه بشفافية دمعِها، أهتزَ قلبُها المرتجف من جُملته التي لا تعبُرها بسلام، استيقظت الربكة في دماءها المُستثارة بالبكاء : كم مرة قلت أحبك لأحد غيري؟ كم مرة شافت عيونك غيري؟ . . تكذب يا فارس . . فارس : والله العظيم ما قلتها لأحد غيرك بهالصدق! عبير : وش اللي بيخليني أثق فيك؟ كيف أثق بشخص ما أحترم حدود الله؟ أنا أصلاً فقدت ثقتي بالكل أول ما عرفتك! أول ما عرفت وش يعني الخوف؟ الخوف اللي يخليني أروح لطريق حذَرني الله منه . . فارس أخذ نفس عميق وهو يستنجدُ بالكلمات حتى تُساعده : لا توجعيني فوق حزني!! عبير بخفُوت بحَ صوتها ليواسيها البكاء بحزنٍ عميق : ليه؟ فارس : وش تبيني أعترف لك فيه؟ . . أنا غلطت، تصرَفت تصرفات ما تنكتب ولا تنقال بس عُمري ما انصلح حالي الا معاك! وعُمري ما صدقت بشي كثر صدقي بكلامي لك عبير بجديةٍ تقتلها قبل أن تقتله : ما أبيك يا فارس! قلتها قبل أمس مقدرت تكون زوجي ولا راح تقدر! فارس بضيقٍ يُشعره بأنه يحمل العالم في صدره : لك اللي تبين عبير : بتطلقني وبنسى إنك مرَيت في حياتي فارس بإنكسار واضح في صوته : مرَيت؟ . . يا قوَ قلبك على هالكلمة عبير كانت ستتكلم لولا إنهيار عينيْها بالبكاء، شدَت على شفتيْها حتى لا تخرُج " آه " تزيدُها وجعًا. فارس بعُقدة حاجبيْه : واضح إنك قادرة أنك تكمَلين حياتك بدون لا تلتفين لورى! في كلا الحالتين كان الإنفصال قدامنا بس كان ممكن يكون بطريقة ألطف من كذا عبير شتت نظراتها بعيدًا : أساسنا خراب! وأنا ما أرضى بهالخراب فارس بغضب يقترب منها ليلتصق بطنها ببطنه : حُبي لك عُمره ما كان خراب! الخراب إننا نلتقي بين هالجدران عبير أبعدت عينيْه، تخاف هذا القُرب وهذه العينيْن التي من شأنها أن تُحبط أيَ عملٍ و مُخطط تلزمُ نفسها به، فارس بوَجعٍ يتسربُ لأنفاسها : أعترف بكل شي راح تتهميني فيه لكن أعترف إننا ألتقينا بالوقت الغلط ، الوقت اللي ما ساعدنا بشي ولا جمعنا بمكان واحد ينفع نقول عنه إنه المكان الصح! عبير دُون أن تنظر إليْه : ما أبي أسمع شي، أبي أطلع من هنا وأشوف أبوي فارس : من علَمك تقسين؟ عبير : أنت اللي قسيت، جرحتني وخيَبتني فيك! فارس كان سيتكلم لولا إنطفاء الكهرباء وتتبعها الانوار التي تُضيء الغرفَة، ارتعش جسدِ عبير من هذه العُتمة، صمدَت قبل أن . . . ، يستلقي على الأريكة بألم فظيع من ساقه التي يلفَها الشاش الأبيض ومازالت الرصاصة تغرزُ الوجع فيه : هذا اللي صار عُمر بدهشَة : رحنا وطي!! أسامة : لو عرف سليمان بنروح فيها . . عُمر وضع يديْه على رأسه : وفيصل مسك الأوراق علينا!! كل شي بدآ يطلع من سيطرتنا! . . أسامة : كيف أخذ الأوراق؟ عُمر : واضح أنه دخل البيت في غيابنا . . وش الحل يا أسامة؟ أسامة : لازم نفكَر بحل، أنا لو رجعت لرائد ليخلَص عليَ عُمر : ما نقدر نهرب وجوازاتنا عندِه ؟ . . وش رايك نخبَي عليه لين ندبَر لنا حيلة أسامة : إلى متى؟ بيوصله علم رائد أكيد عُمر بضيق تنهَد : فيصل أمره محلول الليلة لكن رائد!!!! أسامة صمَت حتى داهمت الأصوات الخارجيَة الغرفة، عُمر هرول سريعًا للنافذة بإستغراب من هذه الضوضاء، نظر للسيارة التي يخرجُ منها رائد لتتسع عيناه بالصدمـة : قامت جهنَم في البيت!!!! ، نظر إليها بدهشَة وأعصابه تتلفْ شيئًا فشيئًا : متى قالت هالحكي ؟ أثير : الصبح! عشان تعرف أنك مخدوع فيها . . عبدالعزيز بهدوء : أدخلي غرفتك ولا تطلعين أثير بخوف : وش تبي تسوي؟ عبدالعزيز بغضب : أدخلي!!! برهبة بلعت ريقها لتدخل وتُغلق عليها الباب، عبدالعزيز رمَى معطفِه و سكارفِه على الأريكة وهو يفتح أول أزارير قمِيصه، إتجه ناحية باب الغرفَة ليشدَ على مقبض الباب ويفتحه بغضب، إلتفت عليها وهي جالسة على الكُرسي وغارقة بتفكيرها . . وقفت بخوف من نظراتِ عينيْه التي تُشبه نظراته عندما حلِمت به أنه يأتِها، بلعت ريقها لترفع حاجبها بإستفهامٍ واضح. عبدالعزيز : قلت لك أكثر من مرَة لا تلعبين معايْ!! أنتِ اللي تجبريني أتصرف كذا رتيل تجمدَت أقدامها من كلماته التي تُشبه تمامًا كلماته في تلك الليلة التي أتى عليها، تراجعت للخلف والرجفة تسكُن أطرافها، أقترب منه ليشدَها بقوَة ناحيته وبوعِيد : تحمَلي أخطاءك!! . . دفعها على السرير لتتسع نظراتها بالدهشَة والدمعُ يصعدُ مجرى الكلماتِ إلى عينها، حاولت أن تقف ولكن ثبَتها بكتفيْها لتصرخ بوجهه : أتركنننني . . . . " تصِل إليها رسالة ضيَقة ( عبدالعزيز في شقتكم القديمة ) نظرت إليها بدهشَة وفي عينيْها تلمعُ الفرحة، رمشت كثيرًا حتى تُصدَق أنه فعلاً موجود بباريس وبالشقة ذاتها . . " . . يقرأ على عجَل / اللي ورى كل هذا هو . . . وقف بدهشَة/صدمة/إستغراب/إحتضار تامْ لعقله. أنتهى |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة () رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء (76) رتيل تجمدَت أقدامها من كلماته التي تُشبه تمامًا ما قاله في تلك الليلة التي أتى بها كخيالٍ مُحرَض، تراجعت للخلف والرجفة تسكُن أطرافها، أقترب منها ليشدَها بقوَة ناحيته وبوعِيد : تحمَلي أخطاءك!! . . دفعها على السرير لتتسع نظراتها بالدهشَة والدمعُ يصعدُ مجرى الكلماتِ إلى عينها، حاولت أن تقف ولكن ثبَتها بكتفيْها لتصرخ بوجهه : أتركنننني . . هذه الصرخة التي من شأنها أن تستثير غضبًا فوق غضبه، و حُزنًا يغصَ بما يحصل بحياته. كيف للقسوة أن تتراكم بعينيْك وأنا أستدلُ بها؟ كيف لها أن تُقمعني بهذه الهيئة وأنا أرى نفسي كلما نظرت إليْك! تضببت رؤيتها من البكاء الضيَق في زوايا محاجرها، كتم أنفاسها بكفَه وهو يحفرُ أصابعها بملامحها، شعَرت بأن فكيَها يتكسرَان، تذوب بقبضةِ يدِه وهو يحاول أن لا يسمع صوتها، هذا الصوتُ الذي يرتَد صداه بقلبه ولا يندثِر. نزلت دمعتها من نبرتها التي تختنق بداخلها ولا تخرج، أخذت شهيق ومات الزفيرُ بقلبها، نظرت إليْه بنظراتٍ قتلت كل جزء فيه، نظراتُها التي أتت أقسى من التجاوز و اللامبالاة، زادت ضغط أصابع كفيَها المتمسكتيْن بصدرِه حتى تقاومه، كانت تقاومه بكفيَها ونظراتها، هذه النظرات التي تأتِ بأحيانٍ كثيرة أقوى من الأفعال. كان هائِلاً، شاهِقًا، أشعرُ بأن العالم بأكمله فوقي ولست وحدَك يا عزيز، أشعرُ وكأن الدُنيا بمصائبها تتواطىء معَك لتُحرق قلبي! لو كانت عينيْك أقلُ قسوة ، لو كانت خُطاك أقلُ بعثرة لو كانت ملامحك أقلُ سمرَة، لتجاوزتُك! ولكنَك كنت ما لا أشَاء وما لا يحتملهُ قلبي، كيف تفعل هذا بإمرأة ظفَرت قوانين هذه الدنيَا ووضعتها خلف ظهرها من أجلك؟ كيف تفعلُ هذا بإمرأة تجاوزت أفعالك بالشتائم التي كانت تعني " أحبك " بهيئةٍ مبطنة، كيف تفعلُ هذا بإمرأة منعها خجلها في كل مرَة من المصارحة، كل شيء يتعلقُ بنا كان حجَة، حجَة لقول الحُب وفعل الحُب وكل الحُب، قاسٍ أكثرُ مما أظن، أنا التي أثقُ بعينيْك أكثرُ من كل شيء، أثقُ بقُدرتك على خيانتي بكل ماهو بمتناول قلبك ولكن عينيْك لا تخون! عينيْك لا تفعل بي هذا! أتركني بسلام! كان واضحًا أننا سننتهي بطريقيْن منفصليْن، ولكن لا تفعل كل هذا حتى أكرهك! لا تفعل يا عزيز من أجل بريق الحُب الذي لمع في عينيْك ذات مرَة، لا تفعل من أجل " أحبك " التي لم نتجرأ أن نقولها لبعضنا بطريقةٍ ناعمة. أرخى قبضته على شفتيْها، نظر لعينيْها التي تتوهَج بالدمع، ويدَها التي تلامس صدرِه حتى تُبعده، ذبلت كفَاها حتى سقطت بمستوى موازٍ لجسدِها، أبعدت ملامحها للجهةِ الأخرى، أبعدت نظراتها عنه حتى لا تراه، ببحَة نزف بها بكاءَها : أتركني . . . اتركني مالذي يمنعني عنك؟ كنت قريبًا جدًا من أن أُهينك بأكثر الأشياء ذلاً لإمرأة مُدللة مثلك! أنا أتوقف عن إهانتك في كل مرَة أنوي بها أن أروَضك ذُلاً، كيف تكونين بهذه الثقة المؤذيَة، كيف يأتِ صوتِك واثقًا في كلماتِك المهتَزة " أنا وقلبك نمنعك يا عبدالعزيز "، وكيف يخيب صوتِي في كل مرَة أقول " ما عاد لقلبي قرار! "، ضعنا هذا ما أنا واثقٌ منه، في كل مرَة يا رتيل أحاول أن أنسلخ من مبادئي أجدني في عرض هذه المبادئ تحديدًا في عينيْك التي تُهذَب كل أمرٍ أنويه، لو أنكِ لا تنظرين ليْ بهذه النظرات لأستطعت أن أفعل بكِ كل ما نويتُه، ولكنكِ تملكين عينيْن تُجسَد الأفعال بصورةٍ حادَة. أبتعد عنها بعُقدة حاجبيْه ليقف بثباتٍ دُون أن يلتفت إليْها، دفنت وجهها في الوسادة لتجهش ببكاءها وهي تحضنُ نفسها بذراعيْها الناعمتيْن و آثارُ قبضتِه مازالت على ملامحها الباكيَة. صوتُ بكاءها يرنَ صداه في جسدِه الذي مازال يقمع محاولات قلبه بالإلتفات عليها، نظر لقميصه المبهذل إثر مقاومتها له، أغلق أزاريره ليلفظ : تعرفين وش اللي يحزَ في خاطري؟ إني أهين نفسي معاك شعَرت بأن حديدٍ يُصهر في أذنها من كلماته، في كل ثانيَة تمَر كانت تشد على عناقها لنفسها وهي تتكوَر حول جسدِها كظلٍ يأس من صاحبه، بالحقيقة أنا يأست من أشياء كثيرة أهمُها أنني يأست من هذا الحُب، قنطتُ من رحمة هذا الحُب بيْ! أنا في أشد لحظاتِ حياتي يأسًا، في أكثر فتراتِ عُمري حُزنًا، ماذا فعلت يا عزيز حتى تجعلني بهذه الصورة؟ أنا التي لم أتمنى الموت إلا قُبالتِك، وأنا التي لم أحبس الكلمات وأتلحفُ الصمت الا معَك، وأنا التي أحببتك كثيرًا وأحزنت نفسي كثيرًا، يليقُ بِنا أن نفترق، يليقُ بنا دائِمًا أن ينفر كلانَا من بعضه، أنا وأنت! هذا ما تقتضيه الحياة لنَا، هذا ما تُمليه علينا. إلتفت عليها، أطال النظرُ إلى ملامحها المخبئَة في الوسادة، ويدِه اليمنى التي تجاور جنبِه تشتَد حتى ظهرت عروقِه المنتشيَة على ظاهر كفَه، بحدَة : أفكَر غيري وش كان ممكن يسوي فيك؟ رتيل دُون أن تلتفت إليه وضعت يديْها على أذنيْها : ماأبي أسمعك! ماأأبي . . . أنفجرت بالبكاء لتصرخ : اطلع! . . . أطلع من حياتي!! ما أبي قُربك ولا أبي أشوفك . . عُمري ما كرهت شي قد ما كرهت حُبي لك!! عبدالعزيز يقترب منها ليسحبها من ذراعها رُغم محاولاتها بالتشبث بالسرير، أوقفها ليدفعها بقوَة على ظهرها للجدار، سحب السلاح الراقد في خصره، وجههُ لصدرها المرتجف، تجمدَت عروقها وأنفاسها الثائِرة دُون زفير يُسعف الموقف : شايفة شعورك الحين؟ هذا الشعور كنت أحسَه كل يوم وكل دقيقة وكل ثانية! . . تخافين يغويني الشيطان وتنصابين؟ أو ممكن تموتين؟ . . انا ماكنت أخاف من الشيطان! كنت أخاف من الواقع اللي محد قادر يقوله ليْ! أعتلت نبرتُه ليجلد روحها بغضبه : كنت اخاف من أبوك ومن فكرة أنه مخبي عنَي شي! كنت برضى لو مخبَي عني معلومة تكون بنظر الكل تافهة! كنت برضى لو كان مخبَي عنَي أيَ شي! لكن كيف أرضى أنه يخبَي عني شخص من لحمي ودمي؟ أنا بالضبط وش سويت عشان أستحق كل هذا؟ . . ممكن ضايقت أبوك! ضايقته كثير . . بس ما أذيته مثل ما آذاني! . . يحفرُ فوهة السلاح بنحرها وعينيْه تتسلطُ بحدَتها/قسوتها بعينيْها : على فكرة! فيه أشياء كثير تخليني أتصرف بطريقة تليق فيكم!! لكن أبوي يمنعني! أبوي اللي مامات بداخلي!! نسَت أمرُ السلاح الموجَه إليْها، نسَت كل شيء تمامَا وصدَى جملته الأخيرة ترتَدُ في جسدِها كـ رنينٍ لا ينتهي، تسيلُ دمعتها بيأسِ عميق/ بحُب مندثِر، كنت أؤمن بشدَة ومازلت نحنُ النسَاء لا نتملك عاطِفة واحدة حتى يكون أمرُ الحب محض التجاهل والنسيان بسهولة مثلما يفعل الرجال، هُم يملكون عاطفةٌ واحِدة من الممكن أن تُنسى، ولكن كيف نتجاهل عواطفنا الفطريَة والمكتسبة؟ عواطفنا التي تحتلُ عقولنا أيضًا؟ في حين أن عاطفتهم لا تُشكَل سوى 1ظھ من أجسادهم. عبدالعزيز بيأسٍ اتضح بنبرته : تفكرين كيف ممكن أتناقض بالدقيقة الوحدة مليون مرَة؟ وكيف هالتناقض يلعب فيك؟ أخفضت رأسها، لا تُريد أن تراه وتزدادُ زاويَةُ إنكسارها ببكاءٍ أكبر. يُكمل بمثل حدَته التي تأتِ كسببٍ مُقنع لبكاءها : لأنه عُمري ما كنت لنفسي! أنا لأهلي . . لأبوي وأمي و هديل وغادة . . أنا كلهم يا رتيل! . . . . أهلي اللي أبوك بدمَ بارد ما فكَر فيهم! كيف تبيني أفكر فيك؟ . . بتفق معك إني ممكن أكون أسوأ شخص تقابلينه في حياتك! لكن راح أكون الأسوأ فعليًا لأني مقدر أدَعي الفضيلة وأقول معليه يا عبدالعزيز قابل السيئة بالحسنة! فيه ناس أقوى مني ممكن يقابلون سيائتكم بحسنة صبرهم وتجاوزهم لكن أنا . . ماني بهالقوَة! دُون أن ترفع رأسها لنظراتِه التي تأتِ كنارٍ تُلهبها : وأنا مقدر أدَعي الفضيلة وأقول الحق حق يا رتيل وأبوك غلطان! أنا ماني بهالقوة يا عزيز عشان أقهر نفسي بأبويْ! عبدالعزيز إبتسم بإزرداء : تربية أبوك ماراح أستغرب! . . تعاملون الناس باللي ماترضونه على نفسكم!! رتيل رفعت عينيْها إليْه لتُردف وهي تحاول أن تتجاوز بكاءها وتتزن : إذا قصدِك من كل هذا إنك توجع أبويْ فيني، عادي! ماعاد تفرق معي نفسي، يهمني أنه ابوي ما يضيق عليَ لأني ببساطة منك تعلَمت الصبر، إذا أنت تفكر لو غيرك وش كان يسوي فيني أنا افكر لو كانت غيري كيف بتقدر تتحمَل كل هالمصايب؟ قلت لك كثير ببكِيك يا عزيز لين تنتهي منَي! عبدالعزيز بعُقدة حاجبيْه يتأمل ملامحها التي تُبكِي من بين كلماتها التي لا تتراجع عنها أبدًا، لن يرى أبدًا بكاءً يُشبه بكاءها، ولا عينًا تُشبه عينها ولا نبرةً تُحطَمه كنبرتها، يُنزل السلاح ليضعه في مكانه السابق، بتهديد مبطَن : حزني ما يخصني بروحي! يخصَك أنتِ بعد! رتيل التي تفهمه جيدًا لفظت : تهددني حتى بالأشياء اللي تسيطر عليها نفسي! عبدالعزيز : بالنهاية راح يجي يوم وبتكونين بين أهلك وناسِك! راح تعرفين وش يعني ضميرك يموت! و كيف تعيشين الحياة كأداء واجب لا أكثر رتيل بضيق: أداء واجب؟؟ عبدالعزيز : أنك تتنفسين لا أكثر! بدون أيَ هدف يخليك تعيشين هالحياة! و بتنتظرين الموت اللي يغيَبك فعليًا! . . راح يجي يوم وتعيشين كل هذا رتيل بحدَة : ما أشبهك! لا تربط مصيري بمصيرك بهالطريقة!! عبدالعزيز بتهديدٍ صريح حاد/قاسِي : بس حزني مصيرك! قلت لك أنه ما يخصني بروحي . . . تراجع عنها بعد أن تقابل جسدِه بجسدها للحظاتٍ تقسمُ روحها نصفيْن، تركها ثابتة تحت تأثير الصدمة، خرَج من الغرفة لترتفع عينيْه نحو سقف هذه الشقَة. في حينٍ انسحب ظهرها بذبولٍ من التوكأ على الجدار لتجلس على الأرض، إنك تقتلني ببطء، تُمارس أشنع الأفعال لقتلي، ليتَك تحدَ سكينك وتُنهي هذه المآسآة ولكنك تستلذُ بتعذيبي، " اللعنة " على الحُب. خرج من الشقة ليُقفل الباب جيدًا، نزَل ليتسلل إليْه ليل باريس الهادىء في مثل هذا اليوم، أدخل يديْه بجيُوبِ معطفه ليسير على الرصيف الضيَق، خرج من على المحل الجانبي شخصًا ليرتطم به على عجل، رفع عينِه اللامباليَة ليأتِ صوتُ وليد الشرقي : عبدالعزيز ؟ عبدالعزيز سَار خطوتين ليلتفت عليه برفعة حاجبه : عفوًا ؟ وليد : أنت عبدالعزيز العيد صح ؟ عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليُردف : مين معاي ؟ وليد الذي ارتكب الصدفة وتعمَدها : من يومين كنت عند ناصِر و كنَا ندوَر عليك عبدالعزيز بملامحه المتجمَدة وبردُ باريس يزيده تجمدًا : ناصر!! وينه؟ وليد : بالسجن! ماتعرف إيش صار؟ . . على العموم زين شفتِك عشان تروح له، على حسب علمي هو صديقك عبدالعزيز صمت طويلاً حتى يقطع هذا الصمت بصوته الضيَق : معه أحد ؟ وليد فهم قصدِه ليُردف : لا ناصر لوحده . . ليه فيه شخص ثاني؟ ماعندي علم إذا فيه شخص كان معاه! اللي اعرفه أنه كان بروحه عبدالعزيز : وش علاقتك فيه؟ مين تكون ؟ وليد : تعرفت عليه من فترة بسيطة لمَا كان هنا عبدالعزيز بمزاجٍ لا يجعله حتى يبتسم لإبتسامة وليد : طيب! . . شكرا لك . . أعطاهُ ظهره ليُكمل طريقه. وليد تنهَد من مزاجيته السيئة التي كانت واضحة عليه، لا أعلم كيف فعلت كل هذا! بدأت أجَن فعليًا حدُ أنني أوقع بينهم من أجل أن احتفظ بغادة، هذا الحُب امرضني، لستُ مثاليًا حتى أرضى بأن غيري يحتفظُ بكِ وينام على شَعرك، أنا آسف لأنني لم أرضَى بقدَري وحاربتهُ بأشدِ الأفعال سوءً، لا أدرِي كيف أتجاوزُ خيبةٍ اخرى؟ فشلت بحُبٍ تقلِيدي وفشلتُ أيضًا بحُبٍ اخترته، لا حظَ ليْ بهذه العاطفة التي تُسمى " حُب "، ولكنني أُريد ولو لأسبوع فقط! أن أعيشُه بسَلام يقتضيه الحُب فقط، أُدرك تمامًا فداحة أفعالي! ولكن هذه الحياة لا تُترك ليْ خيارًا آخر، آسف جدًا لأنني طبيبًا سيئًا عجز عن مداواةِ نفسه، أنا الذي أوصيْت كل من آتني أن تكُن الأخلاق الحسنَة منهجهم حتى يصلح حالهم، أنا الذي أوجَه الناس بشيءٍ لا أقدر على فعله، أنا مريض جدًا بِك يا غادة. ، لا أعني ما أقول، أنا التي تتبعها ضلالة الحُب كظلَها وحين تهتدِي! تكُن الهدايـةُ من عينيْك، نحنُ نُجسَد المآسآة بيننا لأننا لا نجرؤ على النهايات، كل شيء يُجبرني أن أتخذ قرارًا دُون أن يشاركني قلبي به! هذه المرَة أنا أقول " نعم " دُون مشورة قلبي، ولكنني احترق! أشعرُ بأن النار تقوم في صدرِي، لم نتعلم العفُو كما ينبغي حتى نتجاوز أمورٍ كثيرة في حياتنا، المُحبط يا سلطان أنني أحبك بالخفاء ولا اعرف شعورك تحديدًا، سيقتلني شكَي الذي يتحوَل ليقين في كل مرةٍ أسمع بها صوتك، شكَي/يقيني الذي يقول أنك تُريدني، لا تقُلها، أتركني اتعثَرُ بك بالمُكابرة. سلطان يتصاعد غضبه في كل حرفٍ ينطقه : أنتِ طالق! ارتجفت شفتيْها، شعَرت بموجة صقيعٍ تضربُ جسدها، هذا الشعور الذي يقتضي العزلة تمامًا، أغمضت عينيْها لتستوعب ما يحدُث، تختنق ببكاءها، أظن أنني أسوأ مما أظنُ بنفسي، هذه الكلمة تأتِ كـ; جرح. لا يُمكنني أن أُشفى منها، لم أكن متناقضة بهذه الصورة اللاذعة إلا معَك، أنا لا أفهمني أبدًا ولا أفهمك! إلهي كيف أتى صوتُه ثابتًا دون أن تهزَه الكلمة؟ إلهي كيف استطعت أن تقتلني دُون أن تقول لي قولاً ناعِمًا يتمسكُ بيْ، كيف ننتهي هكذا وأنا لم أقل لك يومًا أن عيناكَ جميلة وأني أحُب النظر لنفسي عبرها، كيف يا سلطان تُنهي الحياة بعيني حتى لو طلبتُها منك! لم أكن أعنيها والله! تستفزُ صبري! تستفزني تمامًا حتى تُخرج أسوأ مافيني لتجعلني أسقطُ في قاع الندم، هذه النهاية لا يحتملُها قلبي، أنت المُحرَض الأساسي للألم و الوجَع، للقهر والحُزن، نطقتها دُون أن يتحشرج صوتُك بها؟ دُون أن تنطق بـ تنهيدة تُنقذ الموقف! قُلتها بإنسيابية تامَة و قتلتني! سلطان يشعرُ بأن نارًا تندلعُ في حنجرته من مرور هذه الكلمة على لسانه، أغلق هاتفه ليقف وهو يفتح أول أزارير ثوبه، وصلُ لأقصى حالاتِ الإختناق، ليس جسدِي وحده الذي يمرض، روحي أيضًا. تُحمَلني هذه الحياة فوق طاقتي، والمُحبط في الأمر أن تكونين سببًا يزيدُ من تحمَلي، أنا الذي حاولتُ ان أرتَد عن مبادئي السابقة، وأنا الذي ضللتُ أستخير الله في كل ليلة حتى توقفت عن ذلك قبل شهر تقريبًا، لم يُيسَر لي الله إنفصالي منكِ أبدًا، وهذا ما كان يجعلني دائِمًا في حربٍ لاذعة بين إيماني بحكمة الله وإيماني بأنني لا أقدر على تجاوز الأمر، توقفتُ عن الإستخارة في الوقت الذي خُفت به تمامًا أن يُسهَل الله أمر طلاقك! كنت أوَد بشراهة أن لا تأتِ نُقطة تُنهي ذِكرك في فمِي! في نبرة صوتي تحديدًا، تعبرني تفاصيلك بحدَة، هذا الأمر الذي لا أملك السيطرة عليه. " إبتسامتُك الخجلى، ضياعُ عينيْك في خوفِك/فرحك، رجفة صوتُك، تصاعد أنفاسك، بعثرة خُطاك، دندنتُك الناعمة التي يستذكرُها عقلي دائِمًا ( روَح لي قلبي يا ميمه ) ، رفعةُ شَعرك، فرقعة أصابعك المتوترة، قدمِك التي تضرب الأرض بخفوت كلما أشتَد غضبك، أصبع يدِك اليمنى الذي يعبثُ خلف أذنك في تفكيرك، تلاعُب يديْك بياقتِك إن لم تجدِي جوابًا يُنقذك من الأسئلة المتراكمة بداخلِك، أسنانك العلوية التي تقبضُ على شفتِك السفليَة في كل مرةٍ تبكِين فيها، أحفظكِ تمامًا، أحفظُ أبسط الأشياء المتعلقة فِيك، لنا نحنُ العوَض من الله، لنَا أنا وقلبي رحمَةٌ من الله ". إلتفت للباب الذي يُفتح، بلع رُكام الكلمات المبعثرة بداخله ليأتِ صوته متزنًا بظاهرٍ لا يعكس باطنِه، اعتاد أن يموت ببطء دُون أن يظهر من إحتضاره شيئًا للناس، اعتاد دائِمًا أن يحبس هذه الأمور بداخله ولا يُظهرها لأحد : حصل شي جديد؟ أحمد بإبتسامة متسعة : إيه . . فيه شخص إسمه فوَاز عندنا ملفه هنا سلطان يتجه نحو الطاولة الجانبيَة ليمدَ يدِه نحو كأس الماء ويُبلل ريقه المحترق بالجوهرة : إيه وش الجديد؟ أحمد : الجديد أنه سلطان العيد الله يرحمه ويغفر له . . كتب وثيقة موقَعة منه عنه إلتفت إليه ليضع الكأس بصخب : وش وثيقته؟ أحمد : وثيقة تفيد تحقيقه الـ . . سلطان بلع ريقه بصعُوبة ليقاطعه : أحمد! . . كيف وصلت لهالمعلومات؟ كيف تعرف أننا نحقق بهالموضوع ومحد يعرف غيري أنا و بوسعود و بو منصور!!!! أحمد اختفت إبتسامته ليُردف : الكل هنا يعرف أنكم تحققون بموضوع سليمان سلطان مسح على وجهه بصدمة أخرى لا يُمكن لعقله أن يستوعبها : كلكم!!!! أحمد : لكن أكيد محد بحث بالموضوع بدون إذن منك الله يطوَل لنا بعُمرك سلطان بسخرية : أثلجت صدري بصراحة! أحمد : أعتذر منك إذا كان تصرفي غلط، كل ما في الأمر إني وصلت لها وأنا أحدَث السيرفر التابع لنا سلطان يجلسُ على مقعده، كل شيء يحدُث اليوم يجلبُ له البؤس : وش كان مكتوب فيها؟ أحمد : أنه إخفاء المعلومات المتعلقة بفوَاز هي جُزء مما يتطلبه التحقيق سلطان: غيره؟ أحمد : سلطان العيد الله يرحمه كان موافق على فعل عبدالمجيد، يعني الملف المتعلق بفوَاز هو مجرد حيلة من سلطان و عبدالمجيد لسليمان، عشان يتيَقن سليمان بأنه الشكوك مبتعدة عنه ومتجهة لشخص يُدعى فوَاز . .لكن مافيه شخص خلف هذا الإسم والإسم ماهو مزوَر! الإسم ماله صاحب من الأساس عشان يتزوَر!! سلطان إبتسم من سخرية أحداثُ حياته به، ودَ لو يقتل نفسه الآن ولا يسمع أنه أخطأ التقدير مرةً أخرى أحمد أرتعب من إبتسامته هذه التي تأتِ في غير حينها أيَ يعني أن غضبًا سيأتِ بحينه : و . . و وبس سلطان وقف ليحَك رقبته بضيقه الشديد : وهذا الإكتشاف مين يعرف فيه غيرك؟ أحمد : محد، أنت أول شخص الله يسلمك أقول له سلطان : وأتمنى إني أكون آخر شخص أحمد بلع ريقه : أكيد أبشر سلطان : فيه شي ثاني؟ أحمد: لا سلامتك . . . خرج بهدُوء ليمسك سلطان الكأس ويرميه على جداره حتى تناثرت قطع الزجاج على الأرض، كوارث حقيقة أندلعت في جسدِه، للمرة الثانية نبحثُ عن شخص لا وجود له، للمرةِ الثانية أفشل! ولكن هذه المرَة أشدُ لذاعةٍ مما قبل، هذه المرَة تأتِ بمرارةٍ شديدة تتوافق مع فشلي بحياتي الزوجية، تنهَد ليسحب ما يستطيع من الهواء حتى يُخمد لهيبه، قطَع شفتيْه بأسنانه التي تحتَد هي الأخرى بغضب، جلس مرةً أخرى على مقعدِه لتضرب قدمِه الأرض وفي داخله أسئلة كثيرة وأجوبة قليلة! وهذا ما يؤرق فِكره. لِمَ يا سلطان العيد تفعلُ بنا كل هذا! بماذا كُنت تفكَر حينها؟ كيف طاوعتك نفسُك بأن تُخفي علينا، لوهلة أشعُر أنك تنتقم لعبدالعزيز منَا، تقتصُ بطريقةٍ ظالمة! لم نستطع أن نُبرر فيها عن أسبابنا، لم نكُن مخيَرين! لم نكُن ندرِي عن المصائب التي حدثت بعد الحادث. كنت صاخبًا بحضُورك ومازلت حتى في موتِك تصخبُ بنا، لو أنني أعرف معلومة واحدة تتعلق بما حدَث بعد الحادث لأنحلَت كل أمورنا. تأتِ إبتسامة سلطان العيد كنسمَة باردة تمرَ في باله، قبل سنواتٍ عديدة في مثل هذا المكتب. " سلطان بن بدر بإنفعال : وأنا وش يفيدني؟ أضيَع وقتي ليه ؟ سلطان العيد بهدُوء : إنفعالك هذا ماراح يفيدني! تعلَم تتحكم بأعصابك سلطان بن بدر : متعلَم وعارف كيف اتحكم بأعصابي!! سلطان العيد يقف متجهًا إليْه وبإستفزاز : ورَني كيف متحكم بأعصابك؟ سلطان بن بدر يقف صامتًا حتى لا ينفعل اكثر، ليُردف سلطان العيد : أنت في موضع يجبرك تكون حلِيم غصبًا عنك! شخصيتك ماهو بإيدك، شخصيتك تحت حُكم وظيفتك سلطان بن بدر ابتسم : من كثر ما تردد عليَ هالحكي بصير عصبي!! سلطان العيد بضحكة : لأنك صغير توَك ما نضجت سلطان بن بدر : لا تحاول تستفزني بالعُمر! سلطان العيد بتلذذ وهو يُثير غضب سلطان الذي يشترك معه بكيمياء إستثنائية : هالشهر بتكمَل ثلاثين سنة صح؟ سلطان بن بدر تنهَد : هنَيني بعد؟ سلطان العيد : أفآ عليك! إذا ما حفظت يوم ميلادِك أحفظ ميلاد مين؟ سلطان بن بدر تمتم : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه سلطان العيد : شفت هذي العصيبة كيف خلَت الشيب يجيك وأنت توَك بشبابك سلطان بن بدر يمسح على عوارِضة الخفيفة التي تُظهر بعض الشعيرات البيضاء التي أتته من هذا العمل : بطَل تعاملني كأن عمري 20 سنة!! سلطان العيد يعود لمقعدِه بإبتسامته المميَزة التي لم تفارقه أبدًا : تدري سلطان لو الله يفكَك من هالدم الحارَ وهالمزاجية كان أنت بخير! . . لزوم نخلصك من إضراب الزواج يمكن تتسنَع شويْ سلطان بن بدر بإبتسامة : تعذبني في التدريب! تخليني اداوم قبل لا تطلع الشمس! تهلكني لين الفجر! تصبَحني بصراخ وتمسَيني بِـ سبَ وتبيني أكون قدامك بارد وحليم ومزاجي رايق؟ سلطان العيد غرق بضحكته ليُردف : لازم تتعوَد كم مرة اقولك! أنت منت مواطن عادِي، لازم تكون متعوَد على هالمعاملة عشان إذا شفتها بالشارع ما تآخذ سلاحك وتثوَر باللي قدامك! لازم تكون بارد إتجاه كل هذي التصرفات عشان مستقبلاً ما تغلط . . فاهم عليَ ؟ سلطان بن بدر : والله العظيم أدري! الحين ممكن تخليني أمسك هالقضية ؟ سلطان العيد بإبتسامة فسيحة مستفزة : لا عاد لواقعه، طرق بأصابعه على الطاولة، تعاظمت حاجته لمن يحمل إسمه ورحَل. أحتاج أن تقرأ عليَ بصوتِك الذي يبثَ السكينة، أن توجَهني لفعلٍ صحيح لا أتوه به، أن تصرخ عليَ وتغضب حتى أُعيد قراءة نفسي، أحتاج لَك يا موَجهي في هذه الحياة، لو أنَك هُنا اليوم! لتُدرك حاجتي الشديدة والمُلَحة لك. ، باريس / ليلة الأمس. ارتعش جسدُها من هذه العتمَة التي تحجب عن عينيْها الرؤية، تبلعُ ريقها بخوف وهي تُكابر بإخفاء رهبتها، وضعت كلتا يديْها على بطنها لتغرز أصابعها بجسدِها حتى تُخفف حدَة التوتر والخوف الذي يُصيبها، هذه العتمة تستثيرُ معدتها للغثيان. تشعرُ أنه يبتعد عنها ولا صوت يجيء به، في وقتٍ إتجه فارس إلى مفاتيح الضوء ليعرف سر العِطل المُفاجئ، اقترب من الباب ليسقط الكَرت البلاستيكي الممغنط الخاص بفتح الغرفة، تنهَد ليبحث عنه بهذه الكومة من الظلام، أتى صوتها المرتبك مقاطعًا : فارس وقف ليعُود بخُطى بطيئة نحوها حتى لا يصطدم بشيء: أنا هنا . . تنهدت بجُزءٍ من الراحة، لدقيقتين استغرق بتفكيره ليُدرك تمامًا أن هذا العطل مُتعمَد، بلع ريقه ليُردف بإتزان وهو لا يراها بوضوح، كان يحاول أن يستعجل بالكلمات حتى يكسب الوقت : عبير . . ماني بهالصورة اللي في بالك! كلنا نغلط محد معصوم عن الغلط . . وأنا غلطت كثير بس صححَت أغلاطي . . عبير ما أبي الا إنك تصدقيني!! عبير بضيق لا تعرف كيف تُفكر وتُحدد شعورها، كل شيء يتشوَش عليها : أبي أصدَقك! أبي أعيش معاك! أبي أكون لِك بس مافيه شي يساعدنا! حتى أنت يا فارس!!! بيننا شك لأنه من الأساس مافيه أيَ ثقة . . كيف أثق فيك؟ فارس : أنا اثق فيك! أثق بقلبك، أحتاج تثقين بثقتي فيك! عبير تنازلت دموعها عن دور اللاجئة في عينيْها لتندثَر على ملامحها، بنبرةٍ مبللة بالبكاء : وإذا وثقت فيك كيف أثق بأهلك؟ فارس : أنتِ ليْ مو لأهلي . . لا تصعبينها عليَ! عبير مسكت رأسها بثُقلٍ تام : ما أعرف وش الصح عشان أسويه! . . اقترب منها ليمدَ يدِه نحوها ويُلامس كتفِها، طوَق جسدِها بذراعيْه : قولي إنك تثقين فيك وبوعدِك أترك كل شي ورى ظهرِي وأكون معك! وضعت يديْها فوق يديْه وهي تحاول أن تقاوم كل هذا الضغط العاطفي حتى تُقرر بشكلٍ عقلاني : ما ينفع . . أنا ما أعرف أتأقلم بسهولة مع هالوضع فارس سحب يدِه من تحت يديْها ليطوَق وجهها ويرفعهُ نحوها : اللي يقتلني وأنا حيَ إني أخسرك بإختياري! اللي يقتلني إني أشاركِك الأرض وما أشاركِك السقف! اللي يقتلني إنه الشخص اللي انتظرته ماراح أقضي سنينه معه! اللي يقتلني إني أفترق عنك في ذروَة حُبي لك! . . . وأنا كيف أتأقلم مع الموت؟ عبير أخفضت رأسها ببكاءٍ عميق لا ينضَب، لامس جبينُها صدره القريب منها، وبنبرةٍ موجعة : ليه تقولها كأنك بتموت اليوم؟ فارس : لأني ما أضمن عُمري! بس أبي أضمن عيُونك عبير : تصعَبها عليَ كثير يا فارس فارس : قوليها بس عبير وتسكنها الرجفة التي تجعل من أمرِ القرار صعب جدًا، أكمَل بصخبِ صوته الرجولي : ماراح يسعدِك رضَا عقلك! ولا راح يسعدني إني ابتعد عنك! خلينا لمرَة وحدة نمسح بهالمبادىء والقناعات البلاط ونعيش مثل ما نبي مو مثل مايبي غيرنا! عبير بضيق بحَتها : الحُب مو كل شي! كيف بتقدر تعيش بدون إستقرار وأمان؟ فارس برجاء صوتِه الذي يأتِ سريعًا خشية من الوقت الذي يقطعه : بدُونك ما اعرف الإستقرار والأمان! عبير بإستسلامٍ تام أنهارت ببكاءها، تشبثت أصابعها بأزارير معطفه في وقتٍ كانت ذراعه تُحيطها من خلف ظهرها : ما أبي أودَعك! فارس بتعب : خلَي النهاية تجينا مو إحنا اللي نركض لها! عبير ببكاء : آسفة لأني ما أعرف أكون بالصورة اللي في بالك! فارس تجمدَ العالم بعينه التي تتحشرجُ بالكلمات المختنقة، بوداعٍ خافت : الله يهديك ويآخذك ليْ ، ، صرخ عليه وساقِه المُصابة ترقد على الأرض : تعال قوَمني بسرعة!! عُمر بتوتر : ماراح يجيك هنا! لا تطلَع صوت وماراح يدري بروح ألحق على سليمان أسامة بغضب : بيدخل يا ******* تعال بسرعة . . عُمر تنهَد بضيق ليهرول إليه سريعًا، حاول أن يوقفه ليسمع صوت خُطى الأقدام في الأسفل، ترك أسامة حين تصاعدت الخُطى ليُغلق الباب خلفه ويتجه للطابق الثالث. أسامة شعر بأن ساقه تنفصل عنه تمامًا، الألم يتغلغل فيه ويضيَق عليه، زحف للخلف بمحاولة حقيقة أن يبحث عن مكانٍ يختبأ به، في جهةٍ أخرى لمح رائد جسدِ عُمر المارَ ليسحبه بحدَه، دفعه على الجدار بقوَة حتى شعر بأن أنفه سقط من وجهه، تذوَق لسانه الدم مُرغمًا إثر نزيف أنفه، لم يستطع أن يلتفت عليه وأصابع رائد تلوي ذراعه دُون رحمة : مين ذبح فارس؟ أيَ كلب فيكم؟ والله ورحمة الله لا أطلَع فعلتكم من عيونكم! عُمر فقد تمامًا الإحساس من الضربة التي انسفت كل خلية صالحة للتفكير، لفَهُ عليه ليدفعه على الجدار مرةً أخرى وتنجرحُ مؤخرة رأسه وتُغطيها الدماء، أقترب منه ليضع ذراعه على رقبته ويشدَ عليه حتى اختنق : حسابكم ما خلَص! من صغيركم لكبيركم! وضع رائد قدمِه خلف قدم عُمر ليشدَها بقوَة جعلت عُمر يسقط على ظهره ورأسه يرتطم بأول عتبة من الدرج، تركه ليصعد للأعلى وهو يجهَز نفسه لمُقابلة سليمان، ينسلخُ تمامًا بكل ما يمَت للإنسانية بصلَة، يوَد أن يقتلهم بأشنع الطرق واحدًا تلو الآخر، رفس الباب الذي أمامه ليتوسَط الجناح الواسع، بحث بعينيْه عنه ليراه جالِسًا ببرود يستثير غضبه : أووه! رائد عندنا!!! كان قلت لنا قمنا بواجب الضيافة يمسح رائد على عوارِضه من خدِه حتى عنقه، بخدعةٍ لا تُكلفه من التفكير الكثير، أدخل يدِه بجيب معطفه الداخلي وكأنه سيخرج شيئًا لتنطق الرصاصة بإتجاه ساقِه، تصلَب جسدِ سليمان بصدمَة. اقترب رائد ليسحبه من ياقتِه ويُوقفه، دفعه حتى الصق ظهره بالجدار : ماهو انا اللي تلعب معاي!! راح أعلَمك مين رائد . . لكمه سليمان على عينِه ليستثير غضب رائد، أعاد رائد اللكمة إليْه ليلفَه ويدفعه على الطاولة الزجاجيَة، تناثر الزجاج حول جسدِه وساقه مازالت الدماء تغطَيها بعمق. رائد : هذي المرَة رجلك والمرة الثانية راسِك! . . بغضب صرخ عليه : وين جثة فارس؟ سليمان : دوَرها بنفسك رائد تتجمع الدماء المُثارة في ملامحه المحمَرة بحقدِها، بقوَة رفع قدمِه ليُسقطها في وسطِ بطنه : أقسم بالله ما ترتاح ليلة طول ما أنا حيَ!!! سليمان يتحامل على ألمه : أنت اللي بديتها وتحمَل! رائد بكوارثٍ تتشكَل في ملامحه الغاضبة، إلتفت لرجاله المُصابين برهبة من رائد الذي لم يغضب كغضبه هذا منذُ وقتٍ طويل : شيلوه! . . أعاد نظره لسليمان بنظرةِ وعيد . . . بعلَمك كيف نحرق الجثث!! سليمان انتشرت نظراته بغضبٍ من رجاله الذين هربُوا، حاول أن يقف لتأتِ الطلقة دُون رحمة على قدمِه الأخرى : ورَني الحمار اللي ذبح ولدي! ولا قسمًا بالله ما تنام الليلة الا في قبرك! سليمان صرخ من ألمه : عُمـــــــر رائد أخرج هاتفه ليبتعد بخُطاه للأسفل ويترك بقية المهمة لرجاله، بعد لحظاتٍ طويلة نطق : ممكن تحوَلني لسلطان بن بدر! أحمد وهو يشربُ من كأس الماء : من أقوله ؟ رائد : رائد الجوهي أحمد بردَة فعلٍ لم يسيطر عليها تناثر الماء من فمِه : نعععععععم!! رائد : إذا مو موجود عبدالرحمن آل متعب أحمد بلع ريقه : دقيقة وحدة . . . وقف لينظر إليه متعب بإستغراب : وش فيك؟ ترى بنصلَي على مقرن بعد صلاة العصر اليوم أحمد بدهشة : تعرف من اتصل؟ متعب عقد حاجبيْه : مين ؟ أحمد : رائد . . . وش صاير في الدنيا! وداق على مكتبه بعد ويقول إسمه بكل فخر!! متعب بصدمة : من جدك؟ يمكن شخص يستهبل أحمد بإنفعال : فيه مجنون يتصل علينا ويستهبِل!! نوديه بداهية . . . . هرول سريعًا نحو مكتب سلطان ليطرقه ثلاثًا ويفتحه : طال عُمرك سلطان المنشغل بالأوراق لا يُجيبه، يقرأ بتمعن أوراقًا لا صاحِب لها، يقرأ خيبته و فشله. أحمد بلع ريقه : فيه إتصال مهم لك سلطان : عبدالرحمن؟ أحمد : لا ر .. سلطان يُقاطعه : ما أبي أحد يزعجني لا تحوَل لي أيَ مكالمات أحمد : بس . . سلطان رفع عينه الحادَة : قلت لا تحوَل لي أيَ مكالمات أحمد برجاء صوته : طال عُمرك اللي متصل . . . سلطان بغضب لا يحتمل المناقشة : ما أبي اكرر كلامي مليون مرة عشان تستوعبه!!! . . أطلع برا وسكَر الباب أحمد بخيبة عاد للخلف وأغلق الباب، أندفع إليه متعب بحماسَة : وش صار؟ أحمد : واصلة معه! مقدرت أقوله كلمة وحدة الا أكلني متعب : لازم تقوله! . . لحظة مافيه غير بو منصور هو اللي يعطيك الجوَ المضبوط!! . . . . أخرج هاتفه ليتصَل عليه، مرَت لحظات طويلة أمام ترقب أحمد المتوتر : السلام عليكم عبدالله : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته متعب : شلونك يا بو منصور ؟ أحمد يُشير له بيديْه أن يستعجل ويختصر بالكلمات. عبدالله : بخير لله الفضل والمنَة . . صوتك يقول فيه شي؟ عساه خير؟ متعب : هو خير إن شاء الله . . . بس الله يسلمك بو بدر اليوم ماهو قابل النقاش بأيَ شي لكن حصل أمر ضروري ولازم يعرف فيه وقلنا مافيه حل غيرك خصوصا أنه بو سعود ماهو موجود بعد عبدالله وقف ليخرج من مجلسه، عقد حاجبيْه : وش اللي حصل؟ متعب بلع ريقه ليلفظ بخفوت : رائد الجوهي اتصل ويطلب تحويل مكالمته لبو بدر عبدالله تصلَبت سيقانه بدهشة ليُردف : أتصل على مكتبه؟ متعب: إيه على مكتبه . . عبدالله : أنا جايْ الحين وبتصل على جوال سلطان بس أهم شي لا ينقطع الإتصال . . . متعب : أوكي إحنا ننتظرك عبدالله : فمان الله . . أغلقه ليعود لمجلسه، أخذ مفاتيحه وخرج. متعب : يقول أنه جايْ الحين وبيتصل على بوبدر أحمد : تهقى صاير شي؟ خوفك صاير مكروه ببوسعود ولا أهله!! متعب : فال الله ولا فالك إن شاء الله مو صاير كل خير . . . الله يطمننا عليهم ويريَح بالهم ، يجلسُ بمُقابل الدكتور في المستشفى الذي احتضن جثثهم في العام الماضي، بنبرةٍ هادئة ( يتحدَث بالإنجليزية ) : ولكن مصادرنا تثبت الرشوة، هذا أمر لا يحتمل الشك! الذي نسأل عنه هو من سلَم هذه الرشوة! الدكتور : أعتذر منك ولكنك تتهمنا دُون دليل، نحنُ في هذا المستشفى تهمَنا كل روح تأتِ إليْنا فما بالك بأربعة أشخاص نُتهم بأننا أخفيْنا جثثهم! عبدالرحمن : الأم و الإبنة الصغرى نحنُ واثقون من أمر جثثهم ولكن الإبنة الكبرى حيَة تُرزق هذا يعني أن هُناك جثَة وشهادة وفاة استخرجت من طرفٍ نجهله! وهذا ما نبحثُ عنه الدكتور : اُستخرجت من إبنه ! عبدالرحمن : إبنه لم يكُن لديه علم بوجود شقيقته! دفنهم جميعًا موقنًا بأنهم أموات الدكتور بإبتسامة : لا معلومة أملكها تُفيدك عبدالرحمن : ستُجبرني أن أُدخَل السلطات بالتحقيق وتتجه المسألة إلى أكبر من ذلك الدكتور اختفت إبتسامته : أعلمتك مُسبقًا بما أملكه، أتت جثثهم جميعًا وتم استخراجهم أيضًا جميعهم بتوقيعٍ من الإبن عبدالرحمن بحدَة يستدرجه : و الإبنة الكبرى لم تمُت! كيف تُستخرج جثتها؟ الدكتور : هذا مالا علم لنا به، نحنُ فعلنا كل ما بوسعنا لإنقاذهم ولكن الأم و الإبنة اصغرى توفوا هنا بينما البقية أتاهم الموت قبل وصولهم للمستشفى عبدالرحمن : هذا الأمر تُخبره لأيَ رجلٍ بالشارع وسيصدَقك ولكن أمامك شخص استجوب الكثير في حياته وبإمكانه أن يُفرَق بين الصدق والكذب . . أُحذَرك للمرة الثانية من التلاعب بالكلام فأنا لا أرضى على وقتي بأن يضيع بمثل هذه التفاهات! من أتى للمستشفى وقدَم الرشاويْ لتزوير التقارير الطبية المتعلقة بأفراد العائلة! أظن أن السؤال واضح الدكتور : لا أعلم، هُناك ألاف الأشخاص يأتون المستشفى في اليوم الواحد عبدالرحمن : ومن الألف هُناك واحد يزعزع تحقيقاتٍ قد تؤثر بمنطقةٍ كاملة! هل تُدرك ما أعنيه؟ الدكتور : يُسعدني أن أساعدك ولكن تطلب مني شيئًا اجهله عبدالرحمن بغضب : من قدَم الرشاوي لتزوير التقارير الطبية المتعلقة بهم؟ لن أكرر السؤال كثيرًا وإن كررته فلا تحلم بأن تجِد مهنتك في اليوم التالي الدكتور : تهديدك هذا يجعلني أطلب أجهزة الأمن، أرجوك لنُنهي هذه المحادثة فأنا لا علم لديْ بما تقول عبدالرحمن : سأشتكي كمواطنٍ عادِي بمراكز الأمن هُنا وسأشتكي أيضًا بتدخل السلطات كمسؤول! وأنت تُدرك تمامًا خطر ما تُخفيه الدكتور وقف : شكرًا لزيارتك عبدالرحمن وقف هو الآخر : تذكَر جيدًا أن صمتك هذا يُكلفك الكثير!!! . . . خرج متنهدًا من هذا الدكتور الذي يُخبىء بعينيْه الكثير من الأحاديث، أخرج هاتفه ليتصل على سلطان ويأتِ الرد : مغلق. كان سيُعيد الإتصال لولا إسم " نايف " الذي أنار الشاشة، أجاب : هلا نايف نايف بحماس : تذكر يوم قلت أنه فيه رسالة وصلتني من رقم غريب لكن ما وصلتني كاملة وكانت رموز ماهي مفهومة! اليوم وصلتني رسالة ثانية بوجود بنتك عبدالرحمن بدهشة : بنتي! . . الرسالة من مين؟ نايف : ماعندي علم . . أنا الحين رايح المكان قريب من غرب باريس عبدالرحمن : أنا جايْ الحين . . . . ، ينتظرُه بالمقعد الخشبي في المكان المخصص لمقابلة المساجين، بدأت قدمه بالإهتزاز في كل دورةٍ يُنهيها عقرب الساعة، تتصاعد أنفاسه لدقيقة لتخفُت لدقائِق طويلة، هدُوء الأنفاس لا يعني أننا حتمًا بخير، أحيانًا يكُن إحتضار. أخفض رأسه لتتجه أنظاره نحو قدمِه، كان أكثرُ ما لا أريد مواجهته بالحياة، أن أواجه ناصِر كطرفٍ آخر منفصل عنَي بعد أن كان جُزءً منَي، ناصِر الذي قاسمني الحياة وبكَى معي في الوقت الذي كنت لا أريد مواساةً من أحد، لا أريد يدًا تمسحُ دمعي، كنت أريد أحدًا يبكي معي ويُشاركني مآسآتي. لِمَ فعلت هذا يا ناصر بيْ؟ لِمَ كنت مثلهم وأنت منَي؟ احرقوا قلبي وأنت بدل أن تُطفىء نارِي زدتُها لهبًا/إشتعالاً، كيف هان عليك؟ يا عزائي! يا فجيعتي! يا حُزني الكبير فيك يا من أُخضع من أجله كل شيءٍ حتى لا تسقط بحُزنِك أبدًا، ولكنك أسقطتني! أسقطتني وأنا الذي توقعتُ أن يداك لا تدفعني للحزن، يداك ترفعني للفرح. " ليه ؟ " هذا السؤال الذي ابحث عن إجابته، لم أستغرب أن يُؤذيني أحد! أنا أدركت تمامًا مهما بلغت قوَتي ومهما بلغ عُمري إلا أن العائلة إن فقدتها، تفقدُ ذاتِك، وإذا فقدت ذاتِك ضعفت، وإذا ضعفت تمرض بالحياة، وإذا مرضت بالحياة تسلَط العالم بأكمله حتى لا يُشفيك، حتى يراك تموت ببطءٍ دُون أن يسقط دمعةً واحِدة عزاءً عليك، لذا لم أستغرب! كنت أشعر دائِمًا بأن هُناك أذى مُخبأ ليْ، ولكن أذى الروح كيف نصطبر عليه؟ كيف نداويه؟ ولكنني الآن أستغرب كيف روحًا تؤذِي جسدها؟ كيف تؤذيني بهذه الصورة يا ناصر؟ رفع عينه لخُطاه التي توقفت بمُجرد أن رآه، فتح الحارس القيد الذي يُقيَد يدِه ليلفظ : دُون لمسٍ ولا مُصافحة! وقف عبدالعزيز لينظر إليْه بغصَة تحكيها عينيْه، ثبتَ عيناه بإتجاهه والكلامُ فقير، بلع الشهيق الذي احتبس بفمِه ليلفظ بسخريَة على حاله وهو يحترق بمرارة الكلمات : هلا بأخويْ . . هلا برفيقي . . هلا بزوج أختي . . هلا باللي مقدرت أبكي الا قدَامه ومقدرت أشكِي الا له . . هلا باللي أوجعني وما قصَر بوجيعته ناصر شتت نظراته بحُرقة لا تقل عن حرقة روحه أبدًا، بنبرةٍ خافتة : عبدالعزيز عبدالعزيز بإنفعال : وش أعذارك؟ مو انا الحين لازم أسمع أعذار الكل وأقول معليش يا نفسي مالك حق تزعلين وتضيقين! هُم لهم أعذارهم وأنتِ يا نفسي وش عذرك؟ . . أبد ما صار شي! عادِي جدًا اللي يصير، أنا بخير، أحس ضلوعي تتكسَر بس أنا بخير . . وقلبي يوجعني بس بخير . . كل هذا عادِي أصلاً! وش صار؟ بس صار أنه أختي . . تحشرج صوتُه بالكلمة وهو يختنق بها : حيَة! هذا بس كل اللي صار! . . . ليه ؟ ناصر نظر إليْه لتضيق حنجرته به : آسف عبدالعزيز احمرَت عيناه من " غادة " و روح " غادة " و حُب " غادة " : قلت ما يوقف ضدَي! لو كل هالناس يوقفون ضدَي بس هو ما يوقف! . . مستحيل يوقف ضد جزء منه! كيف أصلاً يصير ضدَ نفسه؟ . . بس صرت يا ناصر! ليه بس قولي سبب واحد!! ناصر : كنت بقولك! والله العظيم ماكنت أبي يوصلك الخبر من غيري لكن جوالك مفصول من شهر وأكثر عبدالعزيز : وهذا عذر؟ . . تدري وش قلت في نفسي وأنا جايْ هنا؟ قلت راح أذبحك بإيدي وأشفي هالقهر اللي فيني منك! بس كالعادة! أنا عاجز عن كل شي! . . عاجز عن الحياة، جلس على مقعدِه بإختناق ليُخفض رأسه حتى لا يرى دمعتِه : أتمنى الله يرحمني ويآخذ روحي! روحي اللي محد فكَر يسوي لها حساب . . على الأقل لو قلتوا خلنا نخاف الله ومانفجعه! لكن متخذيني شخص ما يحمل أيَ إحساس! نضرب مشاعره في البلاط بس أهم شي نفسنا! أنا إذا عشت بكون خراب لكل شخص بواجهه في حياتي! حتى أنت يا ناصر! . . بقهر أرتفع صوته : أختي! . . . أختــــــي يا ناس ماهي وحدة من الشارع عشان تبعدوني عنها! . . لمين أشكي؟ قولي بس لمين؟ أنا صرت حتى أخاف على نفسي! أخاف من الأفكار الزفت اللي تجي في بالي! . . رفع عينه إليْه بوجَع يُسقط أثقالاً فوق ظهره : على فكرة ما أطلب منكم الحين أنكم تتذكروني مستقبلاً! ماأبيكم تتذكروني بموتي بس أنا راح أذكركم يوم القصاص . . . بقسوة عينيْه التي تحبس دمعها يُكمل : أوجعتوني لدرجة ماني راضي إني أقتَص منكم بالدنيا وبس! . . . ما تخيَلت وش قد الوجَع يوم قلت ماهو لازم يعرف الحين! ما تخيَلت وش ممكن يصير فيني! . . . ( بعصبية ) يخي حتى لو إني رجَال قايم بنفسي ومخلَي عواطفي على جمب هذا ماهو معناته أنه عادي تجرمون فيني! . . . . . . . ناصر الذي لا يطيقُ إنكسار عبدالعزيز، الذي يكسره هذا الإنكسار : عبدالعزيز يكفي! . . عبدالعزيز وقف ليقترب منه : بقولك عن شي يعلَمك كثر يأسي اللي وصلت له، أنا رجعت سكنت بشقتنا! بأكثر مكان مكشوف لشخص يبي يهرب من ناس تدوَر عليه! . . أنتظر موتي، وتأكد اني بموت وأنا قلبي ما يسكنه بعد الله الا أهلي، بترك لكم الحياة اللي تحكَمتوا فيها وأنا أكثر شخص وثق فيكم! . . و أنتْ متَ في عيني من زمان! . . أطلب من الله أنه يغفر لك حزني! . . . . . اتجه إلى الطاولة ليأخذ معطفه ومفتاحه، وقف ناصر أمامه : جيت تقتلني بحكيْك وتروح! أنت تدري أنه مستحيل أسوي أيَ شي يضرَك ويضيَق عليك عبدالعزيز بقسوة : ما أنتظر منك تبرير! ما عدت تعني لي شي يا ناصر . . . . أبتعد ليقف ناصر مرةً أخرى برجاء : أرجوك! . . بس أسمعني وأقولك السالفة من أولها دُون سيطرة على نفسِه لكمه بالقرب من شفتيْه، تدخَل الحارس ليقف بينهما، نزفت شفتِه ليُردف عبدالعزيز : اعتبر هذا آخر ما بيني وبينك . . . . خرج بخُطى يبعثرها الغضب، لا يهدأ هذا الحزن في داخلي. يالله! يالله! يالله! ارحم عبدًا شهد لك بالوحدانية والعبوديَة، إرحم قلبًا لا تخمدُ نارِه، إرحم حُزنًا لا يتركني بسَلام، يارب إحسن خاتمتي واقبض روحي، اقبضها يالله و اجمعني بعائلتي، وأجعل آخر قولي أشهدُ أن لا إله الا الله و آخرُ وجه آرآه غادة، يارب يا كريم الطفْ بي وبها. ، تُغلق حقيبتها وهي تحملُ في داخلها كلماتٌ تتدافع للخروج ولكن حنجرتها تضيقُ بها ولا تفلتُ أيَ كلمة، تنهَدت بعُمق لتنزل للأسفل بخُطى خافتة لا تعبَر أبدًا عن الحزن الذي يصخبُ بها، نظرت إليه بنظرةٍ يتيمة لتلتفت لوالدتها : خالي رجع؟ والدتها : لا أم منصور : تعوَذوا من الشيطان توَكم جايين والطريق طويل . . ناموا الليلة وبكرا تسهَلوا أم مُهرة بمزاجيةٍ غير مفهومة : لآ ما نقدر يوسف وقف : ممكن شوي أبيك بموضوع ام مُهرة تُحرجه : قول ما به غريب أمك ومرتك يوسف بجمُود : دقيقتين ماراح آخذ من وقتك أكثر أم مُهرة تنهدَت لتضع يدًا فوق يد على بطنها : مابيني وبينك شي . . يالله مُهرة روحي البسي عباتِتس! هالحين خالتس بيوصل!! أم منصور بتوتر من هذه الأجواء المشحونة : أمشي مُهرة . . . تركوا يوسف لوحده معها ليُردف بحدَة : لا تحاولين تملينها ضدَي!! أم مُهرة : هذا اللي ناقص! بنتي وتحاسبنن! يوسف بغضب : عُمري ما شفت أمك تفكر بهالطريقة! تبين تخرَبين حتى علاقتها معي! أم مُهرة : والله لو أنت محافظـ(ن) عليها محدن بيخرَب علاقتها معك يوسف يُجاري تفكيرها : طيب أنتِ لا تصيرين علينا بعد! مفروض توقفين مع بنتك أم مهرة ببرود : هاتس! . . انا أشوف مصلحة بنتي ماهي عندِك، وفضَها من سيرة حتى يوم حملت مالله كمَل حملها! وواضح انك تبيها من الله!! ماني مجنونة أخلي بنيتي عندكم! يوسف تنهَد : لو أنك تليَنين راسك شويْ وتقولين لنا اللي تعرفينه كان أمور كثيرة أنحلَت!!! أم مُهرة بصوتٍ عالي : يالله يا مُهرة .. أستعجلي يوسف بحدَة : هي يومين وبعدها راح أجي وآخذها أم مُهرة : ارسل ورانا ورقة طلاقها والوجه من الوجه أبيض يوسف : صبرك يا رب! . . محد يجبرني أطلَق حطي هالمعلومة في بالك أم مُهرة بإستفزاز : بس فيه أحد يجبرك تتزوَج! يوسف ودَ لو يقتلها من غضبه الذي بدأ يتراكم في داخله، شتت نظراته ليُهدأ من عصبيته : لا تخليني أحلف ما تطلع من هالبيت!!! أم مهرة وقفت : بيتن ما وراه بركَة وش مجلسني بوه!! .. .. من خلفه : يوسف إلتفت عليها ليُميل شفتِه : الخميس الجايْ راح اكون موجود بحايل وراح ترجعين معي أم مُهرة : لآ حجَن البقر! بلعت مُهرة ريقها من أسلوب والدتها المُحرج بالنسبة لها، لملمت طرحتها بين كفيَها بتوتر وهي تنظرُ إليْه : إن شاء الله أم مهرة بعصبية : وشهو اللي إن شاء الله! مالتس رجعة لهنيَا أبد! بيرسل ورقة طلاقتس والله يخلي عيال خوالتس يجيتس منهم اللي يحفظتس ويصونتس استفزت كل خليَة بجسدِ يوسف من ذِكر أبناء خوالها وهي التي أفشَت له ذات مرَة بحُبها في المراهقة لإبن خالها المتزوَج : والله ماني محترمك لكُبر سنِك! محترمك عشان مُهرة ولا غيره كان عرفت كيف أرَد عليك أم مُهرة : وش ودَك تسوي! لا يكون بتمَد إيدك جعلهن الكَسِر مُهرة : يممه أم مهرة : ووجعا قولي آمين . . مقطعتن قلبتس عليه وهو ما يستاهل ظفر منتس!! مُهرة برجاء : يمه خلاص . . أم مُهرة تنفضُ عباءتها : الله لا يبلانا بس . . نستر هالعالم وبعدها بشين وقواة عين يجون يتهمَونك! . . يارب إننا نعيذك من بلاءهم وفضيحتهم! مُهرة تقدَمت إليها لتُمسك كفَها بتوسَل كبير : خلاص أم مُهرة تسحب يدَها : أتركيني ورآه ما ترضين عليه؟ لا أنا بعلَمه أنه وراتس أهل ماهو يسرح ويمرح ويحسب أنه ماوراتس سند ولا ظهر!! يوسف : وش جانب لجاب!! استغفر الله العظيم وأتوب إليه أم مُهرة : إيه طلَع اللي في قلبك! قل إنك انجبرت وللحين تجامل أخوك ويوم لقيت الحجة طرت لبنيتي وقلت كلمي أميمتتس عشان تنظف الساحة لأخوك وتقول يالله يا مُهرة ما عاد بيننا شي . . مير بنيَتي معززة ومكرَمة ماهو أنت اللي تجي وتطردها يوسف بغضب يصرخ عليها دُون سيطرة على أعصابه التالفة : لا تألفين من مخَك!! .. نعنبا ذا المخ بس!!! مُهرة بلوْم : يوسف!!! أم مُهرة بنبرةٍ تستعطف ابنتها : شايفة! هذا وأنا كُبر أمه يمَد لسانه عليَ!!! مُهرة بضيق : خلاص أجلسي . . وخليني اتصل على خالي أم مهرة : مانيب جالسة في بيتهم . . أمشي طلعينن انتظره بالشارع ولا أنتظره هنيَا مُهرة تنهَدت : يمه وين توقفين بالشارع! خلاص بس أجلسي هالدقيقتين يوسف تمتم : لا حول ولا قوة الا بالله . . بعرف وش مشكلتك؟ . . إلتفت لمُهرة . . قولي لها إذا أنا مقصَر عليك بشي مُهرة أجلست والدتها لتتشوَش بينهما، اقتربت ليُوسف : خلاص يا يوسف لا تزيدها بعد يوسف بهمس : على أساس أنه أمك ماهي مزوَدتها وخالصة أم مهرة : وش تساسر بنيَتي فيه؟ مُهرة تعالي ابعدي عن هالوجه الودر يوسف عقد حاجبيْه ليقترب منها وهو يُخلخل أصابعه بكفَها : بجيك الخميس، أتفقنا؟ مُهرة بإبتسامة تحاول أن تُلطف بها الجوَ الذي يزدادُ توترًا : إن شاء الله على خير أم مُهرة : أنا وش أقول من ساعة! ماعاد نبي نشوفك الا و ورقة الطلاق معك يوسف : إذا مهرة تبي الطلاق أبشري بس إذا أمها اللي تبي والله أنا ماني متزوَج أمها أم مُهرة بحدة : ومُهرة اللي تبي؟ . . صح يا مُهرة؟ مُهرة بربكة شفتيْها : يممه ام مهرة : يا ملا العردز إيه والله لو قلتي ماتبين الطلاق مُهرة كانت ستتكلم لولا يدَ يوسف التي شدَت عليها حتى تمنعها من المجادلة ليأتِ صوته الحادَ : تدعين عليها عشان تنفَذ أوامرك؟ أم مهرة بغضب كبير : أقول أبعد عن وجهي وأنتِ امشي معي خنطلع لا أفجَر فيتس أنتِ وياه يوسف تنهد : عصيبتك ذي تخليني أقتنع أنه فيه شي مخبيته علينا أم مهرة : يا عسى ضلوعك الكسر قل آمين يوم أنك تتهمنِن أنت وأهلك على باطل! يوسف : استغفر الله! أنا ماأتهمتك بس قلت تساعدينا بأمور تهمهم!!! أم مُهرة : إيه كثَر من هالحتسي المأخوذ خيره . . أقول أمشي بس مُهرة سأمت من هذا الجدال الذي لا ينتهي ليتجمَع بكاءها في عينيْها، لفَت طرحتها وبكفَها يتوَسط النقاب، همست : عشان خاطري لا تجادلها يوسف عقد حاجبيْه : طيب . . ، ، منذُ ساعات وهي مستيقظة ولم تتحرَك من السرير، في كل مرَة تتذكرُ ما حصَل بالأمس تعود لبكاءها، تشعرُ بأن ما يحدُث حلمْ! بأنه محض خيالٍ وسينتهي قريبًا. اشتعلت بالحقد المُبرر، مسحت ملامحها الباكية لتقف وهي ترفعُ شعرها المموَج للأعلى، إتجهت نحو الحمام لتغتسِل، وفي كل حركة تتحركها تسقطُ دمعةً تُذكَرها بأن أمرُ نسيانه مُكلَف جدًا، خرجت لتبحث بعينيْها عن ظل أحدهما ولا وجود لهما، نظرت لأسفل الباب، تحديدًا إلى الظرف الأبيض، اقتربت لتُخرج ورقة تابعة لمستشفى تُفيد تحليلٍ يحملُ إسمها البغيض، خبأتها في جيبها لتعُود بهدوء نحو الغرفة، اقترب من الهاتف الثابت وفي بالها تلمعُ فكرَة لا تعلم أيَ غيرةٍ تجعلها تتصرف بهذا السوء، بإنكليزية لا تتقن غيرها : كيف أستطيع مُساعدتك؟ رتيل : أريد أن أستفسر عن نتيجة تحليل عملته صباح الأمس : حسنًا، إذا سمحتِ إسمُك وكنيْتك؟ رتيل : أثير روَاف : لحظاتٍ قليلة . . . النتيجة سليمة رتيل : المعذرة . . هذا التحليل يخص ماذا ؟ : أشتبهتِ بمرض يخص قلبك . . صحيح؟ رتيل بتوتر : آهآ . .. كيف أعرف أن النتيجة سليمة؟ الورقة أمامي ولكن لم أفهمها : تجدين حرف n هذا يعني أنها سليمة في حال كانت الفحوصات سلبية وتُفيد فعلاً أنها مريضة ستجدين i رتيل : شكرًا لك . . . أغلقته لتنظر إلى الرُكام في المكتب الصغير، رُبما تنتمي هذه الغرفة لشقيقته التي بالجامعة، اقتربت لتنظر للطابعة، أخرجتها ليتناثر غبارها حتى سطعت من هذه التُربة، وضعتها لتبحث عن الألوان، فتحتها بهدوء لتجرَب طباعة إحدى الأوراق ولا فائدة، أدخلتها من الجهة الأخرى بحجة أنها أدخلتها بالمكان الخطأ، جرَبت تطبع هذا التقرير لتخرج نسخة جيَدة، سحبت ورقة بشدَة بياض التقرير، قصصت جُزء منه لتكتب القلم الأسود " i " وضعته فوق الخانة المكتوب بها n ثبتتها جيَدها لتضغط على زر التصوير، ثواني بسيطة حتى خرجت نسخة بوضوحٍ تام، ما يدُور في بالها أنها تثير رعبها لا أكثر، تُريدها أن تشعر بإحساسها ليلة الأمس، لتعلم جيدًا أنني كنت أعنيها عندما قُلت أنها لن تهنأ للحظة معه. قطَعت التقرير الأصلي ومعه الورقة الأخرى لتضع النسخة التي طبعتها في الظرف وتُعيده لمكانه أسفل الباب، سمعت صوتُ خُطى قريبة من الباب، هرولت سريعًا لتستلقي على السرير وتُغطي ملامحها بالفراش، حاولت أن تُخفض حدَة أنفاسها المتصاعدة حتى لا يكشف أمرها، هذه الخطوات أعرفها جيدًا، أعرفُ أن صاحبها شخصٌ واحد. دخل عبدالعزيز لتسقط عيناه على الظرف، بلا مُبالاة أخذه ووضعه على الطاولة، أغلق الباب ليتجه نحو غرفته، بحث بعينيْه عنها وأدرك أنها خرجت كالعادة لعملها الذي كان عمله سابقًا، بدأ الصُداع يُفتفت خلاياه خليةٌ خليَة، اتجه لغرفتها ليفتح الباب بهدُوء ويطَل عليها، أطال وقوفه ليُطيل توتر قلبها من أنه خلفها الآن، تجمدَت في مكانها لم تتحرَك ولم تُثير أيَ ضوضاء حولها، عبدالعزيز أدرك أنها مستيقظة ليقترب نحو النافذة، فتح الستائر لتتسلل شمسُ باريس نحوها، إتجه إلى السرير تحديدًا إلى موضع الوسادة : قومي لا تموتين من قلَ الأكل والنوم! رجفة صدرها واضحة من خلف الفراش، أنحنى ليُبعده عنها، أبعدت وجهها الناحية الأخرى : مو مشتهية شي عبدالعزيز بسخرية : يا عُمري أزعلي وضيقي بس صحتك تهمك أنتِ ماتهم أحد غيرك عشان تعاقبين نفسك!! رتيل أستعدلت لتجلس، نظرت إليْه كثيرًا حتى قطع نظراتها برفعةِ حاجبه : مستوعبة اللي أقوله ؟ رتيل تنهدَت بضيق وهي تُشتت نظراتها وتسحب الفراش حتى وصل لبطنها : حتى صوتي صار يزعجني وبديت أكرهه منك! عبدالعزيز ابتسم بشحُوب وملامحه تحكي مآسي وكوارث، في كل مرةٍ يروَض حزنه بإبتسامة وكأنه يتحدَى ثوران هذا البُكاء، يحاول أن يتجاهل حزنه لدقيقتيْن ولكن عينيْه مازالت تهذي : قومي! ولا الحركة صارت تزعجك بعد؟ رتيل : ودَي أعرف بس كيف تفكر!!! عبدالعزيز بتنهيدة مدَ يدِه إليها : قومي ما أبي أكسب ذنبك بعد وتموتين عليَ!!! رتيل بسخرية لاذعة : على أساس أنك كاسب من ورايْ أجر!! عبدالعزيز سحبها بقوَة ليوقفها ، ارتبكت من إرتطام جسدِها به، رفعت عينها إليْه برجفةٍ مُحمَرة وهي تحاول أن لاتقع من هذه القبضة التي من الممكن أن تًصبح سببًا للإغماء. إلهي! يا عزيز كيف لك كل هذه القُدرة بتشكيلي؟ كيف لك كل هذه القدرة بتجاهل ما يحدُث لك بطريقةٍ ما! تُشعرني بالخيبة في كل مرةٍ أنوي بها تجاهلُك ونسيانُ امرك، أستيقظ بنيَة النسيان لأنَام وأنا أجهلُ كيف أنساك؟ أنا التي حلفتُ على تجاهلك، أنسَى حلفي وأستذكرُ أنه لا قدرة ليْ على تجاهلك، مازلت تسيطر على عقلي، وتشغلُ بالي. سحبت نفسها منه ويدَها اليسرى تُلامس عنقها، تشعرُ بأن حرارتها تندلع من قُربه للحظاتٍ قليلة، من خلفها : إلبسي عشان نطلع . . رتيل بجديَة : جد ماني مشتهية، ولا أبي أطلع مكان عبدالعزيز اقترب منها : أنا ما آخذ رايك! أنا أأمرك رتيل بإنفعال : بتطلَعني غصب؟ عبدالعزيز وهو يسير للخارج : أنتظرك . . . رتيل لوت شفتها بغضب، دائِمًا ما يستثيرُ غضبها في كل مرةٍ تراه، لن يمَر يومًا وأراه بسلام دُون ان يُحزنني بكلمة أو بفعل، تنهدَت لتستغرق دقائق طويلة تعمدَت أن تستطيل بها حتى خرجت له. لم يلتفت إليْها، خرج من الشقة لينزل للأسفَل ويسير بجانبها على الرصيف، منذُ وقتٍ طويل لم تخرج! شعَرت بأنها أفتقدت تمامًا " الناس وأصواتهم "، سارَا بصمتٍ لمسافةٍ طويلة أتعبت أقدامها ولكنها لم تحاول أن توقفه، ابتعدَا، مسَك يدَها دون أن يترك لها فرصة للإختيار، عبر بها للشارع الآخر ليتجه نحو مطعمٍ يطل على حديقةٍ شاهقة، لمطعمٍ ريفي بحث بمقاعده المصنوعة من الخشب، جلست والجو البارد يتغلغلُ بها، نظر إليْها : إذا بردانة ندخل داخل! رتيل : لا عادي أتى الجارسون ليستقبله بالتحية : بونسواغ . . عبدالعزيز : بونسواغ . . نظر إليها . . وش تطلبين؟ رتيل بإصرار : قلت لك ماني مشتهية أطلب لحالك عبدالعزيز بإصرارٍ آخر يُفرض عليها حتى أبسط الأشياء التي من حقها أن ترفضها : راح أطلب لك نفس طلبي رتيل تأفأفت لتُثير الريبة بعينيَ الجارسون المنتظر، أعطاها عبدالعزيز نظرةً حادة من شأنها أن تلزمها الصمت وتُشتت نظراتها. أنتهى من الطلب ليعودا لصمتهما، بدأت أصابعه تضربُ الطاولة بخفَة منبهة عن تفكيره المشوَش. علقت نظراتها بأصابعه المتحركة بموسيقية على الطاولة، غرقت هي الأخرى بالتفكير، فداحة ما نرتكبه يعني تمامًا أننا نعيش تحت وطأة الحُب. رفع عينه إليْها لتُشتتها من لقاء نظراتهما : اشتقتِ لأبوك؟ رتيل تخلَت عن الجواب لأنها تدري ماذا يقصد من سؤاله. عبدالعزيز بهدوء : على فكرة ماراح يذبحك الجواب!! رتيل تنهدَت : تسأل سؤال أنت عارف إجابته بس عشان تردَ عليه برَد يستفزني عبدالعزيز : يمكن لأن المصايب جتَ ورى بعض فما عدت استوعب صح! أنا أصلاً بركة من الله أنني للحين بعقلي ما انهبلت رتيل بسخرية : لأنك عبدالعزيز!!! عبدالعزيز بذاتِ النبرة الساخرة : ومين عبدالعزيز؟ رتيل نظرت إلى عينيْه الداكنتيْن اللامعتيْن : دايم كنت أقول ما يهزَك شي! ما يهزَك إني أبكي ولا يهزَك إني أصرخ! ولا يهزَك أيَ ظرف حولك لأنك قدرت تعيش، بس هالفترة بديت تنفجر على أدنى سبب! بديت تفرغ كبتك في كل اللي حولك لكن بالطريقة الغلط عبدالعزيز بجديَة صوته : إحنا كذا نصبر لين الصبَر يملَنا وننفجر . . رتيل : ليه ما انفجرت من البداية ولا خليت هالشي يتراكم عليك! أنت يا عزيز اللي ذبحت نفسك بنفسك! أنت اللي خسرت الحياة من بين كفوفك عبدالعزيز : ما كان عندي طموح أصلاً إني أكسب الحياة عشان أخسرها!! وش كنتِ منتظرة من شخص طالع من فجيعة ويحاول ينساها! من شخص حطوه بين 4 جدران وقالوا له لا تسأل ولا تتكلم! بس نفَذ! . . طبيعي كنت بصبر وبكتم بنفسي لين أنفجر!!! رتيل تنهدَت : هالموضوع يوتَرني لأنك تقهرني فيه عبدالعزيز : أنتِ واثقة فيني يا رتيل! والدليل أنك جالسة قدامي رغم كل اللي حصل . . رتيل بضيق : لأني عارفة أنك مستحيل تأذيني جسديًا . . بس تأذي روحي كثير عبدالعزيز أسند ظهره على الكرسي والجارسُون يوزَع الأطباق على الطاولة، وضع عصير البرتقال أمامها و عصير الليمون أمامه، إلتفت رتيل للخلف بعد ان أنتبهت خلو المطعم من الناس : ليه مافيه أحد؟ عبدالعزيز : وقت دواماتهم محد يفطر الحين! رتيل أخذت كأس الماء لتشرب نصفه، وضعته لتُتمتم : لا إله الا الله عبدالعزيز بصيغة الأمر : إكلي رتيل إبتسمت إبتسامتها التي تُجبر عبدالعزيز على أن يبادلها ذات الإبتسامة : غريب أمرك!!! عبدالعزيز : الشكوى لله! ناقص تقولين إني ماني سوَي . . قوليها لا تكتمينها في داخلك ضحكت لتُردف : تبكيني وتضحَكني وتخليني أبتسم وتخليني أضيق! مين أيش مخلوق عزيز؟ عبدالعزيز : الله يرحمنا برحمته يمكن شياطيني ما تطلع الا بوقت معيَن رتيل بسخرية : إيه شياطينك اللي تقهرني فيها دايم عبدالعزيز فهم قصدها ليغرق بضحكته، منذُ أيام لم يضحك حتى شعر بأن نسي تمامًا صوت ضحكته وشعوره بين ضحكاته : لا تحوَرين الكلام كذا! رتيل بإبتسامة تتلذذ بالتشفي منها بكلماتٍ مبطنَة : ما حوَرته، الله يكفينا شر شياطينك عبدالعزيز : طيب إكلي لا يبرد صحنك رتيل أخذت قطعة الخُبز المربَعة المحشوَة بالجبن لتأكل جزء منها حتى أعادتها للصحن، نظرت لملامحه التي لا تتجه نحو إتجاه معيَن، واضحٌ جدًا الحزن بعينيْه في حين أن إبتسامته تُشعرني بأنه بخير. ثمَة أمر غريب في هذا الإنسان، أمر إستثنائي وغير عادي. عبدالعزيز أخذ نفس عميق لينظر إليها : يكفي تحليلات لعقلك! . . جد رتيل واصلة معي هنا يُشير لرأس أنفه* فما ودَي بعد توصل معي منَك . . عشان كذا حاولي تكونين لطيفة معي لنص ساعة رتيل أبعدت ملامحها للجهة الأخرى وهي تُمسك ضحكتها، ايقنت تمامًا أنه يغضب من هذا العالم باكمله ليأتِ إليَ حتى وإن كان بيننا زعل/غضب/خناق، هذا الشيء يُشبع كبريائي الأنثوي. عبدالعزيز أخذ قطعة الخبز التي تركتها ليأكل من مثل جهتها، لا يدرِي سبب فعله فقط أراد أن يتذوَقها على الرغم من أنها توجد قطع أخرى على طبقه، هُناك أفعال لا ندرِي لِمَ نفعلها، هي مُجرد أفعال بسيطة ولكنها عظيمة بدواخلنا. نظرت إلى شفتيْه التي تأكلُ من جهتها، ضلَت تُراقبه لفترةٍ طويلة حتى نطقت : عبدالعزيز . . كلَم أبوي! أسمعه يمكن عنده أسباب تقنعك عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليُردف : كوْنِك تكونين لطيفة معي هذا مايعني أنك تناقشيني بموضوع ماابي مشورة أحد فيه رتيل بنرفزة : شكرًا على ذوقك . . . عبدالعزيز : العفو ، صعدت الدرج بخُطى مرتبكة بعد أن قرأت الرسالة التي تُخبرها عن وجوده هُنا، هذه الشقة التي قضت بها طفولتها وشبابها، طرقت الباب بخفُوت وفي كل ثانية تمَر يزيدُ إرتباكها وتوترَها، يزيدُها هذا الحنين رجفةً، تشعرُ بأن شيئًا بروحها يكبرُ كفقاعةٍ عملاقة تزيدُ من ربكة صدرها وتخنق صوتها، طرقت كثيرًا وتخاف أن تيأس، أن لا يُجيب مثل المرة الفائتة، تُريد أن تصدَق الرسالة ومن كتبها، مرَت الدقائق ولا ردَ يأتِها، من خلفها : مثل المرة اللي طافت يا غادة!! غادة : لآ أكيد رجع وليد بضيق : طيب ننتظر غادة بدأ الدمعُ يضيَق عليها بحزن من فكرة أن لا تراه : مستحيل يكون اللي كتب الرسالة كذَاب! انا عندي إحساس أنه صدق!! عندي إحساس أنه موجود . . . إلتفتت عليه وهي تُلصق ظهرها بالباب . . . مشتاقة له كثييير وليد : وأكيد هو مشتاق لك . . غادة : طيب ليه محد يفتح لنا الشقة؟ . . خلنا نروح نكلَم الحارس وليد : مستحيل يقدر يعطينا! مافيه أيَ إثبات يخليه يعطينا مفتاح الشقة الإحتياطي!! غادة : طيب أخاف أنه نايم ومايسمع أو أنه موجود لكنه طالع وليد : لو كان موجود كان ردَ عليك غادة بأملٍ يموت بداخلها تدريجيًا : ان شاء الله بيكون موجود . . لو نروح لناصر آ يُقاطعها : غادة! . . واللي يرحم والديك لا تفكرين من زاوية وحدة! فكَري أنه روحتك أساسًا غلط وأصلاً ممنوع بعد! الأهم أنك ترجعين لأخوك غادة بضيق : ياربي يا عبدالعزيز . . . ليتني ألمحه بس!!! ، بكَت كثيرًا، شعرت بأن روحها تُزهق بهذا البُكاء، لا تستطيع أن تتجاوز صوته وهو يقول " أنتِ طالق " مازال يرنَ في ذاكرتها وجسدِها، لم تأكل شيء منذُ الصباح ولم تتحرَك أيضًا، هذه الحقيقة الحادَة تُفقدني شهيتي بالحياة، ليتَك يا سلطان لم تقُلها، ليتَني لم أتحدَث معك ولم تتصِل، أشعرُ بأنني أموت! أموت فعليًا من فكرة هذا الطلاق، نحنُ انتهينا! انتهينا تمامًا! ولكنَي أُحبك! والله أُحبك. لم أشعُر بالأمان إلا من عينيْك ولم يهدأُ روَع هذه الحياة بقلبي إلا بِك، ولكننا مآسآة وقلبُك مآسآة أيضًا، جميعهم يتحدَثون بكوارثٍ تحلَ فوق رأس هذا العالم وأبقى أنا مع كارثة قلبي بلا صوت، بلا حنجرةٍ تربت علينا، أنا أنسلخُ عنك تمامًا يا سلطان وهذا ما يُؤلمني تحديدًا. دخلت والدتها لتنظر إليْها : يمه يالجوهرة وش فيك حابسة نفسك اليوم بالغرفة! لانزلتي تتغدين ولا تتعشَين! . . وش فيك؟ الجوهرة رفعت ظهرها لتجلس، بمُجرد أن جلست والدتها رمَت جسدِها عليه لتعانقها بشدَة وهي تنخرط ببكاءٍ شديد، والدتها : بسم الله عليك! . . يا قلبي هدَي . . وش فيك؟ الجوهرة بإندلاع الحُرقة في جوفها : أحبه يمه . . أحس روحي بتطلع والدتها : يا روحي هدَي تكفين لا تبكَيني عليك!! الجوهرة وتُبلل صدر والدتها بملحِ دمعها : طلَقني! . . أنا الغبية اللي طلبت منه . . . ماكنت أنتظر أنه يطلقني كنت أقول بيقول أيَ كلمة ثانية! ماتوقعته يسويها! . . يممه أحس بموت . . كيف بقدر أعيش بدون لا أشوفه؟ مقدر . . والله مقدر والدتها تمسح على ظهرها : لاحول ولا قوة الا بالله . . . قلت لك اقصري الشرَ وأبعدي هالأفكار عن بالك وماسمعتي كلامي! . . توجعين نفسك بنفسك! . . . الجوهرة : كنت أنتظره يقول أيَ شي! والله كنت أنتظره يقول أيَ كلمة ثانية غير الطلاق . . بس طلقني . . أوجعني والدتها بعُقدة حاجبيْها وملامحها تبكِي من بكاء إبنتها : قولي لا إله الا الله . . قطَعتي نفسك بالبكي الجوهرة : لا إله الا الله . . . . . . . . عُمري ما نجحت بأيَ شي في حياتي! طول عمري أتصرف غلط!!! والدتها : لكل شي حكمة وتقدير الجوهرة ببكاءها الذي يجعلُ ريَان القريب من الغرفة يقفُ متجمدًا من هذا الأنين المؤذي لروحه : أقري عليَ يممه والدتها ضاق صوتُها بالبكاء : الجوهرة لا تسوين كذا في نفسك الجوهرة برجاء وجسدُها يرتجف بصورةٍ غير طبيعية : أقري عليَ . . . أحس قلبي يرتجف معي والدتها بصوتها الباكي : الذين قالوا لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمةِ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءً واتَبعوا رِضوان الله والله ذو فضلٍ عظيم، إنما ذَلِكم الشيطان يخوَف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين . . . . . الجوهرة. . الجوهرة تُغمض عينيْها بسكينة جوارحها الباكية وهي تهذي به، وصلت لمرحلة تفقدُ بها الوعي تدريجيًا وأنفُها ينزف بمشاركةٍ تامة مع بكاءها : ما غلطت! هو مقدر يساعد نفسه صح! . . . ليه أحمل ذنب ماهو ذنبي؟ ليه أعيش وأنا مالي أيَ ذنب في اللي صار؟ مو أنا اللي قلت يا . . والدتها تُقاطعها بهمس : أششششش! خلاص نامي يا عُمري الجوهرة بصوتٍ متقطَع : هو يدري إني أبيه وأحبه . . . هو يدري أني ما أعرف كيف أعيش بدونه! بس هو اللي يخليني أكابر يا يمه . . والله هو اللي يخليني كذا والدتها : الجوهرة يا عيني يكفي! . . كل الناس تتزوَج وتتطلق وترجع تتزوَج! ماهي مُشكلة أهم شي أنتِ وراحتك الجوهرة دُون أن تفتح عينيْها تشعرُ بالدماء التي تسيلُ من أنفها ولكن تتركها حتى تُثير العزاء على ملامحها : يمه والدتها : يا عيونها الجوهرة : ماأبي أفقده والدتها تسيلُ دمعتها الحارِقة لوجنتيْها من صوت إبنتها الذي يضيق شيئًا فشيئًا، لا تحتمل أن ترى الجوهرة بهذا الوضع الحزين الباكي، هذا الوضع الذي لم تشهدهُ منذُ سنة، منذُ زواجها من سلطان. كان يقاسمني نفسي، كان يحلُ محلَ روحي، وفقدتهُ يالله! وفقدتُ معه نفسي، تعبت من هذا الكبت الذي يجعلني أغصَ بالكلمات دون أن أقولها لأحد، تعبت من قول " أنا بخير " وأنا والله لستُ بخير، قلبي يرتجف وعينايْ تؤلمانني! لستُ بخير أبدًا أشعرُ وكأني أمرَ بإحتضارٍ ما، ومعدتي أم طفلي هو من يُثير الغثيان بداخلي؟ كل شيء يبكِي معَي حتى وظائفي الطبيعية في جسدي تفقدُ مرونتها، أمرَ في أسوأ مرحلة من حياتي، حتى تُركي لم يفعل بي كل هذا الوجَع، ولكنهُ السبب! أكرهك، أكرهك بصورةٍ تجعلني أشمئز من إسمك إن مرَني، أريد أن أفرح يالله، أُريد أن تردَني إليك لأفرح بقُربك وأكتفي بك. ردَني يالله إليك ردًا جميلاً. في جهةٍ أخرى تراجع ريَان ليدخل لجناحه وعقله مشوَش ببكاء الجوهرة وكلماتها المهتَزة وغير المفهومة، يخشى أن أمرًا حدث بسلطان ولكن لو حدث شيئًا لعلِم أبي أولاً، هُناك أمرٌ ما تُخبئه خلف بكاءها، كنت أدرك أن ثمَة أمرٍ يجري منذُ أن بكت أمامي عندما سالتها. ريم : رجعت؟؟؟ ريَان تنهَد : إيه كنسلت الروحة ريم عقدت حاجبيْها : ليه؟ ريَان : كِذا غيَرت رايي ريم تجلسُ بجانبه : عيونك تقول شي ثاني ريَان بضيق : ريم!! قلت غيَرت رايي ريم : طيب خلاص لا تعصَب!!!! ، ، تدندن بصوتها الناعم وهي تقضمُ أظافر كفَها من الإنتظار، في كل لحظةٍ يتأخر بها يزداد توترها وهي التي جهَزت العشاء من أجله، وتخشى من جو الرياض الذي يبدُو أنه سيخرَب السفرة التي صنعتها ووضعتها في الحديقة، من خلفَها أمتدَت باقة الورد البيضاء لتحجب عنها الرؤية تمامًا سوى من النظر إلى هذا الورد : آسفين على التأخير هيفاء إلتفتت عليه بإبتسامة وهي تتأمل الباقة، أخذتها من بين كفيَه : نطرتني! بس معليش فيصل يتأملها من فوق لتحت بنظراتٍ تزيدُ من حُمرة جسدِها الذي ينبضُ بالربكة : . . عشان ما يبرد الأكل أكثر خلنا نجلس فيصل بعفوية كلماته المندفعة بشغف : يسلم لي قلبك وش هالأكل اللي يفتح النفس هيفاء : الله يسلمك . . جعله عافية فيصل بإبتسامة : بديت أحب حديقتنا وأحس إني عايش برا الرياض هيفاء بمثل إبتسامته : أصلاً حديقتكم حلوة وجو الرياض هاليومين حلو بعد . . فيصل : لأنِك فيه هيفاء شتت نظراتها لتأخذ نفس عميق يستوعب هذا الغزل الصريح، بلعت ريقها لتشرب من كأس العصير البارد الذي يأتِ بوقته، كل ما فيها ينبضُ بالحرارة. فيصل : إيه وش سويتي اليوم ؟ هيفاء : أبد جلست مع خالتي وريف وبعدها حضَرت العشا فيصل : بس؟ هيفاء بضحكة : ولا قرأت كتب ولا شي فيصل : أصلاً كان واضح من عيونك أنك مو يمَ القراءة هيفاء : بس والله إني أحاول! يعني انتظر عليَ شويَ وبقرأ رواية البؤساء حقتك اللي من ظ¨ظ ظ صفحة فيصل بإبتسامة : لا تجربين نفسك على شي ماتحبينه هيفاء : يعني هو ماهو موهبة عشان أجبر نفسي عليها! بالنهاية القراءة أساس ومنهج حياة لازم كلنا نقرأ فيصل ضحك ليُردف : الله! يخي عندِك حكم بس مافيه تطبيق هيفاء بخجل : قلت لك أنتظر عليَ شوي وبيجيك التطبيق . . فيصل : خلاص أنا بإنتظار هالتطبيق رنَ جرس البيت في وقتٍ يُثير الإستغراب، هيفاء إلتفتت : مين جايَ هالوقت؟ فيصل وقف : أنا رايح أشوف . . . إتجه للداخل ليخرج من جهة مجلس الرجال، فتح الباب وقبل أن يُكمل فتح الباب أنغرز السكينُ ببطنه، حاول أن يرفع عينه ليرى من الذي طرق الباب ولكن لا قُدرة له، سقط على ركبتيْه وهو يضع يدِه فوق مكان الجرح، شعَر بأن روحه تغصَ في حلقه، يشعرُ بطعم الدماء تجري على لسانِه، تبلَل بأكمله بالدماء المتوَهجة، لم تخرُج " آه " واحِدة يستدلُ بها أحدًا عليه، صدمتُه جعلت صوتِه يقف متجمدًا هو الآخر، حاول أن يُنادي أحدًا ولكن لا مجال أبدًا، الألم يتمكَنُ منه والحُمرةِ تصعدُ لعيناه، تصعدُ لمجرى أنفاسِه، سقط على رأسه بقوة حين فقد إتزانه على جسدِه الذي يفقدُ دماءً بكثرة، حاول أن يهمس بالشهادة ولم يُكملها : أشهدُ أن لا إلـه إلا الله و . . . . ، إتجهت إليه مهرولة بسرعة لتعانقه بشدَة وهي تستنشقُ رائحته بحنينٍ كبير، لو تدرِي كيف يفعلُ غيابك فيَ؟ كيف أقف بلا هويَة بمُجرد أن تغيب عنَي يا أبي! أشعرُ تمامًا باني أنصهر في كل لحظةٍ لا تأتِ عيناك بها، أشتقتُ إليْك! أشتقتُ بصورة مروَعة تُخيفني والله، وكل حياةٍ لا تأتِ بك لا أريدها، كل أرضٍ من بعدِك منفى، أود لو أنني لا أنفَك عن عناقك أبدًا، يالله لو تعلم أنني نادمة على كل لحظة أزعجتُك بها على أمرٍ تافه، نادمة على كل لحظة فاتت منَي دُون أن أرى إبتسامتك، يا أغلى ما أملك في هذه الدنيا. عبدالرحمن يُقبَل رأسها كثيرًا وهو يُكرر حمدِه بصوتٍ واضح مبتهَل : الحمدلله ياربي لك الحمد عبير همست بصوتها المبحوح بالبكاء : اشتقت لك كثييير واشتقت لرتيل وضيَ عبدالرحمن : كلنا اشتقنا لك . . أبعدها قليلا لينظر لملامحها الشاحبة، مسح دموعها بكفيَه ليبتسم إبتسامةً فقدها منذُ مدَة : أحس إني ملكت هالدنيا بشوفتك عبير نزلت دمعتها الناعمة لتُعانقه مرةً أخرى بشدَة، رفعها عن مستوى الأرض بضحكة : نزل وزنك كثير عبير أغرقتهُ بقبلاتها، قبَلت رأسه وجبينه كثيرًا لتُردف بفرحة : يا عساني ما أبكيك عبدالرحمن : ولا أبكيك يا بعد عيني، تلقين ضيَ تنتظرنا الحين . . . غلغل أصابعها بكفَه ليسير متجهًا نحو البيت الخشبي، فتح الباب لتلتفت ضي الواقفة بتوتر، أتسعت إبتسامتها برؤية عبير، تقدَمت إليها لتعانقها بشدَة توازي شدَة الشوق إليْها ولوجودِها بينهم. عبدالرحمن أخذ نفس عميق من الراحة، بإبتسامة إلتفتت : وين رتيل؟ عبدالرحمن بهدوء : مع عبدالعزيز! بتشوفينه قريب إن شاء الله . . اهم شي الحين ترتاحين يا أبوي أنتِ . . أنا عندي شغل ضروري وماراح أتأخر ، جلس بدهشَة وهو يسمعُ صوتِه الذي يأتِ بشكل لطيف أكثرُ مما يجب : والله؟ رائد : إذا تقدر هالأسبوع سلطان بضحكة مستفزة : طلبك مرفوض رائد بهدوء : أظن التفاهم بيفيدك أكثر من أنه بيفيدني!!! سلطان : غلطان!! لأن الحين أنتم كلكم مكشوفين ومسألة نهايتكم مسألة وقتية لا أكثر! يعني التفاهم ماراح يفيدني شي رائد بإستفزاز : أجل شكلي بحوَل على عبدالرحمن سلطان : واضح أنه المفاهيم مختلطة عندِك! اللي ارفضه انا يعني عبدالرحمن رافضه! كلنا واحد رائد : أجل أنت الخسران يا سلطان! وأنت فاهم قصدي زين سلطان بضحكةٍ تُثير الغضب في نفس رائد : يا سلام! تهددني بطريقة واضحة بعد!! رائد : قبل كان عندِي شخص أخاف أخسره لكن الحين ماعاد عندي شي أخاف أخسره لذلك تحمَل وش بيجيك سلطان توقف عندما نظر لورقة الفاكس التي تجيء إليه بطريقةٍ جذبت عينيْه، قرأ بدهشَة/صدمة/رهبة/إستغراب رائد بنبرةٍ متوَعِدة : أظن المصلحة صارت متبادلة! ولا انا مستعد أحرق كل اللي ورايْ وقدامي وأحرقكم معي!!! سلطان يقف وعيناه تكاد تسقُط من النظر بطريقةٍ تغرز الصدمَة فيه : لا تقولي إنك . . . . . ، يسيرُ على الرصيف بجانبِ رتيل متجهًا لشقته في وقتٍ كانت غادة واقفة أمام الباب تنتظره : خلنا ننزل شكله ماهو موجود!! في كل خطوةٍ تخطوها للأسفل كانت هُناك خطوة أخرى يخطوها عبدالعزيز للعمارة المنزويَـة . . . . . أنتهى |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة () رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! ( الجزء 77) " اللهم أصلح أحوالنا و احفظنا من الفتن " المدخل لـ عُمر أبو ريشة :"" قــفي ، لا تــخـجـلي مـــنـي فما أشقاك أشقاني كـــــلانا مــــرَّ بالـنــعـمــــــى مــرور المُتعَبِ الواني وغـــادرها .. كومض الشوق في أحـــــداق سكرانِ قــــفــي ، لن تسمعي مني عتاب المُدْنَفِ العاني فـــبــــعـــد الـيوم ، لن أسأل عـن كأسي وندماني خــــذي مـــا ســطـــرتْ كفاكِ من وجــــدٍ وأشجانِ صــحـــائــفُ ... طالما هزتْ بـــوحيٍ مـــنك ألحاني خـــلـــعـــتُ بــهـا على قدميك حُـلم العالم الفاني! لـــنـــطــــوٍ الأمـــسَ ، ولنسـدلْ عــليه ذيل نسيانِ فإن أبـــصـــرتـــنـــي ابــتـسمــــي وحييني بتحنانِ وســـــيـــــري ، ســــيـــر حــــالـمــــةٍ وقــولي .... " كان يهواني " رائد : قبل كان عندِي شخص أخاف أخسره لكن الحين ماعاد عندي شي أخاف أخسره لذلك تحمَل وش بيجيك سلطان توقف عندما نظر لورقة الفاكس التي تجيء إليه بطريقةٍ جذبت عينيْه، قرأ بدهشَة/صدمة/رهبة/إستغراب رائد بنبرةٍ متوَعِدة : أظن المصلحة صارت متبادلة! ولا انا مستعد أحرق كل اللي ورايْ وقدامي وأحرقكم معي!!! سلطان يقف وعيناه تكاد تسقُط من النظر بطريقةٍ تغرز الصدمَة فيه : لا تقولي إنك تدري وتتصرف بغباء عشان سليمان !!! رائد بتنهيدة مستفزة : شي يقهر صح؟ واحد من أعظم الأشخاص اللي غيَروا المجال الأمني للأحسن يشتغل بعيد عن عيونكم؟ وأكون انا داري!! سلطان بلع ريقه، يفقدُ كل خياراته بهذه الحياة، مصدوم! وهذه الكلمة وحدها من تشرح نظراته في هذه اللحظات. رائد : آخر قرار لِك يا سلطان؟ سلطان بنبرةٍ متزنة ترتفع للغضب : تعاون لو مرَة! مو عشاني عشان أرضِك!!! رائد : قرارِك؟ سلطان بحدَة : رائد! عشان وِلدك . . أنت عارف إني مهما عطيتك الفرصة راح ألاحقك! والله طول ما أنا حيَ ماراح أخليك ترتاح بشغلك وخرابيطك!! رائد بإستفزاز : أبي أسمع قرارك؟ . . الليلة راح أقلب دنيتكم كلها وقلت لك ماعندي شي أخسره! تنهَد بضيق : عطني مُهلة وأرَد عليك رائد بإبتسامة تتسع لإنتصاره الذي يأتِ مدويًا : بإنتظارك . . . أغلقه سلطان يضربُ الطاولة بقدمِه، تشتَد عروقِه الغاضبة من فكرة أن شخصًا بمثابة الوالد لهم جميعًا يعمل دُون علمهم. هذا الشخص الذي علَمنا التعاون غادر ليتصرف مثل ما يُريد، هذا الشخص الذي كُنا أكثر الناس حُزانى على تقاعده لم يُقدَر وجودنا! أيَ خيبةٍ أستقبلها الآن؟ أيَ حُزنًا يصِل لمسامعي وأقرأه؟ أقسى ما تعلمتُ في حياتِي كان بعهدٍ راقبني به، وأقسى ما صفعتني به الحياة تأتِ منه الآن، كيف يفعلُ بنا كل هذا؟ كيف يُشتتنا طيلة الفترة الماضيَة التي أمتدَت لسنة وأكثر بـ وهم؟ في وقتٍ كان يملك به الحقيقة، يالله كُن معي! يالله هذا الهمَ يهدَني!!! خرج من مكتبه بخُطى تجذب الأنظار إليه بتوجَس، دخل لمكتبِ أحمد الذي وقف سريعًا : حوَل لي على مكتب باريس بسرعة! أحمد بربكة يضغطُ على الأرقام ليتصل عليهم، أجاب محمد الذي يُرافق عبدالرحمن بعمله هُناك : ألو أحمد يمدَ السماعة لسلطان : عبدالرحمن عندِك؟ محمد : لا بس على وصول . . سلطان بكلماتٍ تندفع من صدره الذي يضطرب بأنفاسٍ متسارعة : عبدالعزيز وينه؟ عرفتوا مكانه!!! محمَد : إيه بشقته لكن مقدرت أقول لبوسعود عشان آ يُقاطعه سلطان : تسمعني زين! عبدالعزيز ما أبيه يكون الليلة في شقته و شُوف لي غادة أخته وينها بالضبط! ماأبي أيَ أحد منهم يكون موجود في باريس! و بس يوصل بوسعود تخليه يتصل عليَ ضروري . . محمد : إن شاء الله سلطان نظر لعبدالله الذي يصِل وتتضح على خطواته العجل، مدَ السماعة لأحمد ليقترب منه. عبدالله : وش صار ؟ سلطان إبتسم بسخرية : أنت أكتشف المصيبة بنفسك . . عبدالله : تكلَم سلطان لا توتَرني! سلطان تنهَد ليسير متجهًا ناحية مكتبه ومن خلفه عبدالله، أخذ الورقة ليمدَها لبومنصور، وقف لتتجمَد عيناه عند الإسم المذكور، نظر بعدم إستيعاب ليرفع عينه ناحية سلطان : وش ذا ؟ سلطان بغضب : أنت اللي فهمَني! هالشغل بوجهي أنا! بكرا لو أخطيت خطأ واحد ماراح يقولون فلان ولا فلان بيقولون سلطان! . . ودي أعرف بس ليه يسوي فينا كذا! ليه يخلينا نضيَع وقتنا على شي أوهمنا فيه!!!! عبدالله : طيب أجلس وأهدأ سلطان بصراخ : ماني هادي! لا تقولي أهدأ وتجنني! لو كنت مكاني ترضى شخص يشتغل بملفات مفروض إحنا أعلم منه فيه ؟ والحين رائد ببساطة صرت جدار قدامه ويهددني بدون لا يحسب أيَ حساب لكلامه! عبدالله بهدوء : سلطان سلطان يجلس وهو يزفرُ غضبه ليُردف : يتصل بكل قواة عين ويجبرني أتصرف مثل ما يشتهي! عشان فيه ناس ما تفكَر تعلَمنا معلومة بسيطة ممكن تحلَ لنا كل هالمشاكل! عبدالله : أكيد ما تصرف بكل هذا الا لسبب سلطان بسخرية : طبيعي بتدافع عنه! عبدالله الذي يفهمُ ما يرمي عليه : أتمنى بس إنك ما تقصد شي بكلامِك! سلطان : الا أقصد! أنتم الأربعة كنتم تحاولون تبعدوني! والحين . . يُقاطعه عبدالله بحدَة : كنت داري إنك مستحيل تنسى أشياء صارت وأنتهت لأني أفهمك يا سلطان! وأفهم كيف تشيل بقلبك!! بس لعلمِك مهما كنَا ضدِك مستحيل نسوي شي على حساب الشغل!! سلطان أخذ نفس عميق ليُردف : أنت تشوف انه اللي صار عادي؟ عبدالله : قلت لك! أكيد فيه سبب مقنع يخليه يتصرف بهالطريقة، هذا التصرف مو بس بوجهك! بوجه عبدالرحمن بعد سلطان : مهما كان السبب مفروض ندري عبدالله يقترب منه : ما تلاحظ أنه قاعد يمشي عليك مبدأ كما تُدين تدان سلطان إبتسم من شدَة قهره ليُردف : بالمناسبة أنا أدفع عمري كله ولا يصير بعبدالعزيز و غادة شي!! يوم تصرفت بموضوعهم بهالطريقة ما كان عندِي خبر! كنت مصدوم مثلي مثل غيري! جاني مقرن الله يرحمه وقالي عبدالعزيز ما يدري عن غادة! وش كان مفروض أتصرف بوقتها؟ تبيني أروح لعبدالعزيز وأقوله والله أختك بالمستشفى روح لها وأخلَي الكلاب يدرون ويخلصَون عليهم! . . . لا تحمَلني فوق طاقتي وتتهمني!! لو عبدالعزيز كان مع أخته وكمَلوا حياتهم بباريس الله أعلم وش بيصير فيهم! أنا تصرفت بالطريقة اللي تناسب الوضع والكل وقتها كان يجمع على قراري! ماتصرفت من مخي وقلت والله عز ما يشوف أخته!!! عبدالله : أنت أعصابك تعبانة يا سلطان و . . يُقاطعه سلطان : هذا أنتم اذا ما لقيتوا شي قلتوا والله أنت تعبان يا سلطان و أنت مو في وعيْك و أنت وأنت وأنت . . . يخي فكَوني شويَ! . . . عبدالله ينظرُ إليه بدهشة من إنفعالاته الصاخبَة : بس ترجع لعقلك أتصل عليَ . . . وخرَج ليترك سلطان بضميرٍ يؤنبه على إنفعاله بوجهِه، أخفض رأسه وعيناه على أقدامِه، يغرقُ بالتفكير المُشتت، مئة موضوعٍ يتداخلُ بعقله، لا يدرِي بأيَ إتجاهٍ يذهب، بأيَ طريقٍ يتوجَه. سمع طرق الباب لينطق : تفضَل دخل أحمَد ليمَد الهاتف إليْه : ألو عبدالرحمن : يا هلا . . . وش صار؟ ما فهمت من محمد شي سلطان : كلمني رائد عبدالرحمن بصدمة : نعم؟؟؟؟؟ سلطان : و هددني عبدالرحمن : هددَك بأيش؟ سلطان : بمين يا عبدالرحمن؟ أكيد بعبدالعزيز . . قلت لمحمد يخفيهم عن باريس! . . عبدالعزيز بروحه صح؟ مع غادة؟ عبدالرحمن بضيق : لا معاه بنتي سلطان تنهَد بقهر ليضرب بكفَه على الطاولة : ليه يا عبدالرحمن! ليه تركتها عبدالرحمن بعصبية : كأن الموضوع بإيدي، أنت شايف على كم شخص جالس أتعامل! أقطَع روحي ولا وش أسوي؟ سلطان صمت لثواني ليُردف : طيب بما أنه الصور جتَ لمكانكم عند عبدالعزيز هذا يعني أنهم يعرفون المكان، عبدالرحمن لازم تطلع منه بسرعة . . أنا إنسان مقدر أتفاهم مع رائد بأسلوب تهديده، أبي أتطمَن عليكم عشان أتصرف معاه عبدالرحمن : وش طلب ؟ سلطان : أنت وش تتوقع؟ . . لحظة لحظة خلني أقولك المصيبة الثانية عبدالرحمن : الله يثبَت العقل فيني هذا كل اللي أقوله سلطان يقرأ بقهر/بضيق/بحسرة/بحزن : اللي ورى كل هذا . . . . ، وضعت يدها تحت خدَها ويدها الأخرى تطرقُ بالشوكة على الصحن مُصدِرة رنين مُزعج يعبَر عن إنتظارها، نظرت للطعام الذي بدأ يبرُد من برودة الأجواء ليلاً في الرياض، أخذت نفس عميق لتقف وهي ترمي الشوكة بقهر على الطاولة، سارت متجهة للداخل لتبحث عنه بعينيْها، خافت أن تطَل و يكُون واقف مع صديقٌ له أو رجلٍ آخر ويغضب، تأفأفت كثيرًا وهي لا تسمع صوتًا يصدرُ من الفناء الأمامي للمنزل، أغلقت الأنوار لتتجه نحو النافذة المُغطاة بالستائر، سحبتها قليلاً لتتجمَد عيناها على قدمِه، وحدَها هي الظاهرة ولا ترى شيئًا غيرها، مشَت بخطواتٍ سريعة للخارج لتسحب شهيقًا دون زفير، لم تستطع أن تزفُر أبدًا وتتنفس بصورةٍ طبيعية، نظرت للدماء التي تغرقُ بأقدامها ليرتجف جسدَها بأكمله، لم تعرف كيف تصرخ أو حتى تُنادي أحدًا، اقتربت قليلاً لتجلس على ركبتيْها بجانبه، همست برجفة بالغة : فيصل . . . فيييييصل . . . لا ياربي . . . . وضعت يديْها على يدِه لتغرق كفَها بدماءِه، وقفت مبتعدَة، خافت أن تراه والدته، خافت خوفًا لم تخافُه بحياتها أبدًا، ركضت للداخل لتمسك هاتفها وهي لا ترى بوضوح بسبب دمعها الذي يغرقُها تمامًا، إتصلت على يوسف أول رقمٍ سقطت عيناها عليْه، تمَر ثانية تلو الثانية ولا يُجيب، أبتهلَ قلبُها بالدعوات، يالله كُن معي، يالله أحفظه. أتى صوتُه الهادىء : ألو هيفاء ببكاءٍ مرتجف لم تستطع أن تقول جملة مفيدة . . فزَ يوسف من مكانه ليخرج بعيدًا عن أنظار والدتِه و منصور : هدَي قولي وش فيك هيفاء : فيصصصل يوسف : وش فيه؟ هيفاء ببكاء : تعاال بسرعة . . ما أعرف وش أسوي . . تكفى يوسف أخاف يموت يوسف ارتجف قلبه من " يموت " : جايَك . . . أغلقه . . . عاد للمجلس لياتِ صوته المضطرب : منصور تعال منصور رفع حاجبه : وشو؟ يوسف بغضب : تعال وأقولك منصور : تعال أضربني بعد!!! يوسف برجاءِ عينيْه : طيب تعال شويَ منصور ترك عبدالله الصغير في حُضنِ والدته ليذهب معه، خرجَا من البيت ليلتفت عليه منصور : وش فيك؟ يوسف : مافهمت شي من هيفا بس شكل فيصل صاير له شي تقول لا يموت ومدري ايش . . . أتصل على الإسعاف على ما نوصلهم منصور بدهشة : اللهم اجعله خير . . . ركب السيارة ليسير يوسف بسرعةٍ جنونيـة حتى يصِل قبل أن يتفاقم الوضع وعينيْه تدعُو معه أن لا يحدث أمرًا سيئًا. منصور وهو يتحدَث بهاتفه : إيه حيَ الأندلس . . يوسف هو أيَ شارع؟ يوسف : شارع الأمير محمد منصور : شارع الأمير محمد . . . شكرًا لك . . أغلقه يوسف تنهَد عندما وقف للإشارة القريبة من منزل فيصل : يارب منصور : راح نوصل قبل الإسعاف . . . يوسف أطلع من الرصيف بتنتظر كل هذا يوسف بضيق كان سيتجاوز الرصيف لكن أضاءت الإشارة باللون الأخضر، في ظرفٍ دقيقتين ركن السيارة أمام الباب المفتوح قليلاً، أغلق سيارته على عجل ونزل مع منصور، دخل لتتجمَد عيناه دُون أن ترمش على منظر الدماء، منصور إرتجف قلبه لينطق : حسبي الله ونعم الوكيل يوسف بخطواتٍ سريعة إتجه لهيفاء القريبة حتى يقف أمامها ويمنعها من النظر، سحبها إليه لتبكي على صدرِه وهي تُبلل ثوبه بدموعها المختلطة بالكحل الأسود. يوسف : إن شاء الله مو صاير له شي . . الإسعاف بتجي الحين . . . هيفاء بأنينها الذي يتحشرج بصوتها : أحس قلبي بيوقف . . يوسف : بسم الله عليك . . . سار معها ليدخل إلى الداخل، بصمودها الذي ينهارُ شيئًا فشيئًا، كانت ستسقط على الأرض لولا ذراعيَ يوسف التي تُحيطان بها، جلس معها على الأرض البارِدة والتي تُناقض حرارة الرجفة بأجسادهم : هيفاء طالعيني . . مو صاير الا كل خير إن شاء الله . . . هيفاء بإنهيارٍ تام : كان زين والله كان زين . . . دقَ الجرس وراح وبعدها ما رجع . . ما رجع يا يوسف . . مارجججع . . . كررت كلمتُها كثيرًا وهي تبكِي بشدَة توازي شدَة الخوف التي تدَب في صدرها. يوسف يمسح دموعها بكفيَه وهو ينظرُ إليها بحزنٍ بالغ، يشعرُ بخبرٍ سيء سيأتِ ولكن لا يُريده أن يأتِ، يُريد أن يكذَب توقعاته، مسك كفيَها ليضغط عليهما : استغفري . . كرري الإستغفار وتفرج من عنده هيفاء نظرت إليه نظرة قتلت يوسف تمامًا، يوسف شتت نظراته بعيدًا عنها ليعقد حاجبيْه، سحبها إليه لتضع رأسها على صدرِه، قبَل رأسها وأطال بقُبلته ليقرأ عليها بصوتٍ تحشرج من أفكاره السيئة التي تعبثُ بعقله، قرأ عليها آيات السكينة التي يحفظها ويُكررها عليْها : و قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيَكُمُ التابُوتُ فيه سَكينةٌ من ربَكم . . . . . و قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيَكُمُ التابُوتُ فيه سَكينةٌ من ربَكم . . و قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيَكُمُ التابُوتُ فيه سَكينةٌ من ربَكم . . . . ثم أنزَل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . . ثم أنزَل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . ثم أنزَل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . . . إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَدهُ بجنودٍ لم تروْها . . . . إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَدهُ بجنودٍ لم تروْها خذلهُ صوت ليصمت على صوتُ الإسعاف الذي يغزُو مسامعهم في هذه اللحظة، هذه المرَة لم يدعُو لفيصل وحده، كان قلبه يدعو أن لا يصل الصوت إلى والدة فيصل، سكنَت حواسُ هيفاء ومازال الدمعُ يعبرُ خدها بإستسلام. يوسف : بيطمَنا منصور إن شاء الله . . . قومي نجلس داخل . . . وقف ليشدَها معه وهو يثبَتها بذراعه التي تحيط كتفها من الخلف، جلس في الصالة التي تحتوي على الجلسةِ الشرقية الأرضية، سحب جِلال الصلاة ليجعلها تستلقي وتضع رأسها على فخذِه، غطَاها وهو يُجاهد أن يجعلها تنام حتى لا يضطرب قلبها بالإنتظار كثيرًا. سكَن صوتُها ولكن قلبها لم يسكُن بعد، " يالله ارزقني الصبر، لا طاقة لي بتحمَل كل هذا، أشعرُ بأن أجزاءً مني تنشطر، مازالت إبتسامته قبل ساعة تُضيء عيني بالدمع، مازالت هيئته الصاخبة تحضرُ في عقلي، يالله على صوتُه الذي لا يُريد أن يفارق مسامعي! للتو شعرتُ بأن هناك أهدافًا بحياتي، للتو وضعتُها بقائمة أولَها فيصل ونهايتها فيصل، إلهي أرجوك! أرجوك! أرجوك . . احفظه " في الجزء العلوي من المنزل كانت نائمة بسكينة لم يُحرَكها صوت الإسعاف أبدًا وريف الصغيرة تنامُ بحضنها، منذُ فترةٍ طويلة لم تنام ريف مع والدتها، نامت هذه الليلة وذراعِ أمها هي من تُغطي جسدِها الصغير، تحرَكت ريف قليلاً لتفتح عينيْها بهدوء نظرت للسقف المظلم لتلفَ جسدِها الناحية الثانية وتُغطي وجهها بصدرِ أمها، غرزت أصابعها الناعمة في جسدِها وهي تتمسكُ بوالدتها : ماما دُون أن تفتح عينيْها والدتها شدَتها إليْها وهي تشعرُ بحركاتها لتهمس : يالله ماما نامِي ريف بركاكةِ الحروف التي تنطقها : بروه لفيصل والدتها : هُم نايمين الحين غلط نزعجهم صح؟ . . يالله نامي وبكرا الصبح تشوفينه ريف : و هيفا ؟ والدتها : هي نايمة بعد . . يالله ريف حبيبي نامي ريف بضجر : راح النوم والدتها تنهدَت لتفتح عينيْها : غمضي عيُونك و فكري بأشياء حلوة ويجيك النوم ريف : مثل وشو ؟ والدتها : فكري بالملاهي لمَا يوديك فيصل . . فكري لمَا تلعبين مع صديقاتك و لمَا تطلعين . . تذكَري هالأشياء وغمضي عيونك ريف ابتسمت بشغف لتُردف بعد ثواني قليلة من إغماضها لعينيْها : أنا و أنتِ و بابا والدتها : بابا راح للسما عند الله ريف : إيه لأن السما أحلى من الأرض و بابا لأنه قلبه حلو لازم يروح للسما . . كِذا يقول فيصل والدتها بإبتسامة : صح ريف : بعدين صار فيصل بابا . . ولمَا أنتِ ماما تروحين للسما أنا بصير ماما والدتها اختنقت من ذكرى هذا الزوج، ضاقت محاجرها لتغرق بالدمع، أكملت ريف بما تحفظه من كلمات فيصل : بعدين يصير لنا بيت كبيييير كبيير في . . أيش إسمها ماما؟ اللي هناك عند الله؟ والدتها بصوتٍ متحشرج : الجنة ريف : إيوا هناك إحنا عندنا بيت فيه أنا لمَا أكبر و أنتِ ماما و بابا و فيصل . . بنجيب هيفا؟ عادي؟ والدتها لم تستطع الرد، نزلت دموعها بلا توقف، ريف : بروح لهيفا بقولها شي وأرجع على طول والدتها بلعت غصَتها : لا ماما بكرا تقولين لها . . يالله نامي عشان تصحين بدري وتفطرين وياهم ريف بعد صمت لدقائق : ماما والدتها : هلا ريف : متى نروح للسما؟ والدتها : ما أعرف يا ماما! بس إن شاء الله بنروح للجنة ريف : بابا بروحه؟ ما يخاف؟ والدتها أرهقتها هذه الأسئلة التي لا تعرفُ لها جواب : إحنا معاه . . وش قالك فيصل؟ ريف : قال لمَا أشوف عيونك ماما أشوف بابا لأن انتو الكبار . . ناسية وشو قال والدتها تضمَها أكثر لتُردف بصوتٍ تنام به السكينة : قال لمَا نشتاق للناس اللي راحوا للسما نروح نشوف عيون اللي يحبَونهم . . لأن اللي يحبونهم يحفظونهم بعيونهم . . وأنتِ يا ريف تحفظين بابا في قلبك وعيونك صح؟ ريف رفعت رأسها : أنتِ تشوفيني لمَا تبين تشوفين بابا ؟ والدتها : لمَا أبي أشوف بابا أصلي يسيرُ على الرصيف بجانبِ رتيل، تبقَى شارِعان لتجاوزه والوصُول للعمارة المنزويـة في نهايـة الطريق، وقفا حتى تُضيء إشارة العبُور وأحاديثهم البسيطة في كل ثانيـة ترنُ في صدر الآخر. نظرت إليْه بضيق الحياة في عينيْها لتُردف : أكره هالشعور! شعور الإحباط واليأس، شعور إني ماني قادرة أسوي أيَ شي يا عبدالعزيز عبدالعزيز : لو كنتِ تبين تسوين شي قدرتي بدون لا تسألين عن أحد! أعرفك يا رتيل! أعرف حجم تهوَرك وجنُونك إلتفتت إليه بكامل جسدِها لتبتسم بسخافة الحياة التي تصفعها : تغيَرنا ما عدنا على خُبرك!! لو أقدر كان ما طلعت معك الحين! لو أقدَر كان سويت أشياء كثيرة! بس صرت أخافك عبدالعزيز : وش اللي تغيَر؟ رتيل بحزن هذا الكون الذي يخرجُ من شفاهِها كنصلٍ مُدمي : إني ماراح أسامحك! عبدالعزيز نظر إليْها بنظرة غريبة، نظرة تحمل من اليأس ما لاتتحملهُ روحٍ واحدة، اقترب منها حتى تلامس حذاءهُ مع حذاءها، أضاءت إشارة العبور حتى سارت وتركته، تنهَد ليسير خلفها ناحيـة الرصيف الآخر، شدَت على شفتِها السفليَة حتى تكبت دمعًا يُجاهد للصعود نحو محاجرها، وقف بجانبها لآخرِ إشارة عبُور. عبدالعزيز بصراحتِه المؤذيـة لقلبٍ أمتلئ بندباتٍ مالحة سبُبها صوتُه : ما حاولت أأذيك بأيَ شيء! في الوقت اللي كنت أدوَر فيه عن حياة لي كنتِ قدامي يا رتيل! سمَيه قدَر سمَيه أيَ شي! بس ما حاولت أأذيك! غلطت كثير لكن ما كانت نيتي أبد إني أأذيك لشخصك! ولا كان لي نيَة بأني أدخل قلبك! . . عقد حاجبيْه وهو ينظرُ لكل شيءٍ عداها، أكمل : كانت نيتي الحياة! . . . إلتفت عليها وهو يُدخل يديْه بجيُوبـِه : تبين تعرفين شعوري؟ مثل الشخص المريض اللي عارف وش نهايته لكن يآكل حبوبه بإنتظام! هو يأس بس مجبور يآكل! وأنا يأست بس مجبور أعيش! ما يأست من رحمة الله! يأست من خلقه، يأست من هالطريقة اللي عايش فيها! يأست من نفسي اللي مو قادرة توقف وتتجاهل! . . . . . وتقولين ماراح أسامحك! وكأني متعمَد أأذيك وأغلط وكأن همَي في الحياة إني أقهرك! وكأن نفسي بإختياري!! . . نزلت دمعتها الناعمة وهي تُشتت نظراتها بعيدًا عنه، أضاءت إشارة العبور لتسير بجانبه على الرصيف الأخير الذي ينتهي بشقته، في جهةٍ أخرى كان الإحباط يتسلُل لقلبها شيئًا فشيئًا حتى أندفع إلى صوتها بهيئة جُملة : خلنا ننزل شكله ماهو موجود!! في كل خطوةٍ تخطوها للأسفل كانت هُناك خطواتٌ بالخارج متجهـة إلى العمارة، رفع أصابعه ناحية ياقة قميصه ليفتح أولُ أزاريره وهو يشعرُ بأن العالم بأكمله يحشرُ نفسه بحنجرته ويخنقه، وقف قليلاً من اللاإتزان الذي يواجهه، شعر بالغثيان يغزو معدتِه ويُضبب رؤيتـه، إلتفتت عليه بخوف : عبدالعزيز!!! عبدالعزيز لثوانِي معدودة رفع رأسه ليُغمض عينيْه بشدَة حتى يُعيد توازنـه. يالله! أفقدُ شهيتي بالحياة تمامًا، أفقدُ قدرتي على الإتزان بها، أشعرُ بنارٍ تلهبُ صدرِي، لا أُريد أن أموت على يقضة هذا العالم، أُوَد أن أموت بسلامٍ على سريرِي دُون أن أرى أحدًا، لا أُريد أيَ أحدٍ من حولي، فقدتُ من أُريد ومازلتُ أفقد! مازال وجعي من ناصِر يتكاثرُ في داخلي، مازال بُكاء غادة يصرخُ بأذني، لِمَ! أحتاج جواب يشفي لهيبُ السؤال في عينِي! " يالله لو كِنت هِنا يا يبـه " لو كُنت تراني! لو كنت معي! لو كنت تشدَ على معصمِي وتأخذني حيثُ الصواب، لو أنني أبكِي على صدرِك لشفيْتُ والله! لو أنني أجلسُ عند ركبتيْك لداويت حُزني بكفيَك، لو أنني أُبصرك لمرةٍ واحِدة أشرحُ لك بها كيف أنَك تعيشُ بداخلِي وتُرهق عيني التي لا تراك! فتح عينيْـه ليسير بخُطى بطيئة تجرَ أثقالاً من الحُزن، على بُعدِ خطوات وضعت قدمها على الطابق الأول وباب الخروج أمامها يتضحُ تمامًا، وقفت قليلا لتتنهَد بضيق من أنها ستخرجُ دُون أن تراه، شعرت بإنقباضات قلبها الضيَق من فكرة غيابِه المستمر عنها، في كل ثانيَة تمرُ تشطرُ قلبها المنفعل بحنينه، من خلفها وليد : يالله . . غادة نزلت لنصف الدرج حتى تجمدَت عيناها دُون أن ترمش، رفع رأسه لتصطدم النيرَان في جوفِه، ثبت في مكانِه ليقمع اللاإتزان الذي يواجهه، سقطت ذراعه التي كانت تُلامس رأسه لتُلامس جانبِه الأيمن من جسدِه، كان كل شيء في جسدِه يرتجف، ارتجفت يديْه وهي تختبئ بمعطفِه الأسود. كل قوايَ تضعفُ أمامها، أمام العينيْن التي تُشبهني، أهذه غادة أم أنني أتوَهم؟ لا طاقـة ليْ للتخيلات، لم أتخلص من وعثاء الواقع حتى أواجه حياةً إفتراضية أخرى، يالله ساعدني! ساعد رجلاً تخلَت صلابتُه عنه في مواجهة نفسِه، ساعِد رجلاً عبث بالحياة حتى عبثت به و شتتَه، يالله ساعدني! أخافُ من حُزني، أخافُ من إندفاع الموت في جسدِي، أخافُ من البكاء الجافَ الذي يذبلُ في صوتي، أرجُوك يالله إن هذه الحياة تختنقُ بصدرِي، خذني إليْها، ساعِد أقدامي حتى تذهب إليْها، يالله أرجُوك أمسح على حُزني بلطفك وأرحمني في هذه اللحظة، أرجُوك يالله خُذني إليْها. في الجهة التي تُقابله، أندفع البكاء حتى سكنَت ضوضاء الدُنيا من حولهما وبقيَ الدمعُ يُؤدي مهمة النزول على خدَها الناعم بهدوءٍ. " عزيز! " تأتِ بصورة تضجَ الحياة لجسدي، تأتِ بهيئة أبِي وأمي وعائلتي كُلها، تأتِ كـ نورٍ يُهذب عتمة قلبي، يجرحنُي الحنين في غيابك كثيرًا، يعبثُ بقلبي ويحرقُني، افترقنـا وفارقتني الحياة تمامًا منذُ ان غاب عن سمعي ذكرِك وذكر من كانوا يحملُون دمَنا و رائحتنا، أنتْ يا " جنَة صدري ". غابت ذاكرتي طويلاً لكنني لا انسى طعمُ الحُب الذي يغرق بفمي بمُجرد ما تُناديني، لا أنسى أبسطُ التفاصيل التي نشتركُ بها وأهمُها " سلطان " الذي ينتهي بأسماءنا وينتهي بكلماتنا، نحنُ الذي عشنا في كنفِ إبتسامته، أشتاقك! خُذني إليْك كما أخذتني الحياة مِنك، يموت صوتي يا عبدالعزيز ولا يُساعدني! أُريد أن أناديِك، أريد أن أستشعرُ مقطع إسمك المارَ على لساني، نادنِي يا عبدالعزيز، نادنِي! أرجوك يالله لا تخذلني بصوتِي، أرجوك يالله ساعدنِي حتى أعبرُ هذه الخطوات لعناقه، يارب أشتاقه! أشتاقُ صدرِه، يارب خُذني إليه قبل أن أموت في مكاني، " عزيز!! قلب أختِك مجرُوح! تعال داوِي جرحها بصوتِك، تعال أسكِن فجيعة عيونِك بصدرِي، . . نادنِي! رعَى الله نهر يجيء من صوتِك، لصدرٍ أمتلىء بجفافه، رعَى الله قلبك يا روح أختِك. بإنكسارٍ تام تحرَكت ذراعه اليُمنى وعينيْه تشتَد بحُمرة الدمع المالح، لم ترمش عيناه بعد مازالت تُصارع اليقضَة من أجلها، أقوى مني يالله! هذا اللقاء يُضعفني تمامًا، صوتي يؤذيني وهو يمُوت في داخلي! حنجرتِي يترسبُ بها البكاء ويمنع الكلمات من العبُور! وعيني يترسبُ بها الملح ويمنع نظري من الوضوح، وجسدِي يتصلبُ بالحنين ويمنعُ أقدامي من الحركَة، أنا ممنوع من كل شيء، أوَد أن أقول بوضوح " يا عين أبُوي أشتقت لك ". بثقل تقدَم خطوتين وهو يتوسلُها بعينيْه أن تأتِ قبل أن تتبخَر قوَاه وينتهي، بخُطى سريعة غادة توجَهت إليه لتقف على أطراف أصابعها وهي تعانقه بشدَه، أغمضت عينيْها بذاتِ الشدَة وهي تغرقُ بعنقه وتستشنق رائحته التي أفتقدتها، أنهارت بالبكاء وأنينها يُسمع صداه، بكَت كأنها تواجهُ البكاء لأولِ مرَة، شدَت على معطفه من الخلف بأصابعها وهي تعانقه بكل قوَاها. " هذه الرائحة أشتقتُها! هذا العناق أشتقتُه يا عبدالعزيز. " وقفت ثابتًا وذراعيه لم يتحركا وتُحيطان جسد غادة، يعيشُ أعلى مستويات الصدمَة وكأنه للتو أستوعب أنها حيَة، نزلت دمعتُه وعينيْه لا ترمش، في كل لحظةٍ يعود صدى بكاءها كان الدمعُ في عينيْه يتكاثر دُون أن يسقط، همس بغير تصديق/ همس بهذيان لم يُفهم منه سوى : غادة!! غادة وهي لا تنفَك عنه من بين بكاءها : أشتقت لك . . أشتقت لك والله العظيم . . . هذا الصوت مازال حيَا! يالله ثبَت يقيني بما أراه ولا تتركيني أسقطُ بخيالاتي هكذا، نبرتُكِ هذه يا غادة من خدشها؟ لا تسألي عنَي! أنا ما زلت واقف في الطريق الذي رحلتُم به دفعةً واحِدة لتنتهي روحي على دفعاتٍ تستطيلُ بوجعي، ما زلت واقف! وكل ما مضى من بعدِكم كان مُجرد محاولات للحياة ولكنني لم أحيا! لم أعِش كأيَ رجلٍ ينتمي لعائلة، مازلتُم فيَ! تنامون على قلبي ولا تستيقظون أبدًا! " يا ظمآيْ! عطشتِكم يا غادة وما روتني الحياة من بعدِكم! " رفع ذراعيْه ليُحيطانها، شدَها بقوَة ليُغلق عينيْه بذاتِ الشدَة، أمال رأسِه ليُقبَلها بالقُرب من عينيْها، شدَ على ظهره ليرفعها قليلاً عن مستوى الأرض. كل شيء يُغيَب الوعي عن قلبي، كُنت سأرضى والله لو كنت أدرِي أنكِ على قيد الحياة ولا نلتقي أبدًا، كنت سأجد سببًا للعيش/للحياة/للسعادة، ولكنني في كل مرَة أشعرُ بأنه لا فائدة! لا أحدًا أقاوم من أجله، لو تعلمين يا غادة كيف يكُون شعور الفرد إن أستفردت به الحياة وأوجعتـه، لو تعلمين كيف يكون الغدر ممن رأيتهُم حياةً ليْ ذريعة للموت، لو تعلمين كيف للشوق أن يأتِ في منامي بشِعًا يُحبط كل أسس طمأنينتي، تخيلتُكِ كثيرًا حتى أخطأت بقدرِ ما تخيلتُك، أنا آسف لأنني لم أكن قويًا كفايةً ولا ذكيًا حتى أكتشفُ أمرك مُبكرًا، وصوتي الآن يُخطئ الخروج! مازال مبحوح في داخلي. " رائحتِك هذه تُرادف أمي، أمي التي بكيْتُها مرارًا ولم أشعرُ بلذاعة الشوق إلا بها، كيف أشكُر الله عليكِ الآن؟ كيف أقُول الحمدلله بطريقة توازي لُطف الله بيْ! أنتِ هُنا يا غادة! هُنا وأنا أذهبُ لقبرٍ أجهله أبكِي عليه، أنتِ هُنا ولم يهزَني طوال حياتي شيئًا بقدر ما هزَني موتكم، صبرتُ كثيرًا حتى أنهارت قوايَ مرةً واحِدة لتدفعني لفداحةٍ لا أدرِي كيف أتجاوزها! أشتقتُك! أشتقتُك بمرارة البكاء العالق فيَ، بِوحدةِ الأغصان المغروسـة في صحراءٍ شاسعة، بسماءٍ جفَفها الغبَار ولم يُسعفها مطر، بفعلٍ صاخب كانت ردَة فعله : صمت، أشتقتُك كثيرًا وكثيرًا لستُ عميقة كما ينبغي لقلبك " يا روح أخُوك ". منذُ أن رآه وقبل أن يرفع عينيْه عاد وليد للخلف ليصعد للطابق الثاني ويخرجُ من مخرجٍ آخر، ضرب بقبضته على الجدار، كل شيء ينتمي إلى الحياة يتعمَد الوقوف ضدَي! كنتُ أحتاج وقتًا بسيطًا حتى تثق بيْ ولكن لا مجال للثقة أبدًا، عادت لحياتها التي تُريدها وأنا؟ مثل كل مرةٍ تنتصبُ الخيبة أمامي بثبات. ، خرجت والدتها من غرفتها بعد أن سكنَت ونامت، لتُقابل ريَان بوجهها : خوفتني بسم الله ريَان : آسف ما كنت أقصد . . وش فيها الجوهرة ؟ والدتها تنهدَت : ولا شي . . كانت ستتجاوزه ولكن وقف أمامها . . يممه بالي مشغول أبي أعرف والدتها : ريَان أختك ما تتحمل تسمع منك . . يُقاطعها : تطمَني ماني مسوي لها شي! تراني أخوها ماني عدوَها والدتها : أستغفر الله . . ريَان : وش فيها؟ ماراح أنام لين أعرف والدتها : طلَقها سلطان ريَان ثبَت عيناه بعينيَ والدته دُون أن يرمش، صُدِم بما يسمع وهو الذي يظن أن حياتهما تسير كما ينبغي، شعر بأن أحدًا يصفعهُ بكفٍ باردة، لم يتوقع ولا 1ظھ أن يصِل حال الجوهرة إلى هذا الحال من أجل سلطان. والدته : لا تضايقها بشي ولا تعلَم أحد لين أخبَر أبوك . . . تركته دُون أن يخرج من بين شفتيْه كلمة واحدة. أنا الذي اجبرتها على الموافقة في كل مرَة وأنا الذي أجبرتها على الرفض كثيرًا، ليتني وقفت بوجه هذا الزواج، ليتني لم أجعلها تعيش معه هذا الألم وأنا أُدرك بأن بداية الزواج كانت سيئة، وأن بناءِهم لهذه الحياة كان هشًا، لو أنني فقط تخليَت عن إندفاعي وفكَرت بعقلانيَة تصبَ في مصلحتها. يارب أرحمنا! تقدَم بخطواتِه ليفتح الباب بخفُوت ويطلَ عليها، أطال النظر إلى ملامحها الشاحبة الباكيَة، أخذ نفس عميق ليتراجع ويُغلق الباب. عاد إلى جناحه والهمَ يُثقله، نظر لريم التي تعبث بهاتفها لترفع رأسها إليْه، بتذمَر : ولا أحد من أهلي يرَد عليَ! أكيد صاير شي ريَان عقد حاجبيْه : لا توسوسين كثير ريم : حتى تليفون البيت محد يشيله! و زوجات أخواني ولا وحدة ترَد! ريَان أستلقى بضيق : الخبر الشين بيجيك لين مكانك! تطمَني ريم تركت هاتفها : الله لا يفجعنا بأحد بس . . . رحت تشوف الجوهرة؟ ريَان : لقيتها نايمة ريم : قلت لك يمكن من الحمل تعبانة وتتحسس من أيَ شي ريَان بفضفضة لم يعتادها : أحس إني مشتت مو قادر أركَز بشي ريم : مشتت بمين؟ ريَان : قسيت عليها كثييير ، أجبرتها على أشياء ماتبيها ريم بلعت ريقها وهي تنظرُ لعينيْه التي تنظرُ للسقف بندمٍ شديد يتضحُ ببريق هذه النظرات. يُكمل : بس والله كنت خايف عليها! كنت أحسَها طايشة ما تعرف تقرر صح بحياتها، ما أبي أحس إني ظلمتها بس أحس كل شي في ذاك الوقت كان ضدَها ريم : وإذا كانت طايشة! من حقها تختار حياتها . . ريَان أنت أجبرتها تتزوج سلطان ؟ ريَان : لا كنت رافض! ما أطيق سلطان أصلاً عشان أوافق عليه لكن أبوي هو اللي وافق وطلَعني من الموضوع، بس كنت حاسَ أنه ماهو مناسب لها! وكنت داري أنه يحس في داخله أنه متزوَجها بس كِذا عشان موقف ماهو عشانها الجوهرة بنت عبدالمحسن ريم بعدم فهم : طيب لا تفكر بأشياء راحت وطلعت برا سيطرتك وتلوم نفسك عليها ريَان : ماني فاهم الجوهرة! أحاول أتقرَب منها بس ماتعطيني أيَ فرصة . . دايم تحسسني إني أنا وتركي أعداءها ريم : تركي عمك؟ ريَان بسخرية : إيه عمَنا اللي نسانا ريم : مو قال أبوك أنه سافر برا ؟ ريَان : إيه وشكله مسوي مصيبة مع أبوي عشان كذا قطع فينا ريم : أكيد فاهم الجوهرة غلط! مستحيل تحسسكم أنكم أعداءها بالعكس تلقاها تحبكم أكثر من روحها ريَان : ما لحقتي عليها كيف كانت تتجنَب تطالعني وكيف تقطع أيَ موضوع إذا شاركنا تركي فيه ريم بعُقدة حاجبيْها : ريان والله شكلك فاهم غلط! ممكن وقتها صار خلاف بينها وبين تركي وتصرفت كذا مو شرط يعني! ريَان : قلبي يقول فيه شي بين تركي و أبوي والجوهرة! بس مو راضيين يقولون لي وحتى أمي شكلها تعرف ومهي راضية تقولي! لأنها كانت تسأل عن تركي دايم بس الحين ما عادت تسأل عنه ريم تنهدَت بإبتسامة : أنت اللي لا توسوْس الحين! الخبر الشي بيوصل لعندِك تطمَن ريَان رُغما عنه إبتسم : خبر عن خبر يفرق ريم : والله ريان أنت موسوْس كثير ريَان إلتفت عليها بنظرةٍ جعلتها تندفع بالكلمات : بس يعني ماشاء الله عليك يعني متزن وعاقل وكذا ضحك ريَان ليُردف : زين الله يسلمك ريم بعفوية : وش دعوى عاد! تراني أحبك ماأرضى عليك بالشينة بس يعني أنت توْسوس كثير بس هذا عيبك لكن إيجابياتك كثيرة ريَان أستعدَل بجلسته بعد أن طرقت أسماعه " أحبك "، إلتفت عليها بكامل جسدِه، ريم إرتبكت من قُربه لتُردف : قلت شي غلط؟ تراني أخاف من نظرتك ذيْ!!! ريَان بإبتسامته التي لا تظهر كثيرًا وإن ظهرت تأخُذ قلب ريم معها : أبد كل اللي قلتيه على عيني وعلى راسي ، أفلستُ من الدنيَا، هذا ما أنا أيقنت منه تمامًا، في الثانية التي قُلت فيها " أحفظي لي يا عبير ما تبقى من قلبي " تجاوزتني دقيقة الوداع، لو أنَكِ سمحتي ليْ بأن أُحبك فعلاً وجنونًا لأسبوع، فقط أسبوع أسترَدُ به قوام حياةٍ تهشَمت أمامي، ولكنكِ قسيْتِ من أجل العقل، من أجل الأشياء اللامعروفـة، لِمَ نفترق وكلانا يُحب بعضنا البعض؟ لِمَ نسير بطريقيْن منفصليْن ونحنُ نعيشُ تحت سماءٍ واحدة؟ لِمَ يا رحمة الله في عيني؟ كان من المؤسف والله أن تختارِي الفراق وأنا الذي ردَدتُ كثيرًا لا طاقة لي بفراقٍ ينتهي بغيابٍ لديارٍ أخرى تحت التراب؟ كيف وأنتِ ترحلين بخُطاكِ فوق التراب؟ كيف تجرأت القسوة بعينيْك وفي ماؤها جنَة ؟ أخترتِ النهايـة، أنا الذي كنت أظن كثيرًا بأن النساء إن أحببن يتركن قواعد الحياة وقناعتها ويعشقن بجنُون! ولكنكِ كنتِ مختلفة عنهن! أخترتِ السير خلف عقلك وقناعاتها والحياة، أخترتِ موتي. فاشل! أُدرك ذلك، فشلت بالإنسلاخ عن والدِي لأكون بمظهرٍ يليقُ بإبنة عبدالرحمن، فشلت لأني لا أعرف أن أعيش في كنفٍ أحدٍ غير عينا والدِي، أنا لا أعرف تمامًا مالذي يجب أن أفعله! ولكنني في نهاية الأمر أنا إبنه وهذا مالايتقبلهُ والدِك وأنتِ أيضًا. من خلفه : وين غرقت؟ فارس بضيق : أفكَر جلس بجانبه : بأيش ؟ فارس صمت قليلاً ليُردف : ما أعرف الصح من الغلط : أسمعني يا فارس! مافيه أحد معصوم من الخطأ . . كلنا نخطي وكلنا نتصرف أحيانًا بتهويل . . لكن بالنهاية إحنا محنا منزهَين ولا ملائكة . . أهم شي أننا نصلَح أغلاطنا فارس : وصححت أغلاطي! لكن محد قِبَل : مع الله كل شي يهون فارس : أعرف وش بيصير بالنهاية! بسلَم أمري لله وبتقبَل إنه هالزواج اللي أصلاً ما أعرف كيف بدأ، ينتهي! لكن ماراح أتقبَل إنه أبوي ينتهي . . عارف أنه ممكن يكون أسوأ الأشخاص بنظركم لكنه أبوي! مقدر أقول الحق حق ولازم يتعاقب! مقدر أكون كِذا . . . : كل شخص يا فارس راح يدفع ثمن أخطاءه، أنت الحين تدفع ثمن أخطاءك رغم نيتك الطيبة . . وأبوك راح يدفع ثمن أخطاءه مهما كانت نيَته، وكلنا ندفع ثمن أخطاءنا! مافيه شي نسويه بدون مقابل! ومقابل هالأخطاء عقاب ممكن يكفَر عن أخطاءنا! ليه الله أوجَد الحدود في الدنيا؟ أوجدَها تكفير لنا ورحمة فارس : وش بتكون عقوبة أبوي؟ القصاص؟ : فارس المسألة مو بكيفية العقوبة . . يُقاطعه : كنت عارف . . الله يصبَرني على اللي بقى من عُمري يربت على كتفه بيدِه الحانية : الله يصبَرنا كلنا . . . فارس الجالس على الطاولة وأمامه دفتر فارغ وقلم، رفع عينه إليْه : ينفع أرسم؟ بإبتسامة : خذ راحتِك أخذ الدفتر ليثبَت رأس قلم الرصاص بمنتصف الورقـة، إحتار عن أيَ شيءٍ يرسم، يُريد أن يفضفض بالرسِم ويتجاوز حزنه بالرسم، خطَت عيناه بكلماتٍ أطرقت قلبه، كتب : " رعى الله عيناكِ حين جفَت وصدَت " . . . وقف الآخر ليتجِه نحو هاتفه ويُجيب بدهشة من الصوت الذي يصِل إليه : وعليكم السلام والرحمة سلطان : بشَرنا عن أحوالك؟ : بخير عساك بخير وصحة سلطان بحدَة : ماني بخير . . أفكَر بالشخص اللي يغدر فينا : سلطان سلطان : أسمعك! وش أسبابك اللي بتقنعني فيها؟ سنة ونص وأنا أركض ورى شي ماله أساس من الصحة والمُشكلة إنك تدري وتعرف! سنة ونص راحت وأنت أكثر شخص تعرف إنه الثانية اللي تضيع منَا عن يوم كامل!! : تثق فيني؟ سلطان بغضب : لا! : يا بو بدر تعوَذ من الشيطان سلطان : أسألك بالله ما فكَرت فينا؟ ما فكَرت وش المصايب اللي بتطيح على راسنا من تصرفك؟ ما فكَرت بعبدالعزيز اللي خليناه يروح للخطر بكامل إرادته عشان معلومة أنت تملكها!!! : إلا فكرت وعبدالعزيز يهمني قبل كل شي! وكل اللي سويته كنت أبي أنهي فيه شغل أستمر لسنوات سلطان تنهَد : بس أنت كِذا دمرتني! خليتني أفشل بأكثر شي كنت أبي أنجح فيه وأنتهي منه . . الغلط مو بس فيني! الغلط بيصير على إدارتي كلها! وأنت فاهم قصدي وعارف أنه أيَ غلط بسيط يعتبر في عيوننا عظيم كيف عاد لو كان غلط مثل هالغلط؟ . . ريَحني بس وقولي عن كل اللي تعرفه . . ما عاد أتحمَل أنه يضيع لي وقت ثاني!!! : طيب أبشر بقولك كل شي ، ينظرُ بإستغرابٍ تام لهما، وقف ناصِر : كيف يعني ؟ الشخص الذي يجهلُ تماما من يكون : بتطلع براءة وتسأل كيف يعني؟ مفروض تنبسط ناصِر : بالأول أعرف مين اللي تدخَل : عبدالرحمن آل متعب . . أرتحت؟ ناصر بشكَ : مستحيل! أنا أعرف مين وراكم : أنا سويت اللي عليَ وأنت براحتك إذا تبي تخيس بالسجن!!! تنهَد بضيق من هذه الأفكار التي تطرأ عليه : طيب . . أتى الضابط ليسلَمه أغراضه الشخصية التي تم ضبطُها له عند دخوله للسجن، أخذها ناصِر ليضعها في جيبه، أرتدى معطفِه ليقيه من برد باريس في هذه الفترة من السنة التي تتجمَد بها الطرق بأكملها من درجة الحرارة المتدنيَة، خرج معه ليلتفت عليه ناصر : سويت اللي عليك وشكرًا ممكن تروح الحين : بوصلَك ناصِر : لآ شكرا أنا ادل طريقي : طيب مثل ما تبي . . . . . أبتعد عنه وهو يلتفت كثيرًا عليه، بمُجرد ما أن دخل ناصِر للجهةِ الأخرى وعبر الطريق، تبعه الشخص على مسافةٍ بعيدة حتى لا يلحظه. إتجه ناصِر بإتجاه شقتِه وهو يكرهُ كل خطوةٍ يخطوها في باريس التي أصبحت مدينة العذاب بالنسبة لقلبه، بثوانِي قليلة وصَل ليأت صوتُ العجوز المسن : ناسِر!!! إلتفت ناصر بإبتسامة جاهد أن تخرج بإتزان : كيف حالك ؟ : أصبحت بخير، هل أخرجوك براءة ؟ ناصر هزَ رأسه بالإيجاب ليأتِ صوتُ المسَن متهلهلاً بالفرح : مُبارك . . لحظة هُناك رسائل كثيرة اتت إليْك من عملك ناصر تنهَد ليمدَ يدِه ويأخذها، قلَبها بين كفيَه وكلها إعلانات و دعواتٍ إنضمام لبعض الإجتماعات والحفلات، وقعت عيناه على عنوان الجامعة التي تنتمي إليها غادة في وقتٍ سابق، ارتجفت حواسَه من الرسالة التي تأتِ بغير وقتها، ترك بقية الرسائل ليأخذ هذه الرسالة ويصعد للأعلى، فتحها قبل أن يصِل لشقته، فتح الباب ليُغلقه بقدمِه من الخلف، وقف بمنتصف الشقة والعالم بأكمله يدُور حوله بالكلمات التي يقرأها. " أكتب لك بـ 2008 رسالتنا المستقبلية اللي أستهزأت فيها كثير يا ناصر وقلت بلا خرابيط وخليتِك تكتب لي رسالة بعد جهد عظيم، المهم صباح أو مساء الخير على عيُونِك يا ناصر يا زوجي و يا حبيبي، مرَ الحين 5 سنوات على زواجنا، عندنا بيبي ولا بعد : $ ؟ أتوقع بـ 2013 عندنا ولد يشبهك، أكثر شيء أحلم فيه وأتمناه يتحقق بالخمس سنوات الجاية، أننا نكون مستقرين بحياتنا وعندنا أطفال بالأسماء اللي نحبَها وأخترناها . . تذكر لمَا كنَا جالسين عند النهر واتفقنا على أسماء كثيرة، أتفقنا على نُورة إسم أمك الله يرحمها وعلى سارة و على ضيَ و دانَة، وأتفقنا بأسماء الشباب على سلطان و عبدالعزيز و ثامر على إسم أبوك . . كنَا دايم نقول نبي نحتفظ باللي نحبَهم في أطفالنا، أطفالنا اللي ما جوَ، تعرف شي يا ناصر، أنا ما أخاف أفقدِك، أخاف من الحياة بعد فقدِك كيف تنعاش! مرَة قلت لي تعرفين ليه العصافير تغني عندِك؟ تذكر الله عليك. تعرف إني بيومها ما نمت! ولا قدرت أنام، كنت أبي أطير وأطير من الفرحة، كنت أبي أصرخ وأقول فيه شخص مجنون قالي كلمتين ودَت قلبي بداهية، لو تدري وش كثر أفتخر فيك! لمَا يقولي عبدالعزيز أنك إنسان جافَ وحاد وثقيل بشكل ينرفز، أجلس أفكَر في تعاملك معي أحس إني إنسانة مميَزة وإستثنائية، أحس إني شيء عظيم بعيونك وهذا الشعور يكفيني والله، إذا وصلت لك الرسالة وكانت الظروف تمنعنا عن بعض اتصل عليَ، إذا كنَا متهاوشين وأعاندِك تراني كذابة وأبيك تراضيني، وإذا كنَا منفصلين رجَعني لعيُونك، وإذا ما عشت لهالوقت تعال لي بالصلاة، أحب دعواتِك وأحب ( الله يحفظ مكاني بقلب بنت سلطان )، الله يحفظ لي من علَمني الشِعر كيف يكون و الحُب كيف يكون، الله يحفظك كثر ما رددَت مع البدر " المحبة أرض والفرقآ أراضي والزمن كله ترى لا غبتِ ماضي، والله إني ما أشوف إلا عيونك، إن رحلت اليوم أو طوَل مراضي، قالوا العذال والعذَال مرضى، وش بلا حالك من الأشواق قاضي، قلت يهجرني حبيبي لين يرضى! علَموا الظالم ترى المظلوم راضي، جرَحوني في هواك وقلت أبشكي ماهو من جرحي ولكن لـ إعتراضي، وش عليَ لو قطعَوا لأجلك عروقي من رضى بالحُب يرضيه التغاضي " . . . . . . . . . . . . . . ناصِر/ لِك في الهوَى ديرة ولِك في صدرِي مُلك. أنتهت الرسالة بإسمها المزخرف على طرفِها " غادة "، لم يحدُث أيَ شيء من هذا، لم تأتِ نورة ولم تأتِ سارة، لم يأتِ سلطان ولم يأتِ ثامر، أنتظرناهما كثيرًا ولكننا لم نفلح، نسيتِ تمامًا من أكون! ولكنني لم أنساك! مازلت أحفظك عن ظهرِ حُب/غيب، مازلت أعرفك تمامًا مهما تلاطم موجُ الغياب عند أقدامِك، كيف يكون منظر الأحلام حين يقرأها شخصًا لم يُحقق ربعها؟ كيف يكون هذا المنظر مُفجعًا بهذه الطريقة؟ لم نسكن الرياض ولم نعيشُ بإستقرارٍ نحلم به، رحلتِ يا غادة منَي في الوقت اللي كان صوتِي يُرقِي قلبي بـ " أحبك "، رحلتِ منَي وأنا الذي أنتصفُ الأشياء معك ولم أستطع أن أنتصفُ قلبي لكِ، أنتِ لم تكوني النصف منِي، كُنتِ " أنا " بأكملي، وكان قلبي يسكُنك كما أنهُ قلبك، أضعنا الطريق، وأضعنا الحياة، لو أنني أملك دقيقتين أقف بها أمامك لأودَعك بما يليق، نحنُ لسنا منفصليْن ولسنا متخاصميْن، كيف أتواصلُ معك؟ لا أملك سوى صوتُك الذي ينمو بيْ، لا أملكُ سواه. آمنت الآن أن لا عودَة، آمنت أن هذه الرسالة تأتِ بطريقة معزيَة، لم نحقق شيئًا طوال الخمس سنوات شيئًا، ماطلنا بموعدِ الزفاف وقضيْنا وقتنا بالخطط والأحلام ولكننا حين حققنا أول حلم أغتالونا بليلة فرحنا، هل أقول " رحِم الله قلبًا تربَى على حُبك، أم أقول سامح الله الطُرق الذي لم تدلَك علينا ( أنا وقلبي ) ؟ أم أقول لنا الجنَة، لنا الآخرة نحنُ الذين لم نفلح بالدُنيا ؟ " توقف عن التفكير إثر الإختناق الذي واجهه من كفٍ يجهلها، حاول أن يلتفت ليرى من دخل إلى شقته ولكنه لم يفلح إثر إستنشاقه لمادةٍ مُخدَرة أسقطته ومازالت الرسالة تنام على يدِه بين أصابعه. تنهَد الآخر ليتصِل ويأتِ صوته صاخبًا : بسرعة تعال شيله معايْ ، ، لم يتحدَث بشيء، كان يُريد أن يسمعها فقط، ينظرُ إلى عينيْها طويلاً دون أن يمَل، مازال تحت وقع اللاإستيعاب، يُجاهد أن يُفكر ولكن لا تفكيرٍ يطفو على سطح عقله، كل ما يفكِر به الكلمات التي تتوافدُ من عينيْها. يالله هل ما أراه حُلمًا؟ يالله لا تفجعني بهذه الأحلام، لا تُفجعني بعينيْها! أحتاج لأيامٍ متواصلة حتى أُصدَق أن هذا الصوت حقيقيًا وهذه العينيْن حقيقة، أشعُر أنَي أفقد عقلي، أًصاب بجنون الحقيقة، ياللسخرية! السخرية التي تجعل حتى الحقيقة محضُ جنون بدلاً من أن يكون الخيال محض الجنون! يارب كيف لهذه العينيْن أن تغيب عنَي كل هذه المدَة؟ كيف لم أنتبه لأفعالهم معي؟ عندما علَمني والدِي العفُو هل كان يعرف أن هُناك اشخاص لا يستحقون الرحمة؟ ليتك يا " يبه " تنظُر للحال الذي وصل به إبنِك، لو يأتِ منك عناقٌ واحد والله لصلحت الحياة بعينِي. غادة : أبي أسمع أخبارك، ناصر كان يقولي عنك بس . . أبي أسمع منك عبدالعزيز : وش كان يقول ناصر ؟ غادة : يطمَني عليك وكان يتصل عليك كثير بس ما ترد، حتى مرَة ما نام يومين وقام يهذي فيك، كان يبي يكلمك بأيَ طريقة بس ما كنت ترد يا عبدالعزيز عبدالعزيز بضيق : تعبان؟ غادة : تعبان حيل، مقدرت أتذكره . . أخفضت رأسها لتعود لبكاءها . . . مقدرت! حاولت بس مقدرت . . كنت أتذكر بعض الأشياء وأحس فيه، والله يا عبدالعزيز أحس فيه وأحس إني مقدر أبعد عنه لكن ما عرفت أتذكر شي يربطني وياه عبدالعزيز : ما تتذكرين أيَ شي بعد الحادث ؟ غادة : لا، صحيت بالمستشفى وقدامي الدكتور وليد وبعدها جاني ناصر عبدالعزيز : أهم شي إنك بخير غادة : الحمدلله . . أحس قلبي يرجف من الفرحة . . . . كنت مشتاقة لكم كثيير، فجأة قالوا لي أنهم ماتوا محد مهَد لي بشي كنت محتاجة أشوفك! كنت محتاجة أحس أنه جمبي شخص يهمني وأتذكره عبدالعزيز : الله يرحمهم ويغفر لهم . . . غادة تلألأت عينيْها بالدمع : متضايقة من شي واحد إني ماني قادرة أتذكر آخر أيامهم، ودَي أتذكر أبوي كيف كان و أمي و هديل عبدالعزيز : كلنا كنَا فرحانين فيك وكنا ننتظر هالليلة من زمان وليتنا ما انتظرناها غادة من بين بكاءها : قالي ناصر! مدري كيف أنقلبت ليلتنا من فرح لحزن! . . . عبدالعزيز : ما قالك ناصر وش كثر مشتاق لك ؟ غادة شتت نظراتها ليندفع الدمعُ على خدَها الناعم : كثييير يا عزيز . . . . بس تغيَرت كثير! أحس وجهَك متغيَر مرة عبدالعزيز بصوتٍ يائس : ما عاد فيه شي يغريني للحياة . . . . بيوم وليلة رحتوا يا غادة! وبيوم وليلة رجعت الرياض، كل شي صار بسرعة، وكل شي كان يقتلني ببطء! كنتوا تجوني كثير! كان يقولي أبوي لا تغلط! بس ماعرفت أنتبه لأفعالي! ماعرفت أيَ غلط يقصد!!! يا كثر ما ضاقت فيني ويا كثر ما قلت الموت قرَب! ويا كثر ما قلت فيه أمل! ويا كثر ما أنكسر فيني هالأمل، حلمت فيك في وقت حلم فيك ناصر وخفنا! لو تشوفين كيف خفنا إنك تتعذبين بقبرك!!! لا أنا نمت ولا ناصر، جلسنا نفكَر وش الشي اللي ممكن تتعذبين عشانه! ما كنَا ندري إنك تشاركينا السما! . . . غادة أقتربت منه لتُقاطعه بعانقها : يا جعلني ما أبكِيك . . يا جعلني ما أبكِيك يا أخويْ عبدالعزيز : الله يغفر لي أخطائي اللي مخليتني أعيش هالحزن . . غادة : خلنا نبعد من باريس! نروح أيَ مكان . . خلنا نترك كل شي هنا ونبعد مع ناصر . . بتروح لناصر صح؟ قالوا لي ما أقدر أزوره عبدالعزيز : حتى ناصر! غادة أبتعدت عنه لتنظر إليه بإتساع محاجرها بالدمع : كيف حتى ناصر؟ هو قبل لا يكون زوجي كان أخوك و رفيق دربك!!! عبدالعزيز بحدَةِ صوته : متضايق منهم كلهم و مقهور منهم كلهم بعد! غادة : بس . . . بس هو ما سوَا شي عبدالعزيز : ليه ما تفهميني يا غادة؟ أقولك متشفق عليكم و هو يدري ومع ذلك ما قالي!!!! غادة : بس حاول يتصل عليك والله يا عبدالعزيز حاول، قدامي كان يصارخ و يعصَب كل ما طلع جوالك مغلق أو خارج منطقة التغطية . . . والله ما نام وكان يهذي فيك! عبدالعزيز عاد لصمتِه المؤذي، لنظراته المُشتتة، لحزنه العميق الذي لا ينفَك عنه، وصل أقصاه من هذا الوجَع. غادة تأملت الشقة المتغيَرة تماما عنها لتقطع الصمت الذي أمتَد لدقائق طويلة : مين اللي كانت معاك ؟ عبدالعزيز دُون ان ينظر إليها : زوجتي غادة تجمدَت حواسَها بما في ذلك عينيْها : زوجتك!!! عبدالعزيز تنهَد : إيه . . سالفة طويلة بعدين أقولها لك غادة : وعايش معها هنا مو في الرياض؟ عبدالعزيز : وأثير بعد غادة نظرت إليه بصدمة حقيقية : أثير؟ أثير ما غيرها؟ عبدالعزيز : قلت لك سالفة طويلة بعدين أقولها لك غادة : تزوجت ثنتين!!!! عبدالعزيز تنهَد بضيق يختنق منه : إيه غادة والدهشة تعبر صوتها : ليه ؟ عبدالعزيز إبتسم : وش اللي ليه ؟ غادة إبتسمت لإبتسامته لتضربه على كتفه بخفَه : نذل! حارمني من هالإبتسامة!!! عبدالعزيز : ما عاش والله من يحرمك من إبتسامته غادة مازالت الإبتسامة تُزيَن محياها لتردف بفرح : إيه وش أخبارك بعد؟ عبدالعزيز : ما صار شي مهم غادة : على أساس قبل شوي تقول مافيه شي وطلعت متزوَج! قولي الأشياء الغير مهمة طيب وين أثير؟ حتى هي أشتقت لها عبدالعزيز : بتنام عند أهلها لو تدري عنَك كان جتَ غادة : طيب و زوجتك الثانية وش إسمها؟ عبدالعزيز : رتيل غادة : من وين تعرفها؟ عبدالعزيز : بنت عبدالرحمن آل متعب .. تذكرينه؟ دايم أبوي كان يسولف عنه غادة : إيه عرفته مع سلطان بن بدر صح ؟ عبدالعزيز : وتقولين ذاكرتي ضعيفة! متذكرة كل شي غادة : أتذكر الأشياء القديمة قبل لا أنخطب لناصر، فترة الخطبة ما أذكر منها شي عبدالعزيز وبفرطِ اللاتصديق الذي يُصيبه ردد : الحمدلله الحمدلله . . خلينا نصلَي أخاف يصير لنا شي غادة أبتسمت لتقف وتتجه معه نحو المغسلَة، توضأت بجانبه ورُغم أنه على وضوء أعتاد عليه من طبع والده الذي علَمه أن يبقى على وضوءٍ دائِمًا، توضأ مرةً أخرى، ثوانِي قليلة حتى أنتهيَا. مدَ لها جلال الصلاة و فرش السجادةِ بالعرض، كبَر بنبرةٍ جعلتها تتأخر بقراءة سورة الفاتحة، بنبرةِ والدها تمامًا، النبرة التي لا تغيبُ عنها أبدًا. نزلت دمعةُ يتيمة وعينيْها منخفضتيْن، تجمدَت تمامًا من أيَ فعلٍ وعُقِد لسانها بالحنين الذي تغصَ به، في جهةٍ أخرى لم يستطع أن يُنهي الفاتحة، غصَ بها وهو يقول " إهدنا الصراط المستقيم "، مضت دقائِق كثيرة على وقوفهما حتى ركعت غادة لتسقط الدمعة على السجادة و تتشكَل كبقعة، من بعدِها ركَع، رفعَا من الركوع معًا، " الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه " سجَدا وبالسجُودِ أضطربت المشاعر، لم يكُن من الغريب أن يُطيلان هذا السجود الذي يربطهما بالرحمن الرحيم. بقلبٍ يبتهَل " اللهم لك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد والشكِر، يارب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتها عليَ وأن أعمل عملاً صالحًا ترضاه وأدخلني برحمتك من عبادِك الصالحين، يارب ساعدني بأن أتجاوز حُزني بالتقرب إليْك، يا رب ساعدني بأن أنفض يدي من هذه الدنيا، وأحفظ غادة من شرور الدنيا و أهوائها، يارب أحفظها بعينيْك التي لا تنام، يارب أرحمها برحمتك التي وسعت كل شيء يا رحيم يا منَان، يا غفور يا كريم تجاوز عن سيئاتها وأرشدها إلى الصواب، يا رب يا كريم أحفظها ولا ترني بها مكروهًا، و أجعل حُزننا تكفيرة لذنوبنا، يارب يا كريم أغفر لوالديَ . . . . –( أختنق بدمع صوته، ليست عيناه وحدَها من تتحشرج بالدمع، هُناك قلبٌ يبكِي ببحَةٍ تعبرُ صوته، وهُناك نبرة تتبلل بالبكاء ) . . أغفر لوالديَ وأرحمهما، يارب آنس وحشتهما وتجاوز عن سيئاتهم بالحسنات وجازِهم بالحسنات إحسانًا، اللهم لا تجعل آخر لقاءي بهم في الدنيا، اللهم لا تجعل آخر لقاءنا في الدنيَا، اللهم أغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم أغفر لمن أشتاقت لهم نفسي، اللهم أغفر لهم وأجمعنا بظلِ عرشك يوم لا ظِل إلا ظلِك " رفع من السجود وعينيْه محمَرة، رفعت معه، ثوانِي قليلة حتى سجدا السجدة الثانية، تتصِل أرواحهم بالدعاء، ردَدت بعد الحمد " اللهم أحفظ عبدالعزيز و طهَر قلبه من حُزن الدنيا، اللهم أحفظ عزيز ولا ترني به مكروهًا، اللهم يا كريم أحفظ قلبه من شرَ هذه الدنيا و همَها، اللهم لا تجعل له همًا إلا فرجته ولا غمًا إلا كشفته ولا ذنبًا إلا غفرته، اللهم لا تجعل الدُنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا وأجعل الجنة دارنا، اللهم يا كريم أغفر لوالديَ وأرحمهما برحمتك التي وسعت كل شيء، اللهم أرحم هديل رحمةً واسعة و . . . . بكت حتى وصل بكاءها إلى قلبِ عبدالعزيز الذي بجانبها، شدَت على السجادة حتى لا تنهار ببكاءها، أشتَد دمعها. أشتقت لعناق هدِيل و لذَة إسمها بالنداء، أشتقت لإبتسامتها و لضحكتها، أشتقت يالله إليْها، أشتقت لعنادها وغضبها، يارب لا تُرهقني بإشتياقي ولا تُحزنَي، يارب أرحمها . . يارب أرحمها يا كريم وأغفر لها خطاياها وتجاوز عنها. ، الساعة تصِل للثالثة فجرًا ولا يخرُج أحدًا من غرفة العمليات يُطمئنه، يسير ذهابًا وإيابًا وعقله يتشوَش بكل دقيقةٍ تمضي، ولسانِه يُردد " يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا " رنَ هاتفه ليُجيب : ألو يوسف : وش صار؟ منصور : إلى الآن يوسف بدهشة : 4 ساعات وإلى الآن! منصور : الله يجيبها سليمة . . أبوي الحين بمركز الشرطة يحققون وما بعد عرفوا مين!!! يوسف : يارب بس منصور : شلون هيفا ؟ يوسف : توَها نامت الحمدلله منصور تنَهد : الله يلطف فينا ولا يفجعنا يوسف : آمين . . بس يصير شي أنا أول من تتصل عليه وتطمَني منصور : إن شاء الله يوسف : بحفظ الرحمن . . . أغلقه. سمع صوتُها ليسرع بخطواته إليْها، جلس عند رأسها : بسم الله عليك . . بسم الله عليك . . هيوف حبيبي طالعيني هيفاء تصاعدت شهقاتها ببكاء يكسرُ أيَ قلبٍ يراها، شهقَت حتى أختنقت، يوسف بضيق رفعها ليُجلسها، طوَق وجهها الباكي بكفيَها : أشششش خلاص . . . هو بخير توَ كلمت منصور هيفاء بفزع نبرتها : يوسف يوسف : سمَي هيفاء بأنفاسٍ مضطربة متصاعدة : تكفى ودَني للمستشفى . . تكفى . . تكفى يوسف : بودَيك بس مو الحين . . هيفاء برجاء تتوسله : تكفى . . تكفى يا يوسف خلني أروح يوسف بتوتر : طيب بوديك بس منصور راح بسيارتي، بودَيك تطمَني . . . هيفاء ببكاء : لو يصير فيه شي وش نسوي يا يوسف؟ وش تسوي أمه؟ يوسف : لا تفكرين بسلبية! خلاص أهدي وأدعي له . . ماراح يفيده البكي بيفيده الدعاء هيفاء بنبرةٍ تنخفض تدريجيًا وتغرق بالبحة : يارب احفظه لنا . . يارب لا ترينا مكروه فيه . . يارب لا تُرينا مكروه فيه ، ، يجلسُ عبدالله أمام سلطان بجانب الضابط الذي يُحقق بمسألة فيصل، سلطان : الساعة 10 و 45 دقيقة تمت الحادثة و العامل اللي كان موجود في الحيَ قال أنه فيه شخص دخل ما يسكن الحيَ وهو الوحيد اللي كان داخل في ذاك الوقت، دخل الساعة 8 و فيصل وصل بيته الساعة 10 . . ليه أنتظر 45 دقيقة ؟ وليه أصلاً جاء من بدري إذا كان هو مراقب فيصل ويعرف مواعيد شغله!!! عبدالله بإرهاقٍ يستنزفه : ممكن عشان محد يشكَ!! الضابط : تعرف يا بو بدر الطريقة اللي تم الإعتداء فيها على فيصل جتَ بصورة سريعة ولو حطينا سيناريو للي صار، بيتضح أنه المرتكب هرب من الناحية الشمالية عكس مكان دخوله من الناحية الثانية، لأن أقدامه وطَت الزرع وواضح الأثر على الرصيف كان متجه للشمال، وسوينا نقطة تفتيش في الطريق العام لكن ما وصلنا لشي هذا يعني بعد أنه المرتكب جاء بدون سيارة! وتخبَى!! عبدالله تنهَد : الحيَ اللي يسكنه فيصل جديد لو تخبَى فيه بدون لا يروح للطريق العام بتكون في البيوت اللي ما بعد انسكنت سلطان : صح! يمكن حتى يبعد الشبهات يكون موجود بالحيَ عبدالله : أنا أقترح أنكم ترسلون القوَات للحيَ ويفتشونه بيت بيت الضابط : أبشر . . . عن إذنكم دقايق . . . . خرج سلطان : أقص إيدي إذا ما هو سليمان الغبي، أنمسك من رائد بس الكلاب اللي هنا للحين ما يدرون وش صاير! حيَ من يمسكني إياه والله ما أخليه فيه عظم صاحي لأطلَع حرة هالسنين فيه عبدالله : واثق أنه سليمان ؟ سلطان : إيه لأن رائد أصلاً ما يدري عن فيصل، يارب بس تلطف ولا يصير فيه شي . . ( وبسخرية يُكمل ) ويوم كلَمت الغالي طلع يدري عنه فيصل وهو اللي قاله يجينا ذاك اليوم قبل عرسه، وقالي أنه الحمير الثانيين بعد مخططين على ناصر! لو يصير شي في ناصر بعد! مدري وش أسوي ساعتها؟ يمكن أقطَع ملابسي عبدالله : دام صار كل شي على المكشوف إن شاء الله بتنحَل بس المشكلة بعيالنا ولا كل شي يهون سلطان : أنا بس لو أتطمن على عبدالعزيز وغادة و بنات عبدالرحمن كان قدرت أتصرف مع ****** عبدالله بعقدة حاجبيْه أحتَد صوته : سلطاااان!!!! سلطان إبتسم بسخرية : صاير لساني وصخ من الناس الوصخة اللي أتعامل معها عبدالله : طيب هدَي شويَ، ماشاء الله عليك ما تعبت من السب والحكي!! سلطان : ولا راح أنام الليلة بعد لأن لساني موب راضي يهدآ عبدالله بضحكة يحاول أن يُخفف هذا الحزن الذي يصيبه على فيصل : كأنه يرضى يهدأ في الأيام العادية سلطان أنحنى بظهره ليضغط على رأسه بكفيَه : لمَا كنت أقول لعبدالرحمن عن سلطان العيد ما كان يصدقني ويقولي أنت تبي تتهم وبس! وشوف وش صار!!!! قلبي كان حاس أنهم يشتغلون من ورانا، عبدالله : وش شعورك لو أنحَل هذا الموضوع بعد الله بفضلهم؟ ماراح تحسَ أنهم قدموا خدمة عظيمة لك؟ سلطان بغضب : والخساير اللي صارت لنا من يرجَعها؟ لا تحسسني إنهم مسوين خدمة! هم ما خدمونا هم ضيَعونا عبدالله : ماراح تفهم أيَ شي طول ما انت معصَب كذا!! سلطان وقف : طمَني إذا صار شي هنا وأنا بشوف عبدالرحمن عشان نشوف ناصر بعد قبل لا يصير له شي! عبدالله : طيب . . وطمَني عليكم بعد سلطان : إن شاء الله . . بحفظ الرحمن . . . . . خرج ليسير ناحية سيارته البعيدة جدًا عن مركز الشرطة، ثبَت السلاح في خصره بعد أن خرج من مكانه قليلاً، اقترب من سيارته ليصطدم بإحدى الأشخاص، سلطان دون أن ينظر إليه : عفوًا . . . فتح باب سيارته ليلتفت إلى الورقة المعلَقة على الشباك، عاد خطوتين للخلف ليصرخ على الرجل بـ " هيه " ، ركض الرجل ليُخرج سلطان سلاحه ويركض خلفه، أشتدَت سرعة سلطان متجاهلاً التعب الذي يمَر فيه هذه الفترة، رمى الرجل لوحةً مهتزة لتُعيق طريق سلطان في ممرٍ ترابي ضيَق بعيد عن الأنظار في هذه الساعة المتأخرة، قفز سلطان ليتبعه، سقط السلاح منه، تركه على الأرض ليقترب منه، دفعه على الجدار بكفيَه ليضرب ظهره بقوَة، إلتفت الرجل إليه، لكمه سلطان على عينيْه ليقاوم الرجلُ بقدمِه الذي ضربته بموضع جرحه، كتم سلطان أنفاسه ليقاوم الألم الذي أتى من هذا الجرح الغير ملتئم، لكمه بحدته/قوته، ليسقط الرجل على الأرض، سلطان بصوتٍ يتسارع بالأنفاس : تهددني قدام عيوني! وقدام مركز الشرطة بعد!!! شفت مجرمين أغبياء بس مثلك تأكد ما بعد شفت!!! . . . . شدَه ليقف، لوى ذراعه خلف ظهره ليصرخ الرجل من الألم : مين مرسلك ؟ : آآآآآآآآآآآآآآآآآآه زاد بإلتواءه سلطان لتزداد صرخاته، صرخ سلطان بقوة : مين؟ : سليمااان سليماان سلطان : أنا أعلمك وش صار بسليمان! الأخبار بعدها ما وصلت لكم! للحين تنفذون تخطيطاته الغبية . . . قدامي لا أفجَر فيك الحين بدأ بالمشي أمامه وعندما مرَ من السلاح أنحنى سلطان ليأخذه وتأتِ قدمُ الرجل الآخر بإندفاع عند أنفِ سلطان ليُسقطه، جنَ جنونه من جرأة الذي أمامه عليْه وهو الذي لم يعتاد أن يتجرأ عليه أحد، بجنون ركض إليه ليمد قدمِه ويُسقطه، أمتَد العراكُ من طرف واحد وهو سلطان لمدَة دقائِقٍ طويلة، أفرغ كامل قهره بجسدِ الرجل الذي يُقابله حتى أمتلىء بالجروح والدماء، وقف ليُخرج هاتفه : عبدالله أرسلي إثنين من عندِك، ورى المركز فيه أرض فاضية على جهة اليمين ممر خل يجون بسرعة عبدالله : صاير شي؟ سلطان : بجيك الحين وأفهمك بس خلهم يجون بسرعة عبدالله : طيب . . أغلقه ليُخفض رأسه حتى يوقف النزيف الذي يُصيبه إثر ضربة الرجل على أنفه، ثواني قليلة حتى أقتربا شرطيان. سلطان : شيلوه ودوه المركز . . . . تبعهم ويمَر في باله حين قرر أن يُغيَر الثوب باللباس العسكري المُعتاد، لم يعرف سببًا واضحًا في عقله لرداءه الآن ولكن شعر بحكمة الله ورحمته حين أرتاده وإلا تمكَن منه هذا الرجل بسهولة. أعاد السلاح لموضعه بجانب قبعته التي نادرًا ما يلبسها، بعد ثواني معدودة دخل للمركز ليقابل عبدالله. عبدالله نظر لملامح سلطان بدهشة : وش صار؟ سلطان : خلني أجلس نشف ريقي الله ينشف ريق العدو . . . . دخل للغرفة ليُفرغ كأس الماء في فمِه : تلومني لا قلت لك أنهم حمير وأغبياء! سبحان الله حتى الضعفاء يقدرون بذكاءهم يصيرون خطريين مثل سليمان! لو فيه خير ما تخبَى بأسماء مستعارة وما ضرب روسنا ببعض! لكنه جبان قدر يخدعنا لأنه يدري أننا نقدر بسهولة أننا نمسكه عبدالله : عز الله ماهو رائد اللي قدام عيونك يهددك!! سلطان تنهَد : الحين يحققون مع هالكلب ونشوف وش عنده! غصبًا عنه يطلَع علم فيصل ولا أنا اللي بحقق معه عبدالله : يا خوفي بس تدخل ورى فيصل من تهوَرك! . . . أقترب منه بحنيَته المعتادة ليمسح جرحًا بسيطًا على جبينه سلطان : جرح بسيط عبدالله بإنفعال : أنت لو تجلس بين الحياة والموت تقول حادثة بسيطة!!! سلطان أستند بظهره على الكرسي : لا حول ولا قوة الا بالله عبدالله عاد لكرسيْه : إيه تعوَذ من شيطانك وخلَك هادي شويَ عشان نعرف نفكر . . توَ متصل على منصور ويقول للحين بالعمليات ، يدخلُ بخُطى خافتة ضائِقة، إلتفت عليهما ليُجاهد على إبتسامةٍ يقمعها الحزن : زين انكم صاحيين ضيَ : كنَا ننتظرك عبدالرحمن بلل شفتيْه بلسانه ليشدَ على شفته السفليَة بتنهيدة تشرحُ حزنه بشكلٍ أوضح : طيب لازم نطلع من هنا بأسرع وقت! . . عبير عقدت حاجبيْها : وين بنروح ؟ عبدالرحمن : بودَيكم لفندق ترتاحون فيه أكثر . . . يالله حبيبتي مانبي نتأخر عبير وقفت : طيَب . . ماعندي شي أجيبه ضيَ : إلا! جاب نايف كل أغراضنا لهِنا من غبتي عبير إلتفتت عليها : كويَس! كنت أحسب أغراضنا هناك . . أجل يبه أنتظر شويَ بس . . ودخلت للغرفة الأخرى ضيَ أقتربت منه وبخفوت : سألتني عن مقرن وما جاوبتها خفت تنفجع فيه عبدالرحمن : زين سويتي! أنا بقولها بنفسي ضيَ : طيَب، صار شي اليوم بعد؟ عيونك تعبانة عبدالرحمن : من قلَ النوم لا تهتمين . . . رتبي أغراضك بسرعة وبنتظركم برا . . . ضيَ : إن شاء الله خرج عبدالرحمن ليشدَ على معطفه وكل زفيرٍ يختلطُ ببرودةٍ بيضاء، يستنشقُ هواءً نقيًا وتفكيره يتشتت بأكثر من شيء، يتوسَطُ أفكاره " رتيل و عبدالعزيز ". ما دعانِي الحُزن يومًا كما دعاني على بناتي! ولم يُصيبني الوجَع بعمقٍ كما أصابني به " عزيز "، أنا الذي صبرتُ واصطبرت حتى تغلغل البياضُ في رأسي، لم أستطع أن أصطبر على حُزنٍ يجيء من عبدالعزيز، ليته يعلم عن مكانته في قلبي وهو إبنُ رجلٍ مارستُ الحياة بأكملها بجواره، ليتهُ يعلم أن لهُ في القلب موضعٍ لا يُشاركه به أحدًا، لا تُحزنَي أكثر يا ( ولدِي )، لا تُحزني وأنا أمتلىء بالغمَ/الضيق، لا تُحزنَي عليك ولا على رتيل، إننا يالله في ذمَة الحزن موقوفين، اللهم نطلبُك الفرج. من خلفِه يأتِ صوتُها الناعم الذي تتبعه الرجفة من البرَد : عبدالرحمن إلتفت : أركبُوا بيوصلكَم نايف وراح ألحقكم عبير ضاقت عينها من فكرةٍ أرجفت قلبها : ليه ماتجي معنا؟ عبدالرحمن : عندي شغلة بسيطة يا يبه أخلصها وأجيكم عبير : طيب . . . مشت خطوتين لتلتفت عليه، أقتربت منه لتعانقه وهي تقبَل رأسه. لم يكُن عناقًا عاديًا، كان يُدرك تمامًا أن عبير شعرت به، شعرت وكأنهُ يفارقهما، بحركته الدائمة لها الذي تُعيدها لسنين ماضيَة، رفعها قليلاً عن مستوى الأرض ليعانقها بشدَة. عبير بضيق : خلَك معنا عبدالرحمن : بكون معاكم إن شاء الله عبير سقطت دمعتها على كتفه : يبه عبدالرحمن : يا روح أبوك عبير : لا تتركنا عبدالرحمن قبَل جبينها ليُنزلها، مسح ملامحها بإبتسامته الصافية من أيَ شحوب : ليه تقولين كذا؟ عبير ببحَة : لأنك قلت بوصلَكم بعدين قلت بلحقكم! يعني صار شي عبدالرحمن : ما صار شي بس أنا ماكان قصدِي بوصلكم بالمعنى الحرفي، قصدِي بكون معاكم . . يالله يبه لا تبردين عبير : لا تتأخر عبدالرحمن : أبشري عبير قبَلت جبينه مرةً أخرى والدمعُ يتدافع عن عينيْها، قلبها لا يطمئن، شعورها الداخلي الذي يخبرها بأن مكروهًا سيحصل لا يُفارقها، تنهدَت لتدخل السيارة. ضي بربكة : لا تخبي عليَ!! عبدالرحمن يقترب منها ليقبَل رأسها وهو يُطيل بقبلته ويأخذُ نفسٍ عميق يستمدهُ منها : مو صاير شي! . . أنتبهي على نفسك ضي رفعت عينيْها إليْه : جد؟ عبدالرحمن : جد ضي : طيب لا تطوَل علينا عبدالرحمن : إن شاء الله ضيَ خلخلت أصابعها بأصابعه لتشدَ عليها : ماراح أنام لين تجي عبدالرحمن : ماراح أطوَل ضي إبتسمت : إن شاء الله . . . بحفظ الرحمن . . . تركت يدِه لتدخل السيارة وتجلسُ بجانب عبير، همس : استودعتكم الله الذي لا تضيع ودائعه . . . . راقب بعينيْه السيارة حتى أبتعدت. أعطى الرجال الذين ينتظرونه ظهره ليقابل البيت، أخفض نظره ليتجمَع الدمعُ ويخون صلابتِه التي ظهرت أمام الجميع، خانته قوَته، كان سهلاً عليه أن يتجاوز هذا الحزن ولكن شعور عبير المتوجس الذي تدفَق ناحيته زادهُ أسفًا وإنكسارًا، كان سيكون سهلاً لولا كلماتي الكاذبة التي قُلتها، وأنا أعلم تمامًا بأنه من الصعب أن أعود إليهما اليوم! سأرددها كثيرًا لم أشعرُ بحزنٍ طوال حياتي كخُزني في هذه الفترة، ولم أشعرُ بأنني منكسر مُفلس إلا خلال هذه الأيام. من خلفه : نروح يا بو سعود ؟ عبدالرحمن بلع غصتَه دون أن يلتفت إليه : إيه مسح على وجهه ليضغط على عينيْه، اللهم أرحمنا وصبَرنا. في جهةٍ اخرى أضطرب صوتُها : حاسَة فيه شي!! ضي : بيجينا يا عبير وماراح يطوَل! تعرفين أنه كلام أبوك وعد عبير : ماراح أنام لين يجي ضي : قلت له نفس الحكي وقالي ماراح أطوَل . . أنا تطمنت دام قال أنه ماراح يطوَل وبيجي عبير بوسواسٍ لا ينفَك عنها : أخاف صار برتيل شي ضي : بسم الله عليها! لا إن شاء الله مو صاير لها شي دامها عند عبدالعزيز عبير تنهدَت بوَجع : كم صار لي ما شفتها؟ ودَي أشوفها وأرتاح، أول مرة يصير فينا كذا تمَر أيام وأسابيع مانشوف بعض . . . ، ببكاءٍ يستطيلُ بعينيْها وقلبُها يرتعبُ من هذا المرض، على سماعة الهاتف صوتُها يقطعهُ الوجَع كثيرًا : ليتني ما فحصت ولا عرفت! ليتني ما دريت بكل هذا سارة : تعوَذي من الشيطان . . خلاص مو صاير الا كل خير، بكرا روحي وقابلي الدكتور أثير : ماأبي أطلع مكان ولا أروح! أنا من قريت التحليل وأنا أحس قلبي بيوقف! خفت من كل شي وخفت أقول لعبدالعزيز . . . سارة : يمكن ماهو خطير مثل ماأنتِ متصوَرة، ويمكن أنتِ فاهمة غلط! . . أنا أقول روحي بكرا وشوفي بنفسك أثير ببكاء : ليه ما تفهمين! أقولك مرعوبة وقلبي يرجف من الصبح، وتقولين لي روحي للدكتور! تبين قلبي يوقف عنده إذا قالي!!! . . . ياربي أنا وش سويت؟ . . وش سويت!!! . . ينخفضُ صوتها تدريجيًا بالحزن. سارة أشفقت عليها لتُردف : أثير يا قلبي لا تبكين كذا وكأنك بتموتين!!! كل شي له علاج أثير : تخيَلي قريت أنه اللي تضعف عنده عضلة القلب يكون معرَض للموت المفاجىء سارة بعصبية : يختي لا تقرين من النت وتوسوسين!!! بكرا تروحين وغصبًا عنك وتكلمين الدكتور وتشوفين وش السالفة! أثير : ياربي يا سارة أقولك ماأبي أطلع مكان! بجلس بغرفتي لين يحلَها ربَك سارة : منتِ صاحية!! تبين تذبحين نفسك! وش فيك يا أثير أنقلبتي فوق تحت عشان تحليل!!! طيب روحي وتأكدي .. بأعرف كيف قدرتي تقرينه وفهمتيه؟ أثير : واضح ما يحتاج! . . . وبغضب . . . حتى عبدالعزيز ما كلَف يتصل ويسأل فيني شي ولا لا! سارة : حوَلتي على عبدالعزيز الحين!! شكلك بتمسكين كل الناس اللي بحياتك وتنتفينهم الليلة أثير بضيق : يعني سارة يرضيك!! صدق ما أبيه يعرف بس يحسسني بإهتمامه شويَ!!! ياربي خايفة حتى أنام! أخاف ما أصحى سارة بغضب : يالله يالله!!! وش هالكآبة اللي عيَشتي نفسك فيها!! أنا من الصبح بجيك وبسحبك لين المستشفى وبتشوفين أثير بدمعٍ لا يجف ولا ينضبَ : ياربي وش أسوي سارة : اللي تسوينه إنك تنامين الحين وبكرا الصبح نروح المستشفى ويشرحون لنا كل شي أثير أغمضتْ عينيْها بعد أن أرهقت نفسها بالبكاء طوال اليوم : تهقين هذا عشان كذبت على عبدالعزيز؟ أخاف دعت عليَ رتيل؟ سارة : يوه يا أثير تحسسيني أنه رتيل منزَهة ما غلطت عليك أبد! خليها تولَي وماعليك منها . . . زين يسوي فيها لو يقطَعها تقطيع حلال أثير بقهر : تسوي نفسها بريئة وهي من تحت لتحت!! لو شفتيها يا سارة كيف هددتني ذاك اليوم!! و ربَك خلتني أرتبك، عيونها شي مو طبيعي!! حسيتها بتذبحني!!! سارة : وتقولين دعت عليك!! خليها تولَي بس . . أنتِ أرتاحي ولا تفكرين بأيَ شي لين تطلع الشمس وأروح معك المستشفى ، بغضبٍ يُضيء عينيْها بالدمع، تحشرج صوتُها وهي تصرخ بـ " ليه ؟ "، أكبرُ من إحتمالاتي يا أمي، وأقسى كثيرًا مما أظن، كنت غبية بما يكفي حتى أصدَق كل هذا، كنت حزينة بما لم يستوعبهُ قلبي حتى أُحجب عن حقيقةٍ مثل هذه! مرَ عامًا على وفاةِ فهد، شعرتُ بأني كبرت فجأة دُونه، أنا التي شعرت بأنني طفلته مهما مضى العُمر، منذُ وفاته وأنا يُصيبني حزنًا تلو حزنْ لأن لا أحد يحميني بعد الله على أرضِه، كان هُناك شخصًا يُدعى فهد يا أمِي يحميني! ولكنهُ رحَل و لم تحميني أنتِ يا أمي. والدتها : وهالحتسي طبعًا من يوسف!! مُهرة بقهر : كل شي يوسف!! ليه أنا ماعندي عقل أفكر فيه . . . ليه يمه!! بس قولي لي ليه؟ والدتها : لا ليه ولا شي! اقطعي هالسيرة قبل لا أقطع لسانتس مُهرة : يعني ماتبين تقولين لي؟ يعني كلامي صح؟ والدتها بغضب : مُهرة!!!! أحتسي بنغالي أنا!! مُهرة برجاء : لا تسوين فيني كذا . . الله يخليك يمه طمنيني والدتها بحدَة : إيه مُهرة أرتجف قلبُها برجفةِ شفتيْها، نزلت دمعتها لتتضبب رؤيتها من الدمع : لا . . لا مستحيل والدتها : من اليوم تحتسين وكلتس ثقة وهالحين تقولين مستحيل مُهرة ببكاء : كنت أبيك تريَحيني وتقولين لا . . فهد مو كذا! فهد أشرف من كل هذا والدتها بضيق : وهذا أنتِ عرفتي!!! أرتحتي الحين! الله لا يريَح له قلب يومه شحنتس ودخَل في راستس هالأفكار مُهرة بإنفعال : لا تدعين عليه والدتها : قلت أبي أحفظ لتس مستقبلتس لكنِن أخطيت يوم أعطيتتس له . . ماهو كفو مُهرة لم تحملها سيقانها لتجلس على الأرض وهي تنخرط ببكاءٍ شديد : كذبتي عليَ! ليه يا يمه . . . ليه . . ليه تضيعيني كذا ؟ والدتها : ما ضيَعتتس! تبينن أقولتس عن سواد الوجه!! ما كنت أبي أهزَ صورته بعيونتس مُهرة : شلون أحط عيني بعين يوسف وأنا أتهمته باخوه؟ شلون أحط عيني بعيونهم وأنا الحقيرة اللي خذت ولدهم وهي كذابَة!!! والدتها : ومين قال أنتس بتشوفينه! خل يطلقتس الله لا يردَه مُهرة ببكاءٍ يتصاعدُ في كل ثانية : ليه؟ ليه توجعيني كِذا؟ . . . ليه تسوين في بنتك كِذا؟ والدتها : لا تناقشينن بشي! أنهي هالسيرة ولا عاد تطرينها قدام أحد مُهرة غرزت أظافرها بخذيْها وهي تتوجَع بحشرجةِ قلبها قبل دمعها : ياربي . . ياربي أرحمني والدتها : يوسف ما يناسبتس! وأنا أخطيت يوم إني زوجتتس إياه!! . . وهالحين بيطلقتس!! مُهرة : وكنتِ تبين تزوجيني منصور وتبيني أشاركه مرته وهو ماله ذنب! يا كبرها عند الله والدتها : لا ما كنت أبيه تطمَني! كنت دارية أنه أخوه بيفزع له مُهرة بصراخ : يمممه ليه . . ليه كذا ؟ حرام عليك والدتها بغضب أحتَد بصوتها : ولا كلمة! تحاسبينن بعد! . . إن عرف احد بالموضوع والله يا مُهرة ما تلومين إلا نفستس . . . خرجت لتتركها تُصارع هذه الحقيقة التي تُبكيها بوَجعٍ عظيم. مالذِي أفعله؟ مالذي أرجوه؟ كيف أواجه يوسف بعد كل هذا؟ أيَ ذلٍ قذفتيه يا أمي في قلبي! أيَ حُزنٍ دفعتيه ناحية صدرِي؟!! ليس من حقي أن أطلب العودة ليوسف، وليس من حقي أن أوافق على العودة، كل شيء ضدَي! كل شيء يُحزنَي، وكل شيء مصدرهُ أنت يا يوسف، كيف سأتجرأ على النظر إليْك ولعائلتك؟ بالنهايـة طريقنا سدَتهُ أمي، يالله! صبَر روحي على هذا الخواء، بنيْنا حياتُنا يا يوسف على خراب ولكنهُ خراب جميل، يا خرابي و يا حُزني، يا فرحي الذي بنيناهُ فجأة و أنهدَ فجأة! أتت الحياةُ ضاحكةً وغادرتني بصورةٍ سريعة، في وقتٍ بدأت أتغلب فيه على ما مضَى وأبدأ معك بدايةٍ صحيحة، بدايةٍ تجعلني أفكَر بأحلامنا المشتركة، ولكننا أنتهينا، " سقى الله موعدٍ(ن) جمعني فيك " ، تحت الفراش، لم تتحرَك طيلة اليوم، منذُ أن رأت غادة الوجه الذي تجهله وهي تضطربُ بشعورها، تبللت الوسادة ببكاءها المستمَر، لا تدرِي لِمَ يُهاجمها الأرق في ليلةٍ مثل هذه! هذا الشعور يالله يقتلني! يقتلني تمامًا، الوحدة التي أشعرُ بها والتي تُجرَدني من صمودِي/صلابتي، أحيانًا يجيئني شعور أنني حاضرُ عزيز و مستقبله ولكن بمثل هذا الوقت أشعرُ أن لا مكان لي في حياته، وقلبي أيضًا! بدأ ينسلخُ من هذا الحُب، قلبي الذي قرر أن لا يُسامحه، لو أنني أعود لحياتي السابقة، لم يكُن هناك همًا يُرهقني ولا حُزنًا يؤلمني، كم كان ثمنُ الأمنُ والأمان غاليًا ولم أستشعرُ هذه النعمة إلا الآن، لم أستوعبُ حجمها العظيم إلا في هذه اللحظات التي توحدَ اللاإستقرار بيْ. على مسافةٍ بسيطة، تركها نائمة ليتأملها وهي تغفو على الأريكة، غطَاها لينحني ببطء ويقبَل جبينها، توجه لغرفته ليعود بخطواته ناحية الغرفة الأخرى، فتح الباب بخفُوت لينظر إليها، مُغطيَة جسدِها مع رأسها بأكمله، أقترب ليشعرُ ببكاءها، تنهَد ليجلس على طرف السرير بمحاذاةِ بطنها : رتيل شدَت على شفتها السفلية المرتجفة حتى لا تصدر صوتًا، أبعد الفراش لتدفن رأسها بالوسادة، بصوتٍ يختنق : ما أبي أشوف أحد عبدالعزيز : إن شاء الله بتشوفيني! . . . طالعيني لم تُجيبه بشيء، كانت تختنق بوصفٍ لا توازيه الكلمات، رفعها وهو يشدَها ليُجلسها، طوَق وجهها بكفيَه لينظر لعينيْها التي تجرِي كالنهر : ليه كل هالبكي؟ هذا وأنا ما جيتك اليوم بشي ولا أحد ضايقك بشي!! رتيل وضعت يدَها على يديْه حتى تُبعدها ولكن تمسَك أكثر : عبدالعزيز الله يخليك عبدالعزيز : أوَل أفهم . . . رتيل دُون أن تنظر إليه : ولا شي عبدالعزيز يمسح دموعها بأصابعه ليُبعد تموجَات شعرها من على وجهها : رتيل رفعت عينها إليْه، غرقت بمحاجره التي تعكسها تمامًا، منذُ أيامٍ طويلة لم ينظرُ إليها بهذه النظرات الحانية/العاشقة. هذه النظرات يا عزيز ما سرَها؟ أتدرِي بما تُذكرني؟ بتلك اللحظة التي عانقتُك بها بكامل رضايْ، اللحظة الأولى التي أعترفتُ لك فيها فعليًا، ورحلت لتشغلني ليالٍ خوفًا عليك، كنت تودَعني بهذه النظرات وبجُملةٍ قصيرة " أنتبهي لي "، وهذه المرَة يا عزيز؟ لِمَ هذه النظرات؟ عبدالعزيز رفع حاجبِه : وشو يا رتيل؟ رتيل ببحة صوتها التي أخذها البكاء : تعبت . . عبدالعزيز أبعد يديْه عنها، أخذ نفس عميق ليُردف : صلي ركعتين ونامي رتيل أجهشت عينيْها بالبكاء من ردَه الجاف، تُعاند نفسِك يا عبدالعزيز! تعاندها بشكلٍ لا يُطاق، كيف تقسُو بصوتِك وعيناك حانيـة؟ كيف تجعلني أعيشُ اللاإستقرار وصدرُك وطَن؟ كيف تقتلني بهذه الصورة البطيئة الساديَة؟ من أجل الله لا تُغرقني بهذا التناقض الإضطراب. عبدالعزيز بردةٍ فعلٍ لا يُفكر فيها : وش تبين؟ أبوك؟ . . أبشري رتيل رفعت نظرُها للسقف حتى تردَ هذه الدموع المنهمرة : أنت نفسك مو عارف وش تبي!! عبدالعزيز : إلا، أبي أعيش! تعبت من هالمُوت. رتيل بوداعٍ يعبرُ صوتها بطريقةٍ مختلفة عن ماهو مُعتاد لكلمات الفراق : تعرف شي . . واضح أنه الحياة قدامِك، إختِك جنبك و صديقِك جنبك و عندِك زوجتك أثير . . واضح كثير إنك بتقدر تتجاوزني يا عبدالعزيز! بس أنا من يردَني ليْ ؟ . . . عبدالعزيز لوى فمِه ليُردف : أظن أنه حكيْك ماهو عتب! رتيل بعينيْها المضيئتيْن، عضَت على شفتِها السفليَة : أعتب على حظَي عبدالعزيز تنهَد ليصمت فترةً طويلة حتى نطق : مو قلتي إنك قادرة تنسيني؟ ليه تراجعتي عن كلامك؟ رتيل : إذا نسيت، قلبي كيف يهدأ ؟ عبدالعزيز تجمدَت حواسُه ناحيتها، جُملةٍ عصفت به في الدركِ الأسفل من لهيبِ قلبه، نظر إليها دُون أن يرمش، نظراتٍ كسرت حواجزٍ كثيرة نصبُوها معًا، أخذ نفس عميق يُجمَع فيه قوَاه ليُردف : الله يعوَضنا رتيل إبتسمت من بين دموعها، إبتسامةٌ كانت سببها ( السخرية على حالها ) : آمين . . عبدالعزيز وقف، يُدرك تمامًا أن دمعُها ذريعة للإنكسار، خرج ليقف في منتصف شقتِه. إلتفتت لتنظُر لظله الممتدَ إلى الغرفة، لم تُسعفها الكلمات، ولكن أتت الأفعال مدويَة، التي تمتدُ من دمعٍ مالح و قلبٍ مرتجف. " كان لي حُبًا جميلاً وحياةً طيبَة، كان لي عزيزٌ على قلبِي وغادرني ". على بُعدِ خطوات تسارع نبضِه بأنفاسٍ تضطرب تمامًا، سمع طرق الباب ليقترب، فتحه وعقد حاجبيه بإستغراب عندما رأى الحارس. الحارس المُسن : أرجوك ( أزيز ) أُريدك ان تساعدني بحملِ بعض الصناديق عبدالعزيز : في هذا الوقت ؟ الحارس هز رأسه بالإيجاب ليُردف : هو صندوق واحد عبدالعزيز تنهَد، ليخرج ويغلق الباب جيدًا . . . نزل معه، تجاوز الطابق الأول لينظرُ للمكان الخالي تمامًا، إلتفت للحارس ولم يراه، ولم يُكمل إلفاتتهُ الثانية إثر الضربة التي أتت على رأسه وأسقطته، . . . . ، خرجت شمسُ الرياض بخرُوجِ الدكتور المنهَك من هذه العمليَة الصعبة، اقترب منه منصور ومن خلفه والدِه الذي أتى منذُ ساعة : بشَر يا دكتور الدكتور : إحنا سوينا اللي علينا حاولنا أننا . . . . ، نزلت للطابق الأول بتعبٍ وإرهاق، لم تأكل شيئًا طيلة الأمس، وضعت يدَها على بطنها إثر الإضطرابات التي تشعرُ بها، تنهدَت بعُمق بـ " يا رب " إتجهت ناحية المطبخ لترتَد الجوهرة إلى الجدار حتى ضربت ظهرها بقوَة بلا تفكير، شهقت من الذي تراهُ أمامها لتـ . . . . . أنتهى |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة () رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ ! الجزء (78 ) المدخل لفاروق جويدَة : لا تذكري الأمس إني عشتُ أخفيه.. إن يَغفر القلبَ.. جرحي من يداويه. قلبي وعيناكِ والأيام بينهما.. دربٌ طويلٌ تعبنا من مآسيه.. إن يخفقِ القلب كيف العمر نرجعه.. كل الذي مات فينا.. كيف نحييه.. الشوق درب طويل عشت أسلكه.. ثم انتهى الدرب وارتاحت أغانيه.. جئنا إلى الدرب والأفراح تحملنا.. واليوم عدنا بنهر الدمع نرثيه.. مازلتُ أعرف أن الشوق معصيتي.. والعشق والله ذنب لستُ أخفيه.. قلبي الذي لم يزل طفلاً يعاتبني.. كيف انقضى العيد.. وانقضت لياليه.. يا فرحة لم تزل كالطيف تُسكرني.. كيف انتهى الحلم بالأحزان والتيه.. حتى إذا ما انقضى كالعيد سامرنا.. عدنا إلى الحزن يدمينا.. ونُدميه.. مازال ثوب المنى بالضوء يخدعني.. قد يُصبح الكهل طفلاً في أمانيه.. أشتاق في الليل عطراً منكِ يبعثني.. ولتسألي العطر كيف البعد يشقيه.. ولتسألي الليل هل نامت جوانحه.. ما عاد يغفو ودمعي في مآقيه.. يا فارس العشق هل في الحب مغفرة.. حطمتَ صرح الهوى والآن تبكيه.. الحب كالعمر يسري في جوانحنا.. حتى إذا ما مضى.. لا شيء يبقيه.. عاتبت قلبي كثيراً كيف تذكرها.. وعُمرُكَ الغضّ بين اليأس تُلقيه.. في كل يوم تُعيد الأمس في ملل.. قد يبرأ الجرح.. والتذكار يحييه.. إن تُرجعي العمر هذا القلب أعرفه.. مازلتِ والله نبضاً حائراً فيه.. أشتاق ذنبي ففي عينيكِ مغفرتي.. يا ذنب عمري.. ويا أنقى لياليه.. ماذا يفيد الأسى أدمنتُ معصيتي.. لا الصفح يجدي.. ولا الغفران أبغيه.. إني أرى العمر في عينيكِ مغفرة.. قد ضل قلبي فقولي.. كيف أهديه بالنسبَة لموعِد النهايـة، إن شاء الله أن البارت الأخير راح يكون بتاريخ ظ¢ظ¥ أبرِيل يوم الخميس بإذن الله الساعة ظ¨ بليل أبغى الكل يكون مجتمع عشان نختمها على خير مع بعض :$ هذا يعني أننا راح نتوقف الأسابيع الجايَة لأن النهاية ماراح تكون بارت وبس؟ بتكون أكثر من بارت بإذن الله. نقدر نقول أنه هذا البارت قبل الأخير ، + قراءة ممتعة . نزلت للطابق الأول بتعبٍ وإرهاق، لم تأكل شيئًا طيلة الأمس، وضعت يدَها على بطنها إثر الإضطرابات التي تشعرُ بها، تنهدَت بعُمق " يا رب " إتجهت ناحية المطبخ لترتَد إلى الجدار حتى ضربت ظهرها بقوَة بلا تفكير، شهقت من الذي تراهُ أمامها لتسقُط يدَها من على بطنها، نظرت إلى عينيْه بملامحٍ شاحبَة تفقدُ " الحياة "، في جهةٍ مُقابلة لها كانت عينيْه تلمعُ بالرجاء، كانت عينيْه أقسى من المُقابلة بوضوح. تُركِي بهمس : الجوهرة الجوهرة هزَت رأسها برفضِ ما تراه/الحقيقة، أعتلت يدَاها لتصِل لأذنيْها، هذا الصوتُ يؤذيني يالله، هذه النبرة " خطيئة " كيف أتجاوزها؟ تتكسَر الحياة يالله ولا يُرممَها في عيني أحدًا، أُريد دفن ما حدث بالماضي ولكنني لا أنساه، ثمَة شقاء لا يُفارقني يبدأُ بمن يُقابلني الآن، الخيبات تُفقدني ذاتي، تهزَ الساكن في يساري، كانت المرَة الأولى لكَ يا تُركي، والمرةِ الثانية فقدتني تمامًا عندما تخلَى عني سلطان، أنا أموت! أمُوت من حرقة صدرِي وبُكاءي. تُركي دون أن يقترب منها، أبتعد للخلف أكثر، أضاءت محاجره بالدمع، رفعت عينيْها إليه لتُردَد بتكرارٍ موجع : أكرهك . . . أكرهك . . . أكره إسم العايلة اللي تجمعني فيك . . تُركي برجاء يُقاطعها : لا تسوين كِذا الجوهرة بصراخ أستنزف صوتها حتى جفَ بالبحَة : الله يحرقِك بناره . . الله يحرقك وينتقم لي منك تُركي سقطت دمعته بضيق صوته : لا تدعين .. الجوهرة ببكاء صرخت : يبـــــــه . . . تُركي بتوسَل : الجُوهرة الجُوهرة بإنهيار وضعت يدها على بطنها لتضغط بقوَة من صرخة الـ " آه " التي ضجَت أركان البيت. تُركي سقط بنهرِ دمعه على " آهٍ " موجعة من بين شفتيْها : آسف الجُوهرة بدمعِها المالح المضطرب : وش ترجَع لي آسف؟ بترجَع حياتي؟ بترجَعني لنفسي؟ . . وش تهمَني آسف؟ تُركي : آسف لأني حبيتك أكثر من أيَ شي ثاني الجوهرة بنبرةٍ تنخفض تدريجيًا بضبابِ رؤيتها : ما أنتظرت منك شي! ما أنتظرتِك تعتذرلي، مين تكون عشان أنتظر إعتذاره؟ تُركي : ما أبي أأذيك والله ما أبي أضرَك الجُوهرة : وش بقى ما ضرَيتني فيه؟ . . يكفي! يكفي تكذب على نفسِك وتحاول تكذب عليَ!!! تُركي : بس أنا . . . تُقاطعه : منك لله أرتفع صدرها بخشوعِ بكاءها ليهبِط بِوجَع، غصَت بالدمع لتتراجع بخُطاها للخلف، تجاهلت كل ألامِ بطنها، تجاهلت " الروح " التي تسكنُ رحمَها لتهرول سريعًا صاعدة الدرج، دخلت غرفتها لتغلقها أكثر من مرَة وهي تلفَ المفتاح بطريقةٍ مبعثرة، وضعت يدَها على صدرها لتبكِي بأنينٍ يؤذِي كل من يسمعها، لا أتوهَم! عاد ليُحرق ما تبقى مني، كيف أعيش بين هذه الجُدران وهو ينظرُ إلى نفس السقف؟ أنا التي أنتقمتُ منك في البكَاء لله، كيف أتعايشُ معك؟ لو تعلم كيف حُزنِي لا يُغادرني وأنَك سببه، لو تعلَم بأن الحياة فلتت من يدِي لأنك / عمي، لم أكُون عروس لسلطان كما ينبغِي ولم أكن صبيَة لأبي كما يفترض، دائِمًا ما كان شعُور الفُقد يواجهني، فقدتُ قدرتي على الثرثرة طويلاً، السهر حتى الصباح بضحكاتٍ لا تنتهي، الجنُون الذي يعرفـهُ بحر الشرقيَة وشاطئها، فقدتُ قدرتِي تمامًا على العيش كصبيَة هواها شرقِي. في جهةٍ أخرى، وقفت بتوتر : إلا صرخت! سمعتها يا عبدالمحسن والله عبدالمحسن هرول سريعًا خارجًا من غرفته، إتجه ناحية غرفتها، طرق الباب ليصِل إليه بكاءها : يبه الجوهرة أفتحي الباب! . . . الجوهرة . . . والدتها : الجوهرة تكفين أفتحي لا تخوفينا . . . وقفت لتفقد سيطرتها على خُطاها، أضطربت حتى وقعت بشدَة على الأرض، وصَل صوتُ وقوعها إلى قلوبهم التي أرتجفت قبل أسماعهم، عبدالمحسن صرخ : الجوهـــرة!!!!! . . . . . أبتعد للخلف ليدفع بجسدِه ناحية الباب، كرر الحركة حتى أنفتح الباب وضرب بجسدِها مرةً أخرى، جلست والدتها سريعًا بجانبها، مسحت على وجهها : الجوهرة . . حبيبتي عبدالمحسن بضيق يُبلل يديْه بالمياه الباردة ليمسح على ملامحها الشاحبَة، عقد حاجبيْه : يبه الجوهرة . . . بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم . . . الجوهرة تقدَم ريَان بخُطاه ليتجمَد أمام المنظر، وقف والدِه ليُردف : بشيلها . . . أنحنى ليتصلَب ظهره عندما وضع يدِه خلف ركبتيْها وتبللت بالدماء، والدتها بخوف إرتجفت شفتيْها : تنزف ؟ عبدالمحسن إلتفت لينظر لريَان : جهَز السيارة بسرعة . . . . ركض ريَان نحو جناحه، خرجت ريم من الحمَام وهي تُخلخل شعرها المبلل بأصابعها، نظرت إليه بإستغراب دُون أن تنطق بشيء وهي تُراقب خروجه المرتبك، سحبت مشبك الشعَر لترفع به خصلاتها، خرجت لتُصادف أفنان : وش صاير؟ أفنان بملامحٍ متوترة : الجوهرة أغمى عليها ريم : بسم الله عليها ما تشوف شر . . يمكن عشانها ما كلت شي! أفنان بضيق جلست على الكرسي : الله يستر لا يصير فيها شي ولا اللي في بطنها ريم : لا تفاولين عليها! إن شاء الله مو صاير شي! تلقينه عشان قلة الأكل . . . . تنهدَت لتنزل للأسفَل، إتجهت ناحية المطبخ لتأتِ بكأس ماء لأفنان، مشَت بخُطى ناعمة هادئة وهي تغرق بتفكيرها، فتحت الثلاجة لتقف متجمدَة في مكانها وهي تستنشق رائحة العطر الرجاليَة الصاخبة، بلعت ريقها المرتجف لتلتفت، بصوتٍ مهتَز : آتـِي . . دخلت الخادمة إلى المطبخ بعينيْها الناعِسة : هلا ماما ريم : فيه أحد جا اليوم؟ آتي : أنا الحين فيه يصحى ريم أخذت نفس عميق وهي تُخمَن صاحب هذه الرائحة، ليس ريَان بالطبع ولا والِده، سكبت نصف قارورة الماء في الكأس لتقترب من النافذة طلَت على الفناء الخارجي للمنزل وأفكارها تتبعثَر من إغماءة الجوهرة و صاحب هذه الرائحة. صعدت لأفنان، مدَت لها الكأس : أشربي أفنان : شكرا ريم : العفو . . . أفنان بسألك وين طاحت الجوهرة؟ بالمطبخ؟ أفنان عقدت حاجبيْها : لا، بغرفتها ريم : يعني ما نزلت ؟ أفنان : لا ما أتوقع! أكيد ما كان فيها حيل تنزل ريم : توَ شمَيت عطر رجالي بالمطبخ وقلت يمكن سلطان جاء أو . . مدري أفنان : سلطان!!! مستحيل وش يجيبه! وبالمطبخ بعد . . يمكن ريَان ريم استسلمت من التخمينات لتتنهَد : عسى أحد بس يطمنَا ، الدكتور : إحنا سوينا اللي علينا حاولنا أننا نعوَض فقدانه للدم، لكن نزف كثير منصور بضيق : يعني؟ الدكتور : الأمر بيد الله، تعرَض قلبه لمضاعفات كثيرة أثناء العملية، راح ننقله للعناية المركَزة و أسأل الله أن يشفيه عبدالله : اللهم آمين . . شكرا يا دكتور الدكتور : العفو واجبنا . . . تركهم بضجَة قلقهم و حُزنهم. منصور إلتفت : وش نسوي الحين؟ كيف نقولهم؟ والده تنهَد : أنا رايح لهيفا . . الله يعين أميمته كيف بنقولها منصور عاد للمقاعِد، جلس ليرفع عينه لوالده : أنا بجلس عندَه أخاف يصير شي . . على الأقل يكون أحد موجود والده يربت على كتفِه : ولا تنسى تطمَني . . . فمان الله . . . خرج متنهدَا بحزنه. يشحذُ القوَة من خُطى ذابلة على طريقٍ لا تهواه ساقه، رفع عينه لسماء الرياض المُشرِقة و السكُون يحفَها في ساعات الصباح الأولى، يالله لا تُفجعنا به وصبَر قلب والدته، يالله لا تفجعها به. في جهةٍ بعيدة بدأت بالقفز وضحكاتها يُرَد صداها، نظرت ليوسف لتتسع إبتسامتها : يُو يُو إبتسم يوسف لها ليمَد يدِه و هيفاء نائمة عليه، همس : تعالي ريف ركضت نحوه لتُقبَل خده : ما جيت زمان !! يوسف : هذا أنا أشتقت لك وجيتك وكنا ننتظرك تصحين أنا وهيفا بس هي نامت وخلتني ريف : بروح أصحَي فيصل وأنت صحَي هيفا يوسف : فيصل صحَى وراح لشغله وبيجينا . . قولي لماما أني موجود هنا ريف إبتسمت لتركض بخُطاها نحو الأعلى : ماما . . . ماما . . . دخلت عليها لتجلس بجانبها على السجَادة، تنظرُ إليها بطريقة تأمليَة، سلَمت والدتها من صلاة الضحى : صحى فيصل وهيفا ؟ ريف : لا يو يو جاء والدتها بحرج : ريف كم مرة أقولك عيب تقولين يويو !! إسمه خالي يوسف ريف بضحكة عميقة أرغمت والدتها على الإبتسامة : أنا مو عيب حتى هو يقول والدتها : يعني عادِي تقولين لفيصل فوفو ريف ضحكت لتُردف : لا فوفو حق بنات بس هو صديقي والدتها : طيب الكلام معاك ضايع . . . هو وينه؟ ريف : جالس تحت و هيفا نايمة والدتها بإستغراب : نايمة تحت؟ ريف هزَت رأسها بالإيجاب لتُردف والدتها : وفيصل؟ ريف : راح والدتها تنهدَت لتقف، نزعت جلالها لتمدَه لريف التي رتبته بطريقةٍ سريعة ووضعته فوق السجادة، إبتسمت والدتها : عفيَة على بنتي . . . خلينا ننزل أكيد الشغالة ما حطَت لهم شي ريف تمدَ يديْها بإتساع : بنسوي كيكة كِذا كُبرها والدتها : نسوَي كيك ليه ما نسوي! تآمر بنت القايد نزلت للأسفل لتتجه للمطبخ بخفُوت، عادت ريف إلى يوسف : ماما بتسوي لنا كيكة كبييرة . . أنا قلت لها يوسف بإبتسامة تُناقض وجهه المُتعب من السهر : شكرا كبيرة ريف جلست بجانبه لتمَد يدها الصغيرة على جبين هيفاء : هيَا تعبانه؟ يوسف بلع ريقه بتوتر : ريف . . ممكن تجيبين لي مويا ريف وقفت : طيب . . . بمُجرد أن غابت ريف عن عينه، همس : هيفا . . هيفا أصحي فتحت عينيْها على ملامحه، ثواني حتى تستوعب لتفَز وتجلس : أتصلوا؟ يوسف : لا . . . صحت ريف وأم فيصل . . مو زين تشوفك كِذا وتنفجع بولدها .. قوَي نفسك شويَ أتت ريف لتمَد كأس المياه بعينيْن مستغربتيْن من حال هيفاء المبعثر وعينيْها التي تُحيطها هالة من السواد بسبب البكاء/الكحل. أخذ الكأس ليمدَه لهيفاء : أشربي . . شربت القليل منه ولحظة وقوع عيناها بعينيَ ريف بكَت محاجرُها، يوسف برجاء : هيفا ريف : ننادي فيصل عشان ما تبكين ؟ أخفضت رأسها لتُغطي ملامحها بيديْها وهي تجهشُ بالبكاء من إسمِه الذي يعبرُ لسانها ببراءة، أنقبض قلبُها بشدَة الإسمِ الذي تفقدُ صاحبه، كان سهلاً علينا يالله لولا هذه الأسماء التي تُبعثرنا، التي تُطيل الوجَع في قلوبنا كلما مرَت أمامنا، مقطعُ إسمِك في هذه اللحظاتِ / ألم لا أَقدِر على ضمادِه. كيف نمنعُ إسمك من العبور أمامنا بهذه الصورة المؤذية؟ كيف نُسكِت الحناجر من نطقه؟ لو تعلم يا فيصَل كيف يضطربُ بنا الحال بمُجرد أن تغفو عيناك بمرضٍ نجهله! لو تعلم فقط أننا نشتاقُك الآن ولا نحتملُ غيابك، حتى ريف يا فيصِل تُريدك بطريقةٍ ما، تُناديك بطريقتها، أحتاجُك " عشان ما أبكي ". تنهَد يوسف : لا حول ولا قوة الا بالله . . . ريف تجعَد جبينها الناعم بإستغراب : يويو . . يوسف رفع عينه إليها : هيفا تعبانة شويَ عشان كِذا تبكي . . صح هيفا؟ فقدت قدرتها على الحديث وهي لا تنظرُ لشيءٍ سوى البكاء المُضببَ لرؤيتها. ريف جلست بجانبها لتدمع عينيْها : قولها لا تبكِي! . . يوسف مدَ ذراعهُ خلف كتفيْها ليسحبها إليْه، حاول أن يمتَص هذا الحُزن بعناقه، همس : أشششش! خلاص قطَعتي قلبي معك . . ريف التي لم تفهم معنى الكلمة جيدًا نطقت : توجع قلبهم صح ؟ يوسف بإبتسامة : لا الحين هيفا بتقوم وتمسح دموعها و تساعد ماما بعد . . وقف ليمدَ يدِه إلى هيفاء : قومي معي غسلِي وجهك من هالبكِي مسكت يدِه ليشدَ عليها ويوقفها، توجه معها للمغاسل التي أمامهم، أتكئ على الجدار لينظر إليها وهي تُبلل ملامحها بالمياه الباردة : لا تسوين في نفسك كِذا! هالبكِي ماراح يعيد له صحته ولا عافيته!! تعوَذي من الشيطان ولا تنهارين وتفجعين أمه الحين . . . خلَيك قوية مثل ما أعرفك . . يالله يا هيوف لا تضيَقين صدري عليك هيفاء أخذت نفس عميق : طيب يوسف إقترب منها ليُقبَل جبينها : الله يصبَرك ويشفيه . . . روحي لأمه ومهدَي لها الموضوع . . وأنا بجلس مع ريف أخذت خصلة واحِدة لتربط بها بقية شعرها، إتجهت ناحيَة المطبخ، رفعت أم فيصل عينها بإبتسامة سُرعان ما تلاشت عندما رأت ملامحها الشاحبة ومحاجرها المحمَرة، تقدَمت إليها وبردة فعل إنفعالية: بسم الله عليك . . وش فيك؟ صاير لك شي؟ مضايقك فيصل بشي؟ لا يكون قالك كلمة من هنا ولا هناك وتحسسَتي منها؟ توَ ريف تقولي أنه راح لشغله! أكيد مضايقك! أسمعيني هيفا يا يمه تلقين فيصل ما يقصد، خليه يرجع وأعطيه كلمتين بالعظم أخليه يعتذر لك! كل شي ولا زعلك يا بنت عبدالله . . هيفاء بمُقاطعة تسقطُ دموعها مرةً اخرى : لا يا خالتي مو كِذا! . . أم فيصل : أجل؟ وش مسوي فيك؟ هيفاء : خالتي إجلسي شويَ . . . جلست على كُرسي طاولة الطعام البسيطة التي تتوسَط المطبخ، ضغطت هيفاء على يداها وهي تجلسُ على الأرضِ حتى تُحدَثها، شحذت نبرتها كي تتزن : أمس حصَل حادث وما بغينا نخوَفك لأنه . . أم فيصل : حادث أيش؟ هيفاء بتوتر عميق تأتأت، فقدت زمام الكلمات و تبعثرَت تمامًا. أم فيصل : تكلَمي! وش صار؟ . . فيصل فيه شي هيفاء بغصَة تُضيَق على صوتها : آآ . . إن شاء الله مافيه الا كل خير أم فيصل بنظراتٍ خافتة تترقب : ماني فاهمة شي . . ولدي فيه شي يا هيفا؟ هيفاء أخذت نفس عميق : بالمستشفى . . صمتتْ، سكنَت حواسَها بعينيَ أثقلها الدمع، نظرت لملامح هيفاء الشاحبَـة/الباكيـة، ليزداد دمعُها توهجًا في محاجرها، يتحركُ عنقها بإنحناءٍ بسيط تسقطُ به دمعةً الأم التي يهزمها تعبُ أحد أبناءها. قلبي يرتجف! لا أريد أن أفقد رائحة إبني ولا صوتُه ولا ضحكةِ شفاهِه، أسألُك يالله قلبًا قويًا يحتملُ هذا البكاء في صدرِي، قلبًا قويًا لا يكسرُه تعبُ فيصل. هيفاء أخفضت رأسها ليُلامس جبينها ركبتيَ أم فيصَل، بعينيَ تائهة وضعت يدها على رأس هيفاء، تمامًا مثل ما وضعتهُ قبل مدَة على رأسه عندما توسَل إليْها أن تُسامحه، مازال صوتُه يضجَ بيْ " والله يا يمه تكسرني دموعك "، يا فيصل أنت من يكسرني والله ويكسرُ قلبي بتعبِه، يا حبيبي أنتْ. همست : مين عنده ؟ رفعت عينها : منصور و أبويْ أم فيصَل رفعت نظرُها للأعلى حتى تتمالك سيطرتها على الدمع المندفع : بروح له . . وقفت لتُردد في نفسِها " لا حول ولا قوة الا بالله " ، تبعتها هيفاء لتُناديها بأكثر النداءاتِ حميمية : يمَه . . أنتظري توقفت عن السير، جلست على الكُرسي لتنحنِي وهي تشدَ على شفتيْها حتى لا تبكِي، تقدَمت إليْها هيفاء : بشُوف يوسف عشان يكلَمهم . . رحلت عنها لتظهر شهقاتها المتتاليَة ببكاءٍ عميق، غرزت أصابعها على ركبتيْها وهي تحاول أن تتماسَك، بصوتٍ يكسرُه الحزن : يا رب لا تُفجعنا به . . يا رب رحمتِك بعبادِك الذين شهدُوا لك بالوحدانيَة والألوهيَة . . . وصَل صوتُ الجرس مداه ليقف يوسف : أكيد أبويَ تو مكلمني . . هيفاء تنهدَت لتتبع يوسف، وقفت عند الباب الداخلِي لتُراقب بعينيْها يوسف وهو يفتح الباب الخارجِي، تقدَم إليه والده : السلام عليكم يوسف : وعليكم السلام . . منصور جلس عنده ؟ والده : إيه . . رفع عينه ليُقابل بنظراته إبنته، أقترب بخُطاه إليها ليمدَ يديْه إليه، عانقها وهو يقبَل رأسها : تعوَذي من الشيطان وأحمدِي الله ما صار له شي كايد! الحمدلله على كل حال . . أنتهت عمليته قبل ساعة تقريبًا و دخلُوه العنايَة المركَزة . . لكن حالته بإذن الله أنها تطمَن يوسف من خلفه : الحمدلله . . هيفاء بنبرةٍ مبحوحة : الحمدلله . . طيب يبه ما نقدر نشوفه؟ والدِه : ما راح تستفيدين شي! بس يقوم بالسلامة تجينه هيفاء : حتى أمه تبي تشوفه والده أبعدها ليمسح دمعها بأصابعه : خلَيك معها ولا تتركينها لحظة، هي أكيد تحتاج لك وأنا أبوك . . وبس تستقر حالته أخليكم تروحون له . . هو ما يحتاج الا دعواتكم وتطمَني يا عيني ، " واللهِ لأتخيَلُكِ حتى تكُوني واقعًا . . . / لا مفَر منه يا فداء العُمرِ! ما سبقِكِ لم يكُن . . من العُمر لأجلكِ يا غادة! كيف أُسأل لِمَ الحُب؟ وهل تُسأل السمَاء لِمَ المطر؟ . . فطرتُنا عيناكِ يا من تسألين عن القلب! عجبٌ سؤال الذاتِ عن الذاتِ " إبتسمْ بعد أن طالت عينيْه النظرُ إلى شفتيْه التي تنطُق بكل حُب لأخته، رفع عينِه : ما يحتاج تتخيَل هي واقعك أصلاً غادة ضحكت لتحمَر وجنتيْها، عضَت على شفتها السفليَة وبخفُوت : ليه تقولها قدامه؟ عبدالعزيز يشربُ من كأس العصير ليُردف دُون أن ينظر إليها ويزيدُ من حرجها : عقبال ما تكتب فيني ناصِر بضحكة : يقُولِك نحنُ لم نصبح شعراء الا من أجلِ ما فعلتهُ بنا النساء عبدالعزيز : مِيغْفِيَوُ! (عجيب/مذهلmerveilleux = ) غادَة وقفت : أنا مضطرة أروح! عندي كلاس بعد نص ساعة . . فمان الله عبدالعزيز رفع حاجبه : كلاس!! . . . أسند ظهرِه على الكرسي لينظر إليْها بخبث . . . طيب ابتعدت لتخرُج وهي تمَر بجانب النافذة التي يجلسُون بالقرب منها، نظرت إليهما بإزرداء/غضب . . لتختفي من أمامهم. ناصِر : عصَبت! عبدالعزيز : خواتي فيهم طبع غريب! إذا هاوشتهم ضحكوا وإذا تغزلت فيهم عصبَوا! . . وش ذا الجينات الغريبة!! ناصِر إبتسم : ما تعصَب إذا تغزلت فيها لكن قدام أحد تتوتر وتعصَب! مو قلت لِك خلنا بس لحالنا دقيقة عبدالعزيز : دقيقة بعدين تصير ربع ساعة بعدين تصير ساعة بعدين تصير يوم كامل بعدين تدق عليَ معليش عبدالعزيز أقابلك بكرا ! ناصِر : والله يا عبدالعزيز صاير بس تتحلطم على الرايحة والجايَة! خلنا نزوَجك عبدالعزيز غرق بضحكتِه ليُردف : دوَر لي فرنسية شقرا ويفضَل إنها تكون من الريف! أحب الغين حقتهم! تعرف أبي أتمرَس الحب صح على إيدهم ناصر : تتطنَز ؟ عبدالعزيز : أمزح! . . خلينا الحُب لك ناصر : ماش! ماعندك أفكار مستقبلية عبدالعزيز بنبرةٍ جديَة : لازم أحب عشان أفكر بمستقبلي!! خلها تجي بنت الحلال ويصير خير ناصر : أحيانًا أشك إنك تحبَ أحد وماتقولي! عبدالعزيز بضحكة صاخبة : إيه هيَن! . . لو احب ما قابلت وجهك رحت خطبتها وتزوجتها ثاني يوم بعد!! ناصِر : ما تتعطَل! وأنا مخليني أنتظرها لين تتخرج بس بنات الناس عادي تتزوَجهم متى ماتبي عبدالعزيز بإستفزاز : إيه طلع اللي بقلبك! والله عاد هذي مو رغبتي . . رغبتها ورغبة أبوي، ناصر : بس أنت أخوها وتقدر تقنعها مير أنت عاجبك الوضع وجايز لك عبدالعزيز : ليه مستعجل؟ ناصر بجديَة عقد حاجبيْه : صرت أخاف ما يجي ذا اليوم من كثر ما نأجل فيه!! عبدالعزيز تنهَد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه!! ليه أفكارك صايرة كئيبة ناصر إقترب منه وبصوتٍ خافت : ذاك اليوم جتني غادة وتبكي تقول حلمانة وخايفة عبدالعزيز : حلمانة بإيش؟ ناصر : عيَت لا تقولي التفاصيل! بس صرت أفكَر أنه هالتأجيل يضرَنا، ما تحس إنه هذي إشارة لنا عشان نعجَل بالزواج عبدالعزيز صمت قليلاً حتى نطق : بكلَم أبويْ ناصر : على الأقل في عيد الفطر عبدالعزيز إبتسم : خلاص أبشر اليوم بقنعه بدل ما تنتظر سنة ثانية نخليها في العيد!! أستيقظ بتعرَق جبينِه من ذِكرى تعبثُ بعقله/قلبه، نظر للسقف الذي يجهلُه حتى إلتقت عيناهُ بعينيْه، أستعدَل بجلستِه ليتأمل المكان الذي يحاصره، يبدُو و لوهلة بيتٌ مهجور لا يسكنه أحدًا منذُ سنوات، أثاث رثَ و تلفاز مكسور، و بابٍ من حديد ملطَخ بالكتابات، أبتعد عبدالعزيز عنه بعد أن أيقظه من هذيانِه، تنهَد وهو يقف. ناصِر عقد حاجبيْه : وين إحنا فيه ؟ عبدالعزيز بحدَة يضع يدِه خلف رقبته مكان جرحه الذي يشتعلُ بحرارته : وأنا أدري عن شي؟ ناصِر أخفض نظره للأرض وهو لا يوَد أن يدخل بجِدالٍ معه. ليتني لم أقولها يا عزيز! كان أسوأ عيدٍ شهدتهُ عينايَ، و أولِ عيدٍ لم يلحقهُ فرح، ليتني بقيْت على موعِدنا السابق الذي كُنَا نعدَ الأيام له، ولكنني تلهفتُ إليْها، للمكان الذي سيجمعنا، عجَلتُ بموعِدنا حتى تبعثر كل شيء، ضاعت منِي، حاولتُ أن أحفظها ولكنها ضاعت! نحنُ الشعراء أيضًا نترك شِعرنا من اجلِ ما فعلتهُ بنا من تُغني عن كل النساء، منذُ ليلة الحادث وأنا لا أعرفُ أن أكتب بجديَةٍ توازي الكلمات، كنت أظنَها مُزحة والله، كنت أظنَ ليلة عرسنا حدثٌ لا يحتمل النسيان، ولكنها نسيتِه و تهدَم فوق قلبي. عبدالعزيز جلس على كرسي الخشب المتآكل لينحني بظهره ويضع رأسه بين يديْه، يشعرُ بحرقَةٍ تصل لأقصى مدى في جسدِه، وقف مرةً أخرى ليركل الكرسي ويُكسره بقدمِه، ضرب رأسه بقوة على الجِدار وهو لا يحتملُ هذا الغضب الذي يتصاعدُ به، سكَن جسدِه ليُلاصق جبينه الجدَار و جرحٌ ينزف من جديد لا يُبالي به. ناصِر وقف ليقترب منه : عبدالعزيز عبدالعزيز دُون أن يلتفت عليه، تصادم فكيَه من شدَة التوتر : مكتُوب عليَ الشقا طول عُمري! لحد يقولي أنت اللي ماتبي تكمَل حياتِك عُقب أهلك! حياتي هي اللي ماتبيني عُقبهم!!! ناصِر بلع ريقه من الحال الذي وصَل إليه عزيز، جنَ جنُونِه فعليًا. إلتفت عليه بعينيَ تبحرُ بحُمرةِ دماءها : بس والله ماراح أتركهم! راح انهيهم واحد واحد . . . صرخ . . راح أقلب حياتهم جحيم!!! . . من صغيرهم لكبيرهم! ناصِر نظر إليْه بعُقدة حاجبيْه : ما جتِك ؟ عبدالعزيز ظهرت عروقِه من رقبته المشدُودة بغضب، ظهر بريق عينيْه الذي يفضحها الحنين، بصوتٍ ينخفض تدريجيًا : إلا! . . ما كانت حلم يا ناصر . . جلس على الأرض ليُردف بإبتسامَة هادِئة : شفتها ، كان في نفسي سوالف كثيرة بس ما قلت لها! ما عرفت كيف أسولف معها؟ . . ناصِر جلس أمامه وركبتيْه تلاصقه، أكمَل : ضايقني إني تعوَدت على غيابها . . ناصر شكَ بأنه يغيب عن وعيْه تمامًا ولا يُدرك بماذا يتحدَث وأمامِ من : عبدالعزيز عبدالعزيز نظر إلى عينيْه التي تعكسه : كثييير ناصر : أيش؟ عبدالعزيز : أشتقت . . ناصِر غصَ حتى شحِب لونُه، نظر لهزيمةِ رفيقه الدنيويَة، تأمل عينيْه التي تهذِي بالحنين/الوَجع، كُنَا نقول حُزن الرجالِ قاسيًا ولم نكُن نشهدُ عليه! إلا الآن! أصبحنَا نشهدُ عليه يا عزيز ونشهدُ عليك، أصبحتُ أرى كيف للدمعِ أن تردَه العزة عن خدَك، كيف له أن يبقى في محاجرِك فقط ليُلهبك ولا يسقُط! يهزَنا البكاءِ في كل مرَة ولا يسقطُ من غصنه دمعة لأننا جُبلنا على الغصَة. : عزيز عبدالعزيز بلل شفتيْه بلسانِه وهو يتنهَد بعمق : أنا بخير! بخير . . قادِر أقاوم كل هذا ناصر : عارف إنك قادِر، بس عبدالعزيز بحدَة : قولها! . . ناصِر : آسف عبدالعزيز إبتسم بتضادِ الشعور الذي يواجهه : تعتذر عن حزني؟ ناصِر : أعتذر لأني مقدر أخلَيك تكون بخير! عبدالعزيز بخفُوت يتصاعدُ الإضطراب في صدرِه، أخفض رأسه : أحاول والله أحاول! . . أقول في نفسي خلني أنسى! خلني أبعِد! ما عاد لي علاقة فيهم، أقول لا أنتظر منهم إعتذار ولا تبرير! أقول روح عِيش بعيييد عن كل هالخراب! وأقول أقدر أقاوم و أنا أقوى من تهزَني هالأشياء، لكنها . . . . . هزَتني! وضعفت، كنت أقول ما يذبحني حرَ القهر وأنا ولد سلطان! لكن الحين أحس . . أحس بشعور غريب، إرتجفَ فكَه من هذه السيرة ليُكمل : كنت أحسَ دايم الموت قريب مني! لكن هالمرَة أحس قلبي يضيق فيني!! ناصِر بنبرةٍ حانيَة يخدُشها الدمع : أنا معك، . . . ضغط على كفَ عزيز ليُردف : قاوم عشان غادة و عشاني! عبدالعزيز بإبتسامة لإسم ( غادة )، تلألأت عيناه بنظراتِ لها إيماءةُ فراق : قول إنَك ما كذبت عليَ؟ ناصِر : ورحمة الله ما كذبت! عرفت قبل فترة، أول ما عرفت مقدرت أقول لأحد، والله مقدرت يا عبدالعزيز، وبعدها قمت أتصل عليك عشان أقولك! بس ما كذبت . . عبدالعزيز صمت لثوانٍ طويلة حتى بدأ يهذِي بوعيٍ يغيب تدريجيًا : ماراح أتركهم . . من يقدر اصلا! . . هم بس اللي يبونه يصير وأنا؟ أنا بعد ابي يصير لهم اللي ما يبونه! أبي . . . أبـ . . . . أغمض عينيْه وقبل أن يقع رأسِه على الأرض وضع ناصِر يدِه، نزع معطفِه ليضعه تحت رأسِ عزيز حتى لا تؤذيه الأرضِ غير المستوية، أصابتهُ الرعشة من البرِد الذي يُداهمه من كل إتجاه في يومٍ باريسي عاصف بالثلوج. وضع يدِه على جسدِ عبدالعزيز ليُغلق أزارير معطفه حتى لا يبرُد، وصَل لصدرِه ليُغلق آخر ازاريره، نظر إليه، لملامحه النائمة بهدُوء، يُدرك حجم الوجع الذي يُصيبه في هذه الفترة، ويُدرك تمامًا أنه ليس بخير. لا نقدِر على محو ما كُتب علينا يا عزيز، إحساسُك بالرحيل " يوجعني " ! لأنني أفهم تمامًا كيف أننا نشعرُ ببعض ما قد يُصيبنا، بُكاء غادة تلك الليلة لم يكُن من فراغ! كانت تُدرك أنها سترحل! واليوم أنت! نحنُ الذين خُلقنا من طين أشعُر أن فطرتنا / ألم. أنحنى عليه ليُقبَل جبينه، أطال قُبلتِه لتسقط دمعته عليه، همس : الله لا يفجعني فيك يا عزيز ، تجلسُ بجانبها بعد أن مشَت ذهابًا وإيابًا في الغُرفة لقُرابةِ الساعة دُون توقَف، بلعت غصَتها بعد أن تصاعدت الحُمرة المحمَلة بالدمع ناحية محاجرها : صاير شي! قلبي يقول صاير شي ضيَ إرتجفت شفتيْها وهي تهزَ قدمها : وعدني يجي! عبِير : ما عاد في قلبي قوة عشان أنتظره هِنا، . . وقفت لتتجه ناحية هاتفها، إتصلت على رقم والِدها " مُغلق "، نزلت دمعتها بمُجرد أن سمعت الردَ الآلي : مُغلق!!! ضيَ بمحاولة لتهدئة وضعهما : أكيد أنه بخير لا توسوين وتوسوسيني معك! عبير أستسلمت لبكاءها : ياربي ليه يصير معنا كل هذا؟ رتيل ماهي فيه وأبوي ماهو فيه! . . . حتى عمي مقرن ماهو فيه!!! كلهم أختفوا . . ضيَ توجهت إليها لتُعاقنها : أششش! إن شاء الله مو صاير الا كل خير . . عبير بضيق نبرتها : لا تهدَيني بهالكلام! لو أبوي صدق طلع له شي كان أتصل علَمنا! لكن أبوي كان مخطط إنه ما يرجع! وين راح بس لو أعرف وين!! ضيَ ضاق صوتُها بالبكاء : لا تقولين كِذا! هو بخير و رتيل بخير وكلهم بخير عبير أبتعدت قليلاً عنها لتُردف : ليه محد أتصل؟ . . لو واحد فيهم هنا يطمنَا! مو من عادته ابوي يروح بدون لا يترك لنا على الأقل عمي مقرن! كلهم راحوا وأتركونا ننتظر ضي قطَعت شفتيْها بأسنانها لتُكرر حتى لا تُصدَق حديث عقلها وعبير : إن شاء الله أنهم بخير في جهةٍ بعيدة أنتهى من صلاتِه ليقف : نايف لا أوصيك! نايف : بالحفظ والصون . . عبدالرحمن أخذ نفس عميق : أستودعتهم الله الذي لا تضيع ودائعه نايف برجاء : لو بس تخليني أروح معك! عبدالرحمن : لا خلَك هِنا، صبرنا كثير وحاولنا كثير لكن بالنهايَة مابقى كثر ما خسرنَا، إذا إتصل سلطان بلغه لكن إذا ما أتصل لا تتصل عليه ولا تقوله شي . . . نايف : أبشر عبدالرحمن بإنهزامية جادَة أكثرُ مما يلزم، وضع السلاح على الطاولة، مُجرَد من كل وسائل المقاومة عدَا قلبه الذي يُدافع بشراهة عن حياة من يُحب، خرَج والثلج يتساقط من سمَاءِ باريس، شدَ على معطفِه الأسوَد ليُتمتم : اللهم إننا ضللنا السبيل فأرشدنا و أخطأنا الطريق فدلَنا، اللهم أحفظه، يا حيَ يا قيوم أحفظهم ركب السيارة ليقودها بنفسِه أمام أنظارِهم، دخل محمَد : لازم نبلغ بو بدر نايف تنهَد : ماراح يفيد شي! ماراح يجي بو بدر باريس ويمسك عبدالرحمن محمد : الوضع تأزم!! نايف : أنا بروح لشقته، لازم أطلَع بنته وأخت عبدالعزيز . . بعدها إذا أتصل بوبدر تبلغه بالموضوع، وخلَك على إتصال معي ، ، تنظرُ إليْه بإزدراء وهو مستلقي على الأريكَة يحاول أن يغفو لساعاتٍ قليلة حتى يعود لعملِه، تكتَفت بثباتِ أقدامها التي تُعاكس ربكة جسدِها الغاضب : وبس؟ سلطان : هذا اللي صار حصَة بغضب تصرخ عليه : قلت لك إتصل عليها تطمَن ما قلت لِك أتصل طلَقها!!! أثبت لِي إنك مراهق في قراراتِك! ما تعرف تتصرف تصرف واحد صح سلطان أستعدَل بجلستِه ليلفظ بحدَةِ نظراته : حصَة لازم تفهمين شي واحد! إنك مهما حاولتي دام انا ما أبي هالشي مستحيل تجبريني عليه حصَة بحالةِ إنفجارٍ تام : إحلف بالله إنك ما تبيها؟ . . . . ما تقدر لأنك متخلف تقول كلام غير اللي بقلبك، تضيَع حياتِك ومستقبلك عشان ترتاح عزة نفسك اللي مدري من وين طالع فيها! يعني إحنا اللي تنازلنا عشان اللي نحبهم و رجعنا لهم ما عندنا عزَة نفس؟ وش ذا التفكير البايخ اللي عايش فيه!!! . . يكفي اللي راح من عُمرك لا تضيَعه مرة ثانية سلطان بخفُوت : ما أبغى أعلَي صوتي عليك! بس لا تستفزيني أكثر حصَة بغضبها الذي لا يُبالي : قولي قرار واحد إتخذته كان بمصلحتك! ليه تسوي في نفسك كِذا!!! أحترم حياتِك وعطَها أهمية مثل ما تعطي شغلك!! . . . سلطان بصوتٍ حاد : لا حول ولا قوة الا بالله . . . سكري هالموضوع ما أبغى أغلط بحقَك!! حصَة توجَه إليه السبابة : ما راح أسكره، لين تقنعني بأسبابك! حياتك ماهي ملك لوحدِك! هي تهمَني يا سلطان!!! سلطان تنهَد : بريَحك من الآخر لو تجلسين من هنا لسنة قدَام ماراح أجاوبك بأيَ شي حصَة بحدَة : لأنك غبي مع خالص عدم إحترامي لك سلطان إتسعت محاجره بالدهشَة : كل هذا عشان مين؟ عشان الجوهرة؟ مين أولى في قلبك أنا ولا هي؟ حصَة : أنت آخر شخص تتكلم عن مين أولى في قلبي! لو لي قدر عندِك ما سويت اللي في راسك ولا كأن فيه أحد يسأل ويبي يتطمَن!! سلطان بغضب عاد للإستلقاء : تمسين على خير حصَة : نام ولا علِيك من شي!! أصلاً عادِي. . ما كأنها حامل في ولدِك ولا كأنها زوجتك اللي تحبها وقول إنك ما تحبها عشان أكسِر هالتليفون فوق راسك سلطان إبتسم بسخرية : هذا اللي بقى! أضربيني عشان تكمل حصَة أخذت جوالها وبقهرٍ يجعلها بحالة من التوتر والحركة الغير منتهية : طيب يا سلطان . . . إتصلت عليها في الجهةِ الأخرى وقف والِدها : بنجيها المغرب وخلَيك عندها أفنان ولا تتحركين أفنان : إيه خلاص لا تشيلون هم! أنتم أرتاحوا وأنا بكون عندها ريَان تنهَد : إذا صار شي إتصلي علينا، أنا بآخذ إذن من دوامي وبرجع لها أفنان : طيب . . خرجُوا جميعًا لتبقى أفنان لوحدِها معها، رفعت عينها إليْها : كيفك الحين؟ الجُوهرة ببحَة صوتها المتعب : تمام أفنان جلست بجانبها : ماراح تقولين لي وش فيك؟ الدكتورة تقول أنه حملك مهدد والسبب إهمالك!! ليه تسوين في نفسك كذا؟ هذا أول حفيد في العايلة يعني مفروض تتحمسين أكثر مننَا وتهتمين بنفسِك وبالروح اللي بداخلك! لا أكلتي أمس ولا غيَرتي جو معنا! حابسة نفسِك بالغرفة وتبكين . . وخير يا طير يا سلطان! ماهو أنتِ اول من تتطلق! الله بيعوَضك باللي أحسن منه . . . عساه . . تُقاطعها : لا تدعين أفنان بعصبية : قهرني الله يقهر العدو . . هو ما قال والله ماراح آكل ولا راح أنام عشان الجوهرة ماهي فيه! تلقينه عايش وعادِي عنده لكن أنتِ ماهو عادِي عندِك!! الجُوهرة بشحُوبِ ملامحها البيضاء عقدت حاجبيْها : متى راح أطلع؟ أفنان : شوف وين أحكي فيه ووين تحكين!! يالله عليك! . . . الجُوهرة بضيق : وش أقول يا أفنان! من الصبح وأنتم تعيدون عليَ نفس الكلام! والله فهمت والله يثبَت حملي . . بقى كلمة ثانية ما قلتوها؟ أفنان تنهدَت : بالطقاق طيَب!! الجوهرة بلعت ريقها : ما جاء أحد اليوم؟ أفنان : أحد مثل مين ؟ الجوهرة : مدري! يعني عمَي عبدالرحمن ما جاء؟ أفنان : عمَي عبدالرحمن! لا محد جاء . . أنتم على فكرة غريبين مرَة! ريم تقول فيه ريحة عطر رجالي بالمطبخ وأنتِ تسألين عن عمَي!! قاطعها هاتفها الذي أشترتهُ حديثًا بعد أن تكسَر هاتفها السابق على يَد سلطان، أفنان نظرت إليْها : لو هو لا تدرين عليه! بعدها تتوترين ويالله نهدَيك! الدكتورة تقول . . الجوهرة تُقاطعها بغضب : الدكتورة تقول أبعدي عن التوتر . . فهمت والله فهمت كل حرف قالته أفنان بدهشَة نظرت إليها لتقف : طيب . . بروح أجيب لي قهوة قبل لا تفجرين راسي . . . خرجت لتتركها. سحبت نفسها لترفع ظهرها قليلاً، مدَت يدها نحو الهاتف لترى " أم العنود " أجابت : ألو حصة : السلام عليكم الجوهرة : وعليكم السلام حصة تُظهر جهلها بما حصل : قلت أسأل عنك دامِك ما تسألين! الجُوهرة بنبرةٍ متعبة : أعذريني، بس حصَة تنظر لسلطان الذي يضع ذراعه على جبينه ويُغمض عينيْه بهدوء وكأنه لا يهمه الأمر : بالأول صوتك وش فيه تعبان؟ الجوهرة : دخلت المستشفى حصة صمتت قليلاً حتى أردفت بخوف : صار لِك شي؟ الجوهرة : لا الحمدلله أنا بخير وإن شاء الله بيطلعوني قريب حصَة عقدت حاجبيْها وهي تعضَ لسانها بقهر من لامُبالاة سلطان : الجوهرة لا تخبَين عليَ شي! طمنيني الجوهرة : والله ما فيني الا كل خير، حصَة بصوتٍ عالٍ يملئه القهر يضجَ بمسامعِ سلطان : إذا أحتجتِ أيَ شي إتصلي عليَ الجوهرة : ما تقصرين يا أم العنود حصَة : بحفظ الرحمن وأنتبهي على نفسك الجوهرة : إن شاء الله . . مع السلامة، أغلقته لتُقيم مراسِم من الصراخ في وجهِه : ما عندِك أيَ مسؤولية!! سلطان وقف : أنا غلطان يوم رجعت ونمت هنا! مفروض أروح لأيَ فندق وأجلس فيه لين تنسين سالفة الجوهرة .... أنحنى ليأخذ مفاتيحه وهاتفه لياتِ صوتُها مقاطعًا : الجوهرة بالمستشفى. تجمَد في إنحناءه ليرفع عينه بتوجَس : بالمستشفى!!! حصة : إيه! والله أعلم وش صاير لها تقول إنها بخير سلطان عقد حاجبيْه : وش فيها؟ حصَة : إتصل وتطمَن بنفسك. . ولا أووه صح نسينا ينقص من رجولتك ولا هو من شيْم الرجَال إنك تتصل على مرتك تتطمَن عليها سلطان : مفروض إنك أكثر شخص يوقف معي حاليًا لكنك صرتي أكثر شخص واقف ضدَي حصَة : تدري لو ما أنت غالي عليَ كان نتفتِك بأسناني الحين من قهري سلطان بسخرية : لا أبد ما قصرتي! كل هذا وأنا غالي عليك حصة بحدَة : ما راح تتصل؟ . . دارية! طبعك الخايس ما تخليه . . سلطان مسك هاتفه ليتصِل أمامها ويكسر كلمتها وإتهامها له، في الجهةِ الأخرى نظرت لإسمه لتضعه على الصامت. : ما ترَد! حصة : من زين فعايلك عشان ترَد عليك سلطان بغضب : حصَـــة!!! حصَة : وأنا صادقة! ترَد عليك ليش؟ سلطان جلس : أمرك غريب! تقولين طبعي خايس وما أرفع السماعة وأتصل! ويوم أتصلت وكسرت كلمتِك ليْ قلتِي من زين فعايلك عشان ترَد عليك حصة صمتت قليلاً حتى تلفظ : رجَعها يا سلطان سلطان : هذا أمر مو بإيدي ! لو هي نصيبي محد بيردَها حصة بغضب : تستهبل! الله وهبنا الأسباب عشان نعمل فيها مو نجلس نقول والله اللي كاتبه ربي بيصير! . . الله يـ . . . أستغفر الله ما أبي أدعي عليك سلطان تنهَد ليتصِل مرةً اخرى : لاحظي بس إنك من اليوم تتصرفين معي بتصرفات والله العظيم لو تجي من غيرك لأدفنه بأرضه حصَة بتهكُم تجلس : إتصل من جوالي . . . مدَتهُ إليه سلطان أخذه ليتصل عليها، تمرَ ثواني طويلة حتى تُجيب بصوتها المتعب : هلا سلطان وقف ليبتعد عن أنظارِ حصَة، وصلت لها أنفاسِه المُتعبَة أيضًا لتُدرك تمامًا من خلف الهاتف : هلا بِك الجوهرة أرتجفت شفتيْها بربكة الحُب التي لا تستطيع التخلي عنها، أردف : الحمدلله على السلامة . . لم تُجيبه، أكملت صمتها حتى تستفزُ كل خلية تجري بدمِه كما أستفزَها بأمرِ الطلاق، تنهَد : شلونك الحين ؟ لستُ بخير، مضطربة! أشعرُ بأنني غير موجودة على خارطتِك وهذا يُزعزع كبريائي الذي يُحبك، ستُكمل حياتِك يا سلطان وتترك لي بقايا حياة أعِيشُها. ظالِم! حتى في سؤالِك تقسُو، أنت تعلم جيدًا من صوتي الذي تحفظه بأنني لستُ على ما يُرام ولكنك تسأل لتُزيد وجَع البحَة المترسبة فوق صوتي، لتُحزني أكثر بعدم قدرتي على التخلي عنك. الجوهرة بنبرةٍ هادِئة مُتعبة : بصفتِك أيش تسألني؟ سلطان : حطَيني بأيَ صفة!! الجوهرة بسخرية : إيه معليش أعذرنا، لو ما كنت حامل ما أتصلت بس عشان تتطمن على ولدِك! أبد حبيبي هو بخير . . . نطقت كلماتها بسخريةٍ لاذِعة تؤلمها قبل أن تؤلمه، وكلمَة " حبيبي " التي تطفُو على السطح مُبكية جدًا. سلطان بخفُوت : خذيتي أسوأ ما فيني وتطبَعتي عليه! الجُوهرة : طبعًا! ما يعجبك الا الرضوخ، تبيني بس أقولك تآمر وسمَ!! . . أيَ سؤال ثاني؟ صوتِك يوتَرني ويمرضني والدكتورة موصية إني أبتعد عن الأشياء اللي توترني! سلطان : صرت الحين أمرضِك؟ الجوهرة بلعت ريقها : تآمر على شي ؟ سلطان يحاصرها من الزاوية الضيَقة : تسأليني بصفتي أيش؟ الجُوهرة أضطربت أنفاسُها من السؤال الحاد الذي لا هرب منه، طالت الثوانِي بينهما في حديثٍ تتبادلهُ الأنفاس، نطقت : بصفتِك أبو اللي ببطني لا أكثر سلطان تنهَد بعُمق ليُثير البكاء في صدرها : وش صار لِك؟ ليه تعبتي؟ الجُوهرة : ضربت ظهري بالجدَار وبعدها أغمى عليَ سلطان بتشكِيك : ضربتيه كِذا؟ الجُوهرة : مو لازم تصدقني! سلطان بغضب صرخ بعد أن تمالك نفسِه لآخر لحظة : الجـــــوهرة!!! أرتجف قلبها بزفيرٍ محبوس لا يفلتُ من بين شفتيْها. أنا عالقة بِك! إن ضاع قلبِي كيف أسألُ عنه و كيف أطلبُ من صاحِب السطوَة التي حللَها قلبِي بغيرِ مسؤولية؟ أبكِي وكيف لا أبكِي!! هل أنساك بالبكاء؟ أم أبكِي لأن لا شيء يُنسيني إيَاك! تُفزعني هذه النبرَة وأنا التي ملكتُ كوْنِي بسوادِ عينيْك، حتى أدركتُ بأن أوجاعِي أوطانِي و ممالِيكي من دَمع، يا قيمَة الحياة وإتزانها كيف أُقيم للمُقبل من أيامنَا وزنًا وأنت لا تُشاركني بها؟ أأدركَت فداحة ما فعلتهُ بي؟ مُجرم! قتلتني ولم تُحيي ما قتلتهُ في نَفسي. سلطان بتوترٍ يضطربُ بداخله، لم يكُن ينقصه مآسآةً أخرى تنفجرُ في قلبه : أنتِ اللي تبين تتعبين نفسِك! وتضيَقين على روحك!! الجوهرة أخذت نفس عميق بعد إضطرابٍ لثوانِ : ما أحتاج وصايا مِنك، أنتهى كلامك ولا باقي؟ سلطَان بسخرية : صاير محد ينافسك بالقساوة!! برافو والله الجُوهرة بهدوء : تستهزأ فيني؟ كالعادة ما تسمح لِك نفسِك إنك تحترمني شويَ!! أظنَك تحتاج إستشاري أسرِي يعلَمك كيف تحترم اللي حولك!! سلطان بهدوء يُناقض البراكين التي تُقيم في صدره : أعرف أحترم اللي حولِي وما أحتاج احد يعلَمني! الجُوهرة تُقلَد نبرتِه بلذاعة : برافو والله سلطَان صمت قليلاً وهو يضغطُ على الهاتف بإتجاه إذنه، تُفسدِين صوتِك بحدَة الكلمات وأنا لم أعهَدكِ بهذه الصورة؟ كيف أفسَر مآسآتي؟ مررتُ بصعابٍ في حياتي لا تُعَد ولا تحصى ولكن مآسآةٍ كهذه لم أُجربَها إلا هذه الفترة، فشلتُ بإنهاء جريمةٍ عبثت بنا لسنوات، و عطفًا عن ذلِك أفشلُ الآن بالإطمئنان على أشخاصٍ يُهمني أمرهم، وأفشلُ معكِ أيضًا. من يشرحُ خدشُ صوتِي؟ و مصيبتي؟ لا أطلبُ من أحد أن يتحمَل غضبي و حُزني، في هذا الوقت أهجُو الجميع وأصرخ على الجميع، يشتعلُ صوتي بغضبٍ حبستهُ لأيامٍ طويلة، ولكنهُ خرَج! هذا الحُزن خرج كـ / صراخ. : لو إنَك قدامِي كان علَمتك يا بنت عبدالمحسن كيف تقلدين صوتي؟ الجوهرة ضحكت ببحَة صوتها المتعبة، رُغم وجَعها من كلماتها التي تُصيبه إلا أنها لا تتخلى عن قوْلها سلطان قطَع شفتِه السفلية بأسنانه على صدى ضحكتها المبحوحة، أردَف : خليني أخلَص شغلي و أعلمَك كيف تقولين هالحكي قدامِي!! الجُوهرة : على فِكرة أهلي صار عندهم خبر . . سلطان : أتوقع إنك ما تجهلين في الدين كثير وتعرفين إنِك مازلتِ في ذمتي! لا خلَصت العدة ذيك الساعة تكلَمي! مفهوم؟ الجُوهرة بإنفعال تنهدَت : مع السلامة سلطان بهدوء : جربَي تسكرينه في وجهي! الجوهرة أمالت شفتيْها بلا حولٍ ولا قوَة، مازلتُ متهكمًا يا سلطان!! سلطان بضحكة يرَدها إليْها بصوتِه الذي يزدادُ تعبًا مع السهر : شاطرة . . مع السلامة . . . أغلقه دخلت أفنان على إغلاقها للهاتف : لا تقولين لي إنَك توَك تسكرينه من عمته!! ماشاء الله عليك كل ذا سوالف!! الجوهرة نظرت إليْها بتجمَد ملامحها، أفنان مدَت يدها أمامها بضحكة : وش فيك تصلَبتي؟ الجوهرة بقهر أخذت كأس المياه الذي بجانبها لتشربه بإندفاع حتى تبللت رقبتها، أفنان : بسم الله عليك! وش فيك؟ سحبت منديلاً لتمسح رقبتها، نظرت إليْها : ليه تأخرتِي؟ أفنان : لقيت صديقتي وسولفت معها شويَ قلت لين تهدين بس شكلك اليوم مزاجك ماراح يهدأ الجُوهرة : أبغى أنام أفنان : طيب نامي الجوهرة بإنفعال لا تدرِي إلى أين يُوصلها : لو أقدر أنام كان نمت بدون لا أسألك! نادي أيَ أحد يعطيني منوَم!! أفنان تنهدَت : طيب . . في جهةٍ اخرى وضع الهاتف بجيبه لتعتليه إبتسامة، همس : مجنونة!!! إلتفت ليرى عمتِه : أيَ أوامر ثانية يا أم العنود؟ حصة تنظرُ لملامحه بتفحَص لتبتسم بعد أن لمحت امرًا جميلاً بعينيْه : بترجَعها؟ سلطان ببحَة بدأت تتسلل إلى صوته المُرهق : ترى عادِي تكون علاقة الزوج بطليقته حلوة! إذا شفتيني أضحك معها ماهو معناته إني برجَعها!! حصة تغيَرت ملامحها : حسبي عليك . . أستغفر الله! الشرهة ماهو عليك الشرهة على اللي يحاول يصلَح الدرج اللي في مخك!! . . سلطان أستلقى على الأريكَة : تمونين يا حصَة قولي اللي تبين مانيب رادَ عليك حصة : لا تكفى ردَ! . . . . ياربي لك الحمد إنها حامل وعدَتها 9 شهور يمكن الجنون اللي في راسك يهجد جلست بقُربه وقبل أن تنطق شيئًا قاطعها : بعد ساعتين لازم أطلع لشغلي! فخليني أنام الله يرحم لي والديك حصة بخفُوت وهي تحاول أن تؤثر عليه بالكلمات : ما ودَك تشوف كيف يمَر شهرها الأول والثاني والثالث والتاسع! ما ودَك تراقبها مثل كل الرجَال! تشوفها كيف تصحى من حركاته ببطنها! ما ودَك تحس فيه وهو يتحرَك؟ ما ودَك تشوفه لمَا تروح معها للمراجعه؟ ما ودَك تلاحظ تغيرَاتها بتغيراته؟ تدري إنه الحامل تكون جميلة بشكل ما تتصوَره!! نظر إليها بتنهيدة : ما تهمَني الأشياء ذي حصَة : أهم شي يجي هو بصحة وعافية والحمدلله حصَة بإبتسامة : ما ودَك تصحَيك وتقولك يا سلطان أنا متوحمة على . . . كمثرى مثلاً ؟ سلطان : ما أحب أحد يصحيني بدون لا أطلب منه حصَة : خلاص مو لازم تصحَيك! مثلا تجلس معها وتقولك أنا متوحمة على . . يُقاطعها : حصَة تكفين بنام! حصَة تنهدَت لتقف وهي ترمي عليه الخُدادية : ما ينلام اللي قال الحمدلله الذي خلقني رجلاً كي لا أحب رجُلاً ، حاولت أن تسترخِي كثيرًا وتُبعد التوتر الذي يُصيب أجزاءها ولا فائِدة من كل هذا، مازالت يدها على مقبض الباب منذُ نصفِ ساعة. أجهلُ السبيل لمُحادثتها، أشعرُ بشعورٍ غريب نحوْها، أعتدتُ لسنةٍ بأكملها على أن عائلته بأكملها متوفيَة وفجأة تظهرُ / غادة، يحدُث هنا أمرٌ غريب! مازالت صورته بالأمس في ذاكرتِي عندما قابلها، كيف أنهُ أرتخَى بذبُول جسدِه ونظر إليْها لأولِ مرَة، نظرتُه التي لا أفهمُ شيئًا منها سوى الصدمة، كانت عينيَ عزيز حُطامًا يُحكَى، أنا وبلحظةٍ ما أشعرُ بأن الكون ينطبقُ عليَ ويدهسني كُلما فكَرت بسوءٍ عن من أُحب، كيف حالُ عبدالعزيز ؟ كيف أستطاع أن يعيش هذه المُدَة ولا أحد بجانبِه! أفهمُ قسوتِه/تناقضاتِه/إضطراباته الناتجَة عن ما حدَث له رُغم أنَك تستثير كل الكلمات السيئة بنظراتِك حتى أنطقها لك، ولكنني لا أَقدِر على قوْل أنني أُسامحك. فتحت الباب لتُميل شفتيْها بربكة، إلتفتت لتراها واقِفة أمام النافِذة، شعرت بها غادة لتلتفت بإبتسامة : صباح الخير رتيل شتت نظراتها : صباح النور غادة : عبدالعزيز صحى؟ رتيل بدهشة نظرت إليها : عبدالعزيز! . . آآ ما نام عندي أصلاً غادة رفعت حاجبها بإستغراب : غريبة! أجل شكله راح لدوامه . . . نظرت لربكة رتيل لتُردف بإبتسامة : ما تعرَفنا كويَس أمس رتيل بدأت أصابعها تتشابك نسيْت كل الكلمات، لا تُصدَق بأن من رأتها أول مرة في مقطع فيديو تراها الآن حقيقة. غادة : ما تعرفين جوال عبدالعزيز الجديد؟ لأن القديم قال أنه رماه رتيل : ما طلَع واحد جديد غادَة جلست لتنظر إليْها : على فكرة ما آكل رتيل تصاعدَت حُمرة الخجل إلى جبينها، جلست على الأريكَة المُقابلة : مو قصدِي! أعتذر غادة عادت لصمتها، طال الهدوء بينهما حتى قطعتهُ بعد دقائقٍ طويلة : متشوقة أشوف صور عرسكم، بلعت ريقها وعينيْها معلَقة بعينيَ غادة، للمرةِ الأولى أشعرُ أنني مآسآة! وأن ما يحدثُ ليْ مصيبة، أين ذكرياتنا يا عزيز؟ ذكرياتنا التي تُجسَد بصورة؟ لا نملك شيئًا للحياة نُبرهن من أجلها و من أجل الذاكِرة المريضةُ بك! يالله، مُدَ لي بفرجٍ منه/ ومن هواه. غادة بتوتر : مو قصدِي أشوفها الحين! بس . . رتيل بعينيْن تُضيء بالدمع المحبوس في داخلها، إبتسمت وهي تمَد أكمامها القطنية حتى نصف كفَها : ما سوينا عرس غادة شتت نظراتها، لتتداخل أصابعها فيما بينها، عادت ذاكرتها المُتعبَة لضوضاءِ مشاهدٍ تجهلُها. للتو تجاوزت أمرُ السنين وتأقلمت معها، ذكَر لي ناصِر ما حدث في السنواتِ الخمس الأخيرة، ولكنني الآن! أشعرُ بأن أحدًا يعجنُ عقلي بذكرياتِه، مشوَشة التفكير! لا أفهمُ تمامًا ما أتذكرهُ وأين مصدرِه، يضطربُ عقلي بمشاهدٍ لا أُدركها. " وليد خلفِي على متن سفينة تعبرُ بحرٌ شاسِع الزُرقَة، ناصِر في إحدى المقاهي يبتسمُ إلي، ضحكاتُ العيد تتغنجُ من بين شفتيَ أمي، مُبارة السعوديَة الكرويَة تجمعنا، إتصال والدِي المُباغت في تلك الليلة، تجربتي بإرتداء الفستان الأبيض، تأخر عزيز عن الحضور ليلة . . . . " يالله ما هذا ! أخفضت رأسها وهي تطوَقه بين يديْها بصداعٍ يفتكُ خلاياها، إرتجفت شفتيْها من الذي يحدثُ لها. رتيل بخوف أقتربت منها : غادة؟ .. .. مدَت لها كأس الماء الموجود على الطاولة . . غادة رفعت عينها المحمَرة بالوجَع : وين عبدالعزيز ؟ رتيل : والله ما أدري! أكيد بيرجع الحين غادة أخذت كأس الماء لتُبلل الجفاف الذي صابها، أخذت نفس عميق من تلخبط الأحداث في دماغها، همست : ناصر!! رتيل أرتجفت أطرافها من دهشَة عينيْها التي تستذكرُ الأحداث على هيئة دمع، جلست على ركبتيْها أمامها : أسترخي بسم الله عليك غادة عقدت حاجبيْها لتسيل دمعة رقيقة على خدَها، تنظرُ لعينيَ رتيل، أطلقت " آخ " خافتة بعد أن توجَعت نفسيًا من ضربة السيارة التي أنقلبت في ذاكرتها، أغمضت عينيْها بشدَة وهي تنظرُ لولِيد أمامها و ناصِر من خلفها، و حُطام السيارة بجانبها، وأصواتِهم/صرخاتهم تتداخلُ بها، سقطت دمعةً تلو دمعة لتضغط بكفَها على كفَ رتيل وهي تحاول أن تستمد بعض من قوَتها، بهذيَان : أشهد أن لا إله الا الله . . . أبعدت كفَها عن رتيل لتضغط بها على رأسها وهي تتألم ببكاءٍ عميق : قالوا بنسوي العملية لكن ما نجحت! قالوا بس يرجع نظرك بتتذكرين تدريجيًا . . . رتيل بربكة وقفت، لم تفهم شيئًا مما تقوله وهي تتألم منظر غادة ومن وجَعِها الذي يُصيبها ويكسرها أمامها : تعوَذي من الشيطان . . رفعت غادة عيناها المحمَرة بدمعٍ مالح، برجَاء : أبي أتذكر! . . أنا أنسى كل شي . . وش قيمة الحياة بدون ذكريات؟ رتيل جلست بجانبها لتحاول أن تتجرأ بصوتِها، كررَت الإستغفار في داخلها حتى وضعت يدَها على رأسِ غادة لتقرأ عليها كما اعتادت أن يقرأ عليها والِدها الذي لم يضع أيَ إحتمال أن طيْشها لم يمنعها أن تحفظ القليل من القرآن : إذْ يقولُ لصاحبه لا تحزَنْ إن الله مَعنا فأنزَل اللهَ سَكينتهُ عليه وأيَده بجنودٍ لَمْ تروْها . . . . . هو الذي أنزَل السكينَة في قلوب المؤمنين ليزدادُوا إيمانًا مع إيمانهم . . . تلعثمت ليسكَنُ صوْتها مع سكينة غادة، رفعت نظراتها للاعلى حتى تمنع تدافع الدمع، أخذت نَفس عميق ليربت على قلبها صوتُ والِدها، عندمَا كان يقرأ عليْها حتى يُخفف وطأة قهرها من زواجها بعزِيز، مازال صوتُه يُردد " فستذكرُون ما أقولُ لكم وأُفوَضُ أَمرِي إلى اللهِ إن الله بصيرٌ بالعباد، فوَقاهُ الله سيئاتِ ما مَكرُوا وحاق بآل فرعون سوءُ العذاب " يا رب أحفظ والدِي، و أعفُ عن خطايايَ التي فعلتها بحقَك قبل أن أفعلها بحقَه، يارب لا تفجعني بحياةٍ تخلُو مِنه، إن حلوْ العُمرِ من عينيْه، فكيف يطيب العيش دُونه ؟ ، * يتقدَم إليْه رجلان ليفتشانِه ويتأكدان من خلوِ ملابسِه من أيَ سلاح. أيَ ذلٍ أعيشهُ الآن، أيَ حُزنٍ يُصيب أضلعي و يفتكُ بها؟ هل أتاني ما أتى مقرن؟ هل أرتضى بالذلَ من أجلِ أن لا يشي بشيءٍ يضرَنا! في كل مُحيط يحفَنا يحتاج أحدَنا أن يكون الضحيَة من أجل البقيَة، رحَل عبدالله القايد أولاً ثم سلطان العيد ثم مقرَن ثُم . . . ؟ من يأتِه الدور بينما رائد لم يتخلى عن دوْره الشرس بعد! الله يعرفُ كم جاهدنَا حتى لا تُهدَر دماءِ احدٍ منَا، الله يعرف كم حاولنا! ومازلنا نحاول، ولكننا مخذولين! مخذولين جدًا. دخَل لتسقط عينيْه على سليمان المقيَد من قدميْه حتى يديْه واللاصق يُغطي فمه، إلتفت ليرى رائد جالس بكل أريحيَة. رائد بإبتسامة : حيَ من جانا! عبدالرحمن بجمُود : وين عبدالعزيز و ناصر ؟ رائد بضحكة وقف : كِذا تتفاوضون؟ عبدالرحمن يُدخل يديْه بجيُوب معطفِه : أحاول أكون لطيف معك رائد : تطمَن ولد سلطان و ناصر بالحفظ والصون! حتى خليتهم مع بعض!! شايف قلبي الرحيم قلت يسلَون بعض! عبدالرحمن بنبرةٍ واثقة : طبعًا راح تطلَعهم الليلة قبل بكرَا وبعدها مالِك أيَ شغل معهم رائد : أول أتأكد عبدالرحمن : أظنَ إني أنا أكبر دليل قدامك!! رائد إبتسم بسخريَة : يعجبني حُبك لولد سلطان! واضح الغلا من غلا أبوه عبدالرحمن بتجاهل : بكرَا راح توقَع لآسلي ومالنا أيَ علاقة! بتطلَع رجالِك اللي بالرياض وبكِذا سوينا كل اللي تبيه رائد : باقي شي واحد عبدالرحمن تنهَد : وش بعد؟ رائد : أبي المستندات اللي كانت مع سلطان ومقرن! عبدالرحمن : ما نملكها رائد غرق بضحكةٍ صاخبة حتى نطق : أضحك على غيري! عبدالرحمن إبتسم : أظنَك فاهم كثير إننا فقدنا سيطرتنا عليك وعلى خياسِك!! رائد جلس ليضع ساقًا فوق الأخرى : إيه طبعًا مو فقدها قبلكم سلطان وراح بحادِث! والله يستر وش بيصير فيكم! ما وصلَت لك الخبر بنتِك قبل سنة؟ ما قلت لكم لا تلعبون بالنار!! عبدالرحمن ببرود : الشكوى لله، مفروض نآخذ حكيْك المرة الجاية بجديَة أكثر!! رائد : بس أنا ماراح أسوي أيَ شي إلا لمَا يجيني سلطان!! عبدالرحمن ضحك من شدَة قهره ليُردف : وش تبي بالضبط؟ تحاول تلعب معي بوقت حسَاس مثل هذا! رائد : أنا ؟ عفوًا! لكن هذا طلبي وغيره ما راح يتَم شي عبدالرحمن : ماهو من صالحك!! رائد إبتسم : ما ترضى بعد عليه؟ . . أحييك والله كل الناس عندِك مهمَين! عبدالرحمن بإستفزاز : لأن اللي حولي رجَال لازم أخاف عليهم! لو حولي كلاب ذيك الساعة قول ليه كل الكلاب مهمين عندِك! مع العلم إنك برَا الحسبَة رائِد أخذ سيجارته ليُشعلها بعد أن أشتعل صدره بالغضب، نظر إليه : بالنسبة لي كلاب معي بالحلوة والمُرَة ولا رجَال يشتغلون من ورايْ ويخططَون! . . رفع حاجبه مُردفًا بإستفزاز أكبر . . ولا ما وصلِك العلم من سلطان ؟ عبدالرحمن بإبتسامة يخفي حدَة قهره : لا تحاول تستفزني بشخص خدَم وطنه! رائد بسخرية : وأنا خدمت وطني بطريقتي الخاصَة عبدالرحمن أخذ نفس عميق : أبي أشوف عبدالعزيز رائد بسخرية لا تنفَك عنه، وهو يُترجم نظراتِه : ليه؟ تبي تودَعه؟ لهدرجة مو ضامن مسألة رجوعك منَي! عبدالرحمن : ماهو أنت اللي بتآخذ منَي حياتي! مُشكلتك منصَب نفسك مسؤول عن أعمارنا و تتوقع أنه حياتنا بإيدك!!! أصحى على نفسِك! شغلك هو اكبر همومي أما أنت ما تشكَل ولا 1ظھ من عقلي!! لو تجي من غيرك بتصرف بنفس التصرف! فلا تتوقع إنك تعيش بمُلك عظيم وإننا تحت سيطرتك!! رائد يزفر دُخانِه : حفاظًا على سلامتِك حاول قد ما تقدر إنك ما تستفزني! لأني ممكن أتهوَر فيك! . . تفضَل إتصل على سلطان قدامي! عبدالرحمن : واضح إنه تلخبطت عندِك المفاهيم! إني أوافق على بعض شروطِك ماهو يعني إنك تأمرني!!! رائد بإبتسامة ترمِي عينيْه بشررٍ من الخبث : واضح إنك ما تبي ناصر و عبدالعزيز يكونون بخير!! عبدالرحمن فهم تهدِيده، تنهَد بعُمق حتى أخذ هاتفه واتصَل، ثوانِي قليلة حتى أتى صوتُه الناعس : ألو عبدالرحمن عقد حاجبيه : سلطان! منت في الشغل؟ سلطان أستعدَل وهو يتكسَر ظهره من النوم على الأريكَة، : رجعت الصبح أنام ساعتين . . عبدالرحمن ينظرُ لرائد مردفًا : أنا عند رائد سلطان ضحك من قوةِ السخرية في هذا الموضوع : تمزح! يا روقانك بس!! عبدالرحمن : أنا عنده يا سلطان سلطان وقف بجمودِ ملامحه : من جدَك! . . عبدالرحمن : والمصيبة الحلوة إنه ناصر وعبدالعزيز عنده بعد سلطان بغضب : بأعرف ليه تحبَون تتصرفون من كيفكم! ليه أنا دايم آخر من يعلم! . . . انا ماني جدار يا عبدالرحمن عبدالرحمن بهدوء : أحجز باريس على أيَ طيران، بكرَا لازم تكون موجود .. إذا ما لقيت شوف لك أيَ طيارة خاصة وأجرَها! رائد بسخرية : نرسل الطيران بكبره له ولا يزعل بو بدر سلطان بصراخ : ليه!! عبدالرحمن : أنت عارف سلطان : كان فيه مليون طريقة نطلَع فيها عبدالعزيز و ناصر! ليه دايم تخلونه يحاصرنا من كل جهة! كنت أخطط طول أمس إني ألوي ذراعه وأنت ببساطة رايح له!! عبدالرحمن بخفُوت : أظن إننا خسرنا بما فيه الكفاية عشان هالخطط! عبدالعزيز وناصر ما هُم عرضة للتجارب!!! سلطان بحدة : الكلام ليْ؟ . . . على أساس إني حاط رجل على رجل وجالس أقول سوَو و سوَو ما كأني أتعب عشان أطلع بحَل وأنت ولا يهمَك أصلاً حتى تبلغني قبل لا تسوي أيَ هبال من راسِك . . عبدالرحمن بهمس : سلطان تعَال! ماعاد عندي شي أقوله . . . أغلقه سلطان أضطربت أنفاسه لينظر لسقف منزلِه : حسبي ربي بس . . . صعد لغُرفتِه، بلا تفاهُم دفع الباب بقدمِه لينزع قميصه وهو يسير ويرميه على الأرض، إتجه ناحيَة الحمام، أستغرق بإستحمامه 10 دقائِق لا أكثَر، إرتدَى ملابسه على عجَل ليضع السلاح على خصرِه بجانب قبعته العسكرية المعلقة، نزل وهو يُغلق آخر أزاريره، خرَج وركب سيارتِه، بسُرعةٍ غير معقولة سَار بإتجاه عمله، فتح هاتفِه ليتصَل على عبدالله، وضعه على السماعة الخارجيَة حتى يقُود بإتزان : هلا سلطان : هلابِك ، طمَني عن فيصل عبدالله : دخلوه العناية المركزة . . يقولون نزف كثير وصارت له مضاعفات بالعملية سلطان تنهَد : الله يشفيه يارب . . مين عنده؟ عبدالله : الحين منصور وبيجيه يوسف بعد شويَ . . أنت وش صار معك؟ سلطان : عبدالرحمن راح لرائد عبدالله بدهشة : نعم!!! سلطان : اللي سمعته وشكله الحيوان شارط عليه إني أجيه بعد! أنا خلاص وصلت لأقصايَ يا أنا يا هوْ عبدالله عقد حاجبيْه : ليه راح له ؟ سلطان : لأن ناصر وعز بعد عنده! ليت عز يصحصح شويَ ويطبَق شي بس من اللي درَبته عليه عبدالله : وين يصحصح! أنت شايف المصايب اللي فوق راسه!! سلطان : طيب وش الحل؟ حاصرنا من كل جهة! مسك عز و مسك ناصر و مسك الحين عبدالرحمن! و البنات الله حافظهم إن شاء الله وعندهم نايف!! . . . مين بقى يا عبدالله؟ عبدالله : وأنت بتروح له طبعًا!! سلطان : وش أسوي بعد، أنت شايف فيه حل ثاني! سكروها بوجهي عبدالله : كلَم . . يُقاطعه سلطان : ماراح أكلَم أحد! ماراح يفيدني بشي! هو ما قصَر عرف بس يضيَعنا . . . أردف كلمتِه الاخيرة بسخريَة. عبدالله تنهَد : الليلة بجِيك ويمكن نلقى لنا حلَ! ،، بربكة رمشَها نظرت إليْه، أعتلى الخوفُ صدرها : والحين؟ منصور بتعب : نقول إن شاء الله بخير . . . رمى نفسِه على السرير جلست نجلاء بجانبِه : وهيفا؟ منصور : حالتها حالة! كان عندها يوسف بس راح المستشفى وتركها مع أبويْ نجلاء بضيق تنهدَت : يارب! . . الله يصبَر قلبها . . بترك عبدالله عند الشغالة وبروح لها؟ حرام نخلَي عمَي يتعب معها! منصور دُون أن يفتح عينيْه : يكون أفضل! روحي مع أمي نجلاء : بروح أسألها . . . أختفت من أمامه لدقائِق طويلة حتى جاءت : بتروح الحين! . . . إتجهت ناحية دولابِها لتأخذ عباءتها، كانت ستخرج لولا أنها ألتفتت، أنحنت عليه وقبَلت خدَه : نوم العوافي منصور فتح عينيْه ليبتسم : الله يعافيك . . بحفظ الرحمن نزلت نجلاء لتتجه إلى الصالة، نظرت لعبدالله الصغير النائم بهدوء، قبَلت جبينه الناعم : يسلم لي النايم ويخليه من خلفها : يالله ؟ إلتفتت وهي تلفَ طرحتها على رأسها وبيدِها نقابها : إيه . . . في المستشفَى كان جالِس يوسف أمامه برداءٍ خاصَ و كمَام يُغطِي جزء من وجهه، نظر لتقاطيع الوجَع بملامِحه ليزداد حاجبيْه عقُودًا، وضع كفَه على يدِه المتصلة بأسلاكٍ شفافة : اللهم ربَ الناس أذهب البأس، أشفِ أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يُغادر سقمًا . . . يارب يارب يارب أشفِه . . يا حيَ يا قيوم لا إله الا أنت وضع جبينه على جانبِ المرتفع من السرير ويدَه تُخلخل أصابعه المتعبة، في أسوأ الظروف والمواقف تأتِ الضحكات التي تحفظها الذاكرة، كيف أطردِك من تفكيري يا فيصل؟ كيف أطردُ صخب ضحكاتِك وإبتسامتِك ؟ اهتز هاتفه في جيبه دُون أن يصدِر صوتًا، رفع عينه إلى ملامح فيصل النائمة بسكينة. خرج من الغرفـة ليُجيب على هاتفه وهو يُنزل الكمَام : ألو مُهرة أتزنت بصوتها المضطرب : السلام عليكم يوسف : وعليكم السلام . . شلونك ؟ مُهرة : بخير . . فيك شي؟ صوتك تعبان! يوسف تنهَد : وش صار مع أمك ؟ مُهرة : أتصلت عشان اكلمك بس إذا مشغول . . يُقاطعها : لا، تفضلي مُهرة نزلت دمعتها لتلفظ بنبرةٍ مهزوزة : آسفة يوسف : على ؟ مُهرة جلست على طرف سرير، أخفضت رأسها ليُشاركها شعرها المواساة من على الجانبيْن. وصل صوتُ بكاءها لسمعِ يوسف : وش صاير يا مُهرة؟ مُهرة اهتزَ فكيَها : فكَرت كثير و .. يُقاطعها : تبين الطلاق ؟ آسفة! على السوء الذي أصابك مني، على الحُب الذي لم يتكمل كالجنين الذي سقَط من رحمِي، لم أكون زوجة صالحة بما يكفِي! كُنت طائشة لإتهامِك! والآن قد جاء الرحيل! أفكر إلى ما قد سيحدُث دُونك! وأتبعثر من جديد يا يوسف! ربَ أمرٌ سيء يعقبُه حالٌ حسَن وأنت كُنت أمرِي السيء وحالي الحسَن، كنت أسوأ ما تحقق لي قبل مُدَة وأصبحت أجمل ما صَار بحياتي، أنت وحدُك! الذي صيَرت الأفعال المؤذيَة إلى قولٍ جميل، وأنت وحدُك الذي تهواهُ روحي في الوقت التي لم أكن أبحث به عن حُب، أتيْت لتُثير دهشتِي بالحياة، و تُسعدني. يوسف بغضب : ليه؟ عشان أمك؟ عشان كلمتين قالتها لِك!! أنا ما أدري الأمومة فِطرة ولا لازم ندرَسها!!! مُهرة بضيق : بجد آسفة يوسف : لا تعتذرين عنها! . . أنا ماراح أخلَيك حطي هالشي في بالك مُهرة برجاء : يوسف يوسف : وش سويت لِك؟ وش الجريمة اللي أرتكبتها في حقَك؟ عشان تبعدين وتآخذين بكلام امك؟ مُهرة : ما سوَيت شي! بس أنا . . . مقدر والله مقدر حتى أحط عيني بعينك يوسف : ليه؟ وش قالت لِك ؟ مُهرة : أتهمتك على باطل يوسف : طيب؟ كلنا ندري إنك كنتِ تتهميني على باطل! وش الجديد؟ . . الجديد إنك تأكدتي صح؟ . . طيب أنا وش يفيدني تأكدتي الحين ولا بعد سنة!! أنا اللي يهمني أنتِ ما يهمَني وش سوَت أمك ولا وش سوَآ أخوك مُهرة ببكاء : يالله يا يوسف! بس أفهمني يوسف بخفُوت وهذا البُكاء نُقطة ضعفه : لاتبكين مُهرة يزيدُ بكاءها مع كلماته وكأن هذه الكلمة تستثيرُ دمعها على السقوط اكثر : أنا ما أعرف أتأقلم بهالطريقة! ما عاد يربطنا شي! . . قلنا أنه الطفل اللي ممكن يجي بيخلينا نتماسك أكثر بس راح! يوسف بغضب تظهرُ عروقِه من رقبته : وأنا أبيك زوجتي وحبيبتي ولا أبيك أم عيالي وبس!!! أنا ما أفكر بهالطريقة الغبية! وش يهمني جاني ولد اليوم ولا بُكرا! يهمني إنه أنتِ هنا اليوم وبُكرا مُهرة إرتجف قلبُها بصراخِه لتلتفَ حول صمتَها بالبكاءِ الذي يحبسُ صوتها بشدَها على شفتِها السفليَة. يوسف تضطربُ أنفاسِه : ليه تنهين كل شي بالطريقة اللي يبيها غيرك! هذي حياتك ولا حياة أمك!! مُهرة : بس هذي أمي يوسف بضيق : وأنا؟ ما أهمَك بشي؟ مُهرة بنبرةٍ يخدشُها الدمع : تهمني يا يوسف بس مقدر يوسف : ليه ما تقدرين!! مستعد أخليك في حايل لين تتصلين عليَ وتقولين تعال لكن لا تطلبين الطلاق وأنتِ منتِ مقتنعة فيه!! مُهرة : يوسف يوسف جلس على المقاعد المُقابلة لغرفة فيصل : لبيه مُهرة تلعثمت من " لبيه " التي خطفت كل ما أرادت قوْله، حبست زفيرُها بداخلها حتى لا تعتلي شهقاتُها ببكاءٍ رُبما يطول. كيف أنطقها يا يوسف؟ كيف أقولها كما كنت أردَدها عليك بالسابق بإزرداء! كيف لا أُبالي وأنت أصبحت تشغلُني؟ من أجل الله كيف نفترق؟ أريدك! والله أُريدك ولكن . . أمرُنا السيء يتفاقم كلما أخفيناه، بدايتنا مهما حاولنا تجاهلها مازالت تحضُر بيننا وأمِي تشهدُ على ذلك! كيف أنظرُ لعائلتِك وأنا لم أقل لهم جُملةً جميلة ناعِمة! أشعرُ بالضعف من هذا الأمر، أن أعجز تمامًا عن إيجاد حل يُرضيني ويطمحُ إليه قلبي، كل الحلول التي وجدتها تُرضيني ولكن لا تُرضي قلبًا أصبحَ تحت سيطرة حُبك. يوسف : الحين ليه تبكين؟ ليه تضايقيني؟ مُهرة بصعوبة نطقت : طلقني يوسف صمت! إتجهت نظراتِه بإستقامة ناحيَة الجدار الذي أمامه ولا يرمشُ بأيَ نظرة. تعبثين معي، تنالين من رجلٍ لم يرى الكمال بحياتِه على هيئة أنثى إلا معكِ! لا أدرِي مالحُب، ولكنني أعرف بأنني أحُب الصخب المًصاحب لكلماتِك السيئة، الجنُون الذي يستفزَ لسانِك بالشتائم اللامُبالية! أولُ مرَةٍ لاحظتُ فيها كيف تحولتِي لعاشِقة ولهانة كانت عيناكِ مدعاةً للإستيقاظ والتأمل! و بريق الخجل الذي يطفُو على سطحها كان يُذهلني، أنا لا أعرف الحُب تمامًا ولكن أعرفُ قلبك وهذا يكفيني. : بخلَيك! لا رجعتي لعقلك إتصلي عليَ مُهرة : يوسف! . . الله يخليك لا توجعني أكثر!! يوسف : يعني إذا طلقتِك بتنتفح بوجهِك وماراح تتوجَعين من شي؟ مُهرة : بيكون تفكيري مرتاح! أنت ما تتصوَر وش كثر موجوعة الحين من أمي ومن هاللي صاير! مقدر أحمَل نفسي أكثر وأطلع بصورة سيئة قدام أهلك!! لا تقول لا تهتمين لأنه بالنهاية هُم أهلك ماراح أتحمَل نظراتهم ليْ بعدين!! يوسف : أهلي لو يبون يسيئون لِك كان ساؤوا لِك من أول ما جيتي! وعرفُوا كيف يوجعونِك بالحكي! مُهرة تنهدَت بضيق : مقدر يوسف بحدَة : إلا تقدرين! مُهرة ببكاء يرتجف صوتها : مقدر . . والله مقدر يوسف : مستعد أطلع من بيتنا ونعيش بعيد عنهم وما تشوفينهم الا بالمناسبات مُهرة ببحَة حزنها : يضايقني يا يوسف إنك تتنازل عشاني في وقت أشوف نفسي ما أستاهل كل هذا يوسف بغضب : ليه تسوين كِذا؟ أحاول أتمسَك بكل أمل قدامي وأنتِ تكسرينه! مُهرة : حط نفسِك مكاني! بتقبل؟ يوسف : وش اللي سويتيه بالضبط؟ كل هذا نتايج أفعال أمك! ليه تتحملين ذنبها؟ مُهرة : لأنها أمي يوسف : ولأنك زوجتي بعد مضطرة تجبرين نفسك! مُهرة بضُعف : أنتهينا يا يوسف يُوسف بلع ريقها بصعُوبة : كِذا ببساطة!! متأكدة إنه عندِك قلب؟ مُهرة بدهشة : لأنك منت حاسَ فيني يوسف بإنفعال : لأني حاسَ فيك قاعد أقولك بخلَيك في حايل لين تملَين! وبنطلع من بيتنا! . . وش تبين؟ قولي لي بس وش مشكلتِك ؟ مُهرة : مُشكلتي أنتْ! كيف . . يُقاطعها بغضبٍ جنوني : مفرُوض تستحين إنك تقولين هالحكي . . . لو إنَك حاطة لي قيمة كان ما قلتي كِذا! لو إني أعني لك شي كان وقفتي بوجه أمك! . . آمنا رضاها من رضا الله لكن ماهو على حساب حياتِك! . . . أغلقهُ دون أن يسمع تعليقًا آخرًا منها، زفَر غضبه المضطرب في صدره ليسمع صوتُ الأذان، خرج وهو يردد بمحاولة جادة أن يُهدَأ غضبه : لا إله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، قبل ساعاتٍ قليلة، وقف أمامهم : تطمَني بيجيك عبدالعزيز بس ينتهي من شغله غادة إلتفتت على رتيل : يشتغل عند أبوك؟ نايف يُجيب عنها : إيه، تأكدي إنك بتكونين بالحفظ والصون غادَة تنهدَت بريبَة، لتخرج من الشقَة، بجانبها رتيل وهي تُغلق أزارير معطفها من الثلوج المتساقطة حتى هذه اللحظة، دون أن تنظر لنايف : شلون أبوي؟ نايف : بخير الحمدلله رتيل تمتمت : الحمدلله . . ركبت بالخلف بجانبِ غادة التي تعتليها رجفة الرهبة مما يحدُث، عقدت حاجبيْها من المشاهد التي تتدفقُ على عينيْها، منظرُ السيارة السوداء التي تُشبه هذه السيارة وحُطامها المبعثَر، تنهدَت بضيق من هذه الذكرى التي تجهلُ تفاصيلها، أغمضت عينيْها من الوخز الذي تحسَه يأتِ من قطعة زُجاج تغزو محاجرها، وبالحقيقة لم يكُن هناك أيَ شيء يُسببَ لها الوَخز. مرَت ساعة كاملة بهذا الطريق الطويل حتى وصلُوا للفندق، أخذت نفَس عميق وهي تقشعرُ من البَرد، سَار نايف أمامهم ليصعدَا بالدرج، وقف : هذي الغرفة أضطربت أنفاسها من اللهفة إلى من فقدتهم الأيام الماضية، إلتفتت على غادة لتهمس : راح أتصل على أبوي عشان يطمَنا على عبدالعزيز . . تأكدي غادة تنهدَت بتوتر : طيب فتح لها نايف الغرفة بالبطاقة الممغنطة ليُسلَمها إليها، أخذتها لتدخل على جوَ ساكِن والأضواء خافتة، تبعتها غادة وهي تتأمل الوضع الغريب عليْها. ضيَ كانت تُصلي على سجادتِها بينما عبير جالِسة دون أن تنتبه إلى أحد، كانت عينيْها على السمَاء التي تذرفُ البياض. أنتبهت لظلَها، إلتفتت لتتجمَد كتجمَد الأجواء، نظرت إلى العينيْن التي أشتاقت إليْها. كان من الموجع والله أن أفترق عنكِ! أن تُباعدنَا المسافات ونحنُ لم ننفصِل طيلة حياتنا عن بعض، كان الموجع أيضًا أن أستذكرُ مناوشاتِنا وغضبنا على بعضنا الذي أصبح بعيني أمرًا تافهًا ولا يستحق المُجادلة، أشتقتُك! و خفتُ كثيرًا أن أفقدِك، خفتُ من أن تسلبكِ الحياة وأنا لم أقُول لكِ يومًا أن حُبكِ جميل وأنكِ تستحقينه، خفتُ أن لا أراكِ يا رتيل! بخطواتٍ سريعة أتتها رتيل لتعانقها ودمعها لا يتوقَف، أضطربت أنفاسها وهي تُغطي ملامحها بكتفِ عبير، أشتعلتْ عينيْها بحُمرةٍ البكاء لتُغمض عينيْها وهي تمسح على رأسِ رتيل وتشدَ على جسدِها : أشتقت لِك رتيل بوَجع : الحمدلله إنك بخير! لو صار لِك شي كان أنهبلت عبير بهمس : بسم الله عليك . . بس والله أشتقت لِك كثييير رتيل : مو كثرِي!! وحشتوني والله وحشتُوني!!!!! عبِير قبَلت جبينها لتسقط دمعتُها وتُلاصق خدَ رتيل : يا عساني ما أبكِيك سلَمت ضيَ من صلاتِها، لتقف بإبتسامة اللهفة : وأخيرًا رتيل إبتعدت عن عبير وهي تمسح دموعها بكفَها، أقتربت لضيَ لتُعانقها بشدَة حنينها : شكلي اليوم ببكي لين أقول بس!! ضي : عسى هالدموع غير الفرح ما تنزل! رتيل : آمين يارب . . . إلتفتت على غادة لتعرَف عليهم بإرتباك . . زوجة أبوي ضيَ و أختي عبير . . نظرت لرتيل وضيَ . . هذي غادة أخت عبدالعزيز ضي و عبير بردَة فعلٍ طبيعية أتسعت محاجرهم بالصدمَة، رتيل بتوتر : أمس وصلت و . . بس . . أجلسي غادة خذي راحتِك المكان مكانك جلست غادة وهي تشتت نظراتها بعيدًا عنهم، ضي بلعت ريقها : هلافِيك، . . رتيل : أبوي ما أتصل فيكم؟ أكيد مع عبدالعزيز؟ ضيَ : يمكن . . ، سَارة تجلسُ أمامها بغضب : بالله؟ أقول قومي غسلي دموعك وخذي لك شاور ينشطك بدل هالحداد اللي عايشة فيه وخلينا نروح المستشفى أثير ببكاء يبحَ صوتها وهالاتٍ من السواد تنتشر حول عينيْها : تبين تجلطيني؟ أروح وش أقول؟ أقولهم عيدوا لي الكلمة خلوني أسمعها زين سارة : الحمدلله والشكر!!! أنتِ دكتورة؟ أثير : لا سارة بإنفعال : أجل أكلي تراب وأمشي يفهمونا الوضع . . إذا بتجلسين على حالِك كِذا بيجيك الموت ماهو من المرض! من الكآبة اللي عايشة فيها أثير بضيق : جد سارة ما ودَي أطلع ولا أشوف أحد! تكفين خليني براحتِي سارة : معقولة عبدالعزيز ما شاف التحليل؟ أثير بسخرية مُبكية : على أساس لو شافه بيفتحه! آخر إنسان يهتم هوْ! ما عنده أيَ مسؤولية إتجاه أحد . . سارة : بس شاطر على رتيل أثير : وتحسبينه مهتم فيها! حتى هي حالها من حالي!! يحسبنا لعبة! سارة : وش فيك أنتِ كرهتيه فجأة؟ شكل التحليل لعب بمخك بعد أثير : ما كرهته بس مقهورة منه! أبي أحد يحسسني بإهتمامه شويَ! السكرتيرة توَ متصلة عليَ وتسألني وأنا زوجي ما أتصل يتطمَن! سارة : يا مال اللي مانيب قايلة! وأنا وش ؟ صار لي ساعتين عندِك أحاول فيِك نروح المستشفى! يعني ماني مهتمة فيك؟ أثير : مو قصدِي أنتِ! سارة : طيب أبوك عرف؟ أمك؟ أثير : ما قلت لأحد! قلت لهم بنام كم يوم هِنا!! . . بالله هذا زواج؟ سارة : أثير واضح أنه عقلك تعب معك! صايرة تدخلين بمواضيع كثيرة في دقيقة وحدة أثير أخفضت نظرها ببكاءٍ عميق : ياربي مقهورة . . . كل شي ضدَنا كل شي يقهرنا! أبيه لي بروحي ما أبي أيَ أحد يشاركني فيه! أبيه يهتم فيني ويقدَرني ويتركها سَارة بهدوء : يوم وافقتي كنتِي تدرين!! أثير : توقعت أنه بيطلقها أنه ما يبيها وخذاها مُجاملة سارة : تستهبلين أثير؟ وش مجاملتة! في الزواج فيه شي إسمه مجاملة أثير : يقهرني بنظراته لها! أحيانًا أصدَق و أقول ما يحبها ولا يبيها بس ألتفت عليه لمَا يراقبها! والله يا أثير عيونه تنطق سارة : تتوهمين من الغيرة أثير أمتلأت المناديل حولها : ما أتوَهم! حتى لمَا عصَب عليها ذيك المرَة ما شفتي نظراتهم لبعض! هُم ما يحكون وأفعالهم بعد ما تبيَن شي لكن نظراتهم تفضحهم! نظراتهم يختي تقهر!! سارة بسخرية : من متى تفهمين لغة العيون يا روح أمك؟ أثير : إيه تمصخري! عُمرك ماراح تفهمين! أنا أشوف نظرته لي وأشوف نظرته لها! سَارة : خذي رآي محايدة أنا شفت عبدالعزيز معك بالكُوفي أول ما جاء باريس وشفته مع رتيل مرة ثانية لما كنت أتمشى معك بعد! نظرته لها ما كانت الا نظرة عاديَة، بس شوفي نظراته لِك! كان باين إنك تعني له شي، أنتِ من الغيرة تشوفين كِذا! لو فعلاً عبدالعزيز يفضَلها عليك ما صدَقك أول ما قلتي له وراح لها! هذا يعني إنه واثق فيك بس ماهو واثق فيها، لأنه لو واثق فيها كان كذَبك وقال شغل حريم وغيرة! بس هو ما يثق فيها ودام مايثق فيها أكيد ما بينهم أيَ حُب، يمكن نظراته لها حِقد أنتِ ما تدرين كيف صار زواجهم! لأن لو يبيها ما تزوَج بعدها على طول! هو تزوَجك لأنه يبيك أنتِ، لأن مستحيل تصيل مُشكلة بهالسرعة وهُم أصلاً كانوا مملكين وقتها! فاهمة عليَ ؟ عبدالعزيز يبيك أنتِ وحاجته عندِك أنتِ مو عندها سكَنت أثير بعد كلامِ سَارة المُقنع لعقلها قبل قلبها، نظرت إليْها : أجل ليه ما رفع السماعة وتطمَن عليَ إلا مرة وحدة؟ سارة : أنتِ عارفة عبدالعزيز من أيام أهله هو كِذا طبعه، ثقيل وما يرفع السماعة على أحد ولا يعطي وجه! أثير : يصير ثقيل بس مو على زوجته سارة : وش يعرَفك بعقول الرجال! فيهم طبايع غريبة!! . . أمشي بس للمستشفى . . يالله عشان خاطرِي أثير تنهدت لتقف : طيب . . ، تقرأ تغريداتِه دُون أن تضغط على " المُتابعة "، تجمدَت عيناها ناحيَة حديثه مع أحد الأشخاص " بكون في الشرقية هاليومين، عندنا دورة معتمدة من المركز " رفعت عينها للجوهرة : تدرين مين جايَ؟ الجوهرة بلعت ريقها من الإسم الذي يحضرُ بعقلها، همست : مين؟ أفنان : نواف الجوهرة نظرت إليها بإستحقار : فاضية! . . أحسب أحد أعرفه أفنان صمتت قليلاً حتى أرتفع صوتُها بالدهشة : أوه ماي قاد! اليوم لمَا رحت أجيب القهوة كانوا حاطين إعلان! تخيلي الدورة تكون بقاعة إجتماعات المستشفى! الجوهرة : إيه إحلمي وتخيَلي كثير أفنان : والله يالجوهرة شفت الإعلان بس يمكن دورة للأطباء أو ناس ثانيين . . الجوهرة : وش يجيبه المستشفى! من جدَك! وبعدين وإذا جاء! ناوية تقضينها سوالف معه . . عيب و مايجوز . . وحرام أفنان بضحكة : تحسبيني بروح أضحك معه وأقوله عطني رقمك! طبعًا لا، بس كِذا مجرد فضول قريت إنه بيجي للشرقية وقلت لِك! الجوهرة : الحمدلله الله يثبتَك أفنان تنهدَت : بديت أحس إني صرت عانس! كل الناس تزوَجت وبقيت أنا الجوهرة : نصيبك بيجيك لو وش ما صار! أفنان : والله إني كنت حمارة يوم رفضت اللي جوني قبل! كنت أتدلع وأقول أهم شي دراستي ومقدر اتزوج وأنا أدرس! هذاني تخرَجت وماعاد أحد خطبني الجوهرة إبتسمت : الحين تندمين عليهم!!! بالله سكري هالسيرة تجيب لي التوتر أفنان : صاير كل شي يجيب لك التوتر! الله يستر وش بيطلع ولدِك! إذا أبوه سلطان وأمه الجوهرة الجوهرة بضيق : عساه يجي بس بصحة وعافية أفنان : آمين . . يختي خلَي روحك حلوة عشان يطلع ولدِك وش زينه مو يجينا وهو فيه حالة نفسية!!! الجوهرة إلتفتت للباب الذي أنفتح، إبتسم والدها : مساء الخير أفنان : مساء النور . . السوَاق جاء؟ والدها : لا ريَان ينتظرك تحت، أنا بجلس عندها أفنان وقفت : مع السلامة . . وخرجت والدها جلس بجانبها : شلونك؟ الجوهرة : بخير الحمدلله . . . متى بيطلعوني؟ والدها : بكرا الصبح . . وضع يدِه على يدها المتصلة بالمغذي : وش صار لِك ؟ لا تقولين لي عشان سلطان لأن ما أصدق إنك تنهارين عشان طلاق!! أنا أعرف أنه الله عطاني بنت ما ينافسها أحد بصبرها! الجوهرة تنهدَت : جاء والدها : مين؟ الجوهرة بإهتزاز نبرتها : تُركي والدها بدهشة : تُركي!!! بأمريكا الجوهرة إلتفتت عليه بضيق : يبه شفته بعيني في المطبخ وكلَمني والدها عقد حاجبيْه بضيقٍ أكبر من أنها بدأت تتوهمه : بسم الله عليك يا يبه، هو بأمريكا وش يجيبه! مستحيل يجي حتى!! الجوهرة سقطت دمعتها بتوسَل : والله شفته يبه . . والله العظيم شفته والدها وقف ليجلس على السرير بجانب جسدِها وضع يدِه على جبينها : يمكن عشان ما نمتي كويَس صـ تُقاطعه ببكاء : والله يبه . . والله شفته حتى أسأل ريم! تقول إنها شمَت عطره والدها : كيف تعرف عطره؟ الجوهرة : تقول عطر غريب! ماهو لِك ولا لريَان! أكيد انه له والدها : الجوهرة . . وأنا أبوك أسمعيني . . لازم ترتاحين ولا تشغلين تفكيرك بأشياء توتَرك! الجوهرة إرتجفت شفتيْها لتضع أسنانها فوق شفتِها السفلية : محد يصدقني! بس والله شفته . . والله والله والدها أشتعل قلبه بحُزن عينيْها : خلاص لا تقطعين قلبي عليك! عادِي كلنا أحيانًا نتوَهم مافيها شي! أنا أيام أتوَهم إني شفت أحد وبالحقيقة مافيه أحد الجوهرة : بس يبه أنا كلمته، أعتذر لي بعد والدها سحبها إليه ليُعانقها وهو يقبَل شَعرها المبعثَر : ما يقدر يطلع من المصحة الا بإذني! مستحيل . . مستحيل يكون رجع وأنا ماعندي خبر الجُوهرة بجنُونِ بكاءها إنهارت : الا شفته! . . . لو أتوَهم كان شكَيت لكن أنا شفته وكلَمني! . . والله شفته والدها بخفُوت : أششش! لا تصرخين وتتعبين!! الجُوهرة بلا إتزان و تفقدُ وعيْها بين الكلماتِ تدريجيًا : شفته! والله العظيم شفته، بس ما قرَب لي هالمرَة ما قرَب . . . والله شفته والدها يشدَ عليها بعناقه : اللهم رب الناس إذهب البأس وأشفِ أنت الشافي لا شفاءُ إلا شفاؤك شفاءٌ لا يغادر سقمًا الجوهرة ببكاء يتصاعدُ أنينه بللت ثوب والِدها بدمعها : قالي آسف . . قالي ما أبغى أضرَك والدها : بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجِد وأحاذر الجُوهرة بنبرةٍ تنخفض تمامًا : ليه ما تصدقوني! شفته كان بالمطبخ لمَا نزلت! خلاني أرجع بقوة على ظهري . . بعدين ركضت . . حتى صرخت لك يبه . . ناديتِك بس ما جيت! كنت أبيك تشوفه . . . والدها : بسم الله الرحمن الرحيم قل الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد الجوهرة : تعبت يا يبه! . . وش ما سوَيت ما تزين حياتي، ما فرحت بأيَ شي مع سلطان لأنه دايم كان بيننا! مقدر ينساه سلطان ولا قدرت أنا! كنت تقولي دايم كثر ما تكسِرك الحياة كثر ما يقوى داخلِك . . بس يبه أنا ما قويت والدها تنهَد بضيق ويُضعفه بكاءها وهذيانها : قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسقٍ إذا وقب ومن شر النفاثاتِ في العقد ومن شر حاسدٍ إذا حسد الجوهرة بإنكسار : ما قوِيت! رجَعني لِك، أحفظني بصدرِك ما أبي أحد ثاني توقَف عبدالمحسن عن القرَاءة من كلماتِها له في وقتٍ يشعرُ بأنه لم يحفظها ولم يحميها من أخيه، تكسرُه هذه الكلمات وتُذكَره بأنه قصَر بحمايتها، قبَل رأسها ليُطيل بقبلتِه، الجوهرة : تخيَل يبه حتى سلطان يكلَمني ويسألني عن حالي بس كِذا! أداء واجب لا أكثر! أنفصلت عنه يبه . . . تطلقنا . . كسروني كل الرجَال اللي أعرفهم! كسرني ريَان بشكَه و كسرني سلطان بأفعاله وكسرني تُركي ! باقي أنت يبه! لا تكسرني وتذبحني أكثر عبدالمحسن همس بترديد : أنا معك . . معك يا روحي الجُوهرة بصيغة الجمع تتحدَث عن سلطان : بس هُم يدرون إني كنت أحبهم وأبيهم! كانوا أقرب لي من روحي! بس راحوا! . . راحوا اللي كنت أحسبهم ما يروحون عبدالمحسن : خلاص أششششش! الجوهرة تسقطُ الدمعة تلو الدمعة والرجفة تتبعُها رجفة أخرى: الله معي بهدوء : صح الله معِك وش حاجتِك بالناس؟ " وش حاجتي ؟ " هو من كان عن العالمين بأكملهم وكان بعينِي كل الناس، أُنادِي بزحامِ الوجَع عن عينٍ أستهدِي بها وكان هوَ الملاذُ ، بعد أن فقدت قُدرتي على الحياة بعد تُركي! ردَها ليْ بكلماتِه و طمأنينة صوتِه، ولكن سُرعان ما سلبَها منِي، سلب السكينة التي تبثَها عينيْه، سلبها وتركنِي مُعلَقة أتكئ على اللاوجُود، ضائعة! أُريد أن أسترَد نفسِي ولا فُرصة لذلك، كسرنِي بحُطام الحياة التي كانت تُرمم نفسها بداخلي، كسَرني وهذه المرَة لا أدري إن كنت أستطيع أن أُرمَم نفسي بنفسي. : ما أتخيله! هو والله هو عبدالمحسن بمُجاراة لحديثها : هوْ يا الجوهرة . . . خلاص هوْ!! ، فتح عينِيه لينظِر إلى عينيَ عبدالرحمن، أستعدَل بجلستِه وهو ينظرُ للمكان الذي يُحيطه بجدارنه المزخرفة بشرقيةٍ بحتة، سقطت أنظاره لرائد الجالس بهدُوء يُراقب الوضع. عبدالرحمن : عبدالعزيز عبدالعزيز تنهَـد وهو يمسح على وجهه بعد أن شعَر بثقلِ رأسه بالصداع ، عبدالرحمن يُحرَك شفتيْه دون أن ينطق شيئًا، نظر إليه عبدالعزيز وهو الذي تدرَب على هذه الخاصيَة، تعلَقت عيناه بشفتيْه، في جهةٍ أخرى ينظرُ بإستغراب لصمتِهم : شاركونا الحديث عبدالرحمَن الذِي يُعطي رائِد ظهره بينما يُقابله وجه عبدالعزيز، عضَ عبدالرحمن شفتِه السفليَة ليُردف بحركةٍ بطيئة لشفتيْه، عبدالعزيز وضع يدِه على فخذِ عبدالرحمن ليُحرَك أصابعه بكتابَةٍ يفهمها جيدًا. وقف عبدالرحمن ليلتفت إلى رائد : وش نشاركِك فيه؟ رائد رفع حاجبه بسخرية : يعجبني التحفَظ!! وقف عبدالعزيز وهو ينفض ملابِسه، نظر إلى رائِد بإشمئزاز : هلا هلا بحبيبنا تو ما تبارك المكان بطلَتك، ما أنتهى حسابنا في المرة اللي فاتت عبدالرحمن : أظن حسابك صار معي رائد : وش علِيه! لازم بعد نسوَي الواجب! عبدالعزيز بتعَب يتضح من نبرتِه : لو تبي الواجب خلَ رجالك على جنب! عبدالرحمن يضع ذراعه أمام عبدالعزيز ليوقفه من أيَ فعلٍ متهوَر! رائد بإبتسامة ساخرة : ماشاء الله! أمس شويَ وتموت من التعب واليوم فيك حيل تحكِي! عبدالعزيز تمتم : غبي!!! . . أدخل يدِه في جيوبِ بنطاله وهو يُعطيه ظهره، عبدالرحمن : وين ناصِر؟ رائد بضحكة صاخبة : ما أمشي بالجُملة! يجي سلطان ويطلع ناصِر عبدالعزيز إلتفت بغضب : ماراح أتحرَك بدون ناصِر رائد : والله أنتم مُصيبة! هذا وناصِر لاعب من وراك و . . يُقاطعه عبدالعزيز بصراخ مُشيرًا إليه بالسبابة : أنتبه لكلامِك معايَ!!! عبدالرحمن بغضب يشدَ على يدِ عبدالعزيز هامِسًا : عِـــز!!! رائِد بإبتسامة باردة : إيه خلَ أبو زوجتك يأدبِك ويعلَمك كيف تصرخ عليَ!! عبدالعزيز يشتعلُ بقهره وهو يحاول أن يكتم بداخله قبل أن يُقيم قياماتٍ في هذه الغُرفة الشاسعة. رائِد : يعني وش تبون أكثر؟ بعطيكم سليمان وتفاخروا فيه وقولوا والله مسكنا واحِد ما يقدر عليه أحد! بتسكتَون كل اللي حولكم بقوَتكم ونجاحكم! . . أمركم غريب جايب لكم النجاح لين عندكم!! عبدالرحمن برجاء ينظرُ لعبدالعزيز : يالله عبدالعزيز روح . . كلهم هناك ينتظرونك عبدالعزيز : ماراح أتحرَك بدون ناصِر!! رائد : سهرتنا اليوم صبَاحية! كل ما تأخرتوا كل ما زاد اللي خبركُم!!! تعرفوني ما أمزح بهالأشياء عبدالرحمن بحدَة : عزيز!!! روح عبدالعزيز سعَل ببحَة أضطربت بداخله : قلت لا عبدالرحمن بغضب يُعطي رائد ظهره ليُقابل عبدالعزيز : رُوح . . همس . . رتيل واختك بروحهم!! وما أضمن لِك رائد أبد عبدالعزيز بضيق يضع يدِه على جبينه : وناصر؟ عبدالرحمن: يحفظه الله وبعدها بعيوني بحطَه عبدالعزيز : وأنت؟ عبدالرحمن : مالِك علاقة فيني! أهم شي تروح الحين و يُقاطعه عبدالعزيز : ماراح اسمح باللي قاعد يصير!!! عبدالرحمن يُحرَك شفتيْه بحديثٍ صامت، عبدالعزيز أبعد نظره عنه : ماراح أتحرَك عبدالرحمن : أنت تعبَان! شوف حالتِك!! روح يا عبدالعزيز . . روح واللي يرحم لي والدِيك عبدالعزيز ينظرُ لإستخفاف رائِد بهم من الخلف وهو يضع رجل فوق رجل ونظراتِه اللامُبالية تزداد : مُستحيل عبدالرحمن : بكرا بيكون موجود سلطان! . . تطمَن! لازم أحد مع البنات عبدالعزيز بهمس : خليتوني أواجه الموت أكثر من مرَة! بتوقف على ذيَ؟ عبدالرحمن بضيق : هالمرَة غير! عبدالعزيز : لأنكم مو ضامنين أيَ شي صح؟ وأنا ماراح أسمح بهالشي عبدالرحمن : مو قلت راح تنتقم من كل شخص أوجعك! هذا إحنا قدَامِك! نمَر في أسوأ مرحلة في حياتنا عبدالعزيز بتشتت/بضياع : مسألة إني عندِك الحين هذا ما يعني إني سامحتِكم! لا تنتظر مني عفو!! لكن هالموضوع يخصني ومن حقي أبقى عبدالرحمن تنهَد : أرجُوك عبدالعزيز بخفُوت : كم مرَة قِلت أرجوك علَمني! ولا جاوبتني!!! عبدالرحمن : لا توجعني يا عزيز أكثر من كِذا!! عبدالعزيز : هالمرَة لا! ماراح أرضخ لأيَ شي يتعلق فيكم!!! عبدالرحمن برجاء يتوسَله لأولِ مرةٍ بهذه الهيئة : عبدالعزيز، روح عبدالعزيز عقد حاجبيْه بحدَته : آسف رائد وقف : أظن يا أبو سعود عِز ينتظر سلطان! يعني مثل ما تعرف أنه سلطان يتحمَل جزء كبير من اللي صار بحبينا عِز عبدالرحمن أدرك أن رائد يُريد شَحن عبدالعزيز بكلماتِه، لفظ : وأظن أنه الأمر ما يعنيك أبدًا! ياليت تهتم باللي بيننا وبينك بدون لا تتدخل بشي ثاني عبدالعزيز ينظرُ لعبدالرحمن : ما تهمَوني! يهمني ناصر حاليًا رائِد : ياخسارة! كِذا بننتظر لين يوصل سلطان عشان تروح مع ناصِر عبدالعزيز تنهَد ليجلس دُون مبالاة : وأنا بنتظر سلطان بعد . . . . ، الرياض / الساعة الثانية عشر ليلاً. وضع جوازِه بجيبه وهو يحاول أن لا ينسى شيئًا، نظر لعبدالله : كِذا أمورنا تمام عبدالله بتوتر : أنتبه لنفسِك، وأنتبه لهم سلطَان بضيق لأن الأفكار السيئة بدأت تأتِيه من الآن، سقفٌ يجمعه مع رائِد لا يدرِي ماذا يحصلُ تحته : إن شاء الله . . أستودعني الله عبدالله بضيقٍ أشد : أستودعتِك الله الذي لا تضيع ودائعه . . . خرج سلطان ليُجيب على هاتفه : هلا . . . . إيه تمام كثَف الحراسة ما أبغى أحد يفارق بيتي! وعمتي بس تطلع مكان تكونون معها مفهوم؟ . . . . إيه . . . قوَاك الله . . . أغلقه ليركب سيارته متجهًا إلى المطار، أنشغل عقله بالتفكير طوال الطريق. لا أدرِي إن كان ليْ عودَة هُنا! هذه المرَة يا نحنُ يا رائد، لا مجال للوسطيَة في الموضوع، إما نفرح ونهزمهُ بشَرِ أعماله أو يهزمنَا ولا يُبقي لنَا ما يستحق الحياة، هذه المرَة النهايـة! ، كتبَ على أولِ صفحة بيضَاء بخطٍ يُربكه الرحيل " إلى من أحسنَت على الوجُودِ من عبِيرها، كتبتُ لكِ ما وددتُ ان أعيشه معكِ، أُريد تخليد الحياة التي أفترضتهُ ولم تقبلي بها، عسَى أن تقبلِي بجفافٍ صابهُ السيْل وأنجرف إليكِ . . . . فارس " إلتفت عليه : خلَصت؟ فارس وضع الكتاب في جيب الكرسي الخاص بالسيارة، نظر للمكان الذي يقطن به والِده : بتجي معايْ؟ : راح ننتظر لين تطلع الشمس!! . . . بقُولك شي وأقبل فيه يا فارس سواءً كان ضدِك أو معك فارِس إلتفت عليه ليلفظ برجفة شفتيْه : بالنهايَة مافيه حل وسَط!! فارِس ببياضٍ يخرجُ من بين شفتيْه : قبلت! قبلت بتَركِي لعبير! وما رضيت بالوسط أبد : أقصِد باللي يخص أبوك فارِس بغضب ركل السيارة بقدمِه : أنتهت حياتي أصلاً يا . . . ، وضع السلاح خلف رقبتِه : أظن ما يخفى عليك وش ممكن أسوَي! نادَها لو سمحت قبل لا أستخدم أسلوب ماهو لطيف أبدًا نايِف أنشغل عقله بالتخطيط : طيب . . مشى معه وهو يُخبئ السلاح بعيد عن أنظار الموظفين بالفندق، صعد الدرج حتى وصَل لغرفتهم، همس من خلفه : ناد لي أيَ وحدة ويفضَل زوجة بو سعود!! نايِف طرق الباب، وقفت رتيل على أطرافِ أصابعها حتى تنظرُ من العين السحريَة، إلتفتت عليهم : هذا نايف . . لفَت حجابها بصورة سريعة لتفتح الباب، نايف : ممكن تجين شوي معي رتيل بخوف نظرت إليهم لتُردف : ليه ؟ الذي بجانب نايف نطق بصوتٍ خافت لا يدلَ على نواياه : خلاص مو لازِم! نادِي أختك أو . . تُقاطعه رتيل : بس أبغى أعرف! : نادِي لنا زوجة عبدالعزيز رتيل : أنا زوجته . . فيه شي؟ نايف بإرتباك : معليش أزعجناكم بس . . رتيل بتهوَر : لا خلاص عادِي . . . أغلقت الباب لتتقدَم إليهم وهي تطمئن بوجودِ نايف، نزلت معهم دُون أن تعلم ماذا يحدث تحديدًا، ودُون أن تفكر بمنظر الرجل الغريب عليها وهي التي تحفظُ موظفين والدها تمامًا. خرجُوا للشارع، إلتفتت رتيل بإستغراب : وين بنروح؟ أبوي هِنا؟ : بس نوصل لنهاية الطريق عشان يكون فيه إشارة للجوَال رتيل تنهدت براحة لتسير معهم حتى أتجها لطريقٍ منعزل تمامًا ولا يحوِي أحدًا، نايف بقوَة دفعه ليسحب قدمِه ويُسقطه، الآخر بإنفعال صوَب بإتجاه رتيل التي ألتفتت وأطلق النَار عليْها. نايف تجمدَت قبضة يدِه التي كانت مُتجهة إليه لتُلكمه، إلتفتَ لرتيل بصدمَة أتسعت معها محاجره . . . . . أنتهى |
إهداء :
للشخص الذي كان يمدَني بضحكتِه /فكرةٌ و إلهام، و لكل الذين مازالوا يؤمنُون بما أكتُب. النهايـة | الجُزء 79. .. إنطقها ، و ان شاخ الصدى علّقها بسْكوتك ! .... تغسل مسافات العتَم وكفّ الرّماد اللي كتَم : أصواتنا هو كلّ شيّ ٍ فاتنا ... حتى البكي ؟ قم علّم الصمت الحكي لاصار صمتك فرض : يا صوتك المحبوسْ | ......... عن كلّ مافي الأرض ! ذبْلت به أوراق الكلام .... وتساقطت حزن وخريف لين امتلى صدرك حفيف .... ريح و ورق أصفر ! يااا صوتك الأخضر من كسّر غْصونه ؟ .......... وين الحمام ؟ ياما نْبَتت مع صوتك لحونه ..... ماله سواه اصحاب و مالي سوى صوتك قمرى سهر .. وأحباب ياصوتك المرتاب .. غاااب عمْر، وترك لي أمنيه تمطر مواعيد الغِنا .. و ابقى أنا : أبقى فـِ صُوتك أغنية ! * العنود عبدالله. نايف تجمدَت قبضة يدِه التي كانت مُتجهة إليه لتُلكمه، إلتفتَ لرتيل بصدمَة أتسعت معها محاجره، دفعهُ الرجُل الآخر بساقِه ليسقط نايف على الأرضِ المتجمَدة بالجليد، دار عِراكًا على بُعدِ خُطى من جسدِها الملقى على الطريق. وضعت يدَها أسفل صدرَها لترى حُمرة الدماء تُبلل كفَها، سالت دمعة رقيقة من عينها اليسرى ولا صوتٌ يخرج منها. أرجُوك يالله! لا تترك الموت يستعذبُ جسدِي و رُوحي، كنت أُريد فقط أن أحيَا لكنني عشتُ على شُرفة حلمٍ ضيَق! حلمٌ تعريفهُ " أن أحيَا " ولم يتحقق الحلمُ كما ينبغي ولم أُحب كما يلزم، كنت المثال الوافِي للفتاة السيئة التي تمرَدت على القوانين ولم تستطع أن تتمرَد بالعشق، أنت الذي بلغت منَي شغفًا وصبًا أين قلبي؟ أأعجبكَ أنني أفترق عنك بهذه الصورة؟ أكان الرحيل أمرًا حسنًا بعينيْك؟ أنا أفقدُ الشعور والإدراك كما أفقدُ دماءي التي ترتدِيني رُغمًا عني، ولا أفهمُ شيئًا غير أننَي أُرغب برؤية والدِي! " يُبه " أشتاقُك في لونٍ ضيَق كهذا، هل عيناك تطلَ عليَ أم أنني أتوهمُك؟ بردَت أطرافِي هل تشعُر بها؟ كما كُنت تشعر بي دائِمًا وتُغطيني يداك! أرتجف كما أن البردُ يتلبَسُ جسدِي! ولكن هُناك حرارةً داخلية تدثرَني! أظنُها " صلاتِك " يا أبي، صلاتِك التي تعني دُعاءً مختوم بـ / إنها حبيبتي وإبنتي يالله أحفظها. دفع بقدمِه السلاح الملقى على الأرض ليُبعده عن يديَ نايف الذي ركلهُ بين ساقيْه ليسقط على ظهره، أخذ السلاح ليُطلق رصاصةً أنهَت حياتِه، ركض رُغم ساقه الملتوية بالضرب، أقترب من رتيل التي أغمضت عينيْها بسلاَم. نايف أخرج هاتفِه ليتصل على الإسعاف،بعد ثوانِي قليلة وضع يدِه بربكة على رقبتها وهو يرفع حجابها، كان يوَد أن يتأكد من تنفُسها، لم يشعُر بشيء! أضطرب قلبه لينزع معطفِه ويضعه فوق جسدِها الخافت، وقف وهو يمسح على وجهه بتعب نفسِي قبل أن يكون جسدَي، هو الذي وعَد عبدالرحمن بحفظِه لعائلته لم يستطع أن يحمي إبنته، يشعرُ بغصَة الخيبَة التي ستجيء لعبدالرحمن. مرَت الدقائق وكل دقيقة كان جسدُها يبكي بدماءه، وصلت الإسعاف لتحملها متجهة لأقرب مستشفى، و ثوانِي قليلة حتى وصلت السيارة الأخرى لتحمل جثَة الرجل الآخر. راقب نايف السيارة حتى أختفت من الطريق، أتصل على محمَد : محمد!! محمد : هلا . . نايف وهو يسير بإتجاه الفندق : بنت بوسعود محمد وقف برهبة : وش فيها؟ نايف برجفة كلماته : جاء شخص من رائد وهددني! مقدرت أسوي شي وقال إني أنادي أيَ أحد منهم وكان يبي مرت بوسعود!! لكن طلعت له بنته زوجة عبدالعزيز محمد : إيه؟ كمَل بسرعة نايف : وإحنا ماشين حاولت أوقفه وضربته قام طلَع سلاحه و أطلق عليها محمد بغضب : طيب لا تتحرك! خلَك عندهم وأنا بتصرف . . أغلقه ليضع يديْه على رأسه، يحاول أن يجِد حلاً ويُفكَر بأيَ طريقة تُناسب الوضع وتُلائمه. رائِد يُريد أن يحرق أرواحهم واحِدًا تلو الآخر، بدأها بعائلة سلطان العيد والآن عائلة عبدالرحمن، من التالي؟ أخشى أن يصِل الأمر لعائلة سلطان الجابر و وقتها لن تقبل أرضٌ واحِدة كوارثٍ بشرية من صُنع الجوهي، ستتطوَر الأمور مالِم يُمحى رائد من هذه الأرض. بصوتٍ داخلي " أنا أملك صلاحيات تجعلني أتصرف الآن! صحيح يا محمَد أنت تملك الصلاحيات الكافية، أنت تملكها يا محمَد، تشجَع وأفعلها! تشجَعي يا نفسِي وأفعليها، إن لم أفعلها سننهار جميعًا، يارب أجعل ما أفعله صحيحًا " رفع هاتفه ليتصِل، بصوتٍ هادئ : السلام عليكم عبدالسلام : وعليكم السلام يا هلا محمد . . وش أخبار وضعكم؟ جدَ شي؟ محمَد : إيه، أظن إنه وقت تدخَل القوات! عبدالسلام : بو سعود عندِك؟ محمد : لا! بوسعود الآن عند رائد عشان يطلع عبدالعزيز وناصر! وعبدالعزيز إلى الآن ما طلع ولا حتى ناصر . . ومافيه أيَ أخبار عندهم ومستحيل بنجلس ننتظر عطفًا على أنه بنت بوسعود في المستشفى حاليًا وتعرَضوا لها ولا أدري هي حيَة ولا ميتة، مقدرت أخلي نايف يروح لها ويترك الباقي! وأنا بروح لها الحين بس لازم أضمن إنَ الشرطة تنرسل لهم قبل لا تطلع الشمس عبدالسلام : صعب كِذا بنعرَضهم للخطر أكثر، الحين ناصر و عبدالعزيز و بوسعود ثلاثتهم عنده! مستحيل نجازف فيهم! أنا الحين أنتظر بوبدر يوصل، وبعد شويَ بروح للمطار أنتظره! بعدها بنقرر وأكيد بيكون تدخلنا سريع! . . روح لبنت بوسعود المستشفى وأنتبه أخاف أحد يدخل عليها ولا يصير شي ثاني! وطمَني وش حالتها محمَد تنهَد بقلة حيلة : إن شاء الله، مع السلامة . . أغلقه ليلتفت على الرجال الذين يُحيطونه ويُصابون بمثل الخيبة من الأشخاص الذين رموا خطط دامت لسنوات وذهبوا بأقدامهم إلى رائد. محمد : خلَوكم مفتَحين وراقبوا الوضع، أنا بكون بالمستشفى بس يتصل أحد بلغوني . . . خرج وركب سيارته متجهًا لأقرب مستشفى يتوقع أن تكون فيه. ، فارِس ببياضٍ يخرجُ من بين شفتيْه : قبلت! قبلت بتَركِي لعبير! وما رضيت بالوسط أبد : أقصِد باللي يخص أبوك فارِس بغضب ركل السيارة بقدمِه : أنتهت حياتي أصلاً يا عبدالمجيد عبدالمجيد : أسأل نفسك مين أهم؟ فارس بضيق عبرت الغصَة عيناه : أنا أسوأ شخص ممكن يرتَب أهم الأشياء في حياته، كنت أقول لأبوي أنتم أهم شي بالنسبة لي وأنت حياتي! وكنت أقول لأمي نفس الشي و لمَا سمعت صُوت عبير قلت في نفسي هذي النبرة حياتي!! ولا عرفت أحافظ على أيَ شي!!! مقدرت أقنع أبوي إنه يترك كل هاللي يشتغل فيه! ولا قدرت أكون بارَ بأمي! ولا قدرت أكون زوج لعبير! . . . وش باقي عشان أعيشه؟ باقي من يكسر اللي بقى فيني. عبدالمجيد أقترب منه ليضع كفَه على كتفِه : فارس يا ولدِي!! فارس بهمس أخفض رأسه : لا تقولي أنت مالِك علاقة باللي يصير مع أبوك! ما ينفع تقولي كِذا! وهو هويْتي وإسمي. عبدالمجيد عقد حاجبيْه : ماراح أقولك أنت مالك علاقة! بس بقولك الله لا يربط مصيرك في مصيره فارس نظر إليه بنظرةٍ ضائِعة تائهة بما تحمله الكلمة من شرحٍ ومعنى، رفع نظراتِه للسماء لتلمع دمعةً تهدم كل قوَة يحاول أن يرتديها : كأنك تترحَم عليه! . . يوجعني!! والله العظيم يوجعني هالشعور، . . يارب . . رحمتك عبدالمجيد أبتعد بخُطاه وهو يُعطيه ظهره، هذا الضُعف الذي يراه بعينيَ فارس يكسرُه أيضًا، وهو الذي لمح ذات الضعف في عينيَ سلطان قبل وفاتِه. فجرُ ذلك اليوم، قبل أن تشرق شمسُه، كان جالِسًا أمامه بسكينة ولم يرفَ جفنه بنومٍ/بغمضة. سلطان العيد : كل شي أحاول أسوَيه ينقلب ضدَي!! كنت أعرف من ذيك الليلة اللي عرفت فيها سليمان ولعبه من تحت الطاولة!! إننا ماراح نرتاح! ماكان قدامي إلا هالفرصة، قلت في نفسي من الذكاء إننا نمثَل الغباء وإننا ما ندري عن شي! وفكَرت يا عبدالمجيد إنه مستحيل نقدر نتقن هالغباء إذا أكثر من شخص يعرف بموضوع سليمان، أتبعت المنطق اللي في عقلي وقلت لا تعلَم أحد . . أنت أكثر شخص تعرف إنه ماهو قصدِي إني أخبَي وأتوَه أحد، ضايقني عبدالرحمن، قالي بالحرف الواحد ماهو أنت يا سلطان اللي تغدر فينا! وأنا واثق مثل ما أثق بإسمي إنك ماتغدرنا! . . . توجعني هالثقة يا عبدالمجيد! لأنه بيجي وقت وماراح يوقف أحد ويشرح لهم قصدِي! .. .. أخفض رأسه لتكتَظ محاجره بالدمع المالح الذي يغزُوه بمبرراتٍ كثيرة، بخفُوت : أحلم . . يجي وقت وينتهي كل هذا! صح هموم الأمن ما تنتهي! لأن الله ما خلقنا موالين لبعض، أكيد فيه أعداء، أكيد فيه كارهين! أكيد فيه مضرَين بعد! .. بس ودَي هالهمَ ينتهي، لأنه ما يتعلق بالأمن وبس! يتعلق بعوايلنا . . بأهلنا. كنت أحلم كثير إني أموت وأنا أرأس شغلي! لكن مقدرت، مافيه أوجَع من إنك تنجبر إنك تترك شغل حياتِك وشغفك كله فيه!!! وأنت بعد يا عبدالمجيد! تقاعدت بدون رغبة!! مثَلنا اللامعرفة بأصولها، تركنا شغلنا، وراح يجي يوم ونُتهَم فيه، وبالنهاية وش صار؟ أشتغلنا إلى هالوقت وإحنا نشتغل بعيد عن الكل، مصدُوم! مصدوم من أشياء كثيرة . . مصدوم من قوَة سليمان اللي ما يتجرأ أصلاً يوقف قدامنا!! مصدوم من جرأته!!! مصدُوم من جهل رائد، ومصدوم من نفسي! بديت أكذب بأكثر الأشياء أهمية بحياتي، أقول لعيالي تركت الشغل عشانكم و أقول لزوجتي وعد نستقر بالرياض بعد ما تتخرج هديل! و كل هذا ماله أيَ علاقة بالحقيقة! . . . عبدالمجيد : مين راح يلومك؟ إيه صح إنه علاقتك توتَرت مع بو بدر وبوسعود لكن هذا ما يعني إنهم بيتهمَونك أو بيظنَون فيك ظن سيء!!! سلطان : توتَرت! قول طاحت بالحضيض!!! لا عبدالرحمن يسمعني ولا سلطان اللي أشوف نفسي فيه يسمعني!! . . . . أضاءت عينيْه بدمعةٍ مكسورة تهزَ الشيب الذِي يُغطِي رأسه، أردَف : تدري وش اللي قاهرني بالموضوع! إني واجهت أمور أصعب من كِذا وعانيت كثير لكن ما أنهرت بهالصورة أبد!!! والحين أحس هالعالم كله يختنق في صدرِي! تخيَل كل هذا يصير والليلة عرس بنتي؟ عاد لفارِس، لعينيَ فارس. تُشبه عينيَ سلطان في ذلك الفجر، ككلماته الشفافة التي كان يتفوَها بضُعفٍ يهزَ أراكانِه، رُبما الهموم تختلف ولكن حُزن سلطان في تلك اللحظة أعمقُ حُزنًا رأيتُه، فهمتُ تمامًا كيف تختنق روحه ببطء وكيف يتصاعدُ حزنه ويتبخَر دون ان يلمسه بدمعة! دُون أن يُلقيه بحنجرتِه، كان يختنق بتراكماتٍ كثيرة من أجل أشياءٍ أهمُها " الأرض " التي كانت أولى خطواتِه عليها، وكان يحلم بأن تكون أُولى خطواتِ أبناءه عليه ولكنه لمْ يحصل، عاش بعيدًا وقلبُه هُناك في المنطقة الوسطى، كان قريبًا جدًا من حِصار سليمان و ذهابِه في خبر كانَ، لولا الحادث الذي بعثر كل الأوراق وبعثرني أيضًا، حاولتُ ان أُمسك زمام الأمور في البدايـة، وفعلتُها مع فيصل لأُبعده عن هذا الطريق، أخطأت بحق غادة عندما تركتها عند أمل وكنت أظن أن سعَد يفي بالغرض، ولكن ساءت أوضاعُها أكثر مع ولِيد، أخطأت مع مقرن ولم أنجح أبدًا، غادرنِي مقرن سريعًا قبل أن أحبسه بعيني، مثلما غادرني سلطان العيد، أصدقائي القُدامى اللذين غادروني مبكرًا عليهم صلواتِ الله ورحمَته. جلس فارس على عتبة الطريق، ينتظرُ خروج الشمس كما أنه يتأملُ الدقائق التي تمَر لتشطر روحه اكثر، تداخلت الأفكار برأسِه بداية من عبير إلى والدتِه وعبورًا بوالدِه، وسط صمتٍ لا يحفَه سوى البرد والثلج الذي يتساقط بخفَة،أتى صوتُه الداخلي صاخبًا بأكثر قصائد بهاء الدين زهير وجعًا ورثاءً " يعزَ عليَ حين أدير عيني، أفتَش في مكانك لا أراكَا " ، أخذت نفس عميق وهي تضع يدها على بطنها، وبرجفةٍ هدبٍ سقطت دمعة يتيمة/وحيدة. ضيَ بعُقدة حاجبيْها جلست : وعدني! وما وفى!! عبير تقضمُ أظافرها من التوتر وهي تجيء شمالاً وجنُوبًا : و رتيل تأخرت! . . وش اللي يصير بالضبط!!!! ليه محد يتكلَم ويقولنا شي! غادة تتأمل إرتباكهم وخوفهم بجمُودٍ يُصاحب عيناها التي لا يرتجفُ بها هدَب، بلعت ريقها بصعُوبَة لتخفض رأسها وهي تُجمَع كفيَها لتضعها بحُجرها. يارب أنزل سكينتِك على قلبي، أشعرُ بنارٍ تلتهب بصدرِي كلما فكَرت بما يحصل الآن، ضائعة تمامًا! لا أدلَ إلاك يا الله. صمَتَ حديثُ روحها بعد فِكرة " الضياع " التي نطقتها لتنساب نحوَ ضياعٍ آخر. الساعة السادِسة صباحًا / خريف 2011، على مشارف نهر السين جالِسان. ناصِر بصوتٍ ناعس نظراته ترتفع للقوارب التي تُطلق أشرعتها : الحمدلله غادة إلتفتت عليه بإبتسامة ناعِمة : الحمدلله على الإسلام والأمن والأمان و الأهل والأصدقاء والحُب والحياة وأنتْ. ناصر بإبتسامة شاسِعة تُعاكس الشمس في شروقها، أخذ كفَها، حرَك أصبعه ببطىء ليكتب على باطن كفَها ويترك لها حريَة الشعور والإدراك والتخمين. غادة : وش كتبت؟ ناصر : خمَني؟ غادة بضحكة تقطع سكون المكان والبحر : لمَح ليْ ؟ ناصر يكتب لها من جديد بأصابعه والإبتسامة تتكىء على شفتيْه : كِذا واضح؟ غادة تُقلد صوته : كِذا أحبك؟ ناصر صخب بضحكتِه الرجوليَة : حبَيني مثل ما تبين غادة تأخذ يدِه لتكتب على باطنها، رفعت عينها بعد ثوانٍ طويلة : خمَن! ناصِر : كتبتي مطلع قصيدة أحبَها غادة : قصيدة أنت كتبتها ناصِر : يا غايبة عنَي ردَيني وياك، لِك في نبرة الصدر موالٍ حزين غادة : هذي أول قصيدة سمعتها منك، ينفع أقول الحمدلله على الشِعر لأنه كسَر صلابتِك؟ ناصر إبتسم ليميل برأسه قليلاً حتى يقترب بشفتيْه من أذنها، همَس : لولا عيُونِك ما كتبنا الشِعر . . . نظرت لعينيَ عبير التي تمدَ لها كأس الماء : سمَي بالرحمن غادة وضعت يدها على ملامحها لتستشَف تعرَقها، نظرت بإستغراب لضيَ وعبير لتفهم جيدًا أنها بدأت تخرج عن نطاق السيطرة، صعدت يدها ناحيَة عينيْها لتُلاحظ بكاءها اللاإرادي، تنهدَت بضيق وهي تأخذ كأس الماء برجفة، شربت القليل لتُنزل عينيْها بإرتباك، همست : ما نقدر نتصل على أحد ؟ عبير : محد يرد أصلاً . . ضيَ جلست بجانبها وهي تنظرُ إليها بشفقة الحزن : تطمَني! غادة رفعت عيناها إليْها : يمكن صار لرتيل شي لا سمح الله! ليه ما تكلمون الحرس اللي تحت؟ عبير: مُستحيل أطلع! قد طلعت وصارت مصيبة . . بننتظر أحد يجي ويبلغنا ، تأملت السقف كثيرًا وهي تُقطَع شفتيْها بأسنانها، إلتفتت للمكان الخالِي تمامًا من هواء يحملُ أنفاس غيرها، وحدَها تحاول النوْم في ساعات الفجر الأولى ولا النومُ يجيء لجفنها. أرق يستحلُ عقلي سببهُ أنت، أشدَ الرحال لغير صدرِك ويردَني صوتُك لمدَاه، ماذا أفعل يا سلطان؟ تُسيء لقلبي وتُهينه ولكنَي أُحبك! تستفزُ جنونِي ولكنَي أصمت لأن عيناكَ تُهذَبني بصورة قمعيَة، لو أن لا وجود لأيَ أسس بهذه الحياة تجعلنا نفترق! لا وجود للمبادىء والنظريات! كانت حياتنا ستكُون أجمَل ولكن هُناك ما يُبعدني عنك، لو تعلم أنَي أشتقت لـ " بسم الله عليك " من بين شفتيْك، لا أعرف سر هذه الجملة! ولكنَي أعرف تمامًا ما تُحدثه في قلبي منذُ أول ليلة رأتك عيني، يالله! كيف لحُب هذا الرجل أن يتسرَب ويجري بين دماءِي؟ أعترف بحُبه سرًا وأخشاهُ علانيَة. أنفتح الباب لتنجذب عيناها، دخلت أفنان : صاحية؟ توقعتك نايمة . . الجوهرة : مين جابك؟ أفنان : جيت مع ريَان! قالي أبوي إنه تركِك نايمة وخفت تصحين وماتلقين أحد وقلت أجيك . . أصلاً يالله دخلوني! كل شي ممنوع في هالمستشفى! يالله هانت بس تطلع الشمس بترجعين معنا الجوهرة شعَرت بأنها ستنفجر من هذا الشعور المحبوس في داخلها : زين تسوين، لأني ملَيت أفنان بضحكة تُخرج هاتفها لتدخل تطبيق " تويتر " : خلني أقولك وش سوَى نواف اليوم! الجوهرة إبتسمت : وش سوَى سمو الأمير؟ أفنان بإبتسامة : تراني أمزح لا تصدقين، عبَيت مخه كذب وطلعت متزوجة في عينه يعني مستحيل حتى أمَر في باله بعد ما رجع بس من الفراغ اللي فيني صرت أبحث عنه الجوهرة تنهدَت : صدقتك!! أفتخري يا روحي والنعم والله أفنان : بنبدأ محاضرات؟ يعني هو كان السعودي اللي قدام وجهي طبيعي بالغربة بجلس أسولف معه من الطفش . . وبعدين كان بيننا حدود وإحترام الجوهرة بسخرية : من زود الحدود قلتي له إنك متزوجة! أفنان : في نيَتي ماكنت أبي أكذب! بس كِذا طلعت فجأة وقلت خطيبي الجوهرة ضحكت : كذابة! لا تحاولين تقنعيني!!! أعترفي إنك سويتي شي غلط وخلَيك سنعة أفنان بتنهيدة : طيب يا الجوهرة أنا غلطت . . أرتحتي كِذا؟ الجوهرة بجديَة : ماكان مفروض تسافرين!! شفتي وش سوَى السفر بدون محرم؟ أفنان : وش سوَى؟ لايكون رجعت لك مغتصبة ولا زانية؟ الجوهرة شحبت ملامحها لتبلع ريقها : ماكان قصدِي كِذا! أفنان : وش قصدِك؟ أكره هالنظرية المتخلفة! يعني عشان رحت أشوف حياتي صرت ماني محترمة! لا نزعت حجابي ولا تبرجت ولا رحت مراقص!! الجوهرة بضيق يخفتُ صوتها، تحاول حبس الدمع الذي يتلألأ بمحاجرها : قصدِي الحُب! أفنان تجمدَت في مكانها لتُخفض نظرها وهي تلوم لسانها الذي أندفع بالكلمات الحادَة. الجوهرة دُون أن تنظر إليها أردفت : بتفكرين فيه كثير وماراح تنامين لأنه شاغل تفكيرك! من رجعتي ولازم تجيبين سيرة نوَاف حتى لو بمزح! تحاولين تبيَنين إنه كل هذا مزح لكن هو حاضر في كل شي!! وممكن ما تلتقين فيه بعد؟ عرفتي وش أقصد!!! الله ما حرَم شي الا لحكمة . . مو لازم الضرر يكون جسدِي ومادِي عشان نقول والله هذا شي غلط! احيانا الوجَع المعنوي أقسى بكثير من كل هذا!! مسألة إنك تسافرين وتبقين لحالك! بتخلَيك تشبعين فراغك بأشياء ممكن تشوفينها تافهة بس لمَا ترجعين لأهلك بتحسَين وش كثر هالأشياء اللي بنظرك تافهة سوَت فيك!! عُمري ماراح أشكك في أدبَك وأخلاقك!! اللي يمسَك يمسَني واللي يضرَك يضرَني أفنان بضيق تتأمل ربكة الدمع في عينيَ الجوهرة : آسفة الجوهرة عضت شفتِها السفلية لتنساب دمعة يتيمة على خدَها، إلتفتت لأفنان : أحيانًا ما نفهم ليه هالشي غلط وليه هالشي حرام! لكن لمَا نتوجَع منه نفهم كيف الله رحمنَا منه! أفنان : جُوج واللي يخليك لا تبكين! أنا حمارة والله بس تعرفيني أحيانا أقول حكي ماأحسب حسابه الجوهرة إبتسمت بخفُوت : ما أبكِي عشانِك! بس أفكَر وش كثر الله يرحمنا ويستر أخطاءنا!!! لو سمع أبوي ولا ريَان بنواف؟ وش ممكن يصير؟ بتقدرين تفسرين لهم مثل ما تفسرين لي؟ فكرَي شوي بمنطق يا أفنان! مُشكلتك إنك تتوقعين أنه الأشياء اللي نقولها مجرد عادات وتقاليد وأنَك أنتِ إنسانة ماتعترفين بهالعادات واللي يهمَك دينك!! أفنان : صح أنا إنسانة ما تحكمني العادات والتقاليد! يحكمني ديني ودام ماهو حرام في ديني بسوَي هالشي الجوهرة : السفر بدون محرم حلال بالدين؟ فيه مذهب من مذاهب السنة حلَله؟ الشافعي ولا الحنبلي ولا الحنفي ولا المالكي؟ فيه أحد أختلف فيهم على السفر؟ هذا الشي ماهو عادات وتقاليد! هذا الشي إسمه دين أفنان بضيق : ليه تعصبَين عليَ الحين؟ شي راح وأنتهى وهذاني رجعت الجوهرة بضيق أكبر : لأني أخاف عليك أفنان تنهدَت :عارفة إنه هالشي مضاره أكثر من منافعه لكن كنت متحمسة أسوي شي بدراستي وفخورة فيه الجوهرة : مو مهم إنك تعرفين، المهم إنك تقتنعين يا أفنان! أفنان وقفت لتأخذ كأس الماء، بإبتسامة : توبة أفتح موضوع نوَاف، إذا بآخذ عليه هالمحاضرة الجوهرة أخذت نفس عميق لتمسح ملامحها بكلتا كفيَها : يارب ترحمنا أفنان همست : آمين . . . كلَمك سلطان بعد ما رجعت البيت؟ الجوهرة : لا ليه؟ بإبتسامة تستثير حُمرة الخجل في ملامح الجوهرة : أبد لأني دخلت ولقيتك رايقة وعطيتني محاضرة بعد يعني فيك حيل الجوهرة رفعت حاجبيْها : بالله؟ و الروقان ماله الا سبب واحد؟ أفنان : بس حطي في بالك هالكلب مفروض ما تردَين عليه! الله يرزقك بواحد يعوَضك وينسَيك طوايف سلطان . . . قولي آمين . . . نظرت إليَها بإستغراب . . . لايكون متأملة فيه بس؟ أنا كرهته ما أحب هالشخصيات اللي يفرضون قوَتهم على الحريم!! الجوهرة رفعت ظهرها لتجلس : ومين وين تعرفين شخصيته؟ ووين شفتيه يفرض قوته عليَ؟ أفنان : لمَا يقولون سلطان بن بدر الجابر . . وش أول فكرة تجي في بالك؟ الجوهرة بسخرية : زوجي أفنان جلست على طرف السرير : أقصد شخصيته، يعني حتى إسمه يبرهن! الجوهرة بنبرةٍ هادئة : سلطان ما يفرض قوته على الحريم! إنسان مصلَي وقايم بحق الله وبحق دينه و وطنه أفنان : وحق زوجته ؟ الجوهرة : لمَا ما قام بحقها طلَقها لأن هذا الواجب والصح أفنان : تحاولين تلمَعين صورته قدامي! تراني أختك ماني وحدة توَك متعرفة عليها الجوهرة : ما ألمَع لك صورته! أنا أقولك الصدق، وهذا ما ينفي إني شايلة بقلبي عليه ، التاسعة صباحًا / باريس. بإرهاق فتح أول أزارير قميصِه لينظر إلى محمَد : طلعوا عبدالعزيز وناصر؟ محمَد بتوتر : لا . . بس طال عُمرك فيه شي ثاني حصل سلطان وهو يسير على الرصيف بإتجاه السيارة : وشو ؟ محمَد : بنت بوسعود في المستشفى سلطان إلتفت ليرفع حاجبِه : ليه؟ محمَد : أطلقوا عليها سلطان بغضب يقترب من جسدِ محمَد : وأنتم وينكم؟ كيف تطلع له؟ محمَد بلع ريقه : نايف كان و سلطان يُقاطعه بحدَة : حسابكم بعدين . . . بالأول راح توصلني المستشفى وأتطمَن بنفسي . . . قبل أن يفتح الباب رفع عينه . . . أيَ بنت؟ زوجة عبدالعزيز ولا . . ؟ يُقاطعه محمَد : زوجة عبدالعزيز سلطان ضرب الباب بقوَة ليدخل وهو يُكرر : أستغفر الله العلي العظيم! شدَ ظهره بتعب السفَر، أخذ قارورة المياه ليُبلل ريقه : رحت شفتها؟ محمَد وهو يقود السيارة ولا يلتفت عليه من التوتر العميق الذي يُصيبه : إيه كنت عندها طول الليل! وكان بيجيك عبدالسَلام لكن قلت له إني أنا اللي بجيك. سلطان : كلمت دكتورها ولا أيَ زفت!! محمد : كانت بالعمليات وطلعت من عندها قبل الشروق وهي للحين سلطان : طيب يا ذكي كان تركت عندها واحد ثاني! محمد بلع ريقه : خفت أتأخر عليك سلطان بعصبية : بضيع لو ماجيتني يا محمَد! لو صار شي لرتيل بحمَلك أنت ونايف المسؤولية وخلَي عندك علم محمد بدهشة إلتفت عليه لثواني حتى عاد بأنظاره للطريق، أندهش من نطقه لإسمها ومعرفته بها : إن شاء الله ما يصير الا كل خير سلطان ضغط على عينيْه وهذا الإرهاق يجلب له سوء المزاج، تنهَد بعُمق : كلَمت سعد؟ محمد : ما يرَد طال عُمرك، أختفى كأن الأرض أنشقت وبلعته سلطان : بس توصلني المستشفى تروح تشوف لي سعد وين! لأنه بباريس مستحيل يطلع منها! ورَني شطارتك ودوَره لي!! مفهوم ؟ محمد : إن شاء الله راح أحاول . . . . دقائِق طويلة حتى وصل وركن السيارة أمام الباب الرئيسي للمستشفى. نزل سلطان وأخذ معطفه ليرتديِه من هذا البرد الذي يُجمَد أطرافه، لفَ " سكارفه " الرمادِي حول رقبته ليدخل متجهًا للإستقبال وبجانبه محمَد : طال عُمرك ماهو لازم تسألهم! الغرفة اللي كانت فيها بالدور الأول سلطان عاد بخُطاه ليتبع محمَد، وقف عندما توسَط الطابق الأول ليلتفت عليه : وينها؟ محمد بلع ريقه : آآآآ نسأل الإستقبال يمكن طلعت من العملية سلطان أغمض عينيْه قبل أن يرتكب به جريمة : أحفظ نفسك وأبعد عن وجهي محمد أبتعد دُون ان يلفظ كلمةً أخرى، نزل سلطان ليسأل عن رتيل، ثواني قليلة حتى سارت معه الممرضة للأعلى ناحية مكتب الدكتور. الدكتور " بإنجليزية " : اخيها؟ أم زوجها؟ سلطان بهدوء : كيف حالها؟ الدكتور تنحنح : إلى الآن جيَدة، خضعت لعملية ليلة الأمس ضمدَنا بها جرحها سلطان : تعرَضت لشيء آخر؟ الدكتور : لم تحدث أيَ مضاعفات، أنخفض ضغطها كثيرًا ولكنها الآن بصحة جيَدة، لكن يجب أن تعرف أنها ستطيل المكوث هنا! إصابتها ليست بالسهلة سلطان وقف : أين هي الآن؟ الدكتور : بجناح رقم 78 سلطان : جناح مُشترك؟ الدكتور رفع حاجبه : عفوًا ؟ سلطان : قُلت هل جناحها مُشترك؟ الدكتور بإبتسامة : يجب أن تعرف يا عزيزي أن المستشفى ممتلئة بالمرضى وليست هي المريضة الوحيدة حتى . . يُقاطعه سلطان : سأقترح عليك 15 دقيقة لنقلها إلى جناح خاص! وأظن أن المصاريف تخصنا نحنُ عائلتها ولا تخص طبيبها! هل وصلت لك الفكرة؟ الدكتور : أطلب هذا الشيء من الإستقبال وأدفع لهم وسينقلونها وهذا لا يضرني، تأكد إنني أريد الراحة لمرضايَ أيضًا . . . سلطان خرج دون أن يسمع بقية حديث الدكتور، أقترب من محمد : ليه واقف؟ مو قلت روح شوف لي سعد! محمد : توقعت إنك تبي ترجع عشان رائد سلطان بحدَة يحاول ان يسيطر عليها : فيه اللي أهم منه! محمد : طيب . . أنتهى سلطان من إجراءات نقل رتيل إلى غرفة خاصَة، ليقف عقرب الساعة على الحادية عشر ظهرًا، يُريد أن يتأكد بأم عينيْه أن صحة رتيل جيدَة ولكن بنفس الوقت لا يُريد أن يكون هو من يراها. لو كانت الجوهرة بمثل هذا الموقف لمَا رضيْت أن يراها عبدالعزيز! " وش جاب طاري الجوهرة الحين يا أنا ؟ " مسح على وجهه من هذه الأفكار ليتنهَد بضيق، وقف بعد أن طال جلوسه على المقاعد، أقترب من الممرضة : عفوًا هل بإمكاني أن أطلب شيئًا منكِ؟ الممرضة بإبتسامة تنظرُ لعينيَ سلطان بحالميَة : بالطبع سلطان نظر إليها لثوانٍ طويلة، رفع بها حاجبه من نظراتها : أُريد أن أتأكد من صحة إحداهن، تحديدًا أريد أن أعرف إن كانت مستيقظة الممرضة بنبرةٍ تتغنَج بالإنجليزية الركيكة : حسنًا، أيَ غرفة؟ سلطان : 16 الممرضة سَارت بإتجاه الغرفة، دخلت بهدُوء لتنظر إلى جسدِ رتيل النائم بسكينة، أقتربت لترى ملامحها الشاحبة يُغطي نصفها كمام الأكسجين، نظرت للشاشة التي تُفصَل حالة قلبها، ثواني قليلة حتى خرجت وأقتربت من سلطان : حالتها جيَدة! ولكن هل كنت تمزح معي حين قلت رُبما مستيقظة؟ . . بضحكة أردفت . . الفتاة تُحيطها الأجهزة من كل إتجاه! رُبما تحتاج وقت طويل حتى تستيقظ سلطان تنهَد : شكرا الممرضة : عفوًا، إذا أحتجت شيء آخر تستطيع مُنادتي . . إسمي لاتيسَا سلطان أدخل يديَه بجيوب معطفه، أكتفى بإبتسامة ضيَقة وخرج دون أن يلفظ كلمةٍ اخرى، أخرج هاتفه ليتصل على محمَد : أرسلي أيَ واحد يجلس عند رتيل محمَد : إن شاء الله أغلقه سلطان لينظر لسماء باريس الماطرة، سَار على الرصيف دُون أن يحاول أن يوقف أيَ سيارة أجرة تنقله، أراد أن يُعالج ضيق مزاجه في هذه الساعة بالهواء. أهتَز هاتفه ليُجيب على عمته الذي يبدو خبر سفره وصل لها : ألو حصَة : السلام عليكم يا . . أبو بدر إبتسم سلطان : وعليكم السلام . . هذي نبرة الزعل؟ حصة : وصلت؟ سلطان : إيه قبل ساعتين تقريبا حصة : وطبعا لو ما عرفت من السوَاق ماكان وصلني خبر! يا كثر ما تضايقني يا سلطان بأفعالك!! سلطان : سفرة مُفاجئة وكنت راح أتصل عليك حصة : صدقتك أنت أصلاً ما تحط لي أيَ قيمة سلطان : كيف نقدر نرضيك يا أم العنود؟ حصَة بضيق : ما أبغاك تراضيني! تعوَدت، أتصلت عشان أتطمن إنك وصلت سلطان صمت لثوانٍ طويلة حتى قطعها بكلمةٍ تبدُو نادِرة أو رُبما مستحيلة على مسامع حصَة : آسف حصة ألتزمت السكينة لتُغمض عينيْها بمحاولة إستيعاب هذه الكلمة، بخفُوت : وش قلت؟ سلطان : قلت آسف حصَة : صدمتني! سلطان بضحكة مبحوحة : كل شي عند أم العنود يختلف، هي بس تآمر وأنا أنفَذ حصة : يا عساك دايم كِذا عليَ وعلى غيري . . . . نطقت كلمتها الأخيرة بتصريح مبطَن تعني به الجوهرة. سلطان بهدوء : يمكن بكرا أنشغل ومقدر اتصل عليك ويمكن أطوَل، ما أبي ينشغل بالك بأيَ شي ولا توْسوين لأني من الحين أقولك يمكن مقدر أرَد على أيَ إتصال حصة بضيق عقدت حاجبيْها : ليه؟ يعني بتنشغل طول اليوم؟ مستحيل!!! سلطان تنهَد : أهم شي تعرفين إني ممكن مقدر أرَد عليك حصة : طيب، بس طمَني عاد مو تخليني على أعصابي! . . متى قررت ترجع؟ سلطان : إلى الآن ما أدري! لكن إن شاء الله ما أطول حصة : إن شاء الله ترجع لنا بالسلامة سلطان : حصَة حصة : سمَ سلطان : أحفظيني بدُعاءك حصَة أنقبض قلبها من فكرة سيئة تطفو على سطحها : سلطان؟ سلطان عقد حاجبيْه من ضيق محاجره التي تقبضُ على ملحه حتى تُدمعه : مو صاير شي! بس أشتقت أسمع منك الله يحفظك حصة : دايم في دعواتي يا سلطان ماتغيب ولا لحظة، الله يحفظك ويحميك من كل شر ومكروه سلطان همس : آمين حصَة : مو صاير شي صح؟ طمَني سلطان تنهَد : لا، بس سمعت خبر سيء وضايقني حصَة : يتعلق بالشغل؟ سلطان : لا بنت عبدالرحمن حصَة : إيه؟ وش صاير لها؟ سلطان : بالمستشفى! ولا أحد يدري حصَة : يا بعد عُمري والله! ربي يسلَمها من كل شر، أنت شفتها؟ هُم في باريس صح؟ سلطان : إيه، توَ طالع من المستشفى، تطمَنت عليها وخليت عندها الحرس حصَة التي تنتبه لنبرة سلطان المرتجفة بالحزن : لا تقولي إنك زعلان على بنته وبس؟ فيه شي ثاني وواضح إنك مخبي عني سلطان إبتسم للطريق الذي يرتجف هو الآخر بزخَات المطر والثلج الباقِي على رصيفه لم يذوب بعد : أعزَها كثير حصَة : تخبي عليَ! فيه شي ثاني قولي؟ سلطان : والله العظيم اعزَها وأغليها حصَة : وش عرَفك فيها؟ متى شفتها؟ . . . بنبرةٍ حادة أردفت . . سلطان!!! سلطان بتنهيدة : أنا أفكَر وين وأنتِ وين! حصَة بسخرية : أبد خلَ الجوهرة تجي وتقولك والله هالرجَال أعزه وأغليه بس لا تفهمني غلط سلطان بإنفعال : أقطع راسها حصة ضحكت بصخب : يارب أرحمني من هالتناقض اللي تعيشه يا عيني سلطان بهدوء أستسلم : رتيل كـ حصة بحدَة تُقاطعه : يا خوفي تعرفها أكثر من بنت عمها!! سلطان : تبيني أقولك ولا أسكَر؟ حصة : قول سلطان سعَل وأبعد الهاتف، أتى صوتها الحاني : صحَة سلطان يُكمل : كانت معذبَة أبوها بتصرفاتها وبغت تنفصل عن الجامعة مرَة وأنا اللي توسطت لها وأقنعت عبدالرحمن، من وقتها والبنت أعزَها مثل أختي حصة : خواتِك كثار وكلهم بالإسلام بعد ماشاء الله تبارك الرحمن الله يثبتك سلطان ضحك بضحكة مبحوحة سرقت قلب حصَة الذي مهما يقسُو تُصيبه العودة لحنانه المعتاد : والله هذي السالفة، وهي زوجة عبدالعزيز ولد سلطان بالمناسبة، وأصلاً بنات عبدالرحمن ماأرضى عليهم وأعزَهم من غلا أبوهم لكن رتيل عشان كَذا مرة أسمع عبدالرحمن يحكي عنها تكلمت معك كِذا حصَة : صدقتك سلطان : أصلاً مجبورة تصدقيني، لأني ما قد كذبت عليك حصَة : تعرف تحجَر لي ! سلطان : أهم شي تكونين راضية عنَي حصَة صمتت قليلاً حتى نطقت : راضية عنَك مع إنك تضايقني كثير عليك سلطان : وش نسوي يا حصَة؟ مافيه أحد بالعالم تكون قراراته صحيحة 100ظھ، مضطرين نغلط مثل ما إحنا مضطرين نتقبَل هالغلط حصَة : يعني تدري إنه قرار طلاق الجوهرة غلط؟ سلطان ألتزم صمته وهو يقف حتى ينتظر الإشارة الخضراء للعبُور، أردفت بصوتُها الذي ينام على ضفافِه حُزن أم : تدري وش اللي فعلاً يوجعني! إنك تدري إنه غلط ومكمَل فيه! الله يآخذ هالكرامة وهالعزَة إذا بتسوي فيك كِذا سلطان تنحنح حتى يُعيد صوته إتزانه بعد أن سلبه بردُ باريس وكساه البحَة : لو أبي أرجَعها قدرت بدون لا أهين نفسي، بس أنا ما أبي ولا هي تبي حصَة : لا تتكلم عنها! لأنك ما تدري أصلاً وش اللي تبيه ووش اللي ما تبيه سلطان : تأكدي من نفسك إذا ودَك حصَة بهمس : ليه يا سلطان؟ ليه تغلطون دام الله عطاكم القدرة إنكم تميَزون الغلط من الصح سلطان : عشان نتعلم! حصَة : وش تبي تتعلم عقب هالعُمر؟ سلطان بهدوء لا يعكس الوجع الذي يعصرُ محاجره بالملح : إننا ما عاد نركض ورى البدايات ونطير فيها عشان ما تصدمنا النهايات، ما ودَي أقولك هالشي وأضايقك! بس أنا تعبت، أحس إني مخنوق من كل شي ومن كل جهة، ودَي لو مرَة أتمسَك بشي وما يضيع مني، وهالمرَة يا حصة ماهي راضية تجي، وإن جت أوجعت قلبي! قولي لي وش أسوي؟ حصَة تلألأت محاجرها بالدموع : ليه وصَلت هالأمور بهالطريقة؟ فضفض لي لو مرَة وخلني أقول إختياره وماراح يضرَه إن شاء الله، لا تخليني أتصوَر دائِمًا إنك سلطانها وهي جوهرتك! أمحي هالفكرة من بالي عشان أرتاح سلطان : ما عندي جواب يا حصَة حصَة بضيق : لأنك ما تقدر تكذب عليَ وأنت مستحيل تصارحني بشي يخصَك!! سلطان : أسألك سؤال؟ حصَة : وشو؟ سلطان : لو فرضًا لا سمح الله صار لي شي، وش الفكرة اللي بتآخذينها من حياتي؟ واللي مستحيل أصارحك فيها؟ حصَة إرتجفت شفتيْها لتسقط دمعاتها الناعمة : ولدِي اللي ما جبته تزوَج ومقدرت أحضر زواجه وأفرح فيه، وما قالي سبب تسرَعه بهالزواج! ولمَا فرحت عشانه عرف يختار ويقرر صح! قالي ما نقدر نكمَل أنا وياها وإحنا أصلاً ما نصلح لبعض، ولمَا حاولت أوقف ضد هالقرار عشاني أؤمن إنه البداية اللي ركضت وراها بهالسرعة أنت اللي أخترعت نهايتها يا سلطان! مو هي اللي جتك!! والنهاية ما صدمتك! انت اللي صدمت الجوهرة فيها!! أنت اللي ما عطيت الجوهرة قيمة وأنت عارف إنها حتى وهي متضايقة منك ما تسيء لك بكلمة! أنت عُمرك شفت بنت لا عصَبت تحرقك بنظراتها وتترك لسانها بدون لا تنطق أيَ كلمة؟ . . . عُمرك ما راح تعرف قيمة الجوهرة يا سلطان! و مو بس ما تعرف قيمة الجوهرة! أنت ما تعرف قيمة اللي تقوله عيونك! كيف تقسى يا سلطان على نفسك وعليها؟ ما تفكَر وش راح تخسر من بعدها؟ ماراح تخسر ترقية ولا راح تخسر مركز ووظيفة! راح تخسر قلبك اللي ما قدَرته!! سلطان عقد حاجبيْه دون أن يلفظ كلمةٍ واحِدة بعد حديثها الشفاَف، بهدوء أردفت : ماراح أجبرك على شي ولا أقدر أصلاً! أحاول أضغط عليك بس بالنهاية مقدر أسوَي شي غير اللي تبيه، كنت أبيك تفرح وأشوفك و أنت تأذَن بولدِك، بس ما أظن إنك بتشوفها إن ربي سهَل عليها وكتب لها ولادتها على خير، بتكون بالرياض وهي بالشرقية ويمكن حتى ما تكون فيه! شايف كيف أنت بعيد كل البعد حتى عن اللي يشيل دمَك؟ . . أدري وش بتقول؟ بتقول تحاولين تأثرين عليَ بكلامِك؟ لو أقدر أأثر عليك بكلامِي كان تأثرت من زمان! بس كل مرَة أقتنع أكثر إنك قاسي وتقسى على نفسك سلطان بلع مُجمَل الغصَات التي تعبثُ بصوته : مضطر أسكَر الحين حصَة : سلطان سلطان : سمَي حصَة بصوتٍ باكِي أرجفت قلبه : تدري إني ما تكلمت عشان أضايقك بشي! تكلمت من حزني عليك سلطان : يا رُوحي، ما تضايقت ولا شي! سمعت منك هالكلام كثير وبسمعه أكثر وعارف إنه من غلايَ في قلبك، مُستحيل أتضايق منه!! حصَة : ينفع أقولك شي أخير وبعدها ماراح أجيب سيرة الجوهرة قدامِك! وبسكَر هالموضوع؟ سلطان بخفوت زادت بحَته وهو يجلس على الكرسي الخشبي أمام حديقةٍ متجمدَة تمامًا : سمَي حصَة : أبيك تعرف إني أفكر عشان مُستقبلك! ويهمني هالشي، أنا ماراح أبقى لك يا سلطان! وهالبيت بيفضى وبيجي وقت وراح تتقاعد من شغلك! مين راح يسليك؟ مين راح تشاركه فرحتك؟ ومين راح يشيل عنَك حزنك؟ مين راح يفطر وياك؟ ومين راح تنام وأنت متطمن عليه؟ أخاف عليك من الوحدة اللي راح تجيك! مهما كابرت أنت ما تقدر تعيش بروحك يا سلطان! إيه صح قدرت بعد وفاة بدر وأمك! وقدرت بعد وفاة سُعاد! وقدرت بعد وفاة أغلى شخص اللي هو بو عبدالعزيز! لكن كثرة هالمصايب ماهو يعني إنك تعوَدت! كثرتها يعني إنه إنهيارك عليها قرَب! وأنا أخاف عليك من هالشي!! بعد أن فقدت قُدرتها على تهذيب البكاء الذي يشطرُ صوتها وقلبها : بحفظ الرحمن . . . أغلقته دون أن تسمع صوته، لتضع الهاتف على الطاولة وتُغطي ملامحها وتتجه إلى بكاءٍ عميق عليه وعلى وجعه الذي تلمسهُ من صوته وإن أخفى ذلك وتراه من عينيْه القاسية على روحها التي تحلمُ بفرحه. و هوَ؟ أدخل الهاتف إلى جيبه دُون أن يقف أو يصدر حركةٍ اخرى، نظر للرصيف الذي يخلُو من المارَة، وكل من يمَر يتلاشى بغمضة عين، أخذ نفس عميق وهو يُغمض عينيْه حتى يُعيد لقلبه الإتزان الذي فقده من كلمات عمَته. من جُملتها التي ترنَ في قلبه " عُمرك شفت بنت لا عصَبت تحرقك بنظراتها وتترك لسانها بدون لا تنطق أيَ كلمة ؟ " عاد عقله لمجموعة صور حُبست في ذاكرته، صور عينيْها في أكثر من موقف، للتو أدركت أن الجوهرة لم تعبَر بكلماتها أبدًا مهما حاولت أن تقسو في الفترة الأخيرة، الجوهرة كانت تستعمل عينيْها دائِمًا، في فرحها، حُزنها، بكاءها، ضيقها، غضبها، مللها وخجلها. وقف ليُبعد زلزلة صوْرها في ذاكرته لقلبه، أتى على باله تلك الليلة. " أقترب منها ليُحاصرها بزاوية الغرفة، أدخل يديْه في جيوبِ بنطاله العسكري : إيه سمعَيني! رفعت عينيْها إليْه وبخفُوت : وش سويت؟ سلطان : نظراتِك هذي خففي منها قدام عمتي! لأن واضح لها كل شي!! إذا في فمك حكي قوليه ماله داعي تطالعيني وكأني سارق صُوتِك!! الجُوهرة إبتسمت بسخرية : ما أصدَق إنك قاعد تحاسبني حتى على نظراتي! باقي شويَ وتقولي وشو له تتنفسين؟ سلطان أقترب أكثر ليُلصق ساقها بساقِه حتى يجعلها رُغمًا عنها تحبسُ أنفاسها من قُربه، تلألأت عينيْها من طريقته في ذلَها، ارتجف جفنها : ممكن تبعد؟ وصلت المعلومة وفهمتها زين " ، ينظرُ ناصر للشباك العالِي الذي تتسلل منه منظر السماء الغائمة ويتسرَب إلى سمعه صوت المطر، وقَف ليسير بلا توقف وقلبه يهتفُ بالدعاء في وقتٍ مُستجاب كهذا، أولُ دعوةٍ أتت في باله " اللهم أحفظها وأحفظهم "، لم يعُد عبدالعزيز ولم يأتِ خبرُه، كُنت أؤمن بأن الأخبار السيئة أحيانًا تستعذب قلوبنا بفسحة الأمَل حتى تُلهب سمعنا بوصولِها، قلبي يُخبرني بأن عزيز بخير وخرج ولكن عقلِي يُناقض هذا الإحتمال، لو أعلم ما يحدُث لكنت أعرف كيف أخمَن بأمرٍ صحيح!! متى ينتهي هذا الوجَع؟ متى نغتسِل من هذا الحزن بعذوبَة الصلاة في الرياض؟ متى يالله نترك باريس خلف ظهرنا! يارب أرحمنا كما ترحم عبادِك الصالحين. على بُعدِ مسافات ليست بالطويلة، يقف رائد وهو يطرق الطاولة بقلمِه : مفروض إنه سلطان واصل من 4 ساعات! واضح إنه ما يبي يجي!!! . . عبدالرحمن : ما توقعت إنه الحكي يهمَك لهدرجة؟ رائد رفع عينه : عفوًا؟ عبدالرحمن : حاجتِك فعليًا عندِي لكن أنت ودَك تبرَد حرتك بالحكي مع سلطان لا أكثر!! صح ولا أنا غلطان ؟ رائد بإبتسامة يسند ظهره على الطاولة : يعني كاشفني! طيب أنا ماعندي مُشكلة بأني أقول ودَي أستلذ شويَ بمنظر سلطان وهو خايب! عبدالرحمن عقد حاجبيْه : طيب ناصر وش موقعه؟ . . بحدَة أردف . . لا تحاول تبتزنا فيه!! رائد يُلحن بصوته الجُملة : أبتزكم فييييييه! عبدالعزيز ببرود ضحك ليقف بعد أن طال جلوسه على الأريكة : سايكو! قسم بالله إلتفت عليه عبدالرحمن بإبتسامة لم يستطع أن يحبسها، همس : لا تستفزه!! رائد الذي سمع همس عبدالرحمن : لا خلَه يجرب يستفزني عبدالعزيز بإبتسامة يحك ذقنه ويُلحن بمثل صوتِه : أوقاات يآخذنا الحكي وننسى بالحكي أوقات وأوقات ياليت الكلام سكات يجرحنا الحكي . . . رائد رفع حاجبِه : فاهم وش قصدِك! سبحان الله الخبث فيك أنت وسلطان بن بدر واحد عبدالعزيز صخب بضحكته المستفزة ليُردف : هذا وإحنا متعوَذين منك رائد صمت قليلاً يتأمل جملته التي يقصد بها أنه " الخبث " بعينه، أقترب بخطواتِه ناحيته، أدخل يدِه بجيبه : شايف كم واحد حولي؟ بإشارة مني تنتهي، حاول تحفظ نفسك! عبدالرحمن يقف أمامه : خلَ حكيْك معي عبدالعزيز بسخرية أبتعد ليقف أمام النافذة وهو يعطيهم ظهره، نظر لأجواء باريس الغائمة وبدأت أفكاره تميل ناحيَة غادة نهايةً برتيل، نظر للنافذة الأخرى لتسقط عيناه على قطعة صغيرة أدرك أنها / متفجرات. فهم تمامًا ما يُريد أن يصِل إليه رائد، تنهَد وهو لا يملك القدرة على قوْل شيء، أعطى النافذة ظهره ليتكئ عليها وبدأت عيناه تتأمل الغرفة بتفحصٍ شديد، سقطت عيناه على أكثر من قطعة متصلَة ببعضها وصغيرة جدًا، غاب عقله في هذا المنظر لحدِيث سلطان بن بدر. " طبعًا حساسيتها تختلف، لكن بالأغلب إذا ماكان المجرم يبي يلفت الإنتباه أو يدمَر المكان يستخدم المتفجرات اللي تعتمد على الغاز! يعني تنفجر وتطلق غاز فقط ونطاقها ماهو واسع! مجرد نطاق غرفة يمكن أو غرفتين بالمكان نفسه حتى ما توصل للدُور كله، و المتفجرات اللي نطاقها واسع تكون متكوَنة من . . . . " بتَر حديث سلطان الذي يغزو عقله وعيناه تتأمل القطعة الموضوعه في زاوية السقف، أخفض نظره ليرى التي بجانب النافذة. لو كانت متفجرات قويَة يُقصد منها التدمير لم يكن سيحتاج إلى أكثر من قطعة! هذا يعني أنها غازيَة لا أكثر، تنهَد ليلتفت بحدَة صوته : أترك ناصِر يجي هنا رائد بإستفزاز : خايف عليه؟ لا تخاف ماراح تآكله الفيران تحت عبدالعزيز بإبتسامة جانبيَه تُخفي غضبه من وجود ناصِر بالأسفل، خاف أن يختنق إن طبَق رائد خطته الذي خمَنها بعقله. رائد ينظرُ للساعة : في حال وصل آسلي و سلطان ماجاء ترحَموا على ناصر . . . آممم نسيت شي ما قلته لكم عبدالرحمن تمتم : صبَرنا يا رب رائد بإبتسامة : أمس أرسلت رجالِي لفندق رِي فالِين تجمدَت أقدام عبدالرحمن في وقت لم يفهم عبدالعزيز مقصده ولا علم لديه بأن عائلة عبدالرحمن بما فيهم غادة هُناك. رائد ينظرُ لعينيَ عبدالرحمن المتوجسة : بس حبَيت أحط عندكم علم عبدالرحمن بغضب لم يسيطر عليه : أقسم لك بالله لو يصير لبناتي أو زوجتي شيء! ماراح تترحَم الا على نفسك عبدالعزيز إلتفت على عبدالرحمن : هُم هناك؟ . . أختي معاهم؟ رائد : أختِك وزوجتك عبدالعزيز ضاعت أنظاره بينهما ليلفظ بضيقٍ يلفَ حول حنجرته : و رجالِك؟ عبدالرحمن : موجودين . . بس أنا أنبهِك يا رائد!!! أظن أننا إحنا قدامك نكفي ونزود، أبعد عن أهلي رائد : والله عاد على حسب أفعالكم! إذا عكرَتوا مزاجي تحمَلوا بوقتها نتايجكم عبدالعزيز عقد حاجبيْه ليركل الأريكة بقدمِه : حسبي الله ونعم الوكيل ، يجلسُ بجانبه بعد أن دخل وأطمئنت عيناه برؤيته : يارب تسلمَه من كل شر ويقوم لنا بالسلامة يوسف : آمين إلتفت رافعًا حاجبه : فيك شي؟ ملاحظ عليك من جيت وأنت يا سرحان يا تتنهَد!! يُوسف : وش بيكون فيني يعني؟ ضيقة وتروح منصور عقد حاجبيْه : وهالضيقة وش مصدرها؟ يُوسف : لا تخليها تحقيق واللي يرحم لي والديك!! منصور بحدَة : يوسف! جاوبني، يوسف صمت لثوانٍ طويلة حتى لفظ : مُهرة طلبت الطلاق منصور : ليه؟ سبب فيك؟ يوسف بعصبية : فينا كلنا! تقول مقدر أحط عيني في عينكم ومن هالخرابيط منصور : يعني عرفت بموضوع أخوها؟ يوسف : إيه أكيد أمها قالت لها لما وصلت لحايل منصور تنهَد : روح لها وكلَمها، بالتليفون ما تضبط هالمواضيع يُوسف بضيق : تقول إنها مالها حق تكون زوجتي وأنه منصور ماله ذنب وإني ضايقت أهلك ومدري أيش! طلَعت مليون سبب عشان نتطلق وما كلَفت نفسها تطلع سبب واحد عشان نستمر منصور : أنسب شي إنك تروح لها وتفهمها، وش دخلها فينا! أهم شي إنك أنت وياها متفاهمين ومالها علاقة فيني أو في أمي وأبوي . . فهَمها هالشي لأنه واضح إنها شايلة همَ أخوها! هي وش دخلها في أخوها!! يوسف بإنفعال : وش يفهَمها يا منصور! حتى أمها نفسها تضغط عليها والحين بيوصل الموضوع لخوالها وبيوقفون كلهم بوجهي! والمُشكلة إنه هي واقفة معهم ضد نفسها!! قهرتني وهي تسكَرها في وجهي من كل جهة، قلت لها إذا مستحية من أهلي ومتفشلة نطلع و نسكن بعيد عنهم، وماتشوفينهم الا بالمناسبات! قلت لها مالك علاقة بأهلي ولا بأيَ واحد فيهم! بس ما رضت منصور : أصلاً كلنا نسينا كيف وضع الزواج في بدايته! وما أهتمينا لهالموضوع، وحتى أمي معتبرتها مثل نجلا وتغليها وأبوي بعد! ليه مصعبَة الامور ومطلعتنا كأننا متمنين بُعدها ونكرهها، إذا كرهنا أفعال أخوها ماهو معناته إننا كرهناها بعد!! وهذي أمها مدري كيف وضعها! عندها خلل في عقلها مو طبيعي! بالبداية حاولت تهين بنتها والحين تهينها بعد مرة ثانية!! يوسف يمسح على وجهه بكفيَه الباردة وهو يُثني ظهره قليلاً : و عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم، كنت متضايق في بداية زواجي و كرهت عُمري اللي خلاني أتزوَج بهالطريقة! بس كانت أحلى شي صار لي يا منصور، حسَيت الدنيا مو شايلتني لمَا عرفت بحملها ولمَا سقطت ما حاولت أضايقها وأقولها وش كثر تضايقت وحسَيت روحي تطلع من هالخبر! بس قلت قدامنا عُمر! وهي أنهته، أختنقت من إني دايم أراعي هالناس ولا واحد فكَر يراعيني!! وأمها ما فكَرت أبد بأنه فيه بني آدم متزوَج بنتها ماهو آلة بتزوَجها وقت ما تبي ويطلَقها بأمر منها!! منصور أقترب منه ليضع يدِه على كتفِ أخيه : وش لِك بالناس؟ أنا معك يا يوسف، إن ما شلت همَك أشيل همَ مين؟ بكرا نروح أنا وياك لحايل ونشرح لها يوسف بحدَة دون أن يرفع عينيْه : ماني رايح مكان! ماراح أركض وراها وهي ماحاولت حتى تلتفت!! منصور : لا تفكَر بهالسلبية!! يمكن هي متضايقة أكثر منك! هذا بالنهاية أخوها مو واحد من الشارع، ومقهورة عليه ومنه، وعشان كِذا تصرفت معك بهالصورة! بكرا نروح ونحَل الموضوع وإن الله كتب ترجع معك يُوسف أخذ نفس عميق ليرفع ظهره ويستنَد على الكرسي، إلتفت لأخيه : لو كنت مكاني ما رحت!! أنا ترجيتها يا منصور، كل فكرة جت في بالي إنها ترضيها قلتها لها وقالت مقدر! سكرَتها بوجهي!!! وش باقي أسوَي عشان أقنعها؟ أجيها عشان تقهرني أكثر هي وأمها! والله العالم إذا وصل الخبر لخوالها بعد ، تفتحُ عيناها على سقفٍ أبيض لا تُحدد تفاصيله إثر الضباب الذي يُخيط نفسه في محاجرها، مالت برأسها قليلاً ليؤذيها الكمام الموضوع على الجُزء الأسفل من وجهها، أغمضت عيناها لتفتحها بعد ثوانٍ قليلة حتى تستوعب الحالة التي وصلت إليْها، رفعت يدها لتنظر إلى الأنبُوب الضيَق المغروز في وسطِها، بحثت بنظراتها كثيرًا عن ظلٍ يُشاركها السقف ولم تجد أحدًا بجوارها، عادت للعُتمة وهي تُغمض عينيْها مرةً أخرى، لتسيل دمعةً رقيقة من طرف عينها اليُمنى، دخلت الممرضة لتلحظ هذه الدمعة، عادت للخلف حتى تُنادي الدكتور المسؤول عن حالتها، مرَت ثوانٍ بسيطة حتى أتاها الدكتور، فتحت عينيْها برجفةٍ يرتعشُ بها قلبها، تُريد أن تنادي أحدًا تعرفه، أن ترى ملامحه بالقرب منها، هذه العُتمة تُدمع قلبي. وضع الدكتور يدِه على عينيْها ليفحصها جيدًا ويتأكد من وعيْها التام، بالفرنسية تحدَث معها ولم ترَد عليه بشيء. الممرضة : رُبما لا تتحدث الفرنسية. الدكتور عاد كلماته بالإنجليزية : ستلزمين الفِراش لمُدة ليست بالقصيرة، تحتاجين الجلوس لفترة حتى يلتئم جرحك، طوال هذه الفترة أنتِ ممنوعة من عدَة أشياء سنُخبرك بها لاحقًا الممرضة نزعت الكمام الذِي يُساعدها على التنفس : تبدُو جيَدة أكثر مما هي عليه في الصباح الدكتور : هل توَدين قول شيء؟ رتيل نظرت إليه لتُبلل شفتيْها بلسانها ودمعُها يصعد لمحاجرها، الدكتور ينظرُ للممرضة : أين الذي أتى في الصباح؟ الممرضة : رحَل! لا يوجود أحد هُنا رتيل أخفضت نظرها من كلمات الممرضة، يستحيل أن تُصدَق أن لا أحد بجانبها دُون سبب! تقشعر بدنها من فكرة أن أمرًا سيئًا حدث لوالدها أو لضيء و عبير. الدكتور : أهدئي! البُكاء سيُرهقك ونحنُ بحاجة إلى راحتك النفسية حتى تستعيدي قوَاك الجسدية كانت تبكِي دون صوت، عيناها وحدُها من تُسقط الدمع تباعًا. الحمدُلله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه، و في كل مرةٍ أقعُ تحملني يالله بجناحِ رحمتك، وتُذكرني بفضلك العظيم الذي لا أدرِي مالصوابُ إتجاهه! أو رُبما أدري ولكنني أُظلَ هذا الإتجاه، ليتني يالله أفهمُ أنني أعيشُ بعد تجاوز فرصة الموت لكي ينصلح حالي، و ليتني أيضًا أفهمُ كيف أترك الأشياء لتعوَضني عنها، صفة التملك الفظيعة التي تربطُ قلبي بأفعالي أحيانًا تُشعرني بأنني المُخطئة، وليست أحيانًا بل بالغالب هي التي تُخطئني التقدير والتصرف، لو أنني أتخلصُ من هذه الصفة الحادَة رُبما تركت أشياءً كثيرة أُحبها وتغيَرت، ولكنني يالله أشعرُ في كل مرَة أنني أضعفُ من التغيير وأنني أسوأ من كل هذا ولا أستحق كل الفرص المتاحة ليْ، أنا أضيع! وهذا " يوجعني " ! سألها عن الذي أتى في الصباح! من المستحيل أن يرضى أبي بتَركي! لا يرضاها إلا شخصٌ واحد، مهما ظننتُ بك حسَنًا يا عزيز تُسيء إليَ ظني، ماذا أفعل؟ أنا لا أقدر والله على أن لا أرى أحدًا من عائلتي! لا أستطيع أن أتنفس بصورةٍ منتظمة بغيابِ أحدهم، أنا لو مُتَ لن أموت من وَجعِي و مرضي، سأمُوت من حُبي وحُزني عليه، حُبي الذي لا يرتبط بشخصٍ واحد، هو رباطٌ أزلي تترتب عليه أغلبُ جوانبي النفسيَة، أولهُا أبي الرجلُ الذي أحمل قلبه في نهايَة إسمي، وآخرهُ الرجل الذي يحملُ قلبي معه، يالله! لو أنني لا أبكِي نفسي. أغمضت عيناها طويلاً لتستذكر المشهد الأخير، طال الإستذكارُ الذي يحيط عقلها، ليختلط عرقُ جبينها بدمعها، غرزت أصابعها على مفرش السرير وهي تشعرُ بأن حجرًا يحطَ على صدرها، شهقت بقوَة من الدماء التي تراها، حرَكت رأسها كثيرًا حتى تُبعد الذكرى من أمامها ولم تقدِر! عجزت عن طيَ المشهد أسفل قدم النسيان، تحرَكت كثيرًا حتى بدأ صوتُ الجهاز الذي بجانبها يتصاعد بتصاعد أنفاسها المضطربة، دخلت الممرضة سريعًا لتقترب من الجهاز المُساعد في التنفس وتُعيده إليها، نظرت إلى أصابعها التي تغرزُها في السرير لتُدرك أنها تغيب عن الوعي، همست بصوتٍ حانِي : لا أحد هُنا يُمكنه أن يؤذيك، رتيل؟ . . . وضعت يدها البيضاء فوق كفَ رتيل لتضغط عليها بلطف : أهدئي، ستضرَين نفسك بالتوتر!! وهذا لا يُساعدك على الشفاء سريعًا لم تفتح عيناها بعد، أرتخت أصابعها من على المفرش، شعرت بالمنديل الذي يمسحُ وجهها قبل أن تدخل في نومٍ عميق. ، طلَت على والدتِه التي تعتكف على سجادتها، تأملتها لدقائِق طويلة دون أن تُزعزع سكينتها، خرجت لتتجه ناحية غرفتها، بدأت عيناها تُدقق النظر في كل قطعةٍ تعلم أن " فيصل " رآها، اقتربت بخُطى مبعثرة ناحية مكتبه، هذه الخُطى التي تحملُها وتحملُ فوقها دمعٌ لا يجفَ، أتكأت بيدها على الطاولة لتُمسك بيدها الاخرى قلمه، وضعتهُ بمكانه لتجلس على كُرسيْه، وضعت جبينها على الطاولة لتنجرف بسيلٍ من الدمع. يالله يا فيصَل! كيف تحبسُ روحي معك في فترةٍ قصيرة مثل هذه! لن أقُول " أحبك " بكل ما تحملُ الكلمة من معنى و صفَة، ولكنني " أحبك " بمعنى أنني أُريدك بجانبِي وبصفَة أنني زوجتُك، لم يرتاح قلبُ أمَك دقيقة واحدة منذُ أن عرفت بأمرِ مرضك، إنها تُعاني وتمضغُ كل " آه " بملامحٍ ساكِنة لا تجرؤ أن تنهار وبين يديْها " ريف "، و ريف أيضًا! تبكِيك بطريقتها، هي لا تعرف معنى أن ترحل! ولكنها تنظرُ إليَ بشفقة، وكأنها تعلم بأمرك. رفعت عينيْها لتنظر إلى الكتب المصفَفة بترتيب وتنسيق تام، أخذت إحدى الكتب لتفتح الصفحة الأولى، قرأت بخطِ يده " قرأته1/10/2012، إلى الذين ما زالوا يُمارسون الحياة بفقدهم " أغلقته لتقف وتفتح الكُتب الأخرى برجفةِ يديْها " كيف السبيلُ إلى وصالك يا أبي، دُلَني؟ " فتحت الآخر " أأشتاقُك؟ ". أدركت تمامًا أنه يكتب بعد إنتهاءه من القراءة سطرًا على صفحة كل كتاب، بخطواتٍ مرتبكة نزلت لتتجه ناحية الغرفة التي أذهلتها أولُ مرة بتصميمها، اقتربت من الكُتب وببعثرة كانت بعض الكتب تسقطُ من يدها، بدأت تقرأ الكلمات التي تُذيبها دمعةً تسقطُ من عينيْها على الورق. " جرَبت أنواعًا عديدة من الحُب، كان أولَها أبي و آخرُها ريف، ولكن لم أُحب بعد أنثى تحبسُ العالم في عينيْها وأسافرُ إليها بصوتها، أُريد ان أجرَب كيف يحمَر قلبي بقُربها قبل أن أموت " " أخطأت كثيرًا . . . . . . " " و اكثرُ المسميات حُبًا لقلبي : رائحة الجنة، هذه الجنَة التي أراها في عينيَ أمي كل صباح " " كيف أتُوب دون أن أؤذي أحدًا بمعصيتي ؟ " " ت ع ب ا ن " جلست على الأرض لتفتح الكُتب بأكملها وتقرأ الصفحات الأولى سطرًا سطرًا وأغلبها كانت كلمتيْن لا أكثر. " أحيانًا يأتِ القدر بصورةٍ موجعة ولكننا نتقبله لأننا نعي تمامًا من يحكُمنا! الذي يحكمنا / العزيز الرحيم " " كيف أخبره؟ أنني موجوعٌ اكثر منه، اليوم فهمت تمامًا فداحة خطأي وأنا أُخبر رجلاً أن زوجته لم تمُت " " قلة الحيلة هي أكثرُ الأشياء وجعًا " " أخبرتهُ! " " سيأتِ شخصٌ آخر يعرفني عن قُرب، وسيفهم تمامًا أنه مخدوع فيني " " لم يكن أمرُ وفاتِك يا أبي عاديًا، أمرُ وفاتِك بحدِ ذاته جعلني سيء أكثرُ مما أظن " وقفت هيفاء والكتب مبعثرة على الأرض، غصَت بالوجع الذي تقرأه بكل كلمة يكتبها، لِمَ كان يكتبُ على صفحات الكتب المخصصة للإهداءاتِ دائِمًا والمخصصة أيضًا للكلمات الجميلة، لِمَ جعلها مساحةً للتعبير عن حُزنه! هل فعلها كي لا يقرأها أحد؟ ولكن كيف وهو جعلني ادخلها متى ما شئت! ما الخطأ الذي أوجعهُ بهذه الصورة؟ ومن الرجل الذي أخبرهُ عن حياة زوجته؟ اقتربت من الطاولة الأخرى لتسحبَ الرف السُفلي، نظرت للأوراق التي لم يُجذبها بها شيء، أغلقته بحدَة لتصعد مرةً اخرى نحو الغرفة، بدأت بالبحث في كل جهة عن شيء تجهله، أرادت أن تفهم فقط ما سرَ كلماته التي قرأتها، نظرت لملفٍ شفَاف يحتوي عدَة اوراق بجانب الخزينة، جلست على ركبتيْها لتفتحها، قرأت الورقة الأولى ولم تفهم شيئًا سوى " السيد فيصل عبدالله القايد " تركتها لتقرأ الأخرى وعينيْها تثبت عند " عبدالمجيد بن سطَام "، عادت ذاكرتها بعد دقائق طويلة من التأمل لحوارٍ ضيَق تتذكرُ تفاصيله. " منصور : هيفا مو وقتك أبد!! هيفاء : يخي بس وصلني للمشغل ومن هناك انا أرجع مع صديقتي يوسف إلتفت لوالده : و بو سطام عبدالمجيد وينه فيه الحين ؟ والده : حصلت له مشكلة في القلب وأضطر يتقاعد ويتعالج في باريس الحين هيفاء بحلطمة : ياربي! في كل مكان لازم تسولفون عن نفس السالفة! تعبت وأنا أسمعها! الله يرحمهم بس عاد مو كِذا والدِه تنهَد : يوسف بالله روح ودَها لا ترفع ضغطي يوسف رفع عينه إليْها : عنادٍ فيك ماني مودَيك ولا راح تروحين مع أحد ماهو لازم! هيفاء ضربت قدمها على الأرض : أستغفر الله بس!!! مدري على أيش أنتم أخواني! منصور دون أن يلتفت إليْها : والحين عبدالمجيد بروحه هناك! يعني أهله ماهُم فيه ؟ " عادت للإسم مرةً اخرى، وهي تُعيد الأوراق إلى مكانها، خرجت لتنظر إلى والدته أمامها، أم فيصل عقدت حاجبيْها على رجفتها غير الطبيعية : هيفا؟ هيفاء بلعت ريقها لتقترب منها : خالتي بسألك سؤال، وأدري إنه مو وقته بس .. أم فيصل بإبتسامة : أسألي باللي تبين، وش فيه مشغول بالك؟ هيفاء : فيصل كان موجود بالرياض قبل سنة؟ أم فيصل : لا، كان في باريس يشتغل عشان يوسَع أعماله اللي بالرياض هيفاء نظرت إلى عينيَ والدته : عن إذنك خالتي بنام ساعتين من أمس ما نمت أم فيصل : بحفظ الرحمن وأنتبهي على نفسك ولا تحملينها فوق طاقتها هيفاء : إن شاء الله . . . صعدت للأعلى وبمُجرد أن أعطت والدته ظهرها حتى أنهارت عيناها بالبكاء ويرنَ في عقلها الذي قرأته قبل قليل، كتَب في الصفحة الأولى من كتاب " حديقة الغروب " ( كيف أنسى أنني قتلتهم أحياءً ؟ ) دخلت الغرفة لتُغلق الباب، لم تستطع السيْر أكثر، سقطت على ركبتيْها وهي تُحيط رأسها بيديْها. يارب لا تجعل له يدًا بما حدث العام الماضي في باريس، يارب لا تجعل له يدًا بما حدث. هل كان خطأؤه يتعلق بأمرهم؟ من الرجل الذي أغتال زوجته وهي حيَة؟ يارب أرجُوك لا أريد أن أنصدم بما يحدث، أخرجت هاتفها من جيْبها لتتصل على والدها، ثوانٍ قليلة حتى أتى صوته المُتعب : ألو هيفاء بنبرةٍ باكية : يبه والدها : لبيه يا عيون أبوك هيفاء : مين عبدالمجيد ؟ والدها بدهشة : وشو؟ هيفاء : مين عبدالمجيد ؟ وش علاقته بفيصل ؟ والدها : بسم الله عليك وش صاير لك؟ ماني فاهم ولا شي هيفاء : العام اللي فات كنت أنت ومنصور ويوسف تحكون فيه! مين هوْ ؟ والدها : هيفا! وش سمعتي عشان تسألين عنه؟ هيفاء ببكاء : ما سمعت شي! أبي أعرف مين عبدالمجيد هذا ؟ والدها : زميل لنا بالشغل هيفاء برجاء : يبه تكفى! تكفى لا تكذب عليَ والدها : أول شي أهدي وفهميني، ليه كل هالبكي؟ هيفاء : راسي بينفجر من الأفكار اللي تجيني، فيصل يقول أنه غلط وماهو قادر يصحح غلطه ويقول إنه وفاة أبوه أثرَت فيه و أنه خبَى عن شخص أنه زوجته حيَة وأنه ماهو قادر يسامح حاله و أنه ذبح أشخاص كثييير .. وتوَ سألت خالتي تقولي إنه كان في باريس ذيك الفترة! يبه تكفى قولي بس وش علاقة فيصل فيه؟ والدها بدهشة حقيقة جعلته يصمت. هيفاء بصوتٍ يتعالى بالبكاء : يعني صح؟ اللي عرفته صح؟ فيصل له يد باللي صار لعايلة سلطان العيد !!! قولي يبهه صح والدها : لو شاك بفيصل 1ظھ ما زوَجتك إياه! يبه أنتِ فاهمة غلط هيفاء : لا ماني فاهمة غلط، أنا قريت كل شي! عشان كِذا جوَ بيتنا وأعتدوا عليه . . بس مين ؟ إذا العايلة نفسها ماتوا! والدها تنهَد : هيفا حبيبتي فيه أشياء كثير ما تكون واضحة قدامك وهالشي يخليك تخمنين بأشياء كثيرة ممكن توجعك وهي غلط!! هيفاء بتوسَل يهزَ غصن أبيها : أبي أشوفه طيَب! ليه تمنعونا نروح له!! بموت يا يبه من التفكيير والله بموت والدها : هيفا . . أترجَاك! أهدي هيفاء : تكفى يبه، تكفى بس بشوفه . . والدها بضيق : طيب، الحين أمرَك بس لا تقولين لأمه عشان ما تتضايق هيفاء مسحت بكفَها دموعها : إن شاء الله . . ، باريس قبل الجليد و الحُزن والبكاء، يجلسُ بمقابله. فارس : وش قررت؟ عبدالعزيز نظر إلى عينيْه التي لا تشي بأمرٍ حسن ولا سيء : وش يضمَني يا فارس؟ فارس : أنت عارف إني قادر بسهولة أقول لأبوي وش تخططون من وراه! كل هذا ما يخليك تثق فيني؟ عبدالعزيز تنهَد : مهما تصرف أبوك مستحيل توقف ضدَه فارس : صحيح، مستحيل أوقف ضدَه لكن ممكن أوقف مع غيره وهذا ما يعني إني ضدَه عبدالعزيز : وإن حصل شي لعبير من أبوك؟ فارس : مثل ما حفظت سرَك عنده بحفظها عبدالعزيز فهم تهديده المبطَن : يعني؟ فارس : حاليًا أنا أكثر تمسك بعبير، وماراح أرضى إنها تروح لغيري عبدالعزيز إبتسم : تهددني؟ فارس : ما أهددَك! لكن مثل ما تبي مصلحتك أنا أبي مصلحتي عبدالعزيز : يعني أفهم من كلامك إنه مطلوب مني أروح وأقنع بوسعود بمشعل اللي هو أنتْ !! وبتتوقع إنه راح يصدَق ويبارك لك!! مستحيل أنا أعرف بو سعود إذا ما سوَا لك بحث شامل عن أصولك ما يرتاح فارس : وأنا ليه أبيك؟ عبدالعزيز ضحك بسخريَة : تبيني أبيَن له إنه ما على عبير خوف معاك!! مجنون؟ فارس تنهَد بحدَة : عبدالعزيز!! عبدالعزيز : هذا زواج ماهو لعبة! فارس : على أساس إنك تزوجت بصورة طبيعية؟ عبدالعزيز رفع حاجبه : عفوًا؟ فارس : قدام أبوي قلت إنك متزوَج وحطيت بوسعود أمام الأمر الواقع! صح كلامي ولا معلوماتي خطأ؟ عبدالعزيز نظر إليه بجمُود : أنا غير وأنت غير!! فارس : تزوجت وأنت ما تعرف أيَ وحدة فيهم لكن سألت نفسك ليه أبوها ما أختار عبير رُغم أنها الأنسب في ظروفك ؟ عبدالعزيز : لا يكون هذي من تخاريف أبوك اللي مصدَرها لك فارس : أبوي ماعنده خبر!! أنا اللي أتصلت، وبعلاقاتي قدرت أهددهم لو تزوَجت عبير ماراح يحصلهم خير!! و هالكلام وصل لمقرن وبعدها وصل لبوسعود، وأنجبروا يختارون الثانية عبدالعزيز بإبتسامة باردة : هذا الخبر ما كان يدري فيه . . يُقاطعه : أبوي وأنت و بوسعود و مقرن و سلطان، كيف تسرَب لي؟ هذا اللي تبي توصله . . قلت لك من قبل أعرف أكثر من اللي تعرفونه ولو أبي أهددكم قدرت من زمان لكن هالشي راجع لعقلي اللي ما يفكَر يضرَكم بشي عبدالعزيز صمت لثوانٍ طويلة حتى نطق : وش اللي تعرفه؟ فارس : أبوي مو غبي! حط هالشي في بالك! إذا ما كشفك اليوم، بيكشفك بوقت ثاني وراح يمثَل عليك ويمثَل على غيرك، أنا أكثر شخص أعرف أبوي وطريقته، سبق وسوَاها بأبوك و بومنصور، على آخر لحظة قلب كل شغلهم وكشف معرفته بكل الأمور في الوقت اللي كانوا يحسبون فيه إنه محد داري!!! عبدالعزيز عقد حاجبيْه : ليه تقولي هالحكي؟ ما تخاف أروح لهم وأقولهم ونغيَر كل خططنا!! فارس بهدُوء مُهيب : واثق فيك عبدالعزيز : فارس . . . فارس : أنا فاهم وش تفكر فيه وحاسَ فيك، إذا أنت تحس إنك منت مناسب لهالشغل أنا أحس كل يوم إني في بيئة ما تناسبني!! لا تتوقع ولا في لحظة إني بغدر فيك، عبدالعزيز بقولك شي وما أظن راح أتجرأ أقوله لأحد غيرك عبدالعزيز رفع عينه إليْه، كانت عينا فارس شرسَة بالشفافية والوضوح الذي بدآ يغزُوها، بلع ريقه : وشو؟ فارس : أنا مراقب بيت بوسعود من قبل لا تجي الرياض، وأعرف كل شي يصير فيه، لأن السوَاق اللي عنده كان يشتغل عندنا من زمان و الشغالة نفسها كانت توَصل للسوَاق الأخبار وهو يوصَلها ليْ، و لمَا حصل أمر زواجك تسمَع على بوسعود ومقرن وكانوا يخططون على عبير، وقالوا أنه ردَة فعلها بالمستقبل ماراح تكون إنفعالية مثل . . أختها الصغيرة، و لمَا كلمت اللي أتعامل معه واللي يربطني بأبوي قالي عن الموقف اللي حصل وإنك تكلمت وقلت إنك متزوَج بنته . . . وطبعًا كل هذا أقوله لك بدون فخر عبدالعزيز بدهشة : وكل هذا عشان أيش؟ كيف عرفتها؟ وشلون عرفتها أصلاً؟ أنا من جيتهم طلعاتهم تنعَد على الأصابع بالشهر الواحد، كان مشدد عليهم بوسعود كثير!!! كيف . . فارس : هذي سالفة طويلة عبدالعزيز : لا تفكَر تقوله لأحد غيري لأن فعلاً فيه قلة رجولة! كيف تسمح لنفسك إنك تراقب بنت؟ فارس بضيق : ما راقبتها بعيوني! اللهم أخبارها هي اللي كانت توصلي عبدالعزيز : ووش السالفة الطويلة؟ فارس : أبوي كان يبي مزرعة بوسعود وأستغلني لأني مبتعد عن الأجواء ومحد يعرفني، وكلمت صديق لي إسمه عبدالمحسن اللي كان يعرف أحد معارف بوسعود و بعزيمة أجتمعوا كلهم وضبطوا وضع المزرعة إننا نأجرها منه لكن بوسعود رفض وقال إنها حلالنا نجلس فيها متى مانبي ولمَا جيتها أول يوم كانت أغلب الغرف مقفلة لكن فيه غرفة لقينا مفتاحها بالوقت اللي راح عبدالمحسن فيه، ومن فضولي فتحتها وكانت غرفة عبير عبدالعزيز بغضب تتسارع كلماته : وش لقيت فيها؟ كيف عرفت إنها عبير؟ يعني شفتها؟ دون أن يضع عينه بعينيَ عزيز : لقيت صورها موجودة عبدالعزيز بسخرية غاضبة : وطبعًا مشيت على مبدأ شفتها وخذت قلبي فارس تنهَد بضيق : لا طبعًا! بس لأني محبوس وزين أطالع السمَا قامت تشغل عقلي وقررت أبحث عن رقمها وأشغل وقتي فيها، يعني كانت مجرد تسلية عبدالعزيز بحدَة أعتلت نبرته بشتيمةٍ قاسية في وجه فارس. فارس نظر إليْه بغضب : ممكن تخليني أكمَل قبل لا تحكم عليَ؟ عبدالعزيز : لا تتوقع إنه عقب حكيْك بأقتنع وأقول والله كفو راح أقنع بوسعود فيك وأنت تراقب بنته من سنة وأكثر!! فارس : حبَيتها يا عزيز، بس تدري وش عقابي من هالحُب؟ عُمرها ماحاولت تعطيني فرصة كانت دايم تبتر الطرق اللي توصلني لها!! كان إيمانها أقوى من إني أزعزعه بأيَ فعل!! عبدالعزيز: الأساس غلط وزواجك منها الحين غلط وكل شي مبني على غلط لا تفكَر تصححه فارس : هالكلام بدل ماتقوله ليْ قوله لنفسك ولا أنا غلطان؟ عبدالعزيز : قلت لك لا تقارني فيك!! زواجي وإن كان ممتلي أغلاط لكن هي عندها علم فيني وبإسمي أما أنت تبي تخدعهم كلهم! إلى متى؟ فارس : أنا عارف والله العظيم إنه محد يرضى على بنته بهالشي! وأنت اللي ما تقرب لك عبير بشي عصَبت!! لكن هذا شي حصل مقدر أكذب وأقولك بمثالية إنه أموري تمام وأنا خالي من العيوب، أنا غلطت وأعترف لِك إني غلطت عشان أكون واضح قدامك بدل ما أكون واضح قدام عبدالرحمن و تخرب كل أشغالكم المتعلقة بأبوي عبدالعزيز يُبلل ريقه بمياهٍ باردة، نظر إليْه بحدَة : كلنا نغلط! لكن غلطك يجلط القلب فارس إبتسم : والنتيجة؟ عبدالعزيز : النتيجة الله يسلمك تبطَل مراقبة بيت بوسعود!! وأهله فارس بضحكة : وبعدها؟ عبدالعزيز تنهَد : الله لا يبارك في العدو . . طيب فارس صخبت ضحكته ليلفظ : الثقة ماهي شي إرادي تذكَر هالشي، وأنا داري ومتأكد إنك واثق فيني لكن ما يساعدك صوتك بالإعتراف عبدالعزيز إبتسم رُغمًا عنه : بس والله لو حصل شي غير اللي اتفقنا عليه بوقَف بوجه هالزواج وماراح تشَم ريحته عاد لوجه رائد ولعينيْه، كانت كلمات فارس مُنبَهة منذُ ذلك اليوم ولكن نحنُ الذين طمعنا بإستغفاله حتى صُدمنا، إلتفت لإتجاه صوت رائد الساخر/الشامت : تأخرت يا بوبدر؟ هذا وأنت دقيق في مواعيدك تأمل الوضع وهو يبحث بعينيْه عن الفردِ المفقود " ناصر "، نزلت أيادِي رجاله الذين يفتشونه لأقدامه، سلطان تجاوزهم وهو يخطُو على يدِ إحدى الرجال بتعمَد : عفوًا رائد وضع قدمًا على قدم فوق الطاولة ببرود : إتفاقنا ماشي ولا ناوي تخربَه عشان أخربه معك سلطان تنحنح حتى لفظ : وين ناصر؟ رائد بإبتسامة مستفزة : بحَ!! سلطان ببرود يجلس بجانب بوسعود : إذا تبي تتعامل بهالأسلوب أبشرَك عندي أسلوب همجي يليق فيك رائد : طيب خلنا نحط عبدالعزيز بالصورة، مين ورى حادث سلطان العيد يا بو بدر؟ عبدالعزيز أطلق ضحكة قصيرة من جوفِ قهره ليقف وهو يقترب من النافذة ويضع يديْه بجيوبه عبدالرحمن : أظن إنه ماهو موضوعنا! والحين جاء وقت يطلع ناصر رائد بهدوء : مين اللي قال نبي عبدالعزيز لأن ما وراه أهل!! سلطان : تحاول تستفزني وتستفزه عشان تشتتنا؟ هذا الأسلوب قديم! ولا عاد يمشي معنا رائد : لو قلنا سلطان العيد و قضاء وقدر وما كان بإيدكم حيلة، وينكم عن مقرن؟ سلطان بغضب وقف : أقسم لك بالله إنه ما يوقف بوجهي شي لو حاولت . . يُقاطعه رائد بذاتِ الحدَة : لو حاولت أيش؟ خايف من عبدالعزيز؟ خايف إنه يعرف! إلتفت عبدالعزيز ليوجَه حديثه إلى رائد : لا تخاف! ما أعتبرهم شيء عشان أنصدم منهم، لو كنت لهم شيء ذيك الساعة كانوا علموني بدون لا تمهَد لهم وتحاول تستفزهم!! عبدالرحمن : كل شي كان مفروض تعرفه عرفته عدا ذلك لا هو بمصلحتنا ولا مصلحتك رائد : طبعًا ماهو من مصلحتكم بقاء عبدالعزيز في باريس عشان أخته سلطان : واضح إنه أخبارك قديمة، عالج الموظفين المشتركين مع سليمان وذيك الساعة تعال قولنا وش صار بالحادث؟ لأنك مخدوع بقوَتك! رائد بإبتسامة : هل عندِك علم يا عبدالعزيز إنه ابوك كان عايش بعد الحادث لأسبوع؟ وبعدها توفى؟ عبدالرحمن بحدَة : رائـــد!!! عبدالعزيز بلع ريقه بصعُوبة، نظَر إليهم بضياعٍ تام، أقسى من عيناه هذه اللحظة لم تُوجد ولن تُوجد. أسبوع! هذه السبعة أيام كانت كافيَة لشفاء قلبي، رُبما سمعت صوته للمرة الأخيرة ورُبما قرأ عليَ ختام حياتِه، ولكنني لم أعرف؟ لأن هُناك من ينصَب نفسه مسؤول عن قلبك ويلغي منه الحياة لأن يُريد ذلك دون أن يلتفت للدم الذي يربطنا معًا، لم أفعل أيَ شيء حتى أستحق كل هذا! حتى وأنا أعصي القوانين وإتفاقاتنا و أودِع الحزن في صدوركم كنت أتراجع، تراجعت كثيرًا! في المرةِ الأولى مع رتيل عندما أردت أن أُذيقها عذابًا لا ينتهي دون أن تدري أنها زوجتي، وتراجعت في المرة الثانية عندما حاولت أن أفضح أمركم أمام رائد، وتراجعت في المرة الثالثة عندما أدركت أن هُناك أمرًا خفيًا وواصلت العمل دون أن ألتفت لهذه الفرضيات، وماذا قابلتوني عن هذا التمسَك أو التراجع؟ سلطان إلتفت بكامل جسدِه ناحية عبدالعزيز : عبدالعزيز ! رائد : قولوا له إذا كان عندِه علم بعبدالمجيد! عقد حاجبيْه وهو لا يعكس القهر على ملامحه وإنما عيناه / فضَيحة : ماني قايل ( ليه ) اللي بحَ فيها صوتي بقول سامح الله أبوي اللي ما خلَى كلمة حلوة ما قالها بحقكم وأنتم منتُم كفو عبدالرحمن أقترب منه ليبتعد عبدالعزيز بحدَة تصلَب ظهره : لا تفكَر ولا للحظة إنك تبرر ليْ! تدري وش المصيبة؟ إنه عدوَكم يدري عن أخباري وأنا صاحب الشأن آخر من يعلم! والنعم والله بالمعزة اللي في قلوبكم ليْ سلطان : وش راح يفيدك إنك تعرف عن أبوك في وقت متأخر؟ غير الحزن والتعب؟ إحنا بعد ما عرفنا الا متأخر عبدالعزيز بإبتسامة : أبد ما يفيدني بشي! لا تقولي عن أختي ولا تقولي عن أبوي! أصلاً وش بيصير؟ عادي أختي تعيش سنة كاملة بعيدة عني ولا أدري وش صار لها ووش ما صار لها وعادي جدًا إني أسمع إنه أبوي نجَا من الحادث! كل شي عندِك عادي يا سلطان . . . بغضب أعتلى صوته حتى رجع صداه أقوى . . بذمتك ترضى يصير فيك كذا؟ ترضى تتشرد أختك ولا أمك ولا أيَ زفت من أهلك؟ أنت آخر شخص تتكلم بهالشي لأن عُمرك ماراح تعامل الناس مثل ما تعامل نفسك! عندِك أنت ومصلحتك الأولوية بعدين إحنا! نموت نمرض نآكل تراب عادِي بس أنت ماشي شغلك وإدارتك ماشية خلاص الحياة حلوة حتى لو هي على حسابنا وتمشي فوق أوجاعتنا . . سلطان بهدوء : ماهو كل شي بإيدنا! عبدالعزيز بغضب كبير يتقطَع صوته بالبحَة : لو هالشي يعنيك كل شي صار بإيدك! بس لأن الشي يعنيني عادي تقول في نفسك، وش يهمنا؟ خلَه أهم شي رائد مخدوع إلى الآن وأمورنا ماشية! سلطان : طبعًا لا، لأن لو مقرن حيَ كان شهَد قدامك إنه وصلنا خبر غادة بعد أكثر من شهر من وفاتهم وما كنَا ندري عن كل اللي صار بعد الحادث لين جانا فيصل عبدالرحمن : جانا مقرن وقالنا إنه ماعندِك علم بغادة بعد ما أكتشفنا أمر حياتها، اما مسألة أبوك ما عرفناها الا باليومين اللي فاتوا، ووقتها قررنا إنه يبقى ما عندِك علم! وغادة كانت فاقدة الذاكرة و مقرن خضع لتهديد فيصل له بالبدايَة و وكَل المهمة لأمل اللي تصرفت كأنها أمها معها و إحنا من جهتنا وكَلنا سعد يكون معاها، وبعد فترة طويلة أكتشفنا إنه مقرن كان مهدَد من فيصل اللي تعامل مع سليمان وخبَى عنَا أمر أمل و الأحداث اللي صارت لغادة، وبعدها تدخَل عبدالمجيد وحلَ مشكلة فيصل وأبعده عن سليمان سلطان : لا تفكَر إننا خبينا عنك وإحنا دارين أدق التفاصيل، كانت فيه أشياء تصير بدون علمنا وأكبر مثال مقرن لمَا تصرف مع أمل بدون لا يقولنا، رائد يصفَق بضحكة شامتة : برافو برافو! مشهد تمثيلي رائع، مين اللي ماكان عنده علم بأمل يا سلطان؟ سلطان دون أن يلتفت إليْه : أنت ما عندِك علم بولدِك ووش كان يتصرف من وراك بيصير عندك علم وش يصير عندنا؟ رائد أشتَد قهره : بس ولدِي لمَا بغيته قدرت أخدعكم فيه لولا أمر بسيط حصَل خلاني أحوسكم، أذكَرك يا بوسعود بمشعل؟ كان قريب من الزواج على بنتك! وكان بسهولة بتمشي عليك الكذبة طبعًا هذي بمساعدات عبدالعزيز، ولا يا ولد سلطان؟ مو كنت تبي تقنع بوسعود بمشعل؟ . . هههههههههههه أمركم يا جماعة الخير مصخرة!! عبدالرحمن نظر لعبدالعزيز بدهشَة، وهذه فرصته للإستفزاز : ماراح أبرر لك أيَ شي! لا تقولي ليه تصرفت كِذا! تصرفته بمزاجي، عبدالرحمن بهدوء ملامحه : ما راح أطلب منك تبرر ليْ عبدالعزيز بغضب : يكون أفضل!! رائد : ننشر الغسيل ولا كافي؟ سلطان مسح على وجهه بتعَب نفسي من الضغط الذي يواجهه هذه اللحظة، يُردف : طبعًا أكمل عنكم المسرحية لعبدالعزيز، تدخلوا الأبطال وقالوا ما يبي لها حل واحد، أكيد سلطان العيد خدعنا وأكيد سلطان العيد غدر فينا ولا كيف يشتغل من ورانا؟ بنبرةٍ طفولية يستفزهم : شفت وش قالوا عن البابا يا عبدالعزيز؟ عبدالعزيز تصاعدت الإضطرابات في قلبه دون أن يلفظ كلمةٍ واحدة حتى لا يخرج عن نطاق سيطرته بنفسه. عبدالرحمن : والله برافو عليك! نلت اللي تبيه ونسيت مصلحتك اللي عندنا رائد بضحكة طويلة : مصلحتي؟ أظنَ يا بوسعود بتوصلك الأخبار الحلوة بعد شويَ سلطان : طلَع الحين ناصر وبعدها نتفاهم صح رائد يجلس على الأريكَة العريضَة : أنا مستمتع بالفضايح اللي تقولونها لعبدالعزيز، سمعَوني بعد . . كيف عبدالمجيد أشتغل بدونكم؟ سلطان : مثل ما أشتغل سليمان معاك برجاله رائد صمت قليلاً إثر الرد المُفحم منه، أردف سلطان : ومثل ما لفَ فارس من وراك بعد رائد : ولدِي إبعد عنه، عرفت آخذ حقه وبسهولة! والحين بآخذ حقه منكم بعد وبسهولة!! سلطان : على أساس إننا ضرَينا ولدك بشي! على فكرة ولدك يهمنا اكثر منك وبالحفظ والصون رائد لم يفهم تمامًا ما يرمي عليه سلطان : وأنا ما يهمني وش ولدي بالنسبة لكم! أهتم بولد سلطان العيد اللي خذيتوا عقله عبدالعزيز بغضب يتجه إلى رائد : لا بارك الله في شغلٍ نسَاكم إننا بني آدميين!! رائد بحدَة يقف : وش اللي بيني وبينك يا عبدالعزيز؟ على فكرة أنا هددت أبوك بس ما لمسته! ويوم قررت أأذيه كان سليمان سبَاق، ما ضحكت عليك ولا قلت ترى أختك ماتت ولا ضحكت عليك وقلت لك هذا رائد عندنا شغلة ضرورية معه وبنخليك عميل لنا وتقرَب منه لكن أنتبه ترى هذا رائد ما ضايق أبوك بشي! ولمَا أكتشفت إني هددت أبوك وش سوَيت؟ رجعت لهم! مين الغلطان؟ محد غلط بحقك يا عبدالعزيز أنت اللي غلطت بحق نفسك لمَا رضيت مع الأمر الواقع ولا حاولت توقف بوجههم وتعرف وش صار بعد الحادث، حصل الحادث بليل وبعدها تدخَلوا حبايبك! تدري منهم، فيصل ولد عبدالله القايد و مقرن بن ثامر! وبعدها توسَعت السالفة ووصلت لكل اللي ينقال لهم حبايب أبوك! وطبعًا انت معمي عن كل هذا! أعرف إنه محد صار عدوَك بكيفه، أنت اللي خلَيت الناس كلها أعداءك لأنك ما جرَبت تعاديهم قبل لا يعادونك بأفعالهم ويحبونك بلسانهم سلطان بعصبية : ماشاء الله عليك رايتك بيضا! ما ذبَحت عيالنا بالرياض ولا أعتديت على قاعدة أمنية ولا سويت شي! ولا دخَلت الأسلحة و المخدرات والعفن اللي تجيبه كل سنة لنا و لا خلَيت جماعات إرهابية تخرَب عقول شبابنا في الجامعات لين وصلوا لك . . أبد ما سوَيت شي ولا حتى ضايقتنا وهددتنا، و أفتعلت جرايمك حتى في وسط شغلنا! كنت السبب ورى خراب معدَات التدريب يوم وفاة عبدالله القايد وكنت السبب في حرق بيتي ووفاة أهلي! . . لو تدري بس كم جريمة مسجَلة ضدَك وكم عقاب راح ينتظرك! لا تتوقع ولا للحظة إنك بتفلت منَا حتى لو جمَعتنا اليوم وأحرقتنا! فيه ورانا رجَال بيضايقونك في كل تصرف مثل ما ضايقناك! ماراح أعطيك موشح بالوطنية وبأعمالك اللي ضدَها!! رائد بنبرةٍ هادئة : أفعالي كانت ردَة فعل لأفعالكم سلطان بغضبٍ بالِغ فجَر كل ما في داخله بنبرةٍ صاخبة : مجنون! تبيني أسمح لك تلفَ عقول الشباب و تتاجر بأمور محرمَة دوليًا مو بس دينيًا، يا سلام! يعني نظام أخلَيك تآخذ راحتِك وعادِي نمثَل إننا ماشين تمام!! لا والله منت مآخذ راحتك طول ما أنا حيَ ولا راح تآخذ راحتك طول ما ورانا ناس عيونها ما تنام عن الأمن، ويا أنا يا أنت يا رائد عبدالرحمن مسك معصم سلطان ليهمس : يترك ناصر بالأول و نبعد عبدالعزيز وبعدها نصفي حساباتنا رائد الذي لا يصله هذا الصوت الهامس ويستغرب من فهمِ سلطان له ولكنه أدرك تمامًا أنه بينهم لغة يصعبُ كسرها مهما حاول : حاليًا، ما يهمني شي غير إنه عبدالعزيز يفهم وش اللي يصير تحت الطاولة، وتأكد تمامًا أنك جالس تتحدى شخص ماعنده شي يخسره عبدالرحمن بهدوء : وش اللي يصير تحت الطاولة؟ فاهم قصدك تحاول تميَل عز ناحيتك، على فكرة عز ماهو غبي عبدالعزيز بحدَة : لا أبشرك المؤمن لا يُلدغ من جحره مرتين، وماراح تقدر تآخذ عقلي بهالكلمتين رائد بضحكة : هذا هو ردَ عليك! يعني وش فيها لو قلتوا له يا عبدالعزيز أبوك سوَا كِذا وكِذا ولا . . وش رايك يا سلطان تقصَ علينا قصة تعيينك؟ رُغم فيه ناس أقدم منك وأحق منك . . قصة مثيرة صح؟ ونستمتع فيها شويَ دام الجو بدآ يتوتر سلطان إبتسم ببرود عكس ما بداخله : قصَ عليهم أنت دامك مبسوط بمعرفتك باللي يصير تحت سقفنا! واضح إنه جواسيسك يشتغلون بذمة وضمير، بس تدري عاد! جواسيسك يوم أشتغلوا صح خانوك وراحوا لسليمان وقاموا يشتغلون له وأنت الله يسلمك حاط رجل على رجل وتحسب أنه الناس تمشي على شورك ما تدري إنها تغيَرت وصارت تمشي على شور سليمان إللي لو أنفخ عليه طار!! رائد بإستهزاء : ويوم راحوا لسليمان ما علَموك وش سويت فيهم؟ حشَيت رجولهم وحشَيت من وراهم سليمان بكبره! خل عبدالرحمن يقولك شافه بعيونه وهو مربَط وبجيبه لك بعد شويَ تقر عينك بشوفته . . عبدالرحمن تنهد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه رائد : كل شي يصير من وراي ومن قدامي أعرفه، اللي يخوني أخونه واللي يغدر فيني أذبحه . . بس ما قلتوا لي اللي يخونكم وش تسوون فيه؟ أووه لا لا كِذا انا غلطت أقصد أيَ مصحة تودونه؟ ما بشرَكم عبدالمجيد إنه طالع من زمان وأنتم يالمساكين تدعون له يالله تشفيه ويالله تعافيه. . والله أنتم الله يشفيكم ويعافيكم دام مقرن و سعد و عبدالمجيد والأمة العربية تلعب من وراكم! وتوَكم . . عقب سنين تكتشفون إنه سلطان العيد كان يفاوض سليمان من وراكم! بسخرية لاذعة أردف : ما هكذا يُدار الأمن يا شباب!! ولا قوتكم ما تطلع الا عليَ؟ وحتى ياليتها تطلع هذاكم قدامي، قدرت أجيبكم مثل الكلاب . . بنظرة موجهة لسلطان وهو يدري إنه يدوس على كبرياءه في هذه اللحظة . . قدرت ولا ما قدرت يا بو بدر؟ . . قلت لكم لا تلعبون بالنار حتى كتبتها لكم وحطيتها في . . . أقول يا بوسعود ولا أسكت؟ يالله ما أبي أضايقكم وبقول حطيتها في ملابس بنتك حرم عبدالعزيز الله يسلمه عبدالعزيز أسترجع الحادثة التي حصلت في بداية السنَة، و الورقة التي قُذفت في صدر رتيل، بغضب أخذ المزهرية التي تتوسط الطاولة ورماها على رائد الذي أبتعد قبل أن تصله وتناثر زجاجها، بخُطى مجنونة توجه إليه إلا أن جسد سلطان وقف أمامه. عبدالعزيز بقوَة يدِيه دفع سلطان وعيناه تحمَر من شدَة الغضب : مو بس تبعد عن طريقي! أبيك تبعد عن حياتي رائد بنبرةٍ شامتة : مقدَر الجنون اللي فيك يا عزيزي! ضحكوا عليك ومتزوَج بنتهم و أيش بعد؟ خلَوك تجرب أنواع العذاب على أساس إنك ماشاء الله تدافع عن وطنك لكن اللي يدافع عن وطنه على الأقل يدافع عن أهله ولا أنا غلطان يا عبدالعزيز؟ سلطان لم يحاول أن يمد يده، يُمسك أعصابه بصعوبة، دقائق صمت وحوار بالنظرات بين سلطان وعبدالعزيز، يتشباهان بجسدهما، لا تفصل سوى مسافةٍ قصيرة ( نصف متر )، نفس الطُول وذاتِ العرض، حتى حدَة النظرات المنفعلة بعينيْهما أصبحت تتشابه، في هذه الأثناء أصبحوا يتشابهون بصورةٍ مؤذية/ يعتليها بعض الهيبَة التي خلَفها والده به و بسلطان أيضًا. رائد ينظر إليهما بتركيز عالٍ : كيمياء عجيبة بينكم! واضح إنه الحقد بعد ماليكم، يالله عساه حولنا ولا علينا عبدالرحمن بإستفزاز صبَر عليه كثيرًا حتى بدأ صوتُه الهادي مُستفزًا لرائد : بما أنك ما ألتزمت بكلامك وما طلَعت ناصر! يمدينا إحنا بعد ما نلتزم بكلامنا؟ وماله داعي تقولي البيت محاصر وماتقدرون وإلى آخره من هالحكي! أنت عارف قدراتنا! وعارف برَا كم عندنا واحد، لذلك خلَك رجَال وعند كلمتك وطلَع ناصر رائد بسخرية : ما يهمني أكون رجَال بعيونك! وماني عند كلمتي! وش تبي تسوي؟ عبدالرحمن : بسوَي أشياء كثيرة، وأنت عارف وش قصدي رائد : حاليًا يا عبدالرحمن ما تقدر تهددني قلت لك ماعندي شي أخسره هذا أولاً وثانيًا أنت قدامي ومحاصر على قولتك، وسلطان قدامي بعد ومُحاصر!! وعبدالمجيد إن شاء الله بنجيبه على يوم أحلَي فيه دام غداي فيكم!! سلطان بهدوء : ناصر يطلع!! رائد يُقلد نبرته : لا لا لا لَـــه!! مفهوم؟ عبدالعزيز يتخلَص من حدَته رُغم البحة الواضحة في صوته والتي تُبيَن هذه الحدَة الغاضبة : ناصر يطلع لأنه ماله علاقة بقذارتكم!! رائد يقف مجددًا : كنت منتظرك تقولها ليْ! وش المقابل يا عبدالعزيز؟ عبدالعزيز بحدَة أستفزت سلطان و عبدالرحمن : اللي تبيه مني حاضر سلطان أطلق ضحكة قصيرة متعجبة وساخرة بالوقت نفسه : برافو والله يا عبدالعزيز عبدالعزيز إلتفت عليه برفعةِ حاجبه الأيمن : هي جتَ عليه؟ هذاني قضيتها معكم ولا قدرَتوا قيمتي ولا قيمة أبوي!! رائد بنبرةٍ إستهزائية بالدرجة الأولى : المُشكلة يا عبدالعزيز، وتصوَر بعد إنه أبوك كان السبب الرئيسي في وجود سلطان! تخيَل!! وصارت مشاكل في ذيك الفترة عليه كيف شخص ما عدَا عُمره 35 يرأسنا؟ وشوف كيف قدَر أبوك اللي حطَه في هالمكان سلطان أدخل يديه في جيوبه لأنه شعَر بإحتمالية الضرب، ليُردف رائد : حتى بوسعود ماكان راضي وحصلت خلافات بالبداية والله أعلم عاد كيف أقنعه أبوك بأحقية سلطان!! سلطان : وعبدالعزيز كان في عيونَا لعلمك! ولا نرضى عليه ومو بس عشان أبوه! إلا عشانه بعد لأنه يهمنا عبدالعزيز بسخرية : الله يسلم عيونك ما قصَرت يوم إنها حفظتني أعمتك وواضح إنك نسيتني بعيونك بعد!! سلطان نظر إليه بنظراتٍ لا يفهمها بسهولة، نظرات كانت تحمل رجاء من نوعٍ خاص. ، مستلقيَة على السرير، لا صوتٌ يصدر منها تتلحفُ السكينةَ بدقَة عاليَة مصدرُها عيناها المضيئتانِ منذُ مكالمة يوسف. أشعرُ أن الخيارات أمامي وأن الجنَة أيضًا تتمسكُ بي ولكنني أتجاهلهُا وأسير بكامل إرادتي إلى الجحيم، هذا الشعور يقتلني يالله! أنني أُدرك بمقدرتي على فعل شيء ولكنني عاجزة عن فعل هذا الأمر، هذا التناقض الذي يجري بلا دمٍ يرويه في عقلي يُجفف نبرتي ويُنقض عهدها بالكلام، أُريد أشياءً كثيرة، أُريد يوسف و ضحكة يوسف و نظرة يوسف و عِناق يوسف و كل شيءٍ يتعلق بيوسف و لا أُريد أيَ شيء في الدُنيَا عداهُ، ولكنني أفعلُ كل ما يناقض هذا الأمر لأنني مازلتُ أنتمي لجلدٍ جافَ يستمَر بمُعاقبة نفسه في حقلٍ من الأشواك، هذه المرارة في فمي، عالِقة بلزوجَةٍ متربَصة كما أن هُناك ( أُحبك ) مخفيَة، أظنُها أيضًا هذه الكلمة تُعاقب نفسها بصدرِي وتبثَ حزنها بطريقة ما. من خلفها : خوالتس يسألون عنتس!! مُهرة بهدوء : ما أبغى أشوف أحد والدتها : كل هذا عـ مُهرة تقاطعها بذاتِ الهدوء : صار اللي تبينه والحين أتركيني ولا تزيدينها عليَ والدتها تجلسُ على طرف السرير : يا غبية أنا أبي مصلحتتس! تبينن أرميتس عليه؟ مُهرة : رميتيني في المرَة الأولى وبلعت لساني وقلت معليش أمك يا مُهرة وما أبي أضايقك! لكن ما فكرتي فيني، فكرتي من نظرة الناس لفهد الله يرحمه ونسيتي بنتك والدتها بضيق : ما رميتتس عليه! كنتي بتجينن هنيَا وبتعضَين أصابعتس من هالعيشة! مُهرة : خلاص ما أبغى أتكلم بهالموضوع، راح وأنتهى بخيره وشرَه، والدتها : وهالحين كل هالحداد عشان يوسف!! مُهرة : يمه إذا بتسمعيني كلام يسم البدن الله يخليك بنتك ماهي ناقصة والدتها : هسمعينن بس! بكرا يطلقتس ويآخذتس ولد الحسب والنسب ويعيَشتس عيشة ملوك وبتنسين طوايف يوسف بس خليتس منه وأعرفي مصلحتتس مُهرة : مين ولد الحسب والنسب؟ عيال خوالي اللي كنتِي معارضة زواجي منهم في البداية! مدري وش مغيَر أفكارك!! وأنا لعبة بإيدك متى ماتبين زوجتيني ومتى ماتبين طلقتيني! خلاص يا يمه يكفي! خليني كِذا هالزاوج اللي ترميني عليه كل مرة ما أبيه!! والدتها وقفت بعصبية : يا ملا اللي مانيب قايلة . . . وخرجت لتتركها تتوحَد بحُزنها مثل كل مرَة. أخذت هاتفها من على الطاوْلة، دخلت إلى " الواتس آب "، بصورةٍ روتينية يحملها قلبها إتجهت إلى إسمه نظرت إلى آخر ظهورٍ له قبل عدَة ساعات، لتُغلقه بقهرٍ شديد وقبل أن تضعه على الطاولة أهتَز، فزَ قلبها على أمل إسمه ولكن تلاشى هذا الأمل مع إسم " ريم "، أجابت وهي تحاول أن تتزن بصوتها الباكي : ألو ريم : مساء الخير مُهرة أستعدلت بجلستها فوق السرير : مساء النور، هلا ريم ريم : هلابك، بشريني عنك وش مسوية؟ مُهرة : بخير الحمدلله ريم : يا علَه دُوم، ما رجعتي؟ مُهرة : لا ريم : و ما ودَك ترجعين؟ بيتك مشتاق لك مُهرة بإستغراب صمتت ولم تقدر على الإجابة بشيء. ريم بهدوء : كلمت يُوسف، و بصراحة هو ماقالي شي لكن أنا اللي استنتجت وفهمت وقلت أتصل عليك مُهرة ببترٍ واضح للموضوع : الله يكتب اللي فيه كل خير ريم : ماراح أتدخل بمشاكلكم ولا راح أقولك رايي بشي، لكن فكري قبل لا تتخذين أيَ قرار . . . وقرارك خليه مبني عليك أنتِ ويوسف ماهو مبني على أهلك وعلى أهلي مُهرة بلعت ريقها بصعُوبة دون ان تُعلق عليها بكلمة أخرى. أردفت ريم بنبرةٍ حميمية : والله يعزَ عليَ أشوفكم كذا لا أنتِ تستاهلين ولا يوسف يستاهل، مهما وصلت المشاكل بينكم ما يستاهل الوضع يوصل للطلاق وأنتم توَكم بتكملون سنة قريب، عطوا نفسكم فرصة، عشان ما تندمين بعدين، مُهرة مُهرة : سمَي ريم برجاءٍ كبير : أستفتِ قلبك، وإذا جت علينا إحنا أهله والله محد راضي بالطلاق، وللحين ما وصل الخبر لأمي وأبوي وإن وصلهم بيعصبون وبيتضايقون! لأن كلنا نعتبرك منَا وفينَا ولا نبي أسباب زواجكم تتحوَل لمشاكل، ذيك فترة وأنتهت، و حادثة أخوك الله يرحمه مثل ما ضايقتكم ضايقتنا وضايقت حتى منصور، لكن خلاص بدينا صفحة جديدة ماله داعي نقلَب بمواضيع قديمة ونحوَلها لمشاكل لدرجة الطلاق، فكري بنفسك وبحياتِك وراحتك بعد، لا تربطين تفكيرك بشي ماضي راح وأنتهى، كيف بتعيشين بكرا إذا كل عثرة بحياتك راح توقفين عليها وتقررين وش اللي تحدد لك هالعثرة؟ بالعكس أنتِ اللي اخلقي فرصك وأنتِ اللي حددي وش تبين مو الظروف هي اللي تحدد لِك!! . . فكري زين مُهرة تنهدَت وهي تسدَ السيل المنجرف من عينها عن صوتها : إن شاء الله ريم : والله يكتب لكم كل خير يارب ويجمعكم . . تآمرين على شي؟ مُهرة : سلامتك في جهةٍ اخرى يسيرُ بإتجاه سيارته والهاتف على أذنه : تخاويني حايل؟ علي: وش نوع المشوار؟ منصور : يدخل في باب إصلاح النفوس علي بضحكة : عاد انا معروف عني أحب أصلح النفوس منصور إبتسم : لا جد علي، مافيه غيرك يخاويني علي : طيب قدَام، بس متى؟ منصور : الليلة عشان نوصل الصبح علي : من جدَك! خلها بعد بكرا منصور : لا ما ينفع! لازم بأقرب وقت علي : أجل خلَ يوسف يخاوينا، يقولك الرسول صلى الله عليه وسلم الراكب شيطان والراكبان شيطانان و الثلاثة ركب منصور : صلى الله عليه وسلم، وأنا ليه مآخذك؟ عشانه مكروه أسافر بروحي علي يحصرُه بالزاوية : طيب ومكروه بعد إثنين، جب لنا ثالث خلنا نطقطق عليه بالطريق منصور : وأنت ذا همَك! يخي خلنا نتوكَل إحنا لأنه الموضوع عائلي بعد وماعندي أحد أثق فيه غيرك علي : يخص يوسف؟ هو اهله من حايل صح؟ منصور : عليك نور، وأنا رايح عشانه علي : خلاص مرَني الليلة الله يسهَل طريقنا منصور يُبعد الهاتف لينظر إلى إسم " ريم " : آمين . . أشوفك على خير . . أجاب على ريم : هلا ريم : كلمتها، المهم يوسف شلونه؟ منصور : توني طالع من عنده بالمستشفى . . لم يُكمل من شهقة ريم : المستشفى!! وش فيه؟ منصور أنتبه أن خبر فيصل لم يصل إلى الآن لريم : آآ . . رفيقه منوَم وكنَا عنده ريم تنهدت براحة : وقَفت قلبي أحسب صاير شي، الله يقومه بالسلامة منصور بلع ريقه : آمين، المُهم بيَنتي لها إننا ماعندنا مشكلة معها؟ ريم : إيه ولا يهمَك، قلت لها إنه لا تآخذ قرارها بناءً علينا وعلى تقبلنا لها لأننا متقبلينها، أهم شي يوسف والله ما يستاهل بعد عُمري ، |
تنظرُ إليه بنظراتٍ مرتبكة خافتة، تنحنحت كثيرًا حتى نطقت : بو ريَان عبدالمحسن إلتفت عليها وهو يُغلق أزارير كمَه : سمَي أم ريَان بتوتر : سمَ الله عدوَك، هالفترة تكرر عليَ حلم ورحت فسَرته وأنا خايفة إننا قصرنا بشي عبدالمحسن اقترب منها : وش تفسيره ؟ أم ريَان : وين تُركي؟ أخاف صاير له شي وإحنا ما ندري، هو طايش وقطعنا من كيفه لكن بالنهاية راح يرجع لأهله وإحنا أهله، لا تتركه من غضبك عليه! هو مو بس أخوك هو ولدك و ولدي!! عبدالمحسن يُحيط به صمتٍ رهيب، نظر إلى عينيَ زوجته التي يستشفُ منها الدمع، تُكمل : كم مرَ وإحنا ما سمعنا صوته؟ والله مشتاقة له ولا أدري وش عذره بهالغياب لكن بعذره لأننا مالقيناه من الشارع، لا تهمله يا عبدالمحسن وهو قطعة من روحك! عبدالمحسن أغمض عينيْه لثوانٍ طويلة حتى نطق بإتزان : راح أتصل عليه، أنا رايح آخذ الجوهرة وأفنان أكيد ينتظروني . . . إبتسم بصفاء يُخفي وعثاء حُزنه، قبَل جبين زوجته بحُب . . بحفظ الرحمن، خرج لينزل بخُطى مبعثرة تتقَد بمشاعرٍ مضطربة، سُرعان ما ركَب سيارته وأبتعد عن المنزل، في أولِ فكرة غرزت عينيْه أدمَعتهُ و في أولِ دمعة كانت " الله أكبر " تنسابُ إلى أذنيْه من المسجد المُقابل، ركن سيارته ونزل، فتح أول أزارير ثوبه و كبَر قبل أن تُقام الصلاة، شعر بحَجرةٍ تقف في حُنجرته وتمنعه من التنفس بصورةٍ طبيعية. سجَد، لامس جبينـهُ رحمة الله و ظهره ينحنِي من اجل هذه الرحمة/القوة، كرَر التسبيح أكثرُ من ثلاث مرَات حتى أندفع دمعُه بغزارة إلى محاجره، ولم تسقط سوى ـ دمعةٍ وحيدة ـ كيف يالله أفهمُ أنني فعلتُ الصواب؟ كيف أُجاوب من يسألني بجوابٍ قاطع لا يُحزن إبنتي؟ لا أُريد أن أظلمه ولكنني ظُلمت منه بحزني عليه، هو أخِي ولكن لم يجعل لهذه الأخوَة كرامةً أعتَز بها، هو أبني ولكن لم يجعل لأبيه وشاحًا يفخرُ به، لستُ قاسيًا ولكنه قسَى عليَ بأفعاله، كيف أسامحه؟ لا قُدرة أملكها تجعلني أرضى عنه، لستُ ملاكًا يالله حتى أعفُ وأنسى خطاياه، وخطاياه اليوم ما عادت مُجرد خطايَا هيَ مرضٌ ينتشرُ في جسدي ويُميته كلما نطق ليَ أحدهم ـ أخُوك ـ. كيف يفعلُ أخٌ بأخيه كل هذا؟ كيف يهون عليَ أن يكسر قلبي قبل أن يكسر قلبها؟ كيف يالله؟ أرحمني من هذه الأفكار وأختار لي الطريق الأصح فإني ضللته، بلغ بي الشيب ومازلتُ عبدُك الفقير المتوسَل إليك والراجي رحمتك، يا رب يا من بيدِه ملكوت السموات والأرض أغفر لي ذنب الجُوهرة و أرحمها بعد عيني من الناس و أهلها، يا رب يا من بيدِه ملكوت السمواتِ والأرض أغفر لي ذنب الجوهرة و أرحمها بعد عيني من الناس و أهلها، يا رب . . . رفع من السجود ليسلَم بعد أن سمع إقامة الصلاة. نظر إلى أول رجلٍ أصطف خلف الإمام، قام و جاوره. أنتهت الصلاة وبعد السلام منها بقيَ جالِسًا، مرَ وقتٌ طويل حتى إلتفت إليه الرجلُ الوحيد الذي بقي، أقترب منه : من يقدر يضيق و لنا رب ما يرَد فيه دعوة العاصي؟ فما بالك بالمؤمن المُصلي؟ عبدالمحسن : والنعم بالله الرجل الكبير بالسن : تصدَق وأنا أبُوك وبيرتاح همَك عبدالمحسن رفع عينِه ليزَم شفتيْه إلى الداخل وهو يُصارع عبراتِه : همَي ما يموت، يسافر ويبعد عني لكن يرجع ليْ : هذا تكفيرة لك من الله ورحمة، الله إذا أحب عبد أبتلاه عشان يقوَي إيمانه ويغفر له معاصيه وذنوبه عبدالمحسن : الله يرحمنا برحمته يربتُ على كتفه : أنا أنحنى ظهري من هالدنيَا و شفت من الهموم اللي يشيَب الراس، لكن رحمة الله واسعة، وش كثر نغلط لكن نرجع له لأننا ما نقدر نعيش بدون لا نسجد له واللي يعيش بدون هالسجود تلقاه طول ليله يفكَر ويتمنى يسجد ويرجع لربَه! أنا ما أدري وشهو همَك لكن تعوَذ من الشيطان و تصدَق عسى همَك يزول وأنساه ولا تتذكره الا بالرجوع إلى الله عبدالمحسن عبرت دمعة رقيقة على ملامحه الذي أمتلى حُزنها حدُ اللاحَد : تدري يا عمَ! أخاف يجيني الموت مو لأني أخاف الموت، أنا أخاف على بناتي . . أخاف ما يقدرون يآخذون حقهم عقب عيني : الا بيقدرون! دام الله فوقهم بيرجع كل حق لصاحبه، لا تفكَر إنك أنت اللي محقق لهم حقوقهم بحياتِك! اللي محقق لهم هالحق هو الله وحده عبدالمحسن : والنعم بالله، . . وضع يدِه على فخذ الرجُل . . تآمرني على شي : الله يزيَن خاطرك ويمحي همه عبدالمحسن إبتسم : اللهم آمين . . . فمان الله . . . خرج متجهًا إلى المستشفى. دقائق تتبع دقائق أخرى حتى مرَت ثلث ساعة وصل بها إلى الجوهرة، أفنان الجالسة رفعت عينها وتقدَمت نحوه لتقبَل رأسه : تأخرت يبه! وأدق على امي تقول طلعت من زمان، خوفتني والله . . يمَه قلبي بغى يوقف!!! عبدالمحسن : بسم الله عليك . . . نظر إلى الجوهرة التي تُسلَم من صلاتها . . . وقفت لتتقدَم إليه، قبَلت جبينه : وقفت قلوبنا، ما ردَيت على جوالك حتى أمي أنشغل بالها عبدالمحسن : رحت أصلي وخذتني السوالف بعدها مع واحد لقيته بالمسجد الجُوهرة إبتسمت : يالله خلنا نطلع أختنقت من ريحة المستشفى عبدالمحسن : شلونك الحين؟ الجُوهرة : بخير الحمدلله وتوَ الدكتورة كانت عندي تتطمَن وقالت لي كل أموري تمام والجنين بخير الحمدلله عبدالمحسن : الحمدلله . . . أفنان إرتدت نقابها : يالله مشينا . . . خرجُوا من الغرفة المنزويَـة في الطابق الثالث، إتجهوا نحو المصاعد الكهربائية، أنفتح لتتجمَد نظرات أفنان بإتجاه ـ نواف ـ دخل عبدالمحسن : السلام عليكم نواف إبتعد إلى نهاية المصعد العريض : وعليكم السلام . . دخلت أفنان خلف الجوهرة، كانت المسافة تعتبر كبيرة بينها وبينه ولكن شعرت وكأنها تتقلَص وتُصيب قلبها، نظرت إليه من خلال المرآة العاكسة في وقتٍ كان هو منشغل بهاتفه. طال الوقت بعد أن صعد المصعد إلى الطابق الخامس دون أحدٍ ونزل مرة أخرى، رنَ هاتف أفنان وبهدوء أغلقته. إلتفت عليها والدها وبصوتٍ خافت مدَ إليها هاتفه : أفنان شغليه مدري وش فيه عيَا لا يشتغل بمُجرد ما عاد والدها إلى النظر إلى الأمام سقطت عيناها بعينيْه التي توجَهت إليها مباشرة من خلال المرآة، طال نظرُه وهو يسمع الإسم من بين شفتيَ والدها، ثوانٍ قليلة وهو يُدقق في عينيْها التي لا يظهرُ منها الكثير، قطع تأمله باب المصعد الذي انفتح، خرجت وهي تمَد الهاتف لوالدها. بقي نواف في المصعد يُراقب إختفاءها من أمامه حتى أتى صوتُ ـ غيث ـ الصاخب : وش فيك مفهي؟ أخلص علينا صار لنا ساعة ننتظرك نوَاف : أنتم روحوا وأنا برجع بعدين غيث : وش ترجع بعدين؟ بنروح الرياض مو الكورنيش!! صحصح! نواف بعصبية : قلت طيب ارجعوا الرياض أنا بجلس اليوم هنا وبعدها أرجع غيث بسخرية : ومين راح يوصَلك؟ لا يكون بتاكسي؟ نوَاف تنهد : غيث ممكن تنقلع عن وجهي غيث : طيب قلَي وش عندِك هنا؟ وإحنا ننتظرك نوَاف : تنتظروني لين الليل؟ غيث : طيب خلاص بروح للشباب الحين وأبلغهم بس حدَك الليلة وبعدها نحرَك نواف : طيب . . . بمُجرد أن رحل غيث حتى عاد مرةً أخرى للمصعد وإتجه إلى الطابق الثالث، نادى صديقه الدكتور : حاتم إلتفت حاتم : هلا نوَاف! مو قلت راح تمشي الرياض اليوم؟ نواف : إيه بليل، أبيك تساعدني بشي حاتم : أبشر باللي أقدر عليه نواف : كيف أقدر أسأل عن شخص مريض هنا وما أعرف الا أسمه الأولَي؟ هو كان هنا بالطابق الثالث حاتم : اللي هنا عيادات النساء والولادة نواف وكأنه تلقى صفعة بيدٍ حارقة، أردف : ليه؟ عندِك أحد تعرفه؟ نواف : يعني بس نساء و ولادة؟ مافيه عيادة ثانية؟ حاتم : لا بس نساء و ولادة هذا يعني أن خطيبك أصبح زوْجِك! و زوجُك سيُصبح أبَ اطفالك بهذه الصورة السريعة؟ نواف : مشكور ما تقصَر حاتم إبتسم : أبد إحنا بالخدمة نواف أكتفى بإبتسامة ليعُود بخيبة إلى ذات المصعد، نزل إلى الأسفل وهو يُخرج هاتفه، أتصل على غيث : خلصت شغلي، خلنا نمشي الرياض الحين - يُتبع - |
النهاية | الجُزء ( 80 ) ذقنا الوصال فهل نطيق تباعدا؟ هل بعد أصل الصوت يدوينا الصدى؟ ما ظل شبر في ولاية خافقي إلا على حكم الفراق تمردا إن لم تكن ترضى بعيشك داخلي امض.. ويرضيني أنا فيك الردى ماكنت ممن يمنحون قلوبهم فسرقت قلبي عامدا متعمدا لو خيروه الآن أين مقامه لاختار صدرك دون أن يترددا فلإن قبلت به فقد أهديته وطنا.. وإلا قد يعيش مشردا أهوى الجماعة لا أطيع تفردا لكن حبك في الفؤاد تفردا لا لن يموت الحلم قبل ربيعه مادام فينا الزهر يحتل المدى سبحان من بث الحياة بوجهها ورد.. وزاد من الحياء توردا سمراء يستسقي البياض ضياءها فإذا سقته من الضياء… تنهدا نور على نور يكون حضورها أنا منذ لقياها نسيت الأسودا * محمد أبو هديب. ، بعد وقتٍ تغربُ به السمَاء كانت يديْها تشرقُ بملامسته، لا تسمع سوى صوت دقَات قلبه المنبعثة من الجهاز المجاورُ لها، نظرت إليه بلهفَة جعلتها لا ترمش إلى بعد أن يتعب جفنها ويُسقط دمعة، أندلع في قلبها ألف سؤالٍ وسؤال، أرادت أن تصرخ من هذا الوجَع و تقول " ليه كنت هناك؟ " كانت بحاجة أن تسمع جوابًا يُرغمها على النوم براحة، ولكن لم يُجيبها إلى صدى رسائلٍ لا تدري توقيتها بقدر ما تدري أنها تحملُ الكثير من قلب فيصل. أنحنت لتُقبَل ظاهر كفَه بدمعٍ يسبقها للتقبيل، لو أنني أملك سحرًا يُشفيك غير الدُعاء، لو أنني فقط أستطيع إخراجك من كومة هذه الأجهزة و هذا الألم. أتشعرُ بمن حولك؟ أم فقدت الإدراك والشعور؟ لو يخرج صوتي بكلمة أتصل إلى مسامعك أم يردَها الصدى بخيبة؟ هيفاء بهمسٍ تُخفضه وتيرة البكاء : أثق فيك وبصدَق إني فاهمة كلامك اللي بالكُتب غلط، وأدري إنك مستحيل تكون كِذا، لأنك غير في كل شي، فيصل تحمَل! عشان خاطر نفسك اللي نبيها ومشتاقين لها، حتى ريف فاقدتك! . . يارب إنك تسمعني، يارب إنك تحس فينا، يارب إني أحبك ولا أبي أبكِيك أكثر من كِذا . . يارب يشفيك ويساعدنا إننا نصبر وننتظرك، . . لو تدري بس إنه إنتظارك كِذا يحرمنا من كل شي يتعلق بالحياة، لا أمك بخير ولا ريف بخير ولا أنا بخير! أحس أحيانًا إنك حياتنا في صدرِك، ومسألة تعبك تخنقنا والله قبل لا تخنقك . . . . . على فكرة مرضك ما يتعلق فيك بروحك وتعبك ما يخصَك بس! فيه ناس ساعاتها ما تمشي الا بعيُونِك و يومها واقف لو غبت عنها دقيقة وعلى فكرة فيه ناس ما تبكِيك، هيَ تمُوتِك. توقَف يُوسف عندما همَ بالدخول ليناديها وهو يسمع جُملتها الأخيرة " فيه ناس ما تبكِيك، هيَ تمُوتِك "، نظر إليْها وهي تحتضن يدِه الباردة بين كفيَها المحترقتيْن بالبكاء، وصوتُها الذي كان يضحك كثيرًا أصبح يئن بوجعه وهذا ما لا أتخيلهُ يليق بهيفاء الناعمة الصاخبة بجنُونها. هيفاء ببكاء عميق بحَ به صوتها وهي تضغطُ على كفَه : ريف تقول فيصل قالي لا أشتقت أطالع بعيون اللي أحبهم وأنا بقولك رجَع لنا عيونك خلنا نعرف نشتاق . . . عاد يوسف بخُطاه للخلف، فتح أول أزارير ثوبه بعد أن أختنق من كلمات هيفاء التي تُصيب قلبه بوجعٍ ضيَق، اقترب من والده : بتمشي؟ عبدالله : إيه عندي شغل ضروري، خلَك مع أختك وإذا جاء منصور يجلس عند فيصل وأنت أرجع أرتاح يوسف : طيب . . أقترب الدكتور قبل أن يذهب عبدالله : السلام عليكم : وعليكم السلام الدكتور : كنت جايَ أشوف فيصل وزين لقيتكم، عبدالله : عساه خير يا دكتور الدكتور : خير إن شاء الله، أنا اقترح يجون أهله ويزورونه بإنتظام، عشان يسترجع وعيْه لازم يحس بالناس اللي حوله، لأن نصف علاج المريض يعتمد على نفسيته، وفيصل محتاج يحس بأنه فيه أحد حوله، لأنه حسب الفحوصات اللي أنعملت له في هالصباح كل أعضاءه الداخلية تعمل بصورة طبيعية ولله الحمد وقدرنا نسترجع الدم اللي فقده، لكن فقدانه للوعي إلى اليوم يخلينا نستخدم العامل النفسي وهو مهم جدًا عبدالله : ما تقصَر يا دكتور، يعني من بكرا نخلي أهله يزورونه؟ الدكتور : هذا الأنسب راح يُنقل لجناحه بكرا وممكن تزورونه لكن تفعلَون جانب الزيارة بأنكم تسولفون وتخلقون جو من الحياة في غرفته و إن ربي كتب هالشي بيسهَل علينا كثير عبدالله : شكرًا لك وجزاك الله خير الدكتور : واجبنا . . تركهم ليلتفت إلى يوسف : لازم أمه وأخته يزورونه بكرا يوسف تنهَد : بكرا قبل لا أجي هنا أمرَهم وأجيبهم معي ، وقفت بجمُود لترفع حاجبها بإستفهام : كيف يعني؟ نايف بلع ريقه : أعتذر، لكن حصل هالأمر وخلانا نأجل علمكم فيه لين بو سعود يجي وبنفسه يآخذكم عبير تدافعت الغصَات عند لسانها : والحين؟ ماراح نروح لها؟ نايف : الوضع أصعب من إنا نطلع من الفندق، اتمنى تتفهمين هالشي، و أختك إن شاء الله ماراح يجيها شي والحراسة مشددَة عليها . . . قاطعت كلماته وهي تسيرُ بإتجاه الغرفة و عيناها تغرق بالدمع، فتحت الباب وبمُجرد أن تقدَمت خطوة للامام، جلست على الكرسي وهي تُنحني رأسها وتبكِي بشدَةٍ تجعلُ من التخمين السيء حقيقة في عينِ غادة و ضيَ. اقتربت منها ضي : وش قالك؟ عبير ببكاء ينحنِي للبحَة خاضِعًا : يكذبون! أمس يقولي رتيل مافيها شي والحين يقولي رتيل بالمستشفى!! وعليها حراسة! طيب وإحنا؟ ضيَ تجمدت عيناها ناحية عبير من لفظ " المستشفى " الذي يسترجع كل فكرة سيئة ويحشرُها في محاجرها حتى تنتفض برعشة البكاء، برجفة : حالتها سيئة؟ عبير بغضبٍ يرتجفُ بعينيْها الدامعتين : ما قالي شي، ما أستغرب يجي بعد شويَ ويقولي حكي ثاني! ياربي لا يصير فيها شي، يارب لا ضي مسكت رأسها وهي تتجه ناحية النافذة، شعرت بالدوَار : وش صار بالضبط لها؟ لا يكون راحت لأبوك!! يارب ارحمنا من التفكير غادة أخذت نفس عميق بعد أن نشفت دماءُها بالبُكاء، وضعت يدها تحت خدها لتغرق بخيالاتها المُوحشَة. ـ ليلة الحادث ـ الساعة الثالثة فجرًا. يقترب من عينيْها، يُشير إليها بالقلم : تسمعيني؟ إلتفت عليه الدكتور بحدَة وهو يلفظُ بالفرنسية : وجودك هنا لا نفع فيه، أرجوك غادر حالاً الغرفة. الرجُل الأسمر الطويل أقترب منه بتهديد بالإنجليزية : سننقلها حالاً لمشفى ثانٍ ولا أريد إعتراض نظرت إليهما بضباب رؤيتها التي لا ترتكز على شيءٍ واحد في الدقيقة الواحدة، سالت دمعةٍ أصطدمت بالكمام الذي يمدَها بالأكسجين. مسحت وجهها بكفيَها، إتجهت ناحية الحمام لتُبلل ملامحها بمياهٍ باردة، نظرت إلى إنعكاس صورتها بالمرآة، إلى الشحُوب الذي يخطَ محاجرها. لم أفقد الذاكرة في تلك الليلة! كيف فقدتها؟ أو رُبما أنا أتخيَل أحداثًا لم تحصل ولم أستيقظ ليلتها، ولكن أذكر تلك الملامح جيدًا، كان معي ورافقني لأيامٍ طويلة، ولكن كيف جئتُ لميونخ؟ كيف رحلت ببساطة دون أن أسأل؟ كيف أنخدعتُ بأمي؟ من أنا بين هذا الحشد؟ لستُ رؤى و لستُ غادة، لا أملك ماضِي رؤى و لا أملك حاضر غادة، أين مستقبلي بينهما؟ ضعت! أتُوه بين وجوهٍ أعرفها ولكن لا تستدلني على شيء، أشعرُ بشعورٍ يُشبه الوحدة ولكنِي لستُ وحيدة، هذا الشعور الذي يجعلني أشعرُ بأن روحي ليست معي! وهذا يؤلمني يالله ويُفقدني قوتي لمواصلة الحياة، أُريد أن أعرف كيف فقدت حياتي؟ على بُعدِ خطوات، أخذت عبير معطفها وخرجت دون أن تلفظ كلمة، إلتفتت ضيَ على وقع الباب وهو يُغلق، نزلت للأسفَل في وقتٍ كانت هُناك خطوات تهرول على الطريق المجاور. قبل ساعتين، نظر إليه بدهشة : وشو؟ عبدالمجيد : إلى الآن ما نعرف وش صار! بيجينا العلم بعد شويَ فارس أقترب منه بغضب : إلا تعرف! وش صار لها؟ عبدالمجيد : فارس . . فارس بصراخ جنَ جنونه بعد أن واجه ضغطًا نفسيًا لا يُحتمل : الله يآخذ فارس . . الله يآخذه عبدالمجيد بضيق أبتعد عنه وهو يُكمل بهدوء : والله ماني عارف وش صار، اللي وصلني إنه بنته بالمستشفى وأكيد أنه عليها حراسة، تطمَن فارس : أنا رايح . . . شدَه عبدالمجيد من ذراعه : وين بتروح؟ فارس أنت الوحيد اللي بتوَقف أبوك فارس بغضب يبتعد: آسف . . . تركه وهو يسير على الطريق أمام عينيه، عبدالمجيد بغضب ضرب السيارة بقبضة يدِه. : الله يعيني عليك يا فارس!! نايف : لو سمحتِ عبير : ماراح أتحرَك لين توديني لرتيل نايف برجاء دون أن ينظر إليها : الوضع متوتَر مقدر أطلَعك لأيَ مكان، عشان سلامتك لازم تجلسين هنا عبير بغضب : هذي السلامة اللي وراها طاحت رتيل أنا ما أبيها نايف بلع ريقه بعد أن جفَ بالرجاء : أنا مأمور مقدر أتصرف من كيفي، وأبو سعود لو عرف بكون في ورطة لأن . . تٌقاطعه عبير برجاءٍ أكبر : تقدر تتصرف وتخليني أشوفها لو نص ساعة بس! وبعدها ماراح أقول لأبوي ولا لأحد نايف مسح على رأسه وهو يشدَ على شعره حتى كاد يُقطعه بأصابعه الحادة : آسف والله ما أقدر عبير عضَت شفتها السفلية بغضب لا تقدر على حبسه بداخلها، نظرت إلى الباب الزُجاجي الذي يكشف الشارع المقابل للفندق، أتى صوتُه الضيَق : لو سمحتِ أرجعي للغرفة عبير بخُطى غاضبة إتجهت إلى المصاعد، وقفت تنتظر المصعد حتى شعرت بجسدٍ يُلاصقها من الخلف ويدِه تلفَ معصمها، بلعت ريقها بصعُوبة دون أن تلفظ حرف واحد وهي تقشعرَ من الخوف، أول دعوةٍ أرادت أن تُستجاب، أن يراها نايف ويُساعدها دون أن تناديه وتلفت الأنظار. أتى صوتُه حارِقًا لكل صوتٍ يضجَ بداخلها ولكل دعوَة أبتهَل بها قلبها : تعالي . . . . سحبها نحو الممر الخاص بالعاملين في الفندق، إلتفتت لتراه ويهبطَ الخوف من عينيْها، تنهدَت براحة وهي تُشتت نظراتها. فارس بعد أن أصبح يُقابلها ويفصلهما بعض السنتيمترات، بسؤالٍ يُدرك إجابته ولكن أراد أن يسمع صوتها : كيفك؟ نظرت إلى عينيْه المُبعثرة لكل إتزانٍ تطمحُ إليه. كيف تكون الإجابة على سؤالٍ يُخلخل قلبي بملوحةِ الدمع؟ لمْ تموت الأسئلة بداخلنا ولكن أضعفتنا الأجوبَة التي لا نلقى لها نبرة تُحييها، مرَ وقتٌ ليس بالطويل عليك! ولكن أشعرُ بأن عُمرًا مضى وأنني كبرتُ فجأة! فوضوية هذا الحُزن تجعلني أشعرُ بأن أيامي معدودة وأن عُمري أنتهى، هل نحنُ نموت يا فارس؟ لا شيء يُصادق على أيامنا، وكل ساعة تمرَنا تشطرُنا، لا الفرحُ يجيء بنا ولا الحياة ترتكبُنا، إن الموت وحدُه هو من يُصادفنا! وهذا الموت تخضعُ له روحي ويأبى جسدِي، هل نحنُ نموت؟ أم أن الحُب كان أقسى من أن نواجهه. سقطت دمعَة و مضت معها الإجابة، أقترب فارس ليسحبها إليْه رُغمًا عنها، عانقها وشدَ على جسدها بعناقه. أعرفُ الإجابة جيدًا، ولكن أشتقت لنبرة صوتِك المُكابرة وهي تحبس الوجَع في أوتارها. رُغمًا عني يا عبير، أنا مهما صابتني الردَةُ عن عينيْك خضعتُ إليكِ مرةً أخرى بخشوعٍ تام، رُغمًا عني تتجددين في داخلِي كُلما حاولت أن أجفف جذُوركِ وأخنقها، رُغمًا عني، أقُول سأترك الحُب وأعود إليكِ، رُغمًا عني! أًصافح طريقًا لا تعرفينه وأظنُ أنني سأنساك به ولكنني أزرعُكِ به حتى تشبَعت أرضِي بظلالِك، يا إنشراح عُمري، ردَ الله عليَ هدايته. تجمدَت يديْها الذابلتين دون أن ترفعها وتُبادله العناق، أغمضت عينيْها على كتفه لتُبلله معطفه بدمعها، رفعت يدِها بعد ثوانٍ طويلة لتُعانقه بشدَة وهي تقف على أطراف أصابعه وتصِل إلى مستوى طُوله. أحتاجُك! هذه الكلمة هي حالي في هذه اللحظة يا فارس، لستُ بخير أبدًا! و صدرُك ـ بكاء ـ يستفزُ عيني حتى تبكِيك، من يدلَني لطريقٍ لا يستذكرُك به قلبي؟ من يُعرَفني على سماءٍ لا ترفعُ رأسك إليها؟ من ذا الذي يُقاومك؟ و كل رجفةٍ أبقت أثرها على قلبي أصلُها عيناك، من ذا الذي يقدر على مُقاومة الحشد الذي تجيء به في كل مرَة، لا تأتِ لوحدك، يسيرُ من خلفك حُبٍ يتمكَن من جسدِي ويَضعفه، أنا أحتاجُك! وأشعرُ بأن قيمتي تهتَز كلما باعدت بإهتمامك عنَي، قيمتي التي أعرفها ويستنطقها قلبِك، هذه الرعشة التي تغمس جسدِي بك، أتقصدُ بها عناق؟ إن ظننتها عناق فأنَي أظنها ـ رعشة أحبك ـ التي ينطقها جسدِي بصورةٍ تبعثرها خلايا الحسَ المنتشرة فيَ. فارس أبعدها قليلاً ليُلاصق جبينه جبينها، أدخل يديَه من تحت حجابها وهو يُخلخل شَعرها الناعم بهمسٍ : أحاول أمثَل قُدرتي بأني أتجاوزك، لكن كل مرَة يتوَحد فيني قلبي لمَا يستذكرك، بغى يوقف قلبي لمَا قالوا لي إنك بالمستشفى لين رحت وتأكدت بنفسي أغمضت عيناها بحشرجة الغصَات المحمَرة في محاجرها، تسقطُ الدمعة تلو الدمعة و يتبعها الضياع برجفة رمشها. فارس قبَل جفنها : ما عاش حزنٍ في عينك، ما عاش و يا عساه ما ينخلق. أخفضت رأسها وهي تعضَ على شفتِها السفلية حتى لا يخرج أنينها، ورُغما عن محاولاتها البائسة بكَت بصوتٍ مسموع، بحركةٍ من تدبير قلبها الذي يُقمع عقلها في هذه اللحظة، لامس رأسها وسط صدره وهي تنهار ببكاءها أكثر وأكثر، وضعت كفيَها على معطفه، شدَت عليه وكأنها تُريد أن تغطي نفسها بمعطفِه وتنسَى أنه ـ فارس ـ الذي تحدَث مع مئة فتاةٍ قبلها والذي سكَر على أصواتهن، تُريد أن تنسى أنه إبن رائد و أن الذي أمامها هو ـ فارس الذي تُحبه وفقط ـ. فارس بضيق طبع قُبلته على رأسها، لم تكن قُبلة بسيطة، هذه القُبلة كانت حديث قصير مضمونه " أنا معك ". يارب! لا أُريد أن أنهار أكثر، ساعدني حتى أتحمَل قسوةُ هذا الحُزن و هيبة كلماته التي تقتلني ببطء، هذه المرَة لا أُريد قوَة مُفرطة، أُريد فقط ضعفًا يقتل أحاسيس الخوف/البُكاء في داخلي، أُريد قلبه يالله الذي يجيئني مُخضرًا والأرضُ خرَاب، قلبه الذي يُدثرني و الدُنيَا عُراة، هو الذي كان يخترعُ من أجلي ـ شيئًا ـ من العدم، وأنا التي كُنت أرى ـ العدم ـ كلما تضاءلت فرصة عيناه في لقاءي. فارس : عبير . . أبعدها ليرفع رأسها إليه وينظر لعينيْها الغارقة، نزلت أصابعه ليمسح بكفَه بُكاءها. عبير بنبرةٍ تتحشرج بإختناقها : شفت رتيل؟ فارس : سألت في البداية عن حالتها وقالوا لي إنه حالها تمام وبعدها لمَا حاولت أستأذن عشان أدخل عرفت إنها رتيل عبير بضيق تمتمت : يارب بس فارس : تطمَني! لو صاير شي كانوا قالوا لي عبير : أبي أشوفها! تقدر توديني لها؟ فارس : الطابق اللي هي فيه موزعين عليه رجال أمن كثير عبير ببكاء تتوسَله : بموت يا فارس لو صار فيها شي فارس بحدَة طوَق وجهها بكفيَه، أراد أن يُخمد إنهيارها: مو صاير لها شي، لا تفاولين على نفسك وعليها عبير : بس بشوفها شويَ، لا شفت أبوي ولا عرفت شي عنه ولا شفتها، تكفى حط نفسك بمكاني! بختنق والله من كل هذا فارس : أبُوك مافيه الا كل خير ومعه سلطان الحين و عبدالعزيز بعد وناصر وكلهم بخير عبير بلهفة : شفتهم؟ فارس : ما شفتهم بس واصلتني أخبارهم عبير : أبوي بخير؟ فارس : إيه والله العظيم مافيه شي، أهدِي! . . . لا تبكين عبير أبتعدت بُضع خطوات عنه وهي تمسح دمعُها بأطرافِ أصابعها، فارس بأنفاس متهيَجة مضطربة : أنا نفسي مو عارف وش راح يصير بكرا ولا اليوم حتى! بس عارف شي واحد، إني مقدر أترك أبوي ولا أبوك يقدر يبعدِك عنه عقب اللي صار، والله ما عُمري خضعت لأحد ولا عُمري حاولت أترجَى أحد لكن مستعد أسوَي أيَ شي عشانِك، عبير! أختار إني أموت معاك ولا أموت وأنا أشوفك لغيري، مقدر والله مقدر أتقبَل فكرة إنك مو ليْ، تحشرج صوتِه بشفافية الكلمات وحُزنها، أكمَل : كل شي ضدَي! ويوم توقعت إني راح أقدر أهرب منك زدت بجنوني، فيني رغبة بتملكِك رهيبة وأدري إنك ماراح ترضين! لأنك ببساطة أقوى مني، وقادرة بسهولة توقفين مع الكل ضدَي، وقادرة تبعدين قلبك عن الإختيار لكن أنا مقدر! لأني ما جرَبت الحُب قبلك ويوم جاني ما جرَبته! أنا مرضت فيه . . . عبير أخفضت رأسها ويديْها تتشابك فيما بينها، وكل دمعةٍ تسقطُ منها كانت تحطَ على كفَها، لستُ أقوى يا فارس أن أسمع منك هذه الكلمات ولستُ قادرة على الوقوف ضدَك، وكل ما كنت أقوله سابقًا حاولت أن أُخضعه لسيطرتي ولكن فشلت! فشلت والملاذُ، الحياة والدارِ عيناك و ما بعدُها موْت و ما قبلها ظِلٌ أنتظر ميلاد جسده. فارس أنتظر كلمة أخيرة، أراد أن يسمع منها لو " أنا معك "، ياللخيبة! لا تفعلي بي كل هذا بدفعةٍ واحدة وأنا رجُلٍ لا أقدر على هذا الوجَع. أخذ نفس عميق ليُردف بوداعٍ يُبعده عدَة خطواتٍ للخلف : ما كنت راح ألقى عقاب في حياتي أقسى من صمتك! ندمت على ذنوبي اللي قبلك وإلى الآن ندمان، وأظن الحدَ في الدنيَا على عيُونِك كان حزني عليها وياليتها تكفَر أفكارك السيئة عني. عبير رفعت عينيْها للأعلى حتى تُخمد نارُ الملح المندفعة في محاجرها، ببحَة : أرجُوك لا تكمَل فارس بغضبٍ ينفجرُ بوجهها وعروق رقبته تتضحَ مع كل شدَة تعلو كلماتِه : هي مرَة بالعُمر! وعُمرك مرَة، ليه تبخلين على نفسك وتذبحيني؟!!!! أقولك تعبان، أحس روحي بتطلع لمَا أفكر بحياتك بعدِي! أنا ما يهمني تكونين مبسوطة مع غيري أو لا، ماراح أقولك دام أحبك أتمنى لك السعادة مع غيري! أنا ماني مثالي لهدرجة ولا أتقبَل هالشي بسهولة بصوتٍ ـ أنهَد حيله ـ أكمل وهو ينظرُ لعينيْها : أنا السيء في كل شيء لكن أنا اللي أحبك فوق كل شيء! . . بتحنَين؟ لكن ماراح تلقيني و بحَن لكن بلقاك! بلقاك في مُوتي اللي ما تنازلتي عشاني للحظة وقلتِي أبيك يا فارس، محتاجتك يا فارس، أحبك يا فارس اللي ما سمعتها منك!! ما تنازلتي يا عبير! انا اللي أتنازل في كل مرَة وأنا اللي أخضع لصمتك وبرُودِك اللي تحرقيني فيه! والحين أقولك ما أدري وش بيصير اليوم أو بكرَا وما تنازلتي عشان كِلمة! علميني هالقساوة كلها من وين جايبتها؟ أبوك وهو أبوك ما قسى مثل قسوْتِك!! عبير أعطتهُ ظهرها وهي تُغطي ملامحها الباكية والمُنهارة بشدَة، كررت بصوتٍ مبحوح يكاد لا يُسمع : يارب أرجوك، يارب . . أرجُوك . . . ساعدني، يارب ساعدني فارس بحدَة كلماته المجروحة بصوتِه : فمان الله . . مثل ما تبين عبير ببكاء تمتمت وهي تضع يدها على قلبها الذي يرتجف بحدَة، يارب أجعلني أنطقها قبل أن يذهب، يارب أجعلني أنطقها، يارب ساعدني. فارس وقف لثوانٍ طويلة على أمل أن تلتفت ولكن لم تفعلها، أبتعد أكثر مقتربًا من الباب إلى أن أتى صوتها المبحوح الضيَق بكلماته : آسفة فارس تجمدَت خُطاه دون أن يلتفت عليها، ويدِه على مقبض الباب. عبير بضياعٍ تام : ما أعرف أشرح شعوري بالضبط! ولا أقدر أتصرف بناءً على هالشعور، إذا كان فيه أحد سيء في علاقتنا فهو أنا، ولا أنا جرَبت الحُب عشان أعرف كيف المفروض أتصرف فيه! ولو غيرك كان خسرته من زمَان لأني مقدرت أبادله هالشعور صح، بس أنت معايَ، أحس بحياتي لمَا أعرف إنه فيه شخص ينتظرني ويحبني، وباليومين اللي فاتوا فقدت هالشعور! قيمتي وحياتي كلها مرتبطة فيك، و قلبي معاك و ربَ اللي خلق فيني هالرُوح، إن الروح لِك تِشتاق! وماني قاسية لكن ماتعوَدت أشرح اللي في داخلي، ما تعوَدت أقول لأحد إني ماني بخير، ولو تدري أصلاً إنه خيري في عيُونك. فارس إلتفت بكامل جسدِه، ليُقابلها على بُعدِ مسافةٍ طويلة، نظرت إليه بقشعريرة جسدِها وأنفاسها المتصاعدة المضطربة، أكملت ببكاءٍ تُجزم عيناه أنه لن يرى أحدًا يبكِي بهذه الصورة الواضحة القاسية رُغم رقَة دمعها، لن يرى أحدًا يبكِي كعينيْها التي تُبكي قلبه مع كل دمعة تجري مجرى الأكسجين في الدمَ : ما تعوَدت والله يا فارس! قريت الشِعر كثير وتعلمت اكتب اللي في داخلِي لكن ما عُمري تجرأت أقوله وأنطقه، ما عُمري حاولت أني أقول الكلام بإسترسال مثل ما أكتبه، لأني فاشلة بأني أتكلم عن قلبي، وهالشي هو اللي يخلي الناس تظن فيني إني باردة وما أحسَ! لكن والله أنَي ما كابرت على حُبك بإرادتِي، أنا اللي ما أعرف كيف أحبَ! أقترب منها فارس دون أن يلفظ كلمةٍ واحدة ومع كل خطوةٍ يتقدم إليها كانت تُشتت نظراتها بعيدًا عنه، إلى أن لامس حذاءه حذاءِها، رفعت عينها بنظرةٍ تشرحُ هذا الحُب الذي لا تعرفه. أرتفع صدرُها بشهيقٍ مُوجع بعد أن شرحت بتعبٍ وصعوبة مالذي في داخلِها له، وضع يدِه بجانبِ رقبتها وأكسجينه أصبح " زفيرُ عبير " في هذه اللحظة، ويدِه الأخرى صعدت ناحية خدَها، قرَبها أكثر حتى لامس أنفُه أنفها، أغمضت عينيْها بخضوعٍ تام بعد ان أغمض عينيْه. نحنُ لا نقوى على رؤيـة الحياة بعينٍ مفتوحة، ولكن نشعرُ بها بـ / قُبلة. لم أكُن ممن يمنحَ قلبهُ ويُقدَمه لأحدٍ كان من كان، ولكنكِ اخذتِي قلبي عمدًا و أبقيتِي مسكنهُ في صدرِك، ولو ضللتِني يومًا و أضعتني، لأخترتُ السُكنى مرةً اخرى من شفاهِك، يا غِنى الحياة و رفاهيتِها المُتمثَلة بِك، يا تسبيح الله ليلاً ونهارًا عليكِ، يا " أُحبك " الأولى والأخيرة، ويا مَجد الحُب إن إلتفتت لهُ عيناكِ بدمعة. أبعدَت ملامحها عنه دون أن تُبعد جسدها، لامس خدَه خدَها حتى لا تقع عيناها بعينيْه. كان صوتُ أنفاسها المضطربة بخجلها تصِل إليْه. فارس لم يكن هادئ الأعصاب أيضًا، أضطرب بقُبلتها وكأنها قضمت على قلبه بشفتيْها. عبير بلعت ريقها بصعُوبة لتبتعد خطوتيْن للخلف وهي تضع يدها على رقبتها التي تحترَق بحُمرة خجلها وربكتها، أخفضت رأسها ولم تتجرأ ولا لثانية أن تنظر إليْه. يالله! على رجُلٍ ينفضُ القوانِين ويستبدلُها به، على رجلٍ يتشكَلُ بصخب رجالٍ كُثر، هذا الرجُل يالله ليس عاديًا، ولا أعرفُ كيف أُرتب الكلمات كصفَةٍ تنتمي إليه، كل الصفاتِ تسقطُ بحضرته وكل الأسماء لا تليقُ بتلقيبه، هذا الرجُل كيف لا أُحبه إن سألني عن هواه؟ كيف لا أحُبه و في عينيْه أسألُ نفسي أهذا حُبٌ أم سحر يجذبني؟ فارس قلَص المسافة التي أرتكبتها ليقترب مرةً اخرى ولكن هذه المرَة يديْه لم تقترب إليْها : مضطر أروح لكن بنتظرك دايم حاولت أن ترفع عيناها ولكن في كل مرةٍ تتسلقُ بنظراتها ملامحه تقف عند شفتيْه ولا تقدر على تجاوزها والنظرُ إلى عينيْه مرةً اخرى، لم تكن قُبلةً عاديَة، هذه القُبلة أستحلَت كلماتي. فارس بلل شفتيْه بلسانِه : حتى لو بعد سنين، بكون جمبك وبنتظرك . . . . بلهفَة عشقه كان باطن كفَه اليُمنى يُلامس ظاهر كفَها اليسرى دُون أن يخلخل أصابعه بها، رجفة أصابعها كانت تمتَد إليْه وحُمرة كفَه كانت أصابعه تلسعُها. إبتسمت بلمعة العشق الذي يُضيء عينيْها وهي تنظرُ لكفَه كيف تخترقُ اعماقها. فارس : بحفظ الرحمن عبير سحبت شفتِها العليا بلسانها حتى تُقاوم ربكتها، رفعت عينها كنظرةٍ خجلى وأخيرة، نظرت إليْه بحوارٍ يُقيمه بسلطةٍ على قلبها المحمَر به. فارس إبتسم على خجلها الذي يُلاحظِه بدقَةٍ أول مرَة، والحُمرة التي تتشرَب ملامحها ألا تعلم بأنها تسلب عقله؟ كان يليقُ بها في هذه الثانية أن يقول لها كما قال ـ محمد أبو هديب ـ " سبحان من بث الحياة في وجهها، وردٌ و زاد من الحياء تورَدًا " فارس بعفويَة زادت غليان الدماء في ملامحها : يخي أنتِ جميلة والله ضحكت وهي تُشتت نظراته بعيدًا عنها، ضحكت كضحكةٍ قصيرة مضت مُدةٍ طويلة لم تتغنَجُ بها، بصوتٍ خافت : خلاص . . فارس يتلذذ بخجلها المصنَف كخجلٍ عربيٌ أسمَر لا يقدرُ أصحاب البشرة الشقراء على التلوَنِ به، هذا الخجل ملكٌ لنساءٍ الشرق عبر التاريخ بأكمله وبلا تعصَب : وش اللي خلاص؟ مني مالي خلاص أبد!! عبير بربكَة كانت تنظرُ لأصابعها وهي تقتربُ لحظةٍ لأصابعه ولحظةٍ أخرى تبتعد وبنبرةٍ لا تسير بوتيرة واحِدة/ ولا تتزن : ما أحب أنحرج كِذا، لمَا قلت لي مرَة إنه عيوني أرق، طيب أنت الحين عيونِك مُصيبة تحرجني فيها. فارس : أنتظرت كثير عشان أسمع منك هالكلام، أنتظرت 18 شهر، من أول مرَة شفتِك فيها عبير وعيناها تتجمَد على صدرِه بعد أن أرهقها الصعود لعينيْه ـ الولعانة ـ : 18 شهر؟! وأنا أحس إنك تعرفني من سنين. فارس أقترب حتى يُقبل جبينها، أطال بقُبلته حتى لفظ : يحفظك ربِي و يخليك عبير بلعت ريقها مرارًا بصعوبة حتى تنطُق : ويحفظك فارس شعر بأن العالم بأكمله يخضعُ له بمُجرد أن تسللت دعوةٌ قصيرة من بين شفاهِها، أبتعد للخلف حتى يخرُج وعيناه مازالت تحفَها، إلى أن اختفى تمامًا بنظرةٍ أخيرة من أمامها. عبير وضعت أطرافِ أصابعها على شفتيْها وهي تأخذ نفسٌ عميق، لم تتوقع ولا للحظة أن ـ قُبلةً ـ منه تُجدد الأمل في قلبها على عائلتها وعليْه، لفَت حجابها جيدًا أن بعثره بقُربه، أغلقت أزارير معطفها رُغم أنه لا حاجة لإغلاقه ولكن شعرت وكأن قلبها يقفزُ من مكانه، بمُجرد أن خرجت وجدت المصعد أمامها فُتح لخروجِ أحدهم، ركبته بخطواتٍ سريعة قبل أن يراها نايف ويفتحُ معها تحقيقٌ مطوَل. ، إبتسمت بعدم إستيعاب : وش قاعد تقول ذي؟ سارة بدهشة : أنتِ اتصلتي؟ أثير : لا، أصلاً شفت الظرف على الطاولة وأخذتها وبعدها رحت لبيتنا وما كلمت أحد، والظرف ما كان مفتوح! انا أول من فتحته سَارة عقدت حاجبيْها : يمكن غلط منهم!! الدكتورة بإنجليزية : نحنُ أرسلناه وسألتني عن رموز التحليل وأخبرناكِ به والتحليل كانت كل معلوماته طبيعية وانا متأكدة من هذا يا عزيزتي سَارة إلتفتت لأثير : تتوقعين رتيل؟ أثير أخذت نفس عميق : كيف تقدر تغيَره والورقة مطبوعة طباعة ماهو بخط اليد عشان تقدر تغيَره!! سارة : أنتِ وش عرَفك! هذي حيَة تقدر تغيَر بلد مو تغيَر تحليل!! روحي لعبدلعزيز وأفضحيها ولو عنده دمَ بيطلقها قدامك أثير وقفت بغضب : أنا أورَيها، دام بنت اللي كلمتهم مافيه غيرها! هي اللي تبي تقهرني وتذبحني، الله يآخذها الله يآخذها ولا يبقَي فيها عظم سالم! . . أخذت شنطتها لتخرج بخُطى غاضبة. سارة إبتسمت للدكتورة : شكرًا . . ولحقت أثير . . أثييير أثير أجهشت عينيْها بالبكاء لتصرخ بوجهها : حقيرة! خلتني أشك في نفسي وصحتي عشان أيش؟ عشان عبدالعزيز يفضَلني عليها! مجنونة مهي صاحية . . بس والله لا أوريها، والله لا أذبحها بإيدي حتى لو كلفني هالشي خسارة عبدالعزيز، أنا أوريها سارة : اهدي وتعوَذي من الشيطان، هي اللي بتكسب لو خسرتي عبدالعزيز، عيَني من الله خير وخليها تنفضح بهدوء قدامه وساعتها هو اللي بيقرر وعلى قراره أنتِ تصرفي بس لا تتصرفين بتصرف يخلَي الحق معها وهي ما تستاهل!! أثير مسحت دموعها بكفيَها : ومسوية نفسها بريئة قدَام عبدالعزيز، والله عرفت من قامت تهددَني وتخوَفني بتهديداتها أنه وراها شي! وهذا هو صدقت توقعاتي! هالبنت مجنونة تسوَي أيَ شي بدون لا تهتم لأحد حتى لعبدالعزيز بس أنا رايحة لعبدالعزيز وربَك لا أطلع فيها عيوب الكون كلها وبتشوف سارة بعد صمتٍ لثوانِ نطقت : مثل ما تبلَت عليك بالمرض، تبلَي عليها ومن له حيلةً فليحتال! أثير تنهدَت : ماراح أندم على أيَ شي بسويه في حقَها، راح أوريها كيف تتبلى عليَ، وراح أورَي عز بنفسي، راح أخليه يختارني قدام عيونها وبتشوف ، أتى سليمان مُقيَد اليديْن ليقف بينهما على بُعدِ مسافةٍ طويلة، اولُ من نظر إليها وألهبهُ بنظراتِه كان ـ سلطان ـ ، ومن ثُم تبعتها ضحكةً مُستفزة من رائد الذي لفظ بسخرية : طبعًا سليمان حبيبي بظرف يوم واحد وبجلسة وحدة قالي كل اللي يعرفه عنكم وعنَي حتى تتصوَرون! وقالي وش صار بعد الحادث ووش ما صار وكذبتوا فيه، قولهم سليمان وش قلت لي، أنا قلت لهم بعض المعلومات اللي أخذتها منك لكن لا ضرر من الإعادة فالإعادة إفادة . . سلطان بسخرية : متوقَع إننا ننصدم إنه هالكلب علَمك؟ مفروض اللي ينصدم هو أنتْ! شخص بغمضة عين نقدر نمسكه ونعدمه قدام عيونك قدر يخدعنا لأكثر من سنَة، وأنت ياللي صار لك سنين تحاول وتحاول مقدرت تخدعنا بشي! ولمَا خدعتنا طلع ملعوب عليك!! لا تفتخر كثير فيه! هو لو عنده ذرة رجولة وشجاعة طلع قدامنا وما خاف من إسمه لكن يدري إنه ماعنده القوة إنه يواجهنا! سليمان بإستفزاز رُغم الضرب الذي تعرَض له : لكن عندي القوة إني ألفَ عليكم كلكم وأضرب روسكم ببعض سلطان بغضب لم يستحمَل أن يسمع صوته، أقترب منه ليدفعه ناحية الجدار دون أن يتدخل أحد، جلس رائد يتأمل بإبتسامة ما يفعله سلطان بسليمان، وضَع سلطان بباطن كفَه مفتاحٍ صغير ليلكمه بقوَة ويجرحه بذاتِ القوة من حدَة طرف المفتاح، أعاد لكمتِه مرةً اخرى على خدَه وهو لا يقدر على الدفاع عن نفسه. سلطان شدَه من ياقتِه المبهذلة : حاول قد ما تقدر ما تحط لسانِك على لساني! عشان ما أقطعه لك رائد ينظرُ للدماء الذي بدأت تغزو ملامح سليمان من ضربِ سلطان له : ما تتعطَل يا بو بدر! إلتفت عليه سلطان بتقرَف : اللهم عافِنا مما أبتلاكم رائد بهدُوء أستفزَ عبدالعزيز : عندِك خبر بعد أنه أختك ما فقدت الذاكرة عقب الحادث مباشرة؟ . . ـ بضحكة أردف ـ بعرف وش اللي صار بعد الحادث؟ لا أبوك مات بعد الحادث ولا أختك فقدت الذاكرة بعد الحادث! وش هالناس الوصخة اللي حتى شوفة اهلك حرمتك منها! عبدالعزيز نظر إليه بجمُود دون أن يرد عليه بكلمة، أكمل رائد : أريَحك كِذا ببساطة اللي مات بعد الحادث أمك وأختك الصغيرة عدا ذلك هذا من المسرحية اللي كانت من إخراج اللي جمبك، أنا ما أقول من تأليفهم لأن المساكين حلفُوا وقالوا إحنا ماندري، لكن ما يقدرون يحلفون إنه جاهم الخبر من قبل فترة طويلة. سلطان بسخرية يستهزأ به : وأنت كنت المنتج! تدفع فلوسك ولا تدري على أيش أنصرفت، دفعت رجالِك على الحادث وتحسب أنه حادث عدَى وأنتهى وبعدها تكتشف إنه رجالِك ما تصرفوا حسب علمك، تصرفوا حسب الكلب اللي قدامك! والكلب تصوَر إنه كومبارس! لكن قدر يلعب على مُنتج كبير! . . بحدَة أردف . . يا خسارة هالشارب عليك بس!! رائد ببرود لا يخضع لإستفزازه : نقلُوها لمستشفى ثاني وهي في حالة حرجة، ولمَا تعرضت لمُضاعفات بنقلها دخلت غيبوبة شهر كامل يالله صحت من بعدها، ولمَا صحت صارت المسرحية الحلوة اللي كانت بإشراف مقرن، جابوا لها وحدة الله أعلم من تكون وقالوا لها أسمعي يا . . . رؤى! هذي أمك وإحنا راجعين لميونخ عند أهلك . . مين أهلي؟ أهل أبوك ما يبونِك لكن أهل أمك يبونِك، وهناك عاد جاهم ولد عبدالله القايد وتصرَف مثل ما يشتهي عشان يلعب بأختك بعد مثل ما يبي! كلَم صديقه اللي كان دكتورها النفسي، وش كان إسمه؟ . . . إسمه وليد! أووه قبل لا نكمَل القصة الممتعة لازم نذكر إنه وليد كان يعتبر زوج حرم سلطان المحترم! قالت لك زوجتك عنه ولا ؟ ترى يقولون كانت فيه قصة ممتعة أكثر بينهم! عاد الله أعلم وش نوع المتعة في القصة نظر سلطان بنظراتٍ مصوَبة بحدة ناحية عينيَ رائد، وقلبُه يحترق ببركانٍ ينتشرُ كوباءٍ في كامل جسدِه، مررَ لسانِه على أسنانه العليَا وهو يحاول أن لا يتصرف بغضب ويندم بوجودِ ـ عبدالعزيز و ناصر و عبدالرحمن ـ. رائد الذي أكمل فضائحه على حدَ تصنيفه : عاد هذا وليد كان متشفق على لسان عربي! ولمَا جته رؤى أو عفوًا غادة! قال جتَ اللي أبيها، هو ما كان يعالجها هو كان يطلَع جنونه النفسي عليها! عاد تعرفون تصرفات بعض الأطباء النفسيين والعياذ بالله . . أحيانًا الدكتور نفسه يحتاج دكتور يعالجه، الله أعلم بعد وش كان يمارس بعيادته مع أختك! وطبعًا كل هذا يا عبدالعزيز يا حبيبي كانوا يدرون فيه الإثنين اللي واقفين جمبك وأزيدك من الشعر بيت اللي كان يوصَلها للعيادة هو سعد نفسه اللي يشتغل عند أبوك قبل واللي يشتغل حاليًا عند سلطان و عبدالرحمن، اكمَل ولا تكملون عنَي؟ بسخرية أخذ كوب الماء ليشرب منه ويرفع عينه إليهم : لا هذي القصة لازم ناصر يسمعها بعد! وش رايكم يسمعها معنا؟ ويشوف زوجته كيف كانت؟ . . . . وجَه عينه للرجل الواقف أمام الباب . . جيب ناصر بسرعة . . . خلنا نخلَي ناصر يسمع بعد عبدالعزيز ثارت غيرته على أخته وهو يحاول أن يكتم هذا البركان وهذه المآساة في قلبه، شدَ على شفتيْه بأسنانه حتى نزفت بتقطيعه لها، تذوَق طعم دماءه وهو يُريد أن يخمد هذا الغضب، مسك الكوب الزجاجي الفارغ، حاول أن يُفرغ غضبه وهو يُمسكِه حتى أنكسر بيدِه وتجرَحت كفَه بالدماء، إلتفتت الأنظار إليه، عبدالرحمن لم يكن قادرًا على الشرح أو حتى على قولٍ يُخفف وطأة هذه المآسآة على قلبه. هل يشعرُ أحد بطعم الذلَ في دماءي؟ هل تثُور ثائِرته كالبركان مثلي؟ أم أنه أمرًا عاديًا قبلوا به في البدايَة فمن الطبيعي أن يقبلوه الآن؟ أيَ الرجال أمامي؟ أيَ عقلٍ يقبلُ بهذا؟ " يُبه " تعال! أنظر إلى من جعلتهُم أصدقاءِك كيف يتصرفون ويعبثون بأسمك معي! تعال أنظر إلى قلبِ إبنك الذي يُتأتئ الفرح ولا يجيئه، تعال! أشرح لهم أن إبنك لا قُدرة له على مواجهة الحياة دُونك! قُل لهم يا أبي! قُل لهم أَنَ عزيز إبني حُزنه قاسٍ لا يرحم صدرِه فكيف يرحمُ من حوله؟ قُل لهم إبني يبكِي دماءُه إذا جُرحت عيناه بمن يُحبهم، قُل لهم لا تجوز على الميَت سوى الرحمة، وأنا متَ من حدَة ما أسمع. رمى بقايا الزُجاج من يدِه ليلفظ بحشرجة الغضب إلى عبدالرحمن : ندمان على اللحظة اللي قلت لك فيها يُبه! ندمان على اللحظة اللي صدَقتكم فيها! ندمان على اللحظة اللي متَ فيها وأنا أتوقع إني أعيش! ندمان على كل وقت ضيَعته معاكم! ندمان حتى على كل فكرة كنت أوصلها وأقول مستحيل! ما يضرَني شخص كان أبوي يصبَح عليه بعيونه! ما يضرَني شخص أجتمع مع أبوي تحت سقف واحد! لكن ضرَيتوني! ما حطيتوا لأبوي أيَ إعتبار، ولا حطيتوا لبنته أيَ قيمة، صح مين غادة؟ أبد مو لازم نهتم فيها، مو لازم نعلَم إنها عايشة، لأنها ماهي من لحمكم ودمَكم! عادي جدًا مين هيَ أصلا؟ أخت عبدالعزيز؟ ومين عبدالعزيز؟ زوجة ناصر؟ ومين ناصر أصلاً ؟ دخل ناصِر على كلماتِه ليقف وعينِه عليه. أكمل : ضقت منكم أكثر من مرَة وكل مرَة أستحي أدعي عليكم، أستحي وأقول ربع أبوك وناسه كيف تدعي عليهم يا عبدالعزيز؟ لكن هالمرَة لأن أبوي كان يقول عنكم ينشَد فيهم الظهر بقول الله يكسر ظهرٍ تخدعون فيه الناس، والله لا يسهَل لكم طريق! . . نظر إليهم بحدَة صاخبة . . الله لا يبــــارك لكم في أيامكم الجايَة وعساكم تذوقون نص اللي ذقته في أهلكم وبناتكم . . عبدالرحمن تصلَبت أقدامه من دُعاءه الغاضب، نظر إليْه : ماهو أنت اللي بتصدَق كل كلمة تنقال وأنت تدري مين يقولها! كيف تثق بحكيْه؟ رائد بنبرةٍ مستهزأة يُمثُل العطف بصوته : تؤ تؤ تؤ . . عيب يا بوسعود تكذَبني وقدامك سليمان بنفسه شرح لي كل شي وهو اللي أستعمل فيصل عشان يضغط على مقرن! ما يصير!! سلطان وضع أصبعيْه في عينِه ليضغط عليهما بشدَة حتى يُعيد إليه التركيز. أردف رائد : حيَ ناصر، طافتك القصة اللي تهمَك بس هذا ما يمنع إننا نعيدها لِك . . . كنا نسولف على زوجتك وحبيبتك، نرجع نشرحها ولا تشرح له يا بو بدر؟ سلطان تنهَد وهو ينظرُ للسلاح الذي يتوسَط مكتب رائد ويجلسُ هو خلفه. رائد بضحكة : ويعجزُ سلطان بن بدر عن التعليق، ولا يهمَك يا أبوي أنا أشرح لك، غادة أو نقول رؤى تماشيًا مع الفيلم اللي صار من إخراج الجماعة اللي جمبك، ما فقدت ذاكرتها بعد الحادث، لكن لمَا نقولها للمستشفى الثاني عشان يخفونها وطبعًا لأني ما أحب أكذب بقول إنه ماكانوا يدرون لكن مقرن كان يدري وعاد الله أعلم إذا مقرن قالهم وهم ينكرون أو صدق ما قالهم، المهم إنه لمَا نقولها صارت لها مضاعفات تعرف كانت بحالة حرجة جدًا وهم أصرَوا على نقلها! دخلت بغيبوبة لشهر ولمَا صحت جابوا لها وحدة وقالوا لها تراها أمَك وسوَو لها مسح شامل لكم كلكم، وتدخل فيصل ولد عبدالله القايد وتراه من ربع اللي جمبك، وودوها لميونخ وعرفَوها هناك على دكتورها النفسي اللي إسمه وليد، هذا وليد الله يسلمك ما أحط في ذمتي لكن الله أعلم وش كان يسوي بالعيادة مع زوجتك وهم يجلسون يوميًا، رُغم أنه المعروف إنه الأطباء النفسيين اللي مايكونون بمصحة مفروض ما يقابلون مرضاهم يوميًا، لكن هو كان صبحه وليله معاها! وكان لها معاملة خاصة بعد وتطلع معه وتروح معه واللي يوصَلها كان سعد! اللي يشتغل مع المخرجين الكبار سلطان بن بدر و عبدالرحمن آل متعب . . . كانت كلماته شديدة السخرية . . . كل شي كان بإشرافهم وبمعرفتهم بمين وليد! حتى وليد نفسه كان الزوج السابق لحرم سلطان، يعني كان يدري مين وليد ويعرف وش سوَى! عاد أنا ما أدخل بالذمم وأقول وش كانت نيته إتجاه زوجته بس لو أحد بمكان سلطان ما كان سمح لطليق زوجته السابقة وهو ما بعد دخل عليها يعني مُجرد ملكة، يكون دكتور لبنت أعز أصدقائه، مفروض يخاف ويقول ما اسمح لدكتور له سوابق يعالج . . أو عفوًا هو ما يعالج هو كان يمارس العشق وأفلام الأبيض والأسود مع غادة ناصر من دهشتِه لم يستطع أن يتفوَه بكلمةٍ واحدة، نظر إليهم واحدًا تلو الواحد حتى سقطت عيناهُ بعينِ رفيق عُمره، أراد أن يتأكد من عينيْه التي لا تُخطئ أبدًا، نظر للدماء التي تسيلُ من كفَه وأدرك أن ما يقوله حقيقة. ضحك بجنُون غير مُصدَق، نظر للرجل الذي جلبه ولموضع سلاحه، اقترب منه بطريقةٍ لا يشكَ بها أحد، بظرفٍ ثانية وأقل سحب السلاح ليوجهه ناحية سلطان. رائد أشار لرجلِه أن لا يقترب منه، وهو يستمتع بالفتنة المُقامة بينهم. ناصر : سألتني وقلت تغفر لشخص غلط وأثَر بحياتك؟ وقلت لك لا مستحيل أسامح شخص ضرَني! وما كنت أعرف سبب سؤالك المفاجئ ليْ لكن الحين عرفت، عرفت إنك تلاعبت بحياتي ومن حقي الحين أتلاعب بحياتِك!! ماعندي شي أخسره، ببرَد حرتي وبيكفيني هالشي . . غيَبت زوجتي برضاك أكثر من سنَة وأنا بغيَبك عن الدنيا بكُبرها متعمَد وقاصد! . . . . سلطان نظر لفوهة السلاح المصوَبة بإتجاهه، أتى صوت عبدالرحمن المقترب من ناصر : ماهو برضاه! أقسم بالله ماهو برضاه يا ناصر، كلنا كنَا نشوف هالشي بصالحكم، لو كان بإيدنا والله ما تصرفنا كِذا، يمكن أنت ما تشوف هذي مبررات كافية لكن أقسم لك بالحيَ القيوم إننا لو كانت الأمور بإيدنا بعد الحادث ما خبينا عنكم شي، وكنَا ماراح نخطط أننا نخبي عنكم حياة أحد فيهم! لكن كانت الأمور برا سيطرتنا، عرفنا عن الحادث مثل أيَ شخص في هالدنيا وعرفنا عن موتها بعد، لين جانا الخبر بعد فترة وأكتشفنا حياتها وبعدها وكَلنا مقرن يهتم فيها، ما كنا نبي شي واحد يضرَها، لكن الطرف اللي خلانا نمنع نفسنا من إننا نقولكم هو سليمان اللي كنا متوقعينه شخص ثاني! خفنا على حياتكم لو أجتمعتوا! كان لازم نبقى على خطتهم لين نتمكَن منهم ونفرض قراراتنا عليهم، لأن ولا قرار بعد الحادث كانت أسبابه من ظروفنا إحنا، كل الأسباب كانت بسببهم، . . . تعوَذ من الشيطان ونزَل السلاح عبدالعزيز : ناصر كل الأعين توجهت لشفاهِ عبدالعزيز ولما سينطقه، بهدوء أردف : لا تخليها في خاطرِك! نظر إليه سلطان بصدمَة ليس بعدها صدمة، تبعتها صدمَة عبدالرحمن و حتى رائد كانت الصدمة واضحة بنظراته. ناصر تأكد من وجود الرصاص وأصبعه يلامس الزناد. سليمان لأنه أدرك لا أحد سيقترب منه نطق : مثل موتة مقرن بتكون موتتِك يا سلطان! لكن اللي ذبح مقرن من رجالي واللي بيذبحك ماهو عدوَك!! سلطان تجاهل كلماته وعيناه بعينيَ ناصر، طال الصمت بنظراتهما وسبابة ناصِر تصِل للزناد بيُسرٍ وسهولة. رائد أراد أن يضغط على ناصر ويستفزه حتى يُطلق عليه بسُرعة : وبعدها أيش صار؟ وليد حاول يتقدَم بزواجه عليها ويتجاهلون إنها مازالت على ذمتك وبينكم عقد زواج مصدَق، وطبعًا رضا غادة على هالزواج كان تابع من أمل اللي بدأت تشككه وتثير جنونها، طبعًا أمل في البداية اللي هي أمها كانت تتبع أوامر مقرن لأن مقرن تابع لفيصل وفيصل تابع لسلطان وعبدالرحمن واللي خابرهم! لكن بعدها أنحرفت شويَ عن الطريق لمَا على قولتهم رجع فيصل لعقله وترك سليمان، وخلَى سليمان يتدخل بموضوع غادة بعد ما رفع إيده منها عقب الحادث، ودفعوا لأمل عشان تجننها وتكرَهها بعُمرها! ويا حرام المسكينة وش كثر عانت و أنهبلت بعد!! لدرجة قالت خلاص بتزوَج وليد وكانت قريبة بزواجها من وليد بعد، وأكيد هالزواج أو خلنا نقول عرض الزواج ماجاء ببساطة، أكيد فيه أشياء كانت تصير بالعيادة بين 4 جدران مالهم ثالث!! عبدالعزيز بغضَب خدع رائد بعينيْه ليأخذ علبة زُجاجية ويرميها عليه حتى أتت على كتفِ رائد، بخُطى طويلة سريعة شدَ على رقبة رائد وهو يحاول أن يخنقه بيديْه المُبللة بالدماء، من ذِكر أخته المُشين على لسانِه. جاء رجل رائد من خلفه ليسحبه ويدفعه على المكتب ويجرحُ جبين عبدالعزيز بهذه الضربة، وقف رائد وبحدَة وصلت أقصاها أخذ قطعة من بقايا الزجاج وثبَتها بين أصبعيْه ليصفع عبدالعزيز بقوَة حتى يجرح خدَه. عبدالعزيز دفع الرجل الذي حاول إيقافه وهو يرفسه حتى وقع على الأرض، تقدَم ناحية رائد ولكنه وقف عندما إتجه السلاح نحوه. رائد بحدَة نظراته : إللي يلمسني يلمس نار بجحيمها! وشكلك بتلحق أبوك ناصر إلتفت ليوجَه السلاح ناحية رائد ولكن يد سلطان من خلفه سحبته بقوَة، بدأوا رجال رائد بالتدخل جميعهم وهُم يُحاصرونهم بالأسلحة الموجَهة إليهم، أمام تهديد رائد بعبدالعزيز لم يكن بين يديَ سلطان أيَ حيلة، رمى السلاح في كفَ الرجل الذي أمامه. رائد : ماهو أنا اللي بذبحك! هُم بنفسهم راح يذبحونِك، . . . عاد لكرسيْه وبسخرية . . أوَل نكمل الفيلم لين نوصل لهذا المشهد عشان يكون الكل على بيَنة عبدالعزيز رفع عينِه للسقف وهو يحاول أن يمتَص غضبه متجاهلاً جروح وجهه : بيجي وقت راح أعرف كيف أنتقم منكم!! ووقتها مافيه شي بيردَني عبدالرحمن أعطاهُم ظهره وهو يرفس بقدمه الأريكة، كل شيء يقع من بين أيدهم حتى الثقة من ناصر و عبدالعزيز سقطت ولا يُمكنها العودة بسهولة. ناصر حاول أن يتقدم إلى عبدالعزيز ولكن فوهة السلاح ألتصقت برأسه. رائد : خلونا حلوين مانبي إشتباكات بينكم لين ننهي من سرد القصة والمسرحية مدري الفيلم كامل . . ماشاء الله أحترت وش أسميها! قصة ولا فيلم ولا أيش بالضبط! إن جينا للتمثيل أبدعتوا وإن جينا للحوار بعد أبدعتوا وإن جينا للإخراج رايتكم بيضا ما خليتوا بذرة شك في قلوب ناصر وعبدالعزيز . . . وصلنا لعند وليد وغادة، عشان ما نظلم حقهم وقتها عرف سلطان وبوسعود أنه اللي مع غادة ماهي أمها الحقيقة، لأن أمها ماتت بالحادث، وهذا الشي من تدبير مقرن! عاد الله أعلم إذا مقرن يتصرف بكل هذا من فيصل بس! يعني ما نشكك بمقرن كثير لكن كان يقدر يقول عن أمها دام قدر يقول عن غادة لهم! لكن المصيبة تدخل شخص ثاني! هذا الشخص أشتغل وياكم وحافظكم اللي هو عبدالمجيد، تقاعد بعد سلطان العيد بفترة وهو اللي أبعد فيصل عن خطأه اللي ارتكبه بحقك يا ناصر أنت وعبدالعزيز و ذبح غادة بعيونكم و عرَفها على وليد ووصلها لكل هذا، يوم أبعد فيصل تدخل عبدالمجيد بأمور مقرن وضغط عليه وهذا الشي ما قبله حبيبي سليمان وخلَاه يذبح مقرن، الصفة المشتركة بيني وبين سليمان إننا نذبح من يغدرنا! وهذا الشي ينطبق على كل من واجهناه بحياتنا الله يسلمكم، راح مقرن وبقيتوا أنتم تدورون وتحوسون وتقولون مين ذبح مقرن ومين تدخَل بشغلنا ومين زرع زياد بيننا ومين تعرَض لمنصور ولد عبدالله قبل سنَة، ومين ومين؟ وكل الإجابات هي سليمان! اللي ساعدني بدون لا يحس ويدري، حتى فهد اللي جا متأخر قدر يلعب في مخكم! . . بسخرية . . طبعًا قلتوا وش ذا الصدفة إسمه فهد بعد؟ لا يكون هو اللي أنذبح؟ وأكيد أنلعب على مخكم كالعادة! . . لكن خابت توقعاتكم لما عرفتوا أنه هذا الفهد تابع لسليمان وماله علاقة باللي صار قبل سنة، المهم ماعلينا لو بعدَد الحالات اللي أنضحك فيها عليكم بتعب! . . إلا ما قلتوا لي ما سألتوا نفسكم مين طلَع الجثث وحضَرها؟ حيَ الذكاء اللي في سليمان اللي تتهمونه بضعفه لكن مقدرتوا توصلون لذكاءه عشان تكشفونه! بعد الحادث مباشرةً لمَا أكتشفوا حياة سلطان وغادة، قالوا هذا الشي ما حسبنا حسابه، وعلى طول دخلُوا للجثث اللي في ثلاجة الموتى! وبسهولة طلعوا شهادة وفاة للجميع وبسهولة لما أكتشفوا أنه مافيه جثة يقدرون يحطونها بدال سلطان العيد لكن لقوا جثة بدل غادة، جابوا سلطان العيد بنفسه وشالوا الأجهزة منه وحطوه قدامك يا عبدالعزيز! تذكر لما جيته؟ شفته بعيونك وكان يعتبر حيَ، وبعدها مباشرةً بكم يوم توفَى! وأندفن بداله شخص ثاني! وصليت على شخص ثاني بعد!! هذا كل اللي صار بعد الحادث مباشرةً، وكان من تخطيط سليمان اللي أستعمل فيصل ومقرن و كان بمعرفة واضحة من عبدالمجيد اللي يعرف الحادثة من بدايتها إلى نهايتها لكن خبَى حتى على أصدقاءه! وحاول يتصرف من كيفه لكن ما نجح بأنه يوقَف شي واحد رُغم إنه عنده كل الأدلة بإدانتنا لكن مستحيل يملك الجرأة بأنه يضربنا لأن يدري وش راح يجيه! سلطان بإبتسامة مستفزة : صحيح! عبدالمجيد ما يملك الشجاعة بأنه يضربكم بأدلته! برافو والله، تفتخر وأنت تسرد القصة بتفاصيلها رُغم إنك مخدوع فيها مثل ما إحنا مخدوعين رائد بإبتسامة تُشبه إبتسامة سلطان : هذا أنا خذيت حقي والدليل سليمان قدامي ومربوط وبينذبح بعد! لكن أنتم وش خذيتوا؟ خذيتوا خيانة من مقرن وعبدالمجيد و خذيتوا غضب من ناصر و عبدالعزيز و جازيتوا كل اللي حولكم بالغدر! ما دافعتوا عن مقرن ولا فهمتوه وما دافعتوا عن عبدالعزيز ولا أحد!! أنا صادق ولَا؟ عبدالرحمن بإتزان : خلصت حكيْك؟ وصلت للي تبيه ولا باقي شي ما بعد قلته؟ رائد بضحكة : لا أبد كل التفاصيل ذكرتها ولله الحمد . . بس خلنا بعد نزيد من إدراك عبدالعزيز شويَ ونسأله كانه يدري عن صالح العيد؟ ولد عم أبوه؟ عبدالرحمن بغضب : رائــــد رائد بسخرية : ضربنا الوتر الحساس شكلنا! . . يا شقاك يا عبدالعزيز حتى أبوك ما قالك حقيقة أهله!! وش هالدنيا اللي تلعب بالبني آدم بس! أردف بتنهيدة : صالح العيد كان شريكي وأبوك تبرَآ منه تصوَر ولا حتى ساعده عشان كذا لجأ لي لكن بعد أبوك أعماه حقده وذبح ولد عمه بنفسه عبدالرحمن : مين ذبح صالح؟ ما كأنه مات متسمَم وبإيدك بعد؟ رائد بإنكار : أبدًا ولا قرَبت منه، اللي ذبحه ولد عمه ما يحب أحد ينافسه، مُشكلة سلطان العيد كان أناني في كل حياته ولمَا جاء وقت يختار فيه أختار سلطان بن بدر عليكم كلكم لأنه كان يصدَر أنانيته لسلطان، وما حبَ احد يآخذ هالمنصب منكم عشان كِذا عصَب بو منصور وقدَم على التقاعد! سلطان بسخرية من قهره الذي يُصاب به : تكذب الكذبة وتصدَقها!! رائد بإبتسامة : قولنا كيف ترشحت لهالمنصب وفيه اللي أولى منك؟ مو كان بواسطة قوية من سلطان العيد اللي تقاعد وهو مسلَمك زمام الأمور بكبرها ومتجاهل الكل!! عبدالرحمن : ترشيح سلطان جاء بموافقتنا كلنا لعلمك ولا تحاول تزرع الفتنة بيننا لأنك تبطي! رائد : أيَ موافقة هذي اللي خلتكم تتهاوشون قدام الموظفين وصارت مشكلة بينكم وبين سلطان العيد؟ مو كانت عشان سلطان وأنه ما يستحق هالمنصب وأنه توَه صغير وغير مؤهل؟ سلطان بهدوء مستفز : إيه صح عليك! بس لأن اللي في مخك درج، ما تفهم وش سبب الهوشة صح فعشان كِذا تقول دام مافهمتها لازم أخترع لها سبب بمزاجي! محد تقبَل وجودي بالبداية بهالمنصب لكن ماهو عشانهم ضدَي! هُم ضدَ خبرتي القصيرة، لكن بالنهاية وقفوا معي وبو منصور ما تقاعد بعد تسليمي للمنصب، أشتغل معايْ إلى أن أختار طريق التجارة وتقاعد بعدها، وصالح العيد أنا بنفسي تسلَمت ملفه وكان متسمم! لأن عرفت أنه راح ينقلب عليك ويروح لولد عمَه لأنه بالنهاية الدم واحد والعرق يحَن! ولمَا جاك صالح العيد كان سلطان الله يرحمه يحاول بكل جهده إنه يوقفه عن العفن اللي يجي من وراك! لكن كان إختياره ومقدر يخضعه وهو رجَال يملك حق القرار، وأضطر يحاربه لأن ما ألتفت لإسمه ألتفت لوطنه. رائد بهدوء : والله عاد محد بيصدَق هالحكي غيركم لأن ماشاء الله عندكم تاريخ مشرَف بالكذب وبالأفلام!! ناصر نظر بصورةٍ أوقعت الشك في نفس رائد : رجعوه!! عبدالرحمن بحدَة أنفجر بوجهه : قلت راح تطلعهم بمجرد ما نجي! خلنا على إتفاقنا رائد ينظر إلى ناصر : رجَعه . . . قيَد الرجل أيدي ناصر بكفيَه ليأخذه للمكان الذي كان فيه ـ هو وعبدالعزيز ـ. رائد وقف بتنهيدة : وأنا غيَرت إتفاقي! وبمزاجي . . . . . مسك هاتفِه ليقرأ الرسالة التي تأتِيه في هذه الأثناء، رفع عيناه بإتجاه عبدالرحمن : تبيني أقولك الأخبار ولا بدري عليها؟ أخاف يرتفع ضغطك ونبتلش!! عبدالرحمن لا تركعُ نظراته بأيَ رجاءٍ لرائد، مازال شامخًا رُغم هذه الهزَات التي تُصيبه ومازال يحاول أن يُحافظ على هدوء أمام إضطراب الإستفزاز الذي تحت قدميْه ومازال يُفكر بإتمام الخطة نفسها رُغم كل شيء يحصل الآن. رائد : بنتك . . كنا بنجيبها لِك لكن للأسف رجالِك أجبرونا نطلق الرصاص عليها رفع عينه عبدالعزيز وهو يمسح باطن كفَه بقميصِه، لم ترمش أبدًا وهو يسمعُ رائد ينطق ببطء شديد حتى يستفزَهم أكثر : بنتِك رتيل! عبدالرحمن كرر بصوتٍ خافت حتى يُصبره الله على هذه المصيبة : لا إله الا الله . . لا إله لا الله . . لا إله الا الله سلطان : أنت اللي بديتها وترحَم على ولدِك!! أنفجر رائد بضحكة طويلة : عفوًا؟ أترحَم على مين؟ وش هالتأخر المخَي اللي في راسكم!! سلطان : طول السنين اللي فاتت ما تعرَضنا لأهلك ولا حاولنا ندخَل ناس مالهم ذنب بهالمشاكل! في وقت كنت تتعرَض لنا بأهلنا وتلوي ذراعنا فيهم! وصبرنا وقلنا مهما صار مالنا ندخل بناس ذنبهم إنهم يرتبطون بإسمك لكن هالمرَة أنت ما عطيتنا أيَ خيَار!! رائد بسخرية : يُطلق عليكم الحين . . مُثيرين للشفقة بإمتياز! . . ولدي مات يا حبيبي، لكن دمه مايروح هدر، الكل بيدفع ثمن أغلاطه معي والكل بيدفع ثمن حزني على ولدي!! وكانت بدايتها بنتِك وبيجيك الدور يا سلطان!! سلطان : مات؟ والله أنت اللي عندك تأخر مخَي! عبدالرحمن لم تحملُه قدماه، جلس وهو يضغطُ بأصابعه على الأريكة. يالله خُذ مني الإحساس إن صابها الوجَع والألم، يالله أذبح بيْ الشعور في الوقت الذي تمرض بها إبنتي ولا تجعل الحُزن يتحشرجُ بيْ ويُبقي روحي في المنتصف، لا أحيَا ولا أموت، هذا الشعور الذي يجيئني كلما غادرني من أُحب، يارب أرزقني الصبر وساعدني وأرفع عني هذا البلاء الذي يشطر ظهري وقلبي معًا. عبدالعزيز أخذ نفس عميق، أنتهى برؤيـةِ فارس و عبدالمجيد، رائد وضع يدِه على الطاولة قبل أن تُضعفه قوَاه المُشتتة، يحاول أن يصدَق ما تراهُ عيناه، تجمدَت عيناه وتجمَد ماءُ محاجره مع نظراته الضائعة في ملامح إبنه. هل ما أراهُ حقيقة أم من فرطِ الخيال، لو كان حلمًا يالله أدعُوك أن لا أستيقظ منه، هل هذه العينان التي تقتبسني صاحبُها إبني؟ أم من الأربعين الذين يشبهُونِه؟ ولكن من يقدر على أن يشبه نظراتِه الشفافَة والحادة في الوقت نفسه؟ من يقدر أن يكون جميلاً كأبني؟ وشاعِرًا كاتبًا كإبني أيضًا؟ من يقدر أن يعشق مثل عشق إبني ويحيَا في عينيْه ميلادِي؟ لم تمُت، وأنا الذي ظننتُ انَك غادرتني، كيف صدَقت أمر موْتك وأنا حتى لم أرى جثتك وضللتُ أبحث عنها! كيف خُدعت بموْتِك وأنا لا اقدر على العيْش بهناءٍ دُونك، أتدري أنك غيَث لقلبِ والدِك، وأنا في بُعدِك ـ جفافٍ ـ، أتدرِي أن الحُب في حياتي هو أنت وفقط، أتدرِي أيضًا أنني أشتقتُك. رفع فارس حاجبه بإستغراب من نظراتِ والده، أقترب إليه بتوجس : يبه حزين يا أبُوك! كل فكرة بعدِك تعبرني / صدَى. و أنا تعودتِك صُوت، وكل ضحكَة في غيابِك، وهَم و أنا اللي ما تروق لي الضحكات بلا صُوت، يا نبرة الحياة فيني لو تدرِي إنه الحياة ترتبط فيك، وأن أجمل العُمر في يديك، يا فارس! يا كل موانِي الفرح في صدرِي، ما هدَ شراعي غير / مُوتِك ؟ . . . و يالله على الحياة اللي تجيبها بقُربك. تعلقت نظرات عبدالعزيز بعينيَ عبدالمجيد، كانت نظراتُه تنطق شرًا و حِقدًا. سحبه رائد إليه ليعانقه بشدَة وهو يحاول أن يستنشق رائحته التي غادرتُه طوال الأيام الماضية، فارس استغرب من هذا العناق الشديد وهو يشعرُ بوجَعِ والده من عينيْه، همس في إذنه : وش فيك يبه؟ رائد بمثل همسه : حسبت إني فقدتِك، حسبت إنك ضعت من إيدي! فارس قبَله بالقرب من عينيْه وبحوارٍ هامس لا يسمعه سواهما : صارت أمور كثيرة راح أقولها لك بس بطلبك شي رائد : تأمرني، فارس : أتركهم! . . أتركهم لو لي خاطر عندِك يبه رائد أبعدهُ وهو ينظر إلى عينيْه بإبتسامة منتشية بالحياة : أهم شي إنك بخير فارس إلتفت إليهم، نظر إلى عبدالرحمن بنظرةٍ شتتها بسُرعة، بعد أن صافحه بإسم ـ مشعل ـ لا يتجرأ أن يضع عينه بعينه بإسم ـ فارس ـ عبدالمجيد : حسابك صار معايَ! وأتوقع فارس أكبر دليل رائد فهم قصدِه، نظر إلى إبنه، فارس : يبه لو سمحت رائد ومازالت عيناه تُثير الشفقة من شدَة عدم تصديقها لرؤية إبنه، ينظرُ إليه وكأنه للمرة الأولى يراه فارس برجاء : يبه . . رائد تنهَد : علَم ربعك ما عاد يتعرضون لطرف منَي وأوعدهم ما أتعرض لهم بشي عبدالمجيد إلتفت لسلطان هامسًا : لا تهتَم! تقدرون تروحون الحين قبل لا يصير شي يعاكسنا سلطان بمثل الهمس : ماراح أتحرَك وأتركه عبدالمجيد بحدَة : سلطان!! سلطان وتذكَر كلمة من عبدالمجيد قبل عدَة سنوات " عبدالمجيد : بصفتي مسؤول أنا قادر أأمرك، أطلع يا سلطان " : هالمرَة أنت منت مسؤولي عشان تأمرني!! عبدالمجيد أدرك أن لا فرصة لإقناع سلطان في هذا الوقت الضيَق : عبـ قاطعه قبل أن يُكمل إسمه : ومنت مسؤولي بعد ولا تقدر تتحكم مثل ما تحكمت بأختي عبدالمجيد بدهشة ينظرُ إليهم، سلطان إلتفت لعبدالعزيز : ممكن تحكَم عقلك هالمرَة وتتصرف صح عبدالعزيز بنرفزة : يخي أنا مستغرب من شي واحد! عقب كل هذا لكم وجه تأمروني!!! عُمري ماراح أشوف ناس ماعندها دم وحيَا مثلكم!! رائد إلتفت لإبنه : شفت بنفسك! هُم ما يبون يتحركون فارس : عبدالعزيز . . عبدالعزيز نظر إليْهم : على فِكرة فارس اللي تصنفونه من ألد أعدائكم!! هو الوحيد اللي وفى ليْ وأنتم يا ربع أبوي ما قدرتوا تحسنُون ليْ بتصرف واحد!! فارس حاول أن يبتعد من جهة والده ليقترب منهم ولكن يدَ رائد طوَقت معصمه : خلَك هنا بإستغراب إلتفت من خوفه الكبير من تحركه بأيَ حركة بسيطة : يبه!!! رائد بحدة : قلت خلَك هنا رفع عينه لعبدالعزيز مرةً أخرى وسحب ورقة من مكتب والِده، كتبت عنوان الفندق : تقدر تروح لأختك أنت وناصر . . وين ناصر؟ رائد : الحين أطلعه عبدالعزيز بعناد يُريد ان يقهرهم به كما أحزنوه : ماني متحرَك! ، |
مُرهق بالعمل لساعاتٍ طويلة، لا يرفع رأسه من على الأوراق، وفي كل لحظةٍ تمرَ ولا يسمعُ أخبارًا تجيء من باريس يشعرُ بأن الفرصة تتضاءل أمامه وتفقدُ نجاحها الذي عملوا من اجله لسنواتٍ طويلة، هذه المرَة لا حل وسط ولونٌ احادي يفصلهما! إما أبيض أو أسود وإما جنَةٍ او نار، رفع عينه لمتعب : وصل شي؟ متعب : لا! بس اللي عرفته أنه الكل مجتمع عن رائد عبدالله : يارب أرحمنا برحمتك بس لا يصير شي يودينا في ستين داهية!! متعب بهدوء : بديت أتفاءل! لو رائد بيسوي شي كان سوَاه من الصبح ما انتظر كل هالساعات عبدالله : يمكن، إن شاء الله ما يصير الا كل خير . . خلَص أحمد من الأوراق؟ متعب : إيه كنت جايَ أقولك عنها، ليه ما نحقق مع أم فهد الله يرحمه؟ عبدالله : لأن مافيه فايدة من كلامها، كنت مخطط بس تجي الرياض أحقق معها لكن ما تركت فرصة وما أبي أجرجرها بطلب رسمي وإلى آخره وأنا عارف إنه لو عندها علم كان قالته لبنتها حتى!! متعب : بس الولد طلعت سمعته بالقاع! أكيد أمه تعرف وعشان كذا تنكر وتتخبَى عبدالله : الله يرحمه ويغفر له ماني قايل غير كِذا، المُهم أننا عرفنا سبب حادثة منصور وربَي يجيب سليمان على خير ونحاكمه متعب : أنا قلت ممكن تعترف بشي ثاني يفيدنا أكثر، عبدالله : مع أنه مافيه أيَ مجال للعاطفة لكن ما تنلام أمه، صدقني يا متعب لو جرَبت شعور إنه يكون لك ولد او بنت، مستعد عشانهم تتصرف بوحشية وعدوانية إتجاه الناس اللي حولك عشان تحميهم، ويمكن هي من النوع العدواني على الكل عدا عيالها!! متعب تنهَد : يمكن، بس أنت قلتها مافيه مجال للعاطفة، وأنا مقدَر شعورها لكن هي خلتنا سنة كاملة ماندري عن هالأسباب! يعني أجرمت في حقنا بعد عبدالله : هي ضرَتنا! ما نختلف بهالشي لكن عفى الله عنها وغفر لها متعب إبتسم : الله يآجرك على نيتك . . تآمرني على شي قبل لا أطلع؟ عبدالله : سلامتك متعب : الله يسلمك . . . أخرج عبدالله هاتفه ويتصَل على عبدالمجيد، أطالت الثوانِ بدقَاتِها حتى تأكد تمامًا أن عبدالمجيد أصبح عند رائد. نظر إلى الساعة التي تُشير إلى العاشرة مساءً بتوقيت ـ الرياض ـ ، أخذ نفس عميق حتى وقف وترك كل شيء بين يديْه، عاد لطبيعة عمله والقرارت التي تأتِ مُفاجئة للجميع رُغم انها تسبقُ عملاً شاقًا وتحليلاً طويلاً، أراد أن يستشعر لذة الإنتصار بعد مشقة وعناء بإتصال من عبدالرحمن أو سلطان، لو وصلهُ خبر القبض عليهم لا يدري كيف سيصف شعوره؟ إبتسم من فكرة ـ إنتهاء شبح رائد الجوهي ـ من هذه الحياة، إنتهاء شخص أضرَ بالجميع وأضرَ نفسه وهو يُدرك أنه سينتهي يومًا ما، إما بالسجن أو الموت، يُريده حيًا حتى يُسجن وينال عقابه وجزاءه كما ينبغي ليكون عبرةً للجميع، لن يكون إنتصارًا فرديًا لو تحقق، هذا الإنتصار لو حدث سيكون فضله بعد الله لسلطان العيد و عبدالرحمن و سلطان بن بدر و مقرن و عبدالمجيد و سعد و متعب و أحمد و أصغرُ فردٍ هُنا رأى سهرهم حتى آخر ساعة من الفجر على هذا الأمن، يالله لو يجيء هذا الإنتصار خاليًا من الشوائب وأعني بالشوائب إصابة من يعنينا أمرُه، كل رجلٍ مرَ وذاق حلاوة معرفة الحقيقة رحَل، بدأها سلطان العيد وغادر، ثم أكملها مقرن وغادر والآن عبدالمجيد! و عبدالرحمن و سلطان بن بدر، أتمنى لا يغادرونا أيضًا. خرج من المكتب ليتجه ناحية مكتبٍ مكتظ بالعاملين، وضع ورقة على الطاولة : هذا أمر مختوم بمُصادرة منزل رائد وسليمان رفع أحمد عينه بدهشة من أمرٍ كان على رفَ الإنتظار لسنواتٍ طويلة خشيَة من القوة المتصلة ببعضها البعض، والجماعات المتكاثرة حولهم، كان لابُد من تدميرهم واحدًا تلو الواحد حتى يتم القبض عليهم بسهولة، كان لابُد من إستئصالهم من جذورهم وليس قطعهم بالقبض فقط! هذا الأمر يعني أن هُناك أخبارًا سعيدة من باريس، ولكن إلى الآن لم يصل أيَ خبر. عبدالله : خلال ساعة وحدة أبي هالأمر نُفَذ على أكمل وجه أحمد وقف بإبتسامة : أبشر خلال ساعة راح توصلك الأخبار الحلوة بإذن الله . . . خرج وهو يأخذ ورقة التبليغ، ليتم تنفيذها بصورةٍ فعلية وليست نظرية. ، إبتسمت حصَة بدهشة وهي تنظرُ إلى عائشَة، وقفت : جد؟ عائشة تنظرُ للكتب التي بين يديْها : هذا ماما الجوهرة يعطي أنا، وفيه يقرآ . . حصَة : إيوا؟ عائشة : وأنا يبي يصير مُسلم حصَة وضعت يدها على قلبها وبإبتسامة لا تُفارقها : أحس بشعور أم العروس .. وش ذا الفرحة؟ ضحكت عائشة دون أن تفهم معنى كلماتها : شنو يسوي الحين؟ حصَة : يالله لك الحمد والشكر، قولي معي .. و لا أقولك خلَي الجوهرة تكلمك عشان تفرح بعد عائشة وقفت بحماسَة وإبتسامتها تسكنُ ثغرها، رفعت حصَة هاتفها ومن شدَة الفرحة بدأت عيناها تدمَع بالإبتسامات الطويلة المستبشرة خيرًا. تحرَكت الجوهرة بصعوبة من سريرها حتى تأخذ هاتفها الذي وضعته أفنان بعيدًا عنها، تمتمت وهي تسيرُ بتعبِ الحمل الذي يجعلها لا تطيق شيئًا ولا تُطيق رائحة عطرٍ في غُرفتها. أجابت : ألو حصَة : لا يكون صحيتك؟ الجوهرة : لا ما كنت نايمة، صاير شي؟ خوفتيني حصَة بصوتٍ مُبتهج : مو صاير الا كل خير، عندي لك خبر حلو الجوهرة : وشو؟ حصَة : أنتِ معطية عايشة كُتب عن الإسلام؟ الجوهرة : إيه عطيتها قبل فترة طويلة حصَة : طيب كلميها . . الجوهرة بعدم إستيعاب : ألو بعد ثوانٍ قليلة أتى صوتُ عائشة الشغوف : السلام عليكُم الجوهرة بإبتسامة : وعليكم السلام، وحشتيني والله يا عيوش عائشة : انا بعد فيه يشتاق! أنا يقول حق ماما حصَة تو . . أنا قريت هذا كتاب كلَه الجوهرة : إيه؟ عائشة : أنا يبغى يصير مُسلم الجوهرة ضحكت بدهشة دُمجت بالفرح : تبغين تسلمين؟ عائشة : إيوا! والله أنا يبغى يصير مُسلم الجوهرة بفرحة كبيرة سقطت دمعتها من فكرة أنها سبب بسيط لإسلامها : قريتي كل الكُتب اللي عطيتك إياها وعرفتي كل شي؟ عائشة : إيوا أنا يقرأ كله كتاب، شنو يقول الحين؟ الجوهرة بإبتسامة بدأ صوتها يرتجف : طيب قولي معاي . . أشهدُ عائشة : أشهد الجوهرة : أنَ لا إله عائشة : أن لا إله الجوهرة : إلا الله عائشة : إلا الله الجوهرة ببكاء السعادة التي تقعُ في قلبها : وأشهدُ عائشة : وأشهدُ الجوهرة : أن محمدًا عائشة : أن مهمدًا الجوهرة : رسول الله عائشة : رسول الله الجوهرة بصوتٍ تُقاطعه أنفاسها المضطربة بالفرح : الحمدلله . . الحمدلله . . . الحين روحي صلَي طيب، صلَي ركعة عائشة بحماسة أنها تعلمت شيئًا : يقرآ فاتهة ؟ " فاتحة " الجوهرة ببهجة : إيوا الفاتحة و تعرفين وش تقولين بعدها؟ عائشة : أنا يشوف صورة كيف يسلَي " يصلَي " الجوهرة : تمام أنتِ الحين توضيتي صح؟ عائشة : إيه أنا يسوي وضوء قبل شويَا الجوهرة : فرحتيني كثييير، مدري كيف بنام اليوم من الفرحة عائشة : شلون ينام؟ الجوهرة ضحكت : لا ما أقصدِك! أقصد أنا لأني مررة فرحانة ماراح أقدر أنام . . فهمتي؟ عائشة : إيوا يفهم الجوهرة : إذا أحتجتي أيَ شيء، أتصلي عليَ في أيَ وقت . . طيب؟ عائشة : طيب . . أعطت الهاتف لحصَة . . الله يجعله في ميزان حسناتك الجوهرة : آمين، يا كثر سعادتي اليوم! أحس الأرض مو شايلتني حصَة : ما صدَقت يوم جتني، وقلت لازم أتصل عليك وأخليك بنفسك تنطقين لها الشهادة الجوهرة : يا بعد عُمري والله حصَة إبتسمت : يالله ما نشغلك أكثر والوقت تأخر، تآمرين على شي يا رُوحي ؟ الجوهرة : سلامة قلبك حصَة : الله يسلمك ، بحفظ الرحمن . . أغلقته لتخرج من غرفتها وتنزل بخطوات سريعة للأسفل جعلت صوتُ والدتها الحاد يأتِها بسُرعة : الجوهرة ووجع! تركضين وأنتِ توَك طالعة من المستشفى الجوهرة نظرت للعائلة المجتمعة في الصالة، بإبتسامة شاسعة : الليلة من أسعد ليالي حياتي عبدالمحسن إبتسم من أجل إبتسامتها : فرحينا معاك أفنان بضحكة : لحظة خلينا نخمَن والدتها : لا قولي وش تخمينه جعلك اللي مانيب قايلة . . وشو الجوهرة وقفتي قلبي؟ الجوهرة : توَ أسلمت شغالتنا في الرياض، عطيتها كتب قبل فترة لكن يومها طوَلت توقعت إنها ما أقتنعت بالإسلام أثاريها طول الوقت تقرأ فيهم والدتها ببهجة : ياربي لك الحمد . . تعالي خلني أخمَك الجوهرة بضحكة جلست على ركبتيها عند أقدام والدتها لتعانقها وهي جالِسة : يممه لو تدرين وش كثر فرحانة! أحس قلبي يرتجف من الفرحة عبدالمحسن : يا عساها تشفع لك بإيمانها يوم القيامة الجوهرة قبَلت جبين والدتها : آمين يارب . . ياليتها قدامي وأحضنها كِذا لين أقول بس! جاني شوق مفاجئ لشوفتها عبدالمحسن : كلمتيها؟ الجوهرة بحماس : وخليتها تنطق الشهادة بعد . . أفنان : الله يرزقنا هالفرحة بس! أغبطك جربتي فرحة إسلام شخص وجربتي ختم القرآن الجوهرة : أنا شكلي بحسد نفسي الحين على هالفرحة، يالله لك الحمد والشكر أفنان إبتسمت : آمين يارب . . بالله أسرقيها كم يوم وخليها تجينا الجوهرة : ياليت والله دخل ريَان وتبعته ريم : السلام عليكم : وعليكم السلام والرحمة رفع ريَان حاجبه من الضحكات التي تنتشر بالأجواء : فرحونا معكم عبدالمحسن : شغالة سلطان أسلمت على إيد أختك ريَان إبتسم : جد؟ . . الله يرزقك أجره الجوهرة : آمين ويرزقك ريم بإبتسامة : الله يديم فرحتك بس الجوهرة : آمين . . ـ وبعفوية نسَت كل حزنٍ في حياتها ـ أحس بشعور إنها بنتي أو شي زي كذا، المهم سعادة كبيرة أفنان ضحكت : شكل الوعي بيغيب من الفرحة! الجوهرة بضحكة : تعرفين شعور اللي ودَك ترقصين ودَك تنقزين ودَك تركضين ودَك تفجرين طاقة الفرحة كلها ريَان الذي لم يشاهد الجوهرة بهذه الفرحة منذُ مدةٍ طويلة، بإبتسامة : أنتظري لا ولدتي فجرَي هالطاقات الحين لازم تنتبهين للي في بطنك الجوهرة إلتفتت عليه وأبتسمت : برقص مع ولدي أصلاً أفنان : يخي ياليتها أسلمت من زمان دامها بتخلينا نشوفك تضحكين كِذا والدتها : إيه والله، يا عساك دوم مبسوطة الجوهرة أضاءت عيناها بالدمع، أردفت والدتها : قلنا نبي نشوفك مبسوطة مو تبكين الجوهرة إبتسمت : والله مبسوطة ريم : على هالفرحة بودَي لشغالتنا في الرياض كُتب عن الإسلام خلنا نجرَب شعورك الجوهرة : أصلاً الدعوة إلى الإسلام واجبة، مايجوز إنه الخدم يرجعون لبلادهم وأنتم ما بلغتوا عن الإسلام بشي! بكرا الحجة بتكون عليك يوم القيامة ريم أخذت نفس عميق : لا إن شاء الله خوفتيني، بكرا أكلم أمي تعطيهم كُتب . . أفنان : أنخرشتي يا بنت عبدالله؟ ريم بضحكة : تحسبيني بجلس أطالعك! عاد كل شيء الا واجبات الدين مافيها إستهتار، أفنان : عاد والله قبل كم سنة سوينا حملة بالجامعة، مدري العيب فيها ولا فيهم محد أسلم منها . . مع إنه الأسلوب كان لطيف ريَان : أنتِ مو مكلوفة تخلينهم يؤمنون، أنتِ مطلوب منك إنك تبلغين الإسلام بحسب قُدرتك وصلاحياتِك يعني ماهو واجب عليك تروحين وتسافرين وتنشرين الإسلام لكن واجب عليك بمُحيطك إذا وُجد أفنان : شكرًا على النغزة المبطنة، تطمَن ما عاد بسافر بدونكم ريان بضحكَة صاخبة : والله ما كنت أقصدك بس أنتِ ينطبق عليك يحسبون كل صيحة عليهم عبدالمحسن بإبتسامة : بالله؟ كأننا ما نعرف أسلوبك أفنان : شفت حتى أبوي كشفك! واضحة أساليبك ريَان إبتسم : أستغفر الله، والله ما كنت قاصدك كنت أقصد المضمون أنه واجبات الإسلام حسب القُدرة والشخص نفسه يعني أكيد واجبات الرجَال غير البنت أم ريان : يا زين هاللمَة أفنان : يمه أنتِ اليوم تحسسينا إننا عايلة ما نشوف بعض الا بالسنة مرَة، أم ريان ضربتها على كتفها : إيه والله كلكم في غرفكم لا تطلعون ولا نشوفكم!! هذا وإحنا في بيت واحد أفنان قبَلت كتفُ والدتها الذي يجاورها : نومي متلخبط ولا كان جلست عندك العصر عبدالمحسن : الجوهرة تعشيتي؟ الجوهرة : مآكلة المغرب ونفسي منسدَة، . . وقفت . . بروح أنام الجوهرة مشت بخُطى لا تتحكم بسُرعتها، والدتها : أمشي بشويش مو كِذا الجوهرة بضحكة تسيرُ على أطراف أصابعها : كِذا يعني؟ والدتها : يا ملكَعة الجوهرة إلتفتت عليها : امزح طيب . . تصبحون على خير : وأنتِ من أهل الخير صعدت للأعلى وهي تشعرُ بنشوة الفرح في قلبها، دخلت الحمام لتتوضأ، صلَت ركعة شُكر لله على هذه الفرحة التي تأتِها دون سابق إنذار. لا أحد سيفهم معنى الفرح إن جاء من شخصٍ ليس بالقريب، يكون فرحًا شاهِقًا لا يُثبَط علوِه أحدًا غير الذي أوجده، لم أفرح كهذه الفرحة منذُ مدَة طويلة حتى شعرت أنني فعلاً انسى طعم الفرح ولكن أيضًا لا قُدرةً تُضاهي قوة الله ولا كرمًا يُضاهيه عندما يُرزق عبده، ممتنة لك يالله على هذه الليلة وعلى هذا العُمر بأكمله، مُمتنة للدين الذي يخلقُ من أبسط الأشياء، سعادة. ممتنـة للحياة التي بقدر ما تُحزني بأسبابٍ عديدة إلا أنها تُفرحني بسببٍ واحد، يالله! " وش كثر السعادة جميلة! " في جهةٍ اخرى كانت تتحدَث مع إبنتها : و اليوم أسلمت العنود ببرود : طيب الحمدلله . . حصَة : الشرهة بس على اللي يكلمك ومبسوط العنود : وش أقول يمه بعد، يعني ما تعني لي شي عشان أفرح لها . . حصَة : المهم قولي لي وش أخبارك؟ العنود : بخير الحمدلله حصَة : وماجد؟ العنود بحماس : عال العال، بيجيه نقل إن شاء الله لفرع الوكالة بلندن، متحمسة كثير أعيش هناك وأستقَر بعد، ماعرفت أتكيَف هنا أبد، على الأقل هناك عندي صداقات حصَة : الله يسهَل عليكم، ولو أنه ودَي تتكرمين علينا وتجينا الرياض العنود : والله يمه مشتاقة لك بس هرمون الكره للرياض مرتفع عندي! حصَة بسخرية : مررة مرتفع ماشاء الله بس لو حفلة لصديقة من صديقاتك نطَيتي!! العنُود : ولا تزعلين بقول لماجد يحجز لنا على الأسبوع الجايَ حصَة : وش أبي في زيارة مو جاية من طيب خاطر؟ العنُود بضيق : يعني يمه وش أسوي؟ أقولك ماني طايقة الرياض وجيَتها ما يرضيك أقولك بجيك ومايرضيك بعد!! حصَة : الله يصلحك بس، العنود : آمين ويصلحنا كلنا . . حصَة : طيب ماودَك تصيرين أم وتفرحيني؟ ودَي يجيني منك خبر يثلج الصدر العنود بإندفاع : لا بسم الله عليَ حصة بإستغراب : وش بسم الله عليك! هذولي نعمة من ربي وزينة حياتِك العنود : معليش يمه بس أنا في الوقت الحالي ماني فاضية ولا أنا مستعدة لفكرة الأم والقرف ذا! حصة : يارب لا تسخط علينا! أنتِ تتكلمين بوعيْك؟ العنود : أصلاً ماجد بعد ما ودَه، إحنا الإثنين ما يصلح نجيب عيال على الأقل في الثلاث سنوات الجاية بعدها إن ربي كتب ندرس مشروع العيال حصة : تدرسون؟ . . خلف الله عليكم بس العنُود : يمه لازم تحطين في بالك إني ماراح أجيب عيال بس عشان أجيب وبكرا الله يبلاني فيهم، أنا لا بغيت أجيب عيال أبي أجيبهم وأربيهم تربية سنعة وأدرَسهم صح، وبعدين يمكن أنا وماجد نتطلق! يعني لازم بعد أنا وياه نكون على وفاق حصة : كل هالفترة وأنتِ منتِ معه على وفاق؟ العنود : إلا بس يعني مدري وش بيصير بعدين! ما أبي أحمل وبعدها الطفل يتشتت حصَة : هذا الكلام ليْ ؟ العنود : لا طبعًا حاشاك، أنا بس أقصد فكرة تربية الطفل صعبة ومحتاجة دراسة قبلها عشان نقررها أنا وماجد حصَة تنهدت : أنا أقول تصبحين على خير قبل لا يرتفع ضغطي ، وضعت عبدالله الصغير في سريره الناعم، إلتفتت عليه : ليه ما تروحون الصبح؟ مو زين سفر الليل! منصور : عشان نوصل الصبح ونلقاهم، لأن بعد مو معقولة نطق بابهم بليل ونقول نبي نشوف بنتكم!! نجلاء : طيب براحِتك، منصور إبتسم : يا زينك وأنتِ عاقلة نجلاء رفعت حاجبها : ليه وش كنت طول الفترة اللي فاتت ؟ منصور : أبد هادية وما تتهاوشين مع مرت يوسف ولا تقولين لها شي نجلاء : تتطنَز؟ لعلمك إلى الآن ما أطيقها بس متقبلتها بصدر رحب عشانِك أولاً وعشان يوسف منصور : البنت ما تستاهل كل هالكره منك! لو كنتِ مكانها كان ذبحتينا! يعني فقدت أخوها وأمها ما وقفت بصفَها وش تبينها تتصرف معك؟ أكيد بتكون عدوانية!! نجلاء : إيوا كمَل دفاع عنها وكأنها هي صاحبة الحق في الموضوع!! منصور : أنا أدافع عن الحق، هي فعلاً ما تستاهل كل هذا نجلاء : إذا رحت هناك خلَ بينكم ثالث منصور تنهَد : شكرًا على ثقتك الكبيرة فيني نجلاء : شفت زعلت من كلمة وأنت تقولي معلَقات وتبيني أقول ماشاء الله على حبيبي اللي يدافع عن الحق منصور : نجلا يا روحي أفهمي! هذي زوجة أخوي اللي ما قصَر معي بشي ويوم أستفزعته فزع ليْ! وش تبيني أسوي؟ أشوفه مقهور وأسكت! طبيعي بروح لها وبفهمها نجلاء : ويوسف يستاهل من يفزع له ما قلت شي، بس تقهرني لما تحكي عنها يخي لا تدافع وأنت ما شفتها ولا سمعت كلامها معنا منصور : قلت لك البنت مقهورة طبيعي بتتكلم معكم كِذا! أجل تبينها تآخذكم بالأحضان؟ نجلاء أخذت نفس عميق : طيب طيب . . خلاص سكَر الموضوع ولا تتأخر على علي . . رفعت الفراش ودخلت به لتُغطي جسدها، نظرت إليه مازال واقفًا يتأملها : ماتضايقت تطمَن. منصور إبتسم ليجلس على السرير، أنحنى بظهره ليُقبَل خدَها : تصبحين على خير نجلاء إبتسمت رُغمًا عنها : وأنت من أهله ، أتصل علي بس توصل منصور : إن شاء الله . . وقف وأخذ هاتفِه : فمان الله خرج ليلقى يوسف بوجهِه، عقد حاجبيْه : وين رايح بهالليل؟ منصور بتوتر : آآ . . مشوار يوسف : مشوار؟ الحين؟ منصور : بتحقق معي؟ يوسف تنهَد بتعب : حقَك علينا . . صعد الدرج ليتجه ناحية غُرفته، دخل وهو يضع قدمه اليمنى خلف اليسرى وينزع حذاءه ويُكرر الحركة مع قدمِه اليمنى، رمى نفسه على السرير بإرهاقٍ واضح دون أن يغيَر ملابسه، نامت عيناه لثوانٍ حتى اهتز هاتفه بجيبه، أخرجه دون أن يفتح عينه، أنزلق الهاتف منه بحركة يده التي دفعته ليصل لقدمه وببطء شديد كان يسحبُه بساقِه دون أن يُكلف نفسه بأن يجلس ويأخذه بيدِه، بعد دقيقتيْن وصل الهاتفُ إلى أصابعه، نظر إلى المكالمة الفائتة ـ علي ـ، دخل ـ الواتس آب ـ وكتب له " وش تبي ؟ صوتي ماله خلق يرَد " علي " كنت بسألك عن منصور بس خلاص أذلف " يوسف " وش مشواركم ؟ " علي " مشوار خاص " يوسف " مالي خلق أضحك والله " علي " أصلاً أنت لك خلق لشي؟ " يوسف " أقول علمني بس ماني نايم لين أعرف وش عندكم ؟ " علي " هههههههههههههههه أذبح نفسك من الفضول " يوسف " أخلص عليَ يا حيوان " علي " تأدب معي وقول لو سمحت يا علي ممكن تعلمني وبعدها أفكر " يوسف " يا حيوان ممكن تعلمنن ؟ " علي " ذبحتك الحايلية حتى كلامك تغيَر! " يوسف بقي لثوانٍ " متنَح " حتى أستوعب كلمته، إبتسم " شايف؟ بس لعلمك تراها ما تحكي حايلي . . يالله خذ وجهك معك " علي " طيب يا ولد عبدالله " يوسف أغلق هاتفه ووضعه جانبًا، نظر إلى الباب الذي يُفتح، إبتسم لوالدته : هلا يمَه والدته : جيت أتطمن عليك، اكلت شي؟ يوسف : والله يا يمه ماني مشتهي شي، بنام عشان بكرا أصحى بدري و أوَدي أهل فيصل للمستشفى والدته : شوف عيونك كيف ذبلانة؟ من قلة الأكل والنوم، قوم أكل لِك شي يوسف برجاء : تكفين يمه خليني أنام والله ماني مشتهي! لو أشتهيت تعرفين ولدِك يهجم على الأكل والدته أقتربت منه : حتى تعيجزت تغيَر ملابسِك؟ يوسف بإبتسامة : لأني ميَت أبي النوم والدته ترفع الفراش لتُغطيه : نوم العوافي يا قلبي . . . ، تكتفت وهي تنظرُ للفراغ الذي أمامها ولظلَ سارة فقط : أكيد رجعوا للرياض! وما كلَف عُمره يقولي تراني رايح!! الله يلعنه هو وياها سارة إلتفتت بحدَة : أثييير! قولي أيَ كلمة معفنة بس لا تلعنين أثير : أستغفر الله، يا عسى حوبتي ما تتعدَاها!! بموت من القهر ماراح أرتاح لين أشوفها! سارة عقدت حاجبيْها : يمكن ما راحوا! يعني يمكن رجعت لأبوها وجلس معاها بفندق أو بأي مكان ثاني أثير : متهاوش مع أبوها مستحيل يرضى يجلس عنده! أكيد رجع الرياض . . الله يقهرها مثل ما قهرتني سَارة : أمشي نطلع وأوصلَك البيت أثير ضربت بقدمها الأرض : يارب أرحمني بس . . . في جهةٍ أخرى مازالت نائمة على السرير والسكينة تنتشرُ من حولها، يدخلُ عليها بين حينٍ وآخر ممرض يطمئن عليها ويخرج دون أن يصدر ضجيجًا يوقضها، ومازالت الأجهزة تتصلُ بيدِها وملامحها السمراء الناعمة يُغطيها الجهاز الذي يبعثُ الأكسجين بأسلاكِه. المنوَم كان أثرهُ قويًا لدرجة أنها بقيت نائمة إلى الآن منذُ الصباح. وعلى بُعد مسافاتٍ طويلة، وتحت سقفٍ مختلف يضمُ ألوانًا من المتفجرات الغازيـة، وقف رائد وأنسحب من الغرفة مع إبنه وهو يُغلقها جيدًا و رجالِه الإثنين في الداخل يُراقبان الوضع عن كُثب، لفظ قبل خروجه : موعدنا الصبح راح أوقَع عقدي مع آسلي، وما راح تتدخلون بأيَ بضاعة مُشتركة بيننا. وهذا اللي أتفقنا عليه عبدالرحمن إلتفت لعبدالمجيد : وش صار لها؟ عبدالمجيد : تطمَن هي بخير، تعرف أفلام رائد إصابتها مو كبيرة لكنه يبالغ عشان يستفزك رفع عبدالعزيز عينه إليهما، ليقف ويتجه ناحية النافذة، أعطاهم ظهره وأدخل كفه المجروحة من الزجاج في جيب بنطاله وعيناه تتأمل سماء باريس المُضيئة بالنجوم. سلطان أنحنى بظهره وهو يطوَق رأسه بكلتا يديْه، هجم عليه الصُداع ولم يُبقي به خليةً صالحةً للتفكير. عبدالمجيد : سلطان . . سلطان : مستحيل يصير فينا كل هذا! كيف نسمح له؟ عبدالرحمن : ماعاد بإيدنا حيلة!! سلطان : إلا، لازم نتصرف ونوقَف هالفوضى!! هو عرف كيف يلوي ذراعنا لكن إحنا قادرين نلوي له ذراعه بعد!! ليتك ما جبت فارس! لو هددناه فيه مثل ما يستعمل أسلوبه الوصخ معنا!! كان ممكن نحلَ هالموضوع عبدالمجيد : قلت لك لا تهتَم سلطان بغضب صرخ : لا تقولي لا تهتَم، هذا شغلي اللي مكلَف فيه ماني جالس ألعب عبدالرحمن بحدة : صوتِك!! . . لا يعلى سلطان وقف وهو يتنهد : أستغفر الله بس!!! إلتفت عبدالعزيز عليهم بنظرةٍ لا تدلُ على معنى ثابت إلا أنها تحملُ كرهًا شديدًا، عاد بأنظاره للنافِذة دون أن يشاركهم الحديث بكلمة. عبدالرحمن نظر إليه وهذه الفرصة الوحيدة التي يستطيع أن يشرح له دون تدخل رائد بالمنتصف، وقف وأقترب إليه : عبدالعزيز . . عبدالعزيز لا يُجيبه بشيء، أردف : أسمعني للآخر وبعدها أحكم على كيفك . . والله إني شايل همَك فوق همَي ولا يُبادله بغير الصمت، واصل بحديثه : أنت تعرف نية رائد وتدري وش مقصده بكل هذا! يبي يشتتا ويضعفنا بضعف ثقتنا في بعض، حتى أستخدم سليمان اللي ضدَه معاه! كل هذا عشان يزعزعنا، ما كان عندنا علم بتفاصيل الحادث، عرفناها مثل أيَ شخص وقلت لك كثير إننا ما ندري، ولمَا عرفنا ما قدرنا نقولِك، أنت متخيَل إنه لو عرفت بموضوع إختك بعد الحادث، راح تجذب العيون كلها لِك وبهالوقت أبوك ماهو فيه عشان يحميكم ويشرح لكم! كان واجبنا إننا نبعدك عن هالأشياء ونحاول نوصل لوقت مناسب نشرح لك فيه كل شي، أنت فكَر لو عرفت وأنت بوسط معمعتك مع رائد و إنتحالك لصالح؟ وش كان بيصير؟ أنت عشان كلمة بسيطة مننَا رحت عند رائد وقلت له إنك زوج بنتي! أفهم يا عبدالعزيز إنك إنسان عصبي لو كنت إنسان هادي كان ممكن أشياء كثيرة تغيَرت، لكن كنَا ندري إننا ما وصلنا للحُب في قلبك عشان تتقبَل موضوع إخفاءنا لخبر أختك، كنا ندري إنك بتثور في وجهنا وتتصرف بأشياء الله أعلم وش كانت بتكون!! كل الظروف في ذيك الفترة خلتنا نقول معليش بنأجل هالخبر لفترة ثانية يكون عبدالعزيز جاهز لها، ما حاولنا نضرَك بشي! ولا خططنا للحظة إننا نضرَك! حتى في البداية يوم قلت لك إبعد عن أيَ علاقة وصداقة كان قصدي ما أوجعك! ماكنت أبيك تضيق وتحزن على أحد، كنت أبيك تشغل نفسك وتشغل يومك كله من صبحه لين ليله بالشغل، والله كنت أبيك مكان أبُوك الله يرحمه وكنت عارف إنه ثقتي بقدرتك على الشغل في محلها، ساعدتنا بأشياء كثيرة، لا تجي بالنهاية تبعثر كل شي . . لا تسامحنا لكن لا توقف ضدَنا! لا تشمَت أحد فينا!! عبدالعزيز : خلصت؟ عبدالرحمن : أقسم لك بالعلي العظيم اللي خلق فيني هالروح وأنطق لساني إني أخاف عليك وكأنك ولدِي وإنه سلطان نفسه يغليك من غلا أبوك ولا حاول ولا حتى فكَر إنه يضرَك بشي بالعكس حتى حدَته معك كان يحاول فيها إنه يكسبك ويمحي كل الحواجز اللي بينكم! ولا واحد فينا حاول يضرَك أو يسيء لك . . أحلف لك بالله يا عبدالعزيز، و من حلف لكم بالله فصدقوه . . عبدالعزيز إلتفت عليه بكامل جسدِه : أعرف شي واحد بهالحياة، إنه الجزاء من جنس العمل، اللي صار فيكم هالفترة أثق إنه جزاءكم وهذا أقل من اللي تستحقونه فعلاً عبدالرحمن : عبدالعزيز اللي تسويه يكسرك قبل ما يكسرنا!! عبدالعزيز : ما بقى فيني ضلع ما كسرتوه! وش باقي عشان أكسره؟ عبدالرحمن : حط عقلك في راسك وفكَر بمنطقية ليه سوينا كِذا؟ وبتعرف إنه كل شي وكل تصرف سويناه كان عشانِك وكل خطأ صار ماكانت بدايته منَا، لكن أشتركنا فيه لمَا عرفناه لكن بعد مو بإيدنا! أحيانًا نتصرف بأشياء خارج إرادتنا ورغبتنا، أبدًا ماكانت رغبتنا إننا نبعدها عنَك، لمَا جيت باريس كنت أقول لمقرن أشياء ماني مقتنع فيها لكن ماكنت أقدر أقوله الله يرحمه غير إني أشوفك مناسب وإنك أنسب شخص ممكن يخدمنا وإنه ما وراك احد! لكن هذا ما يعني إني بغيت مضرَتك وإنه حياتك ما تهمني، بعدها عرفت بموضوع غادة وماكان بإيدنا حلَ ثاني! ماكنا ندرِي عن سليمان وكنَا نتوقع إنه قوة رائد متشعبة وإنه في كل جهة راح يواجهنا هالرائد!! كان لازم نبعد إختك عشان ما يضرَها أحد، صحيح اعتمدنا على مقرن في هالموضوع لكن ما كنَا ندري بعد إنه مقرن مجبور وخاضع لتهديد من طرفهم! . . عبدالمجيد وقف : أبوك يا عبدالعزيز ما تقاعد كِذا بدون سبب منطقي! تقاعد عشان يبعد الأنظار عنه ويشتغل براحته لكن مع ذلك قدر يتسرب خبر معرفته بأدلة قوية وشغله فيها لرائد اللي ظلَ يهددها فترة طويلة حتى يوم الحادث اللي دخل فيه سليمان على الخط، كل التفاصيل عن الحادث عرفتها لكن أعرف شي واحد، إنه أبوك الله يرحمه بعد تقاعده أشتغل و سلَمني كل شي، كنت معاه لحظة بلحظة وإحنا نكتشف أمر سليمان ونحاول نحاصره، لكن ما كمَل أبوك وأخذ الله أمانته، وكمَلت اللي بداه مع مقرن وكنت عارف إننا نرتكب أخطاء كثيرة بحقَك يا عبدالعزيز وبحق حتى سلطان وبوسعود، لكن كنَا مجبورين عشان نكمل بحثنا ونتصرف معهم، سليمان اللي أكتشفناه أنا وأبوك قبل أكثر من سنة، قبل كَم يوم عرفوه بوسعود وسلطان! يعني حتى خبر يهم شغلهم ويحدد مصيرهم توَهم يعرفونه!! يعني فيه أشياء ما نقدر نقولها ماهو رغبة منَا لكن غصبًا عنَا، ولو أبوك عايش كان بيقولك نفس الكلام! بيقولك إننا أحيانًا نضطر نخبي جُزء من الحقيقة عشان ننجح بشغلنا! فيه أشياء كثيرة شافوها سلطان و عبدالرحمن وأنخدعوا فيها مننَا لأن كانت المصلحة وقتها إنهم ما يعرفون! وأنت بعد المصلحة وقتها كانت تقولنا إنه ماهو لازم تعرف الحين! و كنَا بنقولك بوقت مناسب، لكن سليمان أستغل الفرصة وطلَعنا بعيونك ناس حقيرة ما تفكَر فيك والحين رائد بعد كمَلها . . سلطان من مسافةٍ طويلة بعيدًا عنهم : أكرهنا ماراح نجبرك تحبنا، ولا راح نجبرك تسامحنا، نبيك بس تفكر بأسبابنا وتفهمنا عبدالعزيز نظر إلى سلطان، أكمل بنبرةٍ صادقة : ماهو بإيدنا، ماهو كل شي نبيه يتحقق لنا عشان سُلطتنا، لا يا عِز! أحيانًا تتحقق أشياء كثيرة رافضينها لكن مضطرين نتعامل معها وتعاملنا معها ماهو يعني موافقتنا عليها ونفس هالشي ينطبق على غادة عبدالعزيز : لمَا ماتوا أهلك كم ضلَيت ما تعرف بالموضوع؟ . . يوم . . يومين . . ثلاث . . أسبوع؟ سلطان : شهر ونص عبدالعزيز : وأنا أكثر من سنة يا سلطان، حرقتوني! وتقولون معليش ماهو بإيدنا، تذبحوني وتقولون بعد معليش ما قصدنا نآخذ من عُمرك حياته، وأنا معليش بعد! لا تطلبون مني فوق طاقتي! لا تحاولون تقهروني اكثر بأسبابكم اللي ما تشفع لكم!! سلطان : وهالأسباب اللي ما تشفع لنا تخلَيك ترفع سلاحك على واحد فينا؟ عبدالعزيز : أسألك بالله لو أنت مكاني كان تقبَلت الموضوع بصدر رحب؟ أنا لو بإيدي الحين أنهيكم من على هالأرض سلطان : ماراح أتقبَل لكن ماراح أوقف ضدهم عبدالعزيز : همشتَوني بما فيه الكفاية سلطان بغضب والضيقُ يغزو محاجره : لا صار على كتفك أمن وأمان شخص واحد بتعرف شعورنا الحين فما بالك بأرض وخَلق!! لا عرفت قيمة إنك ما تقدر تنام من التفكير بتفهم ليه سوينا كِذا؟ بتعرف إننا أحيانًا نمشي ونكمَل وإحنا مقتولين من الداخل!! تحسب أبوك مايعني لي شي؟ أبوك كان كل حياتي، لو أقولك ربَاني ما كذبت! وأنا رجَال طول بعرض أعاد كل أفكاري وربَاني عمليًا، بعد الله هو صاحب الفضل باللي وصلت له الآن، وتحسبنا جدران مالنا إحساس؟ بعد وفاة أهلك كنا أكثر ناس منهارين من داخلنا! وأنا فقدت أبويْ! أبوي اللي ما حمَل دمَي لكن حملت قلبه معي وين ما رحت!! لو كان لي القدرة بأني أعرف أنه كل هذا راح يصير كان حبسته بعيُوني وما خليته يروح مكان! لو كنت أدري بموضوع سليمان كان حاولت أوقفه حتى لو على حساب منصبي!! مو وحدِك اللي واجهت الموت والفقد يا عبدالعزيز! كلنا فقدنا ناس نحبَها وكلنا جرَبنا الموت، أنا أسوأ شخص ممكن تقابله في الحياة العاديَة وأتمنى إني ماني سيء كثير بالحياة العملية! وش تبي؟ وش تطلب؟ تبينا نعتذر؟ أنا أقولها لِك قدامهم الحين أنا آسف، أنا آسف يا ولد أبُويْ! تبينا نبرر لك؟ بررنا لِك؟ وش تبي منَا بالضبط؟ تبينا نبعد عنك ولا عاد تشوفنا؟ أبشر، كمَل حياتك بالمكان اللي تبيه، ماعاد راح نتدخل فيك ولا راح نجبرك تشتغل أو حتى تجي الرياض، بس نبي منك شي واحد! لا تضيَقها في وجهنا! ماندري إحنا نحيا بكرا ولا نموت، لا تضيَقها علينا وأنت تدري إنه نيتنا إتجاهك سليمة من كل هذا. عبدالعزيز وهذه النبرة الصادِقة تًضعفه و " آسف يا ولد أبُوي " مُتعبة بإتكاءها على قلبِه الهزيل. للمرةِ الثانية يعتذرُ ليْ! وأنا الذي سمعتُ من الجميع أن ـ آسف ـ لا يعترفُ بها سلطان ولا تخرجُ من شفتيْه، ماذا يعني أن يقولها ليْ؟ ماذا يعني أن يخصَني بها؟ أُريد أن أصدَقك ولكن كل شيء بما فيهم قلبي يُقيم حاجزًا بيني وبينكم، أشعرُ بمرارةٍ أكبر من كل شيء، وأشعرُ أن الدمع يحتبسُ بقلبي ويملئه حُزنًا في هذه الليلة، أشعرُ بأنني أحتاجُ بشدَة لأبي، محتاج أن أضع رأسي في حُجره وأشرح له حُزني، ـ يُبه ـ أشتقت أن أقولها! يا مآساتي الكبيرة و يا حُزني! مهما قُلت أعتدتُ الفُقد تصفعني الحاجَة، الحاجة لكلماتهم الخافتة و سكينة حضورهم، لو أنني ظفرتُ بدقائق أخيرة مع أبي قبل أن يرحَل، قبل أن يُغادرني ويتركني على غصنٍ جاف، يُحييه بكاءي في كل مرَة، أشتقتُك هذا كل ما في الآمر. ـ |
النهايـة | الجُزء 81. تَعيشُ أنْتَ وَتَبقَى أنَا الذي مُتُّ حَقّاً حاشاكَ يا نورَ عيني تَلْقَى الذي أنَا ألْقَى قد كانَ ما كانَ مني واللهُ خيرٌ وأبقى ولم أجدْ بينَ موتي وبينَ هجركَ فرقا يا أنعمَ الناسِ بالاً إلى متى فيكَ أشقى سَمِعْتُ عَنكَ حَديثاً يا رَبِّ لا كانَ صِدْقَا حاشاكَ تنقضُ عهدي وعروتي فيكَ وثقى وما عَهِدْتُكَ إلاّ من أكرَمِ النّاسِ خُلْقَا يا ألْفَ مَوْلايَ مَهْلاً يا ألْفَ مَوْلايَ رِفْقَا لكَ الحياة ُ فإني أمُوتُ لا شَكّ عِشْقَا لم يبقَ مني إلاّ بَقِيّة ٌ لَيسَ تَبْقَى ـ بهاء الدين زهير. ، شحَب لونُها من الأرق والبُكاء، إلتفتت لتنظر إلى غادة الغارقة بالتفكير، أخذت نفس عميق لتقف وتجلسُ بمقابلها : ليه ما نمتي؟ غادة : مافيني نوم ضيَ : سمعتي عبير بنفسك، قالت أنهم بخير الحمدلله بس هالمرَة شكله شغلهم مطوَل، غادة بعينٍ تدمَع وبكلمةٍ مكسورة تعبرُ صوتها بعكازة البحَة : بتطمَن بشوفتهم، مشتهية أفرح، كل مافرحت صارت مصيبة لين بديت أخاف حتى من إحساسي بالسعادة، ودَي بس لو مرَة تتم اموري بدون لا يطلع لنا همَ جديد ضيَ وضعت كفَها فوق كفَ غادة الدافئـة كعينيْها بهذه اللحظة، سُبحان من خلق هذه العينيْن ودقَتها، وأقتبسَها من عينيَ عبدالعزيز بذاتِ الدقَة، إن عيناهُم ـ قتَالة ـ بالوَجع، وأنا أشعرُ برعشة حزنهم، أن تقف بالمنتصف دون أن يجاورِك أحد، لا أُم تُخفف وطأة الحياة على قلبِك ولا أبَ يقرأ على رأسِك ـ آيات السكينة ـ كلمَا تزعزع أمنك، الوِحدة أن تكون الشمسُ فوقنا تحرقُ أجسادنَـا وتُبقي الروح بارِدة / مرتجفة. من يُدثَر الروح؟ لا شيء كقُرب الحبيب، أشعرُ بِك يا غادة وبهذا الحُزن المصطَف في رمشِك. غادة بصوتٍ مخنوق : يا رب رحمتِك ضيَ بإبتسامَة ناعمة مسحت دمعُ غادَة بأطرافِ كفَها : نامِي وارتاحي، وإن شاء الله الصباح يجينا خبر حلُو، أدري إنك تحسين بالوحدة هنا لكن كلنا جمبك، وعبدالعزيز يهمَنا والله غادة بلعت ريقها بصعُوبة ومحاجرها تكتظَ بالدمع : بحاول أنام . . ضيَ نظرت لعبير التي نامت أخيرًا وشعرُها المبعثر يُغطي نصف ملامحها، اقتربت منها لتُغطيها جيدًا بالفراش، وضعت يدها على بطنها، تجمدَت خُطاها اول ما شعرت بإهتزازته وحركته الخافتة في رِحمها، قفزت الإبتسامة إلى شفتيْها ودمعة رقيقة تعبرُ خدَها الأيمن. هذه الأمومة تأتيني بفرح أكثرُ مما أستحق، لا أدري كيف أجازي هذه السعادة بشُكرٍ يليق بالله! أنا ممتنة حتى للأيام السينة التي جعلتني أشعرُ بحركة أبني، ممتنـة للحياة الناعمة التي تجيئني كلما تذكَرت أنني / أحملُ طفلاً في أحشائي، لو انَك معي يا عبدالرحمن الآن؟ لو أنَك تشعرُ بزوجتك وحبيبتك و إبنتك أيضًا! لو أرى عيناك وهي تبتسمُ لحركاتِه في بطني، ليتني أراها الآن وأشرحُ لك مقدار الحزن في بُعدِك ومقدار موْتِي في غيابك، يالله يا عبدالرحمن! تمكَنت من قلبي حدُ اللا حد. ، في الصبَاحِ الباكر، على بُعدِ بُضع كيلومترات من حائل، إلتفت لمنصور : نريَح شوي ولا جاء الظهر رحنا لهم منصور : إيه شف لك أيَ فندق على الطريق ننام كَم ساعة علي وضع يده على فمه وهو يتثاءب : جاني النوم، تعال سوق بدالي لين نلقى لنا فندق منصور : لا تكفى واللي يرحم والدِيك ميَت أبي النوم علي : الله لا يبارك في العدُو، كله بيوت ماهنا فندق!! منصور : إذا مالقيت شف لك أيَ ظلال وأوقف عندها، ننام بالسيارة لأن طاقتي طفَت علي : شف الجو غيم! شكلها بتمطر . . الله يرزق الرياض المسكينة منصور : قبل كم يوم مطرت الرياض علي : قصدِك رشَ!! ووقف بعدها . . منصور تنهَد : يالله عاد الحين نستلم تحليل مناخ السعودية منك وبنجلس طول الصبح كِذا علي إبتسم : والله ناقصنا يوسف كان حلَلك المناخ صح . . . . لحظة لحظة . . فتح شُباك منصور ليقف عند إحدى الرجال : السلام عليكم أخوي : وعليكم السلام علي : وين نلقى فندق قريب؟ : خلَك سيدا لين يلفَ فيك الشارع يمين ثم بتَل سيدا بتلقى دوَار لفَ من عنده يسار وبيوضح لك فندق بنهاية الشارع علي : مشكور ما تقصر . . . في الرياض بمثل هذا الوقت كان يوسف جالس بسيارته ينتظرهم وعيناه المُتعبة تُغطيها النظارة الشمسية، ومع طُولِ إنتظاره بدأت أفكاره تنشغل بلسعِ قلبه. هيَ لم ترى فيني إلا زوجًا مؤقتا من السهل عليها أن تنفصِل عنه، وأنا لم أرى بها إلا حياةً من الصعب عليَ أن أدفنُها، وإذا دفنتُ أرضها كيف أهدمُ سماءها؟ كيف أتجاهل آثارُها الباقيَة في قلبي؟ وكيف ألمَ الحُطام الذي خلفتهُ وأنساها؟ تُمارسين يا مُهرة معي أشدُ انواع العذاب، لا أدرِي كيف استطعتِ أن تحملين ذنب غيرِك من أجل الدفاع عن أفكار والدتِك وأنا؟ من يُدافع عن قلبي؟ أنا الذي رضيتُك قناعتي بهذه الدُنيـا، وأنتِ البسيطة الناعِمة التي كان النُور يقفُ بعينيْها كلمَا حاوْلنا أن نُعتمك، ولكنكِ الآن ترتضين بهذه العُتمة؟ وأنا الذي عهدتُكِ قويَة تقمعُ الظلام بيديْها؟ أين العهدُ؟ وأين ميثاقه؟ دخلت أم فيصل : السلام عليكم يوسف : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ريف بشقاوة قفزت لتجلس بين الكرسيْيَن الأماميَان وتنظرُ ليوسف، إبتسم لها وهو يقبَلها ويستنشق رائحتها الجميلة : كيف ريف ؟ ريف تُقلد نبرة الكبار : الحمدلله أم فيصل بهدوء : ريف . . يوسف : خليها عندي . . شلونك يا أم فيصل ؟ أم فيصل : بخير الحمدلله ركبت هيفاء . . السلام عليكم يوسف : وعليكم السلام . . . أجلس ريف بجانب هيفاء في الأمام : لا تتحركين ريف التي تحتضن عروستها الصغيرة: طيَب حرك سيارته مُتجهًا إلى المستشفى، وبظرفِ زمنٍ قصير ركنها في الأماكن المخصصة. نزَل ويدِه تُمسك بيَدِ ريف ومن خلفِه هيفاء و أم فيصل، صعدَا للطابق الذي يحتوي على جناحه. صادفه الدكتور الذي أصبح صديق يوسف من أحاديثهم المكررة : يوسف .. إلتفت عليه : صباح الخير الدكتور : صباح النور . . عندي لك خبر حلُو يوسف : بشَر الدكتور : فيصل فتح عيونه وصحى، حتى تكلم معانا . . توَنا خلصنا من فحصه وتأكدنا من وعيْه التام بكل الأمور اللي حوله . . أبتهلت عينُ والدتِه المتلهفة له، يا رحمة الله التي لا تتركنا أبدًا، وحين قُلت ـ يالله لا أقدر على رؤيته مريضًا ـ كان الجواب إستيقاظه، يا ـ روح أمك ـ التي تشتاقُك كلما باعدت بجسدِك الطرق الطويلة وأبقيْت قلبك حاضرٌ معنا، يا ـ ريحة الغالي ـ و يا السعادة التي تحتضر إذا تعبت، أمرُ مرضك ليس عاديًا، هذا المرَض تنزفُ له أرواحنا و ربَك يشهدُ على بكاءنا و غرقنا، يالله عليك يا فيصَل إن حمَلت الوجَع بجسدِك و أوجعتنا به نحنُ الذين نسكنُ صدرك ونرى الحياة بعينيْك من الطبيعي أن نفقدُ توازن الحياة بعُتمة حضورك. يوسف رفع نظارته ليضعها فوق رأسِه : ياربي لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . . . سار بإتجاه غرفته ليفتحها بهدوء، ركضت ريف أولاً ليتبعها يوسف بإبتسامةٍ شاسعة : الحمدلله على السلامة . . حيَ بو عبدالله وحيَ هالوجه فيصل الذي يشعرُ بثقل لسانِه، حاول أن يلفظها بإتزان ولكن خانه إتزانه واكتفى بإبتسامَة. ريف تتأمل الأجهزة بإندهاش كبير وهي التي لم تدخل غُرفةً كهذه مُسبقًا، دارت حول نفسها فوق الكرسي الذي وقفت عليه : يعوَرك؟ فيصل هز رأسه بالرفض دون أن ينطق شيئًا. ريف بحركة سريعة جلست على السرير المرتفع بجانبِ رأسه بسبب قُرب الكرسي منه، أنحنت عليه لتُقبَله أسفل عينه اليُمنى، فيصل بتعَب واضح بحركاته الثقيلة، وضع ذراعه خلف ظهرها ليُقبَل خدها بإبتسامة ضيَقة. اقتربت منه والدتِه وهي تُخلخل يدَها بيدِه الباردة : الحمدلله على السلامة يا أبُوي يوسف اقترب هو الآخر ليحمل ريف حتى لا تُضايقه بحركتها . . قفزت على يديْه لتُمسك بيده وتخرج معه : هوْ مريض حيل ولا نص ونص ولا شويَة؟ يوسف يسير معها في الممر : شويَة، بس هو كان يبي يشوفكم الحين بنرجع له وتجلسين معه، بس قولي دايم الله يشفيه ويخليه وبيصير طيَب ريف بشقاوة نبرتها : الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . . يوسف لم يتحمَل فتنة صوتها الطفولي، حملَها بين يديْه ليغرقها بقبلاته : بآكلك مالي شغل صخبت ضحكات ريف، يوسف أبعدها بإبتسامة : إذا جتني بنت بسمَيها ريف ريف رفعت حاجبيْها : لا أنت بتسمَيها تهاني يوسف بضحكة : ماشاء الله تبارك الرحمن، تتذكرين؟ ريف : إيوا قلت لي مرَة إنك تحب تهاني يوسف إبتسم : بنتي الثانية بسمَيها ريف، أنا بكثَر نسل الأمة إن شاء الله ريف لم تفهم كلماته : وشو نسل؟ يوسف : يعني بجيب بنات كثير وعيال كثيير . . بتصير عايلتنا كبيرة ريف : لااااا مو حلو، بس بنت وحدة و ولد واحد يوسف : ليه مو حلو؟ ماتبين عايلتنا تصير كبيرة؟ وفيصل يجيب عيال كثيير بعد ريف بغيرة : لااااااا أنت تجيب كيفك بس فيصل لا يوسف بضحكة : ليه فيصل لا ؟ ريف : فيصل ليْ بروحي أنا وهيفا وأمي عندهُ، أجهشت عيناها الحانية بالدمع، فيصل عقد حاجبيْه وتزداد صعوبة حديثه : يمَه والدته : يا عيونها . . لا تتعب نفسك بالكلام . . أنحنت وقبَلت جبينه حتى سقطت دمعة عليه . . الله لا يفجعني بس ولا أبكيك هيفاء نزعت نقابها وهي تقفُ بنهاية السرير، كانت تنظرُ إليْهما دون أن تتحدَث بكلمة. والدته : البيت بدونك ما يسوى، فقدناك كثيير فيصل أكتفى بإبتسامة أمام مشقَة الكلام، وملامحه تزدادُ إصفرارًا بالشحُوب، كان هذا أقسى ما واجههُ طوال عُمره، أن يواجه الموت بعينٍ مفتوحة، وهو يُدرك أن لا رجلاً من بعدِه عند والدته، خاف كثيرًا من وحدَة تُصيب امه ومن حُزنًا يُصَب في قلبه، أدرك معنى درويش في قوله " وأعشق عُمري لأني إذا متَ أخجلُ من دمع أمي "، أول ما أستيقظ في ساعات الفجر الأخيرة ضلَ لثوانٍ ودقائق يتأمل المكان دون أن يصدر حركة ما، أسترجع الأحداث الأخيرة و ـ يمَه ـ التي بحثت عيناه لموضعٍ يطمئن به عليها، إلى أن دخل الممرض وتفاجئ من إستيقاظه، اقترب منه وهو يضع يده على عينيْه ليتأكد من وعيْه، لم يكن يُدرك ماذا يفعل الممرض ولكن أراد أن يرى والدتِه، همس ببحَة قاتلة : يمَه . . ليأتِه صوت الممرض : الحمدلله . . خرج ليُنادي الدكتور. أعادتهُ والدته بصوتِها ونظراتها التي تملؤوها اللهفة، أعادتهُ لواقعِه وبترت أفكاره : طول الليل وأنا أدعي إني ما أشوفك بحالة سيئة، الحمدلله إنك صحَيت ومنَ الله عليك بالعافية، كل شي يهون دامك تحس فينا وباللي حولك . . فيصل أحمرَت عيناه بدمعٍ مخنُوق، نظرات والدته تكسرُه جدًا وتكسرُ حتى حصون هيفاء وتُبكيها. والدته تمسحُ ملامحه ودمعته قبل أن تسقط، إبتسمت : الحمدلله إنك بخير . . فيصل أغمض عينه لثوانٍ طويلة حتى تتزنُ محاجره وتُبخَر دمعه، فتحها والإبتسامة تُحيي شحوبه : الحمدلله . . . نظر إلى هيفاء الواقفة بعيدًا عنهما. والدته إلتفتت عليها : تعالي أجلسي أنا بروح أشوف ريف . . خرجت وتركتهما حتى لا تُضايقهما وبالحقيقة كانت تُريد أن ترتاح من حشد الدموع المحتبسة بداخلها ولم توَد أن يراها فيصل بهذه الحالة. اقتربت هيفاء منه وجلست بجانبِه ويديْها تتشابك بنقابها المتوسَط حضنها، دون أن ترفع عينها الباكية له. فيصل مدَ يدِه إليها. كيف أُخبرك يا فيصل بأن نظرةٌ مِنك تُعيد هذا الإتزان و التوازن في الحياة، يا رب لا تجعلني أراه حزينًا أو تعيسًا أبدًا، لا قُدرة لي على تحمَل دموع الرجَال التي تُفقد قلبي وعيْه، كيف لو كان الرجُل / أنت! أشتقتُك كثيرًا، لو تدري أنني ملكتُ الكوْن هذا الصباح برؤيتك، لم أفقد أملي بشفاءِك أبدًا، ولكنني كنت أنتظر بلهفة أن أراك تُبادلني النظر. وضعت يدها في يدِه، قرَب كفَها من شفتيْه التي قبَلتها بعُمق جعل عيناها تصبَ انهارًا من الدموع. فيصل : لا تبكين هيفاء بين دمعٍ مالح يضيقُ بحنجرتها نطقت : غصبًا عني، كنت راح أموت لو صار لك شي، كل ليلة أحلم فيك وأشوف نفس الصورة اللي شفتها ذيك الليلة يوم كنت على الأرض ودمَك يغرق فيك، خفت! . . من إني أفقدك! وخفت على أمك بعد . . . فيصل شدَ على يدَها وكأنه يُريد أن يُخبرها بأنه ـ بجانبها ـ دائِمًا، أراد أن يتحدث بكلماتٍ كثيرة ولكنه صوتَه الضعيف يندَس بصدره. هيفاء : الحمدلله إنك بخير . . الحمدلله، أمس كنت أبكِي لأنك ما تحس في وجودي واليوم تكلمني! وش كثر سعادتي فيك يا فيصل فيصل بلع ريقه بصعُوبه وهو يُغمض عينيْه من حدَة حنجرته الجافَة، هيفاء شعرت به : لا تقولي شي، يكفيني أشوفك ويارب تقوم لنا بالسلامَة ، تقلب كثيرًا وهو يحاول العودة إلى النوم ولم يستطِع، وقف وأخذ هاتفه ليخرج من الغرفة، اتصل على ياسر الذي تحدَث معه في بداية علاج تُركي : السلام عليكم ياسر : وعليكم السلام . . مين معاي؟ عبدالمحسن : عبدالمحسن خالد آل متعب ياسر : يا هلا والله . . بشرَنا عنك ؟ عبدالمحسن : بخير الحمدلله . . أتصلت عشان أتطمن على حالة تُركي ياسر : تُركي من أسبوع هو بالسعودية عبدالمحسن لم يتوقع ولا للحظة أن ما رأته الجوهرة حقيقة : عفوًا؟ ياسر : تُركي عندكم عبدالمحسن : كيف يطلع بدون إذن مني؟ ياسر : با بو ريَان ماعاد له حاجة بالجلوس أكثر، أنا بنفسي حجزت له تذكرته وعلى مسؤوليتي عبدالمحسن بغضب : فيه قوانين بالمستشفى صح كلامي ولا غلطان؟ ياسر : تُركي عرف غلطته ومحتاج وقفتك ويَاه الحين عبدالمحسن : بس ماكان لازم يطلع بدون علمي ياسر بهدوء : أعتذر منك لكن أنا سويت اللي شفته صح، راح أرسلك رقمه الجديد الحين وأتمنى أنك تكلمه عبدالمحسن بعصبية أغلق الهاتف دون أن يُجيب عليه بكلمة، إتجه ناحية غُرفة الجوهرة ليفتح الباب بهدوء ويطلَ عليها، كانت نائمة بهدوء وسكينة لا يُزعزعها شيء، اقترب منها لينحني بقُبلة رقيقة على رأسها، أبعد شعرها المبعثر من وجهها وضلَ يتأملها لوقتٍ طويل حتى خرَج. نظر إلى شاشة هاتفه التي تُضيء برسالةٍ جديدة، نزل للأسفل متجهًا إلى المجلس الخارجي. جلس لثوانٍ طويلة يتأمل الرقم دون أن يضغط عليه، ثانية تلو الثانية حتى اتصل، أتى صوتُه الضيَق : ألو عبدالمحسن لم يظنَ أبدًا أن صوته العائد يُقيم الحنين في قلبه : السلام عليكم طال صمتُ تركي بعد أن سمع صوته، حتى نطق : وعليكم السلام عبدالمحسن : الحمدلله على السلامة كانت إجابات تُركي لا تجيء سريعًا، كانت الربكة واضحةٌ في نبرته : الله يسلمك عبدالمحسن : وينك فيه؟ تُركي بلع ريقه بصعوبة : بفُندق عبدالمحسن : أيَ فندق؟ تُركي : ليه؟ . . والله ماني مقرَب لكم بشي وبطلع من حياتك كلها عبدالمحسن : أبي أشوفك تُركي برجاء : عارف وش بتسوي! لكن والله ما عاد راح أقرَب لكم! وإذا تبيني أطلع من الشرقية بكبرها راح أطلع وأروح لأيَ مكان ثاني . . عبدالمحسن : تُركي! قلت أبي أشوفك . . أرسلي العنوان بسرعة، بنتظرك دقيقتين وأشوف العنوان عندِي . . أغلقه وضاق قلبُه بصوتِه المتوسَل الذي يظن بأنه سوف يتعرَضُ له. ، دخل رائِد ومعه آسلي ليتوسَط المكانِ أمامهم، إبتسم بإنتصارٍ لذيذ لرُوحه وهذه الضربة التي ستقصُمُ ظهورهم، جلسَ أمامهم : طبعًا عشان أضمن حقي بعد، راح أوقَعكم ولو حاولتوا تغدرون فيني بطلَع هالورقة وأقول شوفوا! حتى هُم شركاء معي . . عبدالرحمن عقد حاجبيْه : وين ناصر؟ رائد إبتسم بإستفزاز : بالحفظ والصون طمَن قلبك . . بس نخلص إجراءات عقدنا بالأوَل آسلي ذو الملامح العربيَة رُغم بياضِه الذي يميلُ للشقَار، دون أن ينطق كلمةٍ واحدة فتح الملفات ووزعَ الأوراق على الطاولة، نظر سلطان إليْه بنظراتٍ متفحصَة مُدققَة. دخل فارس،و نظر إلى والدِه بنظرةٍ أراد أن يُنفذ بها رجاءه بأن لا يضرهم و جلس على الكُرسي الذي خلف مكتبِ رائد. رائد يُمسك القلم ويوقَع على الورقة تلو الورقة، والإبتسامة لا تُفارق محيَاه، رفع عينه لعبدالمجيد : دُورك عبدالمجيد بإستجابة لأمره، إتجه إليه وأخذ الأوراق ليوقَعها، وضعها على الطاولة ليأتِ الدور على عبدالرحمن الذي لا يدري بأيَ هم يُشغل تفكيره ومن كل جهة يهجم على جسدِه هم جديد، أنحنى ليوقَع ويشترك بعمليةٍ مُحرمة قانونيًا. أخذ سلطان القلم منه و وقَع هو الآخر كشريكٍ في هذه المُهمة، رمى القلم على الطاولة ليُلقي بنظرةٍ متوعَدة في وجه رائد. رائد بإبتسامة : شرفتوني يا شُركائي، مدري من دونكم وش كان راح يصير!! عبدالعزيز دُون أن يُبالي بما يحدث : وين ناصر؟ رائد : ناصِر؟ . . بيجيك لا تخاف عبدالمجيد بحدَة : رائد! طلَع ناصر رائد بضحكة : قلت لكم بيطلع! هدَوا . . بعدنا ما تناقشنا ببنود إتفاقنا عبدالرحمن : ما عاد باقي بيننا كلام! طلَع ناصر بسرعة عبدالمجيد نظر إلى آسلي بنظرةٍ أثارت الريبة في نفس رائد، آسلي وقف وهو يُلملم أوراقِه، اقترب من رائد أكثر وهو يُسقط ورقة بجانب قدمِه، أنحنى ليأخذها ويقف بجوارِه، بحركةٍ مُخادِعة كان يُريد أن يدخل هاتفه بجيبه ولكن سحب السلاح من حزامه و وضعه على رأس رائد. فارس وقف بصدمَة، تبعتها نظرات سلطان وعبدالرحمن وعبدالعزيز أما عبدالمجيد فكان ينتظرُ هذه اللحظة. رائد تجمدَت ملامحه أمام فوهة السلاح المُلتصقة برأسه، كل رجاله الذين حوله أخرجُوا أسلحتهم الموجَهة إلى ـ آسلي ـ رائد بحدَة موجَهة لرجاله : وش تنتظرون؟ آسلي شدَه من رقبته أكثر وبلكنةٍ نجديَة صدمتهُ صدمةً قاسية : لو قرَب واحد منهم ماراح يحصلك خير تجمدَت نظرات الجميع عندما ضجَت مسامعهم بنبرته العربيَة، لم يتوقعوا ولا في الخيال أن ـ آسلي ـ خدعـة. فارس اقترب غير مُباليًا لتأتِ صرخة والده : أبـــعـــد فارس بعُقدة حاجبيْه : ماراح أبعد . . عبدالمجيد : فارس فارس بصراخ إلتفت عليه : ما قلت لي إنه بيصير كِذا!!! عبدالمجيد : وأنا عند كلمتي . . فارس أبعِد فارس : ماراح أبعد . . اقترب بخُطاه إلى والدِه، بنظراتٍ حادة من ـ آسلي ـ : إذا تبي سلامة أبوك أبعِد وقف بلا حولٍ ولا قوَة، نظر إلى عينيَ والدِه بنظراتٍ أراد أن يسحبُ بها روح والدِه ويحبسها بداخلِه، أراد أن يقتبسُ هذه النظرات من عينيْه ويضعها في جيب قلبه. عبدالمجيد : سنين وسنين وإحنا نحاول نوقفِك، كان لازم تعرف إنه العدالة راح تُقام في يوم وإنه لذتِك ماراح تدُوم رائد : شايف كم شخص حولي؟ بغمضة عين راح تنتهون بدون لا تثيرون شفقتي عبدالمجيد : وبغمضة عين راح تنتهي بعد . . عبدالملك . . عبدالملك ( آسلي ) : بهدوء راح تمشي قدامي وأيَ تعرض أو حركة من أحد رجالِك راح يعرَضك للموت ماهو للخطر بس!! مفهوم كلامي؟ ضجَ صوتُ سياراتِ الشرطة المحاصرة للمكان في الوقت المناسب، أردف : خلهم يرمون أسلحتهم بنظراتٍ من رائد دون ان ينطق كلمة رمَى رجاله كل الأسلحة التي بحوْزتهم، عبدالملك : الشرطة تنتظرك! ماعاد فيه أيَ مجال للهرب ومثل ما قلت لك محاولتك للهرب راح تنهيك. رائد عضَ بأسنانه شفتِه السفليَة، لا يتحمل أن يُهزم في أوَج إنتصاره. سَار خطوات قليلة أمام أنظار فارس التي تضيقُ شيئًا فشيئًا، رائد بتهور دفع بقدمِه ساق عبدالملك، ليشدَه عبدالملك أكثر ويُسقطه على الأرض، تقدَم أحد رجال رائِد ليُمسك ذراع عبدالملك و يحاول أنَ يُخلَصها من السلاح، وبجُزءٍ من الثانيـة أنطلقت رصاصة والمُفاجئة أنها كانت من يدِ إحدى رجاله وليس عبدالملك، أصابت الجزء الأيسر من صدرِه ليسقط على ظهره، بتهورٍ من ذاتِ الرجُل أنطلقت رصاصة أخرى بجانب إصابته الأولى، ضجَ المكان بصوتِ الرصاص حتى تدخلت أفراد الشرطة وبدأت تُمسك رجال رائد بأكملهم ومعهم سليمان. عبدالعزيز أرتعش قلبه من منظر رائد، و صدمَة فارس التي أمامه. سقط فارس على ركبتيْه وهو يقترب من والدِه : يـبـــه! . . يبببه . . . صرخ بقوَة : يبــــــــــه . . . يبه . . بكَى دون أن يُحاول أن يُمسك نفسه، تساقطت دموعه كنزيفٍ من الدماء الثائرة، وضع يدِه على صدرِ والده المُبلل بالحُمرة وعينا رائد مُغمضَة فقدت الحياة، ضرب صدرِ والده كثير بكفيَه وهو يُردد بأنين يُشبه أنين الأطفال الذين تاهوا في الدُنيا، فقد الإتزان وعقله تمامًا وهو غير مُصدَق هذه الحُمرة التي تُغرق المكان : لا تتركني! . . لا تتركني . .. قوووم . . . صرخ . . قوووووووم . . . وضع رأسه على صدرِ والده وهو يجهشُ بالبكاء وبدأ الغاز يتسرَب والمتفجرات تعملُ عملها بالعد التنازلي للدقائق البسيطة. عبدالمجيد حاول أن يسحب فارس الذي دفعه : ما يموت . . مستحيل يموووت ويتركني سلطان أختنق وهو يفتحُ أزارير قميصه، عبدالعزيز بخُطى سريعة خرج وهو ينزل للأسفل، إلتفت يمينه وشماله يبحثُ عن ناصر، أندلعت النارُ أمامه ليبتعد، صرخ حتى يسمعه : ناصـــــر!! . . . أتى إحدى رجال الأمن ليُخرجه. عبدالعزيز دفعه عنه ليسحبه الرجل مرةً أخرى، صرخ بوجهه بالفرنسيـة : لِيس موَا " laissez moi = أتركني " اقترب أكثر وهو يُنادِي بصوتٍ أعلى : ناصصصر! . . . في الأعلى كان يُرثي والدِه بأشدَ انواع البكاء و القهر، تبللت ملابسه بدماءِ والده وهو يُنادي ـ يبه ـ حتى بحَ صوتِه ولم يلقى سوى الصدَى، لم يُبالي بالإختناق الذي يواجهه من الغاز المتفجَر بالمنزل ويُدرك أن عدَة ثواني وسينفجر كل هذا. لا حياة تنتظرنِي دُونِك، لا أريد العيْش! أنا أُقبل على الموت بشهيةٍ مفتوحة يا والدِي، ردَ عليَ قُل أنك تسمعني! قُل أنك هُنا معي، لا تصمت، هذا الصمت لا يليقُ بِك، قُل ـ ولدي فارس ـ حتى أطمئن أنَك بخير، قُلها، لا تصمُت! لا يُمكنك أن تموت هكذا وأنت وعدتني أن تبقى معي دائِمًا مهما تعارضتُ معك، لا يُمكنك يا ـ أبي ـ أن تفعل هذا بيْ! لا بُد أن تقاوم! لا بُد أن أسمع صوتِك وحالاً. همس : يُبه . . يا رُوح ولدِك، يا روح فارس كيف تترك هالرُوح؟ اقترب منه عبدالمجيد مرةً أخرى وهو يجلسُ على ركبتيْه بجانبه : فارس فارس : قويَ! يقدر يقاوم! أعرفه يقدر . . صابوه كثير لكن قام . . عبدالمجيد سعل من الجو الملوَث : قوم . . قوم معي فارس أخفض رأسه ليجهش بالبكاء وأنينه يشطرُ عبدالمجيد : ليه سوَا كِذا؟ ليــــه؟ دخل رجُلان يحملان سرير الإسعاف حتى يضعون رائد عليه ويُخرجونه من المنزل. فارس نظر إلى والدِه نظرةً أخيرة، أنحنى ليُقبَل رأسه وهو يبكِي فُقدَه، أطال بتقبيله حتى ألتصق أنفُه بجبين والدِه وعيناه تئنَ وتغصَ بالدمع، كانت صرخاتِه فوق أيَ رجُولةٍ تحاول أن تُكابر أمام بُكاءه، صرخاتِه كان ظلَها / حاد في صوتِه المبحوح. ومازال يحاول أن يسترجعُ صوتِه بنداء والده. كُنت أريد أن اقول لك قبل أن ترحل، أنني آسف على كل لحظة تذمرتُ فيها منك، أنني آسف على كل لحظة لم أقف بها بجانبِك، إنني آسف على كل لحظة رأيتُك بها ولم أقُل لك " أن حظي بائسٌ بعملك المُحرَم وحظي الجميل أنَك أبي " . . أنا آسف لأنني لم أستطيع أن أوقف شرَ أعمالك، ولم أستطع أن أغيَرك، ليتني حاولت أكثر! ليتني جعلتُك تموت بسلامٍ أكبر، أنا آسف لأنني لستُ بخير الآن وأنت الذي كُنت تقول لي دائِمًا " يهمني تكون بخير "، رحلت الآن! وكيف أجد شخصًا يُخبرني بذاتِ القوْل. حضن رأس والدِه وهو يقربه من صدرِه ويشمَ رائحته للمرةِ الأخيرة، كان يُقبل جبينه مرارًا وهو لا يُريد ان يتركه. تقدم الرجلان حتى يحملا جسدِه، فارس برجاء : قولهم بس دقيقة . . بس دقيقة عبدالمجيد الذي لا تدمعُ عيناه الا نادِرًا، صعدت الحُمرة في أوَجها على حال فارس، أشار للرجلان بالإنتظار قليلاً رُغم أنه لا مجال للإنتظار أمام تصاعد الغاز. أريد أن أحبس رائحتِك فيَ، أن أحملُك معي، لِمَ رحلت؟ لِمَ؟! يا من أفديِه برُوحي و إن طلب عيني لأخترتُ العمَى، طعمُ اليُتم وأنا بهذا العُمر لاذع يا أبي! طعمُه مرَ لم أعتادِه رُغم بعدك عني في أيامٍ كثيرة، ولكن لا أحتمل بُعدك عُمرًا بأكمله، يا رُوح روحِي، لِمَ فعلت بنفسك هذا؟ لِمَ قتلتني وقتلتَ نفسُك؟ كيف سأواصِلك؟ كيف سأسمعُ صوتِك إن أشتقتُ إليْك؟ إبنُك ضعيف جدًا أمام شيئين أنت أحدهُما، من يربتُ على كتفي؟ من أُخبره عن عشقي و أحلامي؟ من سيستهزأُ بي الآن بكلماتِه. من سيقُول ليْ " خلَ الشِعر ينفعك! " من سأخبره بقصائدي وكتاباتي؟ من سأغني له مقاطعٍ شعرية كتبتُها، من سأُعيد على مسامعه كلما رأيته " يبه إحنا من قومٍ إذا عشقوا ماتوا " لمن أقولها من بعدِك؟ أنا لا أبكِي! رُبما هذا نوعٌ من الموْت. عبدالمجيد وقف بعد أن إزداد إختناقِه، ومسك ذراعِ فارس : خلاص . . فارس ترك رأس والدِه ليسقط بقوَة على السرير الذي سيُحمل عليه إلى ثلاجة الموتى. اقتربت يدِه من يدِ والده ليقربَها من شفتيْه ويُغرقها بالقُبل، أستشنق رائحته بلهفةٍ وحنين يبدأُ من هذه اللحظة، صبَرني يالله! صبَرني قبل أن أفقدُ قلبي معه. عبدالمجيد : قل إنا لله وإنا إليه راجعون . . فارس تصاعدت أنفاسه المضطربَة وضجَ صوتُ رجفته : إنا لله وإنا إليه راجعون . . . في الأسفَل كان عبدالرحمن يوقَع على أمرٍ أمنِي مختصَ بالشرطة، سلطان بحث بعينيْه عن عبدالعزيز ليسير إلى الداخل بإنشغال عبدالرحمن الذي كان يحسبُ ان عبدالعزيز خرَج. دخل لأول ممَر ليُنادي وهو يضع الكمام على وجهه : عبدالــــعزيــــــز . . . نادى مرارًا وتكرارًا وهو يتقدَم أكثر للنار المُندلعة في الطابق السُفلي : عــــــز!!! بحث بعينيْه ليأخذ قطعةً خشبية مرمية على الأرض ويحاول أن يقترب بها من النار حتى لا تُصيب وجهه. صرخ بقوَة أكبر : عـــــــز! أقترب منه إحدى رجال الإطفاء ودون أن يلفظ كلمةٍ واحد أشار له بيدِه إلى مكان على يمينه، إتجه إليْه سلطان لينظر لعبدالعزيز الذي يبحثُ بكل غرفة تواجهه رُغم النار التي تُحرق المكان : عبدالعزيز . . . مسكه من ذراعه عبدالعزيز إلتفت عليه بإضطرابِ أنفاسه المختنقة : وين ناصر؟ . . . سلطان : يدورونه . . أطلع . . عبدالعزيز يسحب ذراعه من بين يديْه ليصرخ : نـــــــــاصر!! سلطان بخضوع لفعلٍ عبدالعزيز بدأ يبحث معه، وبكل لحظةٍ تمرَ يتضاءل الأملُ بداخلِه. إلا أنت يا ناصر! لا تُخفيني بأمرِك هكذا، لا تقتلني أكثر ورُوحي لم تعَد تتحمَل موتٌ آخر، لا تفعلها أرجُوك! لا تفعلها برفِيق عُمرك الذي أساء إليْك ولكنه عاد، عاد من أجل العُمر الذي مضى بيننا، أنت تعلم أنني لا أقدر على العيْش دُونك! أنت الذي تُشاركني الحزن بقدر ما تُشاركني الفرح، كُنت دائِمًا معي! وكنت تستنطقُ صمتِي بعينيْك، يا من علَم عيني الدمع و أخبرتني دائِمًا " لا تشكِي ليْ! إبكي معي " لا تفعلها من أجل الله، وتقتلني. سلطان أنتبه لقطعة الزجاج القريبة من رقبة عبدالعزيز وسحبها لتدخل بكفَه، قاوم وجَعه وهو يشعرُ بفتات الزجاج بباطن يدِه، وقف قليلاً ليُخرج قطعة الزجاج الصغيرة، دخل غرفةٍ اخرى : ماهو موجود!! عبدالعزيز : ما دوروه!. . سلطان : والله دوروه الرجال قبل شويَ!! وبيدخلون الإطفائيين الحين يدورونه! عبدالعزيز : مُستحيل وين أختفى؟ . . . صرخ بأعلى ما يملكُ من نبرة . . . ناااااااااصر وأين ناصر؟ أينَك يا شاعرُنا الذي كان يروينـا بكلماته كلما جفَ المزاج وفسَد، أينَك يا رُوحنـا التي تُشاركنا وتحبسنا بداخلها دائِمًا؟ أينَك يا وجُودِنا في حضرة وجودِك، يا من تُمثلنَا بقلبِك وتشهدُ لنا؟ أينَك يا بحَة صوتي الحزينَـة حين تضيق الكلمات في حُنجرتي؟ كل شيء فاتُنا حتى الضحكَة، علَم هذا الصدَى الحديث إن كان النداء / مبحُوح، وعلَم هذه النار بجسدِك إن كان الجسدُ لا يرَد لنا الكلمات! ناديتُك بأقصى حُمرة في دمائِي ولم تُجيبني؟ أينَـك؟ أخافُ عليَ من ضياعي و حشرجَة الجفاف في جلدي. سعَل عبدالعزيز كثيرًا إثر الإختناق، وبدأ تركيزه يضطرب، بحدَة من سلطان لم تترك لعبدالعزيز أيَ مجال، ألصقه بالجدار ونزع كمامه ليضعه عليه : يمكن طلع . . . . . سَار عبدالعزيز أمامه وهو من خلفه للخروج بخيبةِ أملٍ كبيرة، ثوانٍ قليلة حتى أصابتهم أشعة شمس باريس، بحث بنظراتِه عنه في الطُرق الطويلة المقابلة له! أأيجب أن أخاف الآن؟ نزع الكمام ليأخذ قارورة المياه التي امتدَت له، أفرغها بجوْفِه، ليلتفت على سلطان : كيف يطلع؟ سلطان ابتعد قليلاً وهو يسعَل ببحَة موجعة، أخذ منديل ليُلاحظ الدماء التي تندفعُ من بين شفتيْه، أدرك أن جرح لثتِه، اقترب منه عبدالعزيز ليمدَ له الماء، تمضمض سلطان به وبدأ الإصفرار يتضح على ملامحه، مسح وجهه بالمياه الباردَة، نظر إلى عبدالعزيز : يمكن طلع لمَا صعدوا رجال رائد لفوق، لأن مافيه أيَ شخص بالدور الأوَل عبدالعزيز رفع عينه للدُخان المتصاعد من المنزل بعد أن أنفجرت النار به، وهو يدعو أن لا يكون ناصر بداخله. اقترب عبدالرحمن منهم : راح عبدالمجيد مع فارس، . . أنتبه لوجه سلطان ويدِه . . . وش فيك؟ سلطان : دخلت فيني قطعة قزاز، إلتفت عبدالرحمن لإحدى المُسعفين ليقترب منهم بنظرة فهمها، فتح شنطتِه ومازال إزدحام الأمن في الحيَ يضجَ في هذه الأثناء. عقَم جرحه ولفَه كفَه بالشاش، ونظر إلى عبدالعزيز إن كان يحتاج شيء، دون أن يترك مجال لعبدالعزيز بالمناقشة أخذ كفَه ليُطهَر جرحها الذي طال منذُ الأمس، ولفَها ـ بالشاش ـ أيضًا. عبدالرحمن : شكرًا . . عبدالعزيز : وين الفندق؟ عبدالرحمن : بخليهم يوصلونك عبدالعزيز ضغط على جفنيْه بشدَة إثر الصُداع الذي هاجمه، تنهَد : طيب سلطان : أنا بروح لعبدالمجيد عبدالرحمن : بجيكم، بس بمَر المستشفى وأتطمن عبدالعزيز الذي أغمض عينيْه فتحها من لفظ ـ المستشفى ـ وأمال شفتِه السفليَة بأسنانِه. أبسطُ الحركات وأدقَها كانت دليلٌ واضح على العراك الذي يجري في قلبه، مشَط بأصابعه شعره من مقدَمة رأسِه وهو يُريد أن يفكر بإتجاهٍ واحد، لا يُخالطه أيَ إتجاه آخر ولكن هذا ما لا يرضاهُ قلبه. : بروح معاك المستشفى عبدالرحمن إتسعت محاجره بالدهشَة ولكنه لم يبيَن له : طيب . . خلنا نمشي في الرياض، إتسعت إبتسامته بعد سهرٍ منذُ الليلة الفائتة حتى وصل الخبر أخيرًا، القبض على سليمان و موْت رائد إثر طلقةٍ اتت من إحدى رجاله، عبدالله و أول ردةِ فعلٍ كانت سجدَة شكرٍ في منتصف الممَر. اللهم لك الحمدُ والشكر كما ينبغي لجلال وجهِك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه. يالله! على كرمِك وأنت تُثلج صدورنا بخبرٍ أنتظرناه لسنين، يالله على السعادة التي تأتِ من هذا الخبر، والجميعُ بخير أيضًا! ياربي لك الحمد . . ياربي لك الحمد. تهللت وجوههم جميعًا وهم يكررون الحمَد والشهادة، لذَة النجاح بعد تعبِ سنينٍ مضَت لا تُضاهيها لذَة، كان كالحلم! وأصبح حقيقة، كان بمقدرتنا أن نقبض عليهم منذُ اول لحظة ولكن كنَا نعلم أنه سيخرج من بعدهم واحدًا وإثنين وثلاثة، لكننا عملنا على مبدأ واحد، أن نًضعفهم ونستأصلهم، يالله! سيطير قلبي من فرحه، سيُجَن تمامًا. كانت الإبتسامات مُبكيَة من شدَة فرحها، هذا الفرح الذي طال إنتظاره، لم يكن فرحًا لفردٍ واحد بل لإدارة كاملة تعبت ونالت حصاد تعبه. في باريس، اقترب سلطان من حديقةٍ صغيرة بين البيُوت ولا أحد بها من الثلج، دخلها وهو يحتاج أن يسجُد بأيَ مكانٍ كان، سجد على الأرضِ الباردة، لتسقطُ من عينه اليسرى دمعةٌ وحيدة كانت رسالة ضيَقة لِـ / سلطان العيد. رفع من السجود ليتنهَد تنهيدةً طويلة، بقيَ جالِسًا على الأرض، همس : الحمدلله أدخل كفَه التي يلفَها الشاش الأبيض في جيب معطفه ليستشعر هاتفه، أخرجه وفتحه ليجد كمَا من الإتصالات من ـ عمته و عبدالمحسن و عبدالله و أشخاصًا آخرين ـ، ضغط على عينِه التي شعر وكأن نارًا تُحرقها، إتصل على ـ الجوهرة ـ. كانت واقفة أمام المرآة الطويلَة وهي ترتدِي بلوزتها، انتبهت لإهتزاز الهاتف على السرير، شعرت بغثيَان بأولِ خطوة أقتربت فيها من هاتفها، عادت للخلف لتتجه نحوَ الحمام، تقيأت إثر معدتها الفارغة التي تستثير الغثيان، اغتسلت وتمضمضت، إلتفتت لوالدتها التي دخلت الغرفة : إنزلي إكلي لك شي الجوهرة وضعت يدها على بطنها : يمَه تكفين أبي زنجبيل أحس معدتي تقلب والدتها : الحين أسويه لك، بس أنزلي عشان تآكلين شي الجوهرة : بجيك . . إتجهت نحو سريرها، جلست وأخذت هاتفها، كانت في طورْ أن تزفر شهيقها ولكن تجمدَت عندما رأت إسمه ـ مكالمة فائتة ـ، يُربكني إسمك فما بالُك بصوتِك؟ رفعت شَعرها بيديْها وربطته بخصلة، مسحت على وجهها لتأخذ نفس عميق وضغطت على إسمه، ثوانٍ قصيرة حتى أجابها : ألو الجوهرة بللت شفتيْها بلسانِها إثر ربكتها : مساء الخير سلطان : مساء النور طال الصمت بعد تحيَةٍ روتينية لتقطعه الجُوهرة : ما كنت عند الجوَال قبل شويَ برب السماء لِمَ اتصلت يا أنا؟ ماذا أُريد منها؟ وعن ماذا أسألها؟ كنت أُريد فقط أن أسمع صوتِك دون أن أخطو خطوةً واحِدة للأمام، من أيَ أرضٍ جئتِ؟ وبأيَ بُركانٍ أثرتِ حممه في داخلي؟ تهشَم غصنُ الكلام، وأيَ نبرةٍ تُجمع حُطامَه؟ أوقعتِ في ظرفِ أيام على قلبي / خُضرته و في جُزء من هذه الأيام أيضًا بددتي الربيع الذي أعشبَ صدري، من أيَ شيءٍ خُلقتِ حتى تقُيمين بصوتكِ إحتلالًا كاملاً لا مفَر منه، أنا لا أفتقدُكِ! أنا أمُوتِك. و أنا لا أكابر أنا رُغمًا عني أصدَ عنكِ، لو أنَ الطريقُ ممهدٌ أمامي لقولِ شيء يجعلني أتمسك بكِ أكثر! لو أنه فقط يُتيح لي فرصة هذا القوْل لمَا ترددَتُ لحظة ولكنني أعرفُ نفسي " أشقِي عُمري دايم ". الجوهرة زادَها هذا الصمتُ ربكة وسارت الرعشةُ بإتجاه قلبها الذي انتفض بصوتِ أنفاسه المبعثرة التي تصله. بجمُودِ حاولت أن تحبس بداخله الفيضان الذي يُقيمه صوتِه : تآمرني بشي؟ أأمرُكِ بالحُب و بممارسَة الحُب جهرًا، أما زلتِ تُفضلَين الخفاء؟ سلطان : أتصلت أتطمَن الجوهرة بلعت ريقها بصعُوبَة : أمورنا تمام . . أنا وولدك سلطان : الحمدلله، من أجل الله ماذا تفعل يا سلطان؟ ماذا تُريد أن تصِل إليْه؟ يا رجلاً أعزَني بالهوَى بقدر ما أذلَني، و بدَد العالمين بملامِحه وسكنني! يا رجُلاً يخضعُ له القلب عمدًا رُغم قسوتِك، وعجبتُ من قلبِي الذي يهفُو إلى ظالمٍ! عجبتُ من عيني التي مازالت ترتبك ويرتجفُ رمشها من حدَة صوتِك، عجبتُ من ـ أحبك ـ التي مازالت تتكاثرُ وتُعشَب في صدري، يا رجُلاً أبقاني على حافة الإنهيار وهو إتزاني! كيف أطيقُ البُعدَ عنكَ وأنت مركزُ توازني؟ يا حدَة السُمرة في ملامِحك و يا شقائي بها، يا شقائي بمقطعُ إسمك الذي يبعثرني رُغم صلاتِي وسكينتي، كيف أتجاوزك؟ وأنتَ قَدرٌ لا أُلام على مصائبه، وكيف أُلام؟ و أعظم مصيبة عيناكَ سببها، يا قلبي المُعنَى بأسبابِك إنني لا أدلَ طريقًا لا تُقاطعني بها ظلالِك. سلطان حكَ جبينه وهو يُردف : محتاجة شي؟ أحتاجُ عيناك، وأمرَ بحاجة شديدة لبريقها. الجوهرة : لا . . مع السلامة سلطان : بحفظ الرحمن . . . أغلقه دون أن يقدر على قوْل كلمةٍ واحدة من الكلمات المتزاحمة في صدرِه. ، أرتدت مُهرة عباءتها بعد أن علِمت بوجودِه، أخذت نقابها لتنظر لوالدتها : لا تخافين ماني قايلة شي والدتها : دارية إنتس ماراح تقولين شي بس تذكري إنه أهلتس هِنيَا ويوسف ماراح يبقى لك طول العُمر مُهرة بضيق لبست نقابها ونزلت للأسفل، دخلت للمجلس وبطرفه جلست في حين أن منصور كان يجلسُ بعيدًا عنها : السلام عليكم مُهرة : وعليكم السلام منصور : شلونِك؟ مُهرة : بخير الحمدلله منصور بتوتر : أنا جايَك اليوم وأبي أقولك اللي عندي وأبيك تسمعيني لين الآخر . . . . صمت قليلاً حتى أردف . . يوسف ما يدري بجيَتي لِك ولا أبيه يدري، أنا عارف إنه مشكلتك الأساسية معي ماهي مع يوسف، بس بقولك أنه ما لأحَد حق أنه يوقَف حياتِك، إحنا مانشوفك أخت فهد اللي صارت لنا قضية بإسمه، إحنا نشوفك زوجة يوسف وبس! إذا أنتِ تعتبرين إنه اساس زواجك من يوسف هالمُشكلة وبمجرد ما أنحلَت فخلاص ماله داعي هالزواج فانتِ غلطانة، لأن من أول يوم كنا ندري بأنه فهد قضيته مو مثل ماهي مذكورة وكان الكل يعرف بأنه مالي أيَ يد في اللي صار، لكن رُغم هذا كنَا نعاملك على أساس زوجة يوسف لا أكثر ولا أقل، وأمي أعتبرتك وحدة من بناتها! وإن كان أحد ضايقك بكلمة أنا بنفسي الحين أعتذر لك، يوسف ماله أيَ ذنب بوصول الخبر لك الحين! لأنه كان يعرف بأنه مالي علاقة وأخوك الله يرحمه تورَط معهم لكن ماكان يربط مصيره بمصير أهله، وأنتِ لا تربطين مصيرك بمصير أهلك!! هذا شي فات وأنتهى من سنَة، والحكي بالماضي لا راح يقدَم ولا يزيد، أبدأي صفحة جديدة وأنسي اللي فات، وصدقيني محد بيتذكره! إلا أنتِ! إذا حاولتي تنبشين فيه كل مرَة، مافيه عايلة بهالوجود كاملة! وأفرادها كلهم مثاليين! لكن مافيه عايلة بعد تصير ضحية فرد واحِد، وأنتِ لا تصيرين ضحية اخوك بعد!! أقتنعي بمسألة إنه مالك أيَ علاقة وذنب باللي صار، ذنبك الحين إنك تربطين مصيرك بمصير غيرك، يا مُهرة أنتِ مالك دخل في أحد! ولا لِك دخَل باللي صار قبل، أنا أعرف أنه أخوك ومن حقك تعرفين كل صغيرة وكبيرة عنه لكن شي صار وأنتهى، تشوفين إنه يوسف يستحق منك كل هذا؟ هو يبيك أنتِ بحاضرك ما يبيك بماضيَيك!! لا تدمرين نفسك وتدمرينه معك! لا أنتِ تستاهلين التعاسة عشان أهلك ولا هو يستاهل الحزن عشان رغبتك!! مُهرة بضيق صوتها المتحشرج : أنا ما أقبل إني أحس وكأني مفروضة عليكم منصور بإنفعال : منتِ مفروضة والله منتِ مفروضة! يوسف يبيك وأبوي وأمي وخواتي متقبلين وجودك وفرحانين فيك!! وحتى يوسف صرت أحس بسعادته معاك رُغم كل شي!! لا تهدمين حياتك بهالطريقة! اللي تسوينه أكبر غلط بحق نفسك قبل لا يكون بحق يوسف مُهرة : ما بُني على باطل فهو باطل منصور : و ربَ ضارة حسنَة بعد!! بس فكري وخذي وقتك بالتفكير أكثر قبل لا تندمين وإذا فكرتي بجهة أهلي تأكدي إننا كلنا نبيك ومنتِ مفروضة على أحد! ، يجلسُ بمقابله دون أن يرفع عينِه وينظرُ إليْه، تشابكت يدِه ببعضها ولا كلمات تحضرُ في صوتِه، أقشعرَ جسدِه من هذا الصمت الذي يُربك قلبه. لا أنتظر مغفرة عبدالمحسن، أعرفُ جيدًا أنه من المستحيل أن يُسامحني بسهولة، أحتاجُ عمرًا يوازي الثمانية سنوات التي مرَت حتى يتجاهل ما حدث لإبنته، ولكن لن ينسى! لن يقدر على محوِ شيءٍ وضعتهُ نصب عينيْه على الدوام، ولكن أسألُ الله أن يليَنه عليَ، أن يعطيني فرصة واحدة حتى أُصحَح ما حدث، لو أن الأمر بيدي لكرهتُها، لنفرتُ منها، ولكنها تمكَنت مني، كان حُبها أقوى من أن أواجهه لوحدِي، كنت أراها بمواصفات شريكة حياتي حتى لعنتُ أنها ـ إبنة أخي ـ وهذا التصنيف الذي يجعل من أمر إجتماعنا مستحيلاً، حاولت أن أنساها ولكنني جُننت بها حتى تجرَدت من كل المسميات وأردتُها زوجتي، عشقتُها ومازلت، أنا لا قُدرة لي على محو الجوهرة بهذه السهولة. ولكن سأحاول! سأحاول أن أعُود لنفسي التي كانت حيَة قبل 8 سنوات. عبدالمحسن : وش أخبارك؟ تُركي بإقتضاب : بخير عبدالمحسن : كلَمت ياسر وقالي أخبارك بس أبي أسمعها منك تُركي بضيق : أيَ أخبار؟ عبدالمحسن : ماراح تقولي ليه رجعت؟ تُركي نظر إليه وسُرعان ما شتتَ نظراتِه : آسف عبدالمحسن أشتَد ضيقه : على ؟ تُركي تلألأت عيناه بالدمع : خنت ثقتك، بس والله ماكانت غايتي أضايق أحد، كنت بس . . . تحشرج صوتِه ولم يقدر على مواصلة الحديث، عبدالمحسن : تُركي تُركي يُكمل بصوتٍ يُضعفه ـ قبضة الدمع ـ عليه : أنجنَيت والله فيها! وما كنت أبي أضرَها بشي، بس الحين حالف ما عاد أقرَب لها كنت أبي أشوفها قبل كم يوم لكن ما خلتني أقولها كلمة وحدة، بس والله ماعاد بقرَب لها، وأصلاً قلت راح أنقل لأيَ منطقة ثانية بعيد عنكم قامت صلاة العصَر و تسلل إلى مسامعهما ـ الله أكبر ـ، وقف عبدالمحسن وبأمر : أمش معي نصلي . . تُركي كان ينتظر منه ردَة فعلٍ على حديثه ولم يجد شيئًا، وقف وتبعه حتى دخلا إلى المسجد المجاور للفندق. صلَى بجانب أخيه بعد عهدٍ طويل لم يُصلي به مع عبدالمحسن، أخذ نفس عميق وهو يُغمض عينه حتى كبَر بعد الإمام. أنتهت الركعة الأولى وبعدها الثانية إلى أن أتى التشهدُ الأخير والسلام، وبإيمانٍ تام بمعجزة الدعاء لفظ تُركي " يارب ليَن قلبهُ عليَ، يارب ليَنه و أنزع حُبها من صدري ". إلتفت لعبدالمحسن بعد أن بدأ الرجال يخرجون من المسجد، بتردد كبير أقترب وأنحنى ليُقبَل رأسه، قبَله حتى أجهشت عيناه، حاول أن يمسك نفسه ولكن البُكاء على المعاصِي أشدَ حرقة على النَفس. عبدالمحسن تجمَد بمكانه دون أن يلتفت أو يحاول أن يرفع عينه عليه، صوتُ بكائِه كان يشطرُه بإستمرار، أخذ نفَس عميق، وهو يحاول بجَد أن لا يفقد توازنه، أخفضَ تُركي رأسه وهو يُكرر ـ الأسف ـ في كل دمعةٍ يذرفها. إلتفت عليه عبدالمحسن بكامل جسدِه، أحاط رأس أخيه بيديْه ورفعه لينظر إليه : اجبرتني يا تُركي!! تركي بلع غصَاتِه ورُغم أن يدَا عبدالمحسن ترفع رأسه إلى أنه لا يضع عينه بعين أخيه : الله يغفر لي حزنك . . عبدالمحسن سحبه بقوَة ليُعانقه ودمعة أتعبها الزمن نزلت بقهرٍ شديد : الله يغفر لك حزنها . . الله يغفر لك حزنها . . . بكى تُركي كالطفل بين ذراعيَ عبدالمحسن وهو يذوق مرارة الذنب و وجعه في صدرِه، لم يكن سعيدًا أبدًا بمعصيته لله لكن كان يشعرُ بلذةٍ وقتية لم يستطع أن يمنع نفسهُ منها، كانت أهواءهُ أكبر من أن تواجه وتُقمع، وحين قُلت سابقًا بأن لي القُدرة أن أعيش بعيدًا عن هذه الحياة كنت أكذبُ على نفسي، لا أستطيع أن أحيَا دون عبدالمحسن و عبدالرحمن، لا أستطيع ولا أقدِر على الحياة بعيدًا عنهم ولكنني آذيتهُم! رُبما عبدالرحمن لم يشعر بعد بهذا الأذى ولكن إن عرف يومًا مَا بما حدث سيُصاب بخيبة مُوجعة، وأنا لا أقدر على وجع عبدالرحمن أيضًا. عبدالمحسن : توعدني ماعاد تشوفها! ولا عاد تقرَب لمكان هي تكون فيه . . أوعدني يا تركي تذبح الجوهرة في قلبك و حياتِك وتنسى إنها بنت أخوك، ماعندِك بنات من أخوانك الا أفنان و رتيل و عبير وبس!! تُركي ببحَة موجعة : والله، ماراح أقرَب لها عبدالمحسن : وإذا تبيني أسامحك، ترجع لقبل 8 سنين لمَا بديت تحفظ قرآن وقطعته، إذا ختمت القرآن بتجاهل كل اللي صار، أوعدني تختم القرآن، وأوعدِك بنسى إنك تُركي اللي دمَرت بنتي!! تُركي يُغطي عينيْه بكتفِ عبدالمحسن : راح أحاول بكل ما أقدر إني أختمه عبدالمحسن : أرجع تُركي أخوي اللي أعرفه ، ، مرَر كفه على جبينها الدافئ ليلتفت إلى الدكتور، ينتظرُ شيئًا يُطمئنه ويُساعده على التفاؤل بأمرِها، ضاقت عيناه عندما رآها بهذه الصُورة، هي الأسوأ حظَا دائِمًا والتي تواجه الموت بكثرة تقتلني، تمرَ المرةِ الأولى وتُجبر الثانيَة وتخطُو الثالثة وأخشى أن تواجه هذا الخطر مرةً رابعة وخامسة ولن يُفيدنا تمسكها بالحياة شيئًا، جميلتِي! التي مازالت تشعرُ بنا وتقاوم من أجلنا، لو أنظرُ لعينيْـك و أُشبع شوْقي لها. الدكتور : للأسف واجهت إنهيارًا نفسيًا جعلنا نُخدرها ولكنها ستستيقظ بعد وقتٍ قصير أو في الليل رُبما. عبدالرحمن أنحنى ليقبَل جبينها، مسح على شعرها وهو يُخلخل خصلاتِها بأصابعه. مازلتِ جميلتي! وإبنتي التي يُعجبني فيها كل شيء حتى تمرَدها، مازلتِ انتِ بسُمرتِك الناعمة تُنعشين الحياة في صدري، يارب عساهُ يُشفيك ويُبدد العتمة في قلبي عليكِ، يارب عساهُ يُصلحك ويُسعد قلب والدِك، يارب عساهُ لا يصل حُزنٍ إلى محاجرِك اللؤلؤيـة والتي أحبها كثيرًا، أنتهت فترةٌ تعيسَة من حياتي وأُريد أن أبدأ فترةٍ أخرى بضحكتِك. أثقُ بقوَتِك وبمُقاومتِك من أجل الحياة، أثقُ جيدًا أن إبنتي مهما واجهت ستقف على أقدامها، ـ حنَيت ـ و هذا كل ما أعنيه بكلامي السابق. خرج ليقترب من عبدالعزيز الذي كان ينتظرُه، بهدوء : صاحيَة؟ عبدالرحمن : لا، قال يمكن تصحى بعد شويَ أو في الليل . . خلنا نروح الفندق؟ صمت طويلاً حتى نطق بشتاتِ نظراته : بشوفها عبدالرحمن دون أن ينظر إليه : بنتظرك تحت بالسيارة . . . عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليفتح باب غُرفتها، أغلقهُ من خلفه وبكل خطوةٍ يخطوها وعيناه لا ترمش، عقد حاجبيْه عندما نظر إليْها، وقف بالقُرب منها عند رأسها، وضع يدِه على شعرها البُندقي وأصابعه تُخلخله ببطء لا يُضايقها. إني لأُعيذكِ من ضياعي، وأظنُكِ تزيدنهُ، وإني لأعيذك من حُبي، وأظنَكِ ترتكبينه. لا ذنب لكِ بما قتلتِ، إن كان مُرتكب الجريمَة عيناكِ وليست يداكِ، لا ذنب لكِ يا رتيل! سوى أنَ النور حين ينعكسُ على السمرَاء ـ يذبح ـ، وأنا وقعتُ بهذا الضيَاء، منذُ اللحظة التي كنت أسيرُ بها وألتفتَ من أجل ظلَك الذي ينعكسُ من النافذة، ومنذُ أن لمحت عيناكِ وأستهزأتُ بها، لم أكن أقصد الإستهزاء، ولكن الرِجال حين تلفتهُم عينانِ تُشبه عيناكِ يحاولون أن يخفُون ـ شدَة الإعجاب ـ بتصرفاتٍ مُقللة من شأنها، هذا كل ما في الأمر، لِمَ وصلنا إلى هذه النُقطة؟ أُدرك فداحة خطأي، ولكن من فرط الشقاء أصحبتُ أخافُ الفرح، أخافُ أن اقترب منه. سحب الكُرسي من خلفه بقدمِه ليجلس بجانبها، وضع يدِه فوق كفَها الباردة، قرَبها من شفتيْه ليُقبَلها. الظن الذي يجيئني في هذه اللحظة، أنه بمُجرد أن تُغادرين باريس ستُغادريني، كنت دائِمًا أخبرك أنني أعرفُ النهاية، أعرفُ ما سيحدثُ بنهاية المطاف، ستتكاثرُ اخطاءنا حتى يُصبح من فرط الجنون أن نتجاهلها ونعفُو عنها، لا أنتِ القادرة على الغُفران ولا أنا القادر على النسيان. ترك يدها على بطنها، لينظرُ إلى ملامحها مرةً أخرى، همس : رتيل! أجيبيني ولو لمرةٍ أخيرة، أُريد أن أرى عيناكِ وهي تُخبرني بحقيقةٍ لا يعكسُها لسانِك، أشتقت للحُب الذي تشي به نظراتِك. عبدالعزيز إبتسم من الفكرة التي جاءتهُ، وقف لينحني عليها، قبَل جفنها النائم وهو يهمسُ بصوتٍ خافت : هنا الودَ . . ـ نزل إلى خدَها ـ و هِنا الحنان . . ـ اقترب من جبينها ليُقبَله ـ . . وهِنا موضع الإحترام . . . في الوقت الذي كان يُلامس جُزء من صدره المنحني جسدها، همس : رتِيل، على فكرة إذا طلعت الحين ماعاد بجيك، يعني ماراح تصحين؟ . . . دخلت الممرضة من خلفه ليرفع نفسه بسُرعة، إلتفت عليها، الممرضة بإبتسامة : توقعت أنها مستيقظة، لابُد أن تستيقظ لأن التخدير الذي أخذتهُ كان خفيفًا. عبدالعزيز تمتم : أنا أعرف كيف أصحَيك . . الممرضة : عفوًا؟ عبدالعزيز : شكرًا لكِ خرجت الممرضة ليعود عبدالعزيز بإنحناءه عليها، بخفُوت : أبوك تحت، يعني أطلع؟ . . أطلع؟ . . . . اقترب بشدَة حتى لاصق أنفُها أنفه، همس : تبين تجرَبين موضع العشق؟ نسيناه . . . ـ قبَلها وأطال بقُبلته حتى بدأت تتحرك بتضايَق ـ إبتعد عنها وهو يُعطيها ظهره حتى يحبس ضحكته التي قفزت نحو شفتيْه، بلل شفتِه بلسانِه وعاد إليْها : الحمدلله على السلامة رتيل بقيْت لدقيقتيْن تنظرُ إليه حتى أستوعبت، أضطربت أنفاسها بإضطراب التركيز بنظراتها. عبدالعزيز : أبوك تحت رتيل : وينه؟ عبدالعزيز : أقولك تحت، بيرجع لك بس بيروح للفندق أوَل رتيل بضيق وضعت يدها على ملامحها البارِدة، لترفع حاجبها : وش سوَيت؟ عبدالعزيز إبتسم : كنت أعلَمك فن القُبل رتيل بغضب : بالله؟ عبدالعزيز ضحك ومن بين ضحكاته نطق : ما يصير تعصبَين بعدين تتعبين أكثر! . . رتيل إلتفتت للجهة الأخرى حتى لا تراه، شعرت بأن نارًا تحرقُ حنجرتها. عبدالعزيز : أفهم من كِذا إنك تطرديني؟ رتيل: ناد ليْ أبوي عبدالعزيز بجديَة : رتيل رتيل نظَرت إليْه، رفعت حاجبها بحدَة : وش تبي؟ ترى أبد طيحتي بالمستشفى ما نسَتني شي عبدالعزيز تنهَد : ولا أنا أبيك تنسين شي، أنتهى كل شي هنا أصلاً " لو كلمة تجبر خاطري فيها يا عزيز " كلمةٌ واحِدة قُل فقط أنَك أشتقت، إجعلني أشعُر ولو لمرَة أنني شيءٌ مُهم في حياتِك وأن مرضِي يعنيك، لِمَ جئت؟ لتزيد لوْعتِي و وجعي، جِئت حتى تُصيبني بخيبةٍ أكبر، أنتَ أسوأ رجُلٍ يُمارس رجولته عليَ، هذه الرجولة التي أقوى مما أحتمَل، وهي تجيئني بحُبٍ لا أستطيعُ أن أتجاهله، المعادلة الصعبة أن أجملُ الأشياء تأتِ منك و أوجعُها تُصيبني منك أيضًا، لا أدري مالحل؟ وماهي حيلتي وقلبي مُكبَل بهواك؟ في ذلك اليوم، عندما أغرقتني بقُبلاتِك وقُلت بين حشدٍ من ضحكاتِك " عندي خبرة بفنَ القُبل " قُلت لَك مقطعًا يجيئني دائِمًا كذكرى لعينيْك. " يا عاقد الحاجبيْنِ على الجبين اللجيْن، إن كنت تقصد قتلي قتلتني مرتيْن " قتلتني يا عبدالعزيز بسُمرتِك و حدَتها. عبدالعزيز : ماراح تقولين شي؟ رتيل بعصبية وأعصابها تشتَدُ أكثر : مين لازم يقول؟ أنا ولا أنت؟ تحب تقهرني وتضايقني . . . ضعفت قوَاها وهي تبكِي وتحاول أن تُغطي ملامحها بالوسادة حتى لا يرى دمعُها الذي يسقطُ بوضوح ـ أحبك ـ في عينيْها. عبدالعزيز حاول أن يقترب ولكن وقف بمكانِه، بهدوء : ماجيت أقهرك ولا أضايقك، جيت أتطمَن عليك رتيل : كذَاب!! عبدالعزيز : والله، كنت بروح الفندق أوَل عشان غادة . . رتيل نظرت إليْه بمحاجرٍ ممتلئة بضياء الدمع، بإنفعال : وتطمَنت؟ أنا بخير الحمدلله، لكن بعد ما شفتِك ماني بخير!! عبدالعزيز فهم تمامًا أنها متوترة و يتضحُ ذلك من كلماتها المتقطَعة وإنفعالها، أردفت ببكاء عميق وهي ترتجفُ بأنفاسها : عُمرك ماراح تحسَ، لين أموت ذيك الساعة بتتذكر وتقول والله فيه بني آدم ينتظرني عبدالعزيز بضيق : بسم الله عليك رتيل بصراخ : بسم الله عليَ منك . . أنت اللي تذبحني وأنت اللي تمرضني!! عبدالعزيز بخفُوت : طيب إهدي خلاص، لا يرتفع ضغطك رتيل بقهر وعيناها لا تجفَ : شف أنا وين أحكي وهو وين يحكي!! وتقول جايَ تتطمَن بعد؟ . . يارب بس أرحمني عبدالعزيز بحدَة يقترب منها : رتيل خلاص!! بتخلين الممر كله يسمعك الحين رتيل أخفضت عينيْها لتدخل بدوامةٍ من البكاء المستمَر، تنهَد وهو يضع يدِه على شَعرها : ليه أنفعلتي؟ ماحاولت أستفزك ولا أقهرك . . صايرة ما تتحملين كلمة مني رتيل بإنكسارِ نبرتها : ليه تسوي فيني كِذا؟ عبدالعزيز : ما سويت شي، لو أدري إنه جيَتي لك بتسوي كِذا ما جيتك، يهمني بعد إنك تكونين بخير رتيل تُشتت نظراتها : يارب ساعدني بس عبدالعزيز وهذه الدموع تكسرُه، وتُليَنه رُغمًا عنه، مسح ملامحها بأطراف كفَه : لا تبكين، توَ ما مرَ عليك يومين رتيل نظرت إلى عينيْه القريبة منها ولا تفصلُه عنها سوى بُضع سنتيمترات، طال صمتهما. أأمُوت أمْ مالعمل؟ ما كان بالبُعد خيرًا حتى أرضى به، خيْرِي يا عزيز معك وأنت شحيحٌ بالهوَى! وأنا لا أتنازل! مثل بقية نساء بلدِي اللاتي لم يعتادون التنازل ابدًا إن كان هذا يخلَ بكبرياءهم، كيف أتنازل؟ وأنا كنت صاحبة الرغبة والخطوة الأولى في كل أمورنا الفائتة؟ تذكُر؟ سألتني في أول زيارة لباريس " وين بتروحين " أجبتُك " جهنَم " و وقتها ضحكت وقُلت " كويَس بطريقي " أظنُك كنت صادق حينها، نحنُ في الجحيم و أنت لا تعطفُ عليَ أبدًا. لم يكن سيضرَك شيئًا لو تقدمت خطوةٍ للأمام وتمسَكت بي مثل ما أتمسَك بك في كل مرَة وأتجاهلُ أمر عقلي، لِمَ تفعل بي كل هذا يا عزيز؟ والله لا أستحق أن تُحزني بهذه الطريقة الموجعة. عبدالعزيز بلع ريقه من نظراتِها التي تُزيده حُزنًا، أردف : بترجعون الرياض بس تقومين بالسلامة، شدَي حيلك رتيل بقهر : بنرجع؟ طبعًا أنت منتَ منَا! طبيعي أصلاً ليه أسأل، عُمرك ماراح تكون منَا لأن عُمرك ماراح تفكر بأحد غير نفسك، كل مرة أقتنع أكثر إنك أناني وتحب نفسك أكثر من شي ثاني، وطريق بيوجعك تبعد عنه حتى لو أحد ينتظرك فيه وطريق فيه لذتَك حتى لو مافيه أحد ينتظرك مشيت فيه!! عبدالعزيز : وأنتِ ظالمة! لأن عُمري ما فكَرت أمشي ورى رغبتي! شوفي حالتي اللي وصلت لها وعقب كل هذا تقولين أناني؟ بدآ حقدك يعميك فعلاً!! رتيل بغضب : أطلع برا عبدالعزيز نظر إليها طويلا حتى صرخت مرةً أخرى : أطلللع عبدالعزيز ابتعد عنها، وبهدُوء : طيَب رتيل من بين إندلاعات الحُرقة في صدرها وتصاعد البُكاءِ في عينيْها نطقت : ما أبي أشوفك . . إتجه عبدالعزيز ناحية الباب وبمُجرد أن وضع يده على مقبض الباب حتى توقَف وهو يسمعها تبكِي وتُنادي ـ يُمَه ـ، للمرةِ الأولى يسمع لفظ " يمَه " من بين شفتيْها، كان يُدرك خسارتها لوالدتها ولكن لم يُدرك أن حزنها يتفاقم في كل لحظة تحتاج أن تبكي على صدرِ أحد. دفنت وجهها بالوسادة وهي تستلقي على جمبها مُتجاهلة أمر إصابتها، أختنق صوتها بكلماتٍ كثيرة لا مجال لفهمِها : يارب . . ليه كِذا؟ ياربي . . . يا يمَه . . . لم يقدر أن يفتح الباب ويخرج وهو يسمعها تبكِي بهذه الصورة، تنهد: يارب . . عاد بخُطاه ليُبرهن لها أنه ـ يتمسك بها ـ رُغم أنها تُهينه، جلس على السرير بجانبها بعد أن أستلقت على جمبها وتركت مساحةً فارغة، سحبها برفق رُغم محاولاتها بأن تُبعده : أتركني عبدالعزيز شدَها إلى صدره : أششش! خلاص رتيل بإنهيارٍ تام لا فُرصة للسيطرة عليه، حاولت أن تضرب صدره وتُبعده ولكن ذراعيْه جمدَت حركاتها : ليييه! عبدالعزيز وبدأ صوتِه يختنقُ معها : رتيل . . خلاص رتيل وهي تحبسُ وجهها في صدره : تحبَها؟ طيب وأنا؟ ليه تزوجتني؟ ليه تسوون فيني كِذا؟ ماني حجر عشان ما أحس! ليه تلعبون في قلبي بمزاجكم؟ أنت وأبوي كلكم تعاملوني كأني عديمة إحساس . . تعببببت عبدالعزيز قبَل رأسها ولمْ يحاول أن يُحرك وجهه بعيدًا عنها، ضلَت شفتاه تُلامس رأسها. رتيل ببكاء : ليه يا عزيز؟ أنت تدري وش في قلبي لك؟ كيف تقوى تسوي فيني كِذا؟ عبدالعزيز وصدرُه يرتفع بعلوٍ ويسقطُ بذاتِ العلو، قلبهُ ينتفض من مكانه مع كل حرف تنطقه شفاهِها : إرتاحي، لا تفكرين بأشياء راحت رتيل بعلوِ صوتها المُتعب : لا تقول لا تفكرين! هذي نفسي كيف ما أفكر فيها!! ياربي . . ليه لييييه عبدالعزيز أبعدها عن صدرِه حتى يُحيط رأسه وينظرُ إلى عينيْها التي تُقابله : ما أحب أشوفِك كِذا، تذبحيني والله رتيل : ما تعرف شعوري ولا راح تفهمه، بموت يا عبدالعزيز لما أفكَر إنك معاها، أحس بنار تحرقني! أنا ما أستاهل تسوي فيني كِذا، من البداية كنت تهيني مع كل كلمة، وبعدها أهنتني بأفعالك! وش جريمتي عشان تسوي كل هذا؟ عشاني بنت عبدالرحمن؟ عبدالعزيز : ماعاش من يهينك رتيل بغضب : لا تحاول تقنعني بأيَ كلمة! أنت تهيني . . تهيني يا عبدالعزيز، حتى الحين تهين شعوري لما أبيَن لك كل شي وتجلس تجاوبني بأشياء ثانية عبدالعزيز : كيف أجاوبك؟ رتيل تلفَ وجهها للجهة الأخرى : وش أبي بحُب أنا طلبته؟ إما تجي منك ولا ما أبيه . . عبدالعزيز الذي مازال يحاوط وجهه أرغمها على النظر إليْه : الحين فهمت كلام ابوك لي، لمَا قالي لا تكوَن علاقات وصداقات مع أحد، فهمت وش كان يقصد رتيل بحدَة نظراتها : الله يسلم أبوي كانه داري إنك إنسان بارد تجرح الواحد وتجي تداويه!! عبدالعزيز عقد حاجبيْه وبحدَة نبرته : تدرين وش الفكرة اللي في بالي الحين؟ إنك جاحدة وظالمة رتيل بغضبها الذي لا يهدأ دفعته بكفيَها الرقيقتيْن، لم يتحرَك من مكانِه ولم تهزَه ضربتها الناعمة : ليه رجعت؟ . . ما أبغى أشوفك عبدالعزيز رُغما عنه إبتسم : ومتناقضة رتيل : وأنت أناني وحقير وبارد و نذل و قاسي و متسلط وو . . لم تُكمل من قُبلته المُفاجئة التي أعادت رأسها إلى الوسادة، ويديْه تُقيَد كفيَ رتيل، همس وهو يبتعد مقدار ـ 5 سم ـ عن شفتيْها : وعاشق فتحت عينيْها وصدرُها لا يتنفسُ بسلام إثر الإضطراب الذي يعيشه ويجعله يرتفع بعلوِ الشهيق ويزفرُ بهبوطٍ شديد، نظرت إليْه وشحوب ملامحها يتحوَل للحُمرة، رفع عبدالعزيز نفسه عنها حتى لا يضغط على مكان الإصابة، ترك كفيَها ليقف بعد أن سمع صوتُ الباب، عبدالرحمن قبل أن ينظرُ إلى رتيل : وينـ . . صمت عندما رأى إبنته، أقترب منها : يا بعد عُمري، الحمدلله على السلامة . . قرَت عيوني عانقتهُ بشدَة وهي تنظرُ من على كتفِ والدها عينيَ عبدالعزيز، أرادت أن تمتص الهدوء من جسدِ أبيها : الله يسلمك عبدالرحمن أنتبه لتنفسها غير المنتظم، أبعدها لينظر إلى وجهها الباكي : وش مبكِيك؟ . . إلتفت لعبدالعزيز . . . عبدالعزيز حكَ رقبته بتوتر وحرارة جسدِه ترتفعُ إلى أوجَها : كانت تبيك عبدالرحمن عاد بأنظاره إليْها وهو يمسح وجهها ويُبعد خصلات شعرها الملتوية من على وجهها : شلونك الحين؟ حاسَة بألم؟ رتيل هزَت رأسها بالنفي و زادت عُقدة حاجبيَ والدها من أنفاسها التي تُشعره وكأنها ركضت للتو : فيك شي؟ رتيل بإبتسامة أرادت أن تُطمئنه : لا، . . أشتقت لك عبدالرحمن يُقبَل جبينها : تشتاق لك الجنَة، وأنا أشتقت لكم والله بس الحمدلله عدَت على خير . .تنذكر ولا تنعاد يارب رتيل : آمين . . عبدالرحمن : تجلسين بروحك بس شويَ؟ بروح أنا وعبدالعزيز للفندق وبرجع لك بعدها رتيل فقدت الإدراك بكل الكلمات التي يقولها والدها، وبقيْت صامتة. عبدالرحمن بإستغراب : رتيييل رتيل : ها عبدالرحمن : وش فيك؟ شكلك مو طبيعي . . إلتفت لعبدالعزيز . . قايلها شي؟ عبدالعزيز : وش بقولها يعني؟ أصلاً توَها صحت وبكت على طول . . صح؟ عبدالرحمن أنتظر تأكيد رتيل الذي طال وأربك عبدالعزيز، نطقت وهي تبلعُ ريقها بصعوبة : إيه عبدالرحمن : طيب بتركِك وماني مطوَل عليك بس عشان ما ينشغل بالي على عبير وضيَ رتيل : طيب عبدالرحمن : إذا بتخافين بجلس عندِك رتيل : لا عادي بنتظرك وقف : يالله عبدالعزيز . . خرج وتبعه عبدالعزيز الذي إلتفت عليها بنظرةٍ أخيرة ـ تبتسم ـ. رتيل وضعت يدها على قلبها لتستشعر الزلازل التي صابته، إلتفتت للشاشة التي تُبيَن صورة نبضاتِ قلبها، تأملتها لعلَها تفهم شيء ولكن لم تستنتج أيَ معلومة منه. وضعت رأسها على الوسادة لتُتمتم : مجنون! ، |
بدأت تدور حول نفسها بطريقة ـ غريبة ـ وهي تُفكر كيف تبدأ كلماتها معه، كيف تُخبره دون أن يغضب؟ كيف تجعلهُ يبتسم على كل قول ستنطق به؟
إن أخبرته أنني أكذب لن يصدقني بعد ذلك ورُبما يُعايرني ويقول لي أنتِ كذبتِي قبل هذه المرَة لن استغرب أن تكذبين مرةً اخرى، وإن لم أخبره سأشعرُ بالذنب دائِمًا ورُبما يقول لعائلته عنَي ويبدأون بالسؤال ويصل الأمر لأبي، إن وصل لأبي سيفضحني بالتأكيد أمامهم ويُهزأني! ماهي الطريقة الناعمة التي لن تُضايقني مستقبلاً ولن تضايقه أيضًا؟ يارب ساعدني بفكرة أستطيعُ بها أن أقنعه. أوقف دورانها بيديْه : أنهبلتي؟ ريم شعرت بالدوار من طريقتها بالتفكير، نظرت إليه بعد ثوانٍ طويلة : أحب أفكر كِذا ريَان إبتسم : كل شي عندِك غريب ريم تشابكت أصابعها : ريَان بقولك شي ريَان جلس على الأريكَة ورفع عينيْه : قولي ريم أخذت نفس عميق وهي تُغمض عينيْه، أردف : وهذا بعد من طقوس تفكيرك ريم جلست بمُقابله : لا تتمصخر! بس أحاول اقولك بطريقة لطيفة ما تزعجك؟ ريَان : يعني الموضوع يزعجني؟ ريم : أسألك سؤال ريَان : أسألي ريم : لو عرفت شي أنقهرت منه وش تسوي؟ ريَان بكذِب أراد أن يستدرجها بالقوْل : عادِي، أنقهر ساعة وأرضى ريم : يعني منت من النوع اللي يعصَب ويجلس أيام وهو معصَب ريَان : أنا؟؟؟ أبدًا ماني من هالنوع ريم : طيب . . . يعني هو موضوع صغير بس صار كبير . . تذكر لما خليتك تكلَم يوسف عشان تتأكد من المرض وكِذا؟ ريَان : إيه؟ ريم تنحنحت : أنا أكذب . . . ـ بنبرةٍ طفولية وهي تحلف ـ بس والله العظيم والله يا ريَان إنه قصدي مو الكذب، بس كنت أبيك تعطيني وجه شويَ ريَان كان من الممكن أن يغضب ولكن أمام نبرتها وهي تشرح جعلته ينظرُ إليها بجمُود. ريم : يعني كانت حياتنا باردة مررة فقلت وش أسوي؟ مافيه إلا شي يخليك تفكر فيني! وماجاء في بالي غير هالفكرة وصديقتي جرَبتها يعني . . جربتها مع زوجها وتقولي إنه مرة تغيَر وحمستني . . وبس جرَبتها . . بس والله العظيم إنه الهدف كان هو الخير .. ولا أنا ما أكذب! وماني راعية كذب . . يعني هو الإنسان طبيعي ماراح يصدق في كل حياته، لازم يكذب أحيانًا كذبة بيضا عشان يمشَي حياته . . وهذي تعتبر كذبة بيضا ما ضرتَك ولا ضرتني . . بالعكس خلتك دايم تدلعني ريَان : أدلَعك؟ ريم بربكة : يعني مو تدلعني بالصيغة المتعارف عليه، أقصد صرت شويَ حنون، حتى أهلك لاحظوه وقاموا يسألوني . . والله العظيم إنه امك سألتني ريَان مسك نفسه عن الإبتسامة أمام حلفها المتكرر، ريم بضيق : وحتى صديقتي نفسها قالت لاتقولين له وتفضحين نفسك، خليها تمشي عليه عشان مايظن فيك ظن سوء، بس أنا قلت لا! ريَان عاقل ويعرف إنه أحيانًا نتصرف حسب النوايا ريَان بحدَة : تتبلين على نفسك؟ مجنونة أنتِ ولا صاحية؟ بكرا تمرضين وساعتها ماينفعك كلام صديقتك!! ريم : والله العظيم يا ريـ ريان يُقاطعها : خلاااص لا تحلفين ريم : أدري إني غلطت وأنا آسفة وأدري إني . . ريان يُقاطعها مرةً اخرى : سكري الموضوع ريم وقفت لتجلس على الطاولة القريبة منه : زعلان؟ . . والله العظيم يا ريَان إني أحلم نعيش بسلام وكِذا حياة وردية وحلوة . . ريان قفزت على شفتيْه ضحكة قصيرة، جعلت ريم تبتسم. بتنهيدة : وإحنا مو عايشين بسلام وحياة وردية على قولتك؟ ريم : يعني الحمدلله محنا سيئين لكن ما بيننا توافق لا في الإهتمام ولا الأفكار ولا شي . . يعني بتكون الحياة حلوة لو أهتميت بإهتماماتي وأنا أهتميت بإهتماماتك، أنا حتى لمَا أسألك وش الأكلة اللي تحبها تقولي مافيه شي محدد! يعني ماتخليني أعرف عنك شي بس أنزل المطبخ تقولي أفنان ريَان يحب سلطة الزبادي . . طيب قولي أحب سلطة الزبادي خلني أسويها لك ريان بإبتسامة : وش دخل ذي في ذيَ ؟ ريم : إلا لها دخل، يعني أنت حاط حواجز بيننا، تحسسني إني زميلك بالشغل ماتشاركني أيَ إهتمام ريَان : لأن فعلا ماعندي إهتمامات معيَنة ريم بقهر : بس أفنان تعرف إهتماماتك من السمَا ريَان : طيب وش تبين تعرفين ؟ ريم لانت ملامحها بإبتسامة : قولي كل شي عشان لا قالوا ريَان كِذا وكِذا، ما أجلس مفهية مدري وش السالفة وأطلع آخر من يعلم بمعلومة عنك كأني ماني زوجتك ، عبدالمجيد يمدَ له كأس الماء : سمَ فارس يأخذه ويشربُ ربعه بعينٍ تذبلُ شيئًا فشيئًا، وضع رأسه على الأريكَة وأغمض عيناه، لينام بسكينة الطِفل إن أُغمي عليه من التعب، وقف عبدالمجيد وجلب له ـ فِراش ـ غطاه جيدًا وأغلق الأنوار حتى لا ينزعج من شيء. خرج لسلطان الجالس بسيكنته الخاصَة : بترجع للرياض الليلة ولا بكرا؟ سلطان : بعد شويَ بروح المطار عبدالمجيد : توصل بالسلامة سلطان : تنهَد : الله يسلمك، شلونه؟ عبدالمجيد : ماهو بخير أبد بس توَ نام . . . سلطان بضيق : ما كان لازم يموت قدام ولده! بس قدَر الله وماشاء فعل، مهما كان مجرم بس الجريمة فعلاً إنه يموت بهالصورة!! عبدالمجيد : إن شاء ربي رحمه وإن شاء غفر له، أمره بإيد الله مانقدر نقول شي ثاني سلطان : جيبه معك الرياض لا تتركه هنا، أصلاً ماعاد له بيت هناك بعد! لو ينفع نخليه يشتغل بأي وظيفة أتوسَط له فيها . . أنت وش رايك؟ عبدالمجيد : يبي له فترة طويلة عشان يتقبل موت أبوه سلطان : طيب أنت قوله أيَ شي يبيه أنا مستعد أسويه له، ترى الفراغ مو زين له! بيوْسوس فيه وبيخليه ينهبل من التفكير! عبدالمجيد : بستشيرك بشي، خلنا نكلم عبدالرحمن يخلي بنته تجي له سلطان رفع حاجبيْه بإستغراب : نعم! ليه؟ عبدالمجيد : يعني . . سلطان يُقاطعه : تراه زواج على ورق ومحد راضي فيه عبدالمجيد : لا غلطان! فارس راضي فيها وهي راضية بعد سلطان بدهشة : متى أمداه يرضى هي وياه؟ . . وش ذا الحُب الرخيص اللي من يومين حبوا بعض!! عبدالمجيد تنهَد : سلطان ماهو وقت تمصخرك!! جد يحبون بعض ولا تسألني كيف . . يمكن هي الوحيدة اللي بتقدر تطلعه من جو هالكآبة سلطان : مستحيل يوافق عبدالرحمن عقب اللي صار! بيحفظ بناته بعيونه ولا راح يخلي أحد يقرَب لهم عبدالمجيد : سلطان! أنا وياك لا أتفقنا بنقدر نقنعه ونبيَن له! وبعدين فارس ماهو سيء! بالعكس رجَال والنعم فيه وماله علاقة بإسم أبوه سلطان : يعني وش قصدِك؟ تبيهم يكملون حياتهم مثل ايَ زوجين! عبدالمجيد : إيه سلطان ضحك من أفكار عبدالمجيد : أنت عارف كيف الزواج تمَ؟ مستحيل يكملون مع بعض عبدالمجيد : مو توَك تقول مستعد أسوِي له أيَ شي؟ سلطان : بس عاد ماهو على حساب بنات بو سعود عبدالمجيد : يعني بتترك مهمة الإقناع عليَ؟ سلطان تنهَد : وش أقوله؟ أقوله معليش يا عبدالرحمن خلَ بنتك تروح له؟ كيف بيثق أصلاً ؟ عبدالمجيد : لمَا نرجع الرياض على خير إن شاء الله بيكون فارس قدام عيونه وبيثق فيه وبيتطمن على بنته سلطان مسح وجهه بكفيَه : طيب، بس يرجعون الرياض راح أكلمه ولو إني عارف وش بتكون ردة فعله عبدالمجيد : كلامي مع كلامك بيفيد، أنت جرَب وش بتخسر؟ سلطان وقف : طيب اللي تشوفه . . أنا ماشي تآمرني على شي عبدالمجيد : توصل بالسلامة سلطان : ألله يسلمك . . . . وهو يسيرُ بإتجاه الباب إلتفت عليه . . ما سألتك كيف جتِك فكرة آسلي؟ عبدالمجيد بإبتسامة : أفكار سلطان العيد الله يرحمه سلطان رفع حاجبيْه بإندهاش : صار لنا سنتين مدري 3 سنوات نقول فيه واحد إسمه آسلي وراح يجي يوم يقابله رائد وحالتنا حالة آخر شي يطلع واحد منَا!! عبدالمجيد : لو بتفكر بكل الأشياء اللي صارت بتكتشف إنك ماتدري عن تفاصيلها سلطان تنهَد : خل يجي سعد ويجيب أمل معه عشان أفرغ اللي بقى في داخلي عبدالمجيد : لا سعد خلَه عليَ وأمل بتُحاكم حالها من حالهم سلطان : و وليد؟ عبدالمجيد : لا عاد هِنا لا يلعب فيك الشيطان، وليد ما سوَا أيَ شي خارج القانون سلطان : أجل خلني أبشرك الشيطان على قولتك وش يقولي، ودَي أشوفه بعد وأطلع الحرَة الخاصة فيه عبدالمجيد بجدية : سلطان! جد أترك وليد عنك، لأنه هو تصرف مثل أيَ شخص راح يكون بمكانه . . لا تدخل المشاكل العائلية بموضوعه سلطان نظر إلى ساعته التي تُشير إلى ـ هبوط المغرب على سماء الرياض ـ : وأنت مصدَق إني بروح له ميونخ، بس في خاطري طبعًا . . . يالله سلام . . . خرج ونزل بالسلالم وهو يكتب في الواتس آب لـ " جنتِي " ( الساعة 9 طيارتي يعني بوصل تقريبًا 3 الفجر ) لم تمَر دقيقة إلا وأضاء هاتفه بإتصالها، أجابها بصوتٍ مبتهج : يا هلا حصَة : هلابِك، بشرني عنك؟ سلطان يُشير إلى التاكسي بالوقوف : بخير الحمدلله وأموري تمام، أنتِ شلونِك؟ حصَة : الحمدلله بصحة وعافية، خلصت شغلك كله؟ سلطان : إيه الحمدلله، بلغي السوَاق عشان يجيني المطار حصَة : أبشر . . ما قلت لك ؟ سلطان : وشو ؟ حصَة : عايشة أسلمت سلطان : ماشاء الله، متى ؟ حصة : أمس وأحزر من اللي أنطقها الشهادة؟ سلطان : أنتِ؟ ولا العنود جايتك حصَة : الجوهرة، هي اللي معطتها الكتب أصلاً . . لو تشوف فرحتها سلطان بإستغراب : الجوهرة بالرياض؟؟؟ حصَة : لا، كلمناها بالجوال . . ـ بنبرةٍ تستدرجه ـ . . إذا ودَك مرة تقدر تجيبها للرياض سلطان : هذي اللي قالت يا سلطان ماعاد بفتح الموضوع معك حصَة : يخي وش أسوي، بس أسمع صوتك أحس لساني يركض يبي يقول الجوهرة بأيَ سالفة حتى لو أنه مافيه سالفة سلطان غرق بضحكتِه : مالِك حل حصَة إبتسمت : بس آخر سؤال، كلمتها من جيت باريس ولا لأ ؟ يالله جبت لك سالفة إتصل عليها وقولها عن عايشة! ومنها تتطمن عليها بدون ما تجرح كبرياء سموَك!! سلطان بلع ريقه متنهدًا : كلمتها، وتطمنت عليها حصَة : جد؟ سلطان : إيه والله اليوم الظهر كلمتها حصة : وشلونها؟ سلطان بضحكة : يعني ماتدرين؟ حصة : لازم أعرف الحال من ناحيْتك سلطان : أبد الله يسلمك تقول إنها بخير الحمدلله حصَة : وش رايك تروح لمطار الملك فهد؟ سلطان : الطيارة بمزاجي، أقولهم نزلوني بالدمام ؟ حصَة بخبث : يعني أنت تبي الدمام؟ وعذرك الطيارة؟ سلطان : لا أنا أجاوبك على سؤالك . . حصَة : طيب تعال خلني أشوفك وترتاح وأقرأ عليك كود الشياطين تهجد وتقولي . . ـ تقلد نبرته ـ . . والله يا حصة عندي مشوار للشرقية سلطان : لا حول ولا قوة الا بالله . . لا تخافين بجي الشرقية حصَة غرقت بضحكتِها : والله إني دارية سلطان : طبيعي بجي . . بشوف أبوها بعد حصَة : رجعها يا سلطان سلطان بإستفزاز : عدَتها بتنتهي إن شاء الله و . . تُقاطعه حصة بإنفعال : قل آمين . . سلطان بضحكة : حصة بسألك سؤال جد حصة : وشو مع إنك ما تستاهل سلطان : الجوهرة بأيَ شهر؟ حصة ضربت صدرها بيدها : عسى السما ما تطيح علينا! مرتك يا سلطان . . تعرف وش يعني مرتك؟ مفروض عارف هي في أيَ يوم حتى؟ سلطان تنهد : تبيني أذكرك إني ماعرفت بحملها إلا متأخر وش يدريني متى حملت ؟ حصة : إيه صح . . بس ولو كان مفروض تسأل . . هي بالشهر الثالث سلطان : باقي لها 6 شهور ؟ حصة : إيه 6 شهور إن شاء الله . . يعني على صيف 2013 بتولد بإذن الله . . . الله يسهَل عليها سلطان : بس يولدون بالسابع؟ حصَة : سلطان معلوماتك الطبية زيرو . . فيه ناس حتى تولد بالثامن . . يعني ماهو شرط يا السابع يا التاسع . . تدري إنه فيه حريم يوصلون لبداية العاشر سلطان : أدري بس أبي أعرف متى يكون وقت ولادتها حصَة : يارب يارب يارب إنها تولد بالرياض سلطان : أنا أفكر وين وأنتِ وين، أنا بس ما أبي يكون عندِي دوْرة برا أو مسافر حصة بحدَة : طبعًا، أهم شي عندك شغلك . . ما أقول الا مالت عليك وعلى اللي متحمس! قلت يسأل متى ولادتها يعني مهتم! أثاريك تبي تنسَق عشان ماتكون مسافر ، سحبها لصدره بقوَة، وقفت على أطرافِ أصابعها وهي تستنشقُه بلهفة، قبَل رأسها وهي تُخفضه باكيَة، بهمس : لا تبكين! غادة أبتعدت حتى تنظرُ إليه بنظراتٍ يُضيئها الإشتياق : الحمدلله الحمدلله . . كنت راح أموت لو صار لك شي عبدالعزيز : بسم الله عليك . . قبَل جبينها وهو يُطيلها بذكرى ـ والدتِه و والدِه و هديل ـ . . خلينا نطلع من هنا غادة مسحت ملامحها من آثار البكاء التي تغزُوها، مسكت يدِه لتخرج من الفندق وهُم يسيران على الرصيف. كنت أشعرُ ولوهلة أنني فقدتُ عائلتي المتمثلة بِك، أنت ليس وحدِك يا عزيز! أصبحت تقفُ بهيبة أبي وعناق أمي وضحكة هديل، إن فقدتُك! فقدتُ عائلتي مرةً أخرى وهذا مالاطاقة ليْ به، يكفيني فقدُ واحِد لا أريد للتجربة أن تتكرر! أُريدك أنت، وأن أعيش على شُرفة صوتِك وأنسى كل ما مرَ خلال هذه السنـة، أحتاجُك يا ـ أخوي ـ ولا أملكُ أيَ سدًا يمنعُ حاجتي لك، أصبحت كل شيء في حياتي، وأخافُك! والله أخافُ أن تستيقظ عيني في يومٍ ما ولا أراك، وأخافُ من هذه الوحدَة أن تُطيل بعتمتها، أرجُوك بدَد الظلام بعينيْك و أجعلنا / نعيش. فقط نعيش. غادة : وين كنت باليومين اللي فاتوا؟ وش صار لك؟ عبدالعزيز : شغل، لكن أنتهى غادة بتوتر عميق : وناصر معاك عبدالعزيز إلتفت عليها وبنبرةٍ تحملُ معنى أعمق : إن شاء الله أنه معايْ غادة : وينه؟ عبدالعزيز : راح يجي . . مخنوق من باريس و لا عاد لي نفس أمشي بشوارعها! راح نطلع من هنا لأيَ مكان غير الرياض غادة شدَت على كفَه وهي تُسانده : المكان اللي بتروح له راح أروح له معاك عبدالعزيز بوجَعٍ يُرجف قلبه : بس يجي ناصر راح أقوله، راح نبني حياتنا بعيد عن باريس والرياض وكل مكان فيه أحد يعرفنا، راح نبدأ من جديد غادة التي فهمته جيدًا : وش منَه موجوع؟ عبدالعزيز صمَت وأكمل معها السيْر، وقفت غادة لتُجبره على الوقوف : قولي! عبدالعزيز : موجوع من كل شي حولي، أبي أبعد بأقرب فرصة من باريس غادة : و رتيل؟ عبدالعزيز أتاهُ السؤال بغتةً ليصمت. غادة : قالوا لـك؟ عبدالعزيز : وصلني الخبر غادة : رحت شفتها؟ عبدالعزيز : إيه كنت عندها غادة : شلونها؟ عبدالعزيز : بخير إن شاء الله بتقوم بالسلامة بسرعة غادة : ماراح تجلس عندها عبدالعزيز تنهَد : غادة لا تشغلين نفسك بأموري . . خل يجي ناصر بس وارتاح غادة : بس . . يُقاطعها : قلت لك لا تشغلين نفسك فيني . . أشار لتاكسي بالوقوف ليركبان ويتجهان نحو شقتهما . . إلتفت عليها عبدالعزيز : أخذي كل أغراضِك، ماراح أجلس الليلة هِنا غادة : خلنا نروح المستشفى عبدالعزيز : لا يا غادة . . غادة : عبدالعزيز ما يصير . . خلنا نروح عبدالعزيز : ليه كل هالحدَة عشانها؟ وش سوَت لك؟ غادة : ما سوَت ليْ شي بس مكسور قلبي عليها، وهي زوجتك أصلاً يعني مفروض أنت أكثر واحد توقف بصفَها الحين عبدالعزيز تنهَد : رتـ . . أقصد غادة غادة إبتسمت : إيوا رتيل . . عبدالعزيز روح للمستشفى عبدالعزيز بضيق : ما نمت وواصلة معي ونفسيتي بالحضيض طبيعي بخربط، واللي يرحم والديك لا تضغطين عليَ غادة : هذا طلب مني؟ ترَد لي طلب؟ عبدالعزيز صمت لثوانِ طويلة حتى نطق : توني كنت عندها، الله يخليك يا غادة غادة : بسألك سؤال وجاوبني بصراحة عبدالعزيز : عارف وش بتسألين عشان كِذا لا غادة : وش بسأل ؟ عبدالعزيز : أثير ولا رتيل؟ غادة أبتسمت بإندهاش : لأني مصدومة منك كيف تزوجت مرتين بسنة وحدة؟ الأولى رتيل وبعدها أثير! طبيعي بسأل ليه؟ عبدالعزيز : راح أقولك كل شي بوقته غادة : بس أنا أبي أسمع الحين، قلبي يقولي إنه قلبك مافيه الا شخص واحد وهو رتيل بس ليه أثير؟ عبدالعزيز : ومتى أكتشفتِ هالشي؟ بهالسرعة قدرتي تحللين الموضوع؟ غادة : أنا إحساسي يقول كِذا لأن عُمرك ما قلت أبي أثير! حتى كنت دايم تنزعج لمَا نذكرها عشانِك عبدالعزيز إتسعت محاجره : تتذكرين؟ غادة عقدت حاجبيْها : إيه أتذكر عبدالعزيز بدهشة : تتذكرين كل شي ؟ غادة بلعت ريقها برجفة : وش فيك عبدالعزيز؟ أتذكر بعض الأشياء اللي فاتت . . عبدالعزيز تنهَد : يعني تتذكرين وش صار قبل الحادث؟ غادة : كانت ليلة عرسي . . عبدالعزيز : إيه صح . . وصلا إلى العمارة التي تضمَ شقتهم، نزل لينظر إلى الجسد الذي يُعطيه ظهره، بصوتٍ حاد : ناصـــر إلتفت عليه بعد أن طال إنتظاره له، عبدالعزيز تقدَم إليه : وين كنت؟ تعبت وأنا أدوَرك؟ ناصِر : رحت أدوَر وليد . . عبدالعزيز بغضب : طيب ليه ما قلت ليْ؟ توقعتك تحللت من النار وأنت جالس تدوَر وليد!!! وأصلاً هو ماهو فيه!! ناصِر بضيق نظر إلى غادة الواقفة بجمُودٍ خلف أخيها، أكمل : المهم أسمعني تروح تجيب جوازك وتحضَر شنطتك وبنطلع الليلة من باريس!! ناصر : وين بنروح ؟ عبدالعزيز بعصبية : أيَ زفت! المهم ما نجلس هنا، نروح للندن أقرب شي وبعدها نفكر بأيَ مكان ثاني . . طيب؟ ناصر : طيب . . عبدالعزيز : روح الحين لشقتِك وجيب أغراضك وبنتظرك هنا ناصر تنهَد : طيب . . . دخل عبدالعزيز إلى العمارة وضلَت غادة واقفة، أطالت بنظراتِها وأطال هو بتأملها. أعرفُ هذه النظراتِ جيدًا! وأعرفُ سرَها، لم تتغيَر يا ناصر، مازلت الرجل الأسمَر المبعثِر لكل خليَة إتزان تحفَني! مازلت الرجلُ الذي اطل من النافذة كل يوم لأراه، والذي يجذبُني إليه كالمغناطيس، مازلت الرجُل الذي أحبه ومازلت أُحبه لأن فطرتِي / هي حُبه. عُدنا! دخلت دون أن تنطق شيئًا، وقف عبدالعزيز في منتصف الدرج ينتظرها، مشت معه ناحية الشقَة، حاول أن يفتحها ولكن لاحظ أنها مُقفلة والمفتاح بها، ثوانٍ قليلة حتى تقدَمت أثير وفتحته وهي التي تنتظره من الصباح، تجمدَت عيناها برؤية غادة، أبتعدت عدَة خطوات للخلف برهبة من الذي تراه، إرتعش جسدها بأكملها وعيناها مازالت تتسعُ أكثر وأكثر بوجودِ غادة. من رهبتها أستثار الخوف معدتها حتى شعرت بالغثيان، إتجهت نحو المغاسل لتتقيء صدمتها من الحياة التي تجيءُ بغادة. إلتفتت على عبدالعزيز : خافت؟ ماكانت تدري عنَي صح؟ عبدالعزيز تنهَد : أدخلي أجلسي وأنا أروح أشوفها . . . إتجه إليها . . أثير تمضمضت وأخذت المنشفة تمسحُ وجهها الذي شحَب، وبرجفة تقطعُ صوتها : هذي غادة!! عبدالعزيز عقد حاجبيْه : إيه، قبل فترة عرفت بوجودها وشفتها أثير بلعت ريقها بصعوبة : يعني حيَة؟ عبدالعزيز بإنفعال : وش فيك؟ أقولك حيَة وتسأليني عقبها!! أثير : قلبي وقف حسبت إني أتوَهم ولا شي عبدالعزيز مسح على وجهها : لا تتوهمين ولا شي أثير : وين كنت طيب كل هالفترة؟ عبدالعزيز : شغل مقدرت أطلع منه، حتى غادة نفسها توني اليوم مرَيتها أثير تذكرت أمرُ رتيل لتلفظ : أًصلاً انا أبغاك بموضوع عبدالعزيز : وشو ؟ أثير : ست الحسن والدلال عارف وش سوَت فيني؟ عبدالعزيز تنهَد : أثير واللي يرحم والديك نفسيتي واصلة للحضيض ماني متحمَل أيَ شي أثير : لا لازم تعرف، مزوَرة تحليلي الطبي ولا تسألني كيف لأني أنا مدري وش نوع الجنون اللي في مخها! ومخليتني لأيام أصدَق إني مريضة وقلبي يعاني! وآخر شي أروح المستشفى وتقولي الدكتور كل شي فيك سليم و أنه فيه وحدة كلمتنا وشرحنا لها وطبعًا مافيه وحدة بالشقة غيرها عبدالعزيز بعدم تصديق : هي سوَت كِذا؟ أثير : أقسم لك بالله إنه هذا اللي صار، ولو تبي روح للمستشفى وكلم دكتورتي وبتعرف بنفسك إنها أتصلت وغيَرت التحليل عبدالعزيز : طيب أثير بإنفعال : وش طيب؟ أنا ماراح أجلس أنتظرها تطبَق جنونها عليَ وعليك، عبدالعزيز يا أنا يا هيَ عبدالعزيز بحدَة : أثيـــر، قلت طيب يعني أنهي الموضوع . . تركها وإتجه للصالة. أثير تمتمت : طيب وراك وراك لين تطلقها!! غادة : كيفها الحين؟ عبدالعزيز : بخير لا تشغلين بالك، غادة : ماراح تروح لرتيل؟ عبدالعزيز : وش قلت يا غادة؟ غادة بضيق : لأني أبي أتطمن عليها بعد، هي ما قصرت طول ما كنت معها عبدالعزيز : غادة! يا روحي لا تزيدينها عليَ غادة : ماني قادرة أفهمك وأفهم تصرفاتِك . . بحدَة أردفت . . لو القرار بإيدي ولو كنت مكانك ما كنت تركتها إلى الآن!! . . روح يا عبدالعزيز ما يصير كِذا عبدالعزيز : مصدوم منك يا غادة على وقوفك الحادَ معها؟ طيب وانا وش سويت؟ رحت لها وأهلها الحين عندها. دخلت أثير لتُقاطع حديثهم، تنحنحت كثيرًا حتى نطقت : مساء الخير غادة غادة إبتسمت : مساء النور . . شلونِك الحين؟ عساك أحسن؟ أثير صمتت بعد أن سمعت صوتها، تحاول أن تستوعبْه لثوانٍ طويلة : بخير ، إبتسم عبدالرحمن حتى رفعها عن مستوى الأرض بخفَة : يا رُوحي! عبير بضيق : أشتقت لك أشتقت لك أشتقت لك أشتقت لك . . . كررتها كثيرًا حتى قاطعتها ضحكةُ والدها. تقدَمت ضي على صوتِ ضحكاته، ببهجة : ما بغيت!! أنزل عبير ليتقدم ناحية ضي وعانقها وهو يُغرقها بقبلاتِه، همس في إذنها : وحشتيني " أشتقتُك، توحشتك، وحشتني " و كل مصطلحات الحنين لن تكفي لشرح وتوضيح مقدار شوْقِي لعناقِك و رائحتِك، في كل مرةٍ اتأكد بأن لا حياة أستطيع أنظر إليها وعيناك لا تُشاركني النظر، لا أستطيع العيْش بهناء وأنتَ بعيدٌ وتحملُ في قلبك هناءي! إني على الرُغم من كل شيْء يحصل ويحدثُ في حياتِنا إلا أنه سبب رئيسي يجعلني أقول دائِمًا " الحمدلله علِيك وش كثر أحبك! " عبير : شفت رتيل؟ عبدالرحمن : توني كنت عندها، هي بخير الحمدلله . . بس تطلع بالسلامة راح نرجع على طول الرياض عبير : طيب وش سويتوا؟ وش صار معكم؟ عبدالرحمن : كل أمورنا بخير الحمدلله، حققنا اليوم نجاح كبير لله الفضل والمنَة ضيَ : الحمدلله، يعني أنتهى كل هذا؟ عبدالرحمن : إيه الحمدلله أنتهى كل شي هنا في باريس عبير أرادت أن تسحبُ منه خبر عن فارس ولكن لم تستطع ان تسأل بطريقة غير مباشرة، جلست على طرف السرير : غادة طلعت قبل شويَ قالوا إنه عبدالعزيز جاء عبدالرحمن : إيه هو سبقنا وجاكم . . ضيَ : كلكم بخير؟ عبدالرحمن : كلنا الحمدلله ضيَ إبتسمت : الحمدلله . . طيب خلنا نروح لرتيل ونشوفها عبير : إيه خلنا نروح عبدالرحمن : بس برتاح ساعتين على الأقل وبعدها بنروح كلها إن شاء الله . . ضيَ : نوم العوافي عبدالرحمن : الله يعافيك عبير بتوتر جلست : وش صار مع رائد؟ عبدالرحمن : مات عبير شهقت : وشو!!! عبدالرحمن نظر إليها : مات الله يغفر له . . وش فيك تفاجئتي؟ عبير : آآآ . . لا بس أنصدمت شويَ . . كيف مات؟ عبدالرحمن : تعرَض لطلق نار، الله يصبَر ولده بس عبير بللت شفتيْها بلسانِها من الربكة : ولده كان موجود هناك؟ عبدالرحمن : إيه، أكيد صعبة عليه يموت أبوه قدامه!!! . . الله لا يفجعنا بأحد ويرجَعنا الرياض سالمين عبير همست وبدأت أفكارها تدور حول فارس : آمين . . . ، بعد ـ شهريْن ـ في الرياض تحديدًا، ( منزل عبدالله القايد ) تقف على أطرافِ أصابعها وهي تقرأ بضحكَة الأوراق التي كتبها فيصل : وهذي بعد . . كما لو أنكِ جئتِ حتى تبثَين بيْ الحياة. . هالله الله! فيصل المستلقي على الأريكة وينظرُ إليها بتركيز : وش بقى ما قريتيه ؟ هيفاء : طيَحت قلبي يومها، وقمت أصيح ورحت كلمت أبوي قلت السالفة فيها إنَ بس زين ما طلعت مثل ما انا فاهمتها فيصل وقف ليهجم عليها بضحكة وهو يأخذ منها الأوراق، عانقها من الخلف وهو يهمسُ بإذنها : ما أحب أحد يقرأ شي كتبته هيفاء إتسعت إبتسامتها : خلاص راحت عليك! كل الأوراق قريتها وفتحت كل الكتب . . فيصل كان سينطق شيئًا لولا حضور ريف التي تكتفت : ماما تقول أنزلوا على الغدا هيفاء تنحنحت وهي تحكَ رقبتها من المنظر الذي دخلت عليه ريف، نزلت ومن خلفها فيصل الذي حمل بين يديْه ريف وأغلقها بقُبلاته : ثاني مرَة دقي الباب بعدها أدخلي ريف : دقَيته بس ما سمعتوني هيفاء إلتفتت عليها بحرجٍ كبير : فيصل خلاص فيصل عض شفتِه حتى يُمسك ضحكته ويُنزلها، أقترب من والدتِه وقبَل رأسها، نظر إلى الطاولة المُجهَزة بأكلٍ يُغريه تمامًا : يسلم لي هالإيدين والدته : عساه عافية . . هيفاء جلسَت بمُقابله، أخذت نفس عميق من السعادة التي تُحيطها بوجودِ فيصل. ظننتُ بك أول ما قرأتِ الأوراق سوءً ولكن أدركتُ تمامًا أننا أحيانًا نتصرفُ بطريقةٍ بشعة ولكن غايتنا منها / ضحكَة وفرحة، أنا ممتنة للأيام التي تجمعني معك تحت سقف واحِد وممتنة لطعم الحُب الذي تذوقتَه مِنك، وللضحكة التي بادلتني بها، أنا ممتنة لأولِ لحظة قبلتني بها وجعلتني أشعرُ بأن حياةً قضمت قلبي وليست شفاهِك، أنتَ أجملُ شيءٍ حصل بحياتي وأحلمُ بطفلٍ ينمو بين أحشائي يحملُ دماءِك، أحلمُ باللحظة التي أسمعُ بها أنني حامل، وأثق أنه سيجيء هذا اليوْم، سيجيء وأنتَ حبيبي. ، " عبُود قام يمشي، يسلم لي قلبه " نطقها وهو يُلاعبه، رفع عينه لوالدته : شايفة قام يمشي والدته بإبتسامة : الله يحفظه ويخليه . . أبو منصور : عبدالله . . . هرول عبدالله الصغير إليه حتى سقط بحُضنه، رفعه وأغرقه بقبلاته : يا زينه يا ناس والدته : يوسف ما أتصل عليك؟ منصور : أكيد وصل حايل . . إن شاء الله ما يرجع الا معها والدته : والله خايفة تصمم على رآيها منصور : وبيصمَم يوسف بعد على رآيه، طول أمس أنا من جهة وعلي من جهة وحشَينا راسه عشان يروح والدته : والله مهرة وش حليلها بس رآسها يابس! ذا عيبها منصور إبتسم : ما تنلام بعد . . . إن شاء الله إنه نجلا ما تطوَل عشان ما تخرَب مزاجي : هذي نجلا جتَ قبل لا يخرب مزاجك منصور رفع عينه : ساعة أنتظرك . . المُشكلة عزيمة أمها مفروض مهتمة اكثر مني نجلاء : شايفة خالتي ولدك وش كثر متحلطم؟ أم منصور : منصور زوَدتها منصور وهو يقترب منها، قرص خدها : نمزح مع أم عبدالله . . ضحكت نجلاء وهي تحمل بين يديْها عبدالله الصغير : مع السلامة . . . ركبت السيارة . . . يالله منصور تذكَر اليوم وشو ؟ ولا والله بزعل منصور ضحك وهو يلتفت عليها : يوم ميلادك مير إني ما أعترف فيه أنا آسف نجلاء بضيق : طيب قول كل عام وأنتِ بخير لو جبر خاطر منصور بإبتسامة : كل عام وأنتِ بخير وسعادة و فرحة و صحة وعافية و . . وش بعد تبين ؟ نجلاء إبتسمت عيناها التي تُضيء بالدمع : وكل عام وأنا أحبك . . منصور : وكل عام وأنتِ تحبيني نجلاء ضربت كتفه : قول وأنا أحبك؟ رومانسيتِك تحت الصفر منصور سحبها حتى يُقبَل رأسها : أنا رومانسيتي أفعال . . حرَك سيارتِه وعينا عبدالله على الطريق والأضواء التي تُثير إنجذابه. وأيضًا أُحبك، مرَت سنـة ونصف على زواجنـا ومازلت أشعرُ بحماسة الحُب وشغفه وكأنها أول ليلة معك، أنت النصيبُ الصالح الذي كُنا ندعو إليه وأنا قسمتُك، ممتنـة للحياة التي تجعلني أتمسكُ بك دائِمًا وأبدًا، ممتنة لعبدالله الذي وثَق حُبنا بميلادِه، وفي كل سنَة أكبرُ بها أشعرُ بأن حُبك مازال صبيًا في داخلي، لا يشيخ شيئًا عيناك تحفَه يا منصور. ، " الصِدف أحيانًا تخلق السعادة لكن نفس الصِدف أحيانًا تكون سبب تعاسـة " أغلقت صفحة ـ نواف ـ بتويتر وهي تقرأ آخر تغريدة له قبل شهر، وهي تتنهَد، من فرط خيالها أن تتوقع بإمكانها من الزواج من شخص لا يعرف عنها شيء، أقبلي يا أفنان بالوقع، هذا الوقع! كيف سيجيء ويتزوجني هكذا؟ منطقيًا هذا لا يحدُث، ولكن أردتُ لو صدفَة تخلقُ سعادتي، لو شيئًا يحدُث يجعله يطرق باب منزلنا، لم أشعرُ أنني أحبه بهذه الشدَة في وقتٍ سابق ولكن هو أول شيءٍ أفتح صفحته قبل أنام وعندما أستيقظ، أصبح جُزءٍ من يومي، تمنيَتُ أن يتحقق لي ولو كان خيالاً أؤمن به حتى يجيء حقيقة، ولكن لا حُب يأتِ بهذه الطريقة ولا حياة تُبنى بأساسٍ خيالي. رفعت عينها للجوهرة التي دخلت عليها : وش فيك جالسة بالظلمة؟ أفنان تنهدَت : نسيت لا أشغَل النور الجوهرة إبتسمت : جايبة لك خبر يعني ممكن حلو وممكن لا . . على حسب أفنان : وشو ؟ الجوهرة : أمي قالت لي أقولك لأنها تقول محد يعرف يتفاهم مع أفنان غيرك أفنان وقفت بربكة : إيه وشو قولي؟ خرعتيني الجوهرة : فيه ناس أتصلوا وأطلبوك لولدهم أفنان : مين؟ الجوهرة : ما تعرفينهم، شفتي خوال زوج هيفاء . . منهم أفنان بضيق : طيب وش إسمه؟ الجوهرة : إسمه نايف، يشتغل بنفس المكان اللي فيه فيصل زوج هيفا . . ويعني الرجَال كويس ويقولون أخلاقه حلوة وأمي تقول إذا وافقت أفنان بلغت أبوك أفنان جلست بخيبة لا تدري لِمَ أتاها أمل أن تسمع إسم ـ نواف ـ بآخر لحظة. الجوهرة : وش فِيك ضقتِ؟ استخيري وشوفي! أما إذا تفكرين بنواف فأنتِ مجنونة أفنان : ما أفكر فيه الجوهرة : لا تكذبين!!! أفنان صدقيني بتتعبين إذا بتفكرين بشخص شفتيه بالصدفة . . أفنان ضاقت محاجرها : طيب خلاص أرَد على امي بعدين الجوهرة : أنتِ عارفة بقرارة نفسك إنه مافيه زواجات كِذا! شافِك يومين وقال بخطبها، يعني هي تصير بس مو دايم! وحتى أنتِ ماتعرفين عنه شي . . يمكن متزوج يمكن عنده عيال بعد . . . ويمكن اللي في داخلك مُجرد إعجاب وبينتهي . . . . أستخيري وشوفي طلَ ريَان عليهما : أنتِ هنا وأنا أدوَرك الجوهرة إلتفتت : ليه ؟ ريَان : سلطان تحت الجوهرة إرتجفت أطرافها وهي تبلعُ ريقها بصعوبة : جد ؟ ريَان : إيه . . بالمجلس مع أبوي الجوهرة : طيب بنزل له إتجه ريَان لغرفتِه وأول ما فتح الباب رأى باقة ورد بوجهه، إبتسم : ريم؟ أبعدت ريم باقة الورد من أمام وجهها : بمُناسبة حصولك على ترقية بالشغل ريَان : عندي حساسية من الورد ريم بإحباط : جد عاد ؟ ريَان بضحكة أخذها : تسلمين ريم إبتسمت : الله يسلمك . . مسكت يدِه لتذهب به إلى الغرفة الأخرى، وبمًنتصف الطاولة كيكة ناعِمة بلونِ الفانيلا. ريم : تعبت وأنا أنتظرك بغيت أصلي ركعتين عشان تحنَ وتجي الغرفة ريَان بإبتسامة : شكرًا ريم : عفوًا . . طيب قول كلمة ثانية غير تسلمين و شكرًا ريَان إلتفت عليها وبدأ الإحراج يتضح عليه : آآآآ. . شكرًا بعد ريم غرقت بضحكتها : خلاص راضية فيها . . . لو أنني بقيتُ على احلامي لمَا تقدمتُ لحظَة، كان لزامًا عليَ أن أُجهض أحلام الصِبا الورديَة وأتعايش مع واقعي، كان لِزامًا أن أتقبل ريَان بسلبياته، التي أصبحت بنظري الآن نوع من الإختلاف لا أكثر، تعلَمت كيف أخلقُ من هذا الواقع حلمًا ورديًا طويل الأمَد، حتى نظراتِك أصبحت بالنسبة لي شيءٌ مقدَس، أشعرُ دائِمًا أن نظراتِك معي تختلف، وهذا يُشعرني بأنني لستُ عاديَة بحياتِك، بالنسبـة لك يا ريَان / أنا أُحبك. ، بدأت قدمِه بالإهتزاز وهو ينتظرُ حضورها إليْه، طال إنتظاره ويخشى أن لا تخرج إليْه، رُغم أنه لم يسمع صوْتها منذُ تلك الليلة ولا يدري ما تغيَر بها، حتى ملامحها أشتاقُها بشدَة. قاطعت أفكارِه بدخولها، رفع عينه إليها تابعًا وقوفِه، طال الهدوء بينهما وهو يتأملها بلهفة الشوْق بعد أن غابت عن عينيْه لمدَة طويلة. مُهرة : مساء الخير حاولت أن تتجاوزه وتجلس ولكن ذراعِه قاطعت سيْرها، بشدَة سحبها إليه وعانقها، لم يستطع أن يُقاوم حضورها بعد كل هذا الغياب. كيف أستطعتِ أن أعيش كل هذه الفترة دون صوتِك؟ و عيناكِ؟ أشتقتُ إليْك، وبلغت من شوْقي الصبَابَـة، لِمَ نبتعد من أجل هذا الكبرياء؟ كل خطوة وكل إنفصال بالحُب سببه الكبرياء الذي لو نروَضه قليلاً لقَدِرنا على العيْش بسلام. مُهرة إرتجفت واترفعت حرارة الحُمرة بجسدِها من عناقه، همست : يوسف أبتعد عنها لينظر إليْها : كيف تضيَعين نفسك كِذا ؟ مُهرة بضيق : يوسف الله يخليك لا توجعني يوسف : جايَ عشان آخذك مُهرة : تكلمنا بهالموضوع يوسف : إيه تكلمنا! لكن لمَا يكون سبب الطلاق مقنع أبشري بوقتها لكن عشان أخوك اللي مات الله يرحمه ولا يدري عنك طبعًا لا مُهرة أمتلأت عينيْها بالدموع : يوسف أرجوك!! يوسف : أنتِ اللي أرجوك! . . ما يصير تهدمين كل شي عشان سبب واحد؟ وفيه مليون سبب عشان نكمَل مُهرة ببكاء : حط نفسك مكاني، تخيَل كيف بناظر أهلك؟ والله مالي وجه يُوسف بإنفعال : وش دخلك فيهم؟ أصلاً حتى هم قبل لا أجيك يكلموني ويقولون خلَك مصمَم عليها . . والله العظيم إنه أمي تنتظرك وتبيك مُهرة أخفضت رأسها، أردف : مالي خاطر عندِك ؟ مُهرة بإندفاع : إلا طبعا يوسف إبتسم : طيب؟ مُهرة : أحس أفكاري تشتت، مو قادرة أفكَر صح يوسف : أنا أفكر عنك وأقولك جيبي أغراضِك وخلينا نمشي عشان نوصل الرياض بدري مُهرة : يوسف يوسف : لا يوسف ولا غيره . . بنتظرك مُهرة : بس . . يوسف : قلت بنتظرك مُهرة عضَت شفتِها السفليَة بتوتر : والله أخاف من الحياة اللي بتجيني يوسف اقترب ليُقبَل جبينها : أنا معاك . . خرج لينتظرها بالسيارة دون أن يترك لها مجال للنقاش والتفكير. تنهدَت مُهرة تعلم أن والدتها لن تقف هذه المرَة بوجهها، خرجت لتجدها : جاء يوسف والدتها : أدري مُهرة بلعت ريقها : بروح معاه والدتها : ماعاد لي شغل بحياتتس مُهرة بضيق جلست على ركبتيْها عند أقدامها : يمه تكفين، وش أسوي أنا بدون رضاك؟ والدتها : إذا تبين رضايَ ماتركضين وراه مُهرة : هو زوجي .. تكفين يمه طلبتك والدتها بضيق : بكرا تتهاوشين معه وتقولين صادزة يمَه مُهرة : لا ماني متهاوشة معه ولا قايلة صادقة يمَه، يوسف مستحيل يأذيني بشي . . تكفين والدتها : روحي وشو له تنتظرين؟ مُهرة : ماني رايحة بدون لا ترضين عليَ . . . قبَلت ظاهر كفَها ورفعت عينيْها إليْه . . . هاا؟؟ والدتها تنهدَت بقلة حيلة : طيب روحي مُهرة إبتسمت ووقفت لتُقبَل رأسها : يالله عساك ترضين عليه . . . ركضت للأعلى ليأتِ صوت والدتها : شويَ شوي لا تطيحين هذه المرَة يا يوسف أرجُو أن يكون الغياب الفائت آخرُ بُعدٍ بيننا، أنا التي كنت الطرف الظالم في هذه العلاقة ولكنني كُنت أشتاقُك في كل لحظة، ولكن كل شيء أمامي يجعلني أفكَر بأن لا بدايَة جديدة بيننا، تصوَر كل شيء يُخبرني، عندما مرَ أكثرُ من شهريْن ولم أسمع بها صوتِك أدركت أنك لا تُفكر أبدًا بأن تُعيدني لحياتِك، شعرت بالخيبة رُغم أنني أنا سببها، ولكن كنت أريد إصرارًا منك بعد أن تحدَثت مع منصور، أردتُ فعلاً أن أستيقظ على عينيْك، لا يهُم! الذي يهمني حالاً أنك بالأسفل تنتظرني. ، في ميُونِخ، يسمعُ لمريضِه الذي يُعاني من فرط كآبـة، وفي كل كلمةٍ ينطقها يستذكرُ غادة التي كانت تُخبره بمثل هذا الحُزن وبنبرة هذا الوجَع، لم أنجح ولم أفلح أبدًا بأيَ علاقة بحياتي، مازلت موجُوع! حاولت أن أتمسَك بكل فرصةٍ أتت إليَ ولكن لم أستطع أبدًا، أنا الذي بعد الله أُساعد غيري أعجزُ عن مساعدة نفسي، أحلمُ بأن أكوَن عائلة ولكن هذه العائلة لا تُريدني، حاولت مرَة تقليديًا وحاولت ثانيةً بصورةِ حُبٍ أردته وبكلا الحالتين فشلتْ، لا نصيب لي ولا حظَ بالحُب! والآن؟ أُكمل حياتي برتابَـة، أستيقظ لأنظم مواعيدي، أحضرُ دورات وأُعطي دروس وأداوم بالعيادة، وماذا أيضًا؟ لا شيء سوى الوحدَة التي تحفَني، الوحدَة التي مهما حاولت أن أنسلخ عنها لا أقدر، هي تنمُو بدل جلِدي ومن يقدر أن ينزع هذا الجِلد؟ لا أحَد! وحيدٌ جدًا و لا أظنُ أنني أستحق هذا الكمَ من الوجَع. ، في حلقةِ قُرآن بالمعهد، كان يحفظُ الجزء المطلوبِ منه، " ومن يعمل من الصالِحات من ذكَرٍ أو أنثى وهو مُؤمن فأولئك يدخلون الجنَة ولا يُظلمَون نقيرًا " أكمل حفظ نصف القرآن وتبقى النصف الآخر. حلاوة حفظ القرآن لن يستشعرها سوى حافظِ الكتاب، يستشعرُ بكل المواقف في حياتِه أن هُناك آيات سكينة تُتلى في قلبِه وهُناك آيات تُذكره عند الإقدام على ذَنبٍ ما وهُناك آيات تُرتَل جمال الجنَة عندما يتعبُ من طاعته، أحاول أن أنسى الجوهرة! لا أقول أنها لا تجيئني وتخترق عقلي، مازالت بسطوةِ حضورها ولكن بدأت أنزعُ إنجذابي إليْها، أشعرُ أنني بحاجة لأعوامٍ طويلة حتى أتخلَص من حُبها، اقتربتُ من عبدالمحسن، سيُسامحني قريبًا! أنا متأكد أنه سيسامحني حين أخبره أنني ختمتُ القرآن، كنت دائِمًا أظن أن صاحب المعصية لا بُد أن تكون نهايته مروَعة وكأننا لا نملكُ ربٌ رحيم، أكتشفتُ أن صاحب المعصية له حق الإختيار إما الجنة أو النار، لا أحد يُجازى بشيء لا يُريده، جميعنا نُجازى بما نُريد، حتى لو أنكرنا ذلك! بالنهاية أنا عصيتُ الله إذن أنا راضٍ بالعقاب، لكن الحمدلله على ـ التوبة ـ ، الحمدلله على هذا الدِين الذي جعل ذنبي صغيرًا أمام رحمتِه وعظمته. ، أغلق هاتفِه بعد أن تحدَث مع والدِه الذي مازال منذُ شهريْن يسأله نفس السؤال عن غادة " كيف لقيتها؟ " ويشرحُ له ذات الموضوع في كل مرَة. في جُزء من الرياض جميلاً، ركن سيارته ليلتفت عليها : هذا المسجد غادة إبتسمت : اللي بنيته ليْ؟ ناصِر : إيه . . كنت متحمس أجي الرياض عشان أوريك إياه بس الله يهدي عبدالعزيز كأن الرياض ذبحته على كُرهه لها غادة : المُهم شفته الحين، وبعدين عزوز رضى على الرياض لا تنسى ناصِر : وش عقبه؟ عقب ما راح صوتي وأنا أقنعه . . . غادة إلتفتت بكامل جسدِه إليْه : جد ناصر، أنا محظوظة فيك . . يعني عقب كل اللي صار أنت هنا وقدامي ناصِر : أنا اللي محظوظ فيك، . . ـ بضحكة من فرحته ـ أحس إني بحلم! لو تدرين كم مرَة بكيت وقلت كيف أعيش بدونها؟ حياتي مالها قيمة أبدًا بدونك غادة : الله لا يحرمني منك ويخليك ليْ ناصِر : اللهم آمين يارب غادة : تدرين وش جايَ على بالي؟ ناصِر : وشو ؟ غادة : إنه أحلامنا اللي كتبناها! ما تحس إنها تحققت؟ يعني ماتحققت بالوقت اللي أنتظرناه فيه لكنها بالنهاية تحققت ناصِر : خلَيه يجي البطل ومستعد أخليه يربيني غادة غرفت بضحكتها وهي تضع يدها على بطنها : يوه مطوَلين، أحسب 8 شهور بالتمام ناصِر : أنتظره سنة وسنتين واللي يبي . . غادة : بتكمل فرحتي لو تصالح عبدالعزيز مع رتيل ناصر : أخوك راسه مصدَي! ما يعرف يتعامل مع الأنثى غادة تنهدَت : حرام عليك!! هو بس مايعرف يعبَر صح ناصِر بإبتسامة : وش رايك نطبَ عليه الحين ؟ غادة : قلت بتمشَيني بالرياض ! بعدها نطبَ عليه ناصِر بضحكة : أوديك قصر المصمك؟ غادة : تتطنَز؟ ناصر : وش فيه! حاله من حال برج إيفل! ولا هذاك على رآسه ريشة، هذا تراثنا مفروض تعتَزين فيه غادة : ومين قال إني ماني معتَزة فيه؟ بالعكس بس يعني ودَني مكان فيه حياة ناصر : مافيه غير الأسواق . . غادة : طيَب خلنا نروح لأيَ سوق بديت أجوع ناصِر حرَك سيارتِه، وعينيَ غادة تنظرُ للمسجد نظرةً أخيرة. كيف أشكرُ الله عليك بما يليق؟ تبني لي مسجدًا؟ هذا أكبرُ طموحٍ لمْ أكن تصِل يدي إليه! مرَت سنين على معرفتي بِك ورُغم أن السعادة لم تكن تمَر هذه السنين ولكن يكفيني آخر شهريْن، أنا أسعدُ إنسانة على هذه الأرض في هذه اللحظة، مرَت أيامًا كنت أبكِيك وأنا أجهلُك، كنت أقول أن جُزءً مني فقدتـُه، ولكن لم أستطع أن أتذكَر إسمك وهيئتك، ولكن قلبك كنتُ أعرفه وهو من أشكِي له قوْلي " أشتقت "، ومرَت أيامُ أكثر حُزنًا وَ وجعًا حين حاولت أن أتذكَرك ولم أستطع، حين شعرتُ بأنني شخصيَتيْن، وأنني مُشتتة ضائعة، ولكن مرَت أيضًا، والآن أمرُ بمرحلةٍ أنا لا أعرفُك وفقط، أنا أعشقك كوداعة الخيرَة من الله في قلبي. وأنت الخِيرة التي أردتُها. ، دخل إلى الغرفَة وأفكاره تتوتَر أكثرُ وأكثَر، نظر إلى ضي التي بدأ تعبُها يشتَد في شهورها الأخيرة : مو قلت لك لا تصعدين فوق وأجلسي بالغرفة اللي تحت؟ ضيَ : كنت بغيَر ملابسي . . بس صاير فيني خمول وأنام بأي مكان عبدالرحمن جلس : جاني عبدالمجيد ضيَ : إيه؟ عبدالرحمن : هو صار له شهر ويعيد عليَ نفس الحكي بس مدري! خايف أقول لا وأظلمهم وخايف أقول إيه ويظلمها ضي : مافهمت! قصدِك فارس و عبير؟ عبدالرحمن : إيه من فيه غيرهم، فارس تعبان حيل رحت شفته وأنكسر قلبي عليه، ماعاد في حياة بوجهه ويقولي عبدالمجيد لا يآكل ولا شي! حتى يوم قاله أمش نروح لأمك رفض! متوَحد مع نفسه، بس ما أبغى أضغط على عبير! ومستبعد إنه بفترة قصيرة قدرت ترتاح له مع أنَه لما أتصلت عليها يوم كانت عند رائد قالت لي إنه يعاملها زين . . ضيَ : تبي شوري؟ عبدالرحمن : أكيد ضيَ : خلها تروح له، حتى عبير بنتك تحتاجه . . وبعدين أنت بنفسك تقول إنه فارس شخص غير وبعيد كل البعد عن شخصية أبوه، لا توقف بوجههم! وبعدين عبير كبرَت ماعادت بنت صغيرة!! عبدالرحمن : بس .. ضيَ تُقاطعه : أنا عارفة مصدر خوفك، لكن هي بتكون قدام عيونك! مابينك وبين بيته إلا شارعين، وعبير قوية ما ينخاف عليها! لو ماتبيه بتقولها بوجهك ماأبيه لكن حتى هي تستحي تجيك وتسألك عن أخباره . . عبدالرحمن تنهَد ليقف : بروح أشوفها ضيَ : عبدالرحمن لا توقف بوجههم عبدالرحمن : طيب . . . صعد لغُرفتها، طرق الباب وفتحه ليجد بوجهه رتيل التي مُتزيَنة وكأنها ستذهب لحفلةٍ ما : على وين ؟ رتيل بضحكة : وش رايك فيني ؟ جميلة ولا ؟ عبدالرحمن إبتسم : جميلة ونص رتيل : بصراحة ماني رايحة مكان، بس أجرَب مكياج عبير . . . عبير المستلقية على السرير نظرت إلى والدها وأستعدلت بجلستها : تعرف بنتِك تضرب فيوزاتها كل فترة رتيل : والله يبه مخي محتاج يتنكس ويتنكس ويتنكس وأتنكس معه والدها ضحك : وش سر هالسعادة عساها دوم ؟ رتيل عقدت حاجبيْها : شفت يبه لما تسألني كِذا أتذكر الأشياء السودا في حياتي والدها : تدرين إنه عبدالعزيز جاء الرياض؟ رتيل تغيَرت ملامحها المبتهجة : جا؟ والدها : إيه بس طبعًا ما قالي بنفسه، شايل بقلبه عليَ مرة .. رتيل : طيب . . أنا بروح لغرفتي . . عبدالرحمن إقترب من عبير : جايَك بموضوع وأبيك تفكرين فيه عبير تربَعت فوق سريرها : يخص؟ عبدالرحمن : تبين الطلاق؟ عبير أندهشت من السؤال وبقيْت متجمدَة، لم يخرجُ من شفتيْها نصف جواب. عبدالرحمن : يعني لا، طيب فارس تعبَان ومافيه أحد ممكن يكلمه غيرك، وإذا منتِ راضية من بكرا أخليه يطلقك، أنا أنتظرت كل هالفترة عشان ظروفه، لكن بعد تهمني بنتي، أنتِ انجبرتي على هالزواج لكن ماراح تنجبرين بعد بإستمراريته عبير أخفضت رأسها والدموع تتدافع في محاجرها، نطقت بصعوبة : ماني مجبورة عبدالرحمن : يعني مرتاحة له؟ عبير هزَت رأسها بالإيجاب دون أن تنظر لوالدها، بخفُوت : شلونه الحين؟ عبدالرحمن : قومي شوفيه بنفسك . . عبير رفعت عينيها بدهشَة : جد ؟ عبدالرحمن : إيه والله . . قومي ألبسي وخلينا نروح له . . . اقترب وقبَل رأسها . . تمَر الدقيقة تلو الدقيقة حتى خرج والدها وأرتدت بصورة سريعة ولبست عباءتها، أخذت نفس عميق وهي التي أشتاقت بشدَة إليْه. مرَ الوقتُ سريعًا بالطريق، أشار لها والدها بمكان فارس : من هِنا . . . ودخل هو الآخر إلى المجلس عند عبدالمجيد عبير نزعت نقابها وفتحت باب الغرفة بهدُوء، أختنقت عينيْها بالدموع عندما رأته، كان نائِمًا وملامحه لم تعَد هي ذاتُها التي تعرفها، ذقنه المهمَل و نحولِه، أكل هذا يفعلُ به موتِ والده؟ اقتربت منه لتنظر إلى ـ رواية ـ عند رأسه، أخذتها لتفتح الصفحة الأولى وبخطَ يدِه قرأت إهداءهُ لها حتى سقطت دمعة في وسط الورقة، فتح عينيْه التي كانت غافيَة مؤقتًا : عبير؟؟ . . شعَر وكأنه يتخيَلها. عبير جلست بجانبه وهي تضع يدَها فوق كفَه، بضياء الدمع بعينيْها : يا روحها . . فارس أستعدَل بجلسته ليُقابلها : مين جابك ؟ عبير : أبويْ . . فارس صُدم من رضَا والدها وهو الذي شعر طوالِ الأيام الماضية أنهُ لن يراها أبدًا : أبوك!! عبير : هو اللي قالي أجيك . . . . شلونك ؟ فارس بذبُولِ نظراتِه : بخير عبير : ليه كل هذا؟ . . . نحفان مرة و عيونك تعبانة فارس بضيق مازال غير مصدَق، قفزت دمعة إلى عينيْه : أنا أتخيَلك ولا أنتِ صدق قدامي عبير أجهشت بالبكاء وهي تُخفض رأسها : لا تقول كِذا!!! فارس : كيف رضى أبوك ؟ عبير : رضَا وبس . . . أهم شي أنتْ فارس بلع ريقه بصعوبة، وضع يدِه على خدَها حتى يُصدَق ما يراه : منتِ حلم؟ . . تعرفين إني أنتظرتك كثييير عبير : مقدرت أتكلم وأقول لأحد . . . ماكان راح أحد يظن فيني ظن حسَن حتى أبوي، لكن هو اللي جا ليْ! . . وسألني إذا أبي الطلاق، بس قلت له لا . . . فارس لا تسوي في نفسك كِذا فارس نزلت دمعَة على خدَه : مات قدامي يا عبير! ناديته وما ردَ عليَ!! فقدت أبويَ عبير : الله يرحمه ويغفر له . . هذا قضاء وقدر . . إذا ما مات اليوم بيموت بكرا، كل شخص ويومه مكتوب ماتقدر تسوي شي فارس بتعَب يشتَد حُزنه و وجعه، دمُوعه كانت قاسية جدًا على قلب عبير التي لم تعتاد النظر إلى دموع الرجالِ كثيرًا : فقدته . . أحس روحي بتطلع عبير : بسم الله عليك . . بسم الله عليك من هالوجَع . . . قوم صلَ ركعتين يمكن يهدآ بالك . . . حاسَة فيك والله، تخيَل حتى عمي مقرن محد قالي إنه توفى إلا من كَم يوم، حسَيت بوقتها إن روحي بتطلع لمَا سمعت، كان أكثر شخص قريب مني، بس كلهم كانوا جمبي . . وأنا جمبك الحين فارس بتشكِيك : أبوك رضى ؟ عبير ببكاء تقطَع صوتك : والله رضَى والله يا فارس فارس أجهشت عيناه بالدمَع، ماذا يحدُث؟ هل عبِير هي الحسنَة التي أخرجُ بها من وفاة والدِي؟ يارب إجعلها حسَنةٌ دائِمة، يارب إني أموت من الوجَع على أبِي ولا تجلعني أذُوق وجعها، يارب يارب ساعدني حتى أصبر على فراقه. عبير : يالله فارس قوم . . صلَ فارس قبَل جبينها وعيناه لا تتوقفَ من البُكاء، هذا الحلم الذي كان ينتظرُه منذُ زمَن وتوقع إستحالته ولكن لا شيء يستحيل على الله : إن شاء الله . . . إتجه ناحية الحمام ليتوضأ. عبير سحبت منديلاً حتى تمسح دمُوعها، أخطأت كثيرًا، أدركتُ خطأي ولكنني لم أواصل به، الله يعلم إنني حاولتُ وأجتهدت أن أبتعد عنه، لم أتواصل معه ولم أتقدَم خطوة إليْه، منعته عن نفسِي وحققه الله ليْ بالحلال، أفهمُ تمامًا كيف تجيء جُملة ـ من ترك شيئًا لله عوَضه ـ بلسمًا على قلبي، منذُ اللحظة التي تركتُ به هذا الطريق والله يرحمني بفارس، لو أنني واصلتُ بهذا الطريق؟ وتحدَث مع فارس دائِمًا بالخفاء؟ لو أنني لم أمتنع عنه ماذا حصَل؟ رُبما كارِثة ورُبما مصيبة ورُبما حتى حزنٌ طويل، ولكن حُزني ببعده أتى الآن فرَحْ، يالله! كيف للأشياء التي تكون بالحلال جميلة أكثر، للمرةِ الأولى أنظرُ إليه وأنا لاأشعرُ بالخوْف من ذنبٍ ومعصيَة، يالله عليك يا فارس " وش كثر أحبك ؟ ". ، عائشَة ركضت إلى حصَة : والله ماما حصَة : يمه يمه أعوذ بالله وش ذا الخرابيط، اليوم بشغَل قرآن في الدور الثالث وإذا فيه بسم الله بيطلعون إن شاء الله عائشة : أنا ماراح ينام فوق . . أنا يقول حق أنتِ حصَة : طيب نامي تحت محد ماسكِك . . خلني أشوف سلطان وش سوَى؟ يارب يصلح قلبه بس . . . حاولت أن تتصل عليه ولكن أتاها مُغلق. في جهةٍ اخرى كان جالسٌ أمامها لوحدهما، منذُ دخلت وهو يشتت نظراته لتجيء في بطنها، كان يُريد أن ينظر ويُطيل النظر ويكتشفُ تغيَرات جسدِها. الجوهرة تنحنحت : إيه وش الموضوع ؟ سلطان : ممكن تلبسين عبايتك وتجين معي ؟ الجوهرة إبتسمت رُغمًا عنها : كِذا تعتذر؟ سلطان وقف : أنتظرك الجوهرة : ماراح أروح معاك يا سلطان . . سلطان تنهَد : يعني ؟ الجُوهرة بسخرية : جيت عشان تبيَن لي كيف إني مستعبدة عندِك ومتى مابغيت أروح معك أروح ومتى ما بغيت جلست؟ سلطان : طبعًا لا، جيت عشان آخذك الجوهرة وقفت بصعُوبة وهي تواجه بعض التعب في هذه الأيام من الحمَل : وش مطلوب مني؟ أنا إنسانة لي كرامة دامك أهنتني مرَة بتهيني مليُون مرَة . . . سلطان بعصبية : نسيتي وش الأسباب؟ تبيني أعدد لك إياهم ؟ الجوهرة بغضب تصرخ بوجهه : وأنا ما فكرت وش أسبابي؟ سلطان يقترب منها ويُشير إليها بالسبابة : صوتِك لا يعلى!! لا أقطع لك لسانِك الجوهرة جلست وهي تتكتف والدمعة تقترب من النزول : ماني رايحة معاك! مو طلقتني؟ خلاص ماعاد بيني وبينك شيَ سلطان : هذا آخر كلامك عندِك ؟ الجوهرة : أنت حتى ما أعتذرت لي عشان أفكر بالموضوع ؟ سلطان : ليه أعتذر لك؟ ماشاء الله أنتِ رايتك بيضا! آخر من يعلم بموضوع حملك و لا قدَرتي إني زوجك ولا شي الجُوهرة بإستهزاء : على أساس إنك أنت مقدَر إني زوجتك، أنواع الذل بعيونِك وساكتة أقول معليه يمكن أنا فهمي غلط لكن حتى لسانك ما سلمت منه سلطان بسخرية بمثل نبرتها : والله عاد إذا بتحاسبيني على عيوني مشكلة . . بكرا تحاسبيني ليه أتنفس! الجوهرة تذكرت ذلك الموقف الذي حبست به أنفاسها من أجل كلماتها التي قالتها : بالله؟ سلطان : أنتِ أعتذري لي طيَب، قولي يا سلطان أنا آسفة ما علمتك بالحمَل بدري . . الجوهرة وقفت لتقترب منه وهي تحتَد بنبرتها : عشان تسقط الحجَة مني، أنا آسفة يا سلطان ما علَمتك بالحمل .. يالله وش سويت شي ثاني؟ ما سويت شي بس أنت سوَيت سلطان ينظرُ إليها وهي تقتربُ إليه بقوَة لم يعتادها منه، أخذ نفس عميق : آسف الجوهرة بشعور الإنتصار : على ؟ سلطان لا يتحمَل أن تتلاعب به الجوهرة : لا والله؟ تبيني اطلع جنوني عليك الجوهرة إبتسمت : طيب أنا ما أعرف على وش الآسف؟ قولي آسف على الشي الفلاني والفلاني والفلاني سلطان بغضب سحبها من ذراعها : فاهمة غلط يا روحي . . الجوهرة رفعت حاجبها : أنا حامل! ياليت لو تحسَن أسلوبك شويَ لو مو عشاني عشان اللي في بطني سلطان ترك ذراعها مُجبرًا ولأولِ مرةٍ يُجبر على فعل أشياءٍ كهذه. : روحي جيبي أغراضك الجوهرة تستلذُ بتعذيبه : أنا ما بعد رضيت سلطان بحدَة : الجوهرة!!! الجوهرة : يعني بالغصب بتوديني؟ طيب وش يضمني إني بربي ولدي ببيئة صحية؟ ماهو بيئة أم وأبو يتهاوشون ليل نهار سلطان : وش البيئة الصحية اللي تطلبينها حضرتك ؟ الجوهرة : ما أطلب شي، أبي حقوقي بس سلطان بدأ الغضب يشتدَ بملامحه : إن شاء الله إني بيتي بيكون بيئة صحية يا مدام الجوهرة تحبس ضحكته خلف إبتسامةٍ ضيَقة : صفَي قلبك ناحيتي، ليه دايم تحسسني كأني مآكلة حلالك؟ سلطان : أنتِ جالسة تستهبلين وتطلعين ألف عذر وعذر!!! يالله صبرك ورحمتك الجوهرة : تذكر لمَا . . سلطان يقاطعها بغضب كبير جعلها ترتجف : الجوووهرة!!! الجوهرة بهدوء وهي تُشتت نظراتها : لا تصرخ عليَ، إذا توترت بتوتَر اللي في بطني وأنت بكيفك سلطان مسح وجهه : طيب .. طيب يا بنت عبدالمحسن الجوهرة إبتسمت : ليه معصَب؟ لهدرجة الإعتذار يخليك كِذا؟ ولا أنا ما أستاهل كلمة آسف؟ سلطان يضغطُ على نفسه : تستاهلين وبعد تستاهلين كفَ الجوهرة حاولت أن تقف على أطراف أصابعها حتى تواجهه بالطول، إلتصق قدمها بقدمِه : تمَد إيدك عليَ ؟ سلطان عضَ شفتِه السفلية وبإكراه : لا الجوهرة بإستفزاز : طيب بفكَر وأردَ لك خبر، بستخير يمكن حياتي معك . . سلطان بغضب : حسبي الله ونعم والوكيل في العدو، شوفي أعصابي تلفت ولا تخلينها تتلف أكثر!! الجوهرة : بسأل أبوي سلطان : وش رايك بعد نسأل الجيران ؟ الجوهرة تنهدت : هذا أبوي سلطان : لو أبوك ماهو موافق ما خلاني اشوفك . . ممكن تتنازلين حضرتك عشان عندنا أيام وردية بالرياض الجُوهرة : تهددني حتى وأنت جايَ تآخذني؟ يارب أعن عبدك سلطان : ماهددتك! قدامنا أيام وردية إن شاء الله الجوهرة : طبعًا وردية بقاموسك وسودا بقاموسي سلطَان : أقول تحرَكي روحي جيبي أغراضك وأنتظرك بالسيارة الجوهرة : ماني متحركة سلطان بإبتسامة وبدأت ملامحه تلين : أعدَ لمَا الثلاثة لو ما رحتي تحمَلي وش بيصير . . . واحد . . . إثنين . . . ثلـ الجوهرة ضربت قدمها بالأرض ومشَت، مهما حاولت أن تُظهر قوتها إلا أنها تخاف منه، سلطان بضحكة : مجنونة!! ، إقترب من الخادمة : نادي رتيل . . الخادمة : اوكي عبدالعزيز : بابا موجود ؟ الخادمة : فيه يروح ويَا ماما عبير . . عبدالعزيز : محد موجود ؟ الخادمة : لأا عبدالعزيز : وضيَ ؟ الخادمة : فيه يروح مستشفى عبدالعزيز : طيب أجلسي أنا أدخل، . . . دخل منزلهم بعد أن تأكد من خلوه، صعد للأعلى وفتح الغرفة ولا أحد بها، تأكد أنها غرفة عبير، إقترب من الغرفة الأخرى التي أجزم أنها لرتيل، فتح الباب بهدوء وكأنه لصَ يحترفُ الدخول بهذه الطريقة، طلَ يمينه ويساره ولم يراها، شعَر بحركة خلف السرير، إتجه للناحية الأخرى ليجدها مستلقية على الأرض وسيقانها مثبته على طرف السرير ومُغمضة عيناها ويبدُو أنها تفكَر بجَد وجُهد. عبدالعزيز عاد للخلف خطوتيْن، ليأخذ الزهر غير الطبيعي الذي على تسريحتها، إقترب منها وأنحنى ليضعه أمام وجهها، فتحت عينيها لتصرخ برُعبٍ شديد جعل عبدالعزيز أمام منظرها يغرق بضحكاته العاليَة : إسم الله عليك رتيل بإنفعال لم تعد تدري ما تفعل، أخذت كل الأغراض التي أمامها وبدأت ترميها عليْه : حسبي الله . . وقَفت قلبي . . يممممه عبدالعزيز يتأملها وهي مُتزيَنة بكامل زينتها : كنتِ زايرة أحد ؟ رتيل : كيف دخلت غرفتي؟ عبدالعزيز : محد في البيت وقلت بدخل رتيل : إلا ضيَ موجودة عبدالعزيز تنهَد : حتى صاحبة البيت ماتعرفين عنها! تقول الشغالة بالمستشفى . . رتيل تكتفت لتنتبه إلى قميصها المفتوح، بغضب أخذت الكتاب ورمتهُ عليه. عبدالعزيز بضحكة : أنا وش دخلني طيَب؟ يا أم أصفر عطينا وجه شويَ . . وش سر الأصفر معك؟ ذوقك مضروب ولا وش السالفة؟ رتيل بدأت الحُمرة ترتفع إلى وجهها وهي تُعطيه ظهرها، إلتفتت عليه بجمُودِ ملامحها : وش دخلك ؟ عبدالعزيز : تستحين تقولين لي أنا أحب الأصفر؟ تراه لون عادي! رتيل :ها ها ها ؟ طيب وش المطلوب؟ عبدالعزيز إتسعت إبتسامته : مرَيت من عندكم وقلت أسوي الواجب وأشوفك رتيل تشعُر وكأنها متعرية أمامه من نظراته، وبحدَة : إرفع عيونك عنَي عبدالعزيز ينظرُ إلى عينيْها : عفوًا؟ أرفعها عن أيَ جهة بالتحديد؟ رتيل : قليل حيَا . . زين أطلع من غرفتي وروح لأبوي مالي كلام معك . . عبدالعزيز : أصلاً كلامي كله معك . . رتيل بضيق : جد عبدالعزيز أطلع، لا تضايقني . . إذا طلقت أثير ذيك الساعة تعال، ماتجمعني معها لو أيش! عبدالعزيز : أثير ماراح أطلقها رتيل بغضب : أجل روح تهنَى معها واتركني عبدالعزيز : الشرع حلل 4 رتيل : إذا الشرع حللك أربع ترى الشرع محللَي الطلاق عبدالعزيز تنهَد : رتيل . . رتيل تُقاطعه : ماابغى أتناقش في هالموضوع، غايب صار لك فترة طويلة والحين ترجع عشان تقولي ماراح أطلَق أثير! أجل ليه جايَ!! والله ثم والله ما أقبل بشي هي تشاركني فيه . . عبدالعزيز : يعني هذا كلامك؟ رتيل : أنا حلف . . عبدالعزيز : طيب رتيل بدأ الدمعُ يقفزُ إلى محاجرها : ماراح تطلَقها ؟ عبدالعزيز : أنا ما تزوجتها عشان أطلَقها . . هي زوجتي مثل ما أنتِ زوجتي رتيل بصراخ : أطلع برااا . . ما ابغى أشوفك وأرسلي ورقة طلاقي بعد عبدالعزيز : على فكرة هي زعلانة ومارضت تجي معي الرياض رتيل بإنفعال : أبركها من ساعة! أصلا لا جت الرياض بتحترق من وجودها عبدالعزيز تنهَد : رتيل . . أنا أبيك رتيل : وانا ما أبيك عبدالعزيز : حطي عينك بعيني وقوليها رتيل إقتربت منه ونظرت إليه : نظام أفلام أبيض وأسود وإني مقدر أقولها بوجهك، لا ياحبيبي أنا أقولها في الوجه عبدالعزيز : أستغفر الله! وش فيك حشرتيني بصراخِك!! رتيل : ليه جيت ؟ عبدالعزيز : أشتقت لك رتيل : والله ؟ عبدالعزيز : بالفرنسية ما يقولون إشتقت لك، يقولون فقدت نفسِي . . وأنا بقولها لك بالفرنسية فقدت نفسي والله رتيل بضيق بدأت تلينُ ملامحها التي أنشدَت بالغضب : وأثير ؟ عبدالعزيز : أثير زوجتي رتيل بعصبية : الله يآخذها قل آمين . . أجل يا أنا يا هي . . أختار يا عبدالعزيز عبدالعزيز : أنتِ وأثير رتيل : إختار ماراح أرضى لو وش ما صار! ماني أنا اللي تشاركني فيك وحدة عبدالعزيز : قلت لك أنا ما تزوجتها عشان أطلقها، تزوجتها لأني أبيها زوجتي، ممكن تسرَعت لكن بالنهاية خلاص موضوع تم ماراح أظلمها وأطلقها بدون سبب رتيل بدأ يخرجُ لسانها الأنثوي شديد الغيرة : يا ماشاء الله ماتبي تظلمها! بسم الله على قلبك يالعادل ياللي تخاف الله في حريمك . . عبدالعزيز غرق بضحكتِه على إنفعلاتها : إذا أثير ماجتني وطلبت الطلاق مستحيل أطلقها، إذا أنتِ فاهمة إني تزوجتها عشان أوجعك فأنتِ غلطانة، ماهو أنا اللي أستغل أحد ولا هو أنا اللي اتزوَج عشان أطلَق! في ذاك الوقت كانت هي الوحيدة اللي أحس إني اشوف أهلي فيها، وكنت أبي أتقرف منها رتيل : يعني تزوجتها عشان أهلك قبل يعرفونها؟ عبدالعزيز : إيه و أعزَها رتيل : قلبك فندق ماشاء الله عبدالعزيز إبتسم : قلبي تعرفه صاحبته رتيل رُغمًا عنها إبتسمت، رفعت حاجبها : لا تحرجني طيَب!! عشان أعرف أفكر، عبدالعزيز بضحكة يستفزها : ماراح تقولين لي علاقتك بالأصفر؟ رتيل ضربته على صدرِه : سُبحان الله ماتشوفني الا فيه . . . ماأحب الأصفر وصرت أكرهه الحين عبدالعزيز : يالله أنتظر إختيارك سموَك رتيل : ماراح أرضى، أنقهر يوم ويومين لين أنساك ولا أنقهر عُمر كامل عشانها عبدالعزيز : تقوين تنسيني؟ رتيل : ماني أول وحدة ولا آخر وحدة، مليون حمارة زيي تحبَ وأنفصلت عن اللي تحبه عبدالعزيز : حاشاك! رتيل : إلا أنا حمارة يوم حبَيتك، لأنك ما بادلتني بأيَ نوع من الحُب عبدالعزيز بغضب إقترب منها : جاحدة! أقسم بالله إنك جاحدة رتيل إبتسمت من غضبه : دام هي ماهي راضية بجيَتك للرياض وش تبي؟ بس تبي تقهرني . . أنا أعرفها سوسة عبدالعزيز : لا تغلطين عليها ولا تذكرينها بسوء! وأنتِ بعد مو مقصرة بالتحليل رتيل شتت نظراتها بعد أن زاد حرجها : قهرتني ولو يرجع الزمن لورى بسوي نفس التصرف لأنها قهرتني عبدالعزيز بعصبية : ألعبي بكل شي لكن لا تقربين من شي يتعلق بحياة أو موت، لو صدَقت وقلبها وقف من التأثير النفسي اللي تحسَه! وش برود الأعصاب اللي عليك؟ رتيل : تخاف عليها ؟ عبدالعزيز : لا حول ولا قوة الا بالله . . . رتيل : يارب إني حمارة وكلبة . . المُشكلة لو رجع الزمن لورى بعد بحبَك بكامل خبالي، وأنت بتحبني بكامل إهاناتك عبدالعزيز بإبتسامة : ماعاش من يهينك، أقص إيد اللي يهينك رتيل : أنا بسبَ نفسي لين أحس حرَتي بردَت عبدالعزيز بجديَة : رتيل . . أكلمك جدَ، خلينا ننسى اللي صار رتيل : ترضى أروح يشاركك أحد فيني ؟ عبدالعزيز : أنتِ مجنونة ولا صاحية؟ لا تقارنين بين شيئين أصلاً الشرع محرَمهم وأنا أمشي على الشرع رتيل بعصبية : مقطَعك الدين! . . . عبدالعزيز تنهَد لينظر لهاتفه الذي أضاء برسالةٍ جديدة : الطيب عند ذكره، هذي أثير رتيل : روح ردَ عليها برَا عبدالعزيز : مسج ماهو مكالمة . . . قرأ " أبي أكلمك بموضوع ضروري " . . إتصل عليها وبعناد جلس على سريرها. رتيل بلامُبالاة أخذت مناديل المكياج لتمسح مكياجها التي وضعتهُ من غير سبب. أثير : وينك ؟ عبدالعزيز : وش بغيتي ؟ أثير : أنا فكرت وماوصلت الا لحاجة وحدة، إختار بيني وبينها! عبدالعزيز : وشو ؟ أثير : ماراح أرضى فيها أبَد عبدالعزيز : أثير . . تناقشنا بهالموضوع في باريس أثير : طيب وأنا الحين أخيَرك عبدالعزيز : ماراح أطلقك عشان هبالِك!! رتيل إلتفتت تنظرُ عليه ونظرات الحقد تشَع منها. أردَف : حطي عقلك في راسك منتِ بزر عشان تفكرين بهالطريقة رتيل : يعني أنا بزر ؟ عبدالعزيز نظر إليها وأشار لها بالصمت، أثير : أنت عندها ؟ عبدالعزيز : إيه أثير : طيب طلقني عبدالعزيز : ماراح أطلقك عشان سبب سخيف زي هذا! لا صار فيه سبب صدقيني بننفصل ولمَا أحس أنه الخيرة بالإنفصال لكن عشان أسباب تافهة مثل هذي طبعًا لا أثير : أنا ماراح أعيش بالرياض، تقدر تعيش بباريس معاي؟ عبدالعزيز : طبعًا بتجين الرياض أثير : لا ماهو طبعًا، عبدالعزيز أفهمني ماعاد يهمني رتيل وغيره، أنا مقدر أتكيَف مع بيئتك بالرياض، أبي أعيش هنا وأبيك تكون عندِي ولي لوحدِي مو مع وحدة عايشة بالرياض وتجيها كل فترة أو حتى يمكن عايش عندها عبدالعزيز تنهَد : أثير . . لو سمحتِ لا تحطين أسباب من مزاجك عشان ننفصل أثير : أنا ما أحط أسباب، أنا جد أبي أعيش بالبيئة اللي تربَيت فيها، ما أبي أجي الرياض ولا أبغى زواجي يكون بهالطريقة! أنت تحبني؟ عبدالعزيز تفاجئ من السؤال : وش هالسؤال البايخ؟ أثير بضيق : شفت! حتى أبسط سؤال مقدرت تجاوب عليه . . لأني أصلاً ما أعني لك شي، خذيتني عشان ذكرى أهلك ولا أنا غلطانة ؟ عبدالعزيز : مين قالك هالحكي؟ أثير : طول الفترة اللي فاتت، كنت أفكر بدون ضغوط وأكتشفت إني فعلاً ما أعني لك شي عبدالعزيز تنهَد : نتناقش في هالموضوع بعدين أثير : أنا أبي جوابك الحين عبدالعزيز نظر لرتيل الصامتَة الهادئة، و فكَر بأثير : مقدر أثير : تبيها هي؟ . . طيب طلقني وكل واحد يشوف حياته بعيد عن الثاني عبدالعزيز : على الأقل أستخيري، لا تخليني أندم ولا تندمين معايَ رتيل بحلطمة : تندمون بعد!! يارب أرزقني صبر أيوب أثير : عبدالعزيز هذا آخر حكي معك! دامِك أخترتها تهنَى فيها وأشبع منها، وأنا أمحيني من حياتِك . . . أغلقتهُ بوجهه دون أن تسمع ردَه بعد أن أعطتهُ قرارها. رتيل : وش قالت لك ؟ عبدالعزيز : يا قُو حوبتك رتيل : تبي الطلاق؟ عبدالعزيز : إيه . . ماشاء الله دُعاءك ضارب رتيل إبتسمت : الله يرزق العبد على نيته عبدالعزيز ضحك رُغم أنه لم يُريد الضحك : الله والنية اللي تعرفينها . . . بكرا الله بيحاسبني على هالطلاق! شرعًا مايجوز الطلاق بدون سبب . . وهي ما تستاهل! رتيل بضيق : وأنا يعني أستاهل؟ عبدالعزيز : وش فيها لو الواحد تزوَج ثنتين ؟ رتيل : تقدر تعدل بيننا ؟ عبدالعزيز : إيه رتيل : لا ما تقدر! مو يقولك لا ضرر ولا ضرار! طيب زواجك منها في ضرر لي عبدالعزيز : تفسرين المواضيع على كيفك!! رتيل : أختار يا عبدالعزيز . . عبدالعزيز إقترب منها ليُحاصرها بذراعيْه وظهرها مستنَد على التسريحة : كم مرَة لازم أقولك إنه قلبي ماله إختيار معك؟ و كم مرَة لازم أقُولك إنه الحياة سببها أنتِ؟ . . مانشيت 16/11/2013 ( ترقية عبدالعزيز بن سلطان العيد في جهاز أمن الرياض ) . . تمت بحمد الله وفضله. |
ع ــناقيد من الجمال
تحيط بروعة الحروف سلم حسك وبيانكـ دمت بتميز |
اقتباس:
كل الجمال أقبل بحضورك البهي ممتنة تقديري.. |
الساعة الآن 03:00 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية