فزولهآ
01-08-2016, 06:32 PM
ثُقُوْبٌ فيْ جَوْرَبِ أُمِّي
في ليلة شتاء باردة كنت كعادتي في - زيارتي لأمي - بداية كل مساء
أتابع مايعرض على التلفار ...
منتظراً تلك القهوة التي تعدها أمي لتدفئ أوصالي في ذلك البرد القارس ....
مضى الوقت وأفتقدت وجود أمي وحركتها الدؤوب في المنزل ، ففي العادة كانت أمي تتجول بيننا ، فتارةً تحضر لنا شيئاً نأكله وتارةً ترتب في المكان أثاثاً تبعثر بفعلنا ،
وتارةً تختلق لها عملاً من أعمال المنزل ...
في تلك اللحظات عُدْتُ بذاكرتي إلى الوراء ، وتذكَّرْتُ كيفَ كانت عناية أمي بنا ونحن صغاراً ، فكنَّا مَضْربَ المثل شكلاً وخلقاً وتعليماً..
وكنَّا سُعَداء باهتمام أمي واعجاب معارفنا بحالنا ، خاصة أنها الأم وهي الأب ،
حيث كان والدي يسافر دوماً تاركاً على عاتق أمي أمر تربيتنا وتعليمنا ،
وحتى عندنا نمرض تتحمّل هي أعباء ذلك كلّه ، فوالدي لايأتي إلا أياماً معدودة
في العام ...
كانت أمي تنتظر من والدي - في أيام وجوده عندنا - أن يتفقَّدَ حالها ويسألها إن كانت المسئولية مرهقة لها ، وربّما انتظرتْ منهُ أن يوصينا بطاعتها وعدم اجهادها ..
هكذا دوماً تردد متحسرة بعد أن يسافر ...!!
إذ أنه في حال وجوده بيننا وعندما تطلب أمي منه أمراً :
يكرّر لها اعتبروني ضيفاً ، ولا تتعبوني بأموركم ..!!!
مرَّتْ السنوات على هذا الحال .. كبرنا وكبرتْ معنا أمي ،
وابْتُلِيَتْ في صحتها ، فدَوْماً تعاني ، لكنها لم تتوانَ عن تقديم كل مايلزمنا ،
حتى انها عملتْ في خياطة الملابس لكي توفِّرْ لنا متطلباتنا التي قد لاتكفيها مايرسله والدي ..
أكمل أخوتي تعليمهم الثانوي ، فمنهم من اختار تكملة مشواره العلمي ،
ومنهم من اختار العمل ، ومنهم من اختار الاغتراب ، وأمي لاتعارض لأحدٍ رغبته ،
قائلةً : لقد كبرتم وكلٍّ له الحقّ في اختيار مستقبله ..
تزوّج اخوتي الكبار ، وعاش كل واحد مع أسرته ، وكانت زيارتهم لنا
مرة أو مرتين في العام حيث بقيت أنا وأختي الصغرى نعيش مع أمي..
ازدادت صحة أمي تدهوراً وأجُرِيَتْ لها بعض العمليات ، ولكنها بقِيَتْ محتفظة
بجمال روحها وعفويتها التي تجعل كلّ من يعرفها يعجب بها ويحبّها ...
في تلك الفترة علمنا - من الناس - أن والدي متزوِّج من امرأةً أخرى
وأنَّ له بنتاً من زواجه ..!!
لم تتقبّلْ أمي الأمر ولم تتحمَّلْ فكرة أن يكافؤها والدي بتلك الطريقة ، فأرادت مواجهته
لتتأكَّد بأنه قد قابل تضحيتها بتلك الصفعة - على حدِّ تعبيرها ...
عندما تأكدت أمي من زواج والدي طلبت الانفصال عنه ، فرفض رفضاً قاطعاً ،
متعلِّلاً بأنها هي السبب لرفضها السفر معه وتَرْكِنَا في بيت جدي لأمي قائلة له :
أولى بي أن أُربّي أبنائي بدلاً من السفر معك ..!!
واعتزلتْ أمي أي لقاء مع والدي وأصرَّتْ على الطلاق كما أصرّ والدي على الرفض ،
حتى مرّ على طلبها أكثر من ثلاث سنوات ، استعانت أمي بـ أقربائها للتوَسُّط
لتحصل على حريتها - كما تقول - لكن والدي يردُّ كل من يحدِّثه في طلب أمي ...
في نهاية الأمر عَمدتْ أمي الى أبنائها ليتحدَّثُوا إلى أبيهم ، وبعد إلحَاحٍ من إخوتي الكبار
وافق بشرُوْطٍ قبلتها أمِّي على مضَضٍ ....!!
بقيت أنا وأختي التي تصغرني نعيش مع أمي حتَّى أكملتُ المرحلة الثانوية ، فعرض
عليَّ والدي أن أسافر سِيَاحة إلى البلد الذي يعيش هو فيه كهديَّة منه على نجاحي ...
لم نخبر أمي بموضوع سفري إلا قبل الموعِد بيوم واحدٍ ، فقدْ أتْممنا إجراءات سفري
دون علمها مخافةً أن ترفض سفري عند والدي لأنها تعلم بنواياه - كما تقول -
وكانت غلطة مني أن لا أخبرها لأن هذا الأمر سبَّبَ لها الكثير من الألم ....!!
سافرتُ وهي تدعُو لي أن يحفظني ربي من مغريات البلد الذي ذهبتُ اليه ...
وانقضت ثلاثة شهور قضيتها سياحة في ذلك البلد الجميل ، وانتظرتْ أمي أن أبشِّرَها بموعد وصولي لأكمل تعليمي الجامعي في بلدي وقربها ...
و حدث ماكانت تخشاه أمِّيْ ، فقبل أن أحَدِّدَ موعد سفري عرض عليَّ والدي أن أكمل دراستي عنده ،
وهو سيتكفل بمصاريف تعليمي الخاص ، وافقتُ على الفور ولم أطلب رأي أمي ،
فالبلد جميل والعرض لايُقَاوم ..!!
عندما سألتني أمي في حديث هاتفيٍّ بيننا متى ستأتي فالعام الدراسي بدأ وأنت لم تأتي ..؟!
حينها أخبرتها بماعزمتُ عليه ، فلم تملك إلاَّ أن تُرَدِّدْ : حسبي الله ونعم الوكيل ..
لم تعترض لأنها تقول : هذه رغبتك ، وهذا مستقبلك ....!!!!
ولكنها أصيبت باستياء شديد وخاصة أنني كنت رجل البيت كما كانت تقول ؛ فليس في البيت سوانا نحن الثلاثة..!!
تناوبت أمي الأمراض وأصابها اكتئابٌ شديد فلا نتحدث الا وتبكي ..
أخذها أحد إخوتي لأحد الأطباء فأخبره أنها تعاني من الاكتئاب وحسب ، لكننا نعرف
أنها تعاني أمراضاً أخرى ، ورغم ذلك فلازالت ذات نشاط ومكانة اجتماعية مرموقة ..
أما أنا فقد دخلت الكلية التي اختارها لي والدي ومرّ العام الأول ..
ولازالت أمي غير راضية عن هذه الكلية كون الدراسة فيها بلغة البلد وليست
بلغة عالمية ..- على الأقل هذا عذر أمي -
وفي بداية السنة الثانية قررتُ أن أسعد أمي فأخبرتها بأني سأضحي بالسنة الماضية
وأدرس من البداية في كلية تنال رضاك ..
ورغم اعتراض والدي إلا إنني اتخذتُ قراراً لا رجعة فيه فقط لأسعدَ قلب أمي ..!!
حينما أخبرتُ أمي بأن قراري كان لأجل رضاها أبدت فرحاً - ربّما كان مصطنعاً - قائلة لي :
ربي يوفقك يمَّه وين ماكنت ... !!!
كانت إقامتي في ذلك البلد تحتاج تجديداً بعد فترة معينة ، وتجديدها يحتاج خروجي وعودتي ،
فاقترح أخي المعني بمتابعة علاج أمي أن يكون الخروج إلى بلدنا لمدة تقارب الشهر ،
ولم يخبرأمي ليكون وصولي مفاجأة سارة لها ...
ولكن سؤال أمي الدائم عني اضطرّ أخي أن يخبرها بأنني سأصل إليهم في اليوم الثاني ..
فرحت أمي بوصولي فرحة مبتورة كونها تعلم أنها مجرد زيارة وتنتهي ..
وهاهي الأيام مرّتْ ولم يبقَ على موعد سفري سوى أيام قليلة أفارق بعدها الأم الرؤوم ،
والقلب الحنون ، والصوت الهادئ ، والحديث الذي نقرؤه في عيني أمي قبل أن تنطقه ..
وهاأنا أنتظر دخول أمي لأخبرها بموعد سفري ... في هذه اللحظات انتابني شعور غريب
فانتفضت ناهضاً أبحث عن أمي في أرجاء المنزل ، لم أجدها حتى في المطبخ ..
ذهبتُ الى غرفتها فإذا هي على سريرها نائمة على أحد شقيها وظهرها إلى الباب ..
ويبدو من هيئتها أنها مرهقة لدرجة أنها نامت قبل أن تسحب الغطاء على جسدها رغم البرد ..
ولكن ملابسها كانت شتوية ، حتى أنها تلبس جواربا لتقي قدميها برد الشتاء ..
تأملتها بإشفاق ولم ألحظ إلا في تلك اللحظة أن جوارب أمي فيها الكثير من الثقوب ...
حاولت أن أكون هادئاً في حضوري حتى لا تشعر أمي بوجودي فنومها خفيف جداً ،
لهذا نحرص عند نومها أن لا نقترب منها ....!!
أطلتُ وقوفي أتأمل أمي وهي مستغرقة في نومها .. ووجدتني بلا شعور أقترب أكثر
مستغرباً أن لاتشعر بوجودي كل هذا الوقت ، اقتربت اكثر وأكثر متأمِّلاً
وجهَ أمِّي فرأيتها غارقةً في نومٍ عميق ، يكسُو وجهها سُكونٌ غريب ...
دون أن أدري لماذا .. توجَّهتْ نظراتي ترْقُبُ أنفاسها..
أصبتُ بصعقة ... لَمْ أُفق منها إلَّا وأنا أقبّل قدمَي أمي باكياً ..
وبيتنا مكتظٌّ باخوتي وأخوالي ، وعلمت منهم أني أصبتُ بانهيارٍ أفقدني الوعْيَ
حين اكتشفتُ وفاة أمي ..
رحلتْ أمي قبل أن أرحل من عندها .. رحلَتْ وكأنّها تقوْلُ لي : سأرحل قبلك لأني
لا أقوى على رحيلك ..
رحلتْ أمي تاركةً في قلبي آهةً وشُعور بالندم على اختياري العيش بعيداً عنها ...
رحلتْ أمي قبل أن يَكُونَ لي بيت وأسرة مثل إخوتي ...!!
لنْ أنساكِ ياأطيب قلب مادمتُ حيّاً .. وأدْعُو ربِّي أنْ يجمَعنا بِكِ في جنته ...
في ليلة شتاء باردة كنت كعادتي في - زيارتي لأمي - بداية كل مساء
أتابع مايعرض على التلفار ...
منتظراً تلك القهوة التي تعدها أمي لتدفئ أوصالي في ذلك البرد القارس ....
مضى الوقت وأفتقدت وجود أمي وحركتها الدؤوب في المنزل ، ففي العادة كانت أمي تتجول بيننا ، فتارةً تحضر لنا شيئاً نأكله وتارةً ترتب في المكان أثاثاً تبعثر بفعلنا ،
وتارةً تختلق لها عملاً من أعمال المنزل ...
في تلك اللحظات عُدْتُ بذاكرتي إلى الوراء ، وتذكَّرْتُ كيفَ كانت عناية أمي بنا ونحن صغاراً ، فكنَّا مَضْربَ المثل شكلاً وخلقاً وتعليماً..
وكنَّا سُعَداء باهتمام أمي واعجاب معارفنا بحالنا ، خاصة أنها الأم وهي الأب ،
حيث كان والدي يسافر دوماً تاركاً على عاتق أمي أمر تربيتنا وتعليمنا ،
وحتى عندنا نمرض تتحمّل هي أعباء ذلك كلّه ، فوالدي لايأتي إلا أياماً معدودة
في العام ...
كانت أمي تنتظر من والدي - في أيام وجوده عندنا - أن يتفقَّدَ حالها ويسألها إن كانت المسئولية مرهقة لها ، وربّما انتظرتْ منهُ أن يوصينا بطاعتها وعدم اجهادها ..
هكذا دوماً تردد متحسرة بعد أن يسافر ...!!
إذ أنه في حال وجوده بيننا وعندما تطلب أمي منه أمراً :
يكرّر لها اعتبروني ضيفاً ، ولا تتعبوني بأموركم ..!!!
مرَّتْ السنوات على هذا الحال .. كبرنا وكبرتْ معنا أمي ،
وابْتُلِيَتْ في صحتها ، فدَوْماً تعاني ، لكنها لم تتوانَ عن تقديم كل مايلزمنا ،
حتى انها عملتْ في خياطة الملابس لكي توفِّرْ لنا متطلباتنا التي قد لاتكفيها مايرسله والدي ..
أكمل أخوتي تعليمهم الثانوي ، فمنهم من اختار تكملة مشواره العلمي ،
ومنهم من اختار العمل ، ومنهم من اختار الاغتراب ، وأمي لاتعارض لأحدٍ رغبته ،
قائلةً : لقد كبرتم وكلٍّ له الحقّ في اختيار مستقبله ..
تزوّج اخوتي الكبار ، وعاش كل واحد مع أسرته ، وكانت زيارتهم لنا
مرة أو مرتين في العام حيث بقيت أنا وأختي الصغرى نعيش مع أمي..
ازدادت صحة أمي تدهوراً وأجُرِيَتْ لها بعض العمليات ، ولكنها بقِيَتْ محتفظة
بجمال روحها وعفويتها التي تجعل كلّ من يعرفها يعجب بها ويحبّها ...
في تلك الفترة علمنا - من الناس - أن والدي متزوِّج من امرأةً أخرى
وأنَّ له بنتاً من زواجه ..!!
لم تتقبّلْ أمي الأمر ولم تتحمَّلْ فكرة أن يكافؤها والدي بتلك الطريقة ، فأرادت مواجهته
لتتأكَّد بأنه قد قابل تضحيتها بتلك الصفعة - على حدِّ تعبيرها ...
عندما تأكدت أمي من زواج والدي طلبت الانفصال عنه ، فرفض رفضاً قاطعاً ،
متعلِّلاً بأنها هي السبب لرفضها السفر معه وتَرْكِنَا في بيت جدي لأمي قائلة له :
أولى بي أن أُربّي أبنائي بدلاً من السفر معك ..!!
واعتزلتْ أمي أي لقاء مع والدي وأصرَّتْ على الطلاق كما أصرّ والدي على الرفض ،
حتى مرّ على طلبها أكثر من ثلاث سنوات ، استعانت أمي بـ أقربائها للتوَسُّط
لتحصل على حريتها - كما تقول - لكن والدي يردُّ كل من يحدِّثه في طلب أمي ...
في نهاية الأمر عَمدتْ أمي الى أبنائها ليتحدَّثُوا إلى أبيهم ، وبعد إلحَاحٍ من إخوتي الكبار
وافق بشرُوْطٍ قبلتها أمِّي على مضَضٍ ....!!
بقيت أنا وأختي التي تصغرني نعيش مع أمي حتَّى أكملتُ المرحلة الثانوية ، فعرض
عليَّ والدي أن أسافر سِيَاحة إلى البلد الذي يعيش هو فيه كهديَّة منه على نجاحي ...
لم نخبر أمي بموضوع سفري إلا قبل الموعِد بيوم واحدٍ ، فقدْ أتْممنا إجراءات سفري
دون علمها مخافةً أن ترفض سفري عند والدي لأنها تعلم بنواياه - كما تقول -
وكانت غلطة مني أن لا أخبرها لأن هذا الأمر سبَّبَ لها الكثير من الألم ....!!
سافرتُ وهي تدعُو لي أن يحفظني ربي من مغريات البلد الذي ذهبتُ اليه ...
وانقضت ثلاثة شهور قضيتها سياحة في ذلك البلد الجميل ، وانتظرتْ أمي أن أبشِّرَها بموعد وصولي لأكمل تعليمي الجامعي في بلدي وقربها ...
و حدث ماكانت تخشاه أمِّيْ ، فقبل أن أحَدِّدَ موعد سفري عرض عليَّ والدي أن أكمل دراستي عنده ،
وهو سيتكفل بمصاريف تعليمي الخاص ، وافقتُ على الفور ولم أطلب رأي أمي ،
فالبلد جميل والعرض لايُقَاوم ..!!
عندما سألتني أمي في حديث هاتفيٍّ بيننا متى ستأتي فالعام الدراسي بدأ وأنت لم تأتي ..؟!
حينها أخبرتها بماعزمتُ عليه ، فلم تملك إلاَّ أن تُرَدِّدْ : حسبي الله ونعم الوكيل ..
لم تعترض لأنها تقول : هذه رغبتك ، وهذا مستقبلك ....!!!!
ولكنها أصيبت باستياء شديد وخاصة أنني كنت رجل البيت كما كانت تقول ؛ فليس في البيت سوانا نحن الثلاثة..!!
تناوبت أمي الأمراض وأصابها اكتئابٌ شديد فلا نتحدث الا وتبكي ..
أخذها أحد إخوتي لأحد الأطباء فأخبره أنها تعاني من الاكتئاب وحسب ، لكننا نعرف
أنها تعاني أمراضاً أخرى ، ورغم ذلك فلازالت ذات نشاط ومكانة اجتماعية مرموقة ..
أما أنا فقد دخلت الكلية التي اختارها لي والدي ومرّ العام الأول ..
ولازالت أمي غير راضية عن هذه الكلية كون الدراسة فيها بلغة البلد وليست
بلغة عالمية ..- على الأقل هذا عذر أمي -
وفي بداية السنة الثانية قررتُ أن أسعد أمي فأخبرتها بأني سأضحي بالسنة الماضية
وأدرس من البداية في كلية تنال رضاك ..
ورغم اعتراض والدي إلا إنني اتخذتُ قراراً لا رجعة فيه فقط لأسعدَ قلب أمي ..!!
حينما أخبرتُ أمي بأن قراري كان لأجل رضاها أبدت فرحاً - ربّما كان مصطنعاً - قائلة لي :
ربي يوفقك يمَّه وين ماكنت ... !!!
كانت إقامتي في ذلك البلد تحتاج تجديداً بعد فترة معينة ، وتجديدها يحتاج خروجي وعودتي ،
فاقترح أخي المعني بمتابعة علاج أمي أن يكون الخروج إلى بلدنا لمدة تقارب الشهر ،
ولم يخبرأمي ليكون وصولي مفاجأة سارة لها ...
ولكن سؤال أمي الدائم عني اضطرّ أخي أن يخبرها بأنني سأصل إليهم في اليوم الثاني ..
فرحت أمي بوصولي فرحة مبتورة كونها تعلم أنها مجرد زيارة وتنتهي ..
وهاهي الأيام مرّتْ ولم يبقَ على موعد سفري سوى أيام قليلة أفارق بعدها الأم الرؤوم ،
والقلب الحنون ، والصوت الهادئ ، والحديث الذي نقرؤه في عيني أمي قبل أن تنطقه ..
وهاأنا أنتظر دخول أمي لأخبرها بموعد سفري ... في هذه اللحظات انتابني شعور غريب
فانتفضت ناهضاً أبحث عن أمي في أرجاء المنزل ، لم أجدها حتى في المطبخ ..
ذهبتُ الى غرفتها فإذا هي على سريرها نائمة على أحد شقيها وظهرها إلى الباب ..
ويبدو من هيئتها أنها مرهقة لدرجة أنها نامت قبل أن تسحب الغطاء على جسدها رغم البرد ..
ولكن ملابسها كانت شتوية ، حتى أنها تلبس جواربا لتقي قدميها برد الشتاء ..
تأملتها بإشفاق ولم ألحظ إلا في تلك اللحظة أن جوارب أمي فيها الكثير من الثقوب ...
حاولت أن أكون هادئاً في حضوري حتى لا تشعر أمي بوجودي فنومها خفيف جداً ،
لهذا نحرص عند نومها أن لا نقترب منها ....!!
أطلتُ وقوفي أتأمل أمي وهي مستغرقة في نومها .. ووجدتني بلا شعور أقترب أكثر
مستغرباً أن لاتشعر بوجودي كل هذا الوقت ، اقتربت اكثر وأكثر متأمِّلاً
وجهَ أمِّي فرأيتها غارقةً في نومٍ عميق ، يكسُو وجهها سُكونٌ غريب ...
دون أن أدري لماذا .. توجَّهتْ نظراتي ترْقُبُ أنفاسها..
أصبتُ بصعقة ... لَمْ أُفق منها إلَّا وأنا أقبّل قدمَي أمي باكياً ..
وبيتنا مكتظٌّ باخوتي وأخوالي ، وعلمت منهم أني أصبتُ بانهيارٍ أفقدني الوعْيَ
حين اكتشفتُ وفاة أمي ..
رحلتْ أمي قبل أن أرحل من عندها .. رحلَتْ وكأنّها تقوْلُ لي : سأرحل قبلك لأني
لا أقوى على رحيلك ..
رحلتْ أمي تاركةً في قلبي آهةً وشُعور بالندم على اختياري العيش بعيداً عنها ...
رحلتْ أمي قبل أن يَكُونَ لي بيت وأسرة مثل إخوتي ...!!
لنْ أنساكِ ياأطيب قلب مادمتُ حيّاً .. وأدْعُو ربِّي أنْ يجمَعنا بِكِ في جنته ...