طهر الغيم
11-14-2015, 02:09 AM
الزراعة من أهم المهن التي زاولها الشركاء أيام زمان
فرضت الحاجة فيما مضى أن يتشارك اثنان أو أكثر في سبيل تحقيق عمل معين لا يستطيع المرء إنجازه بنفسه، فعلى سبيل المثال قد يجد المرء أرضاً خصبة تصلح للزراعة ولكنه لا يستطيع بمفرده العمل على حفر بئر فيها وإخراج الماء ومن ثم تعاهد الزرع بالسقيا، فيلجأ إلى من يشاركه في هذا العمل فيختار من يثق فيه وتتوافق آراؤه وطباعه معه فيطرح عليه فكرته فيجد الموافقة، فيبدأ العمل معه ويتم استصلاح الأرض وتقاسم الخارج من أرباحها، ويستمر الحال لعقود من الزمن ويتحدد مصير استمرار الشراكة من عدمها عند هرم الشريكين أو وفاة أحدهما أو كثرة الشركاء، حيث لابد من نهاية لها وإن طال زمنها.*
ومازالت الشراكة إلى يومنا هذه مستمرة وموجودة وفي الشرع أمر مرغوب فيه إذا كانت مبنية على الأمانة والصدق والاستقامة، ففي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر، فإذا خانه خرجت من بينهما"، وما زالت رغم ذلك بين مؤيد ومعارض لها، كما أن الشراكة في زمننا هذا قد تغيرت عمّا كانت عليه في السابق الذي كان يسوده المحبة والبساطة والتنازل بين الطرفين، وهناك نماذج من الشراكات الناجحة على مدى عقود من الزمن على الرغم من موت الشريكين الأساسيين وتولي الورثة إدارتها الناجحة وإن كانت قليلة جداً إن لم تكن نادرة.*
تشبيه تعجيزي*
رغم أن الشراكة بين الناس موجودة منذ القدم ومستمرة إلى عصرنا الحاضر إلاّ أن الناس حولها منقسمون بين مؤيد ومعارض، فالمعارضون هم الأكثر وذلك لكثرة ما رأوا فيها من الفشل الذريع الذي يكون نهاية كل تجربة، مما جعلهم يطلقون مثلاً دارجاً مازال يتردد في أوساطهم اليوم وهو قولهم عن الشراكة: "قدر الشراكة ما يفوح، وان فاح انكفى"، فهم شبهوا الشراكة بأناس نصبوا لهم قدراً لينضجوا طعامهم فصار كل واحد منهم يشارك الآخر في جمع الحطب من أجل إشعالها تحت القدر لينضج الطعام، ولكن الجميع يتباطأ في إحضار الحطب، ويمر الوقت وكل منهم يعتمد على الآخر في جمع الحطب لوضعه تحت القدر، ومع ذلك وإن نجح الأمر واستطاعوا أن يعملوا على طبخ ما في القدر فإن اختلافهم كفيل بأن يقي القدر ويسقط عن النار وينسكب كل ما فيه دون أن يستفيد من الطعام الموجود أياً منهم، وفي هذا التشبيه تعجيز في نجاح الشراكة كما يزعمون.*
*
الشراكة تتطلب تفاهماً واضحاً بين الطرفين
كلمة شوك*
وحذر بعض من الحكماء من الوقوع في الشراكة، فهي مجموعة في كلمة شوك، فلا غرابة أن تجد حكيماً مثلاً يوصي ابنه ويحذره من أن يطأ على الشوك بقدميه وهو لا يعنيه بمعناه الحقيقي، حيث أن الشوك نبات يكثر في الصحراء وبين المزروعات ومن يطأ عليه بقدميه يجد أذى كبيراً، ولكنهم يذهبون إلى أبعد من ذلك حيث يحللون هذه الكلمة إلى جمعها اسم ثلاث من المعاملات المرهقة وهي الحرف الأول لكل معاملة فحرف الشين يعني شراكة والحرف الثاني الواو يرمز إلى وكالة أما الحرف الثالث والأخير فيرمز إلى كفالة، وهذه المعاملات الثلاث قل من ينجو من أثرهن السيئ عليه في حياته، فمن يقدم على شراكة مع أحد فإن مصيره الاختلاف مع شريكه، والأمر نفسه منطبق على الوكالة وهي توكيل الشخص لإتمام أمر معين فإنه سيجد الصعوبة والمشقة، وأخيراً فإن الكفالة هي أيضاً من الأمور التي فيها تعريض من يقبل بها إلى أن يتحمل نتيجة مغامرته، وذلك بقيامه بتحمل كافة ما قبل أن يكون كفيلاً به عن صاحبه، والتي غالباً ما تكون في الأمور المالية خاصةً إذا كان كفيلاً غارماً، حيث يجد نفسه هو من يقوم بتحمل الديون، وقد لا يستطيع فيكون مكانه السجن، في حين أن من قام بكفالته يعيش بحرية تامة ومطلقة، فكم من شخص دعته الشهامة إلى القبول بالكفالة فكان آخرها الندامة.*
رفض الفكرة*
وفي موقف طريف ينم عن عدم وفاء من يطلب لنفسه كفيلاً في حقوق مالية فقد لجأ أحد الجيران إلى جاره من أجل أن يقوم بكفالته كفالة غرم لشراء سيارة بالتقسيط من أحد شركات التقسيط؛ ولأن هذا الجار له خلفية بعواقب الكفالة فقد وافق ولكن بشرط على أن يكون هو المشتري، ويكون طالب الكفالة هو الكفيل، بحيث يشتري هو السيارة باسمه ومن ثم يعطي ثمنها إلى جاره ويقوم هذا الجار بالسداد عنه فهو الكفيل، فاذا تأخر عن السداد يكون هذا الجار طالب الكفالة هو الكفيل الذي يرغم على السداد أو يتعرض للمطالبة بالحق المالي، فإن وفى به فهذا المطلوب وإلاّ تعرض للدخول للسجن، فما كان من الجار إلاّ رفض هذه الفكرة وذهب يبحث عن كفيل آخر فتبين لهذا الجار بأنه كان لا يريد الوفاء وسيعرضه لويلات الكفالة ومشاكلها.*
شراكه مطلقة*
ومن الشراكة ما يكون في كل شيء من الأملاك، وغالباً ما تكون بين الإخوة حيث يتشاركان مثلاً في المنزل فيقتسمان غرفه بينهما، ويكون عملهم كذلك مشتركاً وما ينتج منه من دخل يوزع بينهم بالنصف، ويستمر الحال على ما هو عليه ردحاً من الزمن إلى أن يأتي يوم لا مناص فيه من التقسيم، وذلك بعد أن يكبر الأولاد وتتعدد المسؤوليات وتتباين وجهات النظر التي كانت محصورة من قبل بين اثنين ثم صارت إلى عدد كبير بعد أن يكبر الأولاد ويشعر الأخوان المتشاركان في الضعف أو يتوفى أحدهما أو كلاهما.*
*
شراكة البيع والشراء شهدت نجاحاً للأفراد في الماضي
ومن القصص التي تبين مدى انتشار الشراكة بين الناس خاصةً الأخوة هو تشارك الأخوين في كل شيء بدءاً من البيت وانتهاءً بالعمل، فيكون حلالهما واحد فإذا اشترى أحدهما لمنزله مثلاً شيئاً فإن الآخر يشتري مثله أو يأخذ مثل قيمته نقداً، وحدث أن تشارك أخوان في البيت وفي العمل فقاما بالعمل الدؤوب في التجارة والبيع والشراء وحصلا على محل تجاري وظلا يعملان به وبعد فترة من الزمن ضعف الإقبال على تجارتهما، فصار يكفي أن يقف أحدهما في المحل ومع بداية انخراط الناس في الوظائف اتفق الاثنان على أن ينخرط أحدهما في الوظيفة في الصباح بينما يبقى الآخر في المحل يمارس عملية البيع والشراء، وبعد العصر يجتمع الاثنان في محلهما التجاري إلى ما بعد العشاء على شرط أن يكون راتب الوظيفة بينهما بالنصف، واستمرا على ذلك حتى بلغ من يعمل سن التقاعد وصار أخوه يناصفه الراتب حتى بعد التقاعد وصار الموضوع مجال نقاش واختلاف، واحتدم بعد أن مات هذا الموظف المتقاعد فهل يشارك أيضاً ورثته في راتبهم التقاعدي، وبعد فترة من الزمن وبعد أن كثر أولاد كل شخص منهما تمت تصفية هذه الشراكة التي كان فيها التراضي والتسامح بين الأبوين، ولكن عند رحيل أحدهما أو كليهما تبدأ الخلافات التي تعصف بهذه الشراكة وتجعل مصيرها إلى الفشل وبالتالي في نهاية المطاف إلى التقسيم والتصفية.*
تراي خشير*
وهناك من الشراكة ما يكون وقتياً أن ينتهي حال انتهاء الغرض المراد منه مثل الشراكة في الشراء حيث يكون من يرغب الشراء لا يملك مالاً يكفي لشراء الشيء المعروض والمراد بيعه أو أن تكون البضاعة المعروضة أكثر من حاجته، لذا فقد كان الناس قديماً يشتركون في شراء بضاعة معينة ومن ثم يقومون بتوزيعها بينهم بالتساوي، حيث يقسم ما تم شراؤه من حطب مثلاً أو بطيخ إلى قسمين ويقوم أحدهما بتخيير صاحبه لأخذ أي قسم منها، أمّا إذا كانوا ثلاثة أو أكثر فيتم تقسيم ما تم شراؤه إلى حصص بعددهم يجتهد من يقوم بتقسيمها إلى أن تكون حصصاً متساوية، ومنعاً للإحراج يقوم أحدهم بالوقوف أمام البضاعة بحيث يكون وجهه للأمام والبضاعة خلفه ثم يشير أحدهم إلى كومة من البضاعة فيقول لمن هذه فيقول لفلان ويشير إلى أخرى فيقول لفلان حتى ينتهي التقسيم ويرضى الجميع بالقسمة، وأحياناً يحضر من يريد شراء سلعة معينة فيجد من يزايد فيها لشرائها فيقول له: "تراي خشير"، أي أريد أن أشاركك في شراء هذه السلعة فيعطيه إشارة بالموافقة فلا يزايد عليه وبعد أن يشتري البضاعة يتم اقتسامها بينهما بعد دفع ثمنها.*
*
حتى الأعمال الشاقة كانت تتم بطريقة الشراكة قديماً*
شراكة زمان*
وكانت الشراكة زمان تتم ببساطة تنم عن عفوية وعدم تدقيق، مع أن المثل الشعبي القديم يقول: "دقق الحساب تطول العشرة"، إلاّ أن شراكات زمان تسودها المحبة والتسامح وفي قصة طريفة فإن صديقين حميمين ألجأتهما الحاجة والفقر إلى مغادرة مسقط رأسهما في نجد وشد الرحال إلى مكة من أجل العمل والكسب، وفي الطريق اتفق الاثنان أن يعملا وما يحصلان عليه يكون بينهما شراكة، ومضيا يعملان وحصلا على مبلغ من المال فقرر أحدهما أن يعمل في التجارة بالبيع والشراء فقد ضجر من العمل اليدوي المرهق فتوجه إلى سوق "الحلقة" وكان في نهايته فوجد فيه "دلاّلاً" ينادي على أحذية للبيع وهي داخل كيس مختلطة وفيها ما هو مستعمل وما هو جديد ولا يظهر منها إلاّ ما كان في أعلى الكيس، ولما رأى أن السعر ليس كبيراً زاد في السعر فتم البيع عليه فدفع ثمنها وهو لا يكاد يصدق فبإمكانه أن يبيعها مفرقة بأضعاف سعرها في وقت وجيز، فحملها على ظهره وذهب بها إلى مكان إقامته مع صديقه ولما رآه سأله عن ماذا يحمل فأخبره بأنه اشترى أحذية بالجملة وسيبيعها في الغد بالتجزئة وسيجني من ذلك أرباحاً طائلة، فقال له صديقه: "الحمد لله سنكسب ربحاً طيباً"، فقال: "سأكسب أنا وحدي وما دخلك أنت"، فقال: "ألم نتفق أن يكون ما نحصل عليه يكون شراكة بيننا؟"، فقال له صاحبه: "إن اتفاقنا كان قديماً أمّا من اليوم فكل من يحصل على مال فهو أحق به"، فغضب زميله وقال: "لم أتوقع منك أن تخونني"، فذهب غاضباً بينما دخل صاحب الأحذية إلى غرفته وبدأ يفرز الأحذية فظل صاحبه مهموماً من شدة الغيظ على خيانة رفيقه له، وبينما هو جالس حدثته نفسه بأن يرى غنيمة صاحبه فأخذ ينظر إليه مع شقوق الباب الخشبي وهو لا يدري فرآه في حيرة من أمره فكل الأحذية التي يخرجها ذات زوج واحدة فقط وليس هناك حذاء كامل، فقام وجمع الأحذية في الكيس وربطها وهم بالخروج فلما رآه زميله الذي كان يراقبه من شقوق الباب عاد مسرعاً إلى مكانه كأنه لم ينظر إليه فخرج صاحب الأحذية وقال لصديقه: "لقد ندمت على فض الشراكة معك وراجعت نفسي فأنت الآن شريكي، فأعطني نصف الثمن ونبيعها ونتقاسم أرباحها بيننا بالتساوي"، فقال له: "لن تخدعني مرتين فقد رأيت كل شيء وعلمت أن أحذيتك لا تساوي شيئاً فكلها ذات زوج واحد"، فغضب صاحب الأحذية وقال لن أخسر شيئاً وسأردها إلى الذي اشتريتها منه بالأمس ولما أصبحا ذهب برفقته إلى السوق وذهب إلى الدّلاّل فقال له: "أنا صاحبك الذي اشترى منك هذه الأحذية المغشوشة ذات الزوج الواحد فخذها وأعطني نقودي"، فقال الدّلاّل: "اذهب من هنا فأنا لا أعرفك ولم أبع عليك شيئاً"، فمسك بتلاليبه وقال: "أعطني مالي أيها السارق"، فأوقع الدلاّل نفسه ووضع يديه على بطنه وصاح لقد ضربني هذا الرجل وأخذ يصرخ بأعلى صوته، فاجتمع الناس حوله واستدعوا رجل الشرطة في السوق فقبض عليه لأنه رجل غريب وصدّق ادّعاء الدّلاّل فقاده إلى مركز الشرطة وبعد التحقيق معه أمر مأمور الشرطة بحبسه حيث لا يوجد لديه إثبات أو شهود على عملية البيع والشراء، فلما رأى أنه قد أوقع به طلب العفو والسماح وأبدى تنازله عن حقه في سبيل إطلاق سراحه فوافق مأمور الشرطة بشرط ألا يعود إلى الدخول في سوق الحلقة مطلقاً فتعهد بذلك فأطلق سراحه وعاد مع صديقه وقد عاهده على الصدق والأمانة والعمل بالشراكة في العمل واقتسام ما يحصلان عليه بالسوية.*
توثيق وعقود*
وأصبحت الشراكة في عصرنا الحاضر أشد تعقيداً من ذي قبل ففي السابق يكون الاتفاق غالباً بمبدأ الكلمة بين الشريكين دون اللجوء إلى كتابة ذلك وتوثيقه، فيتعارف الناس على ذلك وتمضي الشراكة دون أي مشاكل تذكر، أمّا في وقتنا الحاضر فقد بات توثيق ذلك أمراً مهماً فيتم إبرام عقد يضمن لكل من الشريكين حقه ونصيبه، كما تسجل ملكية العمل بينهما ويحدد حصة كل منهما في الربح على قدر رأس المال، سواءً كانت الشراكة بين شخصين أو أكثر، ورغم ذلك كله يحدث بين الشركاء العديد من الخلافات التي يلجأون فيها إلى الدوائر الشرعية والحقوقية من أجل حفظ حقوقهما وفض النزاع بينهما.*
فرضت الحاجة فيما مضى أن يتشارك اثنان أو أكثر في سبيل تحقيق عمل معين لا يستطيع المرء إنجازه بنفسه، فعلى سبيل المثال قد يجد المرء أرضاً خصبة تصلح للزراعة ولكنه لا يستطيع بمفرده العمل على حفر بئر فيها وإخراج الماء ومن ثم تعاهد الزرع بالسقيا، فيلجأ إلى من يشاركه في هذا العمل فيختار من يثق فيه وتتوافق آراؤه وطباعه معه فيطرح عليه فكرته فيجد الموافقة، فيبدأ العمل معه ويتم استصلاح الأرض وتقاسم الخارج من أرباحها، ويستمر الحال لعقود من الزمن ويتحدد مصير استمرار الشراكة من عدمها عند هرم الشريكين أو وفاة أحدهما أو كثرة الشركاء، حيث لابد من نهاية لها وإن طال زمنها.*
ومازالت الشراكة إلى يومنا هذه مستمرة وموجودة وفي الشرع أمر مرغوب فيه إذا كانت مبنية على الأمانة والصدق والاستقامة، ففي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر، فإذا خانه خرجت من بينهما"، وما زالت رغم ذلك بين مؤيد ومعارض لها، كما أن الشراكة في زمننا هذا قد تغيرت عمّا كانت عليه في السابق الذي كان يسوده المحبة والبساطة والتنازل بين الطرفين، وهناك نماذج من الشراكات الناجحة على مدى عقود من الزمن على الرغم من موت الشريكين الأساسيين وتولي الورثة إدارتها الناجحة وإن كانت قليلة جداً إن لم تكن نادرة.*
تشبيه تعجيزي*
رغم أن الشراكة بين الناس موجودة منذ القدم ومستمرة إلى عصرنا الحاضر إلاّ أن الناس حولها منقسمون بين مؤيد ومعارض، فالمعارضون هم الأكثر وذلك لكثرة ما رأوا فيها من الفشل الذريع الذي يكون نهاية كل تجربة، مما جعلهم يطلقون مثلاً دارجاً مازال يتردد في أوساطهم اليوم وهو قولهم عن الشراكة: "قدر الشراكة ما يفوح، وان فاح انكفى"، فهم شبهوا الشراكة بأناس نصبوا لهم قدراً لينضجوا طعامهم فصار كل واحد منهم يشارك الآخر في جمع الحطب من أجل إشعالها تحت القدر لينضج الطعام، ولكن الجميع يتباطأ في إحضار الحطب، ويمر الوقت وكل منهم يعتمد على الآخر في جمع الحطب لوضعه تحت القدر، ومع ذلك وإن نجح الأمر واستطاعوا أن يعملوا على طبخ ما في القدر فإن اختلافهم كفيل بأن يقي القدر ويسقط عن النار وينسكب كل ما فيه دون أن يستفيد من الطعام الموجود أياً منهم، وفي هذا التشبيه تعجيز في نجاح الشراكة كما يزعمون.*
*
الشراكة تتطلب تفاهماً واضحاً بين الطرفين
كلمة شوك*
وحذر بعض من الحكماء من الوقوع في الشراكة، فهي مجموعة في كلمة شوك، فلا غرابة أن تجد حكيماً مثلاً يوصي ابنه ويحذره من أن يطأ على الشوك بقدميه وهو لا يعنيه بمعناه الحقيقي، حيث أن الشوك نبات يكثر في الصحراء وبين المزروعات ومن يطأ عليه بقدميه يجد أذى كبيراً، ولكنهم يذهبون إلى أبعد من ذلك حيث يحللون هذه الكلمة إلى جمعها اسم ثلاث من المعاملات المرهقة وهي الحرف الأول لكل معاملة فحرف الشين يعني شراكة والحرف الثاني الواو يرمز إلى وكالة أما الحرف الثالث والأخير فيرمز إلى كفالة، وهذه المعاملات الثلاث قل من ينجو من أثرهن السيئ عليه في حياته، فمن يقدم على شراكة مع أحد فإن مصيره الاختلاف مع شريكه، والأمر نفسه منطبق على الوكالة وهي توكيل الشخص لإتمام أمر معين فإنه سيجد الصعوبة والمشقة، وأخيراً فإن الكفالة هي أيضاً من الأمور التي فيها تعريض من يقبل بها إلى أن يتحمل نتيجة مغامرته، وذلك بقيامه بتحمل كافة ما قبل أن يكون كفيلاً به عن صاحبه، والتي غالباً ما تكون في الأمور المالية خاصةً إذا كان كفيلاً غارماً، حيث يجد نفسه هو من يقوم بتحمل الديون، وقد لا يستطيع فيكون مكانه السجن، في حين أن من قام بكفالته يعيش بحرية تامة ومطلقة، فكم من شخص دعته الشهامة إلى القبول بالكفالة فكان آخرها الندامة.*
رفض الفكرة*
وفي موقف طريف ينم عن عدم وفاء من يطلب لنفسه كفيلاً في حقوق مالية فقد لجأ أحد الجيران إلى جاره من أجل أن يقوم بكفالته كفالة غرم لشراء سيارة بالتقسيط من أحد شركات التقسيط؛ ولأن هذا الجار له خلفية بعواقب الكفالة فقد وافق ولكن بشرط على أن يكون هو المشتري، ويكون طالب الكفالة هو الكفيل، بحيث يشتري هو السيارة باسمه ومن ثم يعطي ثمنها إلى جاره ويقوم هذا الجار بالسداد عنه فهو الكفيل، فاذا تأخر عن السداد يكون هذا الجار طالب الكفالة هو الكفيل الذي يرغم على السداد أو يتعرض للمطالبة بالحق المالي، فإن وفى به فهذا المطلوب وإلاّ تعرض للدخول للسجن، فما كان من الجار إلاّ رفض هذه الفكرة وذهب يبحث عن كفيل آخر فتبين لهذا الجار بأنه كان لا يريد الوفاء وسيعرضه لويلات الكفالة ومشاكلها.*
شراكه مطلقة*
ومن الشراكة ما يكون في كل شيء من الأملاك، وغالباً ما تكون بين الإخوة حيث يتشاركان مثلاً في المنزل فيقتسمان غرفه بينهما، ويكون عملهم كذلك مشتركاً وما ينتج منه من دخل يوزع بينهم بالنصف، ويستمر الحال على ما هو عليه ردحاً من الزمن إلى أن يأتي يوم لا مناص فيه من التقسيم، وذلك بعد أن يكبر الأولاد وتتعدد المسؤوليات وتتباين وجهات النظر التي كانت محصورة من قبل بين اثنين ثم صارت إلى عدد كبير بعد أن يكبر الأولاد ويشعر الأخوان المتشاركان في الضعف أو يتوفى أحدهما أو كلاهما.*
*
شراكة البيع والشراء شهدت نجاحاً للأفراد في الماضي
ومن القصص التي تبين مدى انتشار الشراكة بين الناس خاصةً الأخوة هو تشارك الأخوين في كل شيء بدءاً من البيت وانتهاءً بالعمل، فيكون حلالهما واحد فإذا اشترى أحدهما لمنزله مثلاً شيئاً فإن الآخر يشتري مثله أو يأخذ مثل قيمته نقداً، وحدث أن تشارك أخوان في البيت وفي العمل فقاما بالعمل الدؤوب في التجارة والبيع والشراء وحصلا على محل تجاري وظلا يعملان به وبعد فترة من الزمن ضعف الإقبال على تجارتهما، فصار يكفي أن يقف أحدهما في المحل ومع بداية انخراط الناس في الوظائف اتفق الاثنان على أن ينخرط أحدهما في الوظيفة في الصباح بينما يبقى الآخر في المحل يمارس عملية البيع والشراء، وبعد العصر يجتمع الاثنان في محلهما التجاري إلى ما بعد العشاء على شرط أن يكون راتب الوظيفة بينهما بالنصف، واستمرا على ذلك حتى بلغ من يعمل سن التقاعد وصار أخوه يناصفه الراتب حتى بعد التقاعد وصار الموضوع مجال نقاش واختلاف، واحتدم بعد أن مات هذا الموظف المتقاعد فهل يشارك أيضاً ورثته في راتبهم التقاعدي، وبعد فترة من الزمن وبعد أن كثر أولاد كل شخص منهما تمت تصفية هذه الشراكة التي كان فيها التراضي والتسامح بين الأبوين، ولكن عند رحيل أحدهما أو كليهما تبدأ الخلافات التي تعصف بهذه الشراكة وتجعل مصيرها إلى الفشل وبالتالي في نهاية المطاف إلى التقسيم والتصفية.*
تراي خشير*
وهناك من الشراكة ما يكون وقتياً أن ينتهي حال انتهاء الغرض المراد منه مثل الشراكة في الشراء حيث يكون من يرغب الشراء لا يملك مالاً يكفي لشراء الشيء المعروض والمراد بيعه أو أن تكون البضاعة المعروضة أكثر من حاجته، لذا فقد كان الناس قديماً يشتركون في شراء بضاعة معينة ومن ثم يقومون بتوزيعها بينهم بالتساوي، حيث يقسم ما تم شراؤه من حطب مثلاً أو بطيخ إلى قسمين ويقوم أحدهما بتخيير صاحبه لأخذ أي قسم منها، أمّا إذا كانوا ثلاثة أو أكثر فيتم تقسيم ما تم شراؤه إلى حصص بعددهم يجتهد من يقوم بتقسيمها إلى أن تكون حصصاً متساوية، ومنعاً للإحراج يقوم أحدهم بالوقوف أمام البضاعة بحيث يكون وجهه للأمام والبضاعة خلفه ثم يشير أحدهم إلى كومة من البضاعة فيقول لمن هذه فيقول لفلان ويشير إلى أخرى فيقول لفلان حتى ينتهي التقسيم ويرضى الجميع بالقسمة، وأحياناً يحضر من يريد شراء سلعة معينة فيجد من يزايد فيها لشرائها فيقول له: "تراي خشير"، أي أريد أن أشاركك في شراء هذه السلعة فيعطيه إشارة بالموافقة فلا يزايد عليه وبعد أن يشتري البضاعة يتم اقتسامها بينهما بعد دفع ثمنها.*
*
حتى الأعمال الشاقة كانت تتم بطريقة الشراكة قديماً*
شراكة زمان*
وكانت الشراكة زمان تتم ببساطة تنم عن عفوية وعدم تدقيق، مع أن المثل الشعبي القديم يقول: "دقق الحساب تطول العشرة"، إلاّ أن شراكات زمان تسودها المحبة والتسامح وفي قصة طريفة فإن صديقين حميمين ألجأتهما الحاجة والفقر إلى مغادرة مسقط رأسهما في نجد وشد الرحال إلى مكة من أجل العمل والكسب، وفي الطريق اتفق الاثنان أن يعملا وما يحصلان عليه يكون بينهما شراكة، ومضيا يعملان وحصلا على مبلغ من المال فقرر أحدهما أن يعمل في التجارة بالبيع والشراء فقد ضجر من العمل اليدوي المرهق فتوجه إلى سوق "الحلقة" وكان في نهايته فوجد فيه "دلاّلاً" ينادي على أحذية للبيع وهي داخل كيس مختلطة وفيها ما هو مستعمل وما هو جديد ولا يظهر منها إلاّ ما كان في أعلى الكيس، ولما رأى أن السعر ليس كبيراً زاد في السعر فتم البيع عليه فدفع ثمنها وهو لا يكاد يصدق فبإمكانه أن يبيعها مفرقة بأضعاف سعرها في وقت وجيز، فحملها على ظهره وذهب بها إلى مكان إقامته مع صديقه ولما رآه سأله عن ماذا يحمل فأخبره بأنه اشترى أحذية بالجملة وسيبيعها في الغد بالتجزئة وسيجني من ذلك أرباحاً طائلة، فقال له صديقه: "الحمد لله سنكسب ربحاً طيباً"، فقال: "سأكسب أنا وحدي وما دخلك أنت"، فقال: "ألم نتفق أن يكون ما نحصل عليه يكون شراكة بيننا؟"، فقال له صاحبه: "إن اتفاقنا كان قديماً أمّا من اليوم فكل من يحصل على مال فهو أحق به"، فغضب زميله وقال: "لم أتوقع منك أن تخونني"، فذهب غاضباً بينما دخل صاحب الأحذية إلى غرفته وبدأ يفرز الأحذية فظل صاحبه مهموماً من شدة الغيظ على خيانة رفيقه له، وبينما هو جالس حدثته نفسه بأن يرى غنيمة صاحبه فأخذ ينظر إليه مع شقوق الباب الخشبي وهو لا يدري فرآه في حيرة من أمره فكل الأحذية التي يخرجها ذات زوج واحدة فقط وليس هناك حذاء كامل، فقام وجمع الأحذية في الكيس وربطها وهم بالخروج فلما رآه زميله الذي كان يراقبه من شقوق الباب عاد مسرعاً إلى مكانه كأنه لم ينظر إليه فخرج صاحب الأحذية وقال لصديقه: "لقد ندمت على فض الشراكة معك وراجعت نفسي فأنت الآن شريكي، فأعطني نصف الثمن ونبيعها ونتقاسم أرباحها بيننا بالتساوي"، فقال له: "لن تخدعني مرتين فقد رأيت كل شيء وعلمت أن أحذيتك لا تساوي شيئاً فكلها ذات زوج واحد"، فغضب صاحب الأحذية وقال لن أخسر شيئاً وسأردها إلى الذي اشتريتها منه بالأمس ولما أصبحا ذهب برفقته إلى السوق وذهب إلى الدّلاّل فقال له: "أنا صاحبك الذي اشترى منك هذه الأحذية المغشوشة ذات الزوج الواحد فخذها وأعطني نقودي"، فقال الدّلاّل: "اذهب من هنا فأنا لا أعرفك ولم أبع عليك شيئاً"، فمسك بتلاليبه وقال: "أعطني مالي أيها السارق"، فأوقع الدلاّل نفسه ووضع يديه على بطنه وصاح لقد ضربني هذا الرجل وأخذ يصرخ بأعلى صوته، فاجتمع الناس حوله واستدعوا رجل الشرطة في السوق فقبض عليه لأنه رجل غريب وصدّق ادّعاء الدّلاّل فقاده إلى مركز الشرطة وبعد التحقيق معه أمر مأمور الشرطة بحبسه حيث لا يوجد لديه إثبات أو شهود على عملية البيع والشراء، فلما رأى أنه قد أوقع به طلب العفو والسماح وأبدى تنازله عن حقه في سبيل إطلاق سراحه فوافق مأمور الشرطة بشرط ألا يعود إلى الدخول في سوق الحلقة مطلقاً فتعهد بذلك فأطلق سراحه وعاد مع صديقه وقد عاهده على الصدق والأمانة والعمل بالشراكة في العمل واقتسام ما يحصلان عليه بالسوية.*
توثيق وعقود*
وأصبحت الشراكة في عصرنا الحاضر أشد تعقيداً من ذي قبل ففي السابق يكون الاتفاق غالباً بمبدأ الكلمة بين الشريكين دون اللجوء إلى كتابة ذلك وتوثيقه، فيتعارف الناس على ذلك وتمضي الشراكة دون أي مشاكل تذكر، أمّا في وقتنا الحاضر فقد بات توثيق ذلك أمراً مهماً فيتم إبرام عقد يضمن لكل من الشريكين حقه ونصيبه، كما تسجل ملكية العمل بينهما ويحدد حصة كل منهما في الربح على قدر رأس المال، سواءً كانت الشراكة بين شخصين أو أكثر، ورغم ذلك كله يحدث بين الشركاء العديد من الخلافات التي يلجأون فيها إلى الدوائر الشرعية والحقوقية من أجل حفظ حقوقهما وفض النزاع بينهما.*