مشاهدة النسخة كاملة : طبيب يبحث عن وجبه عشاء


هدوء
09-07-2015, 12:51 AM
مَـا عرف الراحةَ يوماً، وما هَدَأَتْ نفسه سَاعَةً واحدةً منذ أَنْ خرج من رَحِم الأحزان، وتقاذفته صروف الزمان؛ فقد نَحَتَ الصخرَ بأظافره، وَمَشَى على الشوك حافيَ القَدَمَيْن في سبيل مواصلة دراسته للطب.


في يـومٍ ذي مَسْـغَبَة طَافَ يميناً وشِمالاً عساه أنْ يَجِدَ عملاً، فَلَمْ يجدْ فَتَسلَّلَ إليه شعور بالإحباط أكثر من ذي قبل، وَأَصَابَه من الهَمِّ والحزن ما أصابه؛ لِسَطْوَةِ الدَّيْنِ وتراكمه، وشبح الضَّيَاع الذي نَسَجَ خيوطه في طريقه.


فَقَرَّرَ أَنْ يقترض ما يكفيه للغد، فسأل أحد زملائه فاعْتَذَرَ إليه. وذهب إلى آخَر، فَعَلِمَ أنه سافر إلى أهله. فبلغ به اليأس مبلغه لعجزه عن تحقيق مطلبٍ بسيط كهذا. فَتَحَامَلَ على نفسه أكثر، وقام بمحاولةٍ أخيرة، فَتَوَجَّه إلى صَدِيقٍ في قريةٍ نائية، فَلَمَّا وَصَلَ إلى هناك لَمْ يجده!


فَضَاقَتْ نفسه من نفسِه، واسْتَبَدَّتْ به الحَيْرَة، وَأََحَسَّ بأنَّ الدنيا أَوْصَدَتْ أبوابها في وجهه؛ بعدما أعياه البحث عن ثمن وجبة عشاء! فَتَمْتَمَ يائساً: ليس هناك من خَيْرٍ يرْتَجَى في هذا الزمان! وراودته نفسه الأَمَّارَة بالانتحار ابتغاء الخلاص من غَلَبَة الدَّيْن وقهر الرِّجَال.


ظَلَّ سائراً بين الحقول الشاسعة، يجوب الآفاق بنظراته القَلِقَة، فاقداً الأمل في إكمال دراسته، بَلْ كارهاً البقاء في الدنيا كلها! وبينما هو كذلك فإذا به يبْصِر من بين النَّخِيل رَجلاً نحيلاً، تكاد قِرْبَة الماء التي على كَتِفِهِ ترْدِيه على الأرض، فانْطَلَقَ نحوه ليحملها عنه.


وما إِنْ وَصَلَ إليه حتى تَهلَّلَ وجه الرجل بالسرور، فَرَحَّبَ به بشدة وَقَدَّمَ له في الحال طَبَقاً مملوءاً رطَباً جَنيّاً، فَأَكَلَ بِنَهَمٍ حتى شبع.


ثمَّ مَا لَبِثَ أَنْ قَصَّ عليه مَأْساته، فَمَسَحَ الرجل على كَتفِه برفقٍ، وقال: اعلَم أنَّ دوام الحال من المحال، وما دامَ رِزْقكَ على الله فلا تَحْزَنْ، والأَجْر على قدر المَشَقَّة؛ فـ (إدريـس) عَمِلَ خَيَّاطَاً، و (نـوح) نَجَّاراً، و (موسَـى) رَاعِياً، و (داود) حَدَّاداً، و (محَمَّـد) تَاجِراً، عليهم الصلاة والسلام جميعاً.


ثمَّ استدارَ الرَّجل، وتناول جرعة ماء، وَأَرْدَفَ قائلاً: تفاءل - يا ولدي - ولا تَقْنَط أبداً؛ فإِنَّه عندما يَجِيء أََوَان الفَرَج، فلا قِيمَةَ للأسباب؛ فقدْ خَرَجَ (يهـودا) بالقميص، فسبقته الرياح بالبشْرَى {إنِّي لأَجِد رِيحَ يوسفَ} [يوسف: 94]، ومَرْيَـم التي {كَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} كانت {كلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْـمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37].


تَسَلَّلَتْ هذه الكلمات إلى أذنِ الشاب كاللَّحْنِ العذب الجميل، فَظَلَّ يستمِع ويستمتِع بتلك الوصايا الغالية، حتى أَرْخَى اللَّيْل أَسْدَالَه، وتَلأْلأَتْ نجوم السماء، وَغَطَّتْ الحقولَ قطرات النَّدَى، فَتَمَنَّى أَلاَّ يغادِر المكان بعدما اسْتَهْوَتْ مسامعه الحِكَم الرفيعة، وَهَزَّتْ قلبَه المواعظ الجميلة.


وقبل أنْ يقوم من مقامه سأل الشيخ: هَلْ تَمْتَلِك كل هذه الزروع والأشجار والنخيل؟.


فابْتَسَمَ الشيخ، وقال: الملْك لله وحده، والمؤمن الحق مَنْ يَنْسِب كل خيرٍ لله، كما قال ذو القَرْنَيْن: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: 95]، وكما قال سلَيْمَـان - عليه السلام -: {فَمَا آتَانِيَ اللَّه خَيْرٌ} [النمل: 36].


ثمَّ أَرْدَفَ قائلاً: لا أخفي عليكَ سراً؛ أنَّنِي لَمْ يكن لَدَيَّ سوى نخلة واحدة، فكنت أََتَصَدَّق بنصف طَلْعِهَا، فرزقني الله هذا الرزق الكبير، فَزِدْت في الصدقة، فزادني أضعافاً مضاعفة. ففي النَّاموس الإلهي {مَن جَاءَ بِالْـحَسَنَةِ فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا} [النمل: 89].


سأله مرةً أخرى: كيف تسمح لَكَ صحتكَ بصعود النخيل وأنْتَ في شيخوختك هذه؟.


أَجَلْ! حفظناها في الصِّغَر، فَحَفِظَها الله لنا في الكِبَر.


تَعَجَّبَ الشاب من يقين الشيخ، كَتَعَجّب موسَـى - عليه السلام - من الخضــر! فَزَالَ عنه القنوط الذي كان يغشاه، وَتَبَخَّرَ اليأس الذي كاد يقتله. ثمَّ قال وهو يَهِمّ بالرحيل: لَوْ ضاقت بيَ السبل، هَلْ تأذن لي أَنْ قِيمَ في خيمتكَ الصغيرة؟


الشيخ: لا مانع مَا دمْتَ تؤمن بأنه {مَن جَاءَ بِالْـحَسَنَةِ فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا} [النمل: 89].


ازداد تَعَجّبه من إيمان الشيخ ويقينه! فتنزَّلَتْ عليه السكينة، وغشيته الرحمة، ثمَّ وَدَّعَه قائلاً: أَشْكركَ يا سَيِّدي على كرمك، وعسى أَنْ نلتقي. أنا خادمك " رشــاد فــؤاد " طالب بكلية الطب.


فقال: لا شكْرَ على واجب يا بنيَّ! جَعَلَكَ الله عَوناً لعباده، وَسِلْمَاً لأوليائِه.


مَرَّتْ الأعوام سِرَاعاً، وأصبح طالب الطب أحدَ الجَرَّاحِين الذين يشَار إليهم بالبَنَان.


وفي إحدى الليالي، تَمَّ استدعاؤه فوراً إلى (المستشفى الجامعي) لوصول حَالَةٍ حَرِجَةٍ للغاية، اعتذرَ عنها (المستشفى الدولي) لأنَّها ميئوسٌ منها، كما رَفَضَ استقبالها (المستشفى الاستثماري) بِحجَّة أنهَا حالة شبه ميتة!


وبمجرد أَنْ اطَّلَعَ الدكتـور على اسم المريض واسم القرية التي ينتمي إليها تَذَكَّرَه على الفور! فقرَّرَ أنْ يفعلَ ما في وسْعِهِ لعلاجه.


وبالفعل، فَلَمْ تمضِ ساعاتٌ قلائل حتى نَجَحَ في علاجه بمهارةٍ فائقة، مخَيِّباً ظن الآخَرين الذين توقعوا خِلاف ذلك. ثمَّ مَا لَبِثَ أنْ اشترى له الدواء اللازم، وكتب عليه: هذه هديتي إليك؛ لأنه {مَن جَاءَ بِالْـحَسَنَةِ فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا}. [النمل: 89]

التوقيع: خادمكَ القديم (رشــاد فــؤاد) طالب كلية الطب.


في تلك الأثناء، كانت الظنون تحيط بالرجل من كل جانب؛ إذْ تَوَقَّعَ أنه سيبيع أرضه، بَلْ سيقضي حياته كلها ليسَدِّدَ أجر العملية الجراحية! فَلَمَّا قرأ الورقة المرفقة بالدواء غمرته البهجة، وراح يَضمّها بشوقٍ وَيقَبِّلها؛ كأنَّها قَمِيص يوسـفَ في أجفانِ يعقـوبِ! فَتَدَفَّقَتْ دموع الفرح من عينيه، ورفع يَدَيْهِ إلى السماء قائلاً بصوتٍ خاشع: سبحانك! سبحانك! إذا كان المعــروف لا يَضِيع في الدنيا، فكيفَ يَضِيع في الآخرة؟ آمَنْت أَنَّه {مَن جَاءَ بِالْـحَسَنَةِ فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا} [النمل: 89].



يا له من دين

حب وحنآن هستره وجنآن
09-07-2015, 12:55 AM
يعطيك الف عافيه
وربي آستمتعت ب آلقرآه

عـــودالليل
09-07-2015, 01:05 AM
١٠٠
طرح في مجمله جميل
وقيم ومفيد

تم اختياره بفكر مميز وراقي
يعرف
ماذا يختار

لذلك
اقدم اعجابي وشكري لك
على اهتمامك وذوقك العالي
في تقديمه لنا

الف شكر من القلب

اخوك
محمد الحريري

كـــآدي
09-07-2015, 01:18 AM
ابدعتي بطرحك
لاهنتي

إرتواء نبض
09-07-2015, 10:41 AM
أَشكُرُ لكٍ مجهودٍك البَآذخ في أرض روَآئعنَآ
رَآق لي مَآ وُجٍدَت هنَآ جدًآ
ونَآلَ إِستحْسَآنَ ذَآقتي
قَوَآفل نَرجسِيَةَ لِ روحِكْ وَإمتِنَآنٌ كَثِيفْ لِ يَمينك

http://www.design-warez.ru/uploads/posts/2009-09/1252935855_765718n62xldrmj1.gif

فزولهآ
09-07-2015, 03:04 PM

سلمت يداك
وأجزل عليك من عظيم عطآيآه
بـإنتظار جديدك القآدم
بآقآت الشكر والتقدير
إقدمهآ لك
،*

صمت القمر
09-07-2015, 03:49 PM
سلمت الايادي
على ماطرحت
كل الشكر لك

مجنون قصايد
09-07-2015, 05:15 PM
ماشاء الله تبارك الرحمن

ذوق في اختيارك
وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه

لك كل
تقديري واحترامي

مجنون قصآيد

http://i18.servimg.com/u/f18/12/38/24/05/4afakk10.jpg

دلع
09-07-2015, 05:47 PM
موضوع في قمة الروعه

لطالما كانت مواضيعك متميزة

لا عدمنا التميز و روعة الإختيار

دمت لنا ودام تألقك الدائم

جنــــون
09-07-2015, 09:40 PM
طرح جميل وقيم
سلمت يداك

هدوء
09-08-2015, 02:43 AM
يعطيك الف عافيه
وربي آستمتعت ب آلقرآه
شاكره مرورك

هدوء
09-08-2015, 02:44 AM
١٠٠
طرح في مجمله جميل
وقيم ومفيد

تم اختياره بفكر مميز وراقي
يعرف
ماذا يختار

لذلك
اقدم اعجابي وشكري لك
على اهتمامك وذوقك العالي
في تقديمه لنا

الف شكر من القلب

اخوك
محمد الحريري
شاكره مرورك

هدوء
09-08-2015, 02:44 AM
ابدعتي بطرحك
لاهنتي
شاكره مرورك

هدوء
09-08-2015, 02:45 AM
أَشكُرُ لكٍ مجهودٍك البَآذخ في أرض روَآئعنَآ
رَآق لي مَآ وُجٍدَت هنَآ جدًآ
ونَآلَ إِستحْسَآنَ ذَآقتي
قَوَآفل نَرجسِيَةَ لِ روحِكْ وَإمتِنَآنٌ كَثِيفْ لِ يَمينك

http://www.design-warez.ru/uploads/posts/2009-09/1252935855_765718n62xldrmj1.gif
شاكره مرورك

هدوء
09-08-2015, 02:48 AM

سلمت يداك
وأجزل عليك من عظيم عطآيآه
بـإنتظار جديدك القآدم
بآقآت الشكر والتقدير
إقدمهآ لك
،*
شاكره مرورك

هدوء
09-08-2015, 02:51 AM
سلمت الايادي
على ماطرحت
كل الشكر لك
شاكره مرورك

هدوء
09-08-2015, 02:51 AM
ماشاء الله تبارك الرحمن

ذوق في اختيارك
وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه

لك كل
تقديري واحترامي

مجنون قصآيد

http://i18.servimg.com/u/f18/12/38/24/05/4afakk10.jpg
شاكره مرورك

هدوء
09-08-2015, 02:52 AM
موضوع في قمة الروعه

لطالما كانت مواضيعك متميزة

لا عدمنا التميز و روعة الإختيار

دمت لنا ودام تألقك الدائم
شاكره مرورك

هدوء
09-08-2015, 02:53 AM
طرح جميل وقيم
سلمت يداك
شاكره مرورك

مْلكَة زمْانــْے
09-16-2015, 08:22 AM
http://img718.imageshack.us/img718/4259/610wonderfullabeermahmo.gif
http://img291.imageshack.us/img291/6992/fk1g5u.gif
يسلمواااااا ع الطرح الراقى و الفائدة و الجلب الراااائع
شكـــ و بارك الله فيكم ــــراً جزيلاً ... دام لنا هذا التميز
الله يعطيكم العاااافية ع المجهود ... لا خلا و لا عدم
و أنتظر جديدكم من إبداااااعات ... بكل لهفة و شوق
و لكم شكرى ... قبل ردى ... تح ـياااااااتى و تقديرى
http://img291.imageshack.us/img291/6992/fk1g5u.gif
http://img72.imageshack.us/img72/2448/wwwalmsloobcom13c276162.gif