فزولهآ
01-29-2015, 10:57 PM
( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن
أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( 14 ) ) .
يذكر تعالى كيفية موت سليمان ، عليه السلام ، وكيف عمى الله موته على الجان المسخرين
له في الأعمال الشاقة ، فإنه مكث متوكئا على عصاه - وهي منسأته - كما قال ابن عباس
، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة وغير واحد - مدة طويلة نحوا من سنة ، فلما أكلتها دابة
الأرض ، وهي الأرضة ، ضعفت وسقط إلى الأرض ، وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة -
تبينت الجن والإنس أيضا أن الجن لا يعلمون الغيب ، كما كانوا يتوهمون ويوهمون الناس
ذلك .
[ ص: 502 ] قد ورد في ذلك حديث مرفوع غريب ، وفي صحته نظر ، قال ابن جرير :
حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا موسى بن مسعود أبو حذيفة ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ،
عن عطاء ، عن السائب ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " كان سليمان نبي الله ، عليه السلام ، إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول
لها : ما اسمك ؟ فتقول : كذا . فيقول : لأي شيء أنت ؟ فإن كانت لغرس غرست ،
وإن كانت لدواء كتبت . فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه ، فقال لها :
ما اسمك ؟ قالت : الخروب . قال : لأي شيء أنت ؟ قالت : لخراب هذا البيت . فقال سليمان
: اللهم ، عم على الجن موتتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب . فنحتها عصا ،
فتوكأ عليها حولا ميتا ، والجن تعمل . فأكلتها الأرضة ، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا
يعلمون الغيب ما لبثوا [ حولا ] في العذاب المهين " .
قال : وكان ابن عباس يقرؤها كذلك قال : " فشكرت الجن الأرضة ، فكانت تأتيها بالماء " .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث إبراهيم بن طهمان ، به . وفي رفعه غرابة ونكارة ،
والأقرب أن يكون موقوفا ، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني له غرابات ، وفي بعض حديثه
نكارة .
وقال السدي ، في حديث ذكره عن أبي مالك عن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
قال : كان سليمان يتحرر في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين ،
وأقل من ذلك وأكثر ، يدخل طعامه وشرابه ، فأدخله في المرة التي توفي فيها ،
وكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة ، فيأتيها
فيسألها ، فيقول : ما اسمك ؟ فتقول : اسمي كذا وكذا . فإن كانت لغرس غرسها ،
وإن كانت نبت دواء قالت : نبت دواء لكذا وكذا . فيجعلها كذلك ، حتى نبتت شجرة يقال
لها : الخروبة ، فسألها : ما اسمك ؟ فقالت : أنا الخروبة . قال : ولأي شيء نبت ؟
قالت : نبت لخراب هذا المسجد . قال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ؟ أنت التي
على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس . فنزعها وغرسها في حائط له ، ثم دخل المحراب
فقام يصلي متكئا على عصاه ، فمات ولم تعلم به الشياطين ، وهم في ذلك يعملون له ،
يخافون أن يخرج فيعاقبهم . وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب ، وكان المحراب له كوى
بين يديه وخلفه ، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول : ألست جلدا إن دخلت فخرجت
من ذلك الجانب ؟ فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر ، فدخل شيطان من أولئك فمر ،
ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق . فمر ولم يسمع صوت سليمان ،
ثم رجع فلم يسمع ، ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق . ونظر إلى سليمان ، عليه السلام
قد سقط ميتا . فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات . ففتحوا عنه [ ص: 503 ] فأخرجوه .
ووجدوا منسأته - وهي : العصا بلسان الحبشة - قد أكلتها الأرضة ، ولم يعلموا منذ كم
مات ؟ فوضعوا الأرضة على العصا ، فأكلت منها يوما وليلة ، ثم حسبوا على ذلك النحو ،
فوجدوه قد مات منذ سنة . وهي في قراءة ابن مسعود : فمكثوا يدأبون له من بعد موته
حولا ، فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبونهم ولو أنهم علموا الغيب ، لعلموا بموت
سليمان ولم يلبثوا في العذاب يعملون له سنة ، وذلك قول الله عز وجل : ( ما دلهم على
موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا
في العذاب المهين ) . يقول : تبين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم ، ثم إن الشياطين
قالوا للأرضة : لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام ، ولو كنت تشربين الشراب
سقيناك أطيب الشراب ، ولكنا سننقل إليك الماء والطين - قال : فهم ينقلون إليها ذلك
حيث كانت - قال : ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب ؟ فهو ما تأتيها به
الشياطين ، شكرا لها .
وهذا الأثر - والله أعلم - إنما هو مما تلقي من علماء أهل الكتاب ، وهي وقف ،
لا يصدق منها إلا ما وافق الحق ، ولا يكذب منها إلا ما خالف الحق ، والباقي لا يصدق
ولا يكذب .
وقال ابن وهب وأصبغ بن الفرج ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( ما دلهم على
موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ) قال : قال سليمان عليه السلام لملك الموت : إذا أمرت
بي فأعلمني . فأتاه فقال : يا سليمان ، قد أمرت بك ، قد بقيت لك سويعة . فدعا الشياطين
فبنوا عليه صرحا من قوارير ، وليس له باب ، فقام يصلي فاتكأ على عصاه ، قال : فدخل
عليه ملك الموت ، فقبض روحه وهو متكئ على عصاه ، ولم يصنع ذلك فرارا من ملك الموت
. قال : والجن يعملون بين يديه وينظرون إليه ، يحسبون أنه حي . قال : فبعث الله ،
عز وجل دابة الأرض . قال : والدابة تأكل العيدان - يقال لها : القادح - فدخلت فيها فأكلتها ، حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت ، وثقل عليها فخر ميتا ، فلما رأت ذلك الجن انفضوا وذهبوا . قال : فذلك قوله : ( ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ) .
قال أصبغ : بلغني عن غيره أنها قامت سنة تأكل منها قبل أن يخر . وقد ذكر غير واحد
من السلف نحوا من هذا ، والله أعلم .
أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( 14 ) ) .
يذكر تعالى كيفية موت سليمان ، عليه السلام ، وكيف عمى الله موته على الجان المسخرين
له في الأعمال الشاقة ، فإنه مكث متوكئا على عصاه - وهي منسأته - كما قال ابن عباس
، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة وغير واحد - مدة طويلة نحوا من سنة ، فلما أكلتها دابة
الأرض ، وهي الأرضة ، ضعفت وسقط إلى الأرض ، وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة -
تبينت الجن والإنس أيضا أن الجن لا يعلمون الغيب ، كما كانوا يتوهمون ويوهمون الناس
ذلك .
[ ص: 502 ] قد ورد في ذلك حديث مرفوع غريب ، وفي صحته نظر ، قال ابن جرير :
حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا موسى بن مسعود أبو حذيفة ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ،
عن عطاء ، عن السائب ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " كان سليمان نبي الله ، عليه السلام ، إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول
لها : ما اسمك ؟ فتقول : كذا . فيقول : لأي شيء أنت ؟ فإن كانت لغرس غرست ،
وإن كانت لدواء كتبت . فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه ، فقال لها :
ما اسمك ؟ قالت : الخروب . قال : لأي شيء أنت ؟ قالت : لخراب هذا البيت . فقال سليمان
: اللهم ، عم على الجن موتتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب . فنحتها عصا ،
فتوكأ عليها حولا ميتا ، والجن تعمل . فأكلتها الأرضة ، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا
يعلمون الغيب ما لبثوا [ حولا ] في العذاب المهين " .
قال : وكان ابن عباس يقرؤها كذلك قال : " فشكرت الجن الأرضة ، فكانت تأتيها بالماء " .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث إبراهيم بن طهمان ، به . وفي رفعه غرابة ونكارة ،
والأقرب أن يكون موقوفا ، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني له غرابات ، وفي بعض حديثه
نكارة .
وقال السدي ، في حديث ذكره عن أبي مالك عن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
قال : كان سليمان يتحرر في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين ،
وأقل من ذلك وأكثر ، يدخل طعامه وشرابه ، فأدخله في المرة التي توفي فيها ،
وكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة ، فيأتيها
فيسألها ، فيقول : ما اسمك ؟ فتقول : اسمي كذا وكذا . فإن كانت لغرس غرسها ،
وإن كانت نبت دواء قالت : نبت دواء لكذا وكذا . فيجعلها كذلك ، حتى نبتت شجرة يقال
لها : الخروبة ، فسألها : ما اسمك ؟ فقالت : أنا الخروبة . قال : ولأي شيء نبت ؟
قالت : نبت لخراب هذا المسجد . قال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ؟ أنت التي
على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس . فنزعها وغرسها في حائط له ، ثم دخل المحراب
فقام يصلي متكئا على عصاه ، فمات ولم تعلم به الشياطين ، وهم في ذلك يعملون له ،
يخافون أن يخرج فيعاقبهم . وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب ، وكان المحراب له كوى
بين يديه وخلفه ، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول : ألست جلدا إن دخلت فخرجت
من ذلك الجانب ؟ فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر ، فدخل شيطان من أولئك فمر ،
ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق . فمر ولم يسمع صوت سليمان ،
ثم رجع فلم يسمع ، ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق . ونظر إلى سليمان ، عليه السلام
قد سقط ميتا . فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات . ففتحوا عنه [ ص: 503 ] فأخرجوه .
ووجدوا منسأته - وهي : العصا بلسان الحبشة - قد أكلتها الأرضة ، ولم يعلموا منذ كم
مات ؟ فوضعوا الأرضة على العصا ، فأكلت منها يوما وليلة ، ثم حسبوا على ذلك النحو ،
فوجدوه قد مات منذ سنة . وهي في قراءة ابن مسعود : فمكثوا يدأبون له من بعد موته
حولا ، فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبونهم ولو أنهم علموا الغيب ، لعلموا بموت
سليمان ولم يلبثوا في العذاب يعملون له سنة ، وذلك قول الله عز وجل : ( ما دلهم على
موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا
في العذاب المهين ) . يقول : تبين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم ، ثم إن الشياطين
قالوا للأرضة : لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام ، ولو كنت تشربين الشراب
سقيناك أطيب الشراب ، ولكنا سننقل إليك الماء والطين - قال : فهم ينقلون إليها ذلك
حيث كانت - قال : ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب ؟ فهو ما تأتيها به
الشياطين ، شكرا لها .
وهذا الأثر - والله أعلم - إنما هو مما تلقي من علماء أهل الكتاب ، وهي وقف ،
لا يصدق منها إلا ما وافق الحق ، ولا يكذب منها إلا ما خالف الحق ، والباقي لا يصدق
ولا يكذب .
وقال ابن وهب وأصبغ بن الفرج ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( ما دلهم على
موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ) قال : قال سليمان عليه السلام لملك الموت : إذا أمرت
بي فأعلمني . فأتاه فقال : يا سليمان ، قد أمرت بك ، قد بقيت لك سويعة . فدعا الشياطين
فبنوا عليه صرحا من قوارير ، وليس له باب ، فقام يصلي فاتكأ على عصاه ، قال : فدخل
عليه ملك الموت ، فقبض روحه وهو متكئ على عصاه ، ولم يصنع ذلك فرارا من ملك الموت
. قال : والجن يعملون بين يديه وينظرون إليه ، يحسبون أنه حي . قال : فبعث الله ،
عز وجل دابة الأرض . قال : والدابة تأكل العيدان - يقال لها : القادح - فدخلت فيها فأكلتها ، حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت ، وثقل عليها فخر ميتا ، فلما رأت ذلك الجن انفضوا وذهبوا . قال : فذلك قوله : ( ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ) .
قال أصبغ : بلغني عن غيره أنها قامت سنة تأكل منها قبل أن يخر . وقد ذكر غير واحد
من السلف نحوا من هذا ، والله أعلم .