ليّےـلى
01-27-2015, 11:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
في زمن كثرت فيه الفتن، واشتدت المحن، وتكالبت صروف الدهر ونوائبه على أمة الإسلام، وماجت عهود الناس ومواثيقهم، واستشرى الجهل بالدين، وتميعت عقيدة المسلمين؛ تبرز أهمية حركة تصحيح المسار، المتمثلة بالدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة، وإصلاح أوضاع الناس بالحكمة، وهو ما يعزز فضل الدعوة إلى الله، وفضل أصحابها من العلماء والدعاة والمخلصين من أبناء الجماعات الإسلامية، الذي قد حملوا لواء تعبيد الناس لربهم، وتصحيح معتقداتهم، وغرس القيم والمفاهيم الصحيحة في قلوبهم، رغم ما يلاقون من الأذى والاستهزاء، وسائر صنوف الابتلاء، ولا يزيدهم ذلك مع مرور الأيام إلا رفعة وعزة ومكانة في قلوب الناس. ويكفي في بيان فضلهم وحاجة الناس إليهم؛ ما وصفهم به الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- بقوله: \"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم..\"(1) .
ولكن ذلك الفضل لا يكتمل حتى يكون الدعاة على علم بالأسس الصحيحة التي يبنون عليها دعوتهم، والمعالم المنهجية المترابطة التي ينبغي عليهم أن يلتزموا بها، النابعة من قوله -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:108].
• المَعْلم الأول: الوضوح والبيان {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي... }.
أن يصدح الداعية بدعوته، موضحا لأتباعه المنهج الذي يسعى لنشره، والطريقة التي يسير عليها، والوسائل التي يستخدمها، والغاية التي يريد أن يصل إليها، والابتلاءات التي قد يلاقيها بسبب دعوته، لا أن تكون دعوته محل غموض أو خفى، بل في غاية من الوضوح له أولاً، ولمن تبعه ثانيا؛ مصطحبين ذلك الوضوح في جميع مراحل الدعوة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم، وأولى قضايا الوضوح الدعوي التي ينبغي الاعتناء بها؛ هي قضايا التوحيد، وأسس العقيدة الصحيحة، لا أن تكون الدعوة مجرد مواعظ مؤثرة، وخطب رنانة تزول بزوال المؤثر، ليفاجأ الداعية عند أول محنة تساقط الأتباع، وقلة النصير، بسبب غياب هذا المعلم في بداية الطريق. قال السعدي –رحمه الله-: \"يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} للناس {هَذِهِ سَبِيلِي} أي: طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وإيثاره، وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} أي: أحثُّ الخلق والعباد إلى الوصول إلى ربهم، وأرغِّبهم في ذلك وأرهِّبهم مما يبعدهم عنه\"(2) .
لقد كانت \"لا إله إلا الله\" واضحة الكلمات والمعاني لدى كفار القريش حينما طلب منهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقولوها فيملكوا بها العرب، وتدين لهم بها العجم، بأنها دعوة صريحة، ومبدأ قويم لهذا الدين القائم العبودية المطلقة لله –تعالى-، ونفي ما سواه من المعبودات الباطلة، ولكنهم أبوا أن يقولوها، بل وحاربوها. وفي المقابل نجد صورة مشرقة في بيعة العقبة لوضوح الدعوة ومنهجها وتبعاتها لدى الداعي والمدعو، واستجابتهم لها، يقول ابن إسحاق –رحمه الله-: \"إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا\" نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فأن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا؛ أسلمتموه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدينا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال، وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدينا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال: الجنة. قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه\" (3).
لذا؛ ينبغي أن يكون هذا المـَعْلم قيمة تربوية يتربى عليها أتباع الدعوة، وجند العقيدة، وأن يطالبوا من قياداتهم بيان منهجهم الذي يدعون إليه، سواء كان ذلك معلوما، أم مكتوبا، ولذا فقد دأب السلف الصالح على كتابة العقيدة الإسلامية الصحيحة وتدوينها؛ لبيان المنهج السليم، ووضوح الطريق القويم، والحفاظ على هوية الأمة، حتى لا يدخل معهم من ليس منهم(4)، ممن يريدون التسلق على تضحيات أبناء الدعوة لتحقيق مآربهم ومكاسبهم، أو أن تصاب قضايا المنهج وثوابته بآفة النسيان، مع مرور الزمان، لتصبح مجرد أفكار قابلة للتغيير، وتصورات خاضعة للمراجعة بما يتوافق مع طبيعة الصراع، أو مستجدات الواقع.
• المَعْلم الثاني: الحجة والبرهان { أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ...}.
أن تكون هذه الدعوة قائمة على الأسس الشرعية، والدلالات العقلية، التي تمثل في مجموعها مفهوم البصيرة، كما وضح ذلك ابن كثير –رحمه الله - في تفسيره للآية السابقة بقوله: \"هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين، وبرهان شرعي وعقلي\"(5) .
ومن هنا لزم على الدعاة أن تكون لهم قيمة علمية يحملونها للناس، ولمن أرادوا دعوتهم من المخالفين، لا أن تكون دعوتهم قائمة على تصورات خاطئة، ومعتقدات باطلة، وأفكار مضللة، ومشاريع قاصرة، بل دعوة تتميز بقوة الحجة، ووضوح المحجة، تؤثر بذاتها، وتقنع بطرحها، ترتقي بالداعية إلى الله إلى الرفعة، والمنازل العالية. قد تسلح الداعية إلى الله بسلاح العلم والحكمة؛ ليعظم أثره على الناس، وليرتقي للدرجات الرفيعة، والمنزلة السامية؛ قال ابن القيم –رحمه الله-: \"أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم، وهي البصيرة التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر. وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة، وهي أعلى درجات العلماء\" (6).
في زمن كثرت فيه الفتن، واشتدت المحن، وتكالبت صروف الدهر ونوائبه على أمة الإسلام، وماجت عهود الناس ومواثيقهم، واستشرى الجهل بالدين، وتميعت عقيدة المسلمين؛ تبرز أهمية حركة تصحيح المسار، المتمثلة بالدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة، وإصلاح أوضاع الناس بالحكمة، وهو ما يعزز فضل الدعوة إلى الله، وفضل أصحابها من العلماء والدعاة والمخلصين من أبناء الجماعات الإسلامية، الذي قد حملوا لواء تعبيد الناس لربهم، وتصحيح معتقداتهم، وغرس القيم والمفاهيم الصحيحة في قلوبهم، رغم ما يلاقون من الأذى والاستهزاء، وسائر صنوف الابتلاء، ولا يزيدهم ذلك مع مرور الأيام إلا رفعة وعزة ومكانة في قلوب الناس. ويكفي في بيان فضلهم وحاجة الناس إليهم؛ ما وصفهم به الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- بقوله: \"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم..\"(1) .
ولكن ذلك الفضل لا يكتمل حتى يكون الدعاة على علم بالأسس الصحيحة التي يبنون عليها دعوتهم، والمعالم المنهجية المترابطة التي ينبغي عليهم أن يلتزموا بها، النابعة من قوله -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:108].
• المَعْلم الأول: الوضوح والبيان {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي... }.
أن يصدح الداعية بدعوته، موضحا لأتباعه المنهج الذي يسعى لنشره، والطريقة التي يسير عليها، والوسائل التي يستخدمها، والغاية التي يريد أن يصل إليها، والابتلاءات التي قد يلاقيها بسبب دعوته، لا أن تكون دعوته محل غموض أو خفى، بل في غاية من الوضوح له أولاً، ولمن تبعه ثانيا؛ مصطحبين ذلك الوضوح في جميع مراحل الدعوة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم، وأولى قضايا الوضوح الدعوي التي ينبغي الاعتناء بها؛ هي قضايا التوحيد، وأسس العقيدة الصحيحة، لا أن تكون الدعوة مجرد مواعظ مؤثرة، وخطب رنانة تزول بزوال المؤثر، ليفاجأ الداعية عند أول محنة تساقط الأتباع، وقلة النصير، بسبب غياب هذا المعلم في بداية الطريق. قال السعدي –رحمه الله-: \"يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} للناس {هَذِهِ سَبِيلِي} أي: طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وإيثاره، وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} أي: أحثُّ الخلق والعباد إلى الوصول إلى ربهم، وأرغِّبهم في ذلك وأرهِّبهم مما يبعدهم عنه\"(2) .
لقد كانت \"لا إله إلا الله\" واضحة الكلمات والمعاني لدى كفار القريش حينما طلب منهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقولوها فيملكوا بها العرب، وتدين لهم بها العجم، بأنها دعوة صريحة، ومبدأ قويم لهذا الدين القائم العبودية المطلقة لله –تعالى-، ونفي ما سواه من المعبودات الباطلة، ولكنهم أبوا أن يقولوها، بل وحاربوها. وفي المقابل نجد صورة مشرقة في بيعة العقبة لوضوح الدعوة ومنهجها وتبعاتها لدى الداعي والمدعو، واستجابتهم لها، يقول ابن إسحاق –رحمه الله-: \"إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا\" نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فأن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا؛ أسلمتموه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدينا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال، وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدينا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال: الجنة. قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه\" (3).
لذا؛ ينبغي أن يكون هذا المـَعْلم قيمة تربوية يتربى عليها أتباع الدعوة، وجند العقيدة، وأن يطالبوا من قياداتهم بيان منهجهم الذي يدعون إليه، سواء كان ذلك معلوما، أم مكتوبا، ولذا فقد دأب السلف الصالح على كتابة العقيدة الإسلامية الصحيحة وتدوينها؛ لبيان المنهج السليم، ووضوح الطريق القويم، والحفاظ على هوية الأمة، حتى لا يدخل معهم من ليس منهم(4)، ممن يريدون التسلق على تضحيات أبناء الدعوة لتحقيق مآربهم ومكاسبهم، أو أن تصاب قضايا المنهج وثوابته بآفة النسيان، مع مرور الزمان، لتصبح مجرد أفكار قابلة للتغيير، وتصورات خاضعة للمراجعة بما يتوافق مع طبيعة الصراع، أو مستجدات الواقع.
• المَعْلم الثاني: الحجة والبرهان { أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ...}.
أن تكون هذه الدعوة قائمة على الأسس الشرعية، والدلالات العقلية، التي تمثل في مجموعها مفهوم البصيرة، كما وضح ذلك ابن كثير –رحمه الله - في تفسيره للآية السابقة بقوله: \"هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين، وبرهان شرعي وعقلي\"(5) .
ومن هنا لزم على الدعاة أن تكون لهم قيمة علمية يحملونها للناس، ولمن أرادوا دعوتهم من المخالفين، لا أن تكون دعوتهم قائمة على تصورات خاطئة، ومعتقدات باطلة، وأفكار مضللة، ومشاريع قاصرة، بل دعوة تتميز بقوة الحجة، ووضوح المحجة، تؤثر بذاتها، وتقنع بطرحها، ترتقي بالداعية إلى الله إلى الرفعة، والمنازل العالية. قد تسلح الداعية إلى الله بسلاح العلم والحكمة؛ ليعظم أثره على الناس، وليرتقي للدرجات الرفيعة، والمنزلة السامية؛ قال ابن القيم –رحمه الله-: \"أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم، وهي البصيرة التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر. وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة، وهي أعلى درجات العلماء\" (6).