مشاهدة النسخة كاملة : روااايات
نظرة الحب
12-26-2011, 10:18 PM
(1)
http://almadahouse.com/images/covers/ACF215B.gif
رواية (ريح الشرق وريح الغرب)* وهي الرواية الحائزة على جائزة نوبل سنة 1938م للكاتبة الأمريكية "بيرل باك" .. حقيقة إن لهذه الرواية أجواءاً لم أعهدها في قرائتي للروايات الأجنبية ..
تظل الرواية تُحكى بلسان فتاة صينية إلى صديقتها الغربية طوال الفصول .. تحكي صراع الموروث الاجتماعي القبلي من عادات وخزعبلات مع التحرر الناهض للمستقبل ..
والكاتبة بيرل باك عاشت زمناً طويلاً في الصين، فقد ولدت فيها وكبرت ولم تفارقها إلا لأجل الدراسة الجامعية عادت بعدها إلى الصين، فهي موغلة بتراث هذا الشعب وصراعاته منذ بدء عهد الانفتاح الجزئي الذي عاشته ..
أما بطلة القصة "كواي لان" التي تحكي الرواية بلسانها وهي إبنة زعيم احدى العشائر الصينية فإنها تتعمق في الوصف والخيال حد أنها تجعلك أحد أعضاء عائلتها من دقة التعبير والايغال بأفكار الذات .. شخصيتها أسرتني كثيراً لا أعلم عن السر ربما لأنني للتو انتهيت من الرواية .. وربما لوجود شبه كبير بين مجتمعنا والمجتمع الذي تعيش به "كواي لان" من حيث التمسك بالموروث أياً كان ..
الكتاب من الحجم المتوسط، وتتجاوز صفحاته الـ(200) صفحة بقليل .. سعره لا يتجاوز الـ(15) ريال سعودي، قامت بترجمته الأديبة الفلسطينية "سميرة عزام".
* يعود الفضل لتصفحي لهذه الرواية للصديق الجميل بدر10
فقد أرسلها مع مجموعة طيبة ورائعة من الكتب .. فالشكر كل الشكر له.
نظرة الحب
12-26-2011, 10:18 PM
هذه المقتطفة تصف بها "كواي لان" وحدتها .. بعد أن بلغ عمر أخيها 9 سنوات فأصبح حسب العادات المتبعة رجلاً لا يصح له الدخول إلى جناح النساء ..،
(( وعندما فصلونا لأول مرة زحفتُ ذات يوم إلى جناح الرجال، واتكأت على الحائط المقابل، ونظرتُ إلى الساحة آملة في أن أرى أخي في الحديقة، ولكنني رأيت فقط خدماً من الرجال يروحون ويجيئون مسرعين حاملين آنية الطعام الحار، وعندما فتحوا الأبواب المُفضية إلى قاعات أبي تسرَّبت إلى الخارج أصوات ضحك، يختلط بغناء من صوت امرأة، وعندما أغلقت الأبواب الثقيلة لم يكن هناك غير الصمت في الحديقة.
لقد وقفتُ طويلاً أستمع إلى ضحكات الطاعمين متسائلة عما إذا كان موجوداً وسط ذلك الجو المرح، ثم أحسستُ فجأة بيد تجذب ذراعي بقوة وإذا "وانج داما"، كبيرة وصيفات أمي، تصيح:
- هل تريدينني أن أقول لأمك، إذا رأيتك تكررين هذه الفعلة؟ من رأى قبلاً فتاة حييّة تنظر خلسة إلى الرجال؟
ولم أجرؤ لخجلي أكثر من أن أتمتم معتذرة:
- لقد كنت أبحث عن أخي.
ولكنها أجابتني بشدة:
- إن أخاك رجل الآن.
ولهذا نادراً ما كنتُ أرى أخي. ))
وهنا تصف الليلة الأولى التي قضتها مع زوجها المتحرر ..،
(( ثم أخذت كلماته تلهب أذني ثانية: لقد دُفعتِ أنتِ إلى الزواج كما دُفعتُ أنا ..! وفجأة أوشكتُ على الإغماء خوفاً، هل قصد أن يقول إنه لم يكن راغباً في الزواج مني؟
يا أختاه، يا له من حزن شديد وألم ممض! وأخذتُ أفرك يدي في حجري في مضض دون أن أجرؤ على الكلام، ودون أن أعرف بماذا أُجيب. وأرخى هو يده، وأحسست بعينيه على وجهي، أخيراً تكلم وكان صوته الخافت مريراً:
- تماماً كما خشيت... فلن تستطيعي أن تُظهري لي أفكارك الحقيقية، ولستِ قادرة على ذلك، وليست لكِ الجرأة على الانفكاك مما تعلمتِ من أساليب القول والعمل في موقف كهذا.
اصغي إليّ- أنا لا أطلب إليك أن تتحدثي، ولكنني أرجو منكِ إشارة صغيرة، فإذا شئتِ أن تعبري هذا الطريق معي فاحني رأسكِ قليلا.
وراقبني عن كثب وأحسست بيديه تزدادان ضغطا، ماذا يعني... لماذا لا تسير الأمور في طريقها المتوقع؟ لقد كنتُ مستعدة لأن أكون زوجته. ورغبتُ أن أكون أم أطفاله.
ثم ابتدأ أساي، هذا العبء الذي يغادرني ليل نهار... لم أدر ِ ماذا أفعل وفي يأسي وجهلي أحنيتُ رأسي.
- إني شاكر...
قالها وهو يقف على رجليه، وسحب يده وأردف:
- استريحي بسلام في هذا المخدع، تذكري بأن ليس هناك ما تخافينه الآن أو فيما بعد، إنني سأنام الليلة في المخدع الصغير المجاور. واستدار بخفة وانصرف. ))
وهذه آخر مقتطفة، وفيها تتحدث "كواي لان" إلى زوجها عن المشاكل المترتبة من اجتماع أخيها وزوجته الغربية المتحررَين في بيت واحد مع أمها المتمسكة بتقاليد العائلة ..
(( إنني أفكر فيهما وأتصورهما في الغرف القديمة وحدهما معا، وقلت لزوجي في الليلة الفائتة:
- ما هي نتيجة هذه المتاعب؟
فهز رأسه في شك ثم قال:
- سيكون وجود الاثنين، القديم والحديث تحت سقف واحد، أشبه بالحديد الذي يقارع الصوان، ومَن يدري أيهما سيفلّ الآخر؟
- وماذا سيحدث؟
وأجاب برصانة:
- ستخرج نار منهما. إنني أرثي لأخيك، ما من رجل يستطيع أن يقف ساكتاً بين امرأتين متغطرستين. إحداهما عجوز (أمه)، والأخرى شابة (زوجته)، وكلتاهما تحبه حباً عظيما.
ثم أخذ الطفل وأجلسه على ركبته، وظل يُفكّر، ولا أدري ماذا كان يجول في ذهنه، ولكن الطفل رفع خصلة الشعر عن أذنه ليظهر القرط الذي علّقته جدته فيها وصاح:
- هل ترى يا دادا؟
وفي الحال نسينا أخي وزوجته وتطلّع زوجي إليّ بـ شك ولوم وقال:
- كواي لان، ما هذا؟ لقد اعتقدت أننا انتهينا من هذه الخزعبلات.
وأجبته متلعثمة:
- لقد جعلته أمك في أذنه... ولم يطاوعني قلبي علي..
- "هراء"، صاح بي، يجب أن نفكّر في الطفل أولا، ولا نستطيع أن نتركه يتلقى مثل هذه الأفكار.
وأخرج من جيبه سكيناً صغيرة، وبعناية قطع الخيط الحريري الذي يشد القرط. ثم مد جسمه وألقى به من النافذة إلى الحديقة، فلما احتج الطفل قال له ضاحكاً:
- إنك رجل مثلي، انظر إنني لا أعلّق أقراطاً في أذني كـ المرأة... نحن رجال، لا نخاف الإلاهة. وابتسم الطفل لهذه الكلمات المرحة.
ولكنني في ظلمة الليل رحت أفكّر وأنا نصف خائفة، هل المسنون على خطأ دائماً؟ وماذا لو كان هناك آلهة بالفعل؟ لن أريك شيئاً لابني دون إنجاز. آه كم أفهم أمي ))
انتهى.
نظرة الحب
12-26-2011, 10:18 PM
صدقت عادل هذه الكاتبة تنقلك إلى أجواء رائعة ولها قصة أخرى بأسم الأرض الطيبة من أروع القصص التي قرأت وقد ترجمت هذه الرواية إلى عشرين لغه
والرواية تحكي قصة ذلك الفلاح الفقير وانغ لونغ الذي يعيش مع والده المريض في مزرعة صغيرة فقيرة التربة ولا يملك إلى جانب بيته البسيط المكون من ثلاث غرف مسقوفة بالقش سوى ثور واحد يعتمد عليه في حراثة الأرض المجدبة.
وعلى الرغم من هذه الظروف يقرر الزواج فيساعده والده في اختيار فتاة اسمها أولان بيعت فيما مضى وهي طفلة إلى منزل الثري هوانغ. كان عليه أن يستأذن سيدة القصر الكبير ليحظى بزوجته التي لم تكن على مستوى عال من الجمال، ولم يتسنَ له رؤيتها حتى لحظة زواجه منها.وعندما دخل القصر ليتسلمها وجد سيدة القصر إمرأة فظة مدمنة على تدخين الأفيون الذي كان منتشرا بين الأغنياء وغيرهم.ولم يكن لسيدة القصر من شروط على أولان أكثر من طلب أن ترى ابنها بعد أن يولد.
وبعد أن يرزق وانغ لونغ البنين من زوجته أولان الصابرة يحدث ما كان يخشاه، أجدبت السماء وجفت الأرض ثم تشققت، توقف القمح النابت عن النمو، وماتت مساكب الأرز التي زرعها ورعاها طويلا وانخفضت مياه البئر وبات مهددا هو وعائلته من غائلة الجوع والعطش.لم يكن وانغ لونغ وحده يعاني من ذلك، الجميع كانوا يعانون خاصة المزارعين الفقراء أصحاب الأراضي الفقيرة عانوا من القحط مثله، حتى أراضي أسرة هوانغ الخصبة لم تنتج محصولها ككل سنة.واضطر وانغ لونغ إلى ذبح ثوره ولكنه لم يقم بعملية ذبحه بنفسه.حدث ذلك بعد أن أصبح هناك سبعة أطفال في بيت وانغ وأولان.
ولكن سكان القرية الجائعين كانوا يظنون أن وانغ الذي اشترى أرضا من أسرة هوانغ يوما ما يخبيء الفضة والمحاصيل في بيته، وأنه كان يتظاهر بالحاجة والجوع كبقية الفلاحين.هذا الأمر دفعهم لمهاجمة وانغ وأسرته وتفتيش البيت بحثا عن الفضة والطعام.ولما لم يجدوا شيئا شرعوا في نهب أثاث البيت. عندها صرخت أولان في وجوههم قائلة: «لا تفعلوا ذلك، لم يحن الوقت بعد.
ومرت الأيام قاسية أكل فيها الناس العشب فوق التلال ثم أكلوا الحيوانات النافقة من الجوع ثم أكلوا لحم البشر.وبينما وانغ وأسرته يعانون من الجوع جاءه عمه بصحبة نفر من المدينة جشعين ومستغلين أرادوا شراء الأرض بثمن بخس، لكن وانغ رفض الفكرة بتاتا وقبل ببيعهم أثاث بيته جميعه كي يتمكن هو وأسرته من الهجرة نحو الجنوب.
ويستقر وانغ وأسرته في احدى مدن الجنوب، اختاروا سور أحد القصور ليقيموا لهم ملجأ إلى جداره الطويل العالي، ويقود وانغ عربة الجيشا بحثا عن الرزق، بينما أولاده يشحذون.وهناك سمع وانغ أول رياح الثورة عندما نادى شاب على مسمع من وانغ والآخرين قائلا: إن الصين يجب أن تثور، وتضرب الأجانب الكريهين فكر وانغ بالعودة إلى أرضه لكنه لا يملك ثمن العودة، تشير عليه أولان ببيع ابنتهما الصغيرة الضعيفة لكنه يشفق عليها ويتردد، وتثور المدينة، وتتحطم أبواب وأسوار القصر القريب ويهرب ساكنوه، إلا واحدا منهم، رجلا سمينا، يلتقيه وانغ فيجده مرعوبا، يعرض عليه الرجل السمين قطعا ذهبية مقابل تركه وشأنه فيأخذ وانغ الذهب ويستعين به على العودة إلى أرضه.يعود ويبدأ من جديد ويكرم جاره تشينغ الذي أعطاه يوما حفنة من الفول أيام المجاعة القاسية.
تفاجأ وانغ بعد أيام بوجود رزمة ملفوفة بقماش حول عنق زوجته تحوي على مجموعة نادرة من المجوهرات.قالت له زوجته أولان: «في منزل الرجل الثري رأيت قرميدة مرخية في الحائط، فذهبت إلى هناك بهدوء كيلا يراني أحد». ثم أضافت موضحة: «كنت أعيش في منزل رجل ثري، الأثرياء يخافون دائما».أ خذ وانغ المجوهرات فرحا وترك لؤلؤتين صغيرتين لزوجته حسب رغبتها وذهب إلى بيت هوانغ لشراء المزيد من الأرض، لم يجد أحدا هناك سوى هوانغ العجوز نفسه وجارية له تدعى كوكو.أما الباقون فقد رحلوا بعد سرقة البيت ووجد سيدة القصرالتي أتلفت جسدها من كثرة تدخين الأفيون قد ماتت من شدة الخوف عندما داهمهم اللصوص.كما وجد وانغ أن الأمور كلها بيد الجارية كوكو فساومها على الأرض واشترى منها ما استطاع مقابل المجوهرات.
مضت سنوات سبع عاشت خلالها أسرة وانغ في رغد من العيش، تعلم فيها الأولاد القراءة والكتابة، وجلبوا خلالها المزارعين الآخرين لمعاونتهم على حراثة الأرض وحصادها مقابل أجر. ولكن وانغ الذي عاش تلك الحياة القاسية بات يفكر في نفسه ويتأمل زوجته أولان وكأنه تفاجأ أنها لم تكن على درجة من الجمال، هفت نفسه للبحث عن اللذة في حجر إمرأة أخرى، وجدها عند فتاة صغيرة تدعى لوتس تدبرتها له كوكو، المرأة الجارية التي كانت تخدم مع زوجته يوما ما في قصر هوانغ.
وتمرض أولان الصابرة في الوقت الذي كان فيه ضمير وانغ يستيقظ، أحضر لها الطبيب.. ثم تموت أولان بعد زواج إبنها البكر وبعد صراع مع المرض ويعقبها والد وانغ فيدفنهما في أرضه، ويواصل وانغ حياته ويزوج أولاده الآخرين في حياة شبه رتيبة بعد أن يكبر ويكثر أحفاده.
نظرة الحب
12-26-2011, 10:19 PM
(2)
http://images.amazon.com/images/P/B00005ORUP.01._PE_PI_SCMZZZZZZZ_.jpg
"Where Angels Fear to Tread"
E. M. Forster - 1905
(حيث تخشى الملائكة أن تتنزل) - الطبعة الأولى عام 1905م
للكاتب الإنجليزي إدوارد مورغان فورستر
رواية تنقض على بعض من عيوب المجتمعات من سوء التربية ومأساة التسلط بأسلوب ساخر..ولاذع في جوهر معناه للروائي الإنجليزي فورستر (1879-1970) اللندني المولد. محاكياً بذلك أبناء جلدته المشهورين بالأسلوب النقدي كـ تشارلز ديكنز وغيره ..
تحكي الرواية على وجه التحديد مأساة الشباب في المجتمعات التي قيّدت أبنائها بقيود ما أنزل الله بها من سلطان..ودفعت بهم لبوابة الموت بلا شعور وأحياناً بشعور متعجرف ومُكابر.. وهي تتركز على شخصيتين بشكل مكثف:
1- (فيليب) الساخر من كل ما يجري حوله وهو الابن الوحيد من "آل هيريتون" بعد موت أخيه "تشارلز" تاركاً زوجته الأرملة (ليليا) للبؤس والاستبداد من عائلته ..
2- (أبوت) الغامضة والمترددة وهي صديقة ليليا والتي ترافقها لايطاليا وتشهد على مأساتها هناك ..
تُبعث ليليا بصحبة الآنسة أبوت لايطاليا لعل وعسى يكون في رحلتها ما يسليها عن بؤسها بعد موت زوجها تشارلز .. وفي ايطاليا - في بلدة سيينا - تلتقي ليليا بـ"كاريلا جينو" الشاب الايطالي الرومانسي والوسيم والمُعدم وتعجب به وتتزوجه في تحدٍ كبير للفروق الإجتماعية والفكرية والثقافية ليس حباً به ولكن كرهاً بغيره، رغم محاولات فيليب المتأخرة. وتنتهي أزمتها مع هذا الزواج بشكل مأساوي حيث الوحدة والخيانة التي لاقتها من زوجها كاريلا واضعة له الطفل الذي رغب به زوجها وتموت هي أثناء الولادة..
ثم يبدأ كل مَن شعر بمسؤوليته تجاه مأساة (ليليا) التحرك لاستعادة الطفل من الأب الايطالي "الوضيع والمتعجرف بنظرهم"..وكل له دافعه - الآنسة أبوت وكذلك فيليب وأخته هارييت بعد أن بعثت بهما الأم - إلا أن أيّهم لم يكن ليعمل ما يراه صواباً بقدر ما يتبّع أهواء غيره ممَن أجادوا التسلط عليهم في مجتمعاتهم..
يفشل الجميع في أخذ الطفل من أبيه رغم الإغراء المالي الكبير المعروض على جينو ورغم حاجة جينو الشديدة للمال..وبعد هذه الممانعة تحدث المأساة الختامية..!
الكتاب من الحجم المتوسط، وتتجاوز صفحاته الـ(200) صفحة بقليل أيضاً كالرواية السابقة في الحجم والصفحات، قامت بترجمتها الأكاديمية السعودية منيرة بدر المهاشير (عضو اتحاد المترجمين العرب - بيروت) والحقيقة أن هناك فارق كبير بين ترجمة هذه الرواية وترجمة أ. سميرة عزام في الرواية السابقة مثلاً ولا أعرف سبباً معيناً لبعض اللاتناسق في الجمل بهذه الرواية والتي قامت أ.منيرة مشكورة بترجمتها. الكتاب في السعودية متوفر بمكتبات جرير والعبيكان بـ(30) ريال سعودي، وشكراً.
سأعود بمقتطفات منها.
نظرة الحب
12-26-2011, 10:19 PM
أولى المقتطفات تجمع فيليب بـ أبوت وكان فيليب قد قدم من انجلترا لايطاليا محاولاً اثناء ليليا من الزواج بالفتى الإيطالي (كاريلا جينو) على اعتبار أن زواجها منه يُعتبر إساءة لذكرى أخيه (تشارلز) الذي هو زوجها المتوفي وإساءة لابنتها الصغيرة منه .. محاولاً أن يجمع المعلومات عن جينو من خلال الآنسة أبوت:
(( نظرت – أبوت – إليه بحدة، لم تفهم ما قاله. لكنها شعرت أنه شديد الذكاء، ثم استطردت في دفاعها عن السنيور كاريلا:
- حالياً، هو كـ بقية الشباب يبحث عما يقوم به.
- وحتى آنذاك؟ (فيليب يسألها)
- وحتى آنذاك حاله حال بقية الشباب، يقيم مع عائلته..والده ووالدته وأختيه وأخيه الصغير.
كان المرح يعتريها بصورة أفقدته رباطة جأشه فعزم على أن يُسكتها قائلاً:
- سؤال واحد فقط وأخير..ماذا يعمل والده؟
أجابت الآنسة أبوت:
- والده، حسناً لا أظنك ستعتبره زواجاً مُتكافئاً وهذا ليس مهماً، أعني لا يُعتبر الفارق الإجتماعي مهماً...الحب في نهاية المطاف...ليس...بل...أنا..
صرّ فيليب على أسنانه ولم يقل شيئاً.
- للرجال النبلاء أحكاماً قاسية في بعض الأحيان، لكني أظن أنكَ ووالدتك في مجمل الأحوال..مُنصفَين وجليلَين..وفي نهاية المطاف فإن الزيجات المبنية على الحب هي هبة السماء.
- أجل يا آنسة أبوت أعرف هذا. لكن اختياركِ لعبارة (السماء) تقلقني، فهل ستتزوج زوجة أخي ملاكاً؟
- أرجوك سيد هيريتون توقف؛ طبيب أسنان..أبوه طبيب أسنان.
صرخ فيليب بتقزز وألم ثم ارتجف وابتعد عنها:
- "طبيب أسنان!"..."طبيب أسنان في منتريانو!"..."طبيب أسنان في أرض الخرافات!".... أسنان اصطناعية، غاز مخدّر، كرسي مائل، حيث عاشت جماعات (الأترورية) والأيقونة (الرومانية) و(الأرليك) بذاته، والكونتيسة (ماتيلدا) والعصور الوسطى. كل ما مضى من قتال وقداسة ونهضة، الصراعات والجمال!..
لم يُطق – فيليب - التفكير بـ(ليليا) وازداد قلقه على نفسه من أن تقتل بصنيعها الرومانسية بداخله..ثم أردف قائلاً:
- الرومانسية لا يُمكن اقتلاعها بكماشة الأسنان من دواخلنا، لكن لمسة بسيطة قد تحررها..وكلما عجّلت – ليليا - بالمغادرة كان أفضل لي..
وفي الحين الذي كانت الرومانسية تُنتزع من جسد فيليب انتزاعاً جعله يصرخ من وجع الألم.. قائلاً:
- لا يسعني التفكير في ما يخبئه القدر فإن كانت ليليا عازمة على إلحاق العار بنا كان عليها البحث عن طريقة أقل اشمئزازاً. ))
وهذا مقطع يوضّح مدى مأساة ليليا بعد مرور سنة من زواجها بجينو المضطرب والذي اكتشفت فيما بعد أنه يخونها مع غيرها من النساء..ومأساتها تكمن بعزلتها في تلك البلدة غير قادرة على الرحيل وغير قادرة على البقاء .. بل حتى أن هارييت أخت زوجها السابق منعتها من إرسال رسائلها لابنتها الصغيرة ..
(( وتلقت ليليا رسالة قصيرة من هارييت تفيد بأنه لم يعد من حقها مراسلة الفتاة بشكل مباشر وختمتها بمواساة رسمية وباردة. وكادت ليليا تجن حين فرغت من قراءتها.
قال زوجها: ترفقي بحالك! ترفقي!
كانا جالسَين على الشرفة وصار غالباً ما يقضي المزيد من الوقت معها، يقضيه في النظر إليها وهو مشوش وقلق وبالطبع غير نادم.
قالت منهارة:
- "تفاهة"..ودخلت للغرفة ومزّقت الرسالة ثم كتبت رسالة أخرى قصيرة لـ(كينجكروفت) خلاصتها: (هبّوا لإنقاذي) ..
ليس بمقدر الرجل أن يتفرج على زوجته وهي تبكي وتكتب – خاصة إن اقتنع أن معاملته لها هي في الغالب لائقة ولطيفة. كما أنه ليس من اللائق أن تُكاتب الرجال في حضرته. وليس من حقها أن تلوّح براحة يدها بوجهه حين يُغادر الغرفة ظناً منها أنه مشغول بسيجارته.!
ذهبت ليليا إلى مكتب البريد لكن في ايطاليا ثمة الكثير من الطرق لتدبير الأمور. فموظف البريد صديق لـ جينو. لهذا لم يتلقَ السيد كينجكروفت رسالتها للأبد بكل أسف. ))
وهنا حوار صريح دار بين فيليب وأبوت بعد "خراب مالطة" إن جاز القول..
(( سألته بعد برهة:
- لماذا لم تغضب مني؟
- لأنني أفهمكم جميعاً..أظن هذا .. أفهم هارييت والسنيور كاريلا، حتى الوالدة.
- لك بصيرة مذهلة.. على ما يبدو إنك الوحيد بيننا الذي يفهم هذه الفوضى.
ابتسم بفرحة، لمَ لا..فهذه هي المرة الأولى التي تمدحه بها، ووقعت عيناه على صورة لـ(ديوداتا)، وتأمل اللوحة ومدلولاتها.
قاطعته أبوت:
- ماذا ستفعل؟
دُهش فيليب، ليس من سؤالها وإنما من التغيير المفاجئ في نبرة صوتها:
- سأفعل؟ بعد الظهر سأقابله مرة أخرى.
- حسناً وإن لم تصل معه لنتيجة؟
- سأقابله مقابلة أخرى، وإن فشلت سأرسل برقية للوطن لأحصل على تعليمات جديدة..قد نفشل حرفياً ولكننا سنفشل بشرف!
- لا فائدة تُذكر من هذا!.. قد تُفلح إن اختطفت الطفل!.. أو إن غادرت على الفور. لكن ما تقوله؟! "نفشل بشرف!"..أن تخرج بأقل قدر من الخسارة!.. هل هذا كل ما تطمح إليه؟
أجاب متمتماً:
- نعم، ما دمنا نتكلم بصراحة، أجل هذا كل ما أطمح إليه..ما الذي يضير؟.. إن أقنعتُ السنيور كاريلا كان بها، وإن استعصى عليّ، فيجب أن أُخبر والدتي بفشلي وأعود أدراجي للوطن.
حسنٌ يا آنسة أبوت .. أعجز عن كشف ما يجول بخاطرك.....
- بل أتوقع منك أن تقرّر ما هو الصواب وتنفذه. هل تريد أن يظل الطفل مع والده الذي يحبه ليسيء تربيته أم نأخذه لسوستون حيث لا أحد يحبه وسينشأ نشأة حسنة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن تُجيب عليه بهدوء..قرّر إلى أيّ جانب أنت ولا تتحدث عن "الفشل بشرف" الذي يعني أن لا تُفكّر لوحدك وألا تفعل أيّ شيء.
- أنا أفهم وضع السنيور كاريلا وموقفك منه، ولا مبرر أن....
- لا، لا تعرف. قاتله إن كنت تظن أنه على خطأ... أوه، ما الفائدة من إنصافك إن لم تُقرّر بنفسك؟ أيّ أحد يستطيع السيطرة عليك لتفعل ما يشاءون، وأنت ترى ما ينوون وتسخر بهم...لا يكفي أن تمتلك البصيرة، أنا مشوشة..خرقاء..ولا أملك رُبع ما تملكه، لكنني قمتُ بما بدا لي صواباً حينها. أما أنت..فذكاؤك وبصيرتك مذهلان .. لكنك حين ترى الصواب فأنت لا تُقدم عليه.
لقد قلتَ لي ذات مرة أننا نُحاسب على نوايانا وليس أفعالنا وبدت لي ملاحظة مُذهلة. لكن ينبغي أن ننوي أولاً لكي نعمل...لا أن نجلس مكتوفي الأيدي ونكتفي بالنية فقط.
- أنتِ رائعة؟
انفجرت به:
- أوه، أنت تشكرني! ليتك لا تفعل.. تقدّرنا جميعاً...بينما أنت ميت..ميت..ميت، تأمل نفسك لماذا لا تغضب؟
اقتربت منه، تغيّر مزاجها، وأمسكت بيديه معاً قائلة:
- أنت رائع جداً سيد فيليب، ولا أتحمّل أن أراك تضيع، لا أحتمل... إن أمك لم تُحسن التعامل معك.
- يا آنسة أبوت لا تخافي عليّ، فبعض الناس لم يُخلقوا لينجزوا أيّ شيء. وأنا واحد منهم..لم أُنجز شيء يُذكر في المدرسة ولا الحانة. جئتُ هنا لكي أمنع زواج ليليا ولكن الوقت أدركني..جئتُ لأنقذ الطفل وسأعود "بفشل مشرّف". لا أتوقع أن الأمور ستتغيّر وأنجز شيئاً الآن، ولهذا لم يخب أملي أبداً. قد يُدهشك أن تعرفي أن ذهابي للمسرح البارحة وحديثي معك الآن..هو أفضل ما حصل لي حتى الآن. قُدِّر عليَّ أن أمرَّ بالعالم دون أن أصطدم به أو أغيّر أيّ شيء منه.. ولا أعرف إن كان قدري هذا حسناً أم سيئاً. أنا لا أموت..ولا أعرف الحب، وإن مات الآخرون أو وقعوا في شباك الحب فهذا يحصل دون أن أشعر به. أنتِ محقة فيما قلتِ، فالحياة تبدو لي مجرد مشهد مسلٍ ..
قالت بوقار:
- أتمنى لو تتغيّر يا صديقي العزيز.. أتمنى أن يحصل لك ما يغيّرك.
سألها مبتسماً:
- "لماذا؟" أثبتي لي لماذا لا أليق كما أنا..؟
- بادلته الابتسامة.. ولأنها لا تستطيع الإثبات، انتهى الحديث الذي لم يخلص لنتيجة وغادرا المكان بنفس الآراء والمبادئ التي دخلا بها. ))
انتهى
نظرة الحب
12-26-2011, 10:19 PM
(3)
http://www.furat.com/BooksCovers/461.gif
(الغريب) - الطبعة الأولى عام 1942
للكاتب الفرنسي ألبير كامي أو ألبير كامو
وهي أولى مؤلفات ألبير كامو والتي نال عليها في عام 1957م جائزة نوبل..والكتاب يحوي في في آخر عشرين صفحة منه تقريباً كلمات لمترجم الرواية الأديب المصري د.محمد غطاس عن المؤلف وعن الرواية وأجزم أنها جيدة لتفهم عقلية فذة وإنسانية كـ عقلية ألبير كامو سواء من الناحية الشخصية أو من حيث العمل الإبداعي في الرواية..
تظل الرواية تُحكى على لسان البطل (الغريب) فتبدأ ببرقية تصله من دار المسنين تفيده بأن أمه قد ماتت وأن الجنازة ستكون في الغد فيحمل نفسه بلا شعور إلى حيث مديره طالباً منه الإجازة وهو يراعي شعور مديره أثناء قرائته للخطاب قائلاً بكل غربته: (( معذرة سيدي..إنها ليست غلطتي؟؟!! ))
شخصية بالفعل تستحق كلمة (الغريب) من حيث غربته عن ذاته قبل أن يكون كذلك على الناس..وتستمر غرابة هذه الشخصية من سامينو "الغريب" حين يُقدم على قتل ذاك العربي "وهو يتحدث في الرواية عن حياة في الجزائر" على الشاطئ أثناء رحلته الاستجمامية! وهو الشخص الذي لا يهمه شيء في الحياة..لا يحب أحداً ولكنه لا يكره أحداً أيضاً فما بالك والقتل ويظهر سبب القتل وطريقته أكثر سخرية من السخرية ذاتها إذ أنه لما أشهر السلاح بوجه الضحية لم يكن يريد أن يقتله بل دفاعاً عن نفسه فيما لو اضطر إلى ذلك.. ولكنه اضطر إلى ذلك ليس بسبب هجوم من الشاب العربي بل لأنه أُرهق من الشمس من طول الانتظار على تلك الحالة..!! والأكثر حيرة هو الجواب الذي لم يقدّمه هو ولم يستطع أحداً تفسيره للسؤال الذي طُرح عليه من قبل قاضي التحقيق عن سبب اطلاقه لأربع رصاصات بعد مدة من اطلاقه الرصاصة الأولى والتي كانت كافية لإرداء الشاب قتيلاً ..!!
حقيقة أني قرأت الكثير من الروايات الساخرة حد الغرابة لكن بمثل قدرة هذا الكاتب فإني لم أقرأ بعد..أو كما يقول محمد الربيع عن أصداء هذه الشخصية ( إن السلوك العبثي والعدمي لبطل الرواية هو إسقاط لفكر الكاتب على شخصيته..ولا يمثل حقيقته الانسانية. وألمح البعض إلى الطابع الفانتازي..غير الواقعي للمكون النفسي والذهني للبطل...)
ثم يأخذ كامو في الرواية توضيح مفاهيم إنسانية شتى من خلال قصة هذا الغريب فهو يوضّح على سبيل المثال لا الحصر من خلال الرواية.. أن البشر كلهم مذنبون وبالتالي فإن وضع مذنب للحكم على حياة مذنب فيه إجحاف وأن أول المذنبين من البشر هو مَن يعتقد نفسه بريء..وأن هناك بعض الأمور التي تحدث عادة ويراها البشر عادية حين تتعلق بمجرم قاتل تتحول تلك الأشياء لاتهامات خطيرة بذلك السلوك..كيف لا والنائب العام صاحب البيان والحجة في المحكمة يعرض على القاضي سبباً يدعم مطالبته بإعدام الغريب لأن الغريب كان ذكياً !..
رواية الغريب بما تتجاوز الـ(100) صفحة بقليل وبـ(13) ريالاً فقط تستطيع أن تقدم لك مئات الأسئلة المنطقية عن الإنسان وتقدم لك عدداً أكثر من الأجوبة.. طاقة هائلة من الاختزال والمشاعر واللامشاعر والسخرية التي هي عمود بناء لكل تلك الأسئلة. الرواية قام بترجمتها كما ذكرت د. محمد الغطاس ترجمة أقل ما يُقال عنها أنها بديعة جداً جداً.
وهنا مُقتطفة من آخر الرواية.. وفيها يتحدث الغريب عن يومه الأخير في الزنزانة منتظراً تنفيذ الحكم بإعدامه دون أن يتشبث بما قدمه من التماس للعفو فهو يستعذب اللامبالاة ويستعذب الأملاح فيها دون أن يصيح بأكثر من ( أنه لا يتمنى ولكنه ليس يائساً في ذات الوقت..! ) :
(( كنتُ مُجهداً .. فألقيتُ بجسدي فوق مضجعي، و أعتقد أنني غفوت؛ لأنني عندما استيقظت كانت هناك نجوم فوقَ وجهي، وكانت ضوضاء الريف تتصاعد من الخارج لتصل إليّ، وروائح الليل و الأرض والملح تنعش رأسي. كان السلام الرائع لذلك الصيف الهادئ يتخلّلني.
في تلك اللحظة على حدود الليل انطلقت بعض الصفّارات إيذاناً بالرحيل إلى عالم لم يعد يهمّني الآن في شيء .. وللمرة الأولى منذ وقتٍ طويل تذكّرت أمي، وبدا لي أنني فهمت لماذا اتخذت لنفسها (صديقاً) في نهاية حياتها، لماذا كانت تريد أن تبدأ من جديد .. فهناك - ومع اقتراب الموت - كانت أمي مستعدة أن تبدأ الحياة ليس لأحد قط الحقّ في أن يبكي عليها.. وأنا أيضاً أحسست أنني مستعد في أن أبدأ الحياة من جديد.. وكأن تلك الغضبة الكبرى قد خلّصتني من الشر وأفرغتني من الأمل .. في ذلك الليل الذي يفيض بالنجوم .. أحسست للمرة الأولى بعذوبة ورقة اللامبالاة .. وأحسست أنني كنت سعيداً في يوم من الأيام .. ولازلت حتى الآن أتمنى أن ينتهي كل شيء .. وأتمنى أن أكون هناك أقلّ وحدةٍ من هنا .. لم يبقى سوى أن أتمنى أن يكون هناك الكثير من المتفرجين يوم الإعدام .. وأن يستقبلوني بصرخات الحقد والغضب . ))
أ.هـ
قراءة ممتعة
وشكراً.
نظرة الحب
12-26-2011, 10:20 PM
(4)
http://g-images.amazon.com/images/G/01/x-site/icons/no-img-lg.gif
الولي الطاهر
للكاتب الجزائري الطاهر وطار (مواليد 1936م)
الطبعة الأولى – 2003
منشورات الجمل
وهي رواية ملحمية أكثر من كونها قصة تتداعى فيها الصور والأحداث التاريخية لتتداخل مع ما يشكله الحاضر فكرياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً..في قالب عجيب ومثير فيه من التجريد والسريالية الشيء الكثير.. متناولاً كما يظهر ويقول حركة النهضة الإسلامية بكل تجاويفها وبكل اتجاهاتها وأساليبها أيضاً.. ونحن هنا أمام كاتب لا يخشى أن يُوصف بالكاتب السياسي بل ويفخر بذلك وقد سبق وأن مارس العمل السياسي من خلال <<جبهة التحرير الوطني>> وهو من أهم كتاب الجزائر والعرب سمعة وشهرة في العالم وله الكثير من المؤلفات المترجمة للغات العالم الحية ..
وهو يقول في كلمته التي (لابد منها) : إن الفنان فيّ يقرأ التاريخ ومضة، بل <حالة> بالتعبير الصوفي، ولربما لهذا السبب كانت الشخصية الرئيسية في الرواية <شخصية الولي الطاهر يقصد> صوفية، تعيش حالات تتجسد في حالة واحدة .. بما سمح لي استعمال بناء لولبي، يُعطي الديمومة للحالة، فلم أضع نهاية..إنما اقترحت نهايات، واكتفيت بخاتمة هي هبوط اضطراري، ومحطة لإقلاع جديد.
ويضيف: لعلني أحاول الإجابة قدر الإمكان عن أسئلة طرحتها الشمعة والدهاليز، ويطرحها أصدقائي وخصومي حول موقفي من الأحداث منذ انهيار الاتحاد السوفييتي إلى اليوم...سيجد القارئ الذي ليس له ثقافة، تراثية عموماً، نفسه مضطراً إلى مراجعة بعض المفردات والاصطلاحات كما قد يجد صعوبة في العثور على <<رأس الخيط>>، وعذري، أنني حاولت تقديم ملحمة وليس قصة فقط. أ.هـ
تبدأ الرواية من بحث الولي الطاهر في وسط الصحراء للمقام الزكي في وقت هو كل الأوقات حيث الشمس من أول أحداث الرواية حتى آخرها لم تتحرك من موقعها وكأنه يوحي بحالة <<سكون>> أو موت أو ربما درجة حياة متقدمة نجهلها وإياه .. ذلك المقام الذي ابتناه من سبع طوابق لينشر من خلاله هو وما تبقى من أناس أتقياء أنقياء <<200 شاب و200 شابة وشيوخهم المعلمين>> جيلاً طاهراً من رجس وذنوب الدنيا الفاسدة في هذا الزمن .. وانضمت إليهم فيما بعد تلك المخلوقة العجيبة بلارة بنت تميم المعز إليهم في محاولة لإغواء الولي بحجة نشر جيل صافٍ ونقي يخرج منهما..ومستعيداً بين لحظة وأخرى معركته مع العالم والتاريخ وقضاياه في جانب ومعركته الفاصلة مع بلارة من جانب آخر فيما يشبه الدائرة الحلزونية من ذكرى واستشراف وعلم وجهل وأقوال ونوايا إلى أن يضطر في الختام لعمل أربع محاولات هبوط اضطرارية لهذا العمل الفلسفي الخيالي إلى حد بعيد.
الكتاب من 140 صفحة ومن الحجم المتوسط، كافة حقوق النشر والترجمة والاقتباس محفوظة لمنشورات الجمل. كولونيا – ألمانيا 2003، وقد قمت بتقديم طلب بالاقتباسات لمقتطفات من الرواية عن طريق ايميل الناشر فلم يُسمح لي إلا إيراد ما جاء على الغلاف من الصفحة الأخيرة* فمنكم العذر:
(( أحذرك يا مولاي من سفك دمي. ينمحي مخزون رأسك ولا تستعيده إلا بعد قرون، فيعود إليك قطرة فقطرة ونقطة فنقطة. تجوب الفيف هذا مئات السنين، فلا تعثر عن طريقك، ويوم تعثر عليه، تبدأ من البداية.
أحذرك يا مولاي من سفك دمي. ستلحقك بلوى خوض غمار الحروب، فتشارك في حروب جرت، وفي حروب تجري، وفي حروب ستجري، إلى جانب قوم تعرفهم، وقوم لا تعرفهم ولا تفقه لسانهم، ولا تدري لماذا يحاربون.
أحذرك يا مولاي من سفك دمي. ستلحقك بلوى حزّ الرؤوس وخنق الأطفال والعجائز والعجزة، وحرق الأحياء...))
انتهى.
==============
*الغريب أن الرواية رغم هذا التشدد في الاقتباس منها
تجدونها في هذا الموقع (( الولي الطاهر (http://membres.lycos.fr/wattar/lire/riouayat/el%20waly.htm) )) كاملة!
نظرة الحب
12-26-2011, 10:20 PM
(5)
http://www.e-kotob.com/covers/i7126.jpg
رواية (العجوز والبحر)
للكاتب الأمريكي آرنست هيمنجواي (1899-1961م)
الطبعة الأولى للرواية 1952
الطبعة الأولى لترجمتها العربية 1994م
الرواية من 154 صفحة
وقد أضيفت لها ترجمة مطوّلة للمؤلف
ترجمة د. غبريال وهبة
مؤسسة النشر " الدار المصرية اللبنانية "
وهي رواية آرنست هيمنجواي التي نال عليها الجوائز الأدبية الكثيرة أهمها جائزة نوبل للآداب سنة 1954م وجائزة بوليتزر سنة 1952 أي في ذات عام نشرها..وقد لا تكون هذه الرواية أعظم أعمال الكاتب هيمنجواي ولكنها كما قال الناشر حظت منه بأبدع تعبير من خلال رؤيته الناضجة والمتزنة، إذ أنها من آخر أعماله الأدبية وراودته فكرة "العجوز والبحر" منذ عام 1936م لكنها لم ينشرها إلا بعد أن اكتملت ثروته الابداعية فيها قبل تسع سنوات من وفاته المأساوية بالانتحار سنة 1961م.
تحكي الرواية حياة صياد أسماك عجوز في "كوبا" يُدعى (سانتياجو) وصبي مُعجب به اسمه (مانولين) حيث يواصل سانتياجو محاولاته لصيد الأسماك منذ 84 يوماً لكنه لم يظفر بأي منها وهذا ما دعى أهل الصبي مانولين من ابعاد ابنهم عن الصياد العجوز اعتقاداً منهم بأن العمر الذي بلغه سانتياجو لم يعد يسمح له بصيد سمكة واحدة وأن الحظ قد تخلى عنه نهائياً.
وفي اليوم الخامس والثمانين يعزم سانتياجو على الابحار في المحيط إلى أبعد ما يكون حتى يظفر بسمكة كبيرة تعيد له كبريائه كـ رجل قوي أولاً وكـ صيّاد محترف ثم لتدر عليه الربح الوفير جرّاء بيعها في السوق.. وكان متفائلاً جداً باليوم الذي خرج به وبالفعل استطاع أن يظفر بسمكة كبيرة لم يرَ بحياته كلها مثيلاً لها في الحجم وينجح في اصطيادها بعد معاناة عصيبة استمرت ثلاثة أيام معها.. جرحت فيها يديه وتقلصت بها عضلاته وكتفيه وظهره وحده وقاربه والسمكة في داخل المحيط.. وما كان إلا سعيداً بهذه الآلام لأنها كانت دليل على أن ما يعيشه هو واقع لا حلم وعلى أنه ما زال انساناً حياً لم يمت بعد ..!
يقوم سانتياجو بطعن السمكة الكبيرة في جوفها.. كي يتمكن منها ويضمن سلامة مركبه الصغير وينجح في ذلك، ولما كانت السمكة أكبر من أن يحملها المركب قام بربطها وهي في الماء وجرها معه للشاطئ .. إلا أن ذلك كان مدعاة لتتبع أسماك القرش رائحة الدم الخارج من السمكة الكبيرة.. وبعد معاناة معها يصل الصياد لشواطئ "هافانا" ولم يعد من السمكة غير هيكلها العظمي..!
الرواية تسلط الكثير من الضوء على الصراعات مع الحياة فهي تؤكد على نبل القتال مهما كانت الخصومة فنجد سانتياجو يلتفت في الظلام لرأس السمكة الميتة وقد نهشتها أسماك القرش من كل جانب قائلاً ومعتذراً لضحيته: << إنني آسف لكِ أيتها السمكة، لقد ساء كل شيء.. كل شيء >>
مقتطفة من الرواية:
(( شاهد العجوز ذيلها الضخم كـ حد المنجل يتدلى في الماء ولم تكن السمكة مذعورة منه.. وقال العجوز:
- إنها أطول من مركبي بقدمين..
ثم عادت السمكة إلى عمق الماء وكان العجوز يرمي الحبل خلفها وبسرعة وانتظام في الماء. فهو يعرف أنه إذا لم يستطع من أن يحد سرعتها عن طريق جذبها بانتظام، فإن مثل تلك السمكة قادرة على أن تمضي بالحبل كله وتقطعه في النهاية أو تُغرق المركب معها في المحيط.. وقال لنفسه هامساً:
- إنها سمكة ضخمة جداً، ويجب أن أقنعها كي تعود, وينبغي ألا أدعها تعلم مدى قوتها، ولا أن تعرف ما تستطيع عمله إذا مضت في طريقها مُسرعة..
لو كنتُ مكانها لتركت كل شيء الآن ولمضيت قُدماً حتى ينقطع كل شيء يعلق بي.. ولكن حمداً لله أن الأسماك ليس لها ذكاؤنا نحن الذين نصرعها مع أنها أكثر منّا نُبلاً وقدرة.. ))
وشكراً.
نظرة الحب
12-26-2011, 10:20 PM
(6)
http://images.amazon.com/images/P/0394530748.01.TZZZZZZZ.jpg
(قصة موت معلن)
للكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز
(مواليد 1928م- ولا يزال حياً إلى الآن، يصارع المرض السرطاني اللمفاوي في مشفى لوس أنجلس)
الطبعة الأولى للرواية (1981م)
الرواية من 110 صفحات
ترجمة أ. صالح علماني (عضو اتحاد الكتاب العرب في سوريا والوطن العربي)
الناشر "دار المدى للثقافة والنشر"
وهي رواية نوبلية أيضاً حاز كاتبها ماركيز جائزة نوبل للآداب سنة 1982م وحين سُئل عن مدى واقعية رواياته وقصصه قال: ( لم أكتب سطراً واحداً أبداً لا يستند على الواقع ) وهو يقول أن روايته هذه هي قصة حقيقية جرت أحداثها في عام 1951 وأن شخصياتها هم أصدقائه وأقاربه ومجتمعه المحيط.
ما يُميز الرواية أنها لجارسيا وما يُميّز الكثير من مؤلفات جارسيا أنها تمنحك نهاية القصة في أول أسطرها. وقد ذكر النهاية فيها فعلاً منذ أول أسطرها قائلاً:
(( ولم ينتبه سانتياغو نصار نفسه كذلك إلى نذير الشؤم. كان قد نام قليلاً وبصورة سيئة، دون أن يخلع ملابسه.. واستيقظ وهو يعاني ألماً في رأسه وترسبات كـ ترسبات ركاب نحاسي في حلقه. وفسّر ذلك على أنه مجرد آلا م طبيعية من آثار حفلة الزفاف التي امتدت إلى ما بعد منتصف الليل.. جميع الأشخاص الذين التقى بهم منذ خروجه من البيت في الساعة السادسة وخمس دقائق إلى أن جرى تمزيقه مثل خنزير بعد ساعة من ذلك، يتذكرون بأن شيئاً من النعاس كان بادياً عليه ولكن مزاجه كان جيداً..! ))
ومن ثم يأتي بسرد دافع وترتيبات وكيفية الجريمة عن طريق إعادة تتبع التفاصيل، وهذه الطريقة في الكتابة تُظهر قدرة الكاتب وتحديه الأدبية في جذب القارئ بل وإجباره على اكتشاف التفاصيل لمعرفة ما سبق وعلمه "جريمة القتل"..
والرواية من أولها وحتى نهايتها تظل تُحكى بلسان أحد أبناء تلك القرية وهو أحد أصدقاء سانتياغو القتيل وكأنه رجل تحريّ يورد كل التفاصيل التي استطاع انتزاعها من كل الناس.. والحقيقة أن كل الناس في تلك القرية قد اشتركوا في الرواية من حيث أن الكل في القرية كان يعلم بوقوع الجريمة، كلهم يعرفون مَن سيقتل ومَن سيُقتل بل ويعلمون جميعاً وقت الجريمة ومكانها وأدوات القتل فيها قبل أن تحدث..!
فتاة تُدعى "أنجيلا فيكاريو" يُقام لها حفل زواج من شاب وسيم وثري للتو قادم للقرية يُدعى "بياردو سان رومان" وبعد خمس ساعات من ذهابها لبيت الزوجية يُعيدها زوجها لأهلها بعد أن اكتشف أنها لم تكن عذراء.. توبّخ وتُضرب الفتاة من قبل أمها حتى تُقرّ بالفاعل وحين قدم أخويها التوأمين قالت: إنه سنتياغو نصار..!
يذهب التوأمين إلى وسط القرية كل منهما يحمل ساطوراً ويقومان بسنهما في محل للجزارة وهما يرددان أمام كل الجزارين أنهما سيقتلان نصار حين يخرج من بيته لاستقبال المطران الذي يزور القرية.. ثم يلفان أدوات الجريمة بالجرائد وينتظران نصار في حانة مواجهة لبيته وهما يرددان لكل شخص يمرّ أنهما سيقتلان نصار.. كانا مترددين من الداخل وكان بودهما لو علم أياً كان بجدية حديثهما ليمنعهما من فعل الجريمة إلا أن غالب من يسمع كلامهما يظن أنهما ما زالا سُكارى بعد حفلة أختهما.. كانا يريدان التشبث بأي شيء يمنعهما من قتل نصار ولكن سطوة إنهاء العار الذي لحق بالشرف كان أقوى من محاولات خجولة وتافهة قام بها القلة لارضاء النفس ليس الا..!
يُقتل نصار ويخرج التوأمين بعد سنين من السجن وتبقى أختهما مصرّة على قولها السابق.. إلا أن كل مَن في القرية بما فيها أخويها كان يعلمان أن نصار ليس الفاعل ورد ذلك على لسانها أيضاً حين اعترفت أمام الراوي بأنها قالت نصار لأنها كانت تعرف أن أخويها لن يستطيعا قتله لأنه قوي ومن عائلة ثرية ويدعمه أبناء عمومته العرب المهاجرين في القرية.. وحتى الرواي نفسه وهو الوحيد الذي اهتم بتفاصيل ما حدث يؤكد على أن لاشيء منطقي يؤكد أن الفاعل هو نصار.. وحتى لو كان نصار الفاعل فإن الضحية الوحيد هو زوجها (سان رومان) أما نصار فقد كفّر عن ذنبه بمقتله وأخواها أزالا العار الذي لحق بالعائلة وهي استعادت كبريائها وشرفها الذي كان مفقوداً.. فهل كانت تنتقم من زوجها البريء..!
مقتطفة من الرواية وفيها حديث جرى قبل دقائق معدودة من وقوع الجريمة بين صديق نصار القريب له كريستو بيدويا مع التوأمين..
(( لقد كان موقفه متبجحاً بصورة لم يكن معها التصديق بأنها مصادفة. ومع ذلك فلم يكن ذلك الموقف هو الموقف الوحيد ولا الأكثر وضوحاً الذي حاول اتخاذه في الدقائق الأخيرة ليحول بينهما وبين اقتراف الجريمة.
صرخا قائلين له:
- أخبر سانتياغو نصار يا كريستوبال بأننا ننتظره هنا لقتله.
كان بإمكان كريستو بيدويا أن يُسدي لهما معروفاً يمنعهما من اقتراف الجريمة. وقد قال لي " لو أنني كنت أعرف كيف أطلق النار، لكان سنتياغو نصار الآن حياً " . لكنه كان مبهوراً بتلك الفكرة الوحيدة، بعد كل ما سمعه عن القدرة التدميرية لرصاصة مصفحة. فصرخ يائساً:
- إنني أحذّركما بأن نصار مسلّح بمسدس ماغنوم قادر على اختراق محرك حديد..
ولكنهما كانا يعلمان بأن ذلك غير صحيح.. وقد قالا لي: " لم يكن يحمل السلاح أبداً إذا كان لا يلبس ملابس ركوب الخيل " لكنهما على كل حال كانا يضعان في اعتبارهما عندما اتخذا قراراً بغسل شرف أختهما أن يكون مُسلحا، فصاحا:
الموتى لا يُطلقون النار ..! ))
كتب جارسيا على مقدمة الرواية هذه العبارة:
(( تصيّد الحب.. ضربٌ من الخيلاء..! ))
نظرة الحب
12-26-2011, 10:20 PM
http://www.neelwafurat.com/images/abookstore/covers/normal/90/90893.gif
(حكاية حب)
للكاتب السعودي د. غازي عبدالرحمن القصيبي
الطبعة الثانية للرواية (2001م)
الرواية من 120 صفحة
الناشر "دار الساقي للطباعة والنشر"
وهي الرواية التي تُرجمت لأكثر من لغة ونالت الصدى التي تستحقها، وإن كانت شريكة البطل (يعقوب) الرئيسة في القصة (روضة) اكتنفها الغموض إلا أن ذلك لايمنع أنها رواية ناجحة تستحق الإشادة والاهتمام أو كما يقول عنها الكاتب جهاد الخازن: ( تعكس علم كاتبها، فهو كنز معلومات عن الحب والموت والتدخين والأديان وروايات المؤلفين الآخرين ) .. والجدير بالذكر أن هذه الإشارة عن غموض (روضة) استدركها المؤلف في روايته اللاحقة لها (رجل جاء وذهب) وقد ورد ذلك على لسانه في أكثر من لقاء.. من أنها أشبه بالجزء الآخر لرواية (حكاية حب) وبتركيز أكثر على البطلة (روضة) التي لم تُمنح الكثير من التفاصيل فيها.
تحكي الرواية حياة رجل عربي ثري بلغ من العمر عتياً، يملك أكبر مكتب للمحاماة في الشرق الأوسط وكاتب روائي في أوقات فراغه، يغادر هذا الرجل للغرب في مكان أشبه بالمشفى والفندق في آن واحد تُحيط به الرعاية الطبية اللازمة ويقضي وقته عادة في البهو مع غيره من النزلاء والذي لم يتجاوز عددهم العشرة وهم في انتظار الموت المحتوم.. وهو على علاقة جيدة مع ثلاثة منهم: الطبيبة النفسية، والقس المرح، والملحد اليائس..
يقابل (يعقوب) لأول مرة (روضة) في متجر صغير بأحد زوايا الفندق، وهي تقرأ أحد روايات يعقوب (النوم مع السراب)، وحين رآها تنتابه موجة هائلة من الخوف اللاشعوري تجاه جمالها الأخاذ، فيحاول إيقاف ذاته بكذبته أنه جاء لشراء هدية لزوجته وهو غير متزوج.. غير أنه وهو خارج من الفندق مع الهدية التي ابتاعها، يقوم بعمل - كما أسماه - صبياني، ويطلب من أحد موظفي ذاك المكان إيصال الهدية إليها.
ومن ثم تبدأ علاقة عاطفية حقيقية بينهما بعد ستة شهور من الصدفة الأولى التي جمعتهما.. فتتداخل أحلام الرجل مع واقعه، واستعداده للعودة للحياة مع اقترابه من توديعها.. ولايمكن بالفعل تجاهل الطابع الهزلي الذي يتميّز به الروائي الكبير غازي في إسقاطه على شخصية (يعقوب) وسلوكياته بل وحتى فكره.. كما أنه يتناول قضايا عديدة في خضم حياة (يعقوب) وأحلامه كـ مسائل الضمير والأديان التي تناولها مع القس أو مسألة البعث مع الملحد أو حتى روايات يعقوب الثلاث والتي تناولت الدون جوان الشهير "الزير سالم" في مكانه القصي عن أعين الناس وقيودهم "دار السرور" أو قصة الشاب الحديث السن الذي عيّنته القبيلة شيخاً لها خلفاً لأبيه ويقوم بمهمة مصيرية لإنقاذ أفرادها من الهلك عطشاً أو من قصة الشاب المخلص لحزبه حتى أوصله للحكم فانقلبت مبادئ الحزب وشعاراته ويُصدم بهذا التغير حتى يأتي قراراً من الزعيم بقتله.. في تداخل عجيب وبديع مع القصة الأساس.. <<حبه المشتعل لـ روضة>>
أو كما وصف عبدالله باجبير وقال: (يناقش فيها العالم كله على محور واحد، هو الحب)، ولا يمكن لأي انسان إغفال الحس الشاعري لدى المؤلف، خاصة في تلك المواقف التي تجمع (يعقوب) بـ (روضة) كـرؤيته لها وهي ترضع طفلتها (هديل) وربطها بملحمة "جلجامش" في البحث عن أكسير الحياة أو من تمتماتها الدائمة له <<حبيبي يا حبيبي، كتبت اسمك على صوتي، كتبته في جدار الوقت، على لون السما الهادي.. على الوادي، على موتي وميلادي>> وكيف كان لـ(روضة) أن تردد لأول مرة المقطع الذي يخص <<وترحل صرختي تذبل.. في وادي لا صدى يوصل.. ولا باقي حنين.. وترحل>> وهي تذرف الدموع في ذلك اليوم الذي سيموت فيه.. فقد حلمت في الليل أنها رأته وحدث ذلك في المتجر قبل أربع سنوات.. وهاهي تحلم بموته قبل يوم من حدوث ذلك..
هذه الروائية ليس من السهل احتواء ما فيها من مشاعر.. قلق، خوف، عطف، رأفة، محبة، صدق، كذب، غضب، ضحك، جنون، طفولة، عقل، وواقع وأحلام... بكلمات مني، لذا أعتذر إن لم أصفها كما ينبغي.
مقطع من الرواية لـ اللقاء الأول بينهما (يعقوب وروضة) خارج الفندق:
(( - ولهذا قررت الإضراب عن الزواج؟ ولهذا بنيت <دار السرور>؟ بالمناسبة أين توجد <دار السرور> ؟
- روضة!.. أرجوك هذه رواية....
- أين <دار السرور> ؟ هل هي في بلدتنا هذه ؟
- حسناً! حسناً! ما دمتِ مصرة على أن تعرفي فإليكِ العنوان. تقع <دار السرور> في شارع النساء، الواقع في الجزيرة التاسعة والتسعين من جزائر الواق واق، الواقعة في الليلة الثالثة...
تضحك ضحكة صافية من الأعماق. وتسترخي ملامحها. يزول التوتر الذي ظل جاثماً على صدر اللقاء منذ دخلا المطعم وتقول:
- مولاي شهريار! أعتقد أن <النوم مع السراب> سيرة شخصية مع قليل من الأكاذيب الروائية المعتادة.
- مولاتي شهرزاد! لماذا لا تدعين النقد لأهله؟
- درست الأدب في الجامعة. هل تريد أن ترى...
-لا! أصدقك. روضة! أنا لستُ روائياً محترفاً. حقيقة الأمر أني لست روائياً على الإطلاق. مهنتي المحاماة. وأنا أتسلّى بالكتابة في أوقات الفراغ. زياراتي كلها بسبب عملي القانوني. هل لديك قضية أستطيع المساعدة فيها؟
- قضية واحدة؟! عندي ألف قضية. وكل قضاياي مع الحياة. قضاياي لا يحلّها القانون. يحلّها الموت.
الموت؟! يكملان الوجبة بصمت. ويغادران المطعم. يتجهان إلى سيارتها، وتقول:
- ألن تأخذني معك إلى <دار السرور> ؟
- روضة! روضة!
- آسفة، يا رجل! سوف آخذك أنا معي، إلى دار سروري أنا. ))
نظرة الحب
12-26-2011, 10:21 PM
http://www.adabwafan.com/images/products/1/49872.jpg
للكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز
(مواليد 1928م- ولا يزال حياً إلى الآن، يصارع المرض السرطاني اللمفاوي في مشفى لوس أنجلس)
الطبعة الأولى للرواية (1981م)
الطبعة الأولى للرواية - مترجمة - (2002م)
الرواية من 135 صفحة
ترجمة أ. مصطفى عبود
الناشر "دار المدى للثقافة والنشر"
(( كنت دائم الإعتقاد أن من الواجب أن يضع الموتى قبعاتهم على رؤوسهم، أما الآن، فقد أدركت أن مثل هذا ليس ضرورياً، وأستطيع أن أرى بأن للموتى رؤوساً مثل الشمع ومناديل شُدّت حول عظم الفك منهم، كما أرى أن أفواههم مفتوحة بعض الشيء.... كنتُ أعتقد أن الميت لابد من أن يبدو مثل شخص هادئ وأنه غارق في سباته، غير أني أرى أن الأمر على العكس من ذلك تماماً، فأنا أرى أنه أشبه بشخص أفاق من النوم على سَورة من الغضب وكأنما كان قد تشاجر توّاً. )) الحفيد
هذه هي الرواية الثانية التي أقدمها لهذا الكاتب العظيم بعد رواية "وقائع موت معلن" النوبلية، والحقيقة فإن هذه الرواية (عاصفة الأوراق) قد لا تصل إلى مستوى شهرة روايات جابرييل جارسيا ماركيز الأخرى كـ (وقائع موت معلن) أو (مئة عام من العزلة) أو (الحب في زمن الكوليرا) إلا أنها تظل أحد أجمل ما قرأت من الروايات إن لم تكن الأجمل على الإطلاق من الناحية الأسلوبية في السرد وطريقة العرض الأدبي المدهش وهي مترجمة فكيف الحال لو تصفحتها بلغتها الأصل.
الموضوع فيها يشكّل تقاطعاً بين بلدة "ماكندو" وبين طبيب يأتي إليها وبالتحديد إلى أسرة الكولونيل بتوصية من صديقه الكولونيل الآخر أورليانو بوينديا.. تقوم الأسرة باستضافته على أحسن حال وتقطعه أحد الغرف المطلة على الشارع حتى يزاول من خلالها مهنته والتي كان الوحيد يزاولها في تلك البلدة.. وتمضي السنوات حتى تُقام سكة حديد وتأتي من خلالها <عاصفة الأوراق> عبر شركة ضخمة للموز.. تُبعث الحياة من خلالها للبلدة ويُبعث الموت لذلك الطبيب.. فقد جاءت هذه الشركة بالأطباء والمهندسين والمال وكل شيء ولم يعد أحد من أبناء البلدة يأتي لذلك الطبيب، فقام باعتزال الناس وخرج من دار الأسرة التي استضافته إلى دار صغيرة في أحد زوايا البلدة وعلى ذات الشارع الذي كان فيه عند الكولونيل.. وقام بإغلاق الدار على نفسه بعد أن تحوّل إلى انسان بائس..
تمر سنوات ثمان وترحل بعدها الشركة عن البلدة ويرحل معها كل شيء أتت به.. وتحدث حالة تمرد في البلدة تقوم أثناءها السلطات الحكومية بفرض السيطرة أمنياً وبالقوة.. ويُجرح عدد من أبناء "ماكندو" وحين لم يكن في البلدة طبيباً بعد رحيل الشركة.. استذكروا ذلك البائس وقاموا بالطرق على باب داره.. لكنه رفض أن يفتح لهم أو حتى يلقي نظرة على أولئك الجرحى.. ومنذ تلك اللحظة يسخط سكان البلدة على الطبيب وظلوا يرقبون بكل غضب موته وتعفن جثته على إثر خيانته لهم في نظرهم..!
الرواية كلها تحكي واقعياً أحداث ساعتين من جنازة الطبيب بلسان وأعين وذاكرة الذين حضروا الجنازة وهم الكولونيل وابنته وحفيده الصغير.. ولك أن تتخيل المشاهد التي دارت في غرفة الميت بين الكولونيل وعمّاله الأربعة وبين عمدة البلدة الذي حضر حتى يعرقل عملية التشييع بالقدر الذي يبرئ ساحته أمام سكان البلدة الساخطين.. أقول، لك أن تتخيل مشاهد هذه الفترة القصيرة بثلاثة أعين وثلاث ذكريات "الكولونيل الجد وابنته وحفيده" لكل حدث ولو هامشي يحصل في تلك الفترة وما يستدعيه في عين وذهن كل واحد منهم.. وكيف يصف كل واحد منهم حال الآخر ومشاعر الآخر ويتحول فيها الراوي إلى ممثل حين يُعطي الدور للآخر كي يكون الآخر هو الراوي.. في تداخل عجيب ومذهل ودون أن يفقد المشهد اتزانه.. حقاً إنه كاتب عظيم.. بالمناسبة هذه الطريقة استخدمها الروائي السعودي الراحل عبدالرحمن منيف في احدى رواياته.
مقطع من الرواية على لسان الكولونيل وفيها الوعد الذي قطعه على نفسه بدفن الطبيب إن مات مهما كانت العواقب المترتبة على جرأته بفعل ذلك أمام سكان البلدة، قال هذا الوعد بعد أن أنقذه الطبيب فجأة -وعلى غير ما توقع الجميع- من الموت:
(( والظاهر أن تلك القوة نفسها التي جاءت به إلى هناك وأوصلت إليه أخبار مرضي، هي نفسها التي جعلته يقف إلى جانب سريري ويقول لي: < ليس عليك إلا أن تمرّن تلك الساق قليلاً، وربما ترتّب عليك أن تستعمل عصا من الخيزران من الآن فصاعداً >.
سألته بعد يومين عمّا أنا مدين له. فقال: < لستَ مديناً لي بأي شيء يا كولونيل. ولكنك إذا كنت تريد أن تعمل معروفاً لي، فغطّني بحفنة تراب يوم أموت، كل الذي أريده هو أن لا تأكل العقبان لحمي >.
كان واضحاً من الوعد الذي جعلني أقطعه له، من الطريقة التي طرح بها هذا الوعد، من وقع خطاه على قرميد الغرفة، أن هذا الرجل يحتضر منذ زمن طويل. رغم أنه مرَّت ثلاث سنوات قبل أن يقدّر لذلك الموت الناقص والمؤجل أن يتحقق.
وكان ذلك اليوم هو اليوم، وفي اعتقادي إنه لم يكن بحاجة حتى إلى تلك الانشوطة. كان يكفي أن تهبّ نسمة هواء عابرة لتطفئ فيه ذبالة الحياة الباقية في عينيه الصفراوين القاسيتين. وكنت أتوقع ذلك منذ تلك الليلة التي تحدثت فيها إليه في الحجرة الصغيرة، قبل أن ينتقل إلى هذا المكان ليعيش فيه مع "ممه". لذلك السبب لم أشعر بالضيق لأنه حملني على أن أقطع ذلك الوعد له. قلت له ببساطة: < لا حاجة بك أن تطلب ذلك مني يا دكتور. فأنت تعرفني حق المعرفة وتعرف بالتأكيد بأنني سأقوم بدفنك على رؤوس الأشهاد حتى وإن لم أكن مديناً لك بحياتي >.
فأجابني وهو يبتسم، وقد رانت الطمأنينة للمرة الأولى على عينيه الصفراوين، القاسيتين: < هذا صحيح كله يا كولونيل، ولكن لا تنسَ أنك لو متّ فلن يمكنك أن تسهر على دفني >. ))
نظرة الحب
12-26-2011, 10:21 PM
http://g-images.amazon.com/images/G/01/x-site/icons/no-img-lg.gif
(عاشق النساء)
للكاتب الأمريكي ريتشارد فورد (1944م - ولايزال حياً حيث يكتب القصص القصيرة من خلال داره الصغيرة في نيوأورليانز)
الطبعة الأولى للرواية - مترجمة - 1996م
الرواية من 139 صفحة
أول 33 صفحة مقدمة مطولة من المترجم
ترجمة أ. كامل يوسف حسين
الناشر "دار الآداب - بيروت"
(( جلس في مقعده مستقيم الظهر. كان في طريقه إلى الرحيل. وأحسّ فيما بعد، الفظاعة والحرمان والانكسار، وربما أحس التشرّد أيضاً. وأنه يحيا على إعانة اجتماعية. وأنه مريض يوشك على الموت من جرّاء مرض نابع من وهن العزيمة. ولكنه يحسّ الآن أيضاً أنه يومض شرراً ويتوهّج ويتقافز من فرط الانفعال. وحّث نفسه بأن ذلك لن يدوم للأبد، بل قد لايدوم طويلاً، ومن شأن أيّ صوتٍ يأتيه من باب سيارة أجرة، وهو يغلق في الشارع، أن يفجّر المسألة الهشّة بأسرها... ))
رواية من الأدب الأمريكي الحديث ومن تيار أدبي أكثر حداثة أطلق عليه "بيل بوفورد" - رئيس تحرير مجلة <جرانتا> - اصطلاحاً غريباً.. فأسماه بتيار (الواقعية القذرة) وذلك في عام 1983م، مُحدثاً الكثير من اللغط في دور الثقافة والأدب حول هذا التيار في عدد المجلة الشهير الذي حمل عنوان (الواقعية القذرة: كتابات جديدة من أمريكا)، مَوقع اللغط حدث في كون هذا الاصطلاح لم يحمل تعريفاً ولا أية دلائل واضحة لما يُمكن أن يُعرف به هذا التيار، فبصفحتين من تلك المجلة حدد (بيل) الواقعية القذرة بأنها كتابات أمريكية تفتقر للروح والخلفية الحضارية بل وحدد أسماء لكتاب هذا التيار على سبيل الحصر لا التمثيل!.. أي أننا أمام نوع جديد من الكتابات الأدبية مصيرها الزوال بناءاً على تحليل (بيل).
يُعتبر مؤلف هذه الرواية "ريتشارد فورد" هو عميد كتّاب هذا التيار الآن بعد وفاة الروائي الشهير ريموند كارفر - في أواخر الثمانينات - والذي لم يبدِ لا هو ولا ريتشارد ولا أيّ ممن وصفوا بكتّاب (الواقعية القذرة) أي شيء من شأنه الخروج من دائرة هذا الاصطلاح الغريب.. فكلهم كانوا على قدر كبير من اللااهتمام المصبوغ بشيء من المرح تجاهه، ولعل أبرز ما يميّز كتاباتهم هي الصراحة الشديدة والوضوح الذي يصل إلى حد الوقاحة أحياناً في الوصف والمصطلحات، دون أن يلجأ الكاتب إلى أيّ من أساليب الزخرفة الأدبية المعتادة أو حتى تجاهل بعض التفاصيل المحرجة والهامشية.
ومترجم هذه الرواية أ. كامل حسين، وهو أيضاً ترجم العديد من أدبيات هذا التيار وموغل في دراسته ومتابعته جيداً، يرى أن هذه الرواية (عاشق النساء) هي نقلة هامة وتعتبر نموذجاً واضحاً وجديداً للكتاب الأمريكيين الشباب والذين يحملون ذات التوجه. وهو أيضاً يقول: << هذا التيار هو الذي يصف أمريكا الأخرى، أمريكا الريف الوحشي، أمريكا الضواحي المجرّدة من الروح، أمريكا الضائعين والمشرّدين والذين غاب عنهم الحلم، لأنهم يعيشون لا في عالم كابوسي، وإنما في عالم يفتقر لأدنى مقوّمات الحلم >>.
تحكي الرواية بكل اختصار،
حياة رجل من شيكاغو يُدعى "مارتن أوستن" يعمل في شركة تسويق للورق الفاخر وهو مسؤولاً عن فروع الشركة في أوروبا.. ولديه زوجة تُدعى "بربارا" اختيرت ذات يوم ملكة جمال.. فهو من الناحية النظرية والعملية رجل محظوظ وسعيد وناجح.. حتى أن حدث والتقى في باريس - باحدى زيارات العمل - بموظفة فرنسية تُدعى "جوزفين" تأسر عقله وقلبه.. دون أن يكون هناك أي دافع لهذا الانجذاب الشديد!.. فهي ليست جميلة وكثيرة التردد ولا مبالية بأي إنسان كما أن لديها طفلاً مشاغباً في السادسة من عمره من أبٍ يهودي بشع تهمّ بالانفصال عنه بعد أن ألّف رواية فاضحة عنها.. بل كل دافع فيها يطرد عنها أتعس الرجال لا أسعدهم. ومع هذا يقع في غرامها وفكّر جدياً بخيانة زوجته دون أن تُلقي عليه "جوزفين" أي اهتمام فهي لا ترفض أي شيء ولا تبادر لعمل أي شيء.. حتى حدثت نهاية مأساوية لأوستن في فرنسا يعود معها لأمريكا جامعاً سخط الهزيمة ويقين الرضا في آن واحد.
بكل بساطة.. تنتهي الرواية بلا نهاية، تنتهي الرواية دون أن يقدّم "أوستن" أي إجابة على كل الأسئلة المنطقية.. فلماذا ترك زوجته الجميلة والتي يحبها حباً كما وصفه "أبديّ" بل أنه حين تشاجر معها رفض بشدة فكرة أن يطلّقها.. ولماذا يقضي بتعمد معظم أيامه في باريس تائهاً بين شوارعها.. ولماذا يجري وراء امرأة بائسة تلاحقها فضيحة رواية زوجها عنها ولا تعيره فوق ذلك أي اهتمام.. ولماذا يُعنى بطفل لا يصله شيء به وهو الذي ليس لديه أبناء ولم يرد في يوم أن يكون له أبناء.. بل لماذا لم يجب على سؤال <جوزفين> الصارخ: (( من أنت؟!! )) ؟!!
مقتطفة من آخر الرواية:
(( تسائل مجدداً في لحظاته الحالمة، بعد أن تبدد خوفه من موت "بربارا"، وقبل أن يمضي للنوم، تسائل: ما هو الممكن بين البشر؟ ما هو الممكن انطلاقاً من القيمة الحقيقية؟ كيف يمكنك أن تنظّم الحياة. وأن تُلحق ضرراً يسيراً وتظل، مع ذلك، مُرتبطاً بالآخرين؟ واستند إلى ما قالته "بربارا" عندما رآها لآخر مرة وكانت غاضبة منه. هل تغير بشكل من الأشكال، وهل غيّر بعض الارتباطات المهمّة التي ضمنت سعادته، وأصبح منفصلاً، ولا سبيل للوصول إليه. هل يمكن أن تغدو على هذا النحو؟ وهل جوهر الأمر شيء تسيطر عليه بنفسك أم هو متعلّق بشخصيتك أم بتغيّر ٍ لم تكن إلا ضحية له؟
كان ذلك موضوعاً أحسّ أنه سيتأمله عبر ليال عديدة، عديدة، عديدة. ))
تنبيه:
الرواية تحوي بعض المقاطع اللا أخلاقية في كثير من الألفاظ وقليل من الأحداث.
وشكراً.
نظرة الحب
12-26-2011, 10:21 PM
http://www.lespetitsruisseaux.com/inex/images/jelinek.JPG
أُعلن يوم أمس في استوكهولم نبأ حصول الكاتبة النمساوية إلفريدي يلينيك (Elfriede Jelinek) على جائزة نوبل للآداب لهذا العام 2004 م ، ويلينيك - البالغة من العمر 57 عاماً - بالإضافة إلى كتاباتها الروائية والقصصية فهي كاتبة مسرحية وشاعرة بدأت بأعمالها الأدبية منذ عام 1967م. وقد أقامت أدبياتها - كما وصفتها الأكاديمية السويدية في معرض كلمتها عنها- على " لغة متطورة في انتقادها للمجتمع ".
وقد عللت الأكاديمية اختيارها لها بأن إلفريدي أُختيرت بناءاً على: " موسيقاها المنسابة من أصوات شخصياتها الروائية والمسرحية مع لغة مذهلة ومتقدّة أظهرت من خلالها سُخف القيود الاجتماعية والقوة اللازمة في كسر شوكتها الاستبدادية ".
وتقيم يلينيك غالب أوقاتها متنقلة بين بلدها وألمانيا.. ولعل مما يُشار إليه هنا هو ضعف الرابطة الأدبية بيننا نحن العرب واللغة الألمانية ولذا قلما رأينا مترجمات عربية لأدبيات هذه اللغة، وربما هذا ما يُفسر جهل حتى كثير من النخبويين بهذه الكاتبة وإنتاجها..
من أشهر أعمالها الروائية: (( معلمة البيانو - 1983 )) أو عازفة البيانو - وهي الرواية التي تم تقديمها كعمل سينيمائي نال جائزة في مهرجان كان 2001 . كذلك رواية (( هؤلاء يقتلون الأطفال - 1995م )) والتي تشن بها هجومها اللاذع ضد الشعوبية وغيرها من الأعمال الروائية والأدبية.
نظرة الحب
12-26-2011, 10:21 PM
http://www.almadahouse.com/images/covers/24818.gif
(العطر) - قصة قاتل
للكاتب الألماني باتريك زوسكيند ( 1949م - ولايزال حياً حيث يكتب القصص القصيرة متنقلاً بين ميونخ وباريس)
الطبعة الأولى للرواية 1985م
الطبعة الثانية للرواية - مترجمة - 1997م
الرواية من 240 صفحة
ترجمة د. نبيل الحفار
الناشر "دار المدى للثقافة والنشر - دمشق"
(( - أجابت المُرضعة باستهجان: <ولكنه سيؤذيني أنا، لقد نحلتُ خمسة كيلوهات، بينما كنتُ آكل عن ثلاثة. ومن أجل ماذا؟ من أجل ثلاث فرنكات أسبوعياً!>
- <ها، فهمت> قال الأب تيرير وقد شعر بالارتياح، وأردف: <أنا في الصورة الآن، الأمر يتعلق بالمال ثانية إذن!>
- <لا> قالت المُرضعة.
- <بل نعم! فالأمر دائماً يتعلّق بالمال. عندما يُطرق هذا الباب فلابد أن الأمر يتعلق بالمال. تمنيت لو أفتح هذا الباب مرة لأجد انساناً يطلب شيئاً آخر. إنساناً يجلب مثلاً، شيئاً بسيطاً، عرفاناً بالجميل، بعض الفاكهة مثلاً أو بعض المكسّرات. نحن في الربيع وهناك الكثير مما يُمكن للانسان أن يجلبه، بعض الأزهار مثلاً. أو أن يأتي أحدهم ليقول: حياك الله أيها الأب تيرير. أتمنى لك يوماً سعيداً! ولكن يبدو أني سأموت دون أن أعيش مثل هذه التجربة. فإن لم يكن قارع الباب شحاذاً، فسيكون تاجراً، وإن لم يكن تاجراً فسيكون أحد الحرفيين. وإن لم يطلب بعض النقود فسيقدّم فاتورة حساب. ما عُدتُ أستطيع الظهور في الطريق، فلو ظهرت لأحاط بي بعد ثلاث خطوات أناسٌ يطلبون المال. على كل حال، خذي هذا الطفل الآن إلى بيتك وسأتداول في الموضوع مع رئيس الدير. سأقترح عليه أن يُعطيكِ أربع فرنكات أسبوعياً..>
- <لا> مقاطعةً حديثه المُرضعة
- <حسناً خمسة>
- <لا>
- <كم تريدين إذن؟!> صرخ تيرير بوجهها وتابع: <إن خمسة فرنكات تُعتبر ثروة بالنظر لمهمة بسيطة كـ إرضاع طفل!>
- <لا أريد نقود. أريد أن يخرج ابن الحرام هذا من بيتي!> قالت المرضعة.
- <ولكن لماذا؟> قالها تيرير وهو ينبش في سلّة الطفل مُجدداً: <يبدو أنه طفل طيب. صحّته جيدة. لا يبكي، وينام جيداً. ثم إنه ابن معمّد>
- فصرخت المرضعة قائلة: <ولكنه مسكون بالشيطان!> ))
كان الأب تيرير والمرضعة يتحدثان عن الطفل (جان-باتيست غرنوي) بطل رواية العطر الحاصلة على جائزة جوتنبرغ والمترجمة إلى 23 لغة من لغات العالم. وهي الرواية التي قدّمت مؤلفها، باتريك زوسكيند، إلى العالمية كـ أحد مفاخر أوروبا الأدبية المعاصرة في مواجهة السيل الإبداعي لكتّاب القارة اللاتينية. والحقيقة أني كنت ليلة أمس أعمل على إدراج مقدمة مطولة جداً لهذا الكاتب وروايتيه الشهيرتين (العطر - والحمامة) ولكن لأسباب خارجة عن الإرادة بكل أسف، فقد غرقت أحرف المقالة في شاشتي إلى الأبد. ولما كنتُ في حالة عصبية فقد أقسمتُ ألا أعود لكتابة ما كتبت، وبرّاً بيميني فقد اكتفيت بالحديث عن رواية العطر. :p
عودة إلى زوسكيند، فإن بطل روايته، غرنوي، أو (القرادة غرنوي) كما يحب أن يسمّيه المؤلف في أكثر من موضع، هو انسان عاش في القرن الثامن عشر. والرواية تحكي قصة هذا الرجل الغريب والذي يمتلك أنفاً غير طبيعي، يعرف من خلاله الأشياء قبل أن يراها. وبالتالي فـ غرنوي هذا، يملك مكتبة هائلة بداخله للروائح تتضخم مع كل يوم يعيشه وكل رائحة جديدة يتعرّف عليها. وقد كان أوّل ضحايا - ملك الروائح - غرنوي، هي أمه التي اعتادت قتل كل طفل غير شرعي لها حال أن تلده. ولما كان غرنوي مولوداً غير طبيعي، أو كما وصفه المؤلف <رجل ينتمي إلى أكثر كائنات تلك الحقبة نبوغاً وبشاعة>، فقد أطلق صرخة هزّت سوق الأسماك الباريسي الذي وُلد فيه، مما نبّه السلطات إلى وجوده ووجود أمه فوقه وهي تحمل السكين لقتله. وعليه، وبعد اعتقال الأم فقد اعترفت بنيّتها وسوابقها مع أطفالها السابقين وتم إعدامها، أما (القرادة) غرنوي فقد عُهد إلى رئيس الديّر تدبّر وضعه. والمُرضعة التي كانت تتحدث مع الأب تيرير في المقتطفة أعلاه، هي أحد المُرضعات الخمس اللاتي رفضن حضانته مهما بلغت المغريات المادية ليس بسبب بشاعة خلقته أو بسبب شراهته في الغذاء بل لأن الطفل لا ينبعث من جسده أي رائحة! فهنّ يرينه مختلف عن كل البشر بل شيطانا!. ولو لم يجدوا في أحد ضواحي باريس تلك المرضعة "غايار" التي ضربها زوجها على أنفها ضربة هشّمت وجهها وأفقدتها حاسة الشم، لما وجدوا مَن يقبل بحضانته ورضاعته. وقد عاش غرنوي حتى بلغ السادسة في حضانة مدام غايار ثم أبعدته عنها ليس لأن بشاعته وعرجه في مشيته يثيران الرعب بين أطفالها وحسب بل لأنه كان يكتشف - من خلال أنفه طبعاً - الأماكن التي تخبئ بها النقود!
إذا كانت هذه حياة (القرادة) غرنوي في صغره، فلك - أيها القارئ - أن تتخيّل ما سيحدث له في كبره من أحداث فانتازية. سواء من خلال إنقاذه للسيد بالديني - أشهر عطاري باريس - من الإفلاس، حين قدّم له وأنتج أجمل العطور والتي جاءت لمحله طلبات من مختلف زوايا أوروبا كلها، أو حتى من خلال المرحلة الثانية من عمره، حين عاش منفياً عن الناس والبلاد وروائحهم ليعيد ترتيب ما استجمعه في ذاته، بعد أن تلمس أولى عتبات الإبداع، ليصل إلى مبتغاه الكبير: تركيب الرائحة الأعلى والأزكى وذلك من خلال 25 فتاة جميلة حتى يمتلكها لذاته. والكاتب باتريك يقوم بإسقاطات مميزة لفكره من خلال هذه الرواية بأسلوب سردي متماسك وقوي، ولا يمكن بالتأكيد إغفال الجانب الهزلي الذي يقدمه في كثير من مقاطع الرواية فيزيدها قوة ورسوخاً بدل من إضعافها كما يرتكبها خطئاً الكثير من المؤلفين، حد أنه يجعلك في مواقف كثيرة أثناء القراءة أن تنفجّر قائلاً: باتريك يقرؤنا لا نقرؤه!.
(( منذ صغره اعتاد غرنوي على أن الناس الذين يمرّون بجانبه لا يأبهون به على الإطلاق. لا نتيجة احتقار له. كما اعتقد ذات يوم. بل لمجرد أنهم لم يلحظوا وجوده أبداً. فمحيطه كان خاوياً، دون تموّجات يمكّنه أن يدفع بها إلى الجو العام. لنقل بتعبير آخر، أنه لم يمتلك ظلاً يرميه في وجوه الآخرين من البشر. فقط عندما كان يصطدم به شخص ما نتيجة الزحام أو فجأة عند منعطف ما. كان الآخر يلمحه، ولكن كـ لمح البصر. كان هذا الآخر يتراجع غالباً منزعجاً ليحدّق به. بالقرادة غرنوي، لثوان قليلة، كـ مَن يرى كائناً ما كان يجب أن يكون، لكنه موجود فعلاً، وبشكل ما، غير موجود في الوقت نفسه. وليبتعد من ثم، ناسياً إياه في اللحظة نفسها.
أما الآن فقد تجلّى غرنوي العظيم. هاهو يبدو الآن في الواقع كما كان يبدو أنذاك في أحلامه النرجسية. لقد عايش في هذه اللحظة أعظم انتصار في حياته. فكان مدعاة لذعره. مدعاة لذعره لأنه لم يستطع أن يستمتع به ولو لثانية واحدة. ففي لحظة ترجّله من العربة إلى الساحة المشمسة مضمّخاً بالعطر الذي يجعل الناس يحبّونه، بالعطر الذي استهلك صنعه سنتين من عمره، بالعطر الذي أمضى حياته كلها متعطشاً لامتلاكه.. في هذه اللحظة نفسها عاوده الشعور بالقرف من الناس، فأفسد عليه انتصاره كلياً. بحيث لم يفقد الشعور بالفرح وحسب، وإنما أيضاً الشعور بالرضا، ولو بأبسط أشكاله. إن ما تاق إليه دائماً - أي أن يحبّه الآخرون - أصبح في لحظة نجاحه أمراً لا يُحتمل، فهو بالذات لا يُحبّهم بل يكرههم. وفجأة أدرك غرنوي أن الحب أبداً لن يُشبعه وإنما الكره. أن يكره وأن يكون مكروهاً! ))
نظرة الحب
12-26-2011, 10:22 PM
http://alswidi.jeeran.com/Milan2.jpg
(الضحك والنسيان)
للكاتب التشيكي ميلان كونديرا (1929م - ولايزال حياً حيث يكتب المقالات والروايات في باريس)
الطبعة الأولى للرواية 1980م
الطبعة الأولى للرواية - مترجمة - 1990م
الرواية من 260 صفحة
ترجمة أ. أنطوان أبو زيد
الناشر "دار الآداب - بيروت"
http://alswidi.jeeran.com/Milan1.jpg
(كائن لا تُحتمل خفّته)
للكاتب التشيكي ميلان كونديرا
الطبعة الأولى للرواية 1984م
الطبعة الثانية للرواية - مترجمة - 1998م
الرواية من 280 صفحة
ترجمة أ. ماري طوق
الناشر "المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء"
(( يبدو أنك تريدين كتابة كتاب.. حول أي موضوع يدور؟
أجابت بيبي: << إنه في غاية البساطة. رواية. عن العالم كما أراه>>
فاستجوبها باناكا بصوت يدلُّ على الاستهجان: << رواية؟ >>
وسرعان ما صوَّبت بيبي كلامها بشكل غامض: << قد لايكون رواية بالضرورة>>
قال باناكا: << فكّري فقط بما هي الرواية، فكّري بالعديد من الشخصيات المختلفة. أتريدين أن نعتقد بأنك تعرفين كل شيء عنها؟ وأنك تعلمين بما نفكّر، وما نشبه، وكيف نلبس، ومن أي عائلة أنت؟ اعترفي بأن هذا لايهمّك على الإطلاق!>>
- << إنه حقاً كذلك، هذا لايهمّني>> قالت بيبي معترفة
وأضاف باناكا: <<أنتِ تعلمين أن الرواية هي ثمرة توّهم إنسانيّ. التوّهم باستطاعة فهم الآخر. ولكن ما الذي نفهمه نحن بعضنا عن الآخر؟>>
- << لاشيء>> قالت بيبي
- << إنه حقاً كذلك>> أضافت جوجو.. وهزّ أستاذ الفلسفة برأسه موافقاً.
وتابع بانكا: << كل ما يسع المرء عمله، هو أن يُقدّم تقريراً عن ذاته. تقرير لكل امرئ عن ذاته. وكل ما يتبقى كذب>>
وراحت بيبي توافق بحماس: <<صحيح! إنه صحيح تماماً! أنا لا أريد أن أكتب رواية! لقد أسأتُ التعبير. أريد أن أفعل بالضبط ما قلته أنت، أن أكتب تقريراً عن حياتي. وفي الآن نفسه، لا أريد أن أخفي أن حياتي هي عادية بالكامل، ومألوفة، وأنني لم أعِش حياةً غريبةً في شيء>>
ابتسم باناكا وقال: << ليس لهذا أدنى أهمية! أنا، منظوراً إليّ من الخارج، لم أعِش أمراً غريباً قط>>
وصرخت بيبي: << نعم إنه لقول فصيح! مرئياً من الخارج، لم أعِش قط. مرئياً من الخارج! ولكن لديّ شعور بأن خبرتي الداخلية جديرة بأن تُكتب ويمكن أن تثير اهتمام الناس جميعاً>>
وظهر أستاذ الفلسفة يسحب دخان غليونه ويختبئ وراء هذا الدُّخان كأنما بدا خجولاً، وقال: << مذ جيمس جويس بتنا نعرف أن المغامرة الكبرى لحياتنا هي غيابُ المغامرات........>> )) الجزء الرابع: الرسائل الضائعة - الضحك والنسيان.
روايتين لكاتب عظيم ومقتدر أدبياً في أسلوبه، وصل للعالمية بسرعة الصاروخ، وبالتحديد منذ عام 1975م وهو في السادسة والأربعين من عمره حين منحته فرنسا حق اللجوء في أراضيها، بعد أن قدم إليها من تشيكوسلوفاكيا وهي ترزح على تحت السيطرة الشيوعية، منذ أن اقتحمت الدبابات السوفياتية عاصمة التشيك واغتالت ربيع براغ في عام 1968م. مُنهياً بذلك الاستبداد والتعذيب الذي تعرّض له هناك على أيدي الاستخبارات، تلك التي قامت بفصله من عمله حيث كان يعمل بروفيسور في المعهد العالي للتصوير السينمائي، وحاولت طمس كتاباته الأدبية عن طريق منع نشر كتبه في البلاد. وروايته المذكورتين هنا قد اشتركتا في عدة أشياء أهمها موضوع ذاكرة الثقافة الأصلية لبلده ومعاناتها مع الموت على أيدي الروس، الغزاة ثقافياً قبل أي شيء آخر.
الروايتين قام ميلان بتقسيم كل رواية منها إلى أجزاء أو فصول مختلفة. فهو يعمد في تقديم الفكرة التي يتناولها كالضحك والنسيان، أو الخفة والثقل، على تناولها من زوايا مختلفة وكأنه يعمل على إخفاء الوجه الحقيقي لذاته أو كما يقول كونديرا عن نفسه في أحد اللقاءات: ((عندما كنت طفلاً صغيراً، حلمتُ بدواء سحري يجعلني غير مرئي. من ثم كبرت، وبدأت الكتابة، وسعيت للنجاح وهاأنا الآن ناجح وأحلم بالدواء نفسه لأتوارى)). فلا عجب إذن، من أن يقوم في سبيل ذلك من خلط مذهل للفلسفة والحلم والسرد الواقعي في تناغم واحد، ضارباً بفكر القارئ في اتجاهات متنوعة وفاتحاً له ثغرات تسمح له بالمغامرة في المجهول. أو كما يقول د.عبدالمنعم الباز ((إن ما ينقذ هذه الأعمال من التقريرية المحضة الممجوجة هو غياب الالتزام الأيديولوجي القديم، مع غياب اليقين الأيديولوجي نفسه، إذ أن الكاتب يدلي بملاحظاته عن العالم بنبرة متعبة عاجزة عن بذل المجهود الذي يتطلبه الكذب)).
نحن أمام كاتب خرافي، إن أردنا التمجيد. إذ أن تمجيده يكون من خلال الصراع الذي يقدّمه بين ضحك الاكتساب والنصر وضحك العدم وافتقاد القيمة لكل شيء، أو ضحك الملائكة، كما يصف، وضحك الشيطان. ونحن أيضاً أمام كاتب بسيط يحلم بالحرية، وحريته ليست بمحاربة السلطات، بل إن حريته متوقفه حتى يحين انتصار ذاكرته على النسيان. هي صراعات داخلية يعيشها المرء منا دون أن تستحوذ على الكثير من اهتمامه، ولكنها بالنسبة لانسان يعيش النفي تشكّل همّه الأوحد الثقيل، هناك حيث الحنين لبراغ والوفاء لباريس التي احتضنته، هناك حيث يرفض أن يكتب رواياته بغير لغته الأصلية - التشيكية - يخطّ في سطور "كائن لاتحتمل خفته": (كلما كان الحمل ثقيلاً كانت حياتنا أقرب إلى الأرض، وكانت واقعية وحقيقية أكثر)، ومن يتوغل في القراءة لهذا الكاتب، والحق أني لم أقرأ له إلا أربعةً من كتبه، يعلم أن كونديرا لايريد منا استصدار الأحكام منه بل فهمه فالمسألة ليست بالبحث عن الإجابات في سطوره بل قراءة الكثير من الأسئلة التي يطرحها بصور ذكية وغير مباشرة.
تبقى نقطة أخيرة يجب الإشارة إليها في هاتين الروايتين، وهي تتعلق بالجنس الصريح الذي يتطرق من خلاله في بعض أقسام هذين الكتابين إلى أفكاره الرئيسية. لأن ميلان ليس كاتباً مبتذلاً لكي ينقل صوراً سخيفة تحكي عن مهاترات انسان مراهق، ومن يقرأ له يعرف أنه تجاوز مثل هذه الإسقاطات الفظّة. فهو يرى أن المشاهد التي تتطرق إلى الحب الجسدي في رواياته هي من أفضل السبل التي تكشف للقارئ جوهر شخصياته وتلخّص موقفهم من الحياة.
((ولكن، في هذه اللحظة، انزلق من النعاس إلى الوعي الجزئي. كان في تلك المنطقة المحايدة حيث لانكون في حالة النوم ولا في حالة اليقظة أيضاً. كان يائساً من أنه رأى تلك المرأة تختفي، وكان يقول في نفسه: يا إلهي! يجدر بي ألا أفقدها. كان يحاول أن يستجمع قواه ليتذكر أين التقى بها وأي حياة عاش معها. هل من المعقول أن يتذكّر هذا وهو يعرفها حق المعرفة؟ عزم على أن يتصل بها باكراً. ولكنه ارتجف خوفاً لساعته، عندما فكّر أنه لن يتمكّن من الاتصال بها والسبب أنه لايتذكّر اسمها. كيف أمكنه أن ينسى اسم شخص يعرفه حق المعرفة؟ ثم عندما استفاق تماماً، فتح عينيه، وقال في نفسه: أين أنا؟ عرفتُ، أنا في براغ. ولكن تلك المرأة هل هي من براغ أيضاً؟ ألم ألتقيها في مكان آخر؟ أو لعلّني تعرّفتُ إليها عندما كنت في سويسرا؟ لزمه بعض الوقت ليفهم أنه لم يكن يعرف هذه المرأة، وأنها لم تكن لامن زيورخ ولامن براغ، بل من منطقة الحلم...)) القسم الخامس: الخفة والثقل - كائن لاتحتمل خفّته.
كتب ميلان كونيرا في مقدمة رواية (الضحك والنسيان) هذه العبارة:
<< أمّة تفقد وعيها بالماضي، تفقد ذاتها تدريجياً! >>
نظرة الحب
12-26-2011, 10:22 PM
http://alswidi.jeeran.com/jalluon.jpg
(سيت افوغلانت ابسانس دو لوميار)
(ذلك الغياب الباهر للضوء)
وعنوان الرواية بالترجمة الطباعية للعربية
(تلك العتمة الباهرة)
للكاتب المغربي الطاهر بن جلّون (1944م - وما يزال في فرنسا مواصلاً إنتاجاته الأدبية والصحافية)
الطبعة الأولى للرواية - بالفرنسية - 2001م
الطبعة الأولى للرواية - مترجمة - 2002م
الرواية من 223 صفحة
ترجمة أ. بسام حجّار
الناشر "دار الساقي - بيروت"
((أريد أن أموت. لمَ يُبطيء الموت في قدومه؟ مَن يُؤخّر مجيئه, ويمنع نزوله إليّ, وانسلاله من تحت زنزانتي؟ إنه ذو الشاربين, الحارس الجلف, يقطع طريقه. كم هو صعب أن نموت حين نريد الموت! فالموت لا يُبالي بي, ولكن دعوه يمرّ, أحسنوا وفادته! فهذه المرة سوف يأخذني أنا. سوف يحررني. انتبهوا جيداً, لا تعيقوا حركته. إني أراه, لقد استجاب لدعائي أخيراً......))
الرواية المرعبة، ذات الأحرف الباعثة لرائحة الموت والعذاب الإنساني. وهي الرواية الأكثر مبيعاً في السوق المكتبية الفرنسية، والتي حاز كاتبها - الطاهر بن جلّون - عليها قبل أشهر جائزة (إمباك - دبلن) الدولية للأدب، واحدة من أعلى الجوائز العالمية مكانة، بعد اختيار (تلك العتمة الباهرة) من بين 125 رواية مرشحة. وإذ ذاك تقول لجنة التحكيم عنها: (تحفة فنية جددت الغرض الحقيقي من الأدب، وهو ما لا يفعله إلا كتاب يصدر من وقت لآخر). كتاب يحكي واقعاً حقيقياً مأساوياً لحياة من 18 سنة من حياة 23 من الضباط والعسكر المغاربة الذين قضوا في سجن أقل ما يقال عنه أنه شيء من الجحيم. لم يخرج منه سوى أربعة على قيد الحياة، خرجوا وكان أحدهم يتكئ على الحائط والثاني على أربع مثل الزواحف، خرجوا وهم في حالة صدمة من ضوء الشمس ومن حالة ذهول وخوف وهم يرون وجووهم في المرآة بعد كل ذلك الصراع المرير مع حفرة العذاب (تزمامارت)، في مكان ما، من صحراء في جنوب شرق المغرب. في مقدمة الرواية، وهي التي تأخر صدورها كثيراً لعدة أسباب أهمها ولاشك التعتيم بل والتكذيب لصحة وقوعها من قبل السلطات المغربية، في المقدمة كتب الطاهر بن جلّون إهدائه: <<كل أحداث هذه الرواية واقعية. إنها مستلهمة من شهادة أحد معتقلي سجن تزمامارت. إنه عزيز، وإليه أهدي هذا العمل الروائي، وأهديه أيضا إلى صغيرته رضا، نور حياته الثالثة>>. ولعل أي قارئ يقرأ مثل هذه الرواية، يتمنى لو أنها كانت أكذوبة أو من نسج خيال.
23 عسكرياً، بأوامر من قيادة عليا بالجيش، وجدوا أنفسهم بالقرب من قصر "الصخيرات" الملكي، بحجة القيام بمناورة عسكرية بالذخيرة الحية. ومن ثم يُؤمر هؤلاء مع غيرهم ممن لاحول لهم ولاقوة، بإطلاق النار على كل مَن يجدونه في القصر. ومن بين هؤلاء العسكر راوي الحدث (عزيز بنين - ملازم أول) الذي أدرك متأخراً بأن هذه العملية هي عملية انقلاب عسكري. فيقف مشدوهاً عاجزاً عن التصرَّف وعاصياً بذلك أوامر قيادته المباشرة بإطلاق النار، في حين سيل من الدماء بدأ يتدفق أمام ناظريه من الجثث المتساقطة. يفشل الانقلاب ويتم اعتقال جميع من كان مشتركاً في العملية، في حين صدرت أحكام مخففة على مثل هؤلاء، المُغرّر بهم، بالسجن سنتين أو ثلاث إلى عشر كأقصى حد. ولكن المسألة هذه كانت على الورق الرسمي فقط، أما ما حدث فعلاً، هو أن هؤلاء نقلوا معصوبي الأعين إلى منطقة صحراوية مع غيرهم. ليسجنوا في العتمة، في سجن جحيمي تحت الأرض، إذ كانت التعليمات أن يموتوا أشنع ميتة وفي أطول فترة احتضار ممكنة. ولعل من المفارقات أن يأتوا السجّانين في أحد الأيام بكلب عض يد سيده - ربما كان أحد أفراد الأسرة الحاكمة - وتم الحكم عليه بخمس سنوات يقضيها في "تزمامارت" ليموت بين السجناء خلال شهر واحد!
هناك حيث لا نور، ولا أبسط مقومات حفظ الحياة، يعيش كل سجين في زنزانة خاصة به، ارتفاعها 1.5 متر. حتى لا يستطيع المرء من الوقوف تماماً. مع ثقب بسيط يسمح بمرور الهواء من الخارج إليهم.. يصارعون البرد شتاءاً والعقارب صيفاً وكل أنواع الحشرات المؤذية. بل إن أحدهم قضى بعد التهمته الصراصير حياً. يقول أحد أولئك الناجين في مقابلة من خلال إحدى قنوات التلفزة الفرنسية: ((هذا المعتقل هو قبر حقيقي دُفن فيه لمدة تزيد على أكثر من ثماني عشرة سنة. أكثر من ستين فرداً مات بعضهم وظل البعض الآخر يقاوم الموت والنسيان والحشرات والبرد والحر والمرض والغريزة واليأس والتفسّخ، بل إن بعضهم كان قد تفسّخ فعلاً وتحوّل إلى لحمٍ مهتريء يتمشى، وجُنَّ آخرون، وعاش بعضهم على حكايات تنتمي إلى عالمهم القديم الذي أغلق عليهم مرة واحدة وبصورة قاطعة، لكنهم استعانوا بالذاكرة. إن مدفن "تزمامارت" هو شهادة مخيفة ، ومرعبة، وقوية، على قوة الأمل البشري في الخروج من الهاوية والجنون والموت المؤكد...))
على أن هذه الرواية ليست تسجيلاً حرفياً لما جرى من أحداث وشخوص، وإلا لما أصبحت رواية. غير أنه شيء كبير من الحقيقة، ألبسه الطاهر بنجلّون "بن جلّون" ثوب الأدب في الصياغة والبُعد التأثيري للمعاناة. فهاهو يقول على لسان عزيز في أحد صفحات الرواية: <<ولكن ما جدوى العقل، هنا حيث دُفِنّا، أقصد حيث وُورينا تحت الأرض وتُرك لنا ثقبٌ لكفاف تنفسّنا، لكي نحيا من الوقت، من الليالي، ما يكفي للتكفير عن ذنبنا، وجُعِل الموت في بطئه الرشيق موتاً متمادياً في تأنّيه، مستنفداً كل وقت البشر، البشر الذين ما عدنا منهم، وأولئك الذين ما زالوا يحرسوننا، وأولاء الذين حللنا في نسيانهم التام. آه من البطءّ! أوّل أعدائنا؛ ذاك الذي يُغلّف جلودنا المقرّحة فلا يلتئم الجرح الفاغر إلا بعد وقت طويل؛ ذلك البطء الذي كان يجعل قلوبنا خافقة على الإيقاع العذب للموت القليل، كأنّ علينا أن ننطفئ كشمعة مضادة بعيداً منا وتذوب بعذوبة الرَغَد>>، هذه هي ملكة التعابير الساحرة التي قد لايمتلكها عزيز لغوياً في إبقاء القارئ الذي يتصفحها على أريكة الراحة. وهذا هو الطاهر بنجلون الذي يعرف كيف يصيغ الحرف ليبقى علامة تاريخية حتى وإن كانت من سجل الخزي العربي، إلا أنها يجب أن تُحفظ وتُذكر وتُروى للأبناء. لأن الخسران كل الخسران هو للأمم التي تواصل تكرار أخطائها الفادحة.
((كان البعض يسعى لأن أسرد وقائع الإقامة في الجحيم، ظناً منهم أن ذلك يريحني. لم يكن في استطاعتهم أن يدركوا كم كنتُ بعيداً، في مكان آخر، مُتعلقاً بصلواتي، منفياً إلى عالمي المسكون بالروحانية والإيمان والإعتزال. مضت خمسة شهور، ولا يزال صعباً عليّ اعتياد الرفاهية والأمور اليسيرة. عندما أدخل الحمام أقف طويلاً أتأمل الصنابير بإعجاب. أنظرُ إليها ولا أجرؤ على فتحها. كنتُ أتحسسها مثل أشياء مباركة. وعانيتُ جداً في اعتيادي الخفيّ فأسير على رؤوس أصابعي خوفاً من توسيخ البلاد. كل شيء يُذهلني. ولكي أنام كنت أحتاج إلى سرير قاس. أطباء كُثر تدارسوا حالتي، وهم لا يفهمون كيف بقيتُ حياً.
كنتُ أفضل الذهاب للجلوس إلى جانب أمي التي كان السرطان يبرح أيامها لكنها لم تكن تشكو. وكانت تقول لي: لن أجرؤ أبداً على الشكوى أمامك فأنا أُدرك ما قاسيتَه. لا داعي لأن تروي لي. أنا أعلم ماذا يُمكن للبشر أن يفعلوا إذا قرَّروا أن يُلحقوا الأذى بالآخرين.....))
*جرت أحداث هذه الرواية عقب فشل الانقلاب العسكري الشهير في قصر "الصخيرات" من عام 1971م وحتى عام 1991م حيث تم إغلاق السجن للأبد تحت ضغوط دولية كبيرة على الحكومة المغربية آنذاك.
نظرة الحب
12-26-2011, 10:25 PM
اتمنى المجموعه من الروايات تنال اعجااابكم
جنــــون
12-28-2011, 10:12 AM
http://center.jeddahbikers.com/uploads/jb13176693131.gif
نظرة الحب
12-29-2011, 10:06 PM
http://center.jeddahbikers.com/uploads/jb13176705561.gif (http://center.jeddahbikers.com/)
عـــودالليل
12-29-2011, 11:11 PM
300
http://center.jeddahbikers.com/uploads/jb13220013571.png (http://center.jeddahbikers.com/)
نظرة الحب
12-30-2011, 07:59 PM
http://center.jeddahbikers.com/uploads/jb13176705561.gif (http://center.jeddahbikers.com/)
اخـــراحساس
01-29-2012, 10:48 PM
http://center.jeddahbikers.com/uploads/jb13240387821.png (http://center.jeddahbikers.com/)
نظرة الحب
01-31-2012, 03:51 AM
http://center.jeddahbikers.com/uploads/jb13176705561.gif (http://center.jeddahbikers.com/)