مشاهدة النسخة كاملة : ديوان الشاعر ( ممدوح عدوان )
جنــــون
11-20-2011, 01:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم لكم ديوان الشاعر ( ممدوح )
وستشمل كلاً من :-
جميع قصائده وحواطره تقريباً ،،
سأبدأ بإذن الله
ودي
جنــــون
11-20-2011, 01:10 PM
كل شيء مات إلا الرهبة المختبئة.
***
أنا أعرف كيف تضيق الأقبية الرطبة
كيف يضيق الصدر،
وكيف يضيق الشارع
كيف يضيق الوطن الواسع
كيف إضطرتني الأيام
لأن أهرب من وجه عدوي والضيف
لكني
حتى لو صارت علب الكبريت بيوتاً
لو ينخفض السقف
ويضحى تحت العتبة
لو ضم الرصيف لرصيف
صار الشارع أضيق من حد السيف.
***
… كان يحلم ثم عصا
ظل في حلمه مفرداً …كالعصا
ناشفاً كالحصى
عارياً كالحصى.
***
غير إني قادم
رغم حصار الأوبة
سوف آتيك بخوفي
وأنا أعبر هذه المقبرة
سُمم العمر، ارتمت أوراقه
صودر في حلقي النداء
منعوا عني الهواء
غير أني لم أزل أحمل في الصدر رئة
***
لو جار الأهل، تخلى الصحب
وهاجر حبي كسنونوة
لو هجم السيل
لو انهدمت في حارتنا الجدران
سأظل وحيداً في الحلبة
سأظل كآخر قنديلٍ
بفتيل لا يتعبه الريح
مرتعشاً في العتمة
حتى تطفئني الريح.
جنــــون
11-20-2011, 01:10 PM
مهما هطلتْ هذي العتمةُ في قبوي من ضوضاء طوابقهمْ
مهما ارتفعتْ أسوارٌ ، وأحاطتْ قبوي تمنع عني النور
وازداد القهرُ بقلب ربيبي المتكومِ قربي
بين تلالِ الجوعِ وأكوامِ النقمهْ
مهما أنَّ وعذَّبه وجهي المجدور
وتقلب من نبض جراحات الفقر، ووجهي الظاهر رغم العتمه
وتساءل في حرقته عن نسبي
والأجوبة الطالعة بروقاً من دمه تولد
لا بد سينهض ذات صباح
يصنع من هذا العتم لنا نوراً
نتبادل نظرات صارخة:
يعرف أني ضربته الأولى
خطوته الأولى
كي يقترب من الوطن المبعد
حسبوا أني مت
فرَبّاني في عجف السنوات
ما عرفوا أني صرت دماً في قبضته
غضباً في نبضته
ضوء الدرب له في الأزمات [
وسأخرج كالسيف من الغمد،
وأظهر في باب المبنى
وستجمد أقدام السابلة
وتيبس أنصاف الكلمات على الأسنانْ
ويبسمل شيخ مشدوه
ترسم عابرة شكل صليب
يمتقع الشرطي، وترتجف الجدران
(أَلِعازرُ ينهض من قبو مظلمْ
يبعثه غضب الفقراء
يحمل سيف الحقد لهذا الموسمْ )
أتأملهم:
أمسح صفرةَ أوجههم
وجمودَ ملامحهم بالعينين الحاقدتين
كانوا منهمكين بأنباء اللعب وبالأزياءْ
مَرَّ ربيبي بينهمُ ، وتساءل عن أهلي
حتى سقط إلى قبوي إعياءْ
والصوت يهوّم حتى تسحقه الضوضاء
كانوا موتى ، والآن تفاجئهم خطوات الأحياءْ
أنقل خطوتيَ الأولى، تنخلع قلوبٌ ،
يضطرب المشهد
أمشي.. يحتشدون ورائي مدفوعين بسحر الخوف
وعلى باب المبني تصيح أوجههم لغطاً يتجمد
تلحقني منه: "استر يا ربْ"
أطأ الدرجات، تئن الأبواب
أتبع سيل الضحكات المتسرية، وآهات الغنج الشبقه
أرفس باب البيت الصاخب يتحطم
تدخل قدّامي هبة نور من صبح غفلوا عنه
تشهق غانيةُ ، تسقط كأسٌ من شفتيْ شاربها
يتسمر نصف البسمة في وجه منافق
تجمد كف في خصر امرأة عبقه
ينبثق الرعب، يجفف تلك الحركات اللبقه
تتعلق أعينهم بي
يبرق بين ملامحيَ حزيران الدامسْ
يعرف كلٌ منهم وجهي العابسْ
يعرف فيه حجم ذنوبه
أتقدم في الصمت النابض
تتكسر تحت حذائي النظرات القلقه
والمصباح المرتجف يوسّع عينيه ويشهق مذهولاً
وأنا أبصر في وهج الحقد جروحاً تتهيأ
للنزف بطعناتي النزقه
أتقدم ، أفتح نافذة كي يأتيني النور ويسمعنا الشارع
ألتفت إليهم، أضبط نظرات تبحث عن مَهْرَبْ
( تعرفني أمي إذ تلمح في عينيَّ النار
تعترف بعينيها الخائفتين
وأعرفها بتهدل كتفيها تحت العار
من منا حمل الغربة من وجه الآخر؟
من منا أخجله مرأى الآخر؟ )
هيا اعترفي .. يا أُماً مَوْمَسَها الفقرُ
ومرَّغها العتم على أقدام الغرباء
من منهم عمي الليلة أو هذي الساعة؟
من كان سيطوي الخصر قبيل دخولي؟
هيا اقتحمي خوفك وافتضحي هذا الصمتَ
أريحيني من عارك فيَّ ومن عاري فيك
هيا ابتهجي بقدومي كي أفرح:
أنك أرغمت على هذا العمر
فأصبحتِ بضاعه
هيا يا أمي : أيديهم متشنجةٌ
ووجوههمُ تتفصّد ذلاً
تنطق معترفه
( أنا طفل ولدته خطيئتهم
كبر وراء ستار الصخب الأجوف
شبَّ برغم الأقنعة الترفه )
قولي: هو ذا الذنب المستور يضيء
جاء يقاضيكم فهو الشاهد والقاضي والجلاد
قولي: هذي القاعة قد شحنت بذنوب العمر
فلا أحد من آلام القبو بريء
وافتخري بين دموعك بالغضب الهادر بين عروق الأبناء
أنا فيهم سكين شحذته سنوات الجوع ونكران الآباء
( أمي لا تسمع صوتي )
يتزاحم في نفسي الجوع المزمن ،
والخوف المستور بضحك ،
وحصار الأضواء
والقهر ، وحيرتيَ البلهاء أمام جلودهم الحرباء
ودمي المتجمع من نزف ضحاياهم
تضطرم بغير كلام ،
تبرق في حقد أمضى من حد السيف
أوليسُ العائد يغلق أبواب القصر
على أُسرته المتهمه
يطلق سهماً ، يمرق ناراً بينهمُ
يعلن إسمه
أوليسُ يشدّ القوس
يهيء في الصمت لكلٍ سهمه
يتحرك صمت القاعة وجلاً
تولد في أوجههم آلاف الأعذار
يبدأ بلع الريق، وتحريك شفاه يبسّها الخوف
تبدأ بسمات مترددة ترجف فوق وجوهٍ متملقةٍ
يجهد كلٌّ منهم أن ينطق ،
يأتي الصوت صدى من أعماق الآبار
أحشرهم بالنظرات النارية في زاوية القاعه
تتألق بين الأحداق ذنوب الماضي
تتكشف قدامي الأسرارْ
أعرفهم قواداً قواداً .. عاهرةً عاهرةً
أعرف من كان البائع ،
من كان الشاري ،
من كان السمسارْ
يبدأ لغط الحب الزائف ينسج في خوف صلة القربى
يغرقني بعواطف يتقنها التجار
وأنا لا أسمعهم
أترقب في صمت دقات الساعه
أنتظر قدوم ربيبي
لن يخرج من هذي القاعة صافر نار
جنــــون
11-20-2011, 01:10 PM
ها همُ اجتمعوا يطلبون بِكَ الفرحَ المستحيلْ
أنت يا نبعَ دمعٍ ، وتاريخَ حزنٍ
تعالَ ادّعِ الفرح المستحيلْ
زوّرِ الليلَ ، أخرجْ من الكمّ شمساً
ومن جرحك القاتم اسحب ضياءَ الصباح الجميلْ
ها همُ اجتمعوا : جهّزوا لك السرج والفَرَسَ ،
استقبلِ الشوطَ ،
فالفرسُ الدميةُ استقبلت شوطها والصهيلْ
ها همُ مِعَدٌ للطعام ، وأعصابهم أُسرجت للتَعَبْ
ها همُ اجتمعوا أعيناً هُيِّئت للدموعِ
حناجر فارغة جُهِّزت للعويلْ
فابدأ الرقصَ كي يحلموا أنهم يَعْزفونْ
وابدأ الندب كي يحلموا أنهم يحزنونْ
واختتمْ بالصراخ لكي يحلموا أنهم يغضبونْ
إبكِ واضحك وسرْ في تخوم الجنونْ
أنت آخر فهدٍ : فغابات مجدك أضحت صحارى
وجموع توالت تطارد جنسك حتى الإباده
أنت آخر فهد، وأنت الذي لم يُروَّضْ
وهم خلعوا الناب والمخلب الدمويّ
جلودَ الفهود ، ارتدوا لُبَد الهِرَرَه
أنت آخر فهد طريد وحولك يجتمع السَحَرَه
سوفَ تبقى لمتحفهم رمزَ وحش فناه الزمانْ
وستترك حراً وحيداً
بأعماق سجن كبير بدايته في الولاده
سوف تبقى ويجتمع السائحونَ
لكي يشهدوا الوحش، كي يألفوا منظره
سوف تضحي لهم لعبةً :
يطلبون التثني ونوم العجوز وحلم الصبيّه
وتُلبّي بغير إراده
ويَلمونَ باسمك مالاً من البَرَرَه
ها همُ اجتمعوا وأحاطوك بالحبِّ
إذ عميت مقلتاك عن المجزره
ها همُ اجتمعوا :
هل ستقوى على كلمة الحق في وجه نَخّاسهم
قل لهم كيف أُرسلتَ للحرب ،
كيف وصلت التخوم ولم تلقَها
كيف فتّشت عنها الخنادق ؟
كيفَ تجاوزتَ خلف خطاها الزَمَنْ
قل لهم كيف عدتَ وحيداً
ولم تَرَ في أرض دارك أرض الوطن
قل لهم كيف لم يقنعوك
حين قالوا بأن طيوراً تحوّم كلَّ مساء
وتَنْقَضُّ تخطفُ بين مناقيرها تربةَ الأرض
تسرق لحم الضحايا
وتترك في الرمل أشلاءهم
ودماء اغتصاب السبايا
قل لهم كيف صدقت كي لا تموت الحكايا
وضحكت كي لا تجن ، فأتقنت ضحكتك الماكره
كيفَ كنت تلوح سعيداً
وأنت ترى تربة الأرضِ
تركض دون رياح ودون سيولْ
كيف أقنعهم بالذي كذبوا
حين قدَّمت من كتب الجن طيراً عجيباً
يشيل الحدود
وينفض كالقمل من جانحيه الخيول
كيف أبصرت أرضاً تزوّر
كيف تحولت الجنة الآن مثل الجحيم
كيف تهمس صبحاً مساء لنفسك هذا العذاب المقيم :
أنتِ يا طعنة في الصميم
إسمك القدس لا أورشليم؟
انض عنك الملابس، أظهر لهم بصمات اللصوص
وضرب السياط
ولا تخش أن يدعوا الشهوة الماجنه
كلهم ماجنُ العين والقول، لكن خصيٌّ
عذوبة صوت الديوك
تخبئ بين العروق دم العنّة الآسنة
أصبح الحس إسفنجة تشرب العار
ترخيه بعد قليل هدوءاً ونوماً
أصبح المر طعماً أليفاً
وفي النوم يمتد صوت المنبه حلما
لم يموتوا : فهم ينزفون رجالاً وأرضاً
ويبكون باسم اللياقة بين الجنائزِ
يمضون حتى المقابر
لم يدركوا أنهم يدفنون
غلفوا فلتة الأمر منهم وأخفوا القلوب الطعينه
ثم كزّوا وأدموا الشفاه وغنوا الأغاني الحزينه
من سترثي هنا؟
أي ميت عزيز ستبكي؟
أيا متقناً لغة الموت خاطبْ بها الميتين
واجتهد أن تواريَ ما اعتدت في لحظات العذاب العظيم
أنتِ يا طلقة في الجبين
هل يرد الرصاصة عني جبيني الحزين؟
أنتِ يا طعنة في الصميم
إسمك القدس لا أورشليم؟
كل عار بدمعة صمت، وكل البلاد بإطراقة من حزين
لم يعد ماء دجلة عذباً، ولا النوم في الغوطه الحالمه
صدم الحر قضبانه: عرف الأرض زنزانةً
لم يعد في الشوارع غير الزحام بلا بشر
وبلا ظلمة بقيت قاتمه
لم تعد تجلب الريح من بيدها غير هذا الغبار بلا تربة
غير هذي الغيوم بلا مطر
غير هذا الصهيل بدون خيول
ووجوه بغير عيون نفتِّحها ،
كيف ننجو من النار ؟
كل العيون ارتمت نائمه
لم يعد في الزمان سوى تكتكات عقارب مشلولة لا تطيق المسير
ليس هذا زماناً : هو الوقفة العائمه
ليس هذا زماني وليس زمان الضمير
] تحت أي لواء سأشهر سيفي؟
وأي لواء يكفنني في النهاية؟
ما الذي يفعل السيف والغمد ضاع
وسيفيَ أضحى وشايه؟
من يخبئ سيفاً وظل الخليفة في كل أرض يطوف؟ [
ليس هذا زماناً هو الزمن المستحيل
فيه من يمسك السيف مثل الذي يمسك النار دون درايه
يشهر السف جوعي ، وخوفي تمزقَ
كيف أُخبّئ سيفي وجوعي معي ؟
والطريق استحالت صحارى
ورمل الصحارى يشير ويتقن عني الوشايه
يترهب جوعي ، وكلن مسوح التقية لا تستر الشهوة العارمه
حوليَ الآن تبدو بقايا من الأرض ، أو هيكل ..
فقرات .. سلامية .. جمجمه
ظامئ مات غرقان في النبع ،
أعمى تُلضُّ خطاه الأشعّة
ميت قضى تخمة بالحياة
وأنا خائف من شجاعة جوعي ومن زمني المستحيل
واقف شجراً ظامئاً في الصحارى ،
ومائيَ أدمن طعم الرحيل
حوليَ الخوف يضحي تراباً ويضحي سماداً
ويضحي بذاراً ويضحي ثمارا
يزهر الخوف موسمَ جوع ، مناجلَ تحصد جوعي
ويضحي هنا عرقاً يتصبّب ، يضحي فخارا
ينتج الخوف في السهرات حكايا المذلة
حتى تزين في أعين الساهرات السكارى
يصبح الذل طقساً ، ويضحي أثاثاً
وعرضاً نستّره ثم يضحي ستارا
يصبح الذل ضيفاً عزيزاً ، قِرى الضيفِ
يضحي لإكرام من زار
أو هديِ من ضل نارا
يصبح الذب أضحية في المواسم ،
يضحي بخوراً .. ويضحي مزارا
لوَّن الذل ريش الطواويس حتى تباهوا به في عناءِ
ها هنا امتلأ السوق بالذل فلتبدأوا بالمزادِ
أنتِ يا طعنة في الصميم
قال لي دمك النازف اليومَ:
لا تبتئس ، لم تزل في الزمان بقيه
لم يزل ما تبقى من العمر عمراً
ولو كان مثل الهشيم
لم تزل في العذاب تقاوم هذي السبيه
قال لي دمك النازف اليوم:
رغم الجفاف الينابيع تجري سخيه
غزتي اليوم أضحت مسيحاً ،
دماً طازجاً عذَّب الصائمين
صرخة: قف أيا شارب الخمر لا تقترب من دماء المسيح
دمه ساخن، مذ لمسناه دون وضوء يصيح
أي صوت سمعنا وقد سقطت غزة الجرح في حضنهم؟
هل تعود المدينة جرياً إلى قومها النائمين؟
هل تعود السبية إذ تشتهي وتُراوَدُ للميتين؟
كيف تقوى على جر خطو خضيب
وحقدِ مقاومة العمر عزلاءَ للمشتهين
من سيجرؤ أن يلتقي بعيون المدينة يوم اللقاء
غزتي وحدها في الليالي صباح
زهرة في مهب الرياح
وحدها
وحدها وقفت بعد مقتل فرسانها
بعدما ضاقت الأرض ،
سدَّ الكماة المداخل
حوصر نبع برمل الصحارى
وحدها وقفت بالأظافر تدفع وحش الجموع
وبالحسن والدمع تدفع عنها اشتهاء السكارى
وحدها نَفَسٌ يتردد تحت الخناجر
همس سمعناه بين الوعود
وساقية رطبت حلقنا في الرمال
وحدها أعين لا تنام
تراقب أختاً بنار الجحيم
وحدها تملك الصوت كيما تصيح بعمق الظلام البهيم
أنتِ يا طعنة في الصميم
إسمك القدس لا أورشليم؟
أقبل الزمن المستحيل ،
وكلن أتتها الدرايه
غزتي تمسك السيف ناراً
فتجعل نار الجريمة سيفاً
تخطَّ به الدرب حتى النهايه
جنــــون
11-20-2011, 01:11 PM
يستوي الأمرُ:
للجوع طعمٌ وحيدٌ
وللذلِّ طعمٌ وحيدٌ
وللخوف ألفُ قناعٍ
وللموت هجعته الواحده
يستوي الأمرُ:
فالرأس مسقطها واحدٌ .. تحت مقصلةٍ
والعدو أمامي .. وألف أخ غادر من ورائي
وحب يقيِّد عمري إلى التربة الجاحده
وأنا الشجرُ العربيُّ الذي نسيَ الماءَ ،
صار السرابُ مدينته
والرياح تُرنِّحه لا يبدل وقفته الصامده
وأنا لم أهاجرْ:
ركضت وراء المدينة، وَهْي تهرول مثل الضبابِ
فأوصلني الركضُ للغربة العربيةِ
فيها غرقنا معاً
فاغتربت بها ، هاجرت بي لموتي الحنونْ
حملتْ ضوء مستقبلي ومضت
رحتُ أصرخُ أن أوقفوها
إلى الحرب تمضي وتخبطُ عشواءَ
عمريَ بين يديها
وما الحرب إلا الذي تعرفونْ
أودعتني فجائعها ..
سحبت من حياتي طمأنينة العابثينْ
جئتُها مطمئناً إلى أملٍ خادع في رسائلها
فوجدتُ الضواري وقد أولمتَها
وكانت تئنُّ فتجرح قلبي
المواعيد بيني وبين شوارعها أوقفتني
فألقت إليَّ أمانتها .. ثم غابت مع الزحمة الحاقدة
وأنا بدويٌ .. أضاء بقلبي الزمان ، وسلمني أول الخيط :
قال: المدينة تجري إلى الفاتحين، فعجّلْ إليها
وقال: انتبه للسراب ولا تنخدعْ بمظاهرها
الناقمه
كلُّ ما تدَّعيهِ المدينةُ ليس سوى خَفَر تدّعيه العروسُ
التي تتلهف أن تصل الغرفة المظلمهْ
قالَ : إنّ المدينةَ تجري إلى الفاتحين ،
وقالَ: السماسمرةُ استلموا ثمن الصفقة المجرمه
قالَ : حاشيةُ القصرِ تعرف أنّ الفقيرَ ، بهذي الحروبِ ،
يسير من الموت جوعاً إلى الموت غدراً
تعانقُ فيها البلادُ هزائمها
والخليفةُ يحملُ منها المزيدَ من الأوْسِمه
وركضتُ وراء المدينة:
كانت تطاردني ، في الطريق إليها ، الكلاب
وكان الزحامُ شديداً على الدربِ ،
جيشُ الهزائم يعرض أوسمةَ الهاربينَ
وكانت حشود المساجين تَرْفلُ بالقيدِ
وهي تُصفِّق تلبية للأوامرِ
ناديتُ ، غطّى ضجيج الجياعِ ندائي
وكانوا يحيّونَ لافتة كتبت عن مجاعتهم
وصرختُ ، فكمّم جند الطغاة فمي
ثم أُعلن هدر دمي
أيها اللؤلؤُ العربيُّ
سيسرق كلٌّ مدينته ويخبئ فيها هواه
يحوّلها سجنه ، ويموت بظلمتها
فاصرخوا ، قبل أن يتكلّس سجن اللآليء قبراً على غدنا :
أيُّها الطاغيه
أنت ، لا الحاشيه
سبب المحنة الداميه
جاءَ طيفُ المدينة ، عانقته بالدموعْ
كانت الغربةُ العربيةُ تبدأ من ضفّة الجوع
والدمع يحتل ما ظل في فضلات الموائد من وطني
بعدما شبع الفاتحونْ
عانقتني المدينةُ ،
كانَ نداءٌ جريح يفيض من المقلتينْ
وفيها اغتراب فجيع تشبّث بي
قالَ لي : أنت قريتُنا
قالَ لي : ...
قلتُ : دعني
تحلّقَ شباب من الفقر صاروا لصوصاً
وصاروا من الهم جمعَ سكارى
فقلت: سلاماً لكنزي الثمينْ
رأيت الطفولة تحمل أضرحة
وتفتِّش عن ساهمٍ يشتري ورقَ اليانصيبِ
وعن دَرَجٍ لتنامَ عليه
فقلتُ: سلاماً لأبنائيَ المقبلينْ
رأيتُ الذي خَرَج الصبحَ يبحثُ عن خبز أطفاله
فقضى في الطريق اغتيالاً
أو اقتيد للسجن ،
قلت : سلاماً لوجهي الحزينْ
رأيت بلاداً تجوعُ وتنذر للحرب لقمتَها
ثم يأكلها الأغنياءْ
وتنذر للحرب أبناءَها
ثم يقتلها حاكموها
فقلتُ : سلاماً بلادي التي تتقيؤنا لاجئينْ
رأيتُ الحصارَ الذي ضاقَ حتى تجاوز حدَّ الكرامةِ والخبزِ
كان الطغاةُ يضنون عني بحقيّ في الحزنِ
حين أتت ضربة الغدر منهم ، وحطمتِ الرأسَ
ذقتُ قبيلَ التهاوي دمائي
فهنّأتُ رأسي التي لم تكن تعرف الإنحناء
أليسَ من العجائب أنّ مثلي يرى ما قلَّ ممتنعاً عليهِ
وتُؤْخذُ باسمه الدنيا جميعاً وما مِنْ ذاكَ شيءٌ في يديهِ
إليه تجمّع الأموالُ طراً ويمنعُ بعض ما يجبى عليهِ
جاءَ طيفُ المدينةِ يفضحُ سرَ انتمائي إليها
فصرتُ الوباءْ
وتجنّبني الأصدقاءْ
أحدٌ
أحد
أحد
سَقَطَ الأصدقاء
قطرةً
قطرةً
قطرةً
وتُركتَ وحيداً بقعر الإناء
ورقة
ورقة
ورقة
وتردَّد بعضهم ليلةً
ثم مالوا مع الريح حيث تميلْ
تُركتْ وحيداً وحيداً أجابه هذا الشتاءْ
وقَعَتْ بينهم عنزةٌ
فاشرأبّت خناجرُهم
ثم طالت أظافرُهم
أخذوا يطعنون
فصاغوا قناعا لغدر الأخوّة
مما نزفت ، ومما تبقّى بجسمي دماءْ
] حينَ تكالبَ حولي الحقدُ ، تتالى اللطمُ على وجهي المزرقِّ ،
امتلأتْ عيناي دماً وأنا أرفضُ أن أركعَ ، ثم ترنّحتُ ، مددتُ
يدي أبحث عن لمسة حب تسندني .. مَن منكم مدَّ يَدَه ؟
مَن منكم لم يتجنّبْ وجهي في ساعات الشدَّه ؟
مَن مِنْكم لم يَتَقَدَّمْ ليصافح كف مسيلمة
في أوّل أيام الردَّة ؟ [
حمّلتني المدينةُ شمساً ،
وحمّلني جُرْحها الكبرياءْ
أَرْهقتني المدينةُ بالحزنِ
طوبى لمن يَئسوا
ولمن يَجرؤون على النوم والحبِّ
طوبى لمن غافلته السعادة عن حَتْفه
لم يكنْ يَترقّبه بعد خطوته التاليه
مرَّ بي الدهر يوماً فيوماً
ولوّح لي بهزائمه العاريه
ثم مَرّت مدينتنا
بغتةً وأنا في الطريق إلى البيت، يُتعبُني الدربُ
تأتي إليّ وتسندني
بغتةً وأنا في ظلام اغترابي
تطلُّ وتلقي عليَّ السلامَ
وزائرتي كأنّ بها حياءً
فرشت لها الهزائم والمنافي
قيلَ لي: أنتَ تبقى هنا في المدينة
قلتُ: وأين المدينة
إني حملتُ المدينةَ وحدي وأنتم معي
تجهلون ملامِحَها
ودموع المدينة وَهْيَ تصيرُ دمي
إنني قد سرقتُ المدينةَ منكم
ورحتُ أطارد فيها
ويُنفى من المدن الناسُ
مَنْ سوف ينفي المدينةَ مِنّي
تُعذِّبني وَجَعاً
وتطاردني مثلَ ظلي
تفاجئني في المرايا وفي الواجهات خيالا
وتمنعني من قبول المخازي
تقود لساني إلى الكلمة القاتلة:
أيها الطاغيه
أنت ، والحاشيه
سبب الهجرة الآتيه
جعلوا حبنا مثل شيء يُهرَّب ،
يأتي إليَّ الطغاة
يصادر كلُّ دليلاً على حبنا
صادروهُ ، وكان التراب يُهرَّب عبرَ الحدود
وكانت حدود البلاد تلينْ
فتمتدُّ أو تتقلص مذعنةً
حسب ضغط العدو وضغط الطغاة
وتمرّ المدينةُ برقاً
أنا الشجَرَ العربيُّ الذي نسيَ الماءَ
أهتز جذراً وغصناً
دموع المدينة تجري كنهرٍ
رأيت المدينة والنهرَ
عانقتُ قريتَنا فيهما
وبكيت اغترابي
تدفق نهرٌ جديد من الفُقَراء
أيها الشَجَر العربيُّ الذي نسي الماءَ
جفَّ في الرمل غَرْس منىً
والعواصف تنقله وتهجّره
إنني أذرف الصبرَ حين أرى الريح تقبلُ
حاملة معها الهجرة الآتيه
فلنكن لؤلؤاً عربياً
ليسرق كلٌّ مدينته
ويعانق فيها هزائمه
ويحوِّلها سجنه
ويموت معي
وسط أمواجها العاتيه.
جنــــون
11-20-2011, 01:11 PM
[FONT="Microsoft Sans Serif"][SIZE="5"]ها هو الموت يأتي . خطاه على الأرصفه
وجهه سيفاجئ في العَطَفاتِ
وقد يشرئبّ من الأرغفه
ها هو الموت يأتي ..
تنفسه عند بابي ،
وفوق وجوه النيامْ
ها هو الموتُ يأتي .. انهضوا أيها الميتونْ
جاء موتٌ جديدْ
نابع بين حبل الوريد وبين الجبينْ
هادئ ، مختفٍ بين دفء الكرى والنعاسْ
ها هو الموت يأتي ، اطمئنوا ، اكشفوا موتكم
فالذي لا يموت قتالاً ،
صراخاً يموتُ ، وغدراً يموتُ ، وغيظاً يموتُ
يؤكل الموتُ ، يشربُ ، يلبسُ ، تغسل فيه الوجوهْ
يختفي في الهواء إذا ما قبعتم وراء البروجْ
أيها الميتون الذين دَفَنتم رؤوسكمُ في رمال الحياة
أيها الميتون .. سلاماً مميتاً
***
كل نَبعْ يُحاصَرُ ،
لم يبقَ للشرب إلا الدماءْ
من ضفاف المحيط إلى كربلاء
وحدنا فوق رَمْلِ البلاء هوينا ،
انتفخنا على الرمل حتى انفجرنا عفونه
والصبايا تلفّعنَ بالسبيِ ،
قيلَ : التجأن إلى السبيِ
قيلَ : سُبين ولم تختلف حولهن الظروفْ
قيل : جعنَ ، فلم تتحرك لجوع النساء السيوفْ
] حينما يشتهي الرجل امرأةً ، يشهر السيفَ حتى ينال الوَطَرْ [
قلن: ماذا سيفقدنا السبيُ
- ماذا تبقّى لجند العدو؟
- وفيمَ نخاف اغتصاب العَجَمْ
- أغريق يخاف البَلَلْ
- ما لجرح بميْت أَلَمْ
- مثِّلوا كيف شئتم بلحم الغَنَمْ
- تأكل الحرة الثدي إن جاع أبناؤها
- وإذا اغتصبت في قبيلتها
ما الذي ستفيد الحكمْ
ها هنا امرأةٌ أعلنت عهرها
فاستردّوا تهامسكم بالتُهَمْ
علقت سعرها فوقها قبر أخيها
وردَّت على الميتين الرداء
تركت للجناة الحياءْ
مدَّدت من سيوف القبائل تختاً
تمارس فيه البغاء
] كلما أصدر لي أمراً نفّذتُه بحذافيره ، إلى أن
أمرني : استرح . قلت : لا أستطيع [ .
إنني أول الميتين جهاراً
وآخر هذي السلاله
أتعرق موتاً ، وأُولد أُنثاي موتاً
وأبصر موتي ظلاماً ، وأبصره في البريقْ
جاء طوفان نوح ، وفُلْك القبائل لم تكتملْ
والجبال تغيضْ
ما الذي سوف تفعله وسط طوفان نوح البساله
مَن سيدفن مَن ؟ في الزحام البغيضْ
كلّنا وسط هذي الضلاله
وحده الموت يعرف وسط الركام الطريق
] نهرني بصوته الجهوري: "حين تسير أيها الحيوان
إرفع رأسك". حاولت فلم أستطع [ .
الملايين إذ تتقن القفز والبسمله
والتي زحفت سيل عزم تهلل
أوصلها الدرب للجلجله
وطيور تحوّم فوق الرؤوسْ
تأكل الخبزَ والأعين المُقْفَله
واحداً .. واحداً سقطوا :
ميِّتٌ ببكاء
ميت بشهيقٍ ، وآخر مات بحلو الغناء
ميت عند باب ، وآخر وسط الطريق ، وآخر فوق الرصيفْ
ميِّتٌ .. ميّت .. ميت .. لا قبور ولا ذكرياتْ
ميت في صفوف الجهاد وفي الردة الناكره
ميت من حراب الأعادي ، ومن أسرة غادره
ميت يتلقى الخناجر دون نزيفْ
ميّتٌ ... ... ...
سقط القلمُ الناقلُ السرَّ
جف اللسانُ على جمله ساحره
وهوى رأس آخر حيٍّ بهم
يَبِست في محياه ضحكته الساخره.
جنــــون
11-20-2011, 01:11 PM
[FONT="Microsoft Sans Serif"][SIZE="5"]ها هو الموت يأتي . خطاه على الأرصفه
وجهه سيفاجئ في العَطَفاتِ
وقد يشرئبّ من الأرغفه
ها هو الموت يأتي ..
تنفسه عند بابي ،
وفوق وجوه النيامْ
ها هو الموتُ يأتي .. انهضوا أيها الميتونْ
جاء موتٌ جديدْ
نابع بين حبل الوريد وبين الجبينْ
هادئ ، مختفٍ بين دفء الكرى والنعاسْ
ها هو الموت يأتي ، اطمئنوا ، اكشفوا موتكم
فالذي لا يموت قتالاً ،
صراخاً يموتُ ، وغدراً يموتُ ، وغيظاً يموتُ
يؤكل الموتُ ، يشربُ ، يلبسُ ، تغسل فيه الوجوهْ
يختفي في الهواء إذا ما قبعتم وراء البروجْ
أيها الميتون الذين دَفَنتم رؤوسكمُ في رمال الحياة
أيها الميتون .. سلاماً مميتاً
***
كل نَبعْ يُحاصَرُ ،
لم يبقَ للشرب إلا الدماءْ
من ضفاف المحيط إلى كربلاء
وحدنا فوق رَمْلِ البلاء هوينا ،
انتفخنا على الرمل حتى انفجرنا عفونه
والصبايا تلفّعنَ بالسبيِ ،
قيلَ : التجأن إلى السبيِ
قيلَ : سُبين ولم تختلف حولهن الظروفْ
قيل : جعنَ ، فلم تتحرك لجوع النساء السيوفْ
] حينما يشتهي الرجل امرأةً ، يشهر السيفَ حتى ينال الوَطَرْ [
قلن: ماذا سيفقدنا السبيُ
- ماذا تبقّى لجند العدو؟
- وفيمَ نخاف اغتصاب العَجَمْ
- أغريق يخاف البَلَلْ
- ما لجرح بميْت أَلَمْ
- مثِّلوا كيف شئتم بلحم الغَنَمْ
- تأكل الحرة الثدي إن جاع أبناؤها
- وإذا اغتصبت في قبيلتها
ما الذي ستفيد الحكمْ
ها هنا امرأةٌ أعلنت عهرها
فاستردّوا تهامسكم بالتُهَمْ
علقت سعرها فوقها قبر أخيها
وردَّت على الميتين الرداء
تركت للجناة الحياءْ
مدَّدت من سيوف القبائل تختاً
تمارس فيه البغاء
] كلما أصدر لي أمراً نفّذتُه بحذافيره ، إلى أن
أمرني : استرح . قلت : لا أستطيع [ .
إنني أول الميتين جهاراً
وآخر هذي السلاله
أتعرق موتاً ، وأُولد أُنثاي موتاً
وأبصر موتي ظلاماً ، وأبصره في البريقْ
جاء طوفان نوح ، وفُلْك القبائل لم تكتملْ
والجبال تغيضْ
ما الذي سوف تفعله وسط طوفان نوح البساله
مَن سيدفن مَن ؟ في الزحام البغيضْ
كلّنا وسط هذي الضلاله
وحده الموت يعرف وسط الركام الطريق
] نهرني بصوته الجهوري: "حين تسير أيها الحيوان
إرفع رأسك". حاولت فلم أستطع [ .
الملايين إذ تتقن القفز والبسمله
والتي زحفت سيل عزم تهلل
أوصلها الدرب للجلجله
وطيور تحوّم فوق الرؤوسْ
تأكل الخبزَ والأعين المُقْفَله
واحداً .. واحداً سقطوا :
ميِّتٌ ببكاء
ميت بشهيقٍ ، وآخر مات بحلو الغناء
ميت عند باب ، وآخر وسط الطريق ، وآخر فوق الرصيفْ
ميِّتٌ .. ميّت .. ميت .. لا قبور ولا ذكرياتْ
ميت في صفوف الجهاد وفي الردة الناكره
ميت من حراب الأعادي ، ومن أسرة غادره
ميت يتلقى الخناجر دون نزيفْ
ميّتٌ ... ... ...
سقط القلمُ الناقلُ السرَّ
جف اللسانُ على جمله ساحره
وهوى رأس آخر حيٍّ بهم
يَبِست في محياه ضحكته الساخره.
جنــــون
11-20-2011, 01:11 PM
مطرقاً كان يسيرْ
لم يكن يسمع إلا خطوتَه
نسمة الفجر أتتهُ ... فاقشعرْ
لم يكن يملك صوتاً
ولذا حين امتلا بالكلمات المُحرقه
حرَّك الزند فلم يفقدْ سوى بؤس الحياهْ
هوّم الصوت الذي ضيعه عبر البلادْ
رفع الرأس إلى الفجر وتاهْ :
] مثل هذا الوقت نستيقظ من أجل الحصادْ
مثل هذا الوقت ألتفُّ شتاء باللحافْ
مهملاً فرض الصلاهْ
زوجتي تهرع كي تحلب ما ظلَّ لدينا من ضروعْ
مثل هذا الوقت ، من يدري إذا كان سيأتينا مَطَرْ
ما لنا نهتم للموسم ، والموسم قد أصبح جوعْ [
حينما أوصله التفكير للقمح اكفهرْ
حوله الجند يسيرون على وقع خطاه الموثقه
كان يمشي وحده للمشنقه
والذين اجتمعوا كانوا يُحبّونَ لِقاهْ
رُصفوا في جانب الدرب ففخرٌ أنهم يوماً رأوهْ
غير أن الفقراء المتعبينْ
لم يكونوا يملكون الآن إلا الصوت حتى يمنحوه
شهقوا .. فانتقل الصوت إليه .. فرآهم ..فبكى
حينما أبصرهم في شهقة الفجر حيارى ساكتينْ
ورأى الموسم في أوجههم موسم حزن مُنْتَظَرْ
وسّع الخطو ، فصلَّ القيدُ حتى سَمِعوهْ
وأجابوه بأن صلصل كلٌّ قيده
ولكي لا يبصر الدمع الذي يخنقهم
حَوّلوا عنه الوجوهْ ....
جنــــون
11-20-2011, 01:11 PM
من أحرق السُفُنْ
قبلَ مجيء طارقْ ؟
وقبل أن تجيئنا البنادقْ
من أوصل النارَ إلى المُدُنْ ؟
الملايينُ كانت لديها الأماني
رَقَصت ذاتَ يومٍ بغير همومْ
بكت اليومَ إذ فاجأتها الجريمهْ
من تُرى أيقظ الأمة النائمه ؟
ما الذي ضيعت هذه الأمة الهائمه ؟
الملايين إذ صُعِقوا
عبّأوا ليل هذي الصحارى
فالرجال استفاقوا حيارى
والنساء ارتمينَ بغير عزيمه
لعنةٌ سقطت فوق أحزانهن القديمه
كل شيء هوى لاعقاًَ ما تبقّى من الغضبة العارمه
الخوف في العيون قابعٌ
ونحن في العراء
والرمل حولنا يغوضْ
ونحن نرفع العيون لا نرى السماءْ
لا غيث في المُزُنْ
والنار في السُفُنْ
تمتدُّ للمُدُنْ
الخوف وحده ملثماً يجوس بيننا
ونحن مطرقون
والمُدُن اليتيمةُ ارتمتْ
عارية مقتولة بلا كََفَن
وفي ضلوعنا تمرُّ خطوة الزَمَنْ
ونحن واقفونْ
ضَمدوا الحزنَ بالحزن ، والموتَ بالموتِ
هذا زمان عنيدْ
ضمدوا كل جرح بجرح جديدْ
وارقبوا خوف أن يغدر البرمكيُّ بنا
بعد موت الرشيدْ
لا ماءَ في المُدنْ
والنار في المُزُنْ
تهوي على السُفُنْ
مَرّت الرعشةُ فينا ، فانتبهنا
وابتدا كلٌّ يواري مقتله
أَفْلتَ الخوف من القيد اشرأبّا
وخشينا أن يرى الناس لدينا منزله
فتضاحكنا قليلاً .. واتكأنا
وصديقي ، قبل أن يكمل سرد النكتة المرتجله ،
مزقته قنبله
هذه وصمةٌ
قد دفنا رؤى طارقٍ بالهمومْ
كان سيفاً كسرناه فوق الصخورْ
هذه لعنة جلبتها إلينا السمومْ
لا نرى غير هذه الصقور ،
التي منذ جئنا تدورْ
لا ماءَ في البحارْ
والنار في السُفُنْ
تمتد للمُدُنْ
وطارق كالحلم طارْ
ولم تجئنا في غيابه المُزُنْ
قلتُ : أمضي ، وأترك خلفي الركامْ
قلتُ : أمضي ، كفاني عناداً فلستُ المسيحْ
الدروبُ استفاقت سيوفاً تفض الزحامْ
قلتُ: أمضي بعيداً ، فلا أَحَدٌ يسمع الصوتَ حولي
ووحدي أصيحْ
ليسَ هذا زماني.. من الغيظ للغيظ وحدي أطوفْ
قلتُ : أمضي فلا أبتغي من حياتي بطوله
ضيّعت هذه الأمة الوجه منذ الطفوله
جعتُ فيها ، وهم نهشوا كل جيفة حلمٍ قديمْ
أمة كَفّنت نفسها خشية الوهج عبر الحياهْ
أمة أدمنت موتها واستمرت رفاتْ
كل شيء لديها يموتْ
المنى والسيوفْ
والدموع الخبيئة ضمن البيوتْ
كل شيء لديها سكوتْ
صرخة الخوف والغيظ ، مثل ارتطام العظامْ
ترتمي كلها في الختام حطامْ
قلتُ أمضي .. ولكن!!
إلى أين وحدي أطوفْ
هذه أمة شخت فيها أسىً وهوى
هذه أمةٌ أدمنتني وأدمنتها ..
عذبتني وعذبّتها .
قوَّضتني وقوَّضتها
قلتُ أمضي .. فلم أقوَ حتى على الوقوفْ
ما تنفع البيارقْ
حين يجيء الجوعْ ؟
وحين تنصب المشانقْ
ما نفع هذه الدموعْ ؟
خبأوا الموتَ بين الصدورْ
ومضوا غيمة سائحة
غير ان الصقورْ
عرفتهم من الرائحه
لو أني أكلتُ على المائده
لقلت : قبضتُ الثَمَنْ
ولكنني حين جاء الطعامْ
وجدتُُ عظامي مع الوجبه البارده
وأطباقها ضمت اللحم مثل الدِمَنْ
تقلبتُ بين الملاعق ،
مُزِّقت في كلّ فمْ
وحين صرخت .. وجدتُ الصراخ
هو النغمة السائده
لا ضوءَ في المُدُنْ
لا غيث في المُزُنْ
والريح أهوت تَعَباً
قبل وصولها إلى السُفُنْ
مات جدي وأبي .. متُّ أنا .. ما عدت أدري
طرق الموت على الباب ، وحيّانا ، امتقعنا
وفرشنا مثلما تقضي الضيافه
ومع الفجر مضى يحمل شيئاً .. ربّما يحملني
كنتُ والموت أليفين ،
تعوَّدتُ وأطفال القرى الحضن الجميلا
كان يدنو .. يمسح الخوف بكف خشنه
ثم يمضي تاركاً فينا عويلا
حاملاً وجهاً عرفناه طويلا
فشبعنا منه موتاً
وألفناه ، عبثنا دونما خوف بشعر الشاربينْ
وعرفنا ما الذي تعنيه تلك الضحكات المتزنه
حين يرتدُّ إلينا سنة بعد سَنَهْ
تموت برداً وحدها المُدُنْ
والنار أضحت في الصواري
تشع ، تفضح الخواء في المُدُنْ
جاؤوا لكي ينال كل حصة من الجواري
والبرمكيُّ رابض .. في عينه وعيدْ
النار ورائي وأمامي
وأنا أتقلب بين جموع مذهوله
ووجوه لا يعرف واحدها الآخرْ
أعبر أجساداً جامدةً
وبوهج النار أراها مقتوله
والنار في الخنادقْ
وليس في أكفنا بنادقْ
ولم يعد إلى الجيوش طارقْ
لا تلوموه إذا مات ،
رأينا الموت في عينيه مذ كان جنينا
ولقد أثقله الهم سنينا
كان جسرَ البيت ، منهوكاً
ولكن كان جسر البيت وحدَه
وبه كنا يتامى وحيارى
وبه كنا حزانى أشقياء
لم نكن نتقن في حضرته إلا ادعاء الكبرياء
لا تلومونا إذا نحن بكينا
ألم البتر ، ولو كانت يداً شلاء ، يضني
كان جسر البيت ، كان العين للدمع
وشيطاناً لرجم الأتقياء
دمية للطفل كانْ
فارس الأحلام للعذراء ، ينبوع ملذات السكارى
لا تلوموه إذا مال وقد صار لكم متكأَ
منذ أن جاء رأيناه مسيحاً ويهوذا
ورأيناهُ سِراجا
فهجمنا صوبه سرب فراشْ
واحترقنا فيه حتى انطفأ
من أضرم النيران في السُفُنْ ؟
من قال: إنا تائهون في المُدُنْ ؟
فلتهجموا إلى المرافئ
فالغيث غادر المُزُنْ
ونحن قابعون في المخابيء
ما تنفع البيارقْ
حين يجيء الجوع؟
وحين تنصب المشانقْ
ما نفع هذه الدموع؟
خذوا حزنكم وارجعوا
خذوا العار والدمع والكبرياء
خذوها ابدأوا من جديدْ
ولا تجلسوا في البيوت انتظاراً لسيف القضاء
صرختُ طوال الحياة فلم تسمعوني ..
ولم أجن إلا العناء
محنةَ عَبرَتْ فبكينا من النيل حتى الشآمْ
هذه أمة خلعت موتها ،
فصَدَتْ موتها في جنازة طارقْ
حان وقت الفطامْ
في القبور استفاقت عظامْ
واكتست لحمها
فانتشت بالوعود الزنابقْ
ما تنفع البيارقْ
حين يجيء الجوعْ ؟
وحين تنصب المشانقْ
ما نفع هذه الدموعْ ؟
على الشط ماتوا عيوناً تنادي
على الشط ماتوا جياعاً
قضوا فقراء كما أقبلوا
قضوا في عروقي .. وهذي البلاد بلادي
على الشط ماتوا بصمت
فلا البحر يدري .. ولا الأرض تنهضْ
وأمواج هذي البحار تغطي الأنين
ويمتص ما سرقته الرياحُ ، ضجيجُ المزادْ
على الشط ماتوا وكنت أراهم
فلم يبق غير الرمادْ
خبأوا الموت بين الصدورْ
ومضوا غيمة سائحه
غير أن الطيور
كشفتهم من الرائحه
قبل ركوب البحر مات طارقْ
والنار جاءت في السُفُنْ
فلنتمسك بالشواطئ
لا بأس أن نموتْ
ونحن نرفع البيارقْ
ما تنفع البيارقْ
حين يجيء الجوعْ ؟
وحين تنصب المشانقْ
ما نفع هذه الدموعْ ؟
تنهض الصحراء بالموتى وتمشي
فارقبوها
وارقبوا الغصن الذي يخضرّ في أخشاب نعشي
تنهض الصحراء .. تمشي
كتلة الضوء اعترتنا
عندما اصطكت عظام الناس في فك العَدَمْ
تنهض الصحراء موتاً وحياة
رملها المجبول دمعاً ودماً
أقوى من الريح ومن فيض الألم
ما تنفع البيارقْ
حين يجيء الجوعْ ؟
وحين تنصب المشانقْ
ما نفع هذه الدموعْ ؟
جنــــون
11-20-2011, 01:12 PM
حين أتاني النبأُ الدامي في عَجَلهْ
لم أسألْ نفسي : مَن قَتَله ؟
فالأسئلة عن القاتل ماتتْ
منذ اختنق الأخوة تحت رداء من صمت في أيلولْ
وتعلّق عنقودُ نجومٍ بمشانق سوداء على النيلْ
منذ نضوب الماء من المُدُن العربيهْ
ورجال ، كالأشجار ، اقتُلعوا
وابتُلعوا في الرمل المتحرّكْ
غرقوا شبراً شبراً .. رجلاً رجلاً
ما مُدَّتْ لهمُ يدْ
لم يتحرك حولهمُ غير كلام كحبال يمتدْ
يتحول بعد الخنق رثاءً وأكاليلْ
وحصاراً من جوقات وطبولْ
وعلى مفترقات دروب الثورة
بين حقول الفلاحين
في الحارات المهجورة ، بين صفوف الشعب المعزولْ
يترصدنا القَتَلَهْ
ولذا لم أسأل نفسي يوماً :
من منهم سيكون القاتل ؟
بل كنت أقولْ :
من منا سيكون المقتولْ ؟
***
لم أبك عليه ، بكيت الوطن المشلولْ
وهو يعد فجائعه في صمتٍ
ويحولها مسبحة بلهاء
كنت وحيداً أنصت للأرض الخرساء
والأرض تئن وترمقني وَجلهْ
وأنا أحسبها خجله
***
منذ أتانا بسلالات الحزن المكبوتْ
كنت أرى آثار خطاه دماءْ
كنت أرى دمه يتصببُ من بحر الظلمات إلى بيروتْ
ومن البصرة حتى بيروتْ
والمُدُن العربية في الذل تموتْ
كنت أراه
يرفع رجلاً لا تبرح هذي الأرض الجرداء
محتقناً بالغضب الموقوتْ
أعرفه وطناً يبحث عن رَجُلٍ
رجلاً يبحث عن قبرٍ
مدناً تتهاوى تحت براكين الغُرَباء
وأراه نبياً يرفض رحلات الإسراء
***
هذا زمنٌ يتفجّر فيه الرعدُ من الأرضِ
وتهطلُ من غيم الثورة فيه الأشلاء
يصطكّ الجائع بالجوع ، فتبرق رايات الشُهَداء
هذا زمن صار الفقر بذاراً فيه ،
مواسمه قهر ودماء
هذا زمن الخيبات المتصله
والجثث المتناثرة من المدن إلى الصحراء
فيه يصير القبر هواء
ويصير الكفن دماء
ويصير عزاء الناس تألّق إسم قتيلْ
تلك علامات ظهور الفقراء
يأتون الأرض المنهوبه
وسلاح الآتي ليس سوى دمه
وبه في الساحات يصولْ
ويجيء القتل فلا يسأل أحد عن إسم القاتلْ
بل يسأل عن إسم المقتولْ
***
حين يغيب الوجه ، وتحسب صاحبه قد ماتْ
يتكسر غصن في غابات مشتعله
تصرخ أشلاء القتلى تطلب ماء أو ثأراً
فتجمد بين حلوق الندابين الأصواتْ
ويجيء الصوت الحامل رائحة الأمواتْ :
"ما دام الفقر هواء نتنفسه
لن ينقطع مجيء الفقراء ما دام الفقر لدينا مرضاً
ينقله الآباء إلى الأبناء
لن تنهينا الأيام السوداء المحتقنه
فلدى الفقراء رصاصات بيضاء للأيام السوداء
تصنع يوماً أطول من ألف سنه
ولديهم أحقاد مختزنه
تتفجر منها الأرض برعد آخرْ
ينطق متهماً قدام الجمع المذهولْ
يعلن أسماء القتله
وتعددها معه أشلاء المقتولْ"
جنــــون
11-20-2011, 01:12 PM
متمهلاً يمشي .. وخوف الناس في عينيه كالمبضعْ
وطحالبٌ في ضَفّتيه تمصُّ صرخته فلا يُسمعْ
متوجعاً ينسالُ ،
بردته تكنِّس أرض شارعنا من الضوضاء
يمتص أحزان الصغار ، ويشرب الأوجاعَ لا يَشْبَعْ
والصخر يهجر قاسيون إليه مندفعاً
يُشقق راحتيه على الضفاف ولا يَمسُّ الماء
يحمرّ وجه النهر في حَنَقً يسيرُ بدمعه مُتْرَعْ
فإلى متى تتيمّم الأشجار عند الضفة الخضراء ؟
والرمل يشرب منه لا يُروى
وفي بَطَر أتت تتوضأ الصحراء
يمضي .. بَجرُّ عنانَه قلق
ويلطمه على خديه ما ينمو من الأشواكْ
فيكمِّم الأمواج مذعوراً
يهدهد هامساً لينوِّم الأسماكْ
وعلى رمال القاع في حذر تحفّى
سال تحت المرجة الخرساء
ويرد ياقته على عينيه ، يخفي الوجهَ
نرقبه ولا تتحرك الأيدي تُودِّعه
وفي توديعه تتلكأ الأضواء
ويمسُّ أرض الغوطة الخجلى فيرتعشانْ
يتعانقان بلهفةٍ
ويراقبان ظلال أشجار الطريق
ليسرقا بعض الهوى أو يطفآ الأحزانْ
ويجوس فيها مولعاً ويصبُّ فيها كل طاقته فلا تَقْنَعْ
الخوف أضحى لهفة .. حطباً لنار التوق
حتى النارُ أضحت زادها ،
التهمت لهيبَ النار غوطتنا
فلم نبصر لحبهما لهيباً
لم نلاق دخانْ
وعلى تعرج أرضها استلقى أسىً
رمحاً بغير سنانْ
سيروح منها خاوياً ليصير مُسْتَنْقَعْ
يتباطأ المجرى ..
يعرّج خطوه صوب الظلال
وينثني إعياء
الرمل بعد حدودها يَلْمَعْْ
وبراثن الصحراء لا تغفو
وفي شبق للقياهْ
بدت تتلمظ الرمضاء
***
كانت له ذكرى وذاكرة
وكان لديه ما يكفي من الإيمانْ
في الشعر غرَّدَ مُدْنفاً
فجرى وصفّق باسماً
لاقى الضيوف وأنزل الركبانْ
بدأ الحياة بقفزة نحو الحياةِ
ومرَّ بين الصخر كي يَرْضَعْ
ومضى ليلهوَ في السهوبِ
كما انثنى ليداعب الوديانْ
التربة الحمراء أولدها جناناً
أولد الصحراء حُوراً
عبّأ الأفياءَ بالولدانْ
لكنها ذكرى وذاكرة بلا أسماء
فلقد تراكم غيظه ..
لما تداوله جنون بنيه والأعداء
قفز الضفاف محاذراً بقميصه الممسوك بالأسنانْْ
ومضى إلى سوق المدينة وحده نزقاً
يكسِّر ما يصادفه ،
ويحرق ما يصادفه بلا حسبانْ
يجري وصفّارات بوليس المدينة خلفه
وسلالم الإطفاء
ليعاد مخفوراً إلى المجرى
***
متمهلاً يمضي .. وقد أضحى بلا طاقه
متمهلاً والدمع محقون بعينيه
طعنوه مراتً فلم يُصرعْ
قسموه سبعة أنهر
في كل نهر عذّبوه ،
وجرّحوا بالحقد خديه
قلعوا أظافره ، وما تركوا على كفٍّ له إصْبَعْ
فصدوا دماه وأبعدوها
غيّروا عينيه ،
لموا منه سحنته وأوراقَهْ
في كل مجرىً جفّفوه ، وجرّبوا بالسر إحراقَهْ
حقنوه بالأقذار ، دسّوا فيه ذاكرة بلا ذكرى
دسّوا عليه هوية أخرى
قنّوه في باحاتهم
وتسامروا ليلاً على أنّاته
غسلوا به الأقدام والمخدَعْ
وتداولوه فقطّعوه وأرجعوا الأشلاء للمجرى
فبكى قليلاً
لو رموه إلى الظلام مكبلاً لم يرتجف ذعراً
لو سلّموه لبائس يَزْرَعْ
لو أنّهم تركوه في الصحراء أخصبها
وأنبتها نخيلاً .. أوجهاً سمرا
لو أهملوه ، لشقَّ درباً حيثما يبغي
لأمرع في الصحارى جنة خضرا
لو شغّلوه بقسوةً
لم يبكهم
لم يرتجف بالقهر كالأسرى
لكنه حمل الدموع ، وسار في صمت
وفاجأهم بأن الماء لم يُصرَع
وجرى إلى الصحراء يخبرها
بأن النهر قد يدمى وقد يُقطَعْ
قد يستحيل بحيرةً
قد يستحيل سحابةً
قد يلتوي قهراً
لكن هذا النهر ، إذ عشقته أرض الشام
أو حضنته غوطتها
فلن يَخْضَعْ
قد ينحني إن مرت الأنوار تصفعه
لكنه إذ ينحني
حتى يمسَّ الأرض
لا يركعْ
جنــــون
11-20-2011, 01:12 PM
هذه النار ليست لتدفئني
إنها خدعة الكهرباء
وهذا الضجيج يقطّر في القلب حزناً عريقاً
ولا يدفئ العاريَ العربيَّ
ولا يطعم الجائعَ العربيَّ
وأنتِ معي
أنتِ ترتعدين معي
من ترى سوف يمنحنا غير هذا الضجيج
إن لون الدماء جميلٌ ، ولكن جرحي بليغ
ولون الدموع صفاء
ولكن عينيك إذ تبكيان تصيران جارحتين
وأنتِ معي
أنتِ نبضٌ من الدمع والجوع والزمهرير
وأنا أتخبط بين بلادي وبينك مثل الضرير
وأنا عاجز عنكما
حلمي فيكما صار أكبر مني
وهذي العيون التي لا تنام
العيون التي أقلقتني
مذ انفجرت من محاجرها في المعارك
صارت تجردني من جموحي
أظل صغيراً على الحلم والعشق
أُتقن وحدي الذبول
وبي غصة الطفل حين يواجه صبحاً مطيراً
ويقلق ملء جوانحه الزغب من رهبة الليل
أو من تجهم وجه الكبير
دثريني بعينيك ، إن العيون تطاردني
الحزن كان ضباباً ، وصار صواعق
هذا الخواء يعبئني
منذ كنا صبيين نركض نحو الدماء
وكنتِ معي
ثم جاءت إلينا العيون الشهيدة
فاستوقفتنا
ومرت ولم تلتفت
تركتنا معاً خائبين أمام السرير
كل يوم تفاجئني أعين الشهداء
وتفضح صمتيَ في موتها
وبلادي تناءت
أُنادي: تعالي وهاتي البلاد
فتأتين كي تصبحي في اللقاء امرأه
وأنا أبتغي امرأة تحتويني بلاداً
وتبعد عني وميض العيون الشهيدة
لا تستحيل إذا ما التقينا امرأه
فدمشق تصير معي امرأة
غير أن دمشقَ النساءُ اللواتي اشتُهينَ
النساء اللواتي يصرن المحالْ
ودمشق بكت في الظلام ،
سمعتُ النشيجَ
استرقتُ إلى الحزنِ
كانت مكورة تشتكي
وتئن مع الفقراء
وتنع تلك العيون لنا نصباً
وهي تحمل أبناءها الشهداء
وتأبى إراحتهم في القبورِ
وتأبى انتهاء احتضارهمو
جفّتِ الزغردات التي أُطلقت في الجنائزِِ
مذ أقبلت أعين الشهداءِ
وصاحت : "لماذا قتلنا؟"
مذ اختنقت بالدموع الحناجرُ
جاءت صراخاً يهز السماء فتهتزُّ
مثل الذي يُسْلم الروحَ
والشهداء يطلون عبر التوابيتِ
يُحتَضَرون ..
تصير شهادتهم ميتةً
واحتضاراً يطولُ
انتهى زمن الزغردات
وجاء زمن البكاء
تلك رعشتهم تستمر سنينَ
وتصبح كالكهرباءِ.
تضيءُ بيوت دمشق ، تدير معاملها
وتزيد مرابح تجارها
والمصابيح تسطع وهج شهادة تلك العيونِ
التي حاصرتني ، مذ امتلأت بالضياءِ
ولم تعترف بالفناءِ
ولم تقبل الإرتخاءْ
أقبلت أعين الشهداء لليل دمشق
ودقت بيوت النيام
وطافت بكل الحواري تنادي
فجمّعتِ الخلق في ساحة
ثم قالت لهم:
"إشهدوا .
لم نمت أمسِ ، كنا نعيش بكم
إشهدوا .
إننا الآن فيكم نموتُ
خناجركم قتلت
وحناجركم قتلت
نحن منكم براءٌ ،
ألا فاشهدوا .
كلكم قاتل بيدٍ
بلسانٍ
بقلبٍ
أتينا نموت أمام الشهود الجناةِ ،
ادفنونا
يحق لنا أننا نستريحُ
انثرونا على الأفقِ
نحن شهود عليكم
تضيق القبور بنا
أبتِ الأرضُ أن تحتوينا
وقالت: لكم أهلكم فارجعوا نحوهم
ولْتلاقوا بهم مستراً
كل صدر تنفس بعد الفجيعة
صار ضريحاً لنا
فافتحوا أيها الأهل هذي الصدور لنا أضرحه"
أين نهرب وسط دمشق من الصوت والضوءِ
كيف انتقتني العيون الشهيدةُ
كيف أُحيلت إليّ العيون الشهيدةُ
كيف أهرّب حباً لنا في زحام العيونِ
وهذي دمشق تطارد بالشهداء
وتفضح سر الزوايا الخفيةِ
حين تسلط ضوء دم يتصبّب عبر الجبالِ
تحمّل رائحة الدم للريحِ
فاجعة الجرح للرعد
شهقة محتضر لابتسامة برق
نجومُ دمشق عيون
تصيح وتهتز فوق مزاد
يبيع دماء الشهيد
وعدةَ حرب الشهيد
وبذلتَه
ووصيتَه
آخر الكلمات التي قالها
قبل أن يُسلم الروح وهو يسفُّ التراب
ودمشق ، التي واعدت دم أبنائها حيث لا يقبلون
وجاؤوا إلى حيث لا يلتقون بها ،
ترتمي وهي تصرخ مفجوعة
تتلفت حين يفاجئها في الصباح الدويُّ
فتجهضنا عاشقين استظلا بروح شهيدٍ
وتفضحنا حين تبزغ من جبهتينا
أنا ، في دمشق ، دمشق
بثكل دمشق ، ويتم دمشق
يجيء إليّ اليتامى الصغار
] الصغار يجيئون لا يخجلون
ولا يتقنون مراعاة هذي الظروف [
يسدون أُفقي ،
يضيق بيَ الحبُّ ، ثم أضيق به كالضباب
أُريد صديقي
- أكان صديقك بين الشبابِ
ولا تحسبن الذين ...
تدفق وجه صديقي
] تدفق دون حياء ودون مراعاة هذي الظروف [
أتمتم شيئاً خجولاً لأدفع تهمته
وأُبلل وجه صديقي بكأسي
وأرشفه في شرابي
فينزف عبر جبيني
يفاجئني دمه عالقاً في ثيابي
يفاجئني عمره هارباً من شبابي
أبعدي وجهه عن ضميري فلست بقاتله
ليس ذنبي إذا عشتُ حتى المزادِ
أنا ، مثله ، سلعة حملت دمها العربيَّ إلى السوقِ
قولي له عن لصوص الدماء
وعمن أتوا يخدعون الدموع
ويلقون أوزارهم في ترابي
دثريني ...
فهذي الحشود قبورٌ
وهذا الضجيج خواءٌ
به لهب قارس
شغب صامت
ليس حبك دفئاً
فعيناك تحتجزان دمي
والعيون الشهيدة تومئ لي منهما
ودماء القتيل تشد حنيني إلى وجهه
وأنا خائف مثل ماء يراق على الرمل
وجه صديقي تبدّى كرعدة لوم
فجئت إلى بيته مستدلاً بنهر العويلْ
كنت أعرف وسط الجدار له صورةً
حين كنا صغاراً تحيرنا مقلتاه
وكان يرانا ونحن بحضرتها نتهرب
كنا نزوغ
وننزل .. نصعد .. نجري هنا وهناك
وكان يرانا
] تعالي معي
كنتِ مثلي تهابين عينيه [
سوف يرانا على الباب كل الحياة التي غاب عنها
سيشهق ثم يموت
ويشهق ثم يموت
ويشهق ثم يموت
وعيناه شاهدتان تطلان من صورة في الجدار
وعبر تهدج صوت عجوز
تعانقني وهي تنشجه
وتكلمني وهي تشهقه
سيراني
فعيناه مزروعتان مع القمح والعشب والشجرِ ،
القريةُ الآن ترزح
من يتجرأ أن يتملى جمال البساتينِ ؟
إن البساتين عيناه
قريتنا تتحرك فاقدة وجهه مثل مجهضةٍ
فالسنابل تمتد شاخصة
والمناجل تقطع سيقانها
غير أن العيون تصير بيادر
تُنقل قمحاً لكل البيوتِ
الليالي تجيء من الظهر
كي تغمض الأعين المشرئبة من شجر الحقلِ
لكن عينيه تنفجران نجوماً
وتُغْرِق وسط حصار العيون البيوتَ
فتقلق ثكلى تغص بلقمتها
لم تصدق بأن فتاها يموتُ
وظنت شهادته زغردات
وتدرك من طعم لقمتها أنه ماتَ
قريتنا تتحرك صامتة
ويلف الحزانى سؤالاً بهيئة طفل
تساءل: ما الموت ؟
ثم تشهاه سراً
تساءل : أين أبي ؟
ولماذا يموت ؟
فيأمره أهله بالسكوتْ
يرزح الثاكلون ، وتأتلق الأعينُ – الأنجمُ الشاخصاتُ
ويخفي الحزانى الجراحَ الجديدة في الكبرياءِ
إذا أبصروا دمه في المزاد
وجثتَه تحت أرجل أخصامه ومحبيه
روحُ الشهيد بهم تتطاير أسئلة
كيف ، بعد الممات ، تضيق القبورُ ؟
وبعد البيوت تضيق الصدورُ ؟
وبعد الحياة يضيقُ المماتُ ؟
فأين تلاقين واحة عشق لنا
في دمشق يموت السقاةُ
ويأتي سقاة القرى ليموتوا
وينتظر الشاربون أمام المقابر موتاً جديداً
يموت المغني ويحتضر السامعونَ
ونحن نلوذ بحب يلوذ بنا
فيفاجئنا وجهه المستحيلْ
وأنا ون ولولةٍ أحمل الآن وجه صديقي
الذي ارتجَّ حين انتهى زاده وذخيرته
ثم نادى ولم يسمعوه
ونادى ولم يسعفوه
فقاتل حتى ... ولا تحسبن
فحوكمت البندقية عنه
* ولا تحسبن الذي قتل الأمس كان شهيداً
- صديقي ؟
* صديقك هذا غبيٌّ
قضى دون أن يتعلم
أن النخاسة عصر
وأن المجاعة صارت هويته
وأطل صديقي فجفّف هذا الكلام
شهادته بين عينيه
وحدي رأيت الشهادة ذابلةً
مات بالحزن والوحشة الأبدية
مات وعيناه في نخلة ظنها امرأة عاريه
وأطل بنظرته ...
كان يشكو مجاعته للرغيف ، ولا امرأة
وللمستكِ الحانية
كان – أذكره –
كلما ضاق في وجهه الدهرُ
وامتلأ الصدر أسئلة قاسيه
ساءل السعفَ عن حزنه وارتخاء اليدين
النواعيرَ عن سر هذا الأنين
المواويلَ كيف تخزّن هذي الدموع له
وتفجِّر هذا العذاب به
وسط غربته الضاريه
ظامئاً كان ...
بلّل حنجرة القهر بالآه والآخ
ليّن قسوة أضلاعه برباب وأوف ..
ولا تحسبنَّ الذي انفجر الدمع من وجنتيه حزيناً
ولا تحسبنَّ الذي غمر الدم عينيه صار شهيداً
ولا تحسبنَّ الرصاص الذي أمروه علامة حرب
هي الخدعة العربيةُ
تذهل مرضعة عن رضيع
ترى الناس صاروا سكارى وما هم سكارى
ترى الناس ينسون طعنة غدر أتتهم صباحاً
وحين رأوا الدم ظهراً تولّوا حيارى
فلا تحسبن .. ولا تحسبن
ولا تحسبن ضجيج المزاد قتالاًَ
دم الأضحيات يراق لكي يتبارك في السوق
جمع الصيارفة الطيبين
فلا تحسبن
ولا تحسبي أنني عاشق
غربتي الريح ، والأرض راكضةٌ
كيف أُوقف قلبي على امرأة رجفت
في البلاد التي تتأرجح نازفةً
والتي تتخبط غارقة في دم الشهداءِ
أنا لستُ إلا غريباً
وغربته بدأت منذ أن صار للأبجدية معنى ومعنى
وصار الشهيدُ الضحيةَ
صار الرصاص علامة موت وبدء زفافٍ
] وفي حفلة العرس أطلق شارة سر
تنادي العدو إلى البيتِ [
شيء بقلبي نما في فلسطينَ
صار الرصاص بحوزتنا قاتلاً لفلسطينَ
لا تحسبنَ فلسطينَ بعد الحرب تظل فلسطين
بعد الحروب تبدّل موقعها
ابتدأت بدم ، ثم صارت قميصاً
فقبعة
فحذاء
فآثار خطو على الرمل
ذاكرة
فحكاية طفلٍ
فلعبة نرد
فسلعة سوقٍ
طريقاً إلى جسدٍ
] ولنا ذلك السد يمنعني عنك [
إن فلسطين ، من جيلنا ،
طفلة كبرت في الهموم التي فاجأتنا صغاراً
وجاءت فلسطين نحو القرى كلمة في كتابٍ
وأهل القرى يجهلون القراءة
جاءت غناء وهم يطلبون الرغيف
فكيف يموت الجياع فداء لأغنية ؟
وفلسطين عمرٌ لنا وملامح وجه وعشق
فكيف سنعشق في غيبة العشق
إن زمان فلسطين يظهر فينا ندوباً
مذ اتسعت سوقهم وازدحمنا
وضاقت بنا الأرض
وامتلأت مقلتاك دموعاً
فما عاد لي فيهما نظرة
لم يعد في بلادك متسع لفقير محب
أو امرأة عاشقه
إنها اللحظة الخانقه
***
فاتحة
..
أقبل الصيرفيُّ اشترى من أهالي البلادِ الدماءَ ، وصافح
بالدم خنجر خصم بأن لنا جنة الخلد ، والجنةُ الخلدُ
يرسو عليها المزادُ ويربحها الأغنياء ، وتبقى فلسطين
تسهر في أعين الشهداء التي تتجول في الليل كالكهرباء
***
فتعالي لنهرب نحو .. "ولا تحسبن"
فعيناه فينا
ونحن ، على الأرض ،
عاشقة أقبلت نحو عاشقها
من زمان فلسطين
حين اعتنقنا
وأطلقتُ فيك الجنينَ الشريدَ
أطلت فلسطين
وسط جبين الوليد
علامته الفارقه
جنــــون
11-20-2011, 01:12 PM
حين كانت معنا في البيت
كان البيت مكتظاً بأحلام وضحكات،
وكنا عندها نلهو كأطفال تغاويهم لُعَبْ
حين كانت وحدها في الليل،
كان العتم مرآة،
وفيها أبصرتْ في وجهها
بعض غضون من تعبْ
تعبت منا،
ومن يقظتها دوماً علينا
فارتأت أن تستريح.
تعبت من جسد
تجهدها فيه الشرايين التي صارت
حطب
خرجت من جسد أرهقها
أو أرهقته
غادرته كمسيح
تركته في فراش ساخن،
تركته في فراش حن في يوم عليها
وانتحب
فأراحته من الإصغاء
في هذا الصخب
وارتقت في سقفنا ترمقه في العتم،
كي تعتقه منها..
استراحت..
فتراخت
مثلما لو أنها نشوى،
وواتاها الطرب
كان يكفي
أنها قد حسّنت طعم حياة رائبة
ثم يكفي
أن ترى فينا هناء
ورجوعاً لسعادات تولت هاربة
أن ترى في عمرنا طعماً لتبقى ذائبة
قطرة من عسل في الكأس
نحسوها ولا نبصرها
لكن طعما فينا
وإن كانت ستبدو غائبة
إنها ضوء تعودناه صبحاً..
وتعودنا على تحنانها حين تواري عاتبة
***
هي في ذاك الفراش
وهي في ضوء المكان
وهي كانت تعبه
وحدها تهمس: لا..
لا تندبوني..
إنها تنهيدة الصفو
لعلي سأرى
وجه ربي في الكرى.
***
غير أن الكل كانوا انشغلوا عنها بها
وأحاط الجوّ في البيت طنين الجلبة.
بدأوا بالغسيل والتكفين والدفن
وبالإقرار أن الموت
قد صارت إليه الغلبة.
خرجوا
بالجسد المرهق
ظلت في
فراغ البيت
تحنو غاليه.
***
ورأتنا كلنا
نخرج في شبه جنازه
قلبها مشتعل
مثل حريق في مفازة
وحدها تسأل نبضاً في هواء:
ما الذي يجعل من قلب حبيبي
وتراً يهتز في شبه أنين
وقفيراً من حنين؟
ما الذي دوخ فتياناً،
وخلى عين هذي البنت
تبكي نادبة
ما الذي يُخرجه الأهل من البيت؟
***
خرجنا كلنا..
ظلت قليلا وحدها
تحرس الصمت الحزين
بقيت مفروشة وسط هواء البيت،
***
ترنو شاحبة.
نهدة تفلت منها:
أستطيع الآن أن أرتاح،
لولا أنهم يبكون
ها قد تركوا خلفهم الصبر الجميلا
قد تخلصت من الجسم،
وكان الجسم في الهم ثقيلاً
وأطلت نحو فوضى البيت،
قالت:
وسّخوا الدنيا،
المعزون تغاضوا عن لفافات التعازي
ومناديل البكاء
ملأت فوضاهم البيت
وهذا الوحل فوق العتبة
سيعودون
ويأتي معهم بعض الضيوف الغرباء
إن هذا واجب الضيف،
ولن يعذر أن يبصر فوضى البيت
حتى في العزاء
هذه القهوة لا بد بأن تبقى على النار،
حبيبي،
أنا ما اعتدت بأن أهمل،
ألقى عبته.
وإذا ما الضيف لم يرتح فقد يشغل فيه
غضبه
ما الذي يعني لهذا الضيف أني تعبه؟
***
وضعت ماء على النار سريعاً،
أمسكت ممسحة مألوفة،
أمسكت مكنسة
وقفت قدام مجلاها
وخافت أن يعودوا قبل أن تنهي
بقايا شغلها في البيت،
تنظيف أساها
رسمت في وجهها بسمتها
كي لا يتبدى في المحيا
أنها مضطربة.
أنهت الشغل،
وحلت بين ورد البيت،
في الأصّ الذي
لم تنس أن تسقيه كل صباح
حين عادوا
وجدوها وردة مفتوحة العينين في الأص الوحيد
ورأوا ما ظنه الناس زوايا خاوية
شمشموا الوردة،
شالوا ضوعها في الروح
صارت سرهم مثل خمور
تنطوي في دالية
جسد ووري في اللحد
وظلت دفأنا في البرد
صارت نسمة عبر ليالي الصيف
ظلت في سماها عالية.
جنــــون
11-20-2011, 01:13 PM
تقبلين من الفرح المرتجى
تقبلين من الفرح المستحيل
وتأتين كالضوء من عصبي
تطلعين من القلب
ينكشف العمر في عريه
هيكلاً من عظام الأماني
وزوبعة من شقاءْ
تكشفين قصوري عن الحب
بعدي عن الله
عجزي عن الحلم والذكريات
تجيئين ملء القلوب العريقة
ملء العيون العتيقة
لم تتركي فسحة للرغائب واللهو
لم تتركي خفقة للّقاءْ
غربتي كشفت وجهها
فرأيتك كل الذي مرمر القلب
لم أتحمل دفاعاً عن العشق
أو عن طفولتنا
ورأيتك:
لم يضطهدني الطغاة لرأي
ولم يأت خلفي الغزاة لأرض
ولم تجرح القلب في لوعة هجرة الأصدقاءْ
كنتِ خلف التوجع والدمع
في الخوف كنتِ.. وكنتِ الشقاءْ
ولكي أتقرب منك
لكي أتلمس نبضك
أو أتقرى ابتسامة عينيك
كابدت هذا العناءْ
فضحتني الدموع التي صبغت ذكرياتي
ودمعيَ غالٍ
تعملت كيف استوى الدمع بالدم
أعبد من سفح الدمع والدم كرمى لها
فضح الدم حقدي
فلا عفو عمن أباحوا دمائي
ولا عفو عمن أباحوا البكاءْ
قلت: قلبيَ يقفز
ينذر بالشر
قلبي تعلق مرتعداً
عند أول هذا السواد
الذي يملأ الأفق
قلت: جبيني على وشك الإنكفاءْ
والعواصف إذ تعتريني تبددني
وأنا أتماسك في ذكرياتك
هَدَّأتني
لم تكن غيمة تتجمع سوداء في الغرب
كي ترتمي مطراً
فالغيوم التي اعتدتها أصبحت ناشفه
والرياح استكانت
فلم تأتنا نذر العاصفه
قلتِ لي:
إنها الطير
في رهبة الأفق سوداء
والناس ترقبها
أقبلت كالشحوب الذي يعتريني
إذا ما ارتعدتِ على ذكرهم نازفه
ما الذي سوف يأتي؟
ترنحتُ.. أمسكتِني
وتوجعتُ.. أسكنتِني
واندحرتُ.. فأرجعتِني
كانت الطير في رهبة الأفق سوداءَ
جاءت كعتم يفاجئ عند الظهيرةِ
غطت سماءَ المدينة
واصطدم الخلق بالخلق
فالضوء يسودُّ
والقلب يسودُّ
والمدن المتسعيذة مشلولة واقفه
وصلت زعقة
وتلاها عويل
تغير نبض السماءْ
ذهل الخلق
وابتدأتْ هجماتُ الطيور
وراحت مناقيرها تنتقي في الزحام
فرائسها الراجفه
خفت ملء عظامي وأوردتي
أقبلت هجرة راودتني
هممت بها
غير أني رأيتك،
قلت: معاذَ هوانا
رجعت أسلّم عمري
وأخلع خوفي
أواجه نبض نهايتنا
خفت أن تفقديني
وخفت إذا شدني الخوف صوب الأمان
إذا لفني الذعر بين المنافي
بأن لا ألاقيكِ عند المساءْ
حينما شبَّ بين القلوب هروبٌ
تشبثت باسمكِ
أطبقت قلبي على نظرتيك
لأجلك أبقى
وتطبق حولي مصيدة الطير
أبقى لديكِ
ولستِ معي
أتمسك بالبرق من ذكرياتك في حلكي
أتعلق بالماء، يندفع السيل
أنشدّ للضوء، يندلع الليل
أنشدّ نحو التراب، يثور العجاج
بلاد تفور
وأخرى تغور
وشمس تغيب وراء الطيور
أطارد خيط شعاع
تسرب ما بين طير وطير
وأغمض عينيّ
ألقي بنفسيَ ما بين عينيك
علّي ألامس نبضاً من العاطفه
تترامى حواليّ نظرات ذعر
تشتّت جمع تراخى على دفء ذاك الصباح
وتاه الذين استراحوا على خوفنا
اتسعت للسيول البراري
فجاءت تعربد فيهم مبدّدةً جارفه
فزع البعض للحلم:
فالطير تأكل خبز الرؤوس
استعاذ التقي بأربابه:
تلك من غامض العلم
قال الجياع:
ذنوبٌ تطارِدُ
قال الجناة:
انفروا،
تلك طير أبابيل
ثم انطوى الأثرياء على نهبهم
وانطوى الفقراء على جوعهم
يلهثون عياءْ
أستميحك دمعة حزن
أنا كنت حذرتهم
قلت: لا توقظوا طير هذا الزمان
البراءة ليست بجوع قديم
وليست بخوف قديم
ولكنهم سرقوا كلماتي
رموني بها
كلما شئت أن أتذمر
واجهت شكواي فوق شفاه اللصوص
وإن شئت أن أتوجع
تسبقني صرخاتي من الطغمة السالفه
قلت: أرقبهم شامتاً
فالطيور التي أيقظوها تمزقهم
والذنوب التي أدمنوها تطاردهم
رحت أرقب من جندلته الطيور
ولكنني كنت أرقب مقتله شامتاً
والبقيةُ مندهشون
يراؤون أن ذهلوا
حينما انفرز الخلق طائفة طائفه
وأنا أتساءل في حرقتي:
ما الذي كان يمنع أن يتحول جوعي إلى طائفه؟!
ما الذي منع الفقر أن يتجول للبحث عن وجهه
في القرى والحواري
وبين ضجيج المصانع
مَن شاغل الجائعين عن التخمة الهمجية؟
مَن صدهم عن صراخ تقال به التهمة الأبدية:
" ما أشبع المتخمين سوى جوعنا."
مِن أولي الأمر جاءت قوائمنا:
نحن للحرب
تبقى الدكاكين للباعة
السجن للمتوجع
كيف تكون القصور لهم
وتعشّش فيها الطيور
تهيج الطيور التي أطلقوها
وتنقضُّ تخطئهم
وتصيب مقاتلنا؟
ويباغتني الله في نعمة
تنتقي صفوة القوم
كيف أصدق أن لدى الله نبع حنان
ولا يتطلع يوماً إلى قهرنا؟
لا يرى البشر الساكنين زرائب؟
والآكلاتِ بأثدائهن بلا شبع
حيث صنعة عهر
أمانٌ من الفقر
والموتُ جوعاً
وكيف تغافل كي لا يرى الآكلين النفايات
في مدن من مناسف
لا يسند القلب في ضعفه
تحت عبء الهموم
إلهي الذي قيل لي إنه صاغني مثله
كنت أرغب لو صغته شبهي
كنت أسكنته وطناً
يتفنن كيف سيبكيه في كل يوم
يشكّك في خلقه
ويطالبه أن يصفق للظلم
يجبره أن يحب العدو
وأن يتقلص خوفاً أمام الجنود
وأن يتجاهل كيف تضيق عليه الحدود
وكنت أطالبه أن يحب بلاداً تجاهره كرهها
ثم تمنعه لقمة بكرامته
وأطالبه أن يحب بلاداً تفاخره عريها
فتبارك هذا الإله
الذي كان ييرفض أن يتمرغ في عيشنا
لم يكن يتقن اللعب فوق المزابل
لم يعرف السير في قسوة الوعر
لم يعرف النوع جوعاً
ولم يعطنا ما يواجه هذا البلاءْ
ها هو الله يأتي أخيراً
على هيئة الطير
ينقر أرواحنا
كيف لم نره أمس
حين قضينا طوى ليلة نتضور
كيف توارى عن الحلم
لم يأت في لقمة أو رغيف
وكيف مضى دون أن نتعلم
كيف نصفّي الحساب
وأمسكتِني
قلتِ لي: الله يرزق
يجزي الثواب لعبد صبور
ولكنه الله أنسى بنيه العقاب
فلا تحسبيه علينا
ولا تحسبينا عليه
ابحثي عن سماء بها الله
فالله لم يتحدر إلى الأرض
أو فابحثي عنه في وصفه:
لم يكن غير رب غني
فروحي إلى الأغنياء تريه
لقد أيقظوا فتنة تفلق القلب
صاغوه فيها رصاصاً
ودارت حواليهمُ غابة
لم تكن غير أعناق أموالهم
فإلى أي رب سيلجأ أبناؤه الفقراءْ؟
أتظل الحياة الشحيحة فيهم
تقطر محسوبة بالدقائق حتى تجف
إذا انقضت الطير في زعقة خاطفه؟
أتلفت نحو بلادي.. وأجهش
ما همني سمع الله هذا النشيج إذن؟
أم تصامم؟
إن كان لا يتنازل أن يمسح الدمع
أو أن يهدئ في ليلة وجعي
أتلفت نحو بلادي.. وأجهش:
كانت بلاديَ ملأى بزغردة وزهور وماء
وكانت بلاديَ ملأى بنا
كان قلبيَ ملآن بالأمل الطفل:
أن يتحول جوعي إلى طائفه.
منعوه
وقد أيقظوا قبل وعيي الطيور
وكانت تحصنهم دون علمي القصور
وطولب أطفالنا أن يسيحوا الدماء
راحت الطير تزعق
راحت تحلق حتى تذوب مع العتم
تنقض صاعقة
والعراة الحفاة ينخّهخم ذنب أسيادهم
يتلمّس كلٌّ على رأسه
يتجمع والذعر يدفعه نحو مقبرة
ويضيع الأمان
فيبرق شكٌّ على كل وجه
يهيم المطاردَ
يطلب ملجأه في السجون
ويسطع خوف من الأعين الحمر
يركض في كل قلب وجيب
فلا قفص الصدر يحمي
ولا الحرس الهمجي
ولا صلوات الدعاءْ
سألوا الله عن علة الأمر
لم يستمع
ثم في ليلة،
كان أفقرهم خائفاً من عيون الطيور
رأى الله في طلعة للهلال
فقال: إذن.. ذاك ربي يطاردني
سوف يفضحني
كيف يبقى إلهي مضيئاً
وكل الذي في حياتيَ عتم
وضوء الطغاة وراء حصون مدججة
سورتها الديانات بالصلوات
وكانت قرابينها بشراً أبرياءْ
والقرى تتوجع مذعورة
تتهيأ أن تتلقف
من غامض القتل أبناءها في التوابيت
ترقب آفاقها بعيون مجرحة
تتوقع صرخات أبنائها
مثلما يتوقع أبناؤها هجمات الطيور
فيغلق كلٌّ نوافذه
يفتح القلب للذعر
ينكر قرع الصديق على الباب
ينكر زغردة الشمس فوق النوافذ
يلطأ تحت اللحاف
يشكُّ بهمس الرياح
ويرهب شدو البلابل
يخلي المسامع
يخلي الحدائق حتى من الزقزقات
ولا ستر في عربدات الخواطر
إلا وشاح من الذعر
توق إلى هرب
وتفجع أم بذاكرة الخوف
إذ تتشظى دعاءً
وتنهار من عجزها بالبكاءْ
الطيور تحوّم مثل صدى يطلب الثأر
هل كان رائدها جائعاً يتمرد
أم متخماً يتبرد بالدم
هل هذه الرفرفات عيون
يعشعش في حمر أجفانها رمد
أم ترى أمة تترمد
فالسوق ضارية
والدكاكين تعرض ما يستجد
قميصاً لعثمان
سيف علي
دماً للحسين
وتختلط الصرخات:
نداء التجارة
في شهقات الدعارة
في صلوات العبادة
في صرخات المطاردة الراعفه
أنتِ أبقيتني
فاشرحي ليَ ما الفائده؟
أتراني بقيت على زمني شاهداً
أم تراني بقيت على وطني شاهده؟
ولماذا أطارد في حضنك البكر
تذبحني بغتة في ظلال ابتسامتك البارده
بين حشد من الأشقياء
وفي لهب الذعر أبحث عنك
أقول: سلمنا معاً
أو أقول: سلمت بنا
غير أني أتوه وراءك
تحت ظلال الطيور
وتحت ظلال السيوف
وفي زعقات الطيور
ولسع السياط
وبين حفيف الجناح
وبين فحيح الجناةِ
أتى الموت يجتاح
يشهر في أرضنا منجله
فبدأت غنائي
أردد اسمك تحت المقاصل
لكنهم حولوك إلى مقصله
وأظل ألوب عليك
كلما أتلمس بقيا من العمر
بقيا من الحلم
أخطو عنيداً
أكابر خوفي وجوعي ويأسي
وأعلن عن حبنا المتنمّر رغم الوباءْ
وأناديك
لا تسمع الأرض
لا تستجيب السماءْ
وأناديك بين هدير الدماء
فلا تسمعين النداءْ
غير أني أنادي.. أنادي.. أنادي
لتبقى بلادي بلادي
وأعرف لون ترابك
إذ يرفض الدم حتى يسيل
ويجتمع الدم والدم
ثم تعربد هذي الدماء سيولاً
فتملأ وجه الفضاءْ
ولأني أضعتك مائدة للّئام
ولم ألق وجهك طائفه للجياع
سألقاك في كل جوع جديد
وألقاك في ما نزفنا دماءْ
حينما أتلفت أبكي
فأعرف أين اختفيت
ويعرف قلبك أبناءه
نتلفت للفجر
ينفجر الفرح المتوهج فينا بكاءْ
يفضح الدمع أحقادنا
ثم لا عفو عمن أباحوا البكاء
يفضح الدم أشلاءنا
ثم لا عفو عمن أباحوا الدماء.
جنــــون
11-20-2011, 01:13 PM
هي ليلة
والريح تهدأ في الربيع
تزقزق الأفراح في قلبي
وتندلع الزهور على مسار دمي
يمر سواد هذا اليتم
ثم تعود أمي في شذا الأزهار
أمي والربيع التوأمانِ
رأيت أمي في المنام
فقلت: خيراً
وانتظرت مجيئها في العرس
ثم رأيتها عنوان مكتة
ورحت أقلب الصفحات عنها
قلت: خيراً ربما جاءت مع الدرس
انتظرت مجيئها إذ يهدأ الاعصار
جاءت والربيعَ جنازتين على الضحى محمولتين
لا بأس أن تتململ الأشجار
فالأوراق تشهد أن في قلبي تراباً
والصبا هو آخر الأنفاس من موتاي
ظِلُّ العجز ممتد من الشريان حتى نبرة المذياع
أو لا بأس أن تتقدم الأعذار
إن الشمس غافية
وصوتي يائس
وأنا المدلى من حبال الصمت
أعرف، دون مكرمة،
لماذا في دمي تتنهد الأزهار
أمي في الربيع جنازة
تنداح بين شقائق النعمان
قطّفت الزهور وجئت للفرح العصي
وفي شكوكي حيطة
فالزهر ينفع في الجنائز
يسهل التغيير من دمع السعادة
نحو شهقات الفجيعة
من تغاضي الخوف، والرجفان بين سنابك الحراس
نحو تنهد الأسرى
ومن صخب الأغاني في اعتزاز النصر
نحو تذمر المهزوم كي يخفي مهانته
أقول إذن:
ترى من كان يعرف أن هذا الموت
يبلغ سحره أن يجمل الموتى به
أن نلتق بجمال موتنا
الذي حجبته عنا زحمة الدنيا
وأحلم مثلما يحلو لضعفي
سوف تبدأ حربنا برصاصة
أطلقتها عمداً على الأفراح والأحزان
خاصمت العواطف كلها
مذ قُدِّمت قسراً
مجهزة بفيض دموعها
بالابتسامات الصفيقة
والزغاريد البغية
سوف أنسى الوشم في وجهي
ووهج الذل في عينيّ
أنسى أنني أتقنت إظهار البراءة
كلما واجهت عيناً
كلما أحسست بالخطو الثقيل دنا
وأطلقت الرصاص على السعادة
إنها موسومة في القلب
كي يتمتع السياح
أو لا يشمت الأعداء
علّ الضيق يخدع
هذه الأرض العجيبة أغلقت أوجارها
في أوجه الخلعاء
ما عادت تقدم غير مقبرة لمن خُلِعوا
ومنتجع لكيد الوالغين بعمرنا
هل كان نومي في ظلام الكهف أطول من نعاسي؟
مَرّ حولي الدهر دون تحية
فأفقت ضيقاً بالرقاد
وكنتُ لم آنس ولو قبساً على مرمى بلادي
لم أواجه لسعة للجمر إلا في فؤادي
كيف أترعت الحنايا بالرماد
أرى بلاداً غير ما أنشدت من جوق الطفولة
غير ما خبأت من أجل الكهولة
تلك دنيا غير دنيا
غير ما شاهدت في الأحلام
أو ما كنت أقرأ في الصحائف
تلك دنيا ازّينت بتهدم أو بانهيار
إنه رمل يباهي بالجفاف
وأوجه تزهو بَمسخٍ
بغتة أرضي تضيق بما عليها من تراب
والرياح بما لديها من هواء
والنجوم بضوئها
وأنا أضيق بكل صوت في السكون
أشك بالصمت المشوب بأعين
راحت تحاصرني بعاصفة الظنون
ولم يدم لي مثل ما خلفت
غير مجيء أمي والربيع جنازتين
لعل هذا الضيق يخدع،
كيف جفّفني الشتاء؟
وكيف قدّدني الشقاء
وصرت أعجز أن أكيل الحقد
أن أرجو الحنانْ
لم يُبق لي هذا التقهقر غير أمنية ملفقة
سمعت ذبائح الأوطان تشكر نصل سكين
رأيت جلودها تحشى مواشيَ من جديد
كي تبارك ذابحيها الطيبين
عرفتُ أني إن صرخت،
فكل عضوٍ فيّ يأتي شاهداً ضدي
وأني إن هربتُ،
وخفَّ خلفي الطاردون
فكل عضو فيَّ يدعوهم لكشفي
إن وقعتُ
وسار بي الفتَّاكُ نحو النطع
تخذلني دمائي
ثم تشكر للخناجر فضلها
وعرفت أني كنت سكيناً،
ومذبوحاً
وساقية الدماء
وعريت من خجلي أمام ذبائحي
سأعيِّر الجثث الطريحة بالذباب على مناحرها
وبالدم حين ييبس تحتها
ولربما أعلنت أن تفسخ القتلى
دليل النتن في دمهم
عرفت بأنني أحيا بلا عمري
ظروفي الآن تسمح لي بطلقة غادر
أو طعنة في الظهر
تعزية بموتي بعدها
برقيتين تعددان مناقبي
تستنكران الغدر بي
وعلى ضريحي زهرة
وخطاب تعزية
...ونسياني
(الظروف تبيح دعوتا لبذل دمي
وحين يفور من فوق الموائد والمكائد
أو يطلُّ من الأضابير العتيقة
أو من الذكرى
الظروف تؤجل الموضوع
من أجل التداول في أمور بحثها أجدى)
فآه يا دمي
ألأنني أرخصت بَذْلَكَ أرخصوك؟
لأنني أهملت تضميد الجراح
توهموا أني رخيص العمر
حين بزغتُ في الأشجار
لم يقبل عليّ سوى الخريف
يفكّك الأوراق
يمسح عن جذوري الماء
يقتاد التراب إلى الصخور
... وحين أملت بالمستقبل المطري
لم يقبل عليّ سوى الفجر المدجج بالصقيعْ
وعلى ترامي الأفق
تحتشد الزهور لدى ربيع زائف
كشف الصبا عن سترة الموتى
وجاء محملاً بروائح الجثث العتيقة
جاء يجمعنا بها
وتقدم الحشد المضيء إلى القبور
جنازتان لديه:
أمي والربيع.