مشاهدة النسخة كاملة : اولاد الأفــاعـــي


نظرة الحب
09-11-2011, 05:43 PM
الســـلآم عليكم ورحمة الله وبركآته ..


مســــــــــــــــــــــآء/ صبـــــــــــــــــــــــآح الخ’ـــــــيرآت ..




حبيت انقل روآية شدني اسمهآ .. ولمآقريتهــآآ ابد مآندمت .. !

روآيه جداً رآئعه .. وصدقوني مــآرآح تندمون لمآ تقرونهــآآ ..

وطبعاً هي بالفصحى ــآ ...

وأتمنى القى ردود محفزهـ .. لآن الروآية تساتآهل .. وانــآ استآهل ..http://forums.graaam.com/images/smilies/msn%20(6).gif ..>لآ يكثر بس

المهـــــــــــم ..

أخليكم مع الروآيــــــــــــــه ..







http://forums.graaam.com/images/smilies/graaam%20(276).gif

نظرة الحب
09-11-2011, 05:45 PM
اولآد الآفــــــــــــــــــــــــآعي .. أحدآث غريبه تحث لفآرس ..

( 1 )

برغم معارضة أبي وأميّ على سفري إلى الولايات المتحدة إلا أنني بذلت مجهودات خارقة لإقناعهما ، وقد تضرعتُ إلى الله أن يقذف في قلبيهما الموافقة على هذه الأمنية والتي كنتُ أترقبها بشغف منذ سنة كاملة ..

أنا حاصل على درجة البكالوريوس في علم الأحياء وقد عزمتُ على إتمام دراساتي العليا هناك في أمريكا
كانت والدتي تبكي كثيراً عند إلحاحي عليها بطلبي المستمر أما والدي فيظلّ يفتل شنبه الكثّ وبصوته المهيب يقذف على مسمعي كلمة ( لا ) فتغوص بداخلي ولها حدّ السيف فتظلّ تمزّق جوفي جيئة وذهاباً وأنا أتقطع حسرة وأتجرع غصص حزن مرير

لا أدري لِمَ يصران هذا الإصرار العجيب على الرفض ؟! لكن في اعتقادي بأنها عاطفة الأبوّة والتي لا أعرف كنهها حدّ هذه اللحظة !

في مساء يوم جميل اجتمعت أسرتنا عند جدي مؤيد والد أبي .. لم يكن أحد يجرؤ منّا نحن الأحفاد على التحدث في حضرته حتى يستأذن وإن أُذن له فتصيبنا رعدة ورعشة وهيبة لا نكاد ننفك منها حتى تعود إلينا مجدداً

هل جربتم الحديث في حضرة كسرى أنوشروان ؟!!

إنني أشعر وقتها بأشدّ من ذلك ! هكذا أتخيل

جدّي مؤيد لا يرد له طلب ولا يفكر أحد في معارضته أبداً أو كسر كلمته

خطرت في ذهني مغامرة لا أدري أهي سذاجة منّي أم شجاعة ؟!

وبدون مقدمات فتحتُ فمي ثم زمجرتُ عالياً وأنا أتحاشى النظر إلى وجه جدي مباشرة وقلتُ :

- جدي هل تسمح لي بالتحدث ؟

سكت الجميع ورمقني والدي بنظرة تمنيت بأنّ الأرض انشقت وابتلعتني فهو يعرف ما يدور بذهني وأظنه قد كشف خططي .. لكني تماسكت

قال جدي : نعم يا فارس ماذا تريد ؟

- أشكرك يا جدي .. عندي طلب بسيط أتمنى أن تكرمني به

تحفّز والدي من مكانه وبدأت نظراته أشد شراسة ..!

- أريد منك يا جدي الحبيب أن تقنع والدي بسفري لإكمال دراستي في أمريكا

- ابتسم جدي وقال : قد توقعتُ أنّ هذا هو طلبك فأنا سمعت بعزمك على ذلك

- شعرت بالخزي حينها واصطنعت على شفتي ابتسامة بلهاء لا معنى لها

سكت جدي وسكتُّ أنا ووأدتُ تلك الابتسامة والتي ماتت في مهدها ونظرتُ إلى أبي فإذا هو يفرك يديه مستشرفاً لما سوف يقوله جدي

* كانت لحظات مصيرية فلو قال جدي ليذهب فارس إلى أمريكا فقد تحققت أمنيتي ، وإن قال لا فهي ( لا الحسرة ) التي سوف تحطم كلّ أحلامي وطموحاتي .. رفع جدي رأسه وأشار بإصبعه السبابة لوالدي – وقد كانت هذه طريقته لإلقاء الأوامر –

كتمتُ أنفاسي للاستماع للمرسوم المؤيدي الذي سوف يصدره كبير العائلة

- لماذا يا أبا فارس لا تسمح لابنك بالذهاب لأمريكا ، إنه شاب ذكي وخلوق ويعرف جيداً كيف يحافظ على نفسه !

أصابتني رعشة محببة عندما سمعتُ هذا الإطراء المبجّل وممن ؟

من جدي الصارم !

تلعثم والدي قليلاً ثم قال : ولكن يا أبي

- كم أكره كلمة لكن هذه .. قالها جدي بشيء من الغضب ثم تابع قائلاً : توكل على الله يا رجل واسمح له بالسفر

صمت أبي قليلاً وأنا أترقب هذا الانتصار الذي بدأت تباشير فجره بالانبلاج

- هاه ما تقول يا أبا فارس

- وماذا أقول ؟ سمعاً وطاعة يا والدي فأنا لا أستطيع أن أردّ لك أي طلب

الحقيقة وبرغم الموقف المحرج الذي أوقعتُ فيه والدي إلا أنني كدتُ أطير من الفرحة لسماع موافقته .. قفزتُ سريعاً وابتدرتُ رأس جدي ثم أهويت على رأس والدي ويديه وقبلتهما

شعور بالزهوّ بدأ يساورني ليس لأنني استطعتُ إقناع والدي عن طريق جدي لكن لأنني أنا الشاب الوحيد من عائلتي الذي سوف يسافر لأمريكا لإكمال دراسته والعودة بإذن الله وشهادة الدكتوراه ترفرف بأجنحتها فوق رأسي تظللني بدالها المعظمة

لم أستطع أن أنم تلك الليلة من كثرة التفكير .. أخذتْ تتقاذفني مخيلتي بأمواجها وأنا أركب زورقاً صغيراً وسط هذه الجبال من الأفكار .. وبدأتُ ألوم نفسي على هذا التهور والطيش وأعذلها على تسرعها وأقول :

لقد تمّت الآن الموافقة فهل أنا فعلاً متهيأ لخوض هذه التجربة الشاقة ؟! بمعنى آخر هل أستطيع أن أواجه الغربة لوحدي وقد ترعرعتُ وسط أهلي وبين إخوتي وأخواتي ؟ حتى دراستي الجامعية لم أستطع أن أكملها خارج منطقتي بل عدت سريعاً قبل انتهاء الفصل الأول والتحقتُ بجامعة مدينتي

آه كم أنا أحمق ! ليتني خرستُ قبل أن أطلب من جدي ذلك الطلب

ليته لم يوافق ... ولكم وددت أن يرفض أبي !

الآن لا أستطيع أن أتراجع .. ماذا سيقول أبناء عمومتي وأقربائي الآخرين ؟
ألا يكفي ما سمعته منهم من استهزاء عندما تركت دراستي الجامعية وعدت إلى هنا ؟!

هل أعلن عن تراجعي كما فعلتها بالأمس ؟ّ!
ويحي ... يا لنفسي المتقلبة .. أشعر بالحماس يتفجر داخلي لأمر من الأمور ثم لا ألبث حتى أنطفي ويعود حماسي كنقطة ضوء بعثرتها مجاميع الظلام !

أهكذا هي روحي ؟ متذبذبة متقلبة لا تقرّ على قرار ولا ترسو على رأي ؟!

أطنان من الخزي تجثم على صدري

هل أعلنها لهم بأني جبان رعديد ؟ وليقولوا ما يشاؤون

أليس ذلك أهون من السفر إلى تلك الديار البعيدة ؟

آه يا أميّ !! كم أحبكِ .. ليتكِ بجانبي الآن لأدفن وجهي بصدركِ الحنون ، برغم عدم رضاكِ إلا أنكِ كفكفتِ دموعكِ وغمرتِ وجهي بيدك الحانية ودعوتِ لي بأن يوفقني الله ..!
لو تعلمين ما يدور بخاطري الآن لأقسمتِ عليّ بعدم الذهاب

كانت الدقائق تمرّ بطيئة وأنا أسبح في بحور همومي القاتلة .. الليلة ماطرة وعصف الرياح يكاد يقتلع نوافذ حجرتي وصوت الرعد يزيدني هيبة وقشعريرة .. اجتمع عليّ رعد السماء ورعود سحائب نفسي المظلمة التي لم تزل تقصفني قصفاً موجعاً

ذهلتُ عن نفسي لا أدري كم مضى من وقت ؟! هل نمتُ ؟ لا أعتقد ذلك
قطرة من ماء أيقظتني من غفوتي يبدو بأنّ ماء المطر قد اجتمع في سطح منزلنا وبدأ سقف الغرفة يصبّ
دونما شعور مني قفزتُ على سريري وأخذت كأساً صغيراً عندي ووضعته تحت المكان الذي بدأ بالتقطير

أحسستُ بالبهجة قليلاً وأنا أراقب القطرات تنساب من الأعلى وتقطر في الكأس ... بدأتُ بمراقبتها وكأنني في كهف مليء بالخفافيش وقطرات سقفه تقطر رويداً رويداً
الحقيقة لم تكن تلك الخفافيش إلا خفافيش خواطري المزعجة
امتلأت الكأس نصفها .. تذكرتُ حينها الحكمة المشهورة :
( المتفائلون ينظرون إلى النصف الممتلئ فيقولون هذه نصفها مليء بالماء
وأما المتشائمون فينظرون إلى نصفها الفارغة ويقولون هذه نصفها فارغة )

تسلل شعور لطيف داخل نفسي وبدأت تتلاشى تلك الغمامات السوداء من داخلي
وتساءلت : لماذا لا أجعل هذه الرحلة بمثابة المغامرة الممتعة لي ؟
الحياة تجارب فلتكن سفرتي هذه من أعظم التجارب
أنا ذكي ومتفوق في دراستي فلماذا لا أجعلها فرصتي للإبداع وكسب المزيد من المعرفة
ولو لم أكسب سوى التعرف على ثقافات الآخرين لكانت كافية لأكون متفائلاً مسروراً
رفعتُ طرفي مرة أخرى أتأمل قطرات الماء وهي تتساقط من الأعلى والكأس يكاد يمتلئ
إذن فالنجاح خطوة بخطوة ومهما كانت ضآلة تلك الخطوات وبطء حركتها إلا أنها سوف تحقق هدفها وتصل في يوم من الأيام إلى مرادها
أمنيتي أن أحقق حلمي بنيل الدكتوراه .. حتماً سأنجح في تحقيقه بعون الله المهم الثقة بالنفس وعدم اليأس

نسائم الإيمان بدأت تغمر فؤادي وشقشقات العصافير أخذت تتسلل إلى مسمعي مؤذنة بيوم جديد يتفتق بالأمل ، وانسلخ مع تلك الليلة القاسية كل خور وضعف كنت أشعر به .. نظرتُ لكأس الماء وقد بدأ يتدفق وخاطبته وكأنه صديق حميم : كم أنت رائع أيها الكأس ! وكم أنتِ رائعة أيتها القطرات لقد بددتما كلّ الأسى والانخذال من روحي ونفثتما في نفسي أمل جديد .!!

نظرة الحب
09-11-2011, 05:46 PM
( 2 )

في ظرف أسبوعين كنتُ قد أعددت كلّ شيء لرحلتي المرتقبة إلى الولايات المتحدة ... وفي صالة المطار كان جميع الأهل والأقرباء والأصدقاء في وداعي .. لحظات لا أستطيع وصفها إلا أنها مهولة وقاسية خاصة عندما عانقتُ أبي وأمي ، فكرت حينها بالاستسلام وإعلان العودة لكني كتمتُ مشاعري ورسمت على وجهي ابتسامة باهتة وأنا أعالج في نفسي آلاف الآهات والزفرات لكنني فعلتُ ذلك من أجل والديّ


نداءات الرحلة المتكررة طرقت مسامعنا حملت حقيبتي الشخصية ثم أدرتُ ظهري ولم ألتفت أبداً إلى حيث يقف الجميع


توجهتُ مباشرة صوب الصالة الداخلية ومنها إلى الطائرة ..

بحثتُ عن مكاني وكان إلى جناح الطائرة بجانب إحدى نوافذها ارتميت على المقعد وسبحتُ في عالم آخر كله حزن ولوعة مريرة أطلقتُ سراح دموعي بعد أن حبستها طويلاً .. مضت ساعات وأنا على تلك الحال ...

استفقتُ بعدها وأنا أشعر براحة جزئية جعلتني أتصرف كأيّ مسافر هنا على متن الطائرة

... تناولت كأس عصير مثلج وأخذتُ أتصفح جريدة أمامي ... حاولتُ ألا أفكر في الماضي فأنا هنا لأسير إلى الأمام ... هكذا قررت وقتها .


بعد طيراننا لحوالي سبع ساعات هبطت الطائرة في مطار لندن وكان هذا هو خط سيرها ..

شعرتُ بالضيق من طول مكوثنا فقد توقفنا لمدة ساعتين تقريباً فضلّت البقاء في مقعدي والتفرج على المناظر الخارجية ثم أمسكت برواية كانت معي وبدأت بقراءتها ..

فأنا أحبّ قراءة الروايات وخاصة تلك التي تنمي حاسة الذكاء والتفكير المنطقي لديّ ..

أقلعت الطائرة بعد أن تزودت بالوقود ونزول بعض المسافرين الراغبين في الإقامة بلندن وقد صعد ركّاب آخرون يقصدون التوجه للولايات المتحدة كان من ضمنهم رجلاً جلس إلى المقعد الذي بجواري

... رجل في الأربعين من عمره أبيض الوجه وتعلوه بعض الصفرة ... ألقى إليّ التحية بالانجليزية قائلاً مساء الخير سيدي

ابتسمت إليه وأجبته مساء الخير .. مرحباً بك


ثم ربط حزامه وتناول الجريدة التي أمامه وبدأ بقراءتها ..

بعد وصول الطائرة إلى الارتفاع المقرر لها بدأ مضيفوها بتوزيع الوجبات على المسافرين .. اكتفيت بكأس عصير ناولنيه الرجل وهو يبتسم : تفضل يا سيّد فارس !!!

كاد الكأس أن يسقط من يدي

أحسست بمفاجأة صدمتني ... كيف عرف هذا الرجل اسمي ؟ هل لمح بطاقة الصعود ؟ لكنني متأكد بأنه لم يرها أبداً ..

عصرتُ ذاكرتي لعلي أتذكره فلربما قابلته في يوم من الأيام خاصة وأنا أعرف أجانب كثيرين بحكم عمل والدي في إحدى الشركات الأجنبية فقد كان يزوره الكثير من زملائه ومن بينهم أمريكيين وبريطانيين ويابانيين وكان لاحتكاكي بهم إضافة إلى الكثير من الكورسات الفضل بعد الله في إتقاني الكبير للغة الانجليزية

.. لكنني متأكد تماماً بأنني لم أقابله قبل اليوم ...!

التفتُّ إليه وقلت عفواً يا سيد ...

قال وهو يرتشف من عصيره ... اسمي جورج

معذرة يا سيد جورج .. هل تقابلنا من قبل ؟

ضحك وقال : أرح نفسك يا سيد فارس فنحن لأول مرة نتقابل

- لكن كيف عرفتني ؟

- سوف تعرف عن قريب فلا تستعجل !

إنها مفاجأة سارة يا عزيزي ولن أسمح لنفسي بقطع متعتها عليك

- تساءلت : عفواً يا سيدي عن أيّ متعة تتحدث فأنا لا أفهم شيئاً ؟

نظر إليّ وقال : ينبغي أحياناً ألا نستبق الأحداث قبل وقوعها ليس من صالحك أن تتعرف عليّ الآن !

ولماذا ؟
ربما سوف تضرك معرفتي !

بدأت أتوجس من هذا الرجل فثمة غموض يحيط بشخصيته خاصة وأنه بدأ يتخبط بكلماته فكيف تجتمع متعة وضرر في نفس الوقت ؟!

لكنني حاولتُ أن أتجاهله وعدت لإكمال روايتي ..

بعد قليل مرّت إحدى المضيفات إلى جوار جورج ... رأيتُ وجهه يتهلل فرحاً .. توقفت المضيفة إلى جواره بشكل متعمد وبابتسامة ناعمة ربتت على كتفه وقالت : سعدتُ بلقائك عزيزي جورج إنها مصادفة ممتعة حقاً

ضحك جورج وهو يبدي تعجبه لرؤيتها ثم علّق على كلامها : بحق إنها مفاجأة سارة

تحدثا قليلاً ثم استأذنت بالانصراف عند نداء أحد الركاب لها

نظر إليّ جورج وقال إنها فتاة لطيفة أليس كذلك ؟

لم أجبه على سؤاله وعدتُ مجدداً لقراءة الرواية التي بين يديّ

بعد قليل بدأ جورج بالتثاؤب ثم أرخى رأسه على كرسيه وراح في نوم عميق ...

الحقيقة وبرغم محاولتي تناسيه إلا أنني لم أستطع التركيز أثناء قراءتي فقد كانت هناك أسئلة عديدة تغزو مخيلتي .. يا ترى من هذا الرجل ؟

وكيف عرف اسمي ؟ ولماذا لا يتكلم ويريحني ؟!

بدأت وساوس عديدة تنتابني وتقلقني ... فأنا لم أتعرض في حياتي لموقف مماثل أبداً ! لا بدّ من إجباره على الحديث ! لن أتركه حتى يخبرني كيف تعرّف على اسمي ..

بحركة متعمدة أسقطتُ الكتاب الذي بيدي على رأسه انتبه من نومه..

أوه آسف يا سيدي لم أكن أقصد ذلك قلتها وأنا أبتسم ابتسامة اعتذار ! رماني بنظرة غضبى .. فجددت اعتذاري وتأسفت مرة ثانية

مدّ يديه إلى الأمام وإلى الخلف ثم هدأ وقال :

لا عليك لقد أيقظتني فحسب .. لكن كم بقي عن وصولنا ؟

أجبته أعتقد حوالي أربعين دقيقة

أردف قائلاً أظنّ أنه يجب عليّ أن أتناول فنجالاً من القهوة ... هل أطلب لك فنجالاً لكي تنتعش قليلاً ؟
شكرته على لطفه

نادى على إحدى المضيفات لكنها لم تسمعه ثم رأته صاحبته الأولى فأتت إليه وقالت : تفضل يا سيد جورج ما هو طلبك ؟

قبل أن يطلب طلبه قال : نسيت أن أعرفكِ يا عزيزتي على صديقنا الجديد فارس ..

نظرتْ إليّ المضيفة مبتسمة .. وبنبرة دافئة قالت : تشرفنا برؤيتك يا سيد فارس

بدت عليّ علامات الخجل والارتباك وقلت بكلمات متقطعة : شكراً يا آنسة سعدت بلقائك

بعد أن أحضرتْ فنجال القهوة وناولته جورج انحنت عليه وهمست في أذنه عدة كلمات ثم قهقهت عالياً وانصرفت

وضع جورج الفنجال أمامه ثم علت وجهه موجة سوداء وبدأ يتصبب بالعرق رغم برودة الطائرة ثم أخذ يهذي ببعض الكلمات لم أفهم منها سوى قوله عليك اللعنة يا وليم ... عليك اللعنة

لا أدري ما الذي يحدث أمامي ؟ قبل قليل كان يضحك ويغنّي والآن أصبح مربدّ الوجه . لا أكاد أفهم منه كلمة واحدة

كنتُ أراقبه وأنا أحسب بأني في كابوس مزعج أو أشاهد فلماً خيالياً

يا ترى ما الذي قالته تلك المضيفة له حتى أصابه كل هذا التخبط والخوف المفزع

فضلّتُ الصمت وسط هذه الطلاسم التي تحدث أمامي وتمنيت أن نصل بأسرع وقت ممكن

مرّت دقائق لم أنزل نظري عن جورج وهو يقرض أظافره بأسنانه ثم يفرك يديه بشدة ثم يبدأ بقرض أظافره من جديد .. توقعتُ بأنه جنّ أو أصابه انهيار عصبي

بدّدتُ هذا الصمت وانحنيت إلى جهته سألته معذرة سيد جورج : هل هناك أمر مزعج وقع لك ؟

- نظر إليّ وعيناه تقدحان بالشرر ... لا .. لا شئ على الإطلاق

- لكن لماذا أنت بهذه الحالة المحزنة ؟!

- قلت لك لا شئ ...

صمتُّ مجدداً ... بعد لحظات أمال رأسه إلى يمينه وتفحص الممر لينظر هل هناك أحد قادم ، ثم اقتطع قصاصة صغيرة من الجريدة التي أمامه وكتب فيها بعض الكلمات ثم رماها تحت قدميّ وأشار إليّ بالتقاطها سريعاً

أخذتها ونظرت فيها فإذا هو قد كتب : ( احذر يا فارس من وليم 666- fff )

نظرتُ إليه باستغراب وتساءلت ماذا تعني هذه الكلمات والرموز يا سيد جورج ؟

أشار إليّ بالصمت وقال هامساً : لا تتكلم فنحن مراقبان

- مراقبان !! وممن ؟

- لم يجبني ! إنما قام مباشرة وذهب إلى مقدمة الطائرة !!

بدأت أتأمل القصاصة .. من يكون وليم الذي حذرني منه ؟!

* هل يقصد به صديقي الدكتور وليم هاف أستاذ الأحياء الدقيقة في جامعتي والذي درسني قبل سنوات فإنني لا أعرف شخصاً غيره بهذا الاسم لكن لماذا يحذرني منه ؟ فالدكتور وليم شخص مثالي وخلوق وصاحب أيادي بيضاء عليّ فهو الذي شجعني على إتمام دراستي ورتّب إجراءات قبولي في الجامعة التي ينتسب لها هناك في واشنطن .. شئ محيّر بالفعل ؟ ماذا يحدث هنا ؟ وما هي هذه الرموز الغريبة التي كتبها ؟ وهل حقاً نحن مراقبان ؟

وماذا فعلت حتى أراقب ؟

آه رأسي يكاد ينفجر من كثرة التفكير منذ أن صعدت الطائرة وأنا في دوامة مستمرة ، بداية كنتُ أفكر في أهلي وأصدقائي والآن أشغلني هذا الرجل الغريب بتصرفاته

لكن لماذا أنا بالذات ؟ فهناك مئات الأشخاص يقبعون هنا في هذه الطائرة فلماذا لم يحذرهم ؟ هل الأمر فعلاً كما يقول يتعلق بالدكتور وليم ؟

مرّت عشر دقائق ولم يرجع جورج مما زاد قلقي ، خاصة وأنه قد أضيئت إشارة ربط الأحزمة استعداداً للهبوط ، بعد قليل مرّ إلى جواري أحد مضيفي الطائرة سألني أين الشخص الذي يقعد إلى جوارك ؟!

أخبرته بأنه قد ذهب إلى الأمام منذ ربع ساعة تقريباً ولم يرجع حتى الآن .. هزّ رأسه دلالة على أنه سوف يبحث عنه لكن سرعان ما بدأت الطائرة تستعد للهبوط فاضطر أن يجلس على مقعده المخصص وعندما هبطنا على المدرج ذهب سريعاً ليبحث عن جورج

يا ترى هل يكون قد جلس في مقعد من المقاعد الأمامية ؟ لكني لا أعتقد ذلك فكل المقاعد كما يتضح ممتلئة بالكامل ؟ إذن هل هو في دورة المياه ؟ ربما يكون ذلك

بعد وقوف الطائرة بدأ الركاب بمغادرتها

قررت الجلوس في مقعدي أنتظر المضيف لأعرف ماذا حدث لجورج ؟

غادر جميع الركاب ولم يبق غيري .. أخذت حقيبتي ثم توجهت إلى بوابة الطائرة وأنا أتلفت بحثاً عن جورج لكن المقاعد كلها خالية ، وعند سلم الطائرة رأيت ذلك المضيف فطلب مني أن أتعجل في النزول بسرعة لكنني توقفت وسألته عن جورج ، أشار بيده إلى خارج الطائرة وقال : إنه ذلك الرجل الذي يحمله المسعفون ... انصدمت لرؤية ذلك

كانت سيارة الإسعاف واقفة بينما يُحمل جورج وقد وضع على فمه كمامة أكسجين

التفتُّ إلى المضيف وسألته :

- ماذا حدث له ؟

- لا أدري فقد وجدناه فاقداً للوعي في دورة المياه !

- كيف حدث ذلك لقد كان في كامل وعيه ؟

- لا أعرف حقيقة لكن وجدنا عنده جرعة كبيرة من أقراص تستخدم في علاج ضغط الدم .. يبدو بأنها محاولة انتحار

انتحار !! لكن لماذا ؟

بدا الضجر على وجه المضيف وقال بصوت غاضب : معذرة يا سيدي فإنني لا أعرف أي تفصيلات أخرى وأرجو أن تنزل سريعاً فالعربة التي ستقلكم إلى صالة القدوم قد تأخرت كثيراً بسببك

نزلت من السلم وعندما صعدت إلى العربة كان الجميع ينظر إليّ بغضب على تأخيري إياهم لم يكن بوسعي أن أعتذر فقد آثرتُ الصمت وطأطأت رأسي مسافة الطريق .!





...

نظرة الحب
09-11-2011, 05:46 PM
( 3 )

عند المكان المخصص للأمتعة التقطتُ أغراضي سريعاً ثم توجهتُ للصالة الداخلية ووقفتُ خارجاً بانتظار الدكتور وليم هاف ... إنه العقل المدبر لرحلتي وبرغم كل الثقة التي كنتُ أمنحه إياها إلا أنني بدأت بالتوجس منه خاصة بعد تلك القصاصة التي كتبها لي جورج ، لقد أوقعني ذلك الرجل في حيرة كبيرة وجعل الوساوس تتلاعب بعقلي ...

كيف عرف اسمي ؟ ولماذا حذرني من وليم ؟

أسئلة عديدة لا أجد لها أية إجابات !

هل كان ذلك الرجل تحت تأثير المخدرات فتصرفاته تنبي بأنه لم يكن في حالة طبيعية ؟!

انتظرتُ بضع دقائق لعلّ الدكتور وليم يحضر لكن لم يحدث ذلك !

رجعتُ إلى الصالة مرة أخرى فقد كانت الأجواء باردة جداً ولم أكن أتوقع هذا الأمر !

كانت آخر رسالة بيني وبين الدكتور وليم بالأمس عندما أكد لي بأنّ كل الأمور تسير بشكل ممتاز ولم يتبق إلا حضوري .. بعثتُ له بوقت مغادرتي والوقت المتوقع للوصول

لكن لماذا تأخر الآن ؟

أخذتُ أراقب أفواج القادمين .. كانت الصالة تكتظ بالناس وقد بدت على وجوههم أمارات البشر والفرح لوصولهم سالمين وكذلك للقيا أهلهم وأصدقائهم ... سبحت بخيالاتي بعيداً تذكرت اللحظات التي غادرت فيها وطني ... يا لها من مشاعر مؤلمة ... متى سوف أعود كما عاد هؤلاء إلى أوطانهم ؟!

شيء رائع أن تجد من يودعك ولكن من المؤسف ألا تجد أحداً في استقبالك

كانت ساعة المطار تزحف نحو التاسعة ليلاً بتوقيت واشنطن

وبينما كنتُ أتأمل طفلة صغيرة تلعب أمامي إذا برجل يتفحص وجوه الناس وكأنه يبحث عن شخص يعرفه وعندما رآني اتجه نحوي وهو يشير بيده توقعتُ في بادئ الأمر بأنه يقصد شخصاً آخر لكني كنتُ مستنداً على الجدار ولا يوجد أحد بقربي إلا تلك الفتاة الصغيرة

توقف عندي ورمقني بنظرة هادئة وابتسم وقال :

- مساء الخير يا سيدي
- مساء الخير
- إن لم تخب توقعاتي فأنت السيد فارس ؟

فغرت فمي على مصراعيه وعرفت بأنني وقعت في حيرة أخرى مجدداً

تأملته فقد كنت أخشى أن يكون هو جورج وقد بدأ بملاحقتي من جديد

كان شاباً طويلاً في الثلاثينات من عمره له شارب كثّ وذو بشرة بيضاء وعينين عسليتين وشعره مجعّد
ألقى سؤاله مرة أخرى ... معذرة هل أنت السيد فارس ؟

بصوت ضعيف متهدج أجبته : نعم أنا فارس

مدّ إليّ يده مصافحاً وقال بحرارة : مرحباً بك سيدي أتمنى بأنْ قضيت طيراناً ممتعاً ؟

مددت يدي إليه وأنا أحاول جاهداً أن أرسم ابتسامة على وجهي وأبادله التحية

لم يتركني كثيراً رهين حيرتي حيث قال :أنا بيل السائق الخاص بالدكتور وليم

غمرني ارتياح مبهج عندما سمعته يقول ذلك لقد شعرتُ بشيء من الطمأنينة عند ذكره اسم الدكتور وليم وبرغم الصورة القاتمة التي أعتقد بأنني كونتها عنه إلا أنني ما زلت أأمل بعدم صحة ما كتبه جورج

تساءلت .. عفواً يا سيد بيل لكن أين الدكتور وليم لقد أخبرني بأنه سيكون في استقبالي ؟

احمرّ وجه بيل وقال - ونحن نتوجه إلى خارج الصالة - : هذا لطف منك يا سيدي أن تناديني بالسيد فأنا مجرد سائق بسيط ليس غير ثم انحنى على أغراضي وأخذها مني وابتسم قائلاً : سوف أجيبك عن سؤالك داخل السيارة فالجوّ هنا شديد البرودة

صعدنا إلى السيارة بعد أن وضع بيل أغراضي في الخلف

كانت السيارة فخمة من نوع تلك السيارات التي يركبها الوزراء ويقتنيها الباشاوات الكبار

عندها قال بيل : إنّ الدكتور وليم يبلغك تحياته ويقدم اعتذاره عن عدم استقبالك فقد حدث له أمر طارئ منعه من الحضور
- أتمنى أن يكون بخير
- هو بخير سيدي .. لكن لن يستطيع مقابلتك هذه الليلة وطلب مني استقبالك وفي الغد سوف يتناول معك طعام الغداء ؟
- حسناً .. وإلى أين سنتوجه الآن يا بيل ؟
- إلى أحد الفنادق وسط العاصمة فقد أمرني الدكتور وليم بحجز أحد الأجنحة الخاصة لك ؟
- فندق !! ولماذا ؟ أعتقد أنّ الدكتور وليم قد تدبر أمر سكني
- عفواً سيدي لا أعلم عن ذلك .. إنما هكذا أمرني الدكتور
- حسناً لا بأس .. لكن كم من الوقت سنأخذ للوصول إلى الفندق ؟
- ربما حوالي ساعة يا سيدي
- ساعة ! وقت طويل أليس كذلك ؟
- آسف يا سيدي لكن سوف تستمتع بمشاهدة المناظر من حولك ؟

* كانت شوارع مدينة واشنطن - ورغم البرد القارص – مزدحمة بالسيارات غير أنها تسير بشكل مرن وسلس وكأنه ينظمها خيط طويل

في الحقيقة أنا معجب كثيراً بهذه الدولة الساحرة ومدنها الخلابة ...

لكن لا يجب أن أحكم لمجرد صور رأيتها وأحاديث من أناس زاروها

قطعتُ على بيل تصفيره وترنمه وقلت :
- عفواً يا بيل
- نعم تفضل سيدي
- أظنك تعرف بأنني أحد طلاب الدكتور وليم
- حقاً ... هذا رائع جداً
- ألم يخبرك بذلك ؟
- في الحقيقة لا .. إنما قال لي بأنّ هناك ضيف عزيز عليه سوف يقدم

- بالمناسبة يا بيل .. كيف عرفتني من بين كل أولئك المسافرين ؟

- ضحك وهو يرمقني من المرآة الأمامية وقال : لقد أراني الدكتور وليم صورتك

ثم أخرج صورة صغيرة معه وقال : أليست خاصة بك ؟

أخذت الصورة أوه صحيح لقد طلبها مني الدكتور وليم قبل أن ينهي عقده من جامعتي وأعتقد أنه احتفظ بها للذكرى كم هو رجل وفيّ !

- هل ما زال الدكتور أستاذاً في الجامعة ؟
- لا .. فقد استقال قبل عدة أشهر
- غريب لم يعلمني بذلك ! وماذا يعمل الآن ؟
- أعمال حرة
- رجل أعمال إذن
- نعم تستطيع أن تقول ذلك
- معذرة بيل على تطفلي هل تعمل لدى الدكتور وليم منذ فترة طويلة
- لا .. فأنا معه منذ سنة فقط .. لكن لماذا السؤال ؟!
- ابتسمت وقلت : هو مجرد سؤال عزيزي .. ربما بسبب الملل من الطريق الطويل
ضحك كلانا ... وساد بيننا بعدها صمت مطبق .. يبدو بأنّ بيل من أولئك الأشخاص الذين يتحسسون من الأسئلة الشخصية


فتشتُ في جيب المقعدة التي أمامي لعلني أجد شيئاً أقرأه أو أتلهى به وقد وجدت مجموعة من النشرات أخذتُ واحدة منها وهي عبارة عن خريطة تفصيلية لمدينة واشنطن

حقاً إنه شيء ممتع فأمامنا أربعون دقيقة لنصل إلى الفندق وسوف أتسلى بالاطلاع عليها

بعد خمس دقائق بدأت السماء تهطل بغزارة مما جعل بيل يبطئ بسرعة السيارة إلى خمسين كيلاً في الساعة فقط !!

كنت أحاول النظر إلى الخارج لكن البخار المتكون على زجاج السيارة يمنعني من ذلك

أخذت برودة الجوّ بالازدياد وأحسست بلسعات البرد تعصف بقدميّ ، لم أتجرأ أن أطلب من بيل الوقوف لأخذ معطفي من حقيبتي في شنطة السيارة ... إنها مغامرة خطرة أن تتوقف في ظلّ هذه الأجواء الماطرة والرؤية المتدنية

التفتُّ لعلي أجد شيئاً أضعه على رجليّ لأخفف من تجمدهما ،كان هناك معطفاً أسوداً على طرف المقعدة
تساءلت ..
- بيل ... هل بإمكاني استخدام هذا المعطف فأنا أكاد أتجمد ؟
- نعم سيدي ... إن شئت ذلك
- هل هو من خاصتك ؟
- لا ، هو للدكتور وليم
- أوه هذا جيد فهو لن يمانع أبداً
- بالتأكيد

وضعت المعطف على ركبتيّ ثم أسدلته على رجليّ وبدأت أشعر بالدفء قليلاً ومن ثمّ عدت لمطالعة الخريطة مجدداً

هبّت نسمة باردة لا أدري من أين دخلت ؟! نظرت إلى الأمام فعرفت أنّ بيل قد أنزل زجاج السيارة قليلاً لرمي سيجارته خارجاً

عند إرادتي العودة للقراءة وقعت عيناي على شيء مذهل

يا للهول رقم 666 منقوش بشكل واضح بخيوط بيضاء في أسفل المعطف الأسود ، سقطت الخريطة من يدي

وتذكرت حينها القصاصة التي كتبها لي جورج خاصة تلك الرموز والأرقام الغريبة

هل هذه مصادفة ؟ أشكّ في ذلك !!

هل جورج يقع تحت تأثير المخدرات كما حدثت نفسي ؟ أم أنه يخفي أشياء لم أعرف مدلولاتها حدّ اللحظة !

أحسست بارتعاب حقيقي بدأ يسري في عروقي

إذن فالدكتور وليم صاحب هذا المعطف هو نفسه الذي قصده جورج !

بناء عليه فصديقي وليم هو المقصود من الإشارات التحذيرية التي كتبها لي ذلك الرجل المحيّر

بدأت ضربات قلبي بالازدياد وأخذت أتعرق وسط هذه البرودة الطاغية

طوّفتُ بعيداً هناك حيث الوطن حيث أمي وأبي .. آه ليتني سمعت كلامكما يا والديّ .. كم أنا عنيد !

هذه نتائج عقوقي قد بدأت آثارها بالظهور .. مسلسل من الرعب وطلاسم غريبة تحدث لي من الساعات الأولى لرحلتي

وغصت في عوالم بعيدة من الذكريات والخيالات والأحداث .. لم أشعر بنفسي ولا أدري كم مضى من وقت
سمعت صوتاً يناديني

سيد فارس ... سيد فارس

وبصوت عالٍ صرخ بيل ... سيد فارس ألا تسمعني ؟!

تكهرب جسمي وارتعشتُ بقوة
- نعم ... نعم .. معذرة بيل
- يبدو أنك متعمق في التفكير قالها بيل بشيء من الشفقة
- صحيح .. هاه .. ربما
- المهم ها قد وصلنا وبإمكانك النزول الآن
- هل وصلنا حقاً ؟! لقد مضت الساعة سريعاً
- أظنك قد غفوت
- غفوت .. ربما فأنا متعب كثيراً
- حسناً سيدي لا بدّ أن ترتاح من عناء السفر
الآن عليك الصعود فجناحك يقع في الدور السادس رقم الجناح 66
- ماذا ؟ ماذا تقول ؟ أرجوك يا بيل أعدني إلى المطار أتوسل إليك !
- عفواً سيدي .. هل هناك ما يزعجك ؟
- يزعجني هاه لا أدري !!
- أعتقد بأنك بحاجة إلى فترة راحة عميقة
- صحيح أنا أحتاج لذلك فلم أنم منذ يوم كامل
- عليك الآن بالصعود وأنا سوف أنزل أغراضك وأحملها معك إلى جناحك
- هذا لطف منك لكن لماذا لا تدع نادل الفندق يحملها عنك ؟
- لا فأنا الذي سوف يوصلها

أمام إصرار بيل لم يكن أمامي إلا التسليم ، شكرته كثيراً على حسن أخلاقه وجميل تعامله

لم تزل الأمطار تهطل ودرجة الحرارة تهوي إلى الأسفل مؤذنة بليلة شديدة البرودة وما أشدّ أن تجتمع عليك برودة مهلكة وخوف قاتل !!

دلفنا سريعاً إلى بهو الفندق كان فندقاً على مستوى طاغٍ من الأناقة والأبهة

ويبدو بأنّ أسعاره مكلفة جداً

أبرزت لموظف الاستقبال بطاقتي .. رحّب بي بحرارة وبعد إجراءات روتينية أعطاني مفتاح الجناح الخاص بي نظرت إلى المفتاح فإذا ممهور عليه الرقم 66

رنّ في أذني صوت بيل من ورائي وهو يقول : إنه رقم مميز بلا شكّ الطابق 6 الجناح 66

ضحكت وأنا ألتفت إليه حقاً إنه رقم مميز

اتجهنا مباشرة إلى الأعلى عن طريق المصعد وقصدنا الجناح مباشرة

أخذ بيل مني المفتاح وسبقني ومعه الأغراض ، فتح الباب وأشعل الأنوار وقال تفضل سيدي كل شيء مهيأ لاستقبالك ثم وضع الأغراض جانباً

سألني هل من خدمة أخرى أستطيع تقديمها لك سيدي ؟

شكرته على كريم أخلاقه ثم قال :
- سوف يكون عندك في تمام الواحدة غداً
- تساءلت ومن هو ؟
- ما أسرع أن نسيت !! إنه صديقك الدكتور وليم !
- أوه .. حسناً أنا في انتظاره ومن المؤكد بأنني بحاجة لراحة إجبارية
- لابدّ من ذلك سيدي وأعتقد بأنها لن تكون إجبارية بقدر كونها طبيعية ، أجزم بأنك ستنام بملابس السفر
- تبسمت من تعليق بيل وداخلني إحساس جميل تجاهه
- تفضل هذا رقم هاتفي النقال إن احتجت إلى أي خدمة ما عليك إلا أن تتصل وسوف أكون رهن إشارتك على الفور قالها بيل وهو يناولني رقمه
- ممتنّ لك كثيراً بيل
- تصبح على خير سيدي
- تصبح على خير عزيزي بيل

رغم الإعياء الشديد الذي أضحى يتملكني بقوة إلا أنني لم أتمالك نفسي إلا القيام بعمل جولة سريعة على هذا الجناح المبهر .. كانت هناك ثلاث غرف

واحدة للنوم وأخرى للاستقبال والثالثة بها طاولة طعام وطاولة صغيرة أخرى إلى جوارها لشخصين أعتقد أنها لتناول الشاي والقهوة فقد وضعت إلى جوار شرفة صغيرة تطل على الشارع بالإضافة إلى ذلك فهناك صالون يقع في وسط هذه الحجرات ومطبخ صغير في زاويته إلى جانب دورة مياه

لقد تكلف كثيراً وليم لاكتراء هذا الجناح !

لكن لماذا ؟

هل أنا مهم لهذه الدرجة حتى يكرمني هذا الإكرام ؟!!

ضربتُ رأسي بيدي وقلت بصوت مسموع كفى .. كفى أرجوك يا عقلي توقف عن التفكير في هذه الأمور الآن
فأنا بحاجة لنوم عميق أزيل فيه عني كل تلك المصاعب الجسدية والنفسية التي مررت بها هذا اليوم
أخذت حماماً دافئاً ثم تأكدت من مزلاج الباب وأغلقته بإحكام

حاولتُ أن أكون طبيعياً ثم تمددت على سريري

سمعت صوت الرعد بينما بدأت زخات المطر تتساقط على نافذتي

تنفست بعمق وشددت لحافي على رأسي وأغمضت عيني ثم رحت في نوم عميق


،،،،،،
،،،،،،


..

نظرة الحب
09-11-2011, 05:47 PM
( 4 )


كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً عندما استيقظت ، أشعة الشمس الدافئة أخذت بالتسلل إلى غرفتي ..

شعرت حينها بالدفء والنشاط ، وبرغم كل تلك الكوابيس المزعجة التي رأيتها في ليلة البارحة إلا إنني حصلت على قسط وافر من الراحة .. فتحت النافذة واستنشقت هواء رطباً منعشاً

بعد دقائق كان الهاتف يرن ، إنه نادل الفندق يتساءل متى يجب عليه إحضار إفطاري طلبت منه فوراً إحضاره فأنا لم آكل شيئاً منذ أكثر من خمسة عشر ساعة

أثناء تناولي للإفطار بدأت أسترجع الأحداث الغريبة التي وقعت لي ليلة البارحة ابتداء من مقابلتي لجورج حتى سكني هنا

يتوقف تفكير أعظم العباقرة عن حل هذه الألغاز المتشابكة ، لكن من المؤكد بأنّ الأيام ستفسر كل شيء ... ويبدو أنّ قلبي ارتاح كثيراً لعبارتي الأخيرة

بعد انتهائي من تناول الإفطار ارتديت ملابسي ثم تلفعت بأحد المعاطف التي جلبتها معي ثم نزلت إلى خارج الفندق فالتجول في شوارع العاصمة أمر مبهر كما يقولون

سيكون برنامجي كالتالي سوف أقوم بصرف بعض الدولارات ثم أنا بحاجة لشراء بعض الحاجيات وبعدها سأتمشى قليلاً ثم أستعد لاستقبال الدكتور وليم عند الواحدة ظهراً

الناس هنا كآلات تتحرك تبدو على قسمات وجوههم الجدّية الصارمة وفي نفس الوقت يبادلونك بتحية رقيقة إن فعلت أنت ذلك

حقاً إنها حياة دينامكية ذات إيقاع سريع ...

يا ترى هل أستطيع العيش مع هؤلاء البشر الغرباء ؟! إنني أتوقع الصعوبات في ذلك لكن لن أستعجل في إصدار الأحكام حتى أتعامل معهم عن قرب

بعد تسوقي ظللت أتمشى لمدة ساعة ثم عدت إلى الفندق سألت الموظف هل أتى أحد للسؤال عني ؟ أو اتصل بي أي شخص ؟

- نعم سيدي فقد اتصل بك أحدهم ويقول بأنه الدكتور وليم
أحسست برعشة سرت في جسمي عند سماع ذلك
- حسناً وهل ترك أية رسالة
- نعم هو يبلغك تحياته ويقول إنه في طريقه إليك
شكرت الرجل ثم صعدت سريعاً إلى جناحي لأتجهز لاستقباله

الحقيقة وبرغم معرفتي للدكتور وليم إلا إنني أصبحت أرتعب عند ذكر اسمه

هل هو رجل شرير كما فهمت من تحذيرات جورج ؟ أم هو حقاً يقدم خدماته من أجلي فقط ومن أجل الصداقة الحميمة التي تربطنا كما يقول ؟!

قلبي غير مطمئن لكن ومهما حدث يجب عليّ التظاهر بالترحيب به ولن أتفوه بأية كلمة عن ما وقع لي بالأمس !

* عند الواحدة تماماً سمعت طرقات خفيفة على الباب ثم أتبعت بقرع الجرس قطعتُ أفكاري فمن المؤكد بأنه هو ، هكذا هي دقته حتى عندما كان يحاضرنا في الجامعة فهو صارم بمواعيد بدء محاضراته وانتهائها ولا يسمح لأحد أن يضيع دقيقة واحدة

توجهتُ نحو الباب ونبضات قلبي تتسارع بشكل عجيب

فتحت الباب فإذا هو بنفسه صاحب النظرات الصارمة والوجه الطويل والأنف المعقوف والشارب الهتلري المحدد
بابتسامة عريضة هتفت : الدكتور وليم مرحباً بك

سيد فارس سعدت بلقائك

كان عناقاً حاراً من جانبه .. كلماته دافئة وترحيباته صادقة ومبهجة

أخذته إلى حجرة الاستقبال وبرغم كونه قد تجاوز الخمسين من عمره إلا أنه ما زال يتمتع بحيوية الشباب وأريحيتهم
بعد تبادل التحيات والترحيب .. قال لي :

- كيف كانت رحلتك يا سيد فارس ؟ أتمنى بأنك قد قضيت وقتاً ممتعاً

- ابتسمت ... وقلت بلا شكّ كانت ممتعة للغاية لكن المسافة طويلة ومضنية

- من المؤكد ذلك عزيزي فمهتك التي أتيت من أجلها ليست يسيرة أيضاً قالها الدكتور وليم وهو يرمقني بعينيه وقد بدت عليهما الجدية

- من المؤكد ذلك فأمامي مشوار حافل بالتحصيل والجدّ والاجتهاد

- لقد قمت بتقديم طلبك الذي بعثته إلى الجامعة التي اخترتها وهنا أحبّ إخبارك بأنني قد استقلت قبل عدة أشهر

- حقاً إنه خبر مؤسف لقد أخبرني بيل بذلك

- لقد كبرنا يا بنيّ ونريد أن نرتاح قليلاً

- لا ... فما زلت يا دكتور تتمتع بروح الشباب ..

شكرني وليم على هذه المجاملة

- قلت له الحقيقة أنا في غاية الإحراج من لطفك معي وكرمك الباذخ الذي منحتني إياه

- سيد فارس دعني من هذه الإطراءات فمن غير المعقول أن يكون بين الأب وابنه أية إحراجات .. إنني أعتبرك مثل أحد أبنائي

- شكراً لك دكتوري العزيز

- أتمنى أن قضيت ليلة ممتعة هنا

- بالفعل فهو جناح مبهر وبرغم برودة الجو لكنني نمت نوماً عميقاً لم أذقه منذ ساعات طويلة

- أوه لقد نسيت أن أعتذر لك عن عدم استقبالك ليلة البارحة فقد كنت في اجتماع هام

- لا بأس دكتور ، فقد كان بيل خير ممثل لشخصك الكريم .. إنه شاب لطيف ومهذب

- بيل يعمل عندي منذ سنة واحدة فقط لكنه حاز على ثقتي المطلقة فهو مثال للشاب المخلص والمؤدب
- صحيح فقد لاحظت ذلك من خلال تعامله الراقي

أخذنا أنا والدكتور وليم نتجاذب أطراف الحديث فقد كان حديثه ممتعاً وساحراً يأسرني بأسلوبه الأخّاذ
عند الثانية كان الغداء جاهزاً تناولناه وما زلنا نكمل أحاديثنا المختلفة ، كان يسألني عن أعضاء هيئة التدريس من رفاقه الذين عاصرهم في جامعتي وعن بعض الطلاب المميزين الذين كان يتذكرهم وقد امتدّ بنا اللقاء إلى الثالثة بعد الظهر

بعدها ودعني وتمنى لي أمسية طيبة وقد كان موعدنا في العاشرة وخمسة وأربعين دقيقة ليلاً فقد دعاني للعشاء خارجاً في أحد المطاعم الشهيرة

* لقد كان لقاء رائعاً بحق أزال عن نفسي الكثير من التخوفات التي كانت تنتابني تجاهه وشعرت حينها بالأمان كوني قابلت أحداً أعرفه هنا في هذه المدينة العجيبة

حاولت أن أتناسى ما حدث فمن غير المعقول أن أظلّ متوتراً طوال الوقت وأيضاً ليس من المعقول أن يكون الدكتور وليم هذا الرجل الطيب هو ذلك الذي نسجتُ في مخيلتي عنه خرافات لم يكن لها مستند إلا كلمة واحدة من رجل مخمور !!

* عند العاشرة وأربعين دقيقة كنت واقفاً على الرصيف المجاور للفندق مترقباً حضور الدكتور وليم

وفي الوقت المحدد وقفت السيارة التي أقلتني البارحة كان بيل ومعه الدكتور وليم ...

رحبّا بي وصعدت إلى السيارة وانطلقنا إلى أطراف المدينة .. كنت مستمتعاً جداً بأحاديث الدكتور وهو يشرح لي المعالم البارزة في مدينة واشنطن والتي نمر بها .. معلوماته التاريخية دقيقة وتفصيلاته مذهلة ورائعة
لم يعجز عن إجابتي عن أيّ سؤال أسأله ، كم أنا شغوف بمعرفة كل جديد ومثير وخاصة بما يتعلق بالآثار والأماكن التاريخية

بعد حوالي الخمسين دقيقة توقف بيل بسيارته عند إحدى القصور الفخمة ، نظرت من خلف زجاج السيارة لأستطلع اسم المطعم لكنني لم أرَ أية لوحة !!

تساءلت :

- معذرة يا دكتور وليم هل هذا هو المكان الذي سوف نتناول فيه العشاء

- نعم سيد فارس

- لكنه ليس بمطعم

وبضحكة مجلجلة .. أوه يا فارس نسيت أن أقول لك فقد أصرّ أحد أصدقائي بحضورنا إليه وتناول طعام العشاء عنده إنه رجل كريم وصديق حبيب إلى قلبي وسوف تبهر بأخلاقه الدمثة

ضحكت من بساطة الدكتور وليم وتقبلت الأمر بكل عفوية

عند باب القصر استقبلنا صاحبه كان في عمر الدكتور وليم تقريباً ذو سحنة أوروبية .. رحّب بنا ثم عرفنا الدكتور إلى بعضنا

هذا هو السيد فارس أحد طلابي النجباء وهذا هو السيد ستيف صديقي الحميم

- اقترب مني السيد ستيف وقال ووجهه يفيض بالبشر : أهلاً بك سيد فارس سعدنا بزيارتك كثيراً

- قلت مبتسماً : شكراً لك سيدي هذا لطف منك

أخذنا إلى داخل قصره كانت الشموع تضئ المكان بشكل خافت وهناك العديد من الطاولات والتي يجلس عليها مجموعة من الرجال والنساء

توجه بنا إلى إحدى الطاولات والتي تجلس عليها سيدة لم أتبين وجهها بعد

مرحباً آنستي قالها الدكتور مبتسماً وهو يرفع قبعته

كان عليّ أن أفعل مثله بابتسامة خجلى رحبت بها ثم جلست ، لم أنظر إليها وقتها من شدة ارتباكي ... حينما جلست حانت مني التفاتة إلى وجهها وهنا صدمت ... يا إلهي إنها ذات المضيفة التي رأيتها في الطائرة

ابتسمت الآنسة وقالت : أهلاً بك سيد فارس سعدت بلقائك مرة أخرى

ضحك الدكتور وليم وقال : يبدو بأنكما تعرفان بعضكما من قبل

هنا تدخلت الآنسة وقالت : نعم فقد قابلني السيد فارس في الطائرة عند حضوره هنا

ضحكت بدوري وقلت : إنها مصادفة عجيبة حقاً

تبسم كلاهما وقالا : فعلاً إنها مصادفة عجيبة

بدأت الآن أفك الشفرة هذه الآنسة تعرف الدكتور وليم من قبل فهما يتحدثان بشكل أريحي وبعمق
الحقيقة أصبحت أشعر بكره تجاهها ... قطع عليّ تفكيري صوت السيد ستيف وهو يربت على كتفي
- السيد فارس أرجو لك وقتاً ممتعاً تقضيه معنا
- شكرته على حسن استقباله وكريم أخلاقه

** بعد قليل بدأت الفرقة الموسيقية بالعزف ومعها تقاطر الحاضرون إلى المنصة وأخذوا بالرقص وسط النغمات الصاخبة التي تخلع القلوب من شدة إيقاعاتها ..

أحسست بالتوتر قليلاً لكني قد توقعت مثل هذه الأمور ولن أعدم من متعة أشاهدها هنا ، كان وليم والآنسة لودي – هكذا كان اسمها – يتهامسان ويتبادلان الضحكات وأظنّ أني قد لمحتهما وأنا أنظر إلى المنصة يرمقاني بنظراتهما ثم يعودان للضحك مجدداً ..

توقعت حينها بأنها تخبره عن الموقف الذي حدث لي بالطائرة مع جورج

لكن هل حقاً هذا ما تحدثه به ؟ الحقيقة لا أدري !

أديرت بعد لحظات كؤوس غريبة ... لم أشكّ بأنها خمور

تناول وليم كأساً وكذلك لودي بينما شكرت الخادمة قائلاً : عفواً إنني لا أتعاطاها ثم تراجعت إلى الوراء وأخذت أحدق إلى من يتراقصون أمامي

لمحت وليم وآنسته يقربان قدحيهما ثم طرقاه طرقاً خفيفاً عرفت بأنها إشارة بدء العربدة ثم أخذا يتجرعانه وكأنه عصير طازج

بدأت أشعر بشعور خفي يسري في قلبي ... أضواء خافتة وكلمات هامسة ومغريات أمامي وكؤوس تدار بلا قيود ..

فجأة رأيت الدكتور وليم يضع يده في يد لودي برفق ثم يجذبها جذباً خفيفاً وسط تمنعها ثم قاما وهما يترنحان حتى صعدا المنصة وبدآ بالرقص الماجن والفاضح وسط صرخات الحاضرين وتصفيقهم الحار

مشاهد لأول مرة أشاهدها على الطبيعة لم أكن أتوقع أن أكون في يوم من الأيام هنا .. لقد كانت مشاهد مثيرة بحق تسمرت على كرسيّ وأنا أشاهد هذه المناظر المغرية

صكّ أذني نداء داخلي ... لماذا لا تفعل مثلهم يا فارس ؟!!

ما الذي ينقصك عن فعل ما يقوم به هذا العجوز الهرم ؟!!

صحيح ، قلتها في نفسي ثم إنني غريب هنا ولا يعرفني أحد وسط هؤلاء المخمورين !!

سأجرب لمرة واحدة تذوق هذا الكأس وأنا قادر على السيطرة على نفسي في أية لحظة ولن أتمادى في تعاطيها ... هي مرة واحدة ثم كأن لم يكن

أخذت نبضات قلبي بالازدياد وأحسست برعشة في جسمي وأنا أمد يدي لأتناول الكأس فقد تركته الخادمة بشكل متعمد على الطاولة ولم تأخذه حينما رفضته يا لها من ماكرة ، عليها اللعنة !!

مسكته بيد مرتعشة وأخذ يتدفق وأنا أقربه من فمي رويداً رويداً ...

نظرت إلى الحاضرين فقد أصبحوا ككتلة لحم واحدة .. زاد ارتعاش يدي وتحركت نزعات نفسي الحقيرة وكبلت ما بقي من عقلي داخل جمجمتي أغمضت عينيّ وازدردتها دفعة واحدة ثم جلست على كرسيّ وأخذت أنظر إليهم ثم وقفت فجأة واتجهت هناك نحو فتاة واقفة على سلم المنصة تشير إليّ بالقدوم رأيت السيد ستيف يعترض طريقي وهو يضحك وقال : فارس أقدّم لك ابنتي اندريلا فهي ترغب بالرقص معك

فرحت كثيراً وأخذت بيد الفتاة ثم صعدنا المنصة ...

بعد لحظات من الرقص أحسست بأنّ الأرض تموج بي , دارت القاعة وأصبحت أراهم في الأعلى وأنا أهوي إلى الأسفل ، ظلام دامس أخذ يغزوني من كل جهة ، بدأت أترنح وأترنح ثم هويت إلى الأرض


حانت مني التفاتة إلى الأعلى رأيت وجه وليم ولودي وصاحب القصر وابنته اندريلا وهم يحملقون في وجهي وأنا أرى غشاوة بيني وبينهم وقد قرأتُ في نظراتهم خبث لا أدري ما سببه ؟

وكأنني سمعت ستيف يقول : مسكين !! يبدو بأنها المرة الأولى له يجرّب الشراب والرقص ؟ أجابته لودي : سيتعود بلا شكّ بعد ذلك



ضحك الجميع ثم لا أدري ما حدث بعدها فقد غبت عن وعي تماماً !



،،،،،،،
،،،،،،،

نظرة الحب
09-11-2011, 05:48 PM
( 5 )


الخامسة فجراً حينما استفقت ، نظرت حولي لأتعرف على المكان رأيت أشياء متداخلة لكني ركزت رؤيتي فعرفت بأنني في جناحي في الفندق الذي أقيم فيه

هناك شخص ما في الغرفة المجاورة فصوت التلفاز مرتفعاً

تحاملت على نفسي ونزلت من على سريري أزحت الستار الخفيف بين الغرفتين .. أوه إنه الدكتور وليم كان مستلقياً على إحدى الكنبات ويبدو بأنه نائم اقتربت منه فانتبه وهبّ سريعاً حينما رآني وقال - وهو يعانقني - حمداً لله على سلامتك سيد فارس لقد قلقت عليك كثيراً

شكرته على لطفه ثم تساءلت لكن كيف جئتُ إلى هنا ؟

- لقد حملتك أنا وبيل وساعدنا عاملين في الفندق وجئنا بك إلى هنا ، هل تشعر بتحسن الآن ؟

- نعم .. أنا بخير فأنا أستحق ذلك فما كان يجب عليّ أن أتناول تلك الكأس !

- لا عليك يا صديقي سوف تتعود على هذه الأمور ولن تتخلى عنها أبداً

- أتعوّد .. لا .. لا أريد

- حسناً أنت حر يا عزيزي ! والآن هل من خدمة أقدمها لك قبل انصرافي فأنا مجهد للغاية وأريد أن أخلد للنوم

- معذرة يا دكتور لكن إلى متى سأظلّ هنا في هذا الفندق ؟ أليس هناك سكن دائم لإقامتي ؟!

- نعم هناك سكن ، لكنه بحاجة لصيانة بسيطة وأعتقد بأنه في خلال ثلاثة أيام سيكون جاهزاً لإقامتك !

- أشكرك يا دكتور فقد أتعبتك كثيراً

- لا عليك يا فارس ، لكن هل أنت بصحة جيدة الآن ؟

- حمداً لله أشعر بتحسن كبير وبإمكانك الانصراف وأنت مطمئن

تمنى لي يوماً سعيداً ثم انصرف

عدت إلى غرفتي وارتميت على سريري

* ندم شديد بدأ ينتابني ... كم أنا حقير ! لماذا شربت تلك الكأس ؟

إنها محرمة ! كيف فقدت عقلي في تلك اللحظات الفاجرة ؟

ربّاه ... لم أكن أعلم بأني ضعيف لهذا الحد !

عاد إليّ النداء الشيطاني مرة أخرى !

- فارس ومهما حدث فقد كانت لحظات ممتعة ودقائق لذيذة ؟

- صحيح فهي لحظات مثيرة بحق ! خاصة على منصة الرقص ، ولكن ؟؟

- لكن ماذا يا رجل ؟! أنت هنا حر في تصرفاتك لا تعقد الأمور فأنت في بلد الحرية المطلقة

- حرية ؟!!

- نعم حرية ... لقد كانت تجربة رائعة وأنت الآن بصحة جيدة فلماذا لا تستمر ؟! أتريد أن تحرم نفسك من هذه المتع ؟ ثم إنك قادر على التحكم بنفسك فإذا لم تعجبك فبإمكانك التوقف عن تعاطيها مباشرة

- صحيح ، فأنا قادر على أن أتحكم بنفسي فتلك الكأس قد شربتها بمحض إرادتي ولم يستطيعوا أن يرغموني على شربها ولو أردت لم أتذوقها أبداً

- أرأيت لن يستطيع أحد أن يجبرك على شيء ! يجب عليك أن تأخذ الأمور ببساطة فلماذا تضخم الأمور ؟

- أعتقد بأنني وقعت في المصيدة !

- أية مصيدة ؟! لا تهوّل الأمور يا رجل .. كلها أشياء بسيطة وأنت ولله الحمد مازلت مسلماً وتصلي

- نعم - ولله الحمد - فأنا أؤدي كل الصلوات في جميع أوقاتها

- أرأيت ؟ أنت إنسان مستقيم فلا تحرم نفسك من التمتع قليلاً

- بالتأكيد ، فأنا إنسان خلوق وإيماني قوي ولن تضرني حفنات من شراب أتجرعها

بعد أن أديت صلاة الفجر طلبت إفطاري وعندما أحضره النادل سألته بصوت منخفض ... عفواً هل لديكم كحول أو مشروبات من هذا القبيل ؟

ابتسم النادل ابتسامة ماكرة وقال : نعم يا سيدي ... لقد أمرنا صاحبك بوضع بعضها هناك في ثلاجتك وقد دفع ثمنها

أوه يا صديقي وليم ... كم أنت كريم يا رجل ! قلتها بنشوة وفرح

توجهت إلى الثلاجة وقد أخذتني موجة ضحك هستيرية إنه لشيء جميل ! كم أنا ممتن لك حبيبي وليم

أخذت قارورة واحدة فتجرعتها قبل الإفطار وبعد أن تناولت إفطاري أتبعتها بثانية

سبحت في عوالم بعيدة وغبت عن وجودي

لا أدري كم مضى عليّ من وقت ؟!

أفقت ثم أخذت أجرجر قدميّ ثملاً واستلقيت على سريري وأنا في وضع غير طبيعي !

مرّت الثلاثة أيام عليّ سريعاً وقد قضيتها في متعة خرافية في كل ليلة يصحبني فيها الدكتور وليم إلى إحدى دور الرقص أو دور عرض السينما أو إلى أحد أصدقائه ...

غصت من خلالها في ألوان شتى من المتع والشهوات جعلتني أنسى كل شيء حتى هدفي الذي جئت من أجله

لقد نجح الدكتور وليم أن يكسب ثقتي فهو بحق صديق رائع

ومما زادني محبة له تضحياته الكبيرة من أجلي فهو لم يزل يتابع إجراءات قبولي في الجامعة بعد أن تعقدت قليلاً حتى أتت الموافقة أخيراً على انضمامي

وبرغم فرحتي بهذا الأمر إلا إنني لا أشعر بذلك الحماس الذي يدفعني لبدء الدراسة وإجراء الاختبارات وعمل البحوث

** لقد أعجبتني حياتي الجديدة ولا أريد أن يقطع عليّ أحد لذتي التي أعيشها بانغماس شديد
ومما زادني سروراً رسالة وصلتني على بريدي الالكتروني من والدي ووالدتي وإخوتي فهم يخبرونني بأنهم بخير حال ويسألون عن أخباري

رددت عليهم وذكرت لهم بأنني بصحة جيدة وقد تيسرت إجراءات قبولي وسوف أبدأ الدراسة عن قريب


* في بداية الأسبوع الثالث من قدومي دعاني الدكتور وليم لتناول طعام العشاء في منزله لكي يعرفني على زوجته وأبنائه

كان بيته أنيقاً وبسيطاً في ذات اللحظة وقد استقبلني هو وزوجته وأولاده استقبالاً رائعاً

قدمني الدكتور إلى زوجته السيدة ليندا كانت امرأة حديدية في منتصف عقدها الرابع تلمع خصلات بيضاء من شعرها الفاحم السواد

صافحتني بحرارة وهي ترحّب بي بتواضع ظاهر وتخبرني بأنها في شوق منذ زمن للقائي

انتابتني موجة حرج واضحة وقلت متلعثماً تشرفت بمقابلتكِ سيدتي

بعدها أخذ الدكتور يعرفني على أبنائه

هذه يا صديقي فارس جيانا وهي في الثامنة عشرة من عمرها وهي في سنتها الأخيرة من الثانوية ( فتاة لاتشبههم بل عليها ملامح عربية .... ووجهها يشع منه حزن دفين

انحنت جيانا مرحبة بي ... بادلتها بالترحيب وأنا أستمع للدكتور يكمل تعريفه وهذا هو ابني جيمس في الثانية عشرة من عمره وما زال في المرحلة الابتدائية

تبسمت إليه وقلت كيف حالك عزيزي جيمس ؟

أجابني وهو يبتسم : بخير سيدي لقد سررنا بزيارتك

وبحركة مفاجأة أخذ الدكتور يركض وسط ضحكات أبنائه ليمسك بالصغيرة فقد هربت حالما رأتني أقترب منها ... حملها والدها وأتى بها وهو يضحك إنها موفي في الثالثة من عمرها وهي تخشى الغرباء ثم تدارك وهو ينظر إليّ بحرج لكن السيد فارس يا صغيرتي ليس غريباً أبداً فهو صديق والدكِ الحميم !!

أخذني الدكتوروليم إلى صالون الاستقبال حيث تبادلنا الأحاديث الودية وقد تباسطت كثيراً مع جيمس فقد أخبرني بأنه يحب رياضة ركوب الخيل ومما زاده سروراً بأنني أبديت عشقي لهذه الهواية أيضاً ، بعد لحظات قفز جيمس وسط استغراب الجميع وراح يركض وهو يقول لقد نسيت أن ألقي على فرسي تحية المساء ضحكنا من تصرفه وقالت والدته : يا له من فتى مشاكس دائماً يحرجنا بحركاته الكثيرة أمام الضيوف !

هوّنت عليها الأمر وقلت هؤلاء هم الأطفال لا يتنبؤ أحد بتصرفاتهم الفجائية

أثناء ذلك استدعى أحد الخدم الدكتور وليم لورود اتصال هاتفي إليه بينما استأذنت السيدة ليندا لتلقي نظرة على طاولة الطعام لتتأكد من جاهزيتها

لم يكن في الصالون إلا أنا وجيانا هنا سألتها عن هواياتها فقالت : إنها تعشق قراءة القصص البوليسية بل ولها محاولات جادة في كتابة بعض القصص

تكلمنا بعدها عن فن القصة والرواية وأشهر الروائيين العالميين وقد أبدت إعجابها كثيراً عندما أبديت عدة ملاحظات على بعضهم ونقدت طرق كتاباتهم

تساءلت جيانا وقالت : يبدو بأنّ لك باعاً طويلاً في نقد الروايات يا سيد فارس ؟

شكرتها على إطرائها وقلت : ليس لديّ خبرة كبيرة لكن من كثرة اطلاعي ومتابعتي للكثير من الروايات أضحت لديّ ملكة بسيطة في النقد وتمييز العمل الجيد من غيره

هنا قامت جيانا بشكل مفاجئ وصعدت إلى الأعلى وما هي إلا لحظات حتى أتت بأوراق مطبوعة على شكل ملزمة وقدمتها لي وقالت : هذه آخر رواياتي التي كتبتها وأرجو منك قراءتها وإبداء ملاحظاتك عليها
شكرتها على ثقتها ووعدتها بفعل ذلك وقلت لها باسماً : لا شك بأنني سأستمتع كثيراً بقراءتها ...

نظرت إلى عنوانها كان عنواناً حزيناً ومبهماً في نفس الوقت أظنه يعكس ما أراه من نظرات جيانا الشاردة وصمتها الطويل في حضرة والديها وبرغم كل رغد العيش الذي تحياه هنا إلا أنني شعرت بأنها ليست سعيدة من داخلها !

لا أدري أحسست وقتها بهذا الأمر !

طرأ عليّ سؤال مفاجئ - كعادتي - ألقيته على جيانا دونما تفكير

عفواً جيانا ... هل أنتِ سعيدة وراضية بحياتكِ ؟

رمقتني بنظرة متعجبة وكأنها لم تتوقع سؤالاً كهذا !!

سكتت لبضع لحظات ثم قالت : لكن ما مناسبة هذا السؤال يا سيد فارس ؟

تلعثمتُ قليلاً وندمتُ على تهوري فلست أملك إجابة حاضرة لكنني تذكرت عنوان روايتها وتذرعت به سبباً لسؤالي فقلت :

إنّ عنوان روايتكِ فيه نوع من الحزن والقلق في ذات اللحظة ..

( المعذبون بصمت ) أليس عنواناً حزيناً عزيزتي ؟!!

صمتت هنيهة ثم نظرتْ إليّ نظرة طويلة تلاقت نظراتنا ولمحت بعينيها آلاف المعاني المبهمة والتي لا أجد لها تفسيراً !!

عندما أرادت التحدث إذا بصوت والدها وهو يقول : هيّا يا سيد فارس تفضل إلى العشاء ... مرحباً بك


انزعجت كثيراً لعدم سماعي لما تريد أن تقوله جيانا فأنا لا أعرف هل أجد فرصة أخرى للالتقاء بها أم لا ؟

بعد انتهائنا من تناول طعام العشاء - وقد كان عشاء لذيذاً بحق -

دعاني وليم وزوجته لاحتساء الشاي خارجاً في حديقة منزلهم فقد كانت حديقة كبيرة فيها العديد من الأشجار والحقول المتناثرة بالإضافة إلى اصطبل صغير فيه ثلاثة خيول كلها تخص جيمس الولد المدلل

ولم يفت الفتى أن يستعرض قليلاً أمامنا بفرسه الجميلة والتي كان يحبها كثيراً ... كنت أستغرق في الضحك أنا ووالديه من بعض حركاته البهلوانية وعندما حانت منّي التفاتة إلى جيانا رأيتها مطرقة برأسها إلى الأسفل وهي تعبث بخصلات شعرها الذهبية وتنكث بعود صغير معها الأرض

تمنيت حينها بأنني لم أقذف بذلك السؤال الغبي عليها لكني اكتشفت في ذات الوقت بأنّ سؤالي قد نبش جرحاً غائراً في صدرها .. لم أزل أتساءل عن قصته ؟!!


بعد تناولنا الشاي ... تمنيت لهم ليلة طيبة وشكرتهم على حسن ضيافتهم ولوّحت بورقات رواية جيانا من بعيد وقلت لها : سوف أبعث لكِ بملاحظاتي أيتها الكاتبة العظيمة حالما أنهي قراءتها ... ابتسمت جيانا ففرحت لذلك بعدما أحزنتها

وقبل أن أخرج من باب المنزل لحقتني الصغيرة موفي وبخطوات متثاقلة نزلتْ الدرجات الثلاث السفلية وهي تشير إلى كراس صغير في يدها

لم أفهم ما تريد .. أنقذ حيرتي صوت السيدة ليندا وهي تضحك وتقول : إنها تريد أن تخبرك بأنها تستطيع تهجي بعض الحروف الأبجدية

علّق الدكتور وليم : يبدو بأنها غارت من أخيها فأنت لم تعطها أي اهتمام !

انحنيت إليها وحملتها على كتفي وقلت : أوه يا صغيرتي أنا آسف جداً

هيّا أسمعيني ما تحفظينه ؟

قالت والدتها هي لا تحفظ جميع الحروف إنما فقط الأحرف الستة الأولى ففي كل يوم نعطيها حرفين تحفظهما وتتعلم على كتابتهما

نظرت إلى الصغيرة وهي تبتسم بخجل وقلت : حقاً إنه لشيء جميل

أردفت والدتها : ما هو الحرف الأول يا حبيبتي ؟
قالت الصغيرة : إنه a
وما هو الحرف الثاني ؟
إنه b
قالت جيانا وهي تبتسم : وما هو الحرف الثالث عزيزتي ؟
قالت موفي : إنه c
قفز جيمس واختبأ خلفي والصغيرة تبحث عنه .... أنا هنا موفي ... ما هو الحرف الرابع يا شقية ؟

أجابت موفي : إنه d

نظر إليّ الجميع وهم يبتسمون يبدو بأنه دوري في السؤال

التفتُّ إلى الصغيرة – ولم أزل أحملها – وما هو الحرف الخامس يا حلوة ؟

أجابت : إنه e

تحولت الأنظار إلى والدها لم يتبق إلا هو لم يسأل ضحك عالياً وبصوته الجهوري قال :

وما هو الحرف السادس أميرتي ؟

قالت موفي : إنه f يا بابا

أعادها مرة أخرى الحرف السادس ما هو ؟

إنه f

قوليها بصوت عالٍ حلوتي ؟
إنه f

تبسمت الأم وقالت : لقد أنهى والدكِ اللعبة

هيا عزيزتي انزلي فقد أتعبتِ السيد فارس

أنزلتُ الصغيرة وسط تمنعها ثم ودعتهم وانصرفت

كانت المسافة بين سكني الجديد وبين منزل الدكتور وليم حوالي عشر دقائق سيراً على الأقدام فرفضت أن يوصلني بيل بعد أن وجدته ينتظرني خارجاً وفضلت التمشي على قدميّ وفي ذهني يتردد سؤال وليم لابنته الصغيرة

وما هو الحرف السادس يا أميرتي ؟

إنه f يا بابا


كم أنا غبي للتوّ اكتشفت بأنّ الحرف السادس في الأبجدية الانجليزية هو حرف f ، لقد اتضحت الرموز !

الأرقام 666 تقابلها الحروف f f f

لكن ماذا يعني ذلك ؟ مجرد حروف وأرقام ليس لها أية معنى ؟!!

أحياناً يتوقع الإنسان بأنه اقترب من فهم الحقيقة فيظنها لا تبعد عنه سوى عدة خطوات بينما هو في الواقع يسير في الاتجاه المعاكس مئات الخطوات

إنها فكرة مؤلمة !!

لكن لماذا أنا أشغل نفسي وأقلق خاطري بهذه الترهات ؟

لم أفق من تخبطاتي إلا بعد أن تجاوزت سكني بعدة أمتار ...

كان سكني الجديد متواضعاً بعض الشيء لكنّ ترتيبه مريح وهادئ

هناك غرفتان ودورة مياه ومطبخ صغير

ويقع في الطابق الثالث في إحدى العمارات المبنية على الطراز الأمريكي القديم وقد قدّم الدكتور وليم اعتذاره لعدم توفر سكن آخر يكون قريباً منه ويكون مناسباً أكثر

الحقيقة فكرة القرب من منزل الدكتور وليم فكرة جيدة لأنني أحتاج إليه كثيراً خاصة عند رغبتي الذهاب إلى مكان بعيد فما عليّ إلا أن أتصل على بيل فيأتي سريعاً دونما تردد ، فقد نشأت بيني وبينه صداقة من نوع خاص فكان يزورني كثيراً ونخرج مع بعضنا البعض للتنزه في المدينة

حاولت أن أتعرف على حياة الدكتور وليم بطرح أسئلة على بيل لكنه يجيب إجابات مقتضبة ومختصرة وكأنّ الدكتور قد أوصاه بذلك !


*** لقد كنت إلى حد هذه اللحظة أحرص على عدم ترك الصلاة مهما كان لكنّ الشيطان بدأ يغويني بتأخيرها والتهاون بأدائها .. بدأت أشعر بكآبة مقيتة عند فرشي لسجادتي لكي أصلي

الشيطان !!

كم طرق مسمعي كثيراً هذه الأيام خاصة من الدكتور وليم فهو يتكلم بأشياء لا أكاد أفهمها ...

يتحدث عن : (الحرية وتمجيد القوة والانغماس في اللذة ويؤكد كثيراً على أهمية إتباع الأفكار الشيطانية فيقول : إنّ أفكار الشيطان محسوسة وملموسة ومشاهدة ولها مذاق , فهي تفعل في النفس والجسم فعل الترياق ، والعمل بها فيه الشفاء لكل أمراض النفس والوقاية منها )


لا أدري فكلماته تكاد تصمّ أذني ... إنني أتخبط كثيراً ، يبدو بأنّ أفكار الشيطان حقاً محسوسة وملموسة !!


كلها هلوسات لكن الشئ الوحيد الذي أعترف به الآن ويشغل كلّ بالي هي جيانا ...!

لقد خفق قلبي كثيراً عند رؤيتها لأول مرة ولا أكتمكم الحقيقة لمجرد أن أتذكرها حتى يبدأ قلبي بالخفقان بشدة إنه الحب الذي بدأ يضترم بجوانحي ....!


,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,

نظرة الحب
09-11-2011, 05:48 PM
( 6 )


بعد عدة أيام وفي عطلة نهاية الأسبوع دعاني الدكتور وليم لقضاء سهرة في منزله وذلك بمناسبة مرور خمسة عشر عاماً على زواجه من السيدة ليندا

آه كم أصبحت أحبّ هذه السهرات فهي ممتعة للغاية !!

كما أنّ لهذه السهرة طعم خاص فهي فرصة سانحة للالتقاء بجيانا مرة أخرى

لكن لماذا يقول بمناسبة مرور خمسة عشر عاماً على زواجهما وابنته جيانا في الثامنة عشر من عمرها كما ذكر لي ؟!!

هل أخطأ ؟ أم أنا المخطئ ؟ فربما قال ثمانية عشر عاماً

لكني متأكد بأنه قال : خمسة عشر عاماً !!

لكن لا يهمّ فالمهم أن أستمتع بأكبر قدر ممكن من الوقت لذا قررت الذهاب مبكراً

كنتُ أول الحاضرين وبلا شك فإنني أعتبر نفسي فرداً من أفراد عائلة وليم بل كل أصدقائه يعتبرونني كذلك


لكني تضجرت كثيراً عندما لم أجد جيانا فسألت السيدة ليندا عنها فقالت : إنها قد ذهبت إلى بيت جدتها في الريف فهي تفعل ذلك في نهاية عطلة كل أسبوع

حاولت إخفاء مشاعري المعكرة وبدأت أشرف مع الدكتور على جاهزية الترتيبات ...

تأكدت بنفسي من كل شيء ... الفرقة الموسيقية ، حسن اصطفاف الطاولات وترتيب مكان جلوس الزوجين المحتفلين

وعندما بدأ المدعوون بالتوافد كنت إلى جوار الدكتور وزوجته لاستقبالهم

كان عدد الحضور كبيراً ومن طبقات كثيرة من المجتمع فمكانة الدكتور الاجتماعية ليست بالهينة فهو أستاذ جامعة سابقاً ، ورجل الأعمال المعروف الآن !


كنت أشرف على ترتيب جلوس المدعوين وتوزيع المرطبات بنفسي

أخذ الزوجان مكانيهما فتقاطر عليهما الأصدقاء وقدموا لهما بعض الهدايا والتحف بهذه المناسبة السعيدة

ثم بعد ذلك بدأت الفرقة الموسيقية بعزفها وأديرت الكؤوس وراحت الأجساد تتراقص إلى جانب بعضها البعض ، أخذت ألهف الكأس وراء الكأس حتى ثملت ...

لم أشعر بنفسي بعدها ورحت في هيام ممتع ... أفقت بعد فترة وتوقفت عن الشراب حتى أستطيع أن أشرف على راحة الحضور

كانت هناك عبارات تتلى على مسمع الجميع بعد توقف الفرقة الموسيقية لأخذ فترة راحة إنني أستطيع أن أتذكرها الآن :

( أطلق العنان لأهوائك وانغمس في اللذة واتبع الشيطان فهو لن يأمرك إلا بما يؤكد ذاتك ويجعل وجودك وجوداً حيوياً ... )

نظرت لمصدر الصوت لأعرف من الملقي ..

إنه الدكتور وليم فقد فتح كتاباً أمامه وأخذ يتلو بعض عباراته بصوت أخّاذ يقطر نعومة ورقة

ثم أكمل قائلاً : ( الشيطان يمثل الحكمة والحيوية غير المشوهة والتي لا خداع فيها للنفس ولا أفكار فيها زائفة سرابية الهدف )

* الحقيقة لم أكن في كامل قواي العقلية لأتفحص معاني تلك الكلمات كلّ ما كان يهمني ديمومة الشراب والانغماس في اللذة حد الثمالة وليقل هذا العجوز ما يشاء !!

بعد انتهاء السهرة وعند تباشير الفجر وبعد أن ودعنا الضيوف حييت الدكتور وزوجته وأخذت أجرجر قدميّ إلى سكني

صعدت إلى شقتي وألقيت بجثتي على سريري ورحت في نوم عميق


في مساء اليوم التالي زارني الدكتور وليم في بيتي ... فرحت كثيراً لقدومه

لقد سيطر هذا الرجل على عقلي ومشاعري ، أخذ يتحدث عن أمور كثيرة في السياسة والاقتصاد والرياضة والأديان وكل شيء ...

كان يتحدث وكأنه عالم قد برز في كل علم ، لديه حافظة قوية وإجابات مبهرة وحجج دامغة

كنت أراه هكذا أو جهلي جعلني أعطيه هذه المكانة المرموقة

لقد حسدته كثيراً على ثقافته العالية واضطلاعه بمعرفة كل الأمور

وبعد حديث طويل وبدون مقدمات فاجأت الدكتور بهذا السؤال :

- هل أنت نصراني يا دكتور وليم ؟

- تلعثم قليلاً ثم قال : لا .. لا

- إذن أنت يهودي ؟

- أيضاً لا يا فارس !

عندما أردت أن أسأله سؤالي الثالث قاطعني وقال :

- أنا حرّ ولا أتقيد بدين معيّن !!

- حرّ !! وكيف يكون ذلك ؟

- إنني أتبع أفكاري وأحاسيسي الداخلية فهي ترشدني وتلهمني !

- هل تقصد الأفكار الشيطانية مثلاً ؟!!

- ضحك وليم وقال : أحسنت يا فارس لقد راهنتُ كثيراً على ذكائك !

ثم قال : إنها حكمتي الأبدية ومصدر تأجج العاطفة لديّ :

( أطلق العنان لأهوائك وانغمس في اللذة واتبع الشيطان ... )

قاطعته حسناً يا دكتور فقد سمعتها قبل هذا وأنا أحفظها جيداً

عندما أردت أن أناقشه في مضمون عباراته غيّر مجرى الحديث مباشرة وقال : ما رأيك يا فارس بسهرتنا ليلة البارحة ؟

لقد عرف من أين تؤكل الكتف فهو يعرف محبتي لمثل هذه السهرات وقد طرق على الوتر الحساس لديّ
أجبته : كم هي في غاية الإثارة !!

قال وهو يفرك يديه : ألا ترغب بواحدة مثلها هذه الليلة ؟

كدت أصرخ من الفرحة : حقاً يا للروعة !! كم أود ذلك فعلاً !!

- إذن كن مستعداً عند الواحدة بعد منتصف الليل

- تعجبت : الواحدة بعد منتصف الليل أليس وقتاً متأخراً يا دكتور ؟!!

- لا عليك عزيزي هكذا هي ظروف من سنذهب إليه ثم هو الذي أصرّ على حضورنا !

- إن كان الأمر كذلك فأنا بانتظارك بكل شغف !


،،،،


** عند الواحدة إلا خمس دقائق كنت أتمشى خارجاً في انتظار الدكتور وليم

رأيت سيارة قادمة فعرفت بأنه هو لكنّ السيارة مختلفة ويقودها الدكتور بنفسه .. صعدت إلى السيارة

وسألني مباشرة : هل رآك أحد عند ركوبك ؟

تعجبت من سؤاله : ثم تلفتُّ إلى الوراء وقلت لا أعتقد ذلك لكن أين بيل ؟

قال : إنه نائم فلم أشأ أن أزعجه

كانت نظراته زائغة ومشتتة وكأنه يخشى من وقوع شئ ما

عفواً دكتور هل هناك ما يقلقك ؟

نظر إليّ وقال : لا .. إنني أشعر بدوار بسيط وألم في رأسي فحسب !

إذن دعنا نعود فالقضية مجرد حفلة

لا ... مستحيل أن نعود .. سأكون بخير

أخرج علبة صغيرة يبدو بأنها أقراص مسكنة لألم الرأس وأخذ منها قرصاً ثم تناول جرعة من علبة مياه معدنية كانت بجانبه وقال : سوف أشعر بالتحسن بعد قليل

حاول أن يعود لطبيعته المرحة لكنني أشعر بقلق ينتابه من داخله فهو يردد نظره كثيراً على مرآة السيارة الأمامية بشكل مستمر

وبسرعة عالية أخذنا طريقاً لم أسلكه من قبل وكأنه طريق سفر !

ولمسيرة ساعتين دخلنا بعدها إلى بلدة ريفية صغيرة ليس فيها سوى أعمدة قليلة للإنارة


الحقيقة شعرت بخوف بدأ يساورني مما دعاني لسؤال الدكتور وليم : هل أنت متأكد يا دكتور من الطريق جيداً ؟! أخشى بأننا قد تهنا !


نظر إليّ وعيناه تبرقان كعينيّ قط أسود وقال : أنا متأكد تماماً من طريقنا !

عفواً دكتور .. لكن لا يوجد مباني مأهولة هنا !!

أشار إليّ بالصمت


** عندها بدأت السماء تتلبد بالغيوم وما هي إلا دقائق حتى اكفهرّ الجو وعلت الأغبرة فأخذت أصوات الرياح بصفيرها خارج سيارتنا



كان وليم يقود السيارة وسط العديد من الأشجار اليابسة وقد انقطع بنا الطريق العام وأصبحنا نسير على طريق ترابي وكلما تعمقنا بدأت المساكن الريفية بالتلاشي خلفنا


حانت منّي التفاتة إلى وليم وقد أصبح وجهه مرعباً في وسط هذا الظلام الطاغي وبدأ يضحك بصوت مرتفع وأخذ يهذي :

( أطلق العنان لأهوائك وانغمس في اللذة واتبع الشيطان فهو لن يأمرك إلا بما يؤكد ذاتك ويجعل وجودك وجوداً حيوياً )


ماتت الكلمات على شفتيّ فقد تخيلت بأنه يتحول إلى ذئب مفترس تقطر من أشداقه الدماء ...!!!


الظلام دامس ومرعب ..

حاولت أن أشعل لمبة السيارة لكنها كانت مكسورة خلتُ أنها كسرة متعمدة


نظرت مرة أخرى إليه ولم يزل يهذي :


( أزهق الحب في نفسك لتكون كاملاً وليظهر أنك لست بحاجة لأحد وأنّ سعادتك في ذاتك لا يعطيها لك أحد ، انزع حقوقك من الآخرين بقوة )




* كان يقولها وكأنه يوجهها إليّ ويقصدني بها وهذا هو الواقع فلم يكن معنا أحد غيرنا

نظرت إلى الخلف فرأيت رجلاً أسوداً ينام في المقعدة الخلفية صرخت : من هذا الذي بالخلف يا وليم ؟


علت ضحكاته وبسخرية قال : يا لك من شجاع يا فارس ؟ إنه معطفي ! ألا تذكره ؟ لقد ارتديته عندما أتيت من المطار ؟ لقد أخبرني بيل بذلك فقد وضعته في سيارتي تلك متعمداً !!

- ولماذا وضعته ؟

- لقد عرفت بأنك ستحتاجه وهذا ما حدث فعلاً !!

ثم قهقه وقال : إنك فتى طيب يا فارس !! بل أنت ساذج !

أغضبتني كلمته تلك وقلت بصوت عالٍ : ساذج ولماذا ؟

لأنك اتبعت الخطوات التي رسمها شيطانك الأعظم !!

لقد وقعت في الفخّ يا فارس !!

ماذا تقصد ؟ وعن أي شيء تتحدث ؟!!

لم يجبني إلا بضحكات هستيرية وكأنه قد فقد عقله وقتها

هنا دوّت صاعقة بمقربة من سيارتنا وقد ضربت إحدى الأشجار العالية إلى جانب الطريق وانشقت الشجرة إلى نصفين وكادت تقع علينا


أخذت أسترجع شريط الأحداث الذي مرّ بي سابقاً عند مقابلتي لجورج وتحذيره لي من وليم ؟!

يكاد قلبي يتوقف من الخوف !!

هل حقاً ما قاله ذلك الرجل بأنّ وليم شرير وحقير ؟!! لقد بدت دلالات تلك الكلمات تتضح الآن ؟

لكن أين يريد أن يأخذني ؟!! ولماذا نحن في هذه الأماكن المرعبة ؟!!


لا أفهم شيئاً ! وعقلي يكاد يتوقف عن التفكير !!


صرخ وليم صرخة مرعبة وقال : ها قد وصلنا أيها الشيطان الصغير !!

نظرت خارجاً لم تزل السماء تهطل بغزارة والرؤية معدومة فلم أتبين أي شيء

... اقتربنا قليلاً من سور أبيض أمامنا استطعت أن أراه بعد أن أشعل وليم المصابيح العالية لسيارته وركزها تجاهه


كانت هناك بوابة كبيرة سوداء ويقف إلى جانبها رجل لا نرى منه إلا عينيه تلتمعان على أنوار السيارة ، يلبس ملابس سوداء وقد وضع فوق رأسه مظلة ليحتمي من مياه المطر رمى بها عندما رآنا واقترب منا وهو يشهر رشاشه لكنه عندما رأى وليم انحنى مرحباً وأشار بيده أن تفضلا ثم سبقنا وفتح البوابة الحديدية



أوقفنا سيارتنا ونزل وليم وتسمرتُ مكاني


عاد إليّ وقال : ما رأيك أن أرجعك هناك عند ذلك الرجل اللطيف في الخارج حتى أنتهي وأعود إليك ؟


قفزت من مقعدي وخرجت فمجرد التفكير في الوقوف إلى جانب ذلك الرجل الوحش ضرب من الخيال



كانت قلعة من القلاع الأثرية القديمة ويحيط بها ذلك السور الأبيض العظيم


سألت وليم : هل ستكون سهرتنا في هذه القلعة ؟!


ضحك وقال : نعم فهي سهرة متميزة سوف تختلف عن كل السهرات الماضية !


عرفت حينها بأنني لست في سهرة اعتيادية وأيّ سهرة ستقام في هذه القلعة المرعبة ؟


ومن هو المجنون الذي سيأتي بمحض إرادته إلى هنا ؟

حاولت أن أتماسك وأنا أسير خلف وليم مع توارد خواطري بأنّ هذه الليلة ستكون الليلة الأخيرة لي في هذه الحياة


هكذا شعرت حينها !


دخلنا في سرداب أشبه ما يكون بالسلم وله درجات كثيرة


أصوات غريبة بدأتْ بالاقتراب منا وفي منتصف السرداب قابلتنا مجموعة من الخفافيش والغربان جعلتني أرتمي على الدرج بدون شعور مني


انتهت آخر درجة من السرداب وأخذنا بالسير أعتقد بأننا نقترب من أناس يجلسون في وسط هذه القاعة الضخمة فهناك بصيص أضواء يزداد كلما اقتربنا منها وأصوات همهمات بشرية بدأت أسمعها


رائحة الشموع المحروقة تعصف بالمكان .. بعد قليل صرخ أحدهم :

من هناك ؟


تسمرت مكاني وعندما اقترب منّا كشّر عن أسنانه وقال :

مرحباً بك يا وليم ومرحباً بضيفك العزيز ! لقد تأخرتما كثيراً فالجميع بانتظاركما


ابتسم وليم وقال : لقد كانت السماء تمطر مما أبطأ سرعتنا


اقتادنا إلى حيث يجلس الناس .. كانت المقاعد منحوتة من جذوع أشجار كبيرة جلس وليم بعد أن حيّا الجميع وجلست إلى جواره وأنا لا أدري أي شيء سوف يحدث لي ؟!!


نظرت إلى الحضور لمحت العديد من الرجال والنساء ومجموعة من الأطفال يجلسون في زاوية قريبة من مقاعد الكبار .. كانت المقاعد مصممة على شكل قوس كبير



الحقيقة بدأت أشعر بالأمان قليلاً خاصة عند رؤية النساء والأطفال .


كانت هناك منصة خشبية تحيط بها الشموع ... خرج أحدهم من خلف الستار وهو يرتدي رداء كهنوتياً مشقوقاً من ثلاثة أماكن في جسده تذكرت حينها أولئك السحرة الأبالسة الذين رأيتهم في التلفاز في يوم من الأيام وكان إلى جانب هذا الساحر طائر بوم وضفادع بدأت بالتقافز في كل مكان من المنصة
صرخ صرخة قوية قفزت إلى الأعلى من إثرها


بعدها مدّ قدمه اليسرى إلى الأمام وأخذ يتلو عبارات لم أفهمها

ثم بدأ يرمقني بنظراته المرعبة ويشير إليّ بيده أن تعال

تجمدت مكاني ثم التفتُّ إلى الخلف لعله يريد شخصاً آخر لكنني رأيت كل النظرات تلحظني والأيادي تشير إليّ فعرفت بأنني المقصود


,,,,,,,,,
,,,,,,,,

نظرة الحب
09-11-2011, 05:48 PM
( 7 )



ركلني وليم بقدمه وقال : ألم تسمع ؟! إنه يناديك .. اذهب فوراً قبل أن يغضب

- تساءلت وأنا أكاد أبكي : ولماذا يناديني أنا بالذات ؟!

- قال وليم وهو يصرّ على أسنانه من الغيظ : اذهب أيها الغبي فكل هؤلاء مجتمعون من أجلك

- من أجلي أنا ؟ ولماذا ؟

- هذه حفلة انضمامك إلى جماعتنا أيها الشيطان الصغير ... هيّا قم !

- جماعة !! وأي جماعة ؟

عندها صرخ الساحر مرة أخرى : لماذا لا تأتي أيها الشاب ؟

وقفت سريعاً وبلعت ريقي وأخذت أخطو خطوات متقاربة حتى وصلت إلى درج المنصة الخشبية عندها ابتدرني أربعة رجال ورفعوني إلى أعلى ولم أبدِ أية مقاومة لأنّ كل جسمي قد تصلب حينها وعروقي قد جفت دماؤها

ثم بدأ الساحر يترنم وهو يشير إلى تمثال قد أحضر بين يديه :

( أيها الشيطان الأعظم هذا أحد محبيك قد أتاك طائعاً فامنحه السعادة الأبدية واجعله هانئاً في حياته إن هو أطاعك وإن لم يأتمر بأوامرك فالموت هو مصير كل خائن نعم ... الموت )
انتفضت ثم سقطت من فوق رؤوس الرجال والقاعة كلها تردد

الموت ... الموت


استطعت تمييز صوت وليم من بين كل تلك الأصوات وهو يقول : لك الموت إن خنت يا فارس ، سوف تموت إن خنت يا فارس


أوقفني الرجال وبصوت مجلجل قال الساحر : هاه ماذا تقول ؟ هل تنظم إلينا يا فتى ؟

نظرت إلى الأمام فإذا بكل الحاضرين يضعون أيديهم على حلوقهم ويسحبونها قليلاً قليلاً إشارة بالذبح إن لم أقبل


صرخ الساحر مرة أخرى : ماذا تقول ؟ هل تنظم إلينا ؟


هززت رأسي بالموافقة وأنا أكاد أغصّ بريقي


صفّق الجميع وأخذوا يهتفون باسمي


ثم أتي بسكين كبيرة فتساءلت والخوف يكاد يقتلني : لماذا ؟ لقد وافقت على الانضمام إليكم ؟!!


قال الساحر وهو يبتسم : حسناً أيها الشاب سوف نشرب من دمك حتى نصبح إخوة في العقيدة !!


هجم عليّ الأربعة الرجال وألقوني على الأرض ثم جرحني أحدهم بالسكين من فخذي بدأ دمي ينسكب على الأرض وأنا أشعر بدوامة عظيمة في رأسي أتوا بقدح كبير ثم رفعوني وجعلوا الدم يصبّ في القدح حتى امتلأ ثم وضعوا عليّ قطنة بالية وعصبوا جرحي بلفافة قديمة


بدأتْ القدح تدور على الحضور وهم يتذوقونها ويصرخون ببهجة .


دارت بي الأرض ، أحسست بجنون يفجّر عقلي تصاعدت كلمة الموت بذهني ورأيت الحضور جميعهم يقتربون مني وهم يرددون


( في سبيل الشيطان .. نحن عبّاد الشيطان .. الموت للخائنين الأنذال .. فليحيا قداسنا الأسود وليحيا قداسنا الأحمر ولتحيا النجمة ذات الأجنحة الخمس .. ))


تراجعت إلى الوراء وأنا أصرخ أحاطني الجميع ونظراتهم ترمقني لم أعد أقوَ على الاحتمال أكثر من ذلك تراقصت من الرعب ثم سقطت على وجهي بينهم .



،،،،،،،،،،،،



استيقظت على همسات صوت كأنني سمعته من قبل ... بدأ بالازدياد شيئاً فشيئاً

فارس .. صديقي فارس هيا انهض .. هيا عزيزي


فتحت عينيّ وما زالت غيايات سوداء تحيط بهما أخذت أمسحهما بعنف ..

تبين لي بعد قليل وجه الساحر صرخت : أنا معكم أرجوكم لا تقتلوني ! لا أريد أن أموت .. لا أريد أن أموت

- فارس ماذا حلّ بك ؟! أنا بيل

- بيل !! أعدت النظر إليه مجدداً أدرت عينيّ وراءه إنني في غرفتي إنه بيل

شعرت بارتياح كبير

- بيل أنا سعيد لوجودك ضممته إليّ وأخذت أبكي بكاء مرّا ، أسندني إلى سريري وأتى بكأس ماء وقال لي :

- اشرب يا فارس يبدو بأنك شاهدت كابوساً مزعجاً

- كابوساً مزعجاً !! لا إنما هي حقيقة حدثت لي ليلة البارحة

- ليلة البارحة !! هل أنت تهذي ؟!

- أهذي ! ربما أنا حقاً أهذي ... اقتربت من بيل وهمست في أذنه : أين وليم ؟

- إنه يتناول إفطاره في بيته

- كم الساعة الآن يا بيل ؟

- إنها التاسعة صباحاً وقد بعثني الدكتور وليم لسؤالك هل ترغب بالذهاب للجامعة اليوم ؟ فمن المؤكد بأنك نمت نوماً عميقاً البارحة فقد أخبرني الدكتور بذلك عندما سألته عنك وقال لي : إنني لم أرَ فارس بالأمس فقد كانت آخر مرة رأيته فيها في الحفل الذي أقمته وأردف قائلاً يبدو بأنه خلد للنوم مبكراً ليلة البارحة ؟


- هل قال لك وليم ذلك ؟

- نعم

- هل أنا أحلم إذاً يا بيل ؟

- من المؤكد ذلك عزيزي

- لا لا غير معقول فأنا كنت في كامل قواي العقلية

- لا أعتقد ذلك يا فارس !!

- سوف يقتلوني يا بيل .. إنهم أشرار ...!!

- ومن هم يا فارس ؟

- الساحر ووليم ومجموعتهم المرعبة ... إنهم شياطين بشرية يا بيل

- ضحك بيل وغمزني بعينه وقال : أنت مغامر حتى في أحلامك يا فارس

اعقل يا رجل ودع عنك هذه الخرافات !!

تذكرت حينها قسمي لأولئك المجرمين بألا أفشي لهم سراً أبداً




تحسست فخذي ووقعت على اللفافة المربوطة على الجرح


نظرت إلى بيل وبضحكة ساخرة قلت له : لقد كان كابوساً مزعجاً بحق !


سألت بيل لأبعده عن الموضوع كيف استطعت الدخول إلى شقتي ؟


- ضحك وقال : لقد طرقت عليك الباب عدة مرات فعندما لم تفتح قلقت وذهبت لحارس العمارة الذي صعد معي وجلب المفتاح الاحتياطي وفتح الباب تعجبت وقلت : إذاً فالحارس يملك مفتاحاً آخر لشقتي ؟!


- استغرب بيل من كلمتي تلك وقال : هذا شيء طبيعي فكل شقة لا بدّ لها من مفتاح احتياطي وهل تريد أن يعطوك المفتاح الاحتياطي أيضاً يا عبقري ؟!!


ضحكت من تعليق بيل ودعوته ليتناول الإفطار معي !



بعد تناولنا للإفطار توجهنا إلى الجامعة لمتابعة مستجدات بدء الدراسة ثم تجولنا ببعض المكتبات المجاورة لها وعدت بعدها إلى سكني


وقبل أن أنزل من السيارة ناولني بيل كتاباً ذا أوراق صفراء مهترية وقال :


إنه هدية من الدكتور وليم وقد أمرني بتسليمه لك


شكرته ثم صعدت إلى الأعلى وبيدي الكتاب


وضعت الكتاب على مكتبي ثم خلعت ملابسي فأنا أريد أن أضع مادة مطهرة على الجرح في فخذي فقد خشيت أن يتلوث وقد أمرت بيل بالوقوف عند إحدى الصيدليات واشتريت منها معقماً وبعض الشاش ولاصقات طبية للجروح


عند تنظيفي لجرحي اكتشفت بأنه خدش بسيط غير غائر فارتحت لذلك لكنّ عينيّ تسمرتا فقد نقش على أعلى ساقي اليسرى الرقم 666


هنا تجلى كل شيء فهذا هو سر الأرقام 666 أو الحروف fff


فهي من شعارات هذه الجماعة الشيطانية ، يا إلهي لقد أصبحت أحد أفرادها رغماً عني


سحقاً لي ! كم أنا مغفل وساذج لقد قالها وليم ليلة البارحة


فعلاً إنني ساذج لأبعد الحدود


كيف سمحت لأولئك الأشرار بالتلاعب بعقلي وتفكيري على هذا النحو المرير


لقد أوقعوني في حبائلهم واستدرجوني خطوة خطوة


الآن عرفت سر تلك التضحيات التي يقوم بها وليم فهو يريد أن يضمني لجماعته المشؤومة ولقد نجح


نعم إنني أقولها بكل حسرة لقد نجح !

آه كم هي مؤلمة الحقيقة !


لقد سيطروا عليّ ولو أعصي أوامرهم أو أفشي أسرارهم فمصيري معروف


إنه القتل ! إنه الذبح وبلا تردد ....!!

إما السمع والطاعة وإلا الموت


كم هو مجرم هذا الطاغية وليم !! لقد أوقعني في شراكه من أول لحظة رأيتها فيها


أظنّ بأنّ جورج كان أحد ضحاياه لذلك قد حذرني منه لكن لماذا أقدم على الانتحار ؟

لقد كان وليم يعمل لسنوات ليضمني إلى جماعته الإبليسية


لكن لماذا أنا بالذات ؟!!



آآآآه لقد عرفت

لأنني محدود التفكير وأتأثر سريعاً ونفسي متقلبة ولا أحكّم عقلي في كثير من الأمور ، لقد وضع لي الطعم في السنارة فعلقت فيها بسهولة


بدأ باستدراجي بالحفلات الصاخبة شيئاً فشيئاً حتى قادني ليلة البارحة ليعلن لرؤسائه بأنه استطاع أن يصطاد فريسة ثمينة


لقد جعلني أنحر أخلاقي وأرمي مبادئ تحت قدميّ


ويحي ماذا فعلت بنفسي ؟!!


لكن يا ترى ما هي هذه الجماعة ؟ وما أهدافها وغايتها ؟ وما هو دستورها ؟


خطرت برأسي فكرة سريعة لم تكتمل حتى نزلت إلى الأسفل بعدما ارتديت ملابسي وقصدت مقهى صغيراً إلى جوار البناية التي أسكنها كنت أتابع بريدي وأتصفح بعض المواقع عن طريقه


دخلت على أحد محركات البحث لأبحث عن جماعة عبّاد الشيطان


لقد سمعتهم هكذا يصرخون ليلة البارحة ويقولون :

( نحن عباد الشيطان .. نحن عباد الشيطان )


كنت أقرأ ويداي ترتعشان من هول ما أكتشفه عنها

يكاد عقلي يتوقف عن التفكير ، أشياء لا يتصورها أحد يقترفها هؤلاء الأوغاد .. قتل – اغتصاب – شذوذ – سحر – شعوذة ....


لقد أصبحت واحداً منهم ... نعم فأنا وافقت على ذلك لكن كان ذلك تحت تهديدهم وإرهابهم



يا رب سامحني .. يا رب تب عليّ




وقعت عيني على الرقم 666 إنه من شعاراتهم - كما توقعت - يتعارفون بها


وقد أخذ من الإنجيل ومن هذه العبارة بالذات :

( من له فهم فليحسب عدد الوحش فإنه عدد إنسان وعدده ستمائة وستة وستون ) !


لم أفهم العبارة الأخيرة لكني عرفت أنّ ذلك الرقم من شعاراتهم


طبعت عدة أوراق ثم أخذتها إلى سكني







،،،،،،،،،،،

،،،،،،،،،،



لعدة أيام لم أخرج من شقتي فقد فضلت البقاء لوحدي ولم يسأل عني أحد وكذلك أنا لم أذهب لأحد حتى بيل لم أره منذ ذلك اليوم


وقد قرأت عدة صفحات من الكتاب الذي أعطانيه بيل هدية من وليم الخبيث واسم الكتاب ( الإنجيل الأسود )

ومن تسميته اتضح لي التهكم الشديد الذي يحمله ، فهم ضد تعاليم الإنجيل وضد تعاليم التوراة ومن باب أولى ضد تعاليم القرآن


أثناء قراءتي وجدت نصاً مرعباً وتحديداً في الإصحاح الثامن يقول مؤلفه المجرم : ( اقتل ما رغبت في ذلك ، امنع البقرة من إدرار اللبن ، اجعل الآخرين غير قادرين على الإنجاب ، اقتل الأجنة في بطون أمهاتهم ، اشربوا دم الصغار واصنعوا منه حساء ، اخبزوا في الأفران لحومهم واصنعوا من عظامهم أدوات للتعذيب )



أحسست بالاشمئزاز من متابعة القراءة فقررت التوقف بعد أن أصبت بهلع شديد وأنا أتخيلهم وهم يشربون من دمي وأنا أصرخ بينهم في تلك الليلة المفجعة ... يا لها من ليلة ليلاء لم أشهد بحياتي مثيلاً لها !


شعرت بصداع عنيف يعبث برأسي استلقيت على سريري وأنا في حالة إعياء شديد



بعد دقائق من إغفائي سمعت طرقات متتالية على باب شقتي كانت متواصلة ولم تتوقف ، عرفت بأنّ هناك حدثاً قد وقع وخطر بمخيلتي بأنه حريق خاصة وأنا أشم رائحة أشياء تحترق



ارتديت ملابسي سريعاً وما زالت الطرقات تتوالى فتحت الباب .. إنه بيل وصدره يهبط ويعلو
صرخت بوجهه :






- بيل بالله عليك تكلم ماذا جرى







- جيانا يا فارس .. جيانا






- جيانا !! وماذا حلّ بها ؟



؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

نظرة الحب
09-11-2011, 05:49 PM
( 8 )

- صمت بيل قليلاً يستعيد أنفاسه بينما كادت نبضات قلبي أن تتوقف

- لقد اختطفت جيانا يا فارس ؟

- ماذا ؟ أمسكت بتلابيب قميصه وهززته هزاً عنيفاً وأنا أقول : تكلم من الذي خطفها ؟

- حاول بيل أن يتخلص من قبضتي القوية وهو يقول : اهدأ يا فارس أرجوك اهدأ ... لا أحد يعرف من الذي خطفها !!

- أنزلت يدي من حلق بيل واعتذرت له ثم قلت : ومنذ متى فقدت ؟

- منذ أكثر من يوم !

- وأين والدها وأين والدتها ؟ ألم يفقداها ؟!!

- أظنك تعرف يا فارس بأنها كانت تقضي أيام العطلة الأسبوعية عند جدتها وقد كان موعد حضورها الأحد الساعة العاشرة ليلاً وعندما تأخرت عن المجيء ذهب والداها إلى بيت جدتها والتي أكدت بأنها لم تقدم إليها هذا الأسبوع أبداً

- ومتى كان خروجها من البيت ؟

- في صباح السبت

- من الذي يقوم بتوصيلها دائماً أليس أنت يا بيل ؟

- لا ، فهي ترفض ذلك وتذهب وتعود عن طريق القطار !

- يا للهول إنه لشيء مؤسف ! هل أخبرتم الشرطة ؟!

- نعم ، والتحريات على أشدها

قررت أن أذهب مع بيل إلى بيت وليم فمهما حدث لا بدّ أن أكون بقربهم فالمصيبة قاسية على قلبيهما بلا شكّ خاصة على أمها المسكينة

استأذنت بالدخول إلى المنزل ..

قابلني جيمس كانت عيناه مليئة بالدموع وما إن رآني حتى ارتمي في حضني وأخذ يبكي وهو يقول : لقد اختطفت جيانا يا سيد فارس ! أرجوك أعدها إلينا

ربّتُ على كتفه ورفعت وجهه إلى الأعلى وقلت لا تخف عزيزي ستعود بالتأكيد

كان الدكتور وليم يجلس هو وزوجته قريباً من الهاتف .. ألقيت التحية وجلست

كان منظراً مأسوياً بحق

الأم قد تورمت محاجرها من شدة البكاء أما وليم فهو ينشج ويتأوه بشكل محزن للغاية

ساد صمت مهيب ولم يتكلم أحد

فكم هو فظيع أن تقف عاجزاً عن فعل أي شيء !!

تصبح الأرض الجافة ترنو بعينيها إلى السماء تنتظر متى هي تمطر ؟!

كان الوالدان كذلك قد ركزا أعينهما وآذانهما على الهاتف تحسباً لأي اتصال يبلّ جدب قلبيهما المتعطشين


* لم أطق هذا الجوّ القاتم .. رميت بعدة كلمات تطمينية ثم ودعتهم وانصرفت

عند خروجي مررت إلى جوار غرفة بيل فأحببت أن أخبره بانصرافي وعندما اقتربت سمعته يهمهم بكلمات خافتة وهو يتحدث بالهاتف وقد ميزت اسم جيانا من خلال كلماته

فتحت باب غرفته عليه دون طرقه ارتعب من دخولي فجأة

أغلق السماعة وهو يقول بارتباك :

- فارس أهلاً بك ... الحقيقة لم أتوقع خروجك سريعاً على هذا النحو ؟!

- قلت له : لم أستطع احتمال الجلوس هناك فالمنظر موجع !

- إذاً تفضل سوف أحضر لك كوب شاي

- أشكرك بيل لكن أحببت فقط أن أخبرك بانصرافي

خرجت من عنده والوساوس تعمل في ذهني هل يعقل أن يكون بيل متورطاً في خطف جيانا ؟!!

لا أصدق ذلك فقلبه طيب وهو شاب محترم

لكن لو وقع ذلك حقاً ! فلماذا فعل ذلك ؟

أهي عملية ابتزاز ؟!!

أبعدت عن مخيلتي هذه الوساوس وأنا أقول مستحيل أن يفعلها بيل !

بعد دقائق وصلت إلى شقتي ..

الحقيقة كانت الصدمة عنيفة عليّ

إنها فتاة تقطر براءة وطهراً لماذا يفعل بها ذلك ؟

كنت أتخيلها وهي تتعذب أو تئن تحت وطأة أغلال القيود فأنتفض من فوق سريري

آه يا جيانا ليتني أعرف مكانكِ لأنقذتكِ ولو كلفني ذلك حياتي

لم أستطع النوم تلك الليلة وكذلك لم آكل أي شيء ، اتصلت لأكثر من خمس مرات بمنزل وليم لكن لا جديد
نسيت كل ما حدث في الأيام الماضية وتملك تفكيري شيء واحد وهو كيف أستطيع أن أجد جيانا وأين هي الآن ؟

أصبحت أدور في حجرتي كالمجنون أفكر وأفكر لكن دونما فائدة ...!

أثناء دوراني تعثرت بطاولة صغيرة في غرفتي كانت عليها أوراق كثيرة مبعثرة فتشتت فبدأت ألملمها فرأيت شيئاً قد نسيته

إنها رواية جيانا التي أهدتني إياها .... ( يالغبائي ) ...!

لقد نسيت قراءتها وانشغلت بذلك الكتاب الشيطاني الإنجيل الأسود

فتحت الورقة الأولى وإذا بإمضاء جيانا :

( إهداء للسيد فارس أرجو أن تستمتع بقراءتها ويسعدني أن تكون أول قارئ في العالم لروايتي المتواضعة )

استغربت بأنني لم ألمح إهداءها أثناء تصفحي لروايتها عندما كنت في منزلها لكن ربما كتبته أثناء قيامنا لتناول العشاء

رغم كل الإرهاق الذي حلّ بي جراء التفكير المضني إلا أنني أحسست بنشاط عجيب لقراءة روايتها

المعذبون بصمت

إنه عنوان قاسِ بلا شك .. تحمل مدلولاته معاني عديدة !

* كانت جيانا تحكي قصة وقعت في بلدة صغيرة لعائلة مكونة من أب وأم وفتاة في السابعة عشرة من عمرها ...

كانت هذه الفتاة تدعى سندريلا

من المؤكد بأنّ جيانا متأثرة بهذا الاسم الشهير

كانت قصتها بأسلوب بسيط لكن فيه الكثير من العمق ،شعرت بأنها تحكي عن قصة وقعت فعلاً وليست خيالية

في نهاية الرواية وبعد فصول طويلة من الوصف الدقيق لعائلة سندريلا ورحلاتها التي قامت بها حول العالم
حدث نبأ سيء لعائلتها فقد مات والداها في ظل ظروف غريبة غامضة

أما هي فعاشت يتيمة تخدم في بيوت أناس آخرين وكانوا يعاملونها على أنها فتاة فقيرة معوزة ..

وفي فصل ختامي بعنوان : لماذا قتلوا أبي ؟

قالت سندريلا : لقد خشوا منه أن يفشي أسرارهم الشريرة لقد عذبوه هناك في القلعة المهجورة ثم قتلوه بعد ذلك ولسوف أنتقم من الأشرار في يوم من الأيام

عند انتهائي من قراءة الرواية تقافزت إلى ذهني أحداث تلك الليلة الأسطورية التي عشتها في تلك القلعة المهجورة

كأنّ جيانا تحكي مأساة حدثت على أرض الواقع وليس من نسج الخيال

حينها تذكرت نظراتها ذات المعاني الغامضة عندما سألتها ذلك السؤال المحرج عندما كنت في منزلهم

يبدو بأنني قد بدأت أهذي ..

الناس يبحثون عنها وأنا هنا أقرأ رواية خيالية وأضع توقعات أبعد ما تكون عن الواقع

هي مجرد رواية خيالية كتبتها جيانا فوالداها ما زالا على قيد الحياة وهي تتمتع برعايتهما وعطفهما

** كان بيل هو صديقي الوحيد الذي أبثه شكواي دونما خوف أو قلق لكن الآن قد أصبحت أشكّ في بيل نفسه

يا ترى هل أعيش في وسط مأسدة سباع ؟!

كل شيء يدعو للحذر والقلق والخوف وكأنني في أرض كلها ألغام ويجب عليّ أن أترقب أين أضع قدمي في كل خطوة !!


,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,

نظرة الحب
09-11-2011, 05:49 PM
( 9 )


في صباح اليوم التالي اتصلت على بيل فقد عزمت على شيء خطر في ذهني ولا بدّ أن أقوم به ! انتظرته في الأسفل فلم يكن لديّ وقت أضيعه وبعد حضوره سألته هل تعرف منزل جدة جيانا ؟!!

تعجب من ذلك وقال : بكل تأكيد يا فارس لكن لماذا ؟

أخبرته بأني أريد أن أسأل الجدة بعض الأسئلة عن حفيدتها !

ضحك بيل وقال : لقد أخذ المحققون كل أقوالها فماذا تريد أن تفعل أنت ؟

أشرت إليه مغضباً : إن كنت لا تريد إيصالي فأخبرني بالطريق المؤدي إليه وأنا سوف أذهب إلى هناك !!

لا .. يا عزيزي سوف أوصلك أرجوك لا تغضب قالها بيل وهو يفتح باب السيارة لي

كانت قرية ريفية هادئة وجميلة فيها الكثير من الحقول والبساتين

أما المساكن فهي عبارة عن أكواخ صغيرة متناثرة هنا وهناك ويتعرج من خلالها نهر صغير يمد القرية بالماء لري مزروعاتها وقد قابلتنا العديد من الأبقار تجر بعض العربات

الحقيقة فتنت بهذه المناظر الخلابة وعرفت سبب عشق جيانا لهذه القرية الوادعة ..!

إلى تل صغير كان يربض كوخ جدة جيانا ..

عنزات عديدة تدور حول الكوخ وهي ترعى من البساط الأخضر المفروش تحت أقدامها رأيت عجوزاً تجلس مع نسوة أخريات أصغر منها سناً بجانب الكوخ ..

أشار بيل إليها وقال : تلك هي جدة جيانا

تفرقت النساء سريعاً عندما نزلت فاستغربت ذلك وفهمت لماذا تفرقن عندما سمعت إحداهنّ وهي تخاطب الجدة : أعانكِ الله يا جارتنا الطيبة كلّ صباح وأنتِ مع هؤلاء القساة فعرفت بأنها تقصد رجال الشرطة والمحققين

طلبت من بيل أن ينتظر في السيارة وإذا أراد أن يتمشى قليلاً على قدميه فله ذلك على أن يعود إليّ بعد نصف ساعة ففضل بيل الخيار الثاني فترجل على قدميه وراح إلى جهة النهر الممتد أمامنا

بادرت بتحية الجدة فردت عليّ التحية ببرود وقالت بشيء من الامتعاض : ألم تجدوها بعد ؟!! لقد قلت كل ما أعرفه لكم إنّ قلبي يتصدع كلما تذكرتها

حاولت تهدأتها ثم قلت لها : اسمعي يا سيدتي أنا لست من المحققين المزعجين

- نظرت إليّ باستغراب وقالت : إذن من أنت ؟
- أنا فارس
رفعت العجوز عينيها والتي كانت تحيط بهما هالة سوداء وبرغم التجاعيد التي قد خطت في وجهها إلا أنها ابتسمت ابتسامة عريضة خشيت على وجهها من التشنج

- فارس !! أهلا بك يا بني أنا آسفة على تعاملي الجافي

- لا عليك سيدتي

- لقد حدثتني عنك جيانا وقد أخبرتني بأنها أهدتك عملها الروائي الأخير

- صحيح ، وها هي الرواية معي

- أخذت العجوز الأوراق وبدأت بتقليبها وهي تبكي ... وتقول بصوت متهدج : آه يا صغيرتي أين أنتِ ؟ إنني أشمّ عبيركِ في أوراقكِ

ثم أردفت قائلة : أتعرف يا سيد فارس لقد كتبتْ هذه الرواية هنا في هذا الكوخ ثم أخذت بيدي وقالت : تعال يا بنيّ لأريك المكان الذي تنام فيه وتسجل خواطرها ورواياتها

صعدت بي إلى الطابق العلوي من كوخها ..

كان المكان عبارة عن حجرة صغيرة بها سرير خشبي محشو ببعض الأقمشة وبعض القشوش من الحشائش اليابسة وإلى جواره منضدة صغيرة عليها بعض الأوراق والأقلام وإلى جانبها صورة لجيانا

قالت العجوز : هنا كانت تنام وهنا كانت تكتب .. كم يتقطع قلبي حسرة على رؤيتها

وأخذت صورتها واحتضنتها وهي لا تتوقف عن البكاء

بعد دقائق وما زلنا واقفين مسحت مدامعها ثم قالت : آسفة يا بني لم أدعك للجلوس تفضل استرح هنا

جلسنا على مقعدين من خشب وبيننا طاولة مستديرة

بدأت أسألها بعض الأسئلة عن حياة جيانا ومع من كانت تقضي وقتها في هذه القرية ؟

ثم قلت عفواً يا سيدتي .. هل أنتِ والدة الدكتور وليم ؟

قالت : لا

استطردتُ قائلاً إذن أنتِ والدة السيدة ليندا زوجته ؟

أيضاً لا يا فارس !!

حملقت فيها وفغرت فمي وقلت : لكن جيانا تناديك بالجدة فكيف يكون ذلك وأنتِ لست أماً لأحد والديها ؟!!

,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,

نظرة الحب
09-11-2011, 05:50 PM
( 10 )


تنهدت العجوز ثم قالت : إنها قصة طويلة يا سيد فارس !!

شعرت بالإثارة وبنوع من الغموض يسيطر على الجوّ

قامت الجدة سريعاً وأعدّت كوبين من الشاي ووضعتهما في صينية خشبية ومعهما بعض الكعك محليّ الصنع ثم قدمته لي وهي تقول : اعذرني يا بنيّ لقد نسيت واجب الضيافة

لا عليكِ جدتي اعتبريني مثل جيانا

كادت أن تسقط الشاي من يدها عند مناداتي لها بجدتي

جلست ثم نظرت إليّ قليلاً وقالت :

- لقد كنت أتوقع بأنك تعرف قصتها ؟!

- قصتها !! للأسف لا أعرف أي شيء !

- كل الناس يعرفون ذلك حتى صديقك بيل الذي أحضرك إلى هنا

- لكنه لم يخبرني عن أي أمر .. أرجوكِ جدتي تكلمي

بدأت الجدة تسرد عليّ قصة جيانا وقالت : اسمع يا فارس إنّ جيانا ليست ابنة للدكتور وليم ولا لزوجته

حملقت بعينيّ وأنا أقول بأحرف متقطعة : ما .. ذ .... ا ؟!

نعم يا عزيزي ليست ابنتهما

عندها تذكرت قول الدكتور عندما دعاني لحفلته بأنها بمناسبة مرور خمسة عشر عاماً على زواجهما
تساءلت إذاً من هما والداها ؟!

والدها ابني المهندس سون ووالدتها السيدة الشريفة هولاند

** كان ابني وزوجته أصدقاء أعزاء لعائلة وليم وقد حدث لهما حادث سير توفيا على إثره وقد لطف الله بجيانا بأنها لم تكن معهما في ذلك الوقت وإنما كانت مقيمة عندي تلك الليلة

مرّت بمخيلتي سريعاً رواية جيانا وبدأت أستعرض ملخصها للحظات ثم سألت الجدة : لكن كيف أصبحت جيانا تعيش هناك في منزل وليم ؟!

إن الدكتور وليم رجل شهم لم يستطع أن يترك ابنة زميله تتعذب في وحدتها فقد أتاني بعد عشرة أيام من الحادث هو وزوجته وعرضا عليّ أن تعيش جيانا عندهما ، ترددت كثيراً بالموافقة لكن ثقتي بالدكتور وزوجته جعلتني أوافق ، كذلك فإن جيانا بحاجة لرعاية رجل وقد اشترطت عليهما أن يجعلاها تزورني كل نهاية عطلة أسبوع وقد نفذا رغبتي فقد كانت تزورني بانتظام حتى حدث اختطافها في هذا الأسبوع

- معذرة يا جدة : هل كانت جيانا تشتكي من مضايقة أحد ما ؟!

- أبداً ... أبداً ، فقد كانت تحب الجميع وهم يبادلونها بنفس الاحترام والمحبة

- وكيف كانت معاملة وليم وزوجته لها ؟

- كانت في غاية الرقة واللطف ، فقد عوضاها عن فقد والديها الشيء الكثير !

- حدقت بقوة في عيني العجوز وشعرت بأنها تخفي شيئاً لا تريد أن تقوله لي فقالت مبتسمة : هل هناك شيء تفكر فيه يا سيد فارس ؟!!

- إنني أفكر في جيانا

- صحيح ، أتمنى أن لا تصاب بأذى

نظرت إلى ساعتي ضربت عليها أوه لقد مرّت ساعة كاملة دونما أن أشعر

لا بدّ بأنّ بيل ينتظرني في الخارج ومن المؤكد بأنه غاضب على تأخري

* شكرت الجدة على استقبالها الرائع وعلى هذه المعلومات التي أكرمتني بها ووعدتها بالبحث عن جيانا حتى العثور عليها وقد طلبت مني أن أخبرها بأية تطورات تحدث ثم ودعتها وانصرفت

وقبل أن أخرج نادتني الجدة وقالت : هل ستحتفظ برواية جيانا ؟

قلت لها بلا شك سأفعل

ثم أردفت قائلة : الحقيقة أنا لا أقرأ ولا أكتب ولا أدري عن أي شيء تتحدث الرواية لكنّ جيانا أخبرتني بأنّ الدكتور وليم تضايق كثيراً عندما علم بأنها أهدتك الرواية ..!!

صمتُّ قليلاً ثم قلت وأنا أبتسم : ربما تضايق لأنها النسخة الوحيدة المتوافرة لديها وخشي عليها من الضياع

هزّت العجوز رأسها موافقة على هذا التعليل فأشرت إليها بالتحية وأكملت مسيري إلى خارج الكوخ

رأيت السيارة واقفة لكنني لم أجد بيل ، تطلعت إلى المكان الذي كان يمشي نحوه لكنه غير متواجد هناك ثم التففت وراء الكوخ ووجدته يطعم إحدى الأغنام الصغيرة

ناديته : صديقي بيل ماذا تفعل هنا ؟

نظر إلى الأعلى فقد كانت هناك نافذة على شكل معيّن أظنها في نفس غرفة جيانا التي كنا نجلس فيها

أنا هنا عزيزي قلتها وأنا أضحك

أرجع بيل طرفه إلى الأسفل وأبصرني إلى جوار الكوخ ضحك وهو يسير إلى جهتي وقال : كنت أحسبك في الأعلى ؟

ضربت على كتفه وقلت : إذاً أنت تتصنت علينا ؟!!

قال مرتبكاً : أبداً .. أبداً يا فارس لكني سمعت ثغاء هذه الصغيرة فلم أتمالك نفسي إلا أن لبيّت نداءها

حسناً يا بيل أنا أعتذر عن تأخري هيّا بنا

ركبنا سيارتنا وعدنا إلى المدينة ...

وأثناء الطريق لم أشأ أن أعاتب بيل على عدم إخباره إياي عن قصة جيانا فآثرت عدم الخوض في هذا الموضوع وبدأنا نتحدث عن روعة هذه القرية الجميلة ومتعة العيش فيها

بعد أن وصلنا إلى سكني شكرت بيل على تجشمه المتاعب ثم صعدت إلى الأعلى

كنت أتضور من الجوع تناولت غدائي وأخذت أقلب في رأسي المحادثة التي جرت بيني وبين جدة جيانا ...

هناك حلقات مفقودة أبحث عنها

كلما وجدت حلقة لأكمل بها سلسلة أفكاري أفقد حلقة أخرى أو اثنتين

كنت أدور في تيه ليس لبدايته نهاية

* حاولت أن أنام لكني قبل ذلك اتصلت على منزل وليم لأسأل عن جيانا أجابني بنفسه وقال بأنهم لم يصلوا إلى أية نتيجة تذكر !

تقلبت على سريري لأكثر من نصف ساعة ثم رحت في سبات عميق

عند السابعة مساء استيقظت من نومي لكني لم أزل أشعر بالإعياء والفتور

أعتقد بأنه نتيجة لتلك السموم التي أدمنت عليها فيما مضى من أيام لقد أقلعت عنها نهائياً ولله الحمد ، كل شيء يتعلق بالدكتور وليم بدأت أكرهه إلا جيانا البريئة !

أين أنتِ أيتها الفتاة اليتيمة ؟!!

بغير شعور مني أخذت روايتها مجدداً وبدأت أقرأ فيها وكأنني أطالعها لأول مرة !

لقد بدأت أفهم بعض الإيماءات التي نثرتها جيانا في أرجاء روايتها الحزينة

يبدو بأنّ حديث الجدة قد فكّ بعض طلاسمها المحيّرة

لكن يظلّ هناك سر كبير لو استطعت معرفته لتوصلت إلى فهم أمور كثيرة

لماذا تضايق وليم عندما أهدتني جيانا روايتها ؟!

لا أعتقد بأنّ ما قلته للعجوز هو المبرر الفعلي !!

فجيانا بلا شكّ تحتفظ بنسخة أو نسخ أخرى من روايتها


يا ترى ! هل اطلع وليم على الرواية وقرأها ؟!

لكن لماذا تضايق وغضب من جيانا ؟!!

هنا مربط الفرس !

لو كانت مجرد رواية خيالية لم يرعها وليم أي اهتمام

لكنه تضايق لأنها تلامس واقعاً ربما تكون له يد خفية فيه

أقصد مقتل والديّ جيانا

إنني لا أستغرب أي شيء على هذا المجرم الشرير خاصة بعد فعلته التي فعلها معي في تلك الليلة ؟!

لكنّ الجدة أثنت عليه كثيراً وأشادت بحسن رعايته لجيانا !

أعتقد بأنّ جيانا لم تخبرها بما كان يحدث لها في منزل وليم

لذلك كانت الوسيلة الوحيدة للتنفيس عن مشاعرها هي الكتابة !

أصابتني موجة زهو خفيفة لما توصلت إليه من استنتاجات جيدة لكنها ما زالت في طور التوقعات وليس هناك أية أدلة ملموسة تدين وليم بأدنى تهمة

لا أدري عندما مرّت في ذهني كلمة ملموسة تذكرت عباراته الشيطانية والتي كان يرددها بكثرة !


,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,

نظرة الحب
09-11-2011, 05:50 PM
( 11 )



عند التاسعة ليلاً نزلت أتمشى فوق الرصيف المقابل للبناية التي أقطنها ثم دخلت إلى المقهى لفحص بريدي الالكتروني فلعل رسالة وصلتني من أهلي تزيل عني بعض هذه الهموم المتراكمة عليّ ..!

فرحت كثيراً عند عثوري على رسالة من والدتي وقد كانت طويلة وممتعة قرأتها أكثر من خمس مرات ، قصّت عليّ كل شيء حدث لهم وللأقارب ، فقد تزوج ابن عمي شادي وقد قدمت مولودة لابنة خالتي سلوى
أما جدي مؤيد فقد اشترى حراثة كبيرة لمزرعته الجميلة

كنت أضحك وأنا أقرأ الرسالة إنه لشيء ممتع بحق أن تجد لحظة سرور أثناء تكالب لحظات الضيق عليك بشراهة

رددت عليها برسالة أطمأنها بأنّ الأمور تسير بشكل جيد وسوف نبدأ بالدراسة فعلياً في الأسبوع القادم بعون الله

عند عودتي لشقتي مررت على بقالة مجاورة أخذت منها بعض العصيرات وبعض علب المياه المعدنية ثم صعدت إلى شقتي وجلست على الأريكة المقابلة للتلفاز كان هناك برنامجاً وثائقياً عن الجرائم في الولايات المتحدة وبالأخص جرائم سطو البنوك

أثارني البرنامج فقد كان شيقاً للغاية وقد امتدّ لحوالي ساعتين

كانت الساعة الثانية عشرة منتصف الليل عندما سمعت باب شقتي يطرق طرقاً خفيفاً ، لم أعره أي اهتمام فقد توقعت بأنها إحدى خيالاتي الكثيرة

لكني سمعته يطرق مرة أخرى أقوى من سابقتها تحركت من مقعدي فتحت الباب بهدوء فإذا أنا بوجه الدكتور وليم مباشرة ... تلعثمت قليلاً وتفاجأت بزيارته في هذا الوقت المتأخر

أدخلته وهو لم ينطق بأي كلمة ، كنت أتميّز غيظاً على جرأته بزيارتي بعد فعلته المشينة تلك الليلة ولولا خشيتي بأنه يحمل أخباراً عن جيانا لبصقت على وجهه وطردته شرّ طرده

- سألته هل هناك من جديد عن جيانا ؟

- هزّ رأسه بالنفي !

- قلت : وماذا تريد إذاً ؟!

- قال : لابدّ أن تأتي معي الآن فهناك موعد هام من الضروري أن تحضره

- ضحكت وقلت : أما زلت على خزعبلاتك تلك ؟

- نظر إليّ بحدة وقال : وهل تنتقص عقيدتنا يا فارس ؟

- يا لها من عقيدة خرافية إباحية .. قلتها بصوت عالٍ

- تحفز وليم إذاً أنت يا فارس تعلن العصيان بعدما أعطيت الطاعة

إني أحذرك يا فارس وأنا مشفق عليك فالليلة موعدنا مع القداس الأحمر وحفلة انضمام عضو جديد ولا بدّ أن تحضر وإلا أصبحت من الخائنين

- وإن لم أحضر يا وليم فماذا ستفعلون ؟!!

- أنت تعرف جيداً ما جزاء الخونة !! لقد بدأت يا فارس تعصي الأوامر وهذا ليس في صالحك وهذا هو ثالث لقاء لا تحضره ، أنت انضممت إلينا برغبتك وتعرف مصير من يعصي الأوامر

- إذاً أنت تهددني يا وليم وفي بيتي أيضاً ؟

- ومن قال بأنه بيتك ؟ هذا ملك الجماعة تكرم به المخلصين من رجالها !

- آه كم أنا مغفل ! لقد فهمت الآن

كل هذه الهبات والعطايا مقابل أن أنضم إلى جماعتكم المبجلة !!

- صحيح ومن يعصي الأوامر فليس له سوى القتل !

- حسناً يا وليم وماذا تريد مني الآن ؟

- ابتسم وأصبح يتكلم بلطف : جيد يا فارس بدأت تثوب إلى رشدك

أريد منك الآن أن تتجهز وتمضي معي إلى المكان المخصص لاستقبالنا هذه الليلة !

- وإن لم أمضِ معك ؟

- عادت إليه موجة الغضب وقال : سوف نتدبر أمرك بطريقتنا

- ما رأيك يا وليم بأنني لن أذهب معك ومن هنا فإنني أعلن العصيان لك ولجماعتك المجرمة وافعلوا ما شئتم !

- انتفض وقام من مكانه وقال : سوف أعطيك مهلة لمدة ساعة واحدة فقط فكّر جيداً وأنا أنتظر منك اتصالاً فإن لم تتصل عليّ فاعرف بأنك قد طردت من جماعتنا ومصير المطرودين هو القتل يا فارس !!

- كنت أعتقد بأنك مهتم بجيانا ولذلك جئت إليّ !!

نظر إليّ وعيناه تتقادحان من الغضب

ثم أدار ظهره وأغلق الباب وراءه بقوة

لقد فهمت الآن كل شيء كلّ ما فعله وليم من أجلي كان مقابل أن أنضم إلى جماعته !!

يا له من مخادع كبير ؟!!

يا ترى هل أذهب وأخبر الشرطة بهذا الأمر ؟

إنه التصرف السليم الذي يجب أن أتخذه ! لكن من سيصدقني ؟!! وأنا لا أملك أدلة

أخذت أتباحث مع نفسي وأضرب أخماساً بأسداس عن ما يجب عليّ فعله

برغم كوني لم أتجاوز الشهر في الولايات المتحدة إلا أنه حدثت لي أحداث لم أشهدها طوال سنواتي الماضية

في صباح اليوم التالي استيقظت على صوت الهاتف .. إنه بيل

- صباح الخير فارس

- صباح الخير بيل

- معذرة على إزعاجك لكن هناك أمر طارئ يجب إخبارك به

- هل عثروا على جيانا ؟!

- كنت أتمنى ذلك !

- لقد أخبرني الدكتور وليم بأنه يجب عليك الذهاب للجامعة فوراً فقد اتصلوا به وطلبوا حضورك

- وماذا يريدون ؟ ألم أكمل كافة الإجراءات ؟!

- لا أعلم ذلك يا فارس ، لكن إن رغبت بالذهاب سأكون عندك في ظرف عشر دقائق

* توجهنا أنا وبيل للجامعة وقابلت مسؤول التسجيل وقد أخبرني بأمر أقلقني كثيراً فقد قال : بأنّ إجراءات قبولي قد أوقفت وإن كنت أرغب في سحب طلبي فلي ذلك

تساءلت بغضب لكن كل الأمور كانت تسير على ما يرام فما الذي حدث ؟!

اعتذر وقال : عفواً سيد فارس فأنا هنا لإخبارك فقط ! ومعذرة فهناك طلاب آخرون ينتظرون أدوارهم

زممت شفتيّ من شدة الحنق ثم خرجت غاضباً

لا أدري ما السبب ؟ لكني أعتقد بأنّ لوليم يد في ذلك فقد توعدني ليلة البارحة بما هو أشدّ من هذا !

إنني أنهار على مهل ، ليتهم يقتلونني ويريحوني من هذا العذاب الأليم

لكن هل أستسلم بهذه السهولة ؟!!

لا وألف لا ! سأظلّ أقاوم حتى آخر قطرة من دمي

في الطريق أخبرت بيل بما جرى

أبدى تأسفه لكن دون اكتراث

آه يا بيل حتى أنت أصبحت لا تهتم بي ولا تخفف عني !

وقد أصبت بصدمة عنيفة عندما علّق وقال : أظنّ بأنّ الدكتور وليم قد بذل مجهودات خرافية لقبولك لكن أنت من جنى على نفسه ؟

- وماذا فعلت أنا ؟!

- لقد أخبرني الدكتور بأنك تتكاسل عن حضور الجلسات المهمة التي كانت تعقدها الجامعة

- جلسات مهمة ! وما هي تلك الجلسات التي لم أدرِ عنها !

- لا أعلم لكن يبدو بأنك قد أغضبت الدكتور

نزلت سريعاً إلى شقتي ولم أتنبس بكلمة واحدة ، فقد كنت متألماً من عبارة بيل

مما دعاني إلى الارتماء على سريري ونمت مباشرة

على صوت رنين الهاتف استيقظت نظرت إلى الساعة كانت السادسة مساء ، لم أكن أتوقع أن أنام كل هذا الوقت عندما أردت أن أرفع السماعة انقطع الاتصال ثم عاود المتصل بعد خمس دقائق كنت أحسبه بيل يريد أن يعتذر من تصرفه صباح هذا اليوم

- ألو من المتصل ؟!

- مساء الخير عزيزي فارس

- مساء الخير من يتكلم ؟!

- لا أريد أن أطيل عليك بكلام كثير ، لا بدّ من حضورك الليلة في القلعة التي تعرفها جيداً

- بدأ الخوف يغمرني وقلت : ألم يخبركم وليم بقراري الأخير ؟!

- وبضحكة مدوّية : لا تكن ساذجاً يا فارس ، الأمور لا تتأتى بهذه البساطة التي تفكر بها !

- احمرّ وجهي من الغضب وأغلقت سماعة الهاتف

بدأ القلق ينتابني فهؤلاء الأشرار لن يكفوا عن ملاحقتي أبداً

رنّ الهاتف من جديد

- سيد فارس أرجو ألا تغلق السماعة فهنا شخص عزيز عليك يريد محادثتك

- لم أتكلم وظللت أستمع لما يقوله ثم أردف قائلاً إن كنت تريد مساعدته فلا بدّ من حضورك أيها الشجاع

- فارس .. فارس

- يا للهول إنه صوت جيانا

- جيانا ؟
- وبصوت مرعوب قالت : نعم ... نعم أنا جيانا يا فارس وأخذت تبكي

- ما الذي يحدث ؟ أين مكانكِ ؟!

- وبكلمات متقطعة وبصوت مبحوح أجابت : أنا في القلعة المهجورة وقد اشترطوا لإطلاق سراحي أن تحضر أنت وقد وعدوني بألا يمسّوك بأي أذى وشرطهم الوحيد أن تعود للانضمام إليهم مجدداً

- حسناً .. سأكون عندك الليلة

- اختطف الرجل السماعة من جيانا وقال : اسمع يا فارس لا تحاول أن تغدر بنا وتأتي معك بأناس آخرين أو أنك تبلغ عنا السلطات

القضية لا تحتمل أدنى تصرف أرعن فحياة صديقتك في خطر وآخر موعد هو الثالثة فجراً

الحقيقة أصابتني حيرة شديدة ، هم يريدون حضوري وإعلان التوبة كما يقولون وسوف يطلقون سراح جيانا

لكنها خدعة واضحة فأنا أعرفهم فهم قد طردوني من جماعتهم ولن يرضوا إلا بقتلي

لكن لماذا خطفوا جيانا ؟!

هل ليستخدموها ورقة ضغط ضدي ؟!

أم أنّ جيانا تشكل تهديداً آخر عليهم ؟!

يا ترى هل أخبر الشرطة ؟!


لكنهم سيقتلون جيانا إن علموا بذلك !!

لو ذهبت إليهم فأنا أعلم بأنها نهايتي ولن يقبلوا مني أي اعتذار وكل وعودهم تلك لمجرد سحبي للحضور ثم سينتقمون مني انتقاماً مريعاً وسوف يشربون من دمائي فداء لشيطانهم الأكبر



حيرة شديدة تعصف بذهني

لكني أستحق ذلك هي نفسي الشريرة التي قادتني لهذه المهاوي ويجب عليّ الآن أن أتحمل عاقبة إسرافي وجرائمي الماضية

ليفعلوا ما يفعلوا لكن المهم ألا يموت شخص بريء بسببي

أنا مستعد لأن أضحي بحياتي من أجل إنقاذ جيانا فهي يجب أن تعيش وأنا الذي أستحق الموت ... نعم إنني أستحق ذلك !

ظللت طيلة ساعات يومي أعدّ العدة لخوض هذه المغامرة المجنونة

كان يجب عليّ أن أتدبر أمر السيارة فمن الخطر أن أذهب عن طريق سيارة أجرة فهم اشترطوا أن آتي بمفردي

اتصلت على بيل وطلبت منه أن يعيرني سيارته هذه الليلة

وبدون تردد وافق وسط دهشتي وقال : إنّ الدكتور وليم مسافر لمدة يومين وأنا لست بحاجة للسيارة مؤقتاً
ارتحت كثيراً لنبأ سفر ذلك المعتوه وتمنيت ألا يعود أبداً

في الحادية عشرة ليلاً أتاني بيل ليسلمني السيارة ثم طلب مني إعادته إلى المنزل وهنا استغربت حيث لم يسألني بيل عن الجهة التي سوف أقصدها

كل ما قاله لي : أتمنى لك ليلة ممتعة !

لمحت من نظراته بأنه يحسبني سأقضي ليلة صاخبة مثل تلك الليالي مع وليم الأرعن

شكرته على لطفه ثم أوصلته إلى المنزل


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

نظرة الحب
09-11-2011, 05:51 PM
( 12 )

عدت إلى شقتي سريعاً .. حملت مسدساً كنت قد اشتريته ومصباح صغير

وعند الساعة الحادية عشرة والنصف انطلقت صوب القلعة المهجورة وبرغم كوني لم أذهب إليها إلا مرة

واحدة إلا إنني بدأت أتعرف على المعالم التي مررت بها في المرة الأولى والتي كان يشرحها وليم

ولمدة نصف ساعة تهت عن معرفة الطريق الترابي المؤدي إلى البلدة الريفية التي تقع فيها القلعة وعند الثانية إلا عشر دقائق وبعد أن يئست من الاهتداء إليه استطعت التعرف على المدخل الترابي أخذت بالمشي من خلاله وقبل القلعة بحوالي الكيلو فضلت أن أوقف السيارة في أحد الحقول المجاورة وأكمل على قدمي ، حملت معي مسدسي ثم ترجلت ماشياً

لقد قررت أثناء طريقي ألا أسلمهم نفسي بكل سهولة فأنا أعرف أنه بمجرد وقوفي عند البوابة سيلقون القبض عليّ لذا فكرت بالخطة التالية

سأتسلل إلى القلعة وأقفز من فوق السور دون أن يراني ذلك الحارس المرعب الذي يقف على البوابة

فإن استطعت إنقاذ جيانا والهروب معها وإلا استسلمت

هكذا كنت أفكر حينها ولم أكن أعلم بأنّ أولئك الأوغاد قد أخذوا احتياطاتهم جيداً

بدأتْ تتراءى لي القلعة من بعيد وهاهو سورها الأبيض يلمع على ضوء القمر

عند الثانية والربع تقريباً كنت أقف عند سور القلعة حاولت تسلقه لكن لم يكن في السور أية ثقوب لأضع قدمي من خلال إحداها ثم أصعد إلى الأعلى

بحثت عن صخرة كبيرة ثم وضعتها لأصعد من خلالها لكن لم أستطع أيضاً وضعت عدة صخرات فوق بعضها البعض ثم صعدت واستطعت أن أرفع جسمي عالياً حتى أمسكت بالجدار العلوي للسور ثم أنزلت قدميّ إلى داخل السور

وقد كنت أحرص على عدم إحداث أية ضجة ... توقعت اقترابي من الأرض فألقيت بنفسي لكن المسافة كانت بعيدة بعض الشيء وقد سقطتُ على أوراق يابسة متساقطة من أشجار داخل القلعة فأحدثت جلبة وصوتاً عالياً

هنا سمعت وقع أقدام يتجه إلي جهتي فلم أشكّ أبداً بأنه ذلك الحارس الشرس

جهزت مسدسي لكني فضلت الاختباء خلف كومة رمل إلى جانب إحدى زوايا القلعة

كنت أقبض على مسدسي بكل قوة وأنا أرتجف

ثم خطرت برأسي فكرة تسليم نفسي وينتهي كل شيء ...!!

لقد خاطرت بحياتي من خلال تصرفي هذا فربما هم بحق يريدون مني العودة للانضمام إليهم

قطع أفكاري صوت ذلك الحارس وهو يقول : من هناك ؟!

كان يقف أمامي مباشرة بدأت نبضات قلبي تخفق بشدة فلو التفت وراءه لرآني

هنا انطلقت قطة سوداء من الجهة المقابلة وبدأت تحاول تسلق الجدار

صرخ الحارس وهو يلقي نحوها حجراً كبيراً ويقول : عليكِ اللعنة أيتها القطة المشاكسة ثم عاد راجعاً من حيث أتى ....!!


،،،،،،،،،،،،،،،


التقطت أنفاسي المبعثرة ثم تسللت عبر النفق المؤدي للأسفل

عند دخولي إلى القاعة الشيطانية لم أسمع أي تحركات ولا أصوات وفجأة فإذا بظل كبير يتحرك !

لا أدري من أي جهة هو آت

أخذت أستدير بهستيرية في كل الجهات وأنا شاهر مسدسي وأصبعي على الزناد

صرخت من هناك ؟!

لكن لم يجب أحد

أعدت سؤالي وأنا أقول : تكلم وإلا أطلقت النار

لا .. لا .. لا تطلق النار يا فارس

أوه جيانا ، هرولت نحوها لقد كانت بحالة مؤسفة يبدو عليها آثار التعذيب وهناك شخص يلبس قناعاً ولا أرى منه إلا عينيه قد وضع فوهة بندقيته برأس جيانا

قالت جيانا : أرجوك يا فارس لا تقترب .. ضع مسدسك على الأرض فنحن محاصران ولن تجدي المقاومة الآن
نظرت حولي فإذا بمجموعة كبيرة من الرجال المدججين بالسلاح

رميت مسدسي وقلت :

ها أنذا بين أيديكم فأطلقوا سراح الفتاة !

سمعت ضحكات قادمة من بعيد نظرت فإذا هو بالساحر المرعب الذي رأيته في تلك الليلة

أخذ يقهقه عالياً وهو يقول : لقد وقعت في الفخ يا فارس !

من المؤكد بأنك شجاع أن حاولت أن تنقذ رفيقتك

صرخت بوجهه : ولماذا لا تدعوها وشأنها الآن ؟!

ابتسم الخبيث وقال : إنّ لها حساب معنا أيضاً !

ونحن أردنا أن نقتنص عصفورين بحجر واحد

هل أفهم من كلامك بأنكم لن تدعوها ؟!

هذا صحيح ! فسوف نقتلكما معاً أيها الحقيران الخائنان !!

هنا انتفضت جيانا وركلت الرجل الذي بجانبها واختطفتُ مسدسي وصوبته تجاهه فأرديته قتيلاً ثم هربنا نحو بوابة القاعة بينما بدأ يطاردنا بقية الرجال وأنا أسمع صرخات الساحر : أريدهما أحياء ... أريدهما أحياء

صعدنا الدرجات سريعاً ونحن نعدو حتى وصلنا نهاية السرداب وفجأة صرخت جيانا : انتبه يا فارس !!

رفعتُ رأسي فإذا بقطعة معدنية تهوي على رأسي ثم لم أعد أذكر شيئاً


،،،،،،،،،،،،،،،،،،

صحوت على صوت يناديني .. فارس .. فارس

فتحت عينيّ ولم أزل أشعر بألم فظيع في مؤخرة رأسي وبحركة ثقيلة استدرت إلى يساري إنها جيانا

كنّا مصلوبين على خشبات ثلاث أنا وجيانا وشخص ثالث إلى يميني مطأطأ رأسه لم أستبن وجه بعد

عرفت أنها النهاية ! لقد حضرت بمحض إرادتي لألقى حتفي هنا في هذه القلعة المهجورة ، كان شريط حياتي يفترّ أمامي وكأنه فلم سينمائي

أبي وأمي وأصدقائي ... سأودعهم بعد لحظات

هنا سأموت بلا ريب

كم هو شعور مرير يدعو للأسى والقهر في نفس اللحظة

كانت جيانا تنظر إليّ وتبكي وتعتذر : أنا آسفة يا فارس لقد كان ذلك رغماً عني

لقد أجبروني على الاتصال بك وأن أطلب منك الحضور لإنقاذي وقد وعدوني بأنهم لن يؤذوك أبداً لكنهم خدعوني .. نعم خدعوني

التفت إليها وقلت : لا عليكِ يا جيانا فأنا أستحق ما سيحدث لي ..

أرجوكِ لا تفكري بهذا الأمر !

قطع حديثنا صوت ذلك الساحر وهو يرمقني بنظرات تتقادح شرراً : لقد وقعتم في شر أعمالكم أيها الخونة !

ونحن هنا لنحتفل بقتلكم انتقاماً لشيطاننا الأعظم

إنه القداس الأسود يا خونة ... وكم سوف نستمتع بشرب دمائكم اللذيذة !

الموت للخائنين الأنذال

كانت جيانا ترتجف من هول ما تسمع

أما أنا فقد تبلدت مشاعري فلم يعد يهمني تهديده

أنا مرتاح لأني كفرت بمعتقداتهم الفاسدة والتي كادت تودي بي إلى التهلكة

كم كنت أتمنى هذه اللحظة الخالدة !!

بدأ الساحر بتلاوة قداسهم البغيض ثم قال : ( من أجلك يا حضرة الشيطان سوف نقتل هؤلاء الأشرار ! إنهم خانوك وفي بقائهم خطر على أتباعك ، أما هذه المدعوة جيانا فقد رفضت الانصياع لأوامرك وقد حاولت كشف أسرار أحبابك بكتاباتها القذرة وسوف يحلّ بها غضبك عمّا قليل ، أما هذا الشاب فارس فقد رفض الطاعة وأعلن التمرد بعد أن أكرمناه وأغدقنا عليه من خيراتك لكنه أبى إلا العصيان ، ثم التفت الساحر إلى الرجل المعلق عن يميني وأكمل قائلاً : أما جورج
صرخت : ماذا ؟ جورج ؟!!

رفع جورج رأسه ثم نظر إليّ وقال : يؤسفني يا فارس بأنك لم تسمع نصيحتي !!

تساءلت بتعجب : أما زلت على قيد الحياة يا جورج ؟!

ابتسم وقال : نعم ، لا زلت على قيد الحياة لكني سأموت الآن !

هنا استشاط الساحر غضباً وصرخ قائلاً : عليكما اللعنة لماذا قطعتما حديثي ؟!

لم أتمالك نفسي وقلت : بل أنت الملعون أيها العجوز الطاغية !

انتفض الساحر ونادى على رجاله الواقفين خلفه بكامل أسلحتهم

أطلقوا الرصاص عليهم ، هيّا نفذوا حكم الإعدام بسرعة

تراجع الرجال إلى الوراء وصوبوا بنادقهم إلى جهتنا ثم دوّت القاعة بأصوات الرصاص ..

لم أصب بشيء التفتُّ إلى يساري فإذا برأس جيانا ساقط على صدرها تجمدت الدماء في عروقي وأنا أحاول أتبين هل هي حية أم لا ؟؟



,,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,,

نظرة الحب
09-11-2011, 05:52 PM
( 13 )


بعد أن تفحصتها قليلاً بنظري تبين لي بأنه لايوجد عليها أي أثر للدماء

نظرت إلى يميني ...

آه كم هو منظر مؤلم .. لقد كان جسم جورج يتفجّر بشلالات من الدم

أشار الطاغية إليهم مرة أخرى بإطلاق النار عرفت بأنه دوري

أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله ثم أغمضت عينيّ

دوّت القاعة بانفجار عنيف وعلتنا غازات خانقة مع أصوات رصاصات متفرقة

عمّت الفوضى أرجاء القاعة المظلمة

وصمّ آذاننا صوت قوي عبر مكبرات الصوت : ألقوا أسلحتكم فوراً وإلا مصيركم الموت

حاولت أن أتبين ما الذي يحدث وسط هذه الرؤية المعتمة ؟!

بدأت الرؤية تتضح قليلاً ...


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


عشرات رجال الشرطة ينتشرون داخل القاعة

وهناك جثث عديدة ملقاة على الأرض

حاول الساحر الهروب لكن قبض عليه واقتيد مع بعض رجاله

دقائق معدودة تمّ كل شيء وما زلت معلقاً أنا وجيانا وجورج وهو يتشحط في دمائه

رأيت بعض رجال الشرطة يتجهون نحوي لقد كانت مشاعر لا توصف ، عادت إليّ حياتي من جديد بعدما ودعتها


أنزلني الرجال وأنزلوا جيانا ووضعوها على سرير طبي وعملوا لها بعض الإسعافات الأولية ثم أخرجوها إلى حيث يقف الإسعاف ، بينما حمل رجال آخرون جورج بعد أن تأكدوا من وفاته ووضعوه على سرير وحملوه خارجاً إلى إسعاف آخر

أثناء خروجي أتبع الرجال الذين يحملون جيانا إذ بي أقف مندهشاً لرؤيتي بيل

اقترب منّي وعانقني وهو يقول : حمداً لله على سلامتك يا صديقي ! لقد كنت شجاعاً بحق !

أبعدته عنّي وقلت : لكن ماذا جاء بك إلى هنا يا بيل ؟ ومع من أتيت ؟!!

قال وهو يبتسم : لك الفضل بمجيء إلى هنا يا فارس وقد أتيت مع هؤلاء الزملاء وأشار بيده إلى رجال الشرطة


قاطعنا أحد الجنود وهو يلقي التحية العسكرية على بيل وقال : كل شيء على ما يرام سيدي !!

فغرت فمي وقلت : هل تقصد يا بيل بأنك ..................... ؟!


نعم ، نعم ، أنا الرائد جونكل من وحدة التحري والبحث والمكلف بعملية الإطاحة بوليم وعصابته المجرمة



،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


كدت أسقط من هول المفاجأة


إذن أنت لست سائق خاص لوليم كما أوهمتنا ؟!

ضحك بيل وغمزني بعينه وقال : تستطيع أن تقول ذلك

يعجز عقلي عن التفكير في هذه اللحظات المثيرة

كم أنت عبقري يا بيل !!


لقد استطاع أن يخفي شخصيته عنا جميعاً !! يا له من رجل من طراز رفيع

لكن كم تمنيت أن يحضر الرائد بيل ورفاقه قبل مقتل جورج

قلتها بصوت مرتفع قليلاً

اقترب مني بيل وقال : عفواً الرائد جونكل وليس بيل ... قالها لي وهو يضحك

معذرة يا سيد جونكل أحتاج لفترة طويلة لكي أتعود على اسمك الحقيقي

يبدو بأنك متألم يا سيد فارس لمقتل جورج ؟!!

صحيح ، كم كنت أتمنى أن حضرتم قبل ذلك

لا تهتم كثيراً يا عزيزي فهو يستحق ما جرى له


صرخت في وجهه ثم اعتذرت : عفواً سيد جونكل ! لكن لماذا هذه القسوة ؟

حسناً صديقي ...


الحكاية طويلة وجيانا قد وضعوها هناك في الإسعاف أليس من المناسب أن ترافقها ؟


أجل ، أجل سوف أفعل ، قفزت إلى جوار جيانا بينما بدأت ألاحظ عشرات سيارات الشرطة تحيط بالقلعة وهناك العديد من الإسعافات تنقل الجرحى والقتلى


بدأت جيانا تستعيد وعيها أثناء الطريق تدريجياً


حاولتْ أن تتكلم بعد أن فتحت عينيها لكنها لم تستطع ثم راحت في غيبوبة أخرى مجدداً وبعد أن وصلنا إلى المستشفى أخذوا جيانا إلى قسم الطوارئ ثم وضعوها في حجرة خاصة



كانت جدة جيانا تبكي إلى جوار سرير حفيدتها في المستشفى ، وكنت أنا والرائد جونكل نقف بجانبها ونحاول أن نبعث في نفسها الطمأنينة ببعض الكلمات

بعد أن أجرى الطبيب بعض الفحوصات التفت إلينا وقال : إنها في صحة جيدة وهي على ما يرام وليس هناك ما يدعو للقلق

سألته الجدة : ما نوع إصابتها يا دكتور ؟

ليس هناك أية إصابة ، أعتقد بأنها مجرد صدمة تعرضت لها وستكون بتمام عافيتها في أقل من يومين على الأكثر ! لكنها بحاجة إلى أخذ الدواء بانتظام

هزّت الجدة رأسها إبداء لفهمها لما قاله الطبيب

بعد ثمان وأربعين ساعة استفاقت جيانا من غيبوبتها وبدأت تتأمل فيمن حولها

وعندما رأتها الجدة تبتسم إليها لم تتمالك نفسها وألقت بنفسها عليها وراحتا في موجة بكاء طويلة

قالت الجدة وهي تكفكف دموعها : حمداً لله على سلامتكِ يا صغيرتي ، كنتُ قلقة عليكِ يا حبيبتي

ابتسمت جيانا وهمست وهي تنظر إليّ : أشكري هذا الفتى الشجاع فلولاه لكنت الآن في عداد

الموتى ... ثم تساءلت : لكن ماذا حدث وكيف جئت أنا هنا إلى المستشفى ؟

ضحكنا جميعاً : ثم أجابتها الجدة : سوف تعرفين كل شيء لكن المهم الآن كما قال الطبيب تناول الدواء والراحة التامة ثم نظرت الجدة إليّ :

الحقيقة يا فارس كلماتي عاجزة عن شكرك على كل ما فعلته من أجل جيانا

إنك رجل عظيم بحق !!

طأطأت رأسي خجلاً ثم قلت وأنا أشير إلى جونكل : أظنكما نسيتما بيل السائق المتواضع فهو رجل المهمات الصعبة

تساءلت جيانا : بيل وماذا فعل ؟

ضحكتُ : أوه يا عزيزتي يبدو بأنني نسيت أن أعرفكِ على الرائد جونكل المكلف بقضية وليم ؟

وضعت جيانا يديها على رأسها : ماذا تقول ؟! الرائد جونكل ...!!!

نعم عزيزتي ... لقد تفاجأتِ كما تفاجأت أنا وجدتكِ من قبل

فالرائد جونكل كان له الفضل بعد الله في إنقاذنا هو ورجاله المغاوير

لم تزل عينا جيانا بكامل اتساعهما من أثر هذا الخبر

ثم أكملت : لكنه قد رفض أن يفكّ شفرات هذه القضية إلا بحضوركِ أنتِ والجدة الغالية !!

ابتسمت جيانا وهي تنظر إلى جونكل : هذا لطف منك عزيزي بيل

تدخلت الجدة : إنه السيد جونكل وليس بيل يا جيانا

ضحكنا جميعاً ثم قالت الجدة : ما رأيكما أن تكونا في ضيافتي غداً في كوخي الصغير فقد وافق الطبيب على خروج جيانا هذه الليلة ثم نظرت إلينا وأردفت قائلة : أظنّ أنكما لا تمانعان ، أليس كذلك ؟

تبسمت وقلت : أما أنا فليس لديّ اعتراض لكن ما رأي حضرة الرائد ؟ قال جونكل وهو يربت على كتفي : من المؤكد ذلك فمن الذي سيقوم بتوصيلك يا سيد فارس ؟؟؟



,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

نظرة الحب
09-11-2011, 05:52 PM
( 14 )



بعد أن تناولنا الشاي الذي أعدته جيانا .. استأذنت من صاحبة الكوخ أن أبدأ أطرح أسئلتي على الرائد جونكل فهناك الكثير والكثير من الأسئلة والألغاز المحيّرة التي مرّت عليّ خلال الأسابيع المنصرمة منذ قدومي إلى واشنطن وحتى لحظة اقتحام القلعة المرعبة

- قال الرائد جونكل – وهو يضع قدح الشاي أمامه - : تفضل يا سيد فارس سأجيبك على قدر معرفتي .. إلا أنني أعلم بأنك استطعت معرفة بعض الألغاز بنفسك فقد قلت لي ذلك أثناء قدومنا إلى هنا

- ضحكت وقلت : صحيح ، ولكنها ضئيلة

- لا ، أبداً ليست ضئيلة !! لقد استطعت فكّ شفرة الأرقام 666 والأحرف fff

وكذلك توصلت بنفسك لمعرفة علاقة وليم بمقتل المهندس سون وزوجته والدا جيانا

هنا نظرت لجيانا وقد أرخت طرفها إلى الأرض يبدو بأننا قد أثرنا أحزانها ..

استطرد الرائد جونكل قائلاً : واكتشفت أيضاً بأنّ جيانا ليست ابنة وليم

نظرت إلى الجدة وقلت : جدتنا العزيزة هي التي أخبرتني بالحقيقة عندما أخفيتها عني أنت ! كم غضبت عليك في ذلك اليوم !!

ضحك جونكل وقال : اعذرني يا صديقي فلم أستطع أن أخبرك مع معرفتي لذلك لأني أردت أن تصل أنت بنفسك للحقيقة

- ولماذا لم تخبرني وتريحني ؟!

- ستفوتك متعة الاكتشاف يا صديقي ثم إني كنت أنوي إخبارك لكني عرفت بأنّ الجدة قد أخبرتك ؟
- وكيف عرفت ؟
- ألم تذكر إطعامي تلك العنزة الصغيرة

- أوه إذاً أنا كنت على حق .. كنت تسترق السمع

- ضحكنا جميعاً

- حسناً أيها الرائد العظيم سوف أبدأ معك التحقيق الآن

- وسط ابتسامة مشرقة قال الرائد جونكل : تفضل فأنا على أتمّ استعداد

- الحقيقة لا أدري من أين أبدأ لكني سوف أطرح أي سؤال يخطر في ذهني وأنا هنا أطلب من جيانا وجدتنا الغالية ألا يكونا مستمعات فحسب فلهنّ الحق في طرح الأسئلة والاستفسار أيضاً

- لنبدأ من آخر الأحداث ، أحداث تلك الليلة المرعبة ، كيف تعرفتم على مكان القلعة مع أنهم كانوا حريصين على كتمان مكانها عن كل الناس إلا أتباعهم ؟!

- حسناً ، أتذكر في الليلة التي أخذك فيها وليم إلى تلك القلعة

- نعم أذكر وهل تنسى تلك الليلة ؟!

- لقد قمت بمتابعتكما بسيارتي الخاصة !!

- آه هذا عظيم ، إذاً لم تكن نائماً كما حدثني وليم ؟!

- هو كان يظنني بأني نائم وقد تأكد بنفسه ودخل غرفتي وقد تظاهرت بالنوم !

- هل تقصد بأنه كان يشكّ فيك يا سيد جونكل

- بكل تأكيد ، فأنا وإن بذلت جهودي في كسب ثقته وأن أتصرف بشكل طبيعي إلا أنه كان لا يصحبني في مواعيده الخاصة والمهمة

- حسناً وكيف عرفت بأنني سأتوجه إلى القلعة ليلة اقتحامكم لها ؟

- هذا أمر سهل ..

- استخرج جونكل جهاز تسجيل وبدأ بتشغيله

كانت المحادثة التي تمت بيني وبين جيانا عندما اتصلوا عليّ في مساء ذلك اليوم

كنا أنا وجيانا ننظر إلى بعضنا ونبتسم ونحن نستمع للذعر الذي يقطر من أصواتنا

وعندما انتهى التسجيل قلت : لقد كان هاتفي مراقباً إذاً ؟!!

قال جونكل : كل ما يتعلق بوليم كان مراقباً

وهنا أحب أن أخبرك بمعلومة مغايرة يا سيد فارس

نظرت إليه باهتمام !

ثم أكمل : في كل السيارات التي يستخدمها وليم يضع فيها أجهزة تصنت ، فكما نحن نراقبه هو أيضاً يحاول مراقبتنا

أتذكر يوم أن ذهبنا للجامعة وأخبروك بتوقف إجراءات قبولك

- نعم أذكر جيداً
- لقد كنا مراقبين من وليم وكان يضع جهاز تسجيل في السيارة لذلك أغلظت لك بالقول عندما لمتك على عدم حضور الجلسات التي تقوم بها الجامعة

- آه ، لقد فهمت الآن ... كنت تريد أن يطمأن لك وليم ؟!!

- نعم ، هو كذلك

- يا لك من ماكر ! لكني قد غضبت عليك حقاً ؟!

- حسناً يا صديقي لن أكررها مرة أخرى

- ضحكت من تعليق جونكل

- وبدون مقدمات سعلت الجدة عدة سعلات فعل من يريد التحدث نظرنا إليها جميعاً ثم قالت : يا لهم من أوغاد إنهم لا يتورعون عن قتل كل من يقف أمامهم

لقد قتلوا ولدي وزوجته بالسبب الذي أرادوا من أجله قتلك يا فارس

- هنا تدخلت : عفواً يا جدتي ... لقد قلتِ لي بأنهما قد ماتا في حادث مروري

- هذا صحيح يا بنيّ ! لكنه حادث سير متعمد !!

- أدرت وجهي بالكليّة إليها وأنا أقول في نفسي : لقد انفرط عقد الحقائق هذه الليلة !!

- قالت الجدة : لقد كان ابني سون وزوجته من أصدقاء عائلة وليم كما ذكرت لك

ولقد حدث معهم ما حدث لك في بداية انضمامك إلى أولئك الملاعين !

- أتقصدين بأنهم قد أخذوهم إلى تلك القلعة المقيتة ؟

- نعم ، هو كذلك

- وهل انضموا إليهم

- من المؤكد أن يفعلا ذلك ! ألم تجرب أنت بنفسك كيف يجبرون الأبرياء على الموافقة ؟!

- هنا تذكرت المشهد الفظيع الذي عشته حتى وافقت رغماً عني وقلت : بالتأكيد قد رفضا الاستمرار معهم كما فعلت أنا ؟

- هذا صحيح بنيّ ، خاصة بأنهم طلبوا منهما أن يقتلا ابنتهما جيانا في سبيل الشيطان كما فعلت عائلة وليم وعندما رفضا دبروا لهما من ضايقهما حتى صدمت سيارتهما بعمود إنارة وماتا على الفور

- نظرت إلى جيانا وهي تبكي وتقول : لقد ضحيا بنفسيهما من أجلي لو أنهما قتلاني لكانا اليوم على قيد الحياة

ثم انخرطت في موجة بكاء حادة

خيّم الصمت على الجميع .. كانت لحظات قاسية بالفعل لقد شعرت بأنني بحاجة إلى قلب آخر ومشاعر مئة شخص حتى أسيطر على انفعالاتي في تلك اللحظات المريرة

بعد دقائق رفعت جيانا رأسها واعتذرت بلطف قائلة : عفواً لقد قطعت عليكم حديثكم ، بإمكانكم إكماله

حاولتْ أن تتماسك برغم ما علا وجهها من ذبول

- الحقيقة لم أعد أشعر برغبة جادة في إكمال الحديث فساد صمت مطبق

إلا أنّ جيانا أصرت على أن نكمل

- وجهت سؤالي إلى جونكل : وهل قتل وليم وزوجته أحد أبنائهم ؟

- قال جونكل : نعم فقد قتلوا ابنهم الأكبر ، لقد تحجرت قلوب هؤلاء

- صحيح لقد تحجرت قلوبهم ثم قلت : مادام بأننا قد تحدثنا عن عائلة جيانا فليتك يا سيد جونكل تخبرنا عن ملابسات عملية خطفها ؟

- قال جونكل : ها هي أمامك فاسألها !

- معذرة جيانا إن كنتِ لا تستطيعين الحديث الآن فسوف نجعله في وقت لاحق

- ابتسمت وقالت : أنا بخير وبإمكاني سرد قصتي عليكم

- قالت : في ليلة من الليالي وتحديداً في بداية الشهر الثاني من وفاة والديّ

وحينما كنت أتمشى في حديقة منزل وليم سمعت محادثة جرت بينه وبين زوجته السيدة ليندا وقفت عند النافذة لأستمع لهما عن قرب

كانت أصواتهما مرتفعة لذلك لم يخفَ عليّ شيء من حديثهما

كانت هناك حفلة فما يبدو في الليلة التالية وقد فهمت بأنّ ليندا ترفض حضورها لكن وليم يصرّ عليها حتى احتدم النقاش بينهما وصرخ وليم في وجه زوجته وقال لها : أيعجبك أن تكوي على جبهتك بالحدائد المحماة هناك في القلعة أو ينتفون أظافركِ بآلة معدنية ثم يبعثون أحدهم ويضايقنا بسيارته حتى تنقلب سيارتنا أو نضرب بعمود إنارة كما فعلوا بعائلة سون

كانت صدمة عنيفة عليّ .. وقد شهقت شهقة عنيفة هربت على إثرها إلى داخل البيت وتوجهت إلى غرفتي وأغلقت الباب عليّ وأخذت أبكي طوال تلك الليلة وفي نهاية الأسبوع حضرت هنا عند جدتي وأخبرتها بالخبر ثم كتبت تلك الرواية التي قرأتها وبعدها بفترة زرتنا أنت في بيت وليم وبعد أن أعطيتك الرواية لكي تقرأها تساءل وليم عن الأوراق التي أعطيتك إياها فقلت له : بأنها مجرد رواية من تأليفي لكنه أصرّ عليّ حتى أريته نسخة أخرى لديّ

عندها غضب من ذلك أشد الغضب وعندما استفسرت عن سبب غضبه أجابني : بأنه لا يجب عليّ أن أعطيها رجل غريب فهي رواية ممتازة وربما سوف يسرقها هذا الشاب ثم يدعي بأنها له وينشرها باسمه لكني لم أقتنع بالسبب الذي ذكره لي وعرفت بأنه قد اكتشف بأنني علمت بالقصة فأنا شعرت بأنه هو وزوجته قد عرفا بأني قد سمعت محاورتهما في تلك الليلة

- هل أفهم من كلامكِ يا جيانا بأنّ زوجته من ضمن أفراد الجماعة ؟!

- نعم ، وهي وإن كانت قليلة الحضور لاجتماعاتهم إلا أنها على صلة قوية ببعض أصدقاء وليم من رجال القلعة

- تفضلي أكملي

- في صباح يوم السبت الماضي خرجت على عادتي للإتيان هنا عند جدتي وقد كنت آتي عن طريق القطار
لكنّ وليم سألني وأنا خارجه إلى أين تريدين الذهاب فأخبرته بالأمر ؟

فقال لي : إنه منذ مدة لم يقابل جدتي وأيضاً هو يريد أن يستنشق هواء البلدة العليل

وسوف يوصلني هناك ثم سيمكث قليلاً لدينا ويعود مرة أخرى

رحبّت بالفكرة وركبت معه في سيارته لكنه بدل إيصالي هنا اختطفني إلى القلعة المهجورة ثم سلمني لأصحابه الذين قاموا بحبسي في غرفة صغيرة

- عضضت على شفتيّ وقلت بغيظ : يا له من مجرم ؟ لكن لماذا اختطفكٍ يا جيانا ؟

- لقد عصيت الأوامر كما فعلت أنت يا فارس ؟

- هل تقصدين بأنهم حاولوا إدخالكِ إلى جماعتهم اللعينة ؟!

- لا ، لكنهم بعد اختطافي أجبروني على الاعتراف عن سبب كتابة روايتي فأخبرتهم عن ما سمعته من وليم وهو يحدث زوجته في تلك الليلة فعرفوا بأني قد كشفت مؤامرتهم فأرادوا التخلص مني ثم إنهم قاموا بالإيقاع بك عن طريقي وجعلوني أتصل بك في ذلك المساء

تدخل الرائد جونكل وقال : هؤلاء الأبالسة لا يتورعون عن قتل أي أحد حتى وإن كان ابناً أو ابنة أو حتى أحد والديهم ....

بل على العكس كلما كانت درجة القرابة قريبة كانت المكانة للعضو أكبر ... إنهم يستمتعون بالدماء ويتلذذون بمذاق اللحوم البشرية

اقشعرّ جلدي وأنا أستمع لجونكل وتذكرت حينها عبارتهم في الإنجيل الأسود في الحث على قتل الأطفال والتمتع بأكل لحومهم

سكتنا قليلاً ثم أحببت أن نخرج عن جوّ القتل والاختطاف فتساءلت :

- سيد جونكل هو سؤال شخصي لو سمحت

- نعم تفضل

- هل تمّ إيقاف إجراءات قبولي في الجامعة بسبب وليم ؟!

- توقعك في محله عزيزي

- إذن هو لم يخدمني من أجل الصداقة التي كانت تربطنا ؟

- أبداً ... أبداً

- لكن ما هي الأسباب ؟!

- أسباب ماذا ؟!

- أقصد : لماذا دعاني وليم للقدوم وأنفق أموالاً طائلة من أجلي ؟!

- حسناً سأخبرك ... هذه الجماعة البغيضة تعتمد على الاتصال الشخصي في كسب أنصارها ؟

- الاتصال الشخصي ؟! أرجو أن توضح ؟!

- ألم يعتمد وليم في الدرجة الأولى لدعوتك للانضمام إليهم عن طريق اتصالاته الشخصية بك ؟!

- صحيح ، لكن لماذا كل هذه المجهودات والحماس الذي يبذله من أجل انضمامي ؟!

- لقد أتيت على جوهر الحكاية !!

إنّ مكانة العضو لديهم بقدر ما يجلب من أعضاء فكلما أتى بعضو إضافي كانت له امتيازات خاصة إضافية ؟!!

- امتيازات !! مثل ماذا ؟

- كل شيء : مال – نساء – مكانة مرموقة – تيسير معاملاته الشخصية وإلى غيرها والشيء المهم لهم بأنّ الشخص الذي يتمتع بهذه المزايا يمنح فرصة أكبر لتولي رئاسة القلعة – وهي أمنية غالية يطمح له الكثير من أفراد الجماعة –

- ولماذا ؟!

- لأنها أرفع منصب في الجماعة فالرئيس يستطيع أن يسيطر على كل أفرادها ولن يعترض على قراراته أحد إنها سلطة مطلقة بدون قيود وضوابط

- أفهم من كلامك بأنّ الرئيس يتمّ انتخابه ؟

- صحيح هم يجرون انتخابات سرية كل سنتين فتوضع الأسماء المرشحة للمنافسة ؟ ويبدأون بالتصويت

- وهل هناك شروط معينة للمرشح ؟!

- طبعاً ، من أبرزها أن يكون قد مضى عليه في الجماعة أكثر من خمس سنوات وكذلك أن يكون قد أدخل إلى الجماعة ما لا يقل عن عشرة أشخاص وأيضاً ذبح أحد أقاربهم وتقديمه قرباناً للشيطان وكذلك من الشروط البارزة أن ينشأ خلية أخرى في دولة ثانية غير الولايات المتحدة

- آه ، لقد فهمت الآن ! كان وليم يريدني أن أكون داعياً شيطانياً بين أبناء وطني ؟!

- كلامك صحيح , وأظنّ بعضهم قد نجح في ذلك ، فعبّاد الشيطان ينتشرون انتشاراً مرعباً في كل القارات الست ومما يساعد على انتشار أفكارهم أنّ بعض الحكومات تسمح لهم بممارسة أنشطتهم

- لكن يا جونكل ؟ لماذا قمتم بمداهمتهم إذاً ؟!

- ضحك جونكل وقال : وهل تريدنا أن تفرج عليهم وهم يذبحونك أنت وجيانا

- خجلت وقلت : يا له من سؤال غبي حقاً ؟!

- لكن هل تعرف يا سيد جونكل كم أدخل وليم من أفراد ؟؟

- لست متأكداً لكن الذين أعرفهم ثمانية أشخاص بما فيهم أنت

- ومن هم السبعة المتبقون ؟

- زوجته ليندا ووالدي جيانا ولودي المضيفة والسيد ستيف وزوجته وكذلك جورج !

- ضربت جبهتي بيدي ... أوه لودي يا لها من شريرة !!

- قال الرائد جونكل : لقد قتلت مع وليم في تلك الليلة ؟

- اندهشنا جميعاً وتساءلنا : وهل قتل وليم ؟

- قال جونكل : نعم لقد حاول المقاومة بعد أن وجدناه هو ولودي في غرفة مجاورة فأشهرا سلاحيهما تجاهنا فأرداهما رجالنا أرضاً

- لقد لقي جزاءه ... قلتها وأنا مغضب لكن ألم تخبرني يا جونكل بأنه قد سافر ؟

- صحيح لقد قال لي ذلك لكنها كانت مجرد خدعة

- لكن لماذا حضر وهو يعرف بأننا سنقتل ؟

- أظنه حضر ليشاهد حكم الإعدام بحقكما لكنهما كان ينظران من غرفة مجاورة حيث وجدناهما

- ضحكت جيانا وقالت : ربما نزلت على قلبيهما الرحمة فهما متأثران لما سوف يقع لنا !

- هنا تذكرت جورج فقلت متعجلاً : والآن يا سيد جونكل بقي أن تخبرنا عن جورج ما هي قصته ؟!! لقد كان معي في الطائرة عند قدومي

كانت تصرفاته غريبة وهو من قام بتحذيري من وليم !!

قبل أن يتكلم جونكل رنّ صوت هاتفه النقال

تكلم مع المتصل بهدوء ثم استأذن في الخروج لعدة دقائق

سمعنا صوت سيارة قادمة ثم توقفت للحظات وبعد ذلك انصرفت

نظرت إلى جيانا وجدّتها وأنا أضحك وقلت : لعلها مهمة جديدة للرائد المغوار

قالت الجدة : إنني أرأف بحال هؤلاء المناضلين ... كم يشقون من أجلنا !!

لم أستطع التعليق فقد دخل جونكل .. كانت تعابير وجهه ضاحكة ثم قال مباشرة : كنت أتمنى ألا تسألني عن قصة جورج إلا في آخر حديثك وقد فعلت يا فارس !!

تساءلت ولماذا ؟!

قال جونكل - وقد تلعثم - : لأنّ قصته طويلة !!

حسناً عزيزي هيّا فقد شوقتني كثيراً

بدأ جونكل بسرد قصة جورج : كان جورج اليد اليمنى للدكتور وليم وأستطيع أن أقول بأنه العقل المدبر لكل خطط وليم فهو يمتلك عقلية جبارة مقارنة بعقلية وليم المادية البحتة

قاطعته جيانا وقالت : معذرة : هل أعرف أنا ذلك الشخص ؟!

قال جونكل : أنتِ تعرفينه تمام المعرفة ... إنه الرجل الذي كان مصلوباً لجواركما أنتِ وفارس

بدا علي جيانا التأثر وقالت : لقد كنت أراهم يعذبونه بشدة طيلة يوم كامل وهو يصرخ ويستغيث كم أنا حزينة عليه لا بدّ بأنه قد ظلم

أبديت أسفي : فعلاً لقد كان مقتله مريعاً لكن يا سيد جونكل قد قلت أنت بأنه يستحق ما جرى له ؟ فلماذا ؟!

هذا صحيح فهو قد لقي جزاؤه المستحق ... اسمعوا يا سادة إنّ جورج هو الذي تسبب في حادث سيارة والديكِ يا جيانا !

صرخت جيانا وقالت : عليه اللعنة هل هذا صحيح ؟!

وقبل أن يجيبها جونكل تدخلت العجوز لكن لماذا قتلوه وقد قدّم لهم ما يرضيهم ؟!!

تعجبت أنا بدوري وأيدت رأي الجدة !!

قال جونكل : لأنه خانهم بتنفيذ الجريمة

صرخت جيانا : خانهم ماذا تقصد ؟

أقصد ... لحظة واحدة









،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


هنا قفز الرائد جونكل ووقف عند باب الكوخ وقال وهو يتحدث لأشخاص بالخارج بإمكانكما أن تتفضلوا !!

سقطت جيانا من مقعدها بينما شهقت جدتها شهقة عالية

ووقفت لا أدري ما الأمر ؟!

نادت جيانا بأعلى صوتها وهي تركض تجاه الرجل والمرأة الواقفين عند الباب : أبي ... أمي


أخذت العجوز تحبي وهي تهذي : ابني الحبيب ... سون ولدي



سقط الرجل عليها وبدأ يغمرها بقبلاته أمي حبيبتي ثم أجلسها وارتمى في حضنها وهو يبكي بكاء الطفل الصغير


نسيت جيانا نفسها في خضم هذه المفاجأة المبهرة وأخذت تصرخ وتبكي وهي تقبل والدتها وتضمها أمها إليها ضماً عنيفاً

مرّت أكثر من عشر دقائق وأنا والرائد جونكل واقفين وعائلة سون في عالم آخر ونسوا كل من حولهم في تلك اللحظات السعيدة !


أشار إليّ الرائد جونكل بأن أتبعه فخرجنا خارج الكوخ


وقال : أظنّ أنه من المناسب أن نتمشى قليلاً حتى يهدأوا فهم في لحظات صعبة للغاية ومذهلة في نفس الوقت


هززت رأسي موافقة على اقتراحه دون أن أتكلم


,,,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,,

نظرة الحب
09-11-2011, 05:53 PM
( 15 )


أخذنا نتجول على جانب نهر القرية الصغير ... كانت السماء صافية والقمر يرسل خيوطه الفضية على النهر فتنعكس صورته بداخله

مرّت أكثر من ربع ساعة والصمت يخيّم علينا

جلست إلى صخرة كبيرة بجانب النهر وجمعت أحجاراً صغيرة وأخذت أرمي بها في وسطه وأراقب الهالات الكبيرة التي تحدث جرّاء ذلك

غصت في عوالمي الخاصة وسط هذا السكون الممتع لا نسمع أي شيء إلا نقنقة الضفادع ، وضحكات مخلوطة ببكاء تنبعث هناك من كوخ عائلة سون

كانت أفكاري مبعثرة وتركيزي مضطرب

أثار هذا المنظر لواعجي القلبية وعواطفي المكبوتة فرفرت أجنحة خواطري هناك حيث عائلتي حيث أمي حيث أبي

كم أنا في شوق إليهم !!

لقد تقاذفتني الخطوب وأبدتْ لي الأيام نواجذها لكني ما زلت أقف شامخاً لم أخنع لأحد – مع اعترافي بسقطتي تلك –

لكني جلوتُ ما صدأ بقلبي من عوالق الدنيا القذرة ولن أعود لمثلها أبداً

هنا انتبهت من سرحاني ونظرت إلى جونكل كان يجلس على صخرة ليست بعيدة عني وهو يفعل كما كنت أفعل !!
- أظننا بحاجة لوقفات هادئة في بعض الأحيان تنسينا مشاغل هذه الحياة المتسارعة ؟! قلتها لجونكل وأنا أنظر إليه

- نظر إليّ للحظات ثم قام من مكانه وجلس بجانبي

صحيح يا صديقي فارس !!

كم نحن بحاجة لوقفات نصحح فيها مسيرة حياتنا ونزيل فيها بعض التوترات التي تعلق بأعصابنا بسبب مشاكلها الكثيرة !!

- هل تتوقع يا جونكل بأنّ حالتهم النفسية قد استقرت الآن ؟

- أعتقد ذلك ! فأنا لا أسمع إلا همسات تنبعث من كوخهم

- جونكل : هلاّ قصصت عليّ القصة بحذافيرها ؟!! فأنا بشوق لمعرفة هذه الحلقة المفقودة والتي لم أصلَ إليها حدّ اللحظة

- حسناً يا رفيقي : أكمل أسئلتك وسأجيبك عن كل ما تريد

- سوف أكمل من حيث المفاجأة السارة التي حدثت قبل قليل ، كيف وجدتم عائلة سون ؟ وأين ؟!
- لقد وجدناهما محتجزين في تلك القلعة وقت اقتحامنا !

- فتحت فمي وأنا في حالة اندهاش ... إذن لم يكن هناك أي حادث ؟!

- بل كان هناك حادث

- عزيزي جونكل أرجو أن تنقذني من هذه الحيرة والألغاز وتخبرني بالتفصيل الممل ؟

- لقد كان هناك حادث لرجل وامرأة آخران ليسا عائلة سون !

- هل من الممكن أن توضح ؟!!
- أظنك تعرف بأنّ جماعة عبّاد الشيطان يهتمون بالأبناء غير الشرعيين

- نعم أعرف ذلك ، فهم يتبنونهم حتى يقدمونهم قرابين في قداسهم الأحمر أو لأغراض أخرى مريبة
- صحيح ، فالرجل والمرأة اللذين وجدا في سيارة سون كانا من أولئك النوعية الذين يتكاثرون في القلعة
- لكن لماذا هم يركزون على هؤلاء الأطفال بالذات ؟!

- هذه حيلة من حيلهم الكثيرة وذلك لأنّ هؤلاء الأطفال الأبرياء غير مسجلين في دوائر الدولة الرسمية فعندما يقتلون أحدهم لا أحد يهتم به ولا يسأل عنه

أما لو قتلوا أبناء شرعيين مسجلين في دوائر ومؤسسات الدولة فهنا يقعون في مشكلة هم في غنى عنها فمما لا شكّ فيه سوف يبدأ أهلهم أو الشرطة بالبحث عنهم

- يا لهم من خبثاء لكنهم وقعوا في ما كانوا يهربون منه !!

- فعلاً فأنا لم أكلف بمتابعة وليم إلا بعدما شككنا بمقتل ابنه الأكبر وأنه مات بطريقة غير طبيعية

- لكن لم أفهم إلى الآن ؟! فأين كان سون وزوجته وقت الحادثة ولماذا استبدلا بآخرين مع أنهم قد قرروا إعدامهما ؟!

- هنا تأتي الأيادي الخفية لجورج ؟!

بعد أن تمّ إصدار حكم الإعدام بحق المهندس سون وزوجته واتفق على الآلية وهي كما حدث محاولة مضايقتهما حتى يحدث لهما انقلاب أو ارتطام ويكون كأنه حادث سير طبيعي ... وقد كلّف جورج بتولي هذه المهمة

لكن جورج لم يفعل ذلك فقد قام بإخفاء المهندس وزوجته وغرر برجل وامرأة ممن أشرت إليهم وجعلهما يركبان في سيارة سون وقام جورج بعد ذلك بمضايقتهم وحدث الحادث وماتا

- لكن لماذا اعتقد رجال الأمن بأنهما عائلة سون ؟

- هذه سهلة فقد وضعت بطاقتيهما الشخصية في السيارة فعندما جاء رجال الأمن وبحثا عن هويتهما وجدا اسميهما وكانت الدماء تغطي وجهيهما فانطلت الحيلة وتمّ تسجيل الحادثة باسم عائلة سون

- لكن ألم يشكّ أحد في أنهما ليسا بعائلة سون ؟!

- كانت الأمور مدروسة بعناية فهما ليس لهما أية أقارب سوى جيانا وجدتها ولم تكن حاضرتين حتى يتعرفا عليهما واكتفيتا بأقوال رجال الأمن

- لكن لماذا لم ينفذ جورج قرار الإعدام ؟ هل له مصلحة يريدها من وراء إخفاء عائلة سون ؟!!

- أحسنت يا فارس نعم كانت له مصلحة يريدها من ورائهما ؟

- وما هي ؟

- لقد كان بينه وبين كبير القلعة خلافات حادة فأراد أن يضغط عليه ويهدده بعائلة سون !!

- لكن لماذا عائلة سون بالذات ؟

- لأنّ سون قد هددهم من قبل بإخبار السلطات عن جرائم القتل التي تحدث داخل القلعة

- وهل عرف كبير القلعة بهذه الخيانة من جورج ؟!

- لا ، فهو كان يعتقد بأنّ سون قد مات واستراح من الخطر الذي كان يحدق به ببقائه حياً !

- لم تقل لي ما هي هذه الخلافات التي كانت بين جورج وسيده ؟

- يقولون بأنّ جورج كان يريد أن يصبح هو كبير القلعة يعني السيد الأول بدون منازع فحدثت بينه وبين رئيسها منازعات وخلافات بسبب ذلك

- أوه يا له من داهية !

- ألم أقل لك فعقليته جبارة ؟!

- لكن ألم تكن الرئاسة عن طريق الترشيح ؟

- بلى وهذا ما كان يقلق جورج

- ولماذا ؟!

- لأنّ فرصته ضعيفة في الترشح لمنصب الرئاسة لعد توفر الشروط الآنفة الذكر في شخصيته لذلك أراد أن يتحايل عليهم وهذا ما أغضب كبير القلعة.

- وكيف أراد التحايل ؟!

- هناك بند يستطيع أن يلجأ إليه وهو موافقة ثلثي المجلس حتى وإن لم تتوفر في الشخص المتقدم الشروط فبدأ جورج باستمالة بعض أعضاء المجلس لكن الخبر نما إلى الرئيس

- لقد استنتجت هنا استنتاجاً لا أدري هل هو صحيح أم لا يا سيد جونكل ؟!

- وما هو ؟

- أعتقد بأنّ كلاً من سيد القلعة وجورج كان يريد أن يتخلص من الآخر بشكل ما ؟!

- كيف ؟

- سيد القلعة أراد أن يورط جورج بحادث مقتل عائلة سون ، فقد أمّل بأن ينكشف تورط جورج إثر محاولته لمضايقتهما فيتم القبض عليه ، أما جورج فأراد التخلص من سيده كما ذكرت أنت عن طريق سون

- هذه نقطة رائعة الحقيقة لم أتفطن لها إلا الآن ، لكنّ جورج كان أذكى بكثير من سيده ومع ذلك ارتكب خطأ قاتلاً أودى بحياته كما رأيت ؟

- وما هو هذا الخطأ ؟!

- كما ذكرت لك بأنّ جورج كان من أعزّ أصدقاء وليم ، وقد طمع في كسب وليم في صفه فعرض عليه الأمر بعد أن أخبره بما خططه ! وقد قدّم له عرضاً مغرياً بأن يجعله نائبه في رئاسة القلعة !

- لكن لماذا لجأ جورج لهذه الخطوة الخرقاء ؟!

- بعد التفكير أعتقد بأنه كان بحاجة إلى وجاهة ومكانة وليم لأنّ جورج كان يقيم في لندن لسنوات طويلة بسبب ظروف عمله فهو غير معروف هنا في واشنطن لذلك أراد أن يكسب وليم في صفه حيث سيسهل عليه الكثير من العقبات وخاصة استمالة أعضاء مجلس الرئاسة

- وهل وافق وليم على هذا العرض ؟

- طبعاً لا ، فهذه خيانة ووليم أضعف من أن يقوم بذلك لكنه أوهم جورج بأنه معه في كل خطوة يقوم بها !
- أعتقد أنّ جورج قد تهور في هذه الخطوة !

- صحيح ، فوليم معطي الولاء المطلق لجماعته وهو وإن كانت له أطماع إلا أنه كان يتحرك بروية ويخبز أفكاره على نار هادئة بخلاف جورج المتهور

- سكت جونكل قليلاً ثم التفت إلى وراءه ، كانت أضواء الكوخ تتراءى لنا من بعيد فقال : ما رأيك يا فارس بالرجوع الآن فأعتقد بأنّ عائلة سون قد هدأوا وهم بلا شكّ في انتظارنا

- صحيح ، لكن يجب عليك أن تكمل

- حسناً ، أين وصلنا

- دعني أذكرك بسؤال !

- تفضل سيد فارس

- هل وليم تكتم على هذا الموضوع أم أنه أخبر كبير القلعة ؟

- بل بادر فوراً بإخبار كبير القلعة وقد زادت مكانة وليم عنده

- وماذا حدث بعد ذلك ؟

- اختفى جورج

- وأين ذهب ؟!

- لا أحد يدري حتى ظهر مجدداً في الطائرة التي كانت تقلك عند قدومك ، لكني أعتقد بأنه كان في لندن مقره التقليدي ؟! ألم تتوقف طائرتكم في مطار لندن ؟

- نعم ، وقد كان ضمن المسافرين الذين انضموا إلينا من لندن ، لكن أليس من الغباء أن يظهر جورج هكذا مجدداً ؟ ألم يخش بمراقبته والقبض عليه من جماعته المجرمة ؟!

- أعتقد بأنه لم يكن يعرف وقتها بأنّ وليم قد أفشى سره القاتل لأنّ الأخير أوهمه بكتمان سره وعدم قوله لأحد !

- هنا توقفت لحظة أسترجع الأحداث التي كانت في الطائرة

- مالك صمت يا سيد فارس ؟

- سوف أخبرك يا جونكل بأمور ربما لا تعرفها !

- وما هي ؟!

- هل كنت تعرف كيف تمّ القبض على جورج ؟!

- الحقيقة أنا أودّ أن أسمع منك ذلك فأتوقع بأنّ لديك بعض المعلومات الهامة ؟!

- حسناً يا جونكل ، أخبرني بما عندك أولاً عن كيفية وصول جورج إلى القلعة ؟!

- تقول التقارير التي لدينا بأنّ جورج قد أغمى عليه في الطائرة قبل وصولها بحوالي نصف ساعة لكن لم يتم التعرف على سبب ذلك وبعد أيام من مكوثه بالمستشفى استعاد وعيه وخرج على مسؤوليته الشخصية ويبدو بأنّ أحدهم قد وقف لإيصاله للمكان الذي يريده لكنه اتجه به إلى حيث القلعة

- هل تقصد بأنّ رجال القلعة كانوا يراقبونه ؟!

- من المؤكد ذلك ... لكن ماذا حدث في الطائرة أمام عينيك ؟!

- الحقيقة كان جورج غريب الأطوار منذ صعوده من مطار لندن فقد كان يجلس إلى المقعد الذي بجواري ثم أبدى ترحيبه بي وكأنه يعرفني منذ زمن وبعدها وأثناء تقديمه لكأس العصير قال لي : تفضل يا سيد فارس !! مما أثار تعجبي عن كيفية معرفته اسمي

- لا تستغرب يا صديقي فمما لا شكّ فيه بأنّ وليم قد أراه صورتك على أنك أحد الزبائن القادمين عن طريقه فهو قد فعل ذلك مع الكل حتى زوجته وأولاده وأيضاً جيانا لكنه كان يقول لنا هذا أحد أصدقائي الأعزاء سوف يزورنا قريباً وبسبب رؤيتي صورتك فقد تعرفت عليك في المطار وأظنني قد أريتك إياها

- نعم هذا صحيح ، لكن الحقيقة قد أرعبتني كثيراً عندما تعرفت عليّ حتى أني خشيت بأنك جورج
- ضحك السيد جونكل من موقفي ذاك وعلّق : لقد كان منظرك يثير الشفقة يا صديقي

- هل تسخر منّي يا بيل ؟!

- بيل !! إنه اسم لطيف

- بالمناسبة يا سيد جونكل !! هل كنت تعلم شيئاً عن مدلولات تلك الرموز والشعارات الشيطانية ؟!
- نعم وقد اخترت لك الطابق السادس جناح 66 حتى تلحظ ذلك

- كم أنت داهية أيها الرائد !

- الحق يقال بأنني لم أبلغ مستوى ذكائك

- لا تتواضع يا رجل ! على العموم نرجع لحديثنا لقد كان لتلك المضيفة شأن بارز في مجرى الأحداث في الطائرة

- هل تقصد لودي ؟!

- نعم هي بعينها

- وماذا فعلت تلك السوسة ؟!

- لقد كانت تراقب جورج بعناية ؟

- وهل تمّ بينهما أي نقاش ؟!

- نعم في البداية كان نقاشاً ودياً مفعماً بالرومانسية وبعدما أحضرت له فنجال قهوة رمت في أذنه بكلمات مما جعله ينقلب رأساً على عقب وأخذ يتصبب عرقاً وغدا وجهه مربداً

- حسناً يا فارس وهل تعلم بما قالته له لودي ؟!

- في الحقيقة لم أسمعها مع أنهما إلى جواري

- أعتقد بأنها أخبرته بأنّ عليه أن يسلم نفسه فقد فضح أمره فتلك الآنسة هي عشيقة وليم الأولى وتحبه بجنون

- وهل تعتقد بأنها قد كلفت حقاً بهذه المهمة ؟!

- نعم ، بحكم عملها تستطيع أن تفعل ذلك وأظنّ أنّ أحدهم قد راقب جورج حتى عرف مكانه وأي رحلة وطائرة سوف يطير من خلالها ثم أوكلت المهمة للودي بإخباره بالأمر وأنّ عليه تسليم نفسه ، لكن ماذا حدث لجورج بعد ذلك ؟

- لقد أخذ يلعن وليم ويسبه

- أرأيت ؟! لقد عرف بأنّ وليم قد غدر به

- صحيح لكنّ الأمر الذي أستغربه هل فعلاً جورج أراد الانتحار ؟

- ومن قال ذلك ؟

- أحد مضيفي الطائرة عندما سألته

- ربما حاول ذلك فعلاً فقد فكر بما سينتظره في القلعة المهجورة من صنوف العذاب فأراد أن يريح نفسه وينتحر بهدوء

- لكن هناك أمر هام نسيت أن أخبرك به أيضاً !

- وما هو يا فارس ؟!

- لقد كتب لي قصاصة صغيرة يحذرني من وليم

- وماذا كتب بالضبط ؟!

- كتب : احذر يا فارس من وليم 666

- إنه ماكر بحق ، عرف بأنّ وليم قد أوقع به فأراد أن يوقع هو به أيضاً

- لم أفهم يا جونكل ؟!

- لقد عرف بأنّ أمره قد كشف وبما أنّ وليم هو الذي فضحه فأراد منك وهو يعرف بأنك ستقابله أن تكتشف أمره أيضاً فأنت الورقة الأخيرة بيده ، وقد استطعت فعل ذلك يا فارس !

- صحيح لقد أوقع كلاهما بالآخر .. يا لهم من مجرمين محترفين

كنا قد اقتربنا كثيراً من كوخ آل سون فتذكرت شيئاً مهماً لم أسأل جونكل عنه

- لحظة يا جونكل ؟ لم تخبرني أين كان يقيم سون وزوجته في الشهرين الماضيين ؟!

- لقد كانا في كوخ مهجور على أطراف المدينة

- هل تقصد بأنهما قد مكثا طوال تلك المدة هناك

- نعم فقد خصص لهما جورج خادمة تعمل على خدمتهما وكان يزورهما بين الفترة والأخرى وقال لهما : إن حاولتما الهروب ستكون جيانا في خطر

- ألم يحاولا الهروب بالفعل ؟

- لا أعتقد فقد كانت الحراسة عليهما مشددة ! ولا تنسَ بأنّ حياة جيانا في خطر إن هربا

- لكن كيف وصلا إلى القلعة ؟

- بعد خروج جورج من المستشفى كما ذكرت لك أخذوه إلى القلعة وهددوه وعذبوه حتى دلهم على المكان الذي يخفيهما فيه ومن ثم أحضراهما إلى القلعة وقد وجدناهما في زنزانة أثناء التفتيش وأعتقد بأنهم كانوا ينوون إعدامهما بعدكما أنت وجيانا

- إنها لقصة غريبة حقاً

- هكذا هم المجرمون يخططون لسنوات عديدة لكن في لحظة واحدة يسقط كل ما بنوه

- صحيح ... فا الله يمهل ولا يهمل

- كلمة حق فالمظلوم ينتقم له ولو بعد حين

وصلنا إلى كوخ آل سون


**** كانت الساعتان اللتان قضيناهما في التجول كافيتان لإخراج كل مكنوناتهم العاطفية ... طرقنا الباب ...

أذن لنا المهندس سون بالدخول وعانقني وهو يقول : أهلاً بك أيها البطل فارس

احمرّ وجهي من الخجل وهو يمطرني بقبلاته الحارة ويزجي عبارات الشكر والعرفان

كان الأربعة يجلسون متحلقين .. انضممنا إليهم بعد اعتذارنا عن تأخرنا

سعل الرائد جونكل وقال : أظنّ أننا فعلنا ما كان يجب علينا فعله هكذا كنا نتخيل

انبرت السيدة هولاند وقالت : نحن الذين يجب علينا أن نعتذر فلم نتمالك أنفسنا ونسيناكم في غمرة اللقاء

لن يلومكم أحد أيتها السيدة الفاضلة .. قلتها وأنا أبتسم

قالت جيانا : بلا شكّ يا سيد جونكل فقد أخبرت السيد فارس عن كل شيء

- من المؤكد عزيزتي فساعتان كافيتان لسرد رواية من تأليفكِ

- ضحك الجميع وقالت الجدة :

- لقد أخبرنا سون بما جرى لهما .. يا لهم من أوغاد أولئك السفلة

- علّقت قائلاً : لقد لقوا جزاءهم واستراحت البشرية من مفاسدهم

- نظرت إلى الرائد جونكل وقلت له : يبدو بأنه يتوجب علينا الانصراف الآن يا صديقي فقد تأخر الوقت كثيراً
- صدقت يا فارس فلا بدّ بأنّ أعزاءنا متعبون للغاية فلنتركهم ليهنئوا بهذه الليلة السعيدة

- قال المهندس : نحن سعداء جداً بلقائكما فلو تمكثا هنا هذه الليلة وفي الغد صباحاً أنتما بالخيار
- اعتذرنا منه : عفواً يا سيدي فلا بدّ من انصرافنا ولنا لقاء آخر بإذن الله

- تمنينا لهم ليلة طيبة ثم ودعناهم ... وقبل أن نصل إلى الباب تذكرت أمراً مهماً وقلت لجونكل :

لحظة يا عزيزي فقد نسيت شيئاً هاماً في سيارتك

ذهبت سريعاً وأحضرت رواية جيانا ووسط ابتسامة منها ناولتها إياها وقلت : لا بدّ بأنكِ سوف تنشرينها في يوم ما وقد كتبت لكِ عدة ملاحظات

- أشكرك كثيراً وسوف أعيد صياغتها لأنها بحاجة لبعض التعديلات وربما أفكر في نشرها لاحقاً

- قالت الجدة : لكن لماذا لا تؤلفون أنتم الثلاثة رواية واحدة تحكي قصتنا جميعاً ؟!

- ضحكت وقلت : كم يبدو ذلك رائعاً !

- ابتسم جونكل وقال : لم أجرّب الكتابة من قبل وأخشى أن تكسد الرواية بسبب مشاركتي

- أبداً يا جونكل فأنت لديك طريقة رائعة في سرد الأحداث وأعتقد بأنك ستبدع كثيراً ! قلتها وأنا أغمز بعيني إليه

- إذاً ما رأيك يا فارس أن تعطيني الفصل الأخير وبشرط أن يكون صغيراً ! أليست فكرة جيدة ؟!

- ضحكنا جميعاً بينما قالت الجدة : وبما أني لا أعرف أن أكتب فسوف أشارككم باقتراح عنوان

لهذه الرواية طبعاً إذا وافقتم عليه

- قفزت جيانا ومسكت بيديها وقالت : بالتأكيد يا جدتي سوف نوافق عليه أليس كذلك يا سيد فارس ؟!

- قلت وأنا مبتسم : من المؤكد ذلك فهذا شرف لنا سيدتي

- أكملت الجدة : ما رأيكم بأن يكون عنوان روايتكم هو : ( أولاد الأفاعي )

- نظرنا إلى بعضنا متعجبين من هذا الاسم الغريب

قرأت الجدة علامات التعجب من نظراتنا وقالت : أليسوا هم أفاعي ولا يلدوا إلا أفاعي ؟!!

هزّ الجميع رؤوسهم موافقة لكلامها


قال المهندس سون : بحق إنهم أولاد أفاعي ! ولا يلدوا إلا أفاعي مثلهم

عندها انصرفنا من بيت آل سون وأنا أشعر بطعم سعادة فقدتها منذ زمن !


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

نظرة الحب
09-11-2011, 05:53 PM
( 16 )


بقية الرواية بقلم جيانا سون


لن أستطيع أن أجاري فارس في طريقة كتابته ، فهو يكتب بأسلوب سلس وأفكار مرتبة ... ويبدو بأنّ ذلك أبعد ما يكون عني خاصة في هذه الأيام !

لم أكن لأكمل هذه الرواية لو أنه متواجد الآن

لا أدري كيف أبداً ؟! لكني سأواصل من حيث انتهى

بعد أسبوع من حادثة اقتحام القلعة واحتفائنا بنجاة والديّ ... زارنا السيد جونكل ومعه فارس في كوخ جدتي ومع أنّ والدي قد عرض علينا الانتقال إلى منزل آخر داخل أحياء واشنطن إلا أننا رفضنا بشدة وقلنا : إنّ هذا الكوخ متسع ويقع في هذه المنطقة الهادئة والأهم من ذلك في كونه بمنأى عن إزعاجات المدن وضوضائها

كنت سعيدة جداً بزيارة فارس وجونكل لنا فنحن لم نرهما منذ تلك الليلة فبدأنا نتذكر تلك اللحظات المرعبة التي قضيناها داخل القلعة المهجورة

وهل يعقل أن تنسى تلك اللحظات القاسية ؟!

لقد انتابتني في الأيام الماضية كوابيس مزعجة وقد كنت أستيقظ عدة مرات في الليلة الواحدة وأنا أصرخ لكن وجود أمي إلى جانبي خفف عني كثيراً حتى بدأت أعود إلى وضعي الطبيعي بعد ذلك

وقد أخبرنا السيد فارس في تلك الجلسة بأنه قد تم قبوله في الجامعة وذلك بعد جهود واسعة بذلها الرائد جونكل وعلى مدار ثلاثة أيام ، فقد اتصل بالعديد من أقاربه ليحاولوا تسهيل إجراءات قبول فارس من جديد وقد تمّ ذلك ولله الحمد


لقد بدأت ألحظ على فارس تغيرات عديدة أثناء زيارته لنا ، كان قليل الكلام وكثير السرحان ... كنت أشعر وقتها بأنه مشوش الأفكار فقد كنت ألقي عليه السؤال لأكثر من مرة ثم يجيبني إجابة بعيدة عن فحوى السؤال

أعتقد بأنه كان بحاجة لفترة راحة تعيد له تركيزه وهدوءه اللذين فقدهما من كثرة المصاعب التي حدثت له
فيما بعد كنت أتعرف على أخبار فارس عن طريق والدي فهما يتقابلان في المدينة وكان أبي يبلغني تحياته وسلامه

أعتقد بأنه قرر التركيز على دراسته فقلل من فترات خروجه بما فيها الزيارات التي كان يأتي بها إلى بلدتنا !

ظللت أتابع أخبار فارس عن طريق والدي وقد مضت سنة كاملة منذ ليلتنا القاسية تلك !!

عرضت عليّ أمي بإشارة من والدي البدء في دراستي الجامعية لكني في الحقيقة غير راغبة بالدراسة حالياً ..

فأنا أريد أن أمكث هنا في هذا الكوخ الجميل وأصحو باكراً وأتمشى إلى جوار هذا النهر الفاتن وأحلب مع جدتي غنيماتها الجميلات !

الدراسة تقيدني كثيراً بل وتزعجني هكذا أشعر

أنا في راحة نفسية ولا أريد أن أقلق نفسي بكثرة البحوث والاختبارات وهلّم جر من هذه المنغصات ، لقد فرحت كثيراً عندما أنهيت المرحلة الثانوية ولا أريد أن أعود لمقاعد التعقيد من جديد

رضخ والداي لرغبتي فشكرتهما على تفهم قراري

وفي مساء يوم هادئ كنت أرتب غرفتي بينما سمعت نداءات أبي من الأسفل

جيانا ... جيانا تعال بنيتي !

نزلت سريعاً إلى الأسفل وجدت أبي وأمي وجدتي يرتشفون قهوتهم المسائية وهم يتهامسون ويبتسمون
سحبت مقعداً وجلست ثم تساءلت : أظنك قد ناديتني يا أبي ؟!

- نعم يا جيانا ... هناك أمر هام نحن نتناقش فيه الآن ونريد أن نسمع رأيكِ فيه فهو يخصكِ بالدرجة الأولى !!

- بدت عليّ علامات التضجر فقد عرفت بأنهم يحاولون إقناعي مرة أخرى لدخول الجامعة

فقلت لهم وأنا أهمّ بالمغادرة : لقد أخبرتكم برأي قبل ذلك وأرجو ألا تجبروني على هذا الأمر !

ضحك والدي وقال : لكنّ هذا غير صحيح يا بنيتي فنحن لا نتحدث عن موضوع الجامعة الذي يدور في ذهنكِ بل هو موضوع آخر !!

تعجبت وأبديت حيرتي : موضوع آخر ؟! وما هو هذا الموضوع ؟!

سعلت جدتي وبشيء من الرزانة قالت : سوف أسألكِ يا حبيبتي سؤالاً وأرجو أن تجيبيني عليه

- تفضلي يا جدتي الغالية

- حسناً ما رأيكِ بالسيد فارس ؟!

- الحقيقة تفاجأت بسؤالها ثم نظرت إلى والديّ وهما يضحكان بدهاء فعرفت الأمر من نظراتهما

- سعلت جدتي مرة أخرى وقالت : هاه لم تجيبيني عن سؤالي يا جيانا ؟!

- ارتبكت وقلت لماذا لا تسألي والدي فالرجال يفهمون بعضهم البعض

- ضحك الجميع وسط ارتباكي وتخبطي في كلماتي

- قالت أمي : اسمعي يا جيانا سأخبركِ بالموضوع : لقد أخبر السيد جونكل والدكِ رغبة السيد فارس التقدم لخطبتكِ . هذا إن لم يكن لديكِ أية ممانعة طبعاً

- أطرقت رأسي خجلاً ثم سكتٌّ

- قال والدي : أفهم من صمتكِ بأنكِ موافقة

- نظرتُ باستحياء إلى الجانب الآخر ! فما أدري وقتها ماذا أفعل من شدة الخجل برغم جراءة مجتمعي وانفتاحه إلا أنه انتابتني مشاعر فياضة لم أستطع وقتها من السيطرة عليها ؟! فقررت المغادرة وسط ضحكاتهم المجللة

الحقيقة غمرتني سعادة من داخلي ... ففارس شاب خلوق وشجاع وقد خاطر بحياته من أجلي وأنا أعرف جيداً بأنه يحبني وأنا كذلك

مضت الأيام سريعاً وتمّت تجهيزات حفل زواجنا بسرعة هائلة

كانت تغمرني مشاعر لا أستطيع وصفها وأنا أرفل بفستان زفافي إلى جانب فارس

حضر العديد من الأصدقاء حفل زفافنا ... كانت أمي وجدتي تجلسان إلى جواري بينما يجلس والدي والسيد جونكل إلى جوار فارس

حضر جميع أهالي بلدتنا الريفية تقريباً ، فنادراً ما تحدث في بلدتنا أية مناسبات وقد كان لاشتهار قصتي مع فارس في القلعة المهجورة زيادة في حماستهم لحضور حفل زواجنا

مضت الأيام هانئة ومبهجة ..

استطاع فارس وبمساعدة والدي من بناء كوخ قريب من كوخ عائلتي فقد كانت لدى فارس رغبة كبيرة في أن نسكن في الريف لكننا اضطررنا أن نستأجر شقة صغيرة في داخل أحياء واشنطن وذلك بسبب بعد الريف عن مقر عمل فارس وعن جامعته فقد تمكن من أن يجد عملاً مناسباً في الفترة المسائية

وهو عبارة عن مندوب في إحدى شركات بيع الأجهزة الكهربائية بينما كان مستمراً في دراسته وقت الصباح ، كنا نقضي أيام الأسبوع في شقتنا ، وفي العطلة الأسبوعية نذهب إلى الريف حيث كوخنا في انتظارنا ،

كنا سعداء بحياتنا ومما زاد من سعادة فارس قرب مقر عمل الرائد جونكل فهو لا يبعد عن شقتنا سوى دقائق فقد كان يزورنا ... ويخرج هو وفارس للتنزه في بعض الأحيان

لقد كانت لدى فارس همة عالية في نيل درجة الماجستير في أقصر وقت ممكن فضاعف جهوده وبذل قصارى جهده وقد حقق الله له تلك الأمنية فحصل على درجة الماجستير في أقل من ثلاث سنوات .. ثم شرع في تسجيل الدكتوراه


وبرغم كل تلك المشاغل والصعوبات إلا أنّ فارس لم ينسَ الدعوة إلى دينه


فقد كان متعاوناً مع مكتب الجالية المسلمة الواقعة قريباً منا ...

وقد استطاع بفضل الله هداية الكثير من الناس إلى الإسلام أولهم أنا وكذلك جدتي ووالديّ وأيضاً الرائد جونكل


كان أسلوبه مؤثراً وطريقة عرضه للإسلام مقنعة واستطاع بدماثة أخلاقه أن يكسب الكثير من المسلمين الجدد


وقد كانت القصة التي حدثت لنا محلّ تعجب الكثيرين حتى وإن لم يكونوا مسلمين


،،،،،،،،،،،،،،،،



بعد حصول فارس على درجة الماجستير قررنا أنا وعائلتي زيارة بيت الله لأداء مناسك الحج وكذلك زيارة المدينة النبوية للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهي فرصة أيضاً للالتقاء بأهل فارس فقد كانوا ينوون الحج في تلك السنة أيضاً وقد فرح فارس بنبأ نيتهم على أداء مناسك الحج وذلك ليلتقي بهم فقد كانت الأسابيع الثلاثة غير كافية للقيام بالحج وزيارتهم في نفس الوقت


ومع أنّ فارس قد زارهم قبل شهر من الآن إلا أنه في شوق عظيم إليهم ، فكانت فرصة جميلة وسفرة ممتعة لا أستطيع أن أصف ما حدث لي عندما رأيت الكعبة لأول مرة في حياتي ...

لقد علا نشيجي أنا وجدتي ووالديّ ..

لقد كانت أجمل لحظات عمري بحق


وقد دعونا كثيراً لمن كان سبب هدايتنا زوجي الغالي فارس


لقد كنا نعيش حياة لا معنى لها !! حياة مظلمة ، تحركنا الماديات وتعبث برؤوسنا المغريات


إنّ المسلمين يملكون نعيم الدنيا والآخرة إن هم تمسكوا بدينهم حق التمسك


بعد أن أنهينا مناسكنا قمنا بزيارة المدينة المنورة وتشرفنا بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد التقينا فيها بعائلة فارس لأننا لم نستطع أن نقابلهم في مكة


كانوا لطفاء وطيبين للغاية تعاملوا معي وكأنني ابنة لهم ، وقد كانوا على معرفة بخبر زواجنا فقد كان فارس حريصاً على موافقتهم فباركوا الزواج بعد أن أقنعهم فارس وبعد أن أفاض لهم بحسن أخلاقي وسلوكي


وأثناء إقامتنا في المدينة كان فارس يوصينا بعدم إخبار أهله بما حدث له من أحداث فهو لا يريد أن يقلقهم لأنّ ذلك ربما يمنعه من إكمال دراسته مكثنا في المدينة أسبوعين وقد كان حتماً علينا المغادرة ونحن في شوق كبير للمكث في ظل هذه المشاعر الإيمانية المتدفقة


عدنا إلى الولايات المتحدة وقد تزودنا بجرعات عالية من الهمة للدعوة للإسلام


لقد نسيت أن أخبركم بأنّ فارس قد فقد هذه المذكرات التي كان يكتبها كما كان يحب أن يسميها وذلك بعد أن انتقلنا إلى بيتنا داخل المدينة ، لقد بحثنا عنها كثيراً في كوخ جدتي وكذلك في كوخنا وفي كل مكان لكن لم نعثر عليها أبداً وقد كان فارس يتحسر بشدة على فقدانها


حتى وقعت عليها مصادفة مرمية في شنطة قديمة في مخزن البيت أعتقد بأنّ أحد العمال قد رماها هناك أثناء نقلنا لأغراضنا إلى بيتنا الجديد

لقد فرح فارس كثيراً عندما عثرنا عليها وأخذ يقلب صفحاتها ويقرأ بينما كنت أستمع إليه ... وبدأنا نستشعر تفصيلاتها

نضحك مرة ويدركنا الخوف في مرات أخرى وينتابنا القلق في أحايين ثانية وكأنّ أحداثها وقعت ليلة البارحة


عندما انتهى فارس من سرد روايته ... نظر إليّ وقال : سوف أكملها بإذن الله إن وجدت فرصة لذلك !! وإن لم أستطع - بسبب ضيق الوقت - فستكملينها أنتِ عزيزتي !


،،،،،،،،،،،،،،


لكنهم لم يدعوه يفعل ذلك ..! لقد قرروا وضع حدّ لحياة زوجي البطل الشهيد


نعم ، لقد قتلوه بدم بارد !! قتلوه لأنه كشف مخططاتهم !

قتلوه لأنه صدع بقول الحق !

قتلوه لأنه أصبح مصدر خطر عليهم ، وغدا غصة في حلوقهم

كنا نظنّ بأنهم قد محقوا واضمحلوا لكن كانت ظنونا خاطئة

كانوا يتكاثرون كتكاثر الجراد ! عادوا لنشاطاتهم الإرهابية من جديد

بدأوا بمضايقة فارس في كل فرصة سنحت لهم

هددوه ... لكنه لم يأبه لهم

كنت أناشد فارس بأن يحذر منهم لكنهم في نظره أصغر من نملة !

لقد كان يكرر عليّ دائماً عبارته التي لا أنساها ما حييت : ( إن كانوا هم عبّاد الشيطان فنحن عباد الرحمن وإن أراد الله شيئاً سيقع ولن ينفع الحذر وأخذ الاحتياطات )


كان كلما خرج من عندي أتوقع ألا يعود إليّ مجدداً

حتى أتت تلك الليلة المريرة والتي سقط فيها فارس شهيداً

كنت أنا وفارس نتمشى إلى جوار النهر الصغير خلف كوخنا وذلك في نهاية عطلة الأسبوع قبل الماضي


كان يحدثني عن طموحاته الدعوية ورغبته في إنشاء مكتب صغير هنا في هذه البلدة الريفية وكذلك بناء مسجد فقد استطاع أن يحصل على ترخيص رسمي لذلك

كان يحدثني وأنا أستمع له بكل مشاعري ..

ثم التفت إليّ وهو يبتسم وقال لي : ستكونين يا زوجتي الحبيبة عضدي الأيمن في هذا المركز خاصة في إدارة الشؤون النسائية ...

وافقت دون تردد فأنا كلي حماس للقيام بذلك واحتساب الأجر عند الله ، مرّت أكثر من نصف ساعة ونحن نرسم الخطط لهذا المشروع الواعد


وفجأة سمعت دوي رصاصات شقّ سكون الليل وهزّ المكان ..

كان فارس ممسكاً بيدي وقتها ونحن نتحدث

بدأتْ يده بالتراخي ثم سقط على وجهه على الأرض ... صعقت من الفاجعة وارتميت عليه

صرخت : فارس ... فارس

بالله أجبني .. أرجوك لا تمت

كانت يداي تصب من دمه وقد أسلم روحه الطاهرة لربه

سمع سكان الريف طلقات الرصاص فأتوا مهرولين ..

حاولوا فعل المستحيل لإنقاذه لكنّ إرادة الله تمت !

ومات فارس البطل الشهيد


أصبت بهستريا وموجة صراخ لا انقطاع لها

لم أشعر إلا ووالدتي تضمني من خلفي ..

استدرت إليها وأنا أتمتم لقد قتلوا فارس يا أميّ ... لقد قتله السفلة الأوغاد


كانت أمي تربت عليّ وتصبرني وهي تبكي وكلّ أهالي البلدة يبكون فقد فقدوا عزيزاً عليهم


لم أفق من صدمتي إلا عند مساء اليوم التالي وقد كان كوخنا يكتظ بعشرات الناس ممن قدموا للعزاء من أحباب فارس الذين أسلموا على يديه !!

لقد بدا على وجوههم التأثر البالغ من هذه الجريمة النكراء

لقد رحل فارس شهيداً بإذن الله

رحل بعد أن غرس النور في قلوب الكثيرين بتوفيق الله

رحل بعد أن أنقذ الله على يديه بيوتاً عديدة من براثن الشرك والضلال

فلتهنأ في قبرك أيها الرجل العظيم

ولتقرّ عينك لبذرتك التي زرعتها بإخلاص


وجمعني الله بك في فردوسه الأعلى من الجنة



،
،
،
،
،




زوجتك المخلصة والتي لن تنساك أبداً :

،،، جيانا سون

نظرة الحب
09-11-2011, 05:54 PM
( 17 )



الفصل الأخير بقلم الرائد جونكل

يبدو بأنّ ما اقترحته جدة جيانا ووافق عليه فارس رحمه الله قد حدث فعلاً ...

فها أنا ذا أضع الفصل الأخير لهذه الرواية العجيبة !

لم أتوقع في يوم من الأيام أن أمسك قلماً وأكتب مثل أولئك الأدباء الكبار ..

كان تعاملي مع القلم لتسجيل ملاحظات سريعة أو مكان مشتبه لرصده وجلّ ما أفعله التوقيع فقط

لقد قتل فارس ذلك البطل ! كما عرفتم من سرد جيانا لقصة مقتله

وقد طلبت من جيانا هذه الأوراق أثناء تتبعي للأصابع الخفية لمقتل فارس فقد كان المحققون حريصون على أي شيء - ولو كان صغيراً - لتزويدهم بالمعلومات

لم نشكّ في لحظة من اللحظات بأنّ الفاعل هم أولئك الشرذمة المجرمة !

لكننا لم نصل لأي تقدم في معرفة من بالتحديد الذي قتل فارس ؟!

لقد نفذت الجريمة بعناية فائقة فقد كان القاتل وسط النهر عندما أطلق نيرانه فأكمل إلى الضفة الأخرى سباحة ثم هرب من الجانب المقابل لموقع الحادث وقد أفلت لأنّ رجال البلدة أخذوا بضع دقائق قبل وصولهم


هكذا كان يتوقع المحققون أو هكذا صاغوا سيناريو الجريمة

ويبدو بأنّ توقعاتهم صائبة وتدور حول الحمى ولقد كنت أخشى وقوع حادثة أخرى تدور في مخيلتي ولقد حدثت فعلاً كما توقعت


كنت في مكتبي في مساء يوم أمس عندما رنّ هاتفي الشخصي رددت عليه

لقد كان أحد زملائي ويخبرني بجريمة قتل قد حدثت قريباً من مقرّ عملي وبالتحديد في العمارة التي يسكنها فارس

ارتعبت لسماع هذا النبأ لكن مما طمأنني بأنّ شقة فارس لا يوجد بها أحد فقد انتقلت جيانا عند والديها بعد مقتله فتوقعت بأنّ الحادثة وقعت لأحد الجيران

وعندما وصلت هناك وجدت إسعافاً واقفاً وقد خرج للتوّ رجال من البناية وهم يحملون جثة مغطاة بقماش أبيض ، وعندما دخلت إلى البناية تقابلت وجهاً لوجه مع المهندس سون وهو في حالة انهيار شديد ...

تساءلت : ما الذي حدث ؟

ارتمى عليّ وقال : لقد فعلوها !!

لقد قتلوا جيانا يا جونكل لقد قتلوا جيانا يا جونكل

ثم انخرط في بكاء متواصل

صدمت لسماع هذا النبأ

وحاولت تهدئته وأنا بي من الحزن أضعاف ما به

قال سون بصوت متهدج : إنهم يأخذوننا بالدور واحداً إثر واحد

قاتلهم الله ... لعنهم الله



،،،،،،،،،،،،،،،،


في هذه الأثناء حضر أحد جيران فارس وكنت أعرفه فأوكلت له مهمة الاعتناء بسون ريثما أعود ثم صعدت إلى الشقة بعد أن ناداني الضابط المسؤول

تساءلت : كيف جاءت إلى هنا ؟

قال لي : لقد أتت مع والدها هذا المساء يبدو بأنها تريد لملمت بعض الأغراض المتعلقة بها فوضعها والدها وذهب إلى البقالة لشراء بعض الحاجيات وعندما عاد وجدها تتشحط بدمائها

وهل ألقيتم القبض على القاتل ؟!

لقد انتحر وهو هناك في المطبخ


وجدت أحد رجال الشرطة واقفاً عند الجثة وقد غطوها بغطاء وجدوه قريباً

سألته : هل تمّ التعرف عليه ؟!


لا ، يا سيدي لكنه فتى لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره

كشفت الغطاء عن وجهه ثم تراجعت إلى الوراء من شدة الصدمة

شيء لا يصدق أبداً إنه :




جيمس ابن الدكتور وليم


ذلك الفتى البريء يفعل هذا الفعل الشنيع ومع من ؟

مع جيانا التي كان يحبها وتحبه !!

دخل الضابط ورآني وأنا في حالة اندهاش وحيرة

سألني هل عرفته ؟!


نعم ... نعم ...

ثم أدخل يده في جيبه وأخرج ورقة صغيرة ، ناولني إياها وقال : لقد وجدناها إلى جانب جثته


فتحت الورقة وإذا مكتوب فيها بخط جيمس الذي أعرفه جيداً :

( لقد قتلتها هي وزوجها انتقاماً لمقتل والدي ) !!



عندها عرفنا من الذي قتل فارس وقتل زوجته جيانا .... إنه جيمس ابن وليم !


يا له من أمر مرعب حقاً ...

لم أتخيل أن يكون هذا الصغير صاحب النظرات البريئة قاتلاً في يوم من الأيام !


هنا تذكرت عبارة الجدّة : ( أليسوا هم أفاعي ولا يلدوا إلا أفاعي ؟! )

كم هي حكيمة تلك العجوز !!

ندّت دمعة ساخنة من عيني وأنا أتذكر ضحكات فارس وجيانا في تلك الليلة السعيدة !

قاطعني الضابط وأنا مستغرق في خواطري وقال : معذرة يا سيد جونكل :


- هل عرفت من الذي دفع هذا الفتى لتنفيذ هاتين الجريمتين البشعتين ؟!!

- أجل

- ومن هم ؟!

- إنهم أولاد الأفاعي

- تركتُ الضابط مشدوهاً وهو يردد : أولاد الأفاعي !! أولاد الأفاعي ...

وهل هناك عصابة بهذا المسمى ؟!


نظرت إليه لحظة ... ثم غادرت المكان



وأنا هنا أسجل فصل هذه الرواية الأخير


فقد نسجناها نحن الثلاثة وقد مضى اثنان إلى ربهما وبقيت وحيداً لأقوم بنشرها وعلى نفقتي الخاصة


إكراماً لهذين الزوجين البطلين


فليرحمكما الله أيها الزوجان الشهيدان يا من ضحيتما بحياتكما فداء للحق ودفاعاً عن المظلومين !!





صديقكما المخلص للأبد ....


جونكل ،،،،








تمّت بحمد الله



،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،
،،،،
،،
،

نظرة الحب
09-11-2011, 05:54 PM
وبكذآ ..

انهيت نقلهــــــــــــآ ..

قــرآءة ممتعه ..~

عـــودالليل
09-12-2011, 03:11 AM
300

يافراشتنا امتعتيني بما قرات

ربي يحفظك

نظرة الحب
09-12-2011, 05:43 PM
شاكره مرورك العطر

جنــــون
09-14-2011, 10:44 AM
http://quran.maktoob.com/vb/up/906224531789561988.gif

نظرة الحب
09-14-2011, 10:33 PM
شاكره مرورك العطر