مشاهدة النسخة كاملة : مُتُنَبّى العَ ــصْر وَشاعِر الألَم .. مَحمود دَرويش.!!


جنــــون
08-05-2011, 06:16 PM
::


محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة ابناء وثلاث بنات ، ولد عام 1941 في قرية البروة ( قرية فلسطينية مدمرة ، يقوم مكانها اليوم قرية احيهود ، تقع 12.5 كم شرق ساحل سهل عكا) ، وفي عام 1948 لجأ الى لبنان وهو في السابعة من عمره وبقي هناك عام واحد ، عاد بعدها متسللا الى فلسطين وبقي في قرية دير الاسد (شمال بلدة مجد كروم في الجليل) لفترة قصيرة استقر بعدها في قرية الجديدة (شمال غرب قريته الام -البروة-).

تعليمه:
اكمل تعليمه الابتدائي بعد عودته من لبنان في مدرسة دير الاسد متخفيا ، فقد كان تخشى ان يتعرض للنفي من جديد اذا كشف امر تسلله ، وعاش تلك الفترة محروما من الجنسية ، اما تعليمه الثانوي فتلقاه في قرية كفر ياسيف (2 كم شمالي الجديدة).

حياته:
انضم محمود درويش الى الحزب الشيوعي في اسرائيل ، وبعد انهائه تعليمه الثانوي ، كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في الجرائد مثل "الاتحاد" والمجلات مثل "الجديد" التي اصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها ، وكلاهما تابعتان للحزب الشيوعي ، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر .

لم يسلم من مضايقات الاحتلال ، حيث اعتقل اكثر من مرّة منذ العام 1961 بتهم تتعلق باقواله ونشاطاته السياسية ، حتى عام 1972 حيث نزح الى مصر وانتقل بعدها الى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الحتجاجا على اتفاق اوسلو.

شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرر في مجلة الكرمل ، واقام في باريس قبل عودته الى وطنه حيث انه دخل الى اسرائيل بتصريح لزيارة امه ، وفي فترة وجوده هناك قدم بعض اعضاء الكنيست الاسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء في وطنه ، وقد سمح له بذلك.

وحصل محمود درويش على عدد من الجوائز منها:

جائزة لوتس عام 1969.
جائزة البحر المتوسط عام 1980.
درع الثورة الفلسطينية عام 1981.
لوحة اوروبا للشعر عام 1981.
جائزة ابن سينا في الاتحاد السوفيتي عام 1982.
جائزة لينين في الاتحاد السوفييتي عام 1983.

شعره:
يُعد محمود درويش شاعر المقاومة الفلسطينة ، ومر شعره بعدة مراحل .

بعض مؤلفاته:

عصافير بلا اجنحة (شعر).
اوراق الزيتون (شعر).
عاشق من فلسطين (شعر).
آخر الليل (شعر).
مطر ناعم في خريف بعيد (شعر).
يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص).
يوميات جرح فلسطيني (شعر).
حبيبتي تنهض من نومها (شعر).
محاولة رقم 7 (شعر).
احبك أو لا احبك (شعر).
مديح الظل العالي (شعر).
هي اغنية ... هي اغنية (شعر).
لا تعتذر عما فعلت (شعر).
عرائس.
العصافير تموت في الجليل.
تلك صوتها وهذا انتحار العاشق.
حصار لمدائح البحر (شعر).
شيء عن الوطن (شعر).
وداعا ايها الحرب وداعا ايها السلم (مقالات).

جنــــون
08-05-2011, 06:16 PM
::


أحد أهم الشعراء الفلسطينين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن. يعتبر درويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه. في شعر درويش يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأنثى. قام بكتابة وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني[1] التي تم إعلانها في الجزائر.

::

جنــــون
08-05-2011, 06:16 PM
مُختاراتُ من قصائده

::

فكِّر بغيرك



وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ
[لا تَنْسَ قوتَ الحمام]

وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
[لا تنس مَنْ يطلبون السلام]

وأنتَ تسدد فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ
[مَنْ يرضَعُون الغمامٍ]

وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ
[ لا تنس شعب الخيامْ]

وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ
[ثمّةَ مَنْ لم يحد حيّزاً للمنام]

وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكِّر بغيركَ
[مَنْ فقدوا حقَّهم في الكلام]

وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكِّر بنفسك
[ قُلْ: ليتني شمعةُ في الظلام ]

جنــــون
08-05-2011, 06:16 PM
الآن في المنفى

::

الآن، في المنفى ... نعم في البيتِ،
في الستّينَ من عُمْرٍ سريعٍ
يُوقدون الشَّمعَ لك
فافرح، بأقصى ما استطعتَ من الهدوء،
لأنَّ موتاً طائشاً ضلَّ الطريق إليك
من فرط الزحام.... وأجّلك
قمرٌ فضوليٌّ على الأطلال,
يضحك كالغبي
فلا تصدِّق أنه يدنو لكي يستقبلك
هُوَ في وظيفته القديمة، مثل آذارَ
الجديدِ ... أعادَ للأشجار أسماءَ الحنينِ
وأهمَلكْ
فلتحتفلْ مع أصدقائكَ بانكسار الكأس.
في الستين لن تجِدَ الغَدَ الباقي
لتحملَهُ على كتِفِ النشيد ... ويحملكْ
قُلْ للحياةِ، كما يليقُ بشاعرٍ متمرِّس:
سيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهنَّ
وكيدهنَّ. لكلِّ واحدةْ نداءُ ما خفيٌّ:
هَيْتَ لَكْ / ما أجملَكْ!
سيري ببطءٍ، يا حياةُ ، لكي أراك
بِكامل النُقصان حولي. كم نسيتُكِ في
خضمِّكِ باحثاً عنِّي وعنكِ. وكُلَّما أدركتُ
سرَاً منك قُلتِ بقسوةٍ: ما أّجهلَكْ!
قُلْ للغياب: نَقَصتني
وأنا حضرتُ ... لأُكملَكْ!

جنــــون
08-05-2011, 06:17 PM
::
حين تطيل التأمل


حين تُطيل التأمُّلَ في وردةٍ
جَرَحَت حائطاً، وتقول لنفسكَ:
لي أملٌ في الشفاء من الرمل /
يخضرُّ قلبُكَ...
حين تُرافقُ أُنثى إلى السيرك
ذاتَ نهارٍ جميلٍ كأيثونةٍ ....
وتحلُّ كضيفٍ على رقصة الخيل /
يحمرُّ قلبكَ ...
حين تعُدُّ النجومَ وتُخطئُ بعد
الثلاثة عشر، وتنعس كالطفل
في زُرقة الليلِ /
يبيضُّ قلبُكَ ...
حين تَسيرُ ولا تجد الحُلْمَ
يمشي أمامك كالظلّ /
يصفرُّ قلبك ...

جنــــون
08-05-2011, 06:17 PM
إن مشيت على شارع

إن مشيت على شارعٍ لا يؤدي إلى هاوية
قُل لمن يجمعون القمامة: شكراً!
إن رجعتَ إلى لبيت، حيّاً، كما ترجع القافية
بلا خللٍ، قُلْ لنفسك: شكراً!
إن توقَّعتَ شيئاً وخانك حدسك،فاذهب غداً
لتى أين كُنتَ، وقُلْ للفرائة: شكراً!
إن صرخت بكل قواك، ورد عليك الصدى
"مَنْ هناك؟" فقل للهويّة: شكراً!
إن نظرتَ إلى وردةٍ دون أن توجعكْ
وفرحتَ بها، قل لقلبك: شكراً!
إن نهضت صباحاً، ولم تجد الآخرين معك
يفركون جفونك، قل للبصيرة: شكراً!
إن تذكرت حرفاً من اسمك واسم بلادك،
كن ولداً طيباً!
ليقول لك الربُّ: شكراً!

جنــــون
08-05-2011, 06:17 PM
كمقهى صغير هو الحبّ

::

كمقهى صغير على شارع الغرباء -
هو الحبُّ ... يفتح أبوابه للجميع.
كمقهى يزيد وينقُصُ وَفْق المُناخ:
إذا هَطَلَ المطرُ ازداد رُوّادُهُ،
وإذا اعتدل الجو قلُّوا وملُّوا...
أنا ههنا - يا غربيةُ - في الركم أجلس
[ما لون عينيكِ؟ ما اسمكِ؟ كيف
أناديك حين تَمُرِّين بي، وأنا جالس
في انتظاركِ؟ ]
مقهى صغيرٌ هو الحبُّ. أطلب كأسي
نبيذٍ وأشرب نخبي ونخبك. أحمل
قبّعتين وشمسية. إنها تمطر الآن.
تمطر أكثر من أي يوم، ولا تدخلين.
أقول لنفسي أخيراً: لعل التي كنت
أنتظرُ انتظَرَتْني ... أو انتظَرتْ رجلاً
آخرَ - انتظرتنا ولم تتعرف عليه / عليَّ،
وكانت تقول: أنا ههنا في انتظارك.
[ما لون عينيكَ؟ أي نبيذْ تحبُّ؟
وما اسمكَ؟ كيف أناديك حين
تَمُر أمامي]

جنــــون
08-05-2011, 06:17 PM
لا أعرف الشخص الغريب

::

لا أعرف الشخصَ الغريبَ ولا مآثرهُ...
رأيتُ جِنازةً فمشيت خلف النعش،
مثل الآخرين مطأطئ الرأس احتراماً. لم
أجد سبباً لأسأل: مَنْ هُو الشخصُ الغريبُ؟
وأين عاش، وكيف مات [ فإن أسباب
الوفاة كثيرةٌ من بينها وجع الحياة].
سألتُ نفسي: هل يرانا أم يرى
عَدَماً ويأسفُ للنهاية؟ كنت أعلم أنه
لن يفتح النَّعشَ المُغَطَّى بالبنفسج كي
يُودِّعَنا ويشكرنا ويهمسَ بالحقيقة
[ ما الحقيقة؟] رُبَّما هُوَ مثلنا في هذه
الساعات يطوي ظلَّهُ. لكنَّهُ هُوَ وحده
الشخصُ الذي لم يَبْكِ في هذا الصباح،
ولم يَرَ الموت المحلِّقَ فوقنا كالصقر...
[ فاًحياء هم أَبناءُ عَمِّ الموت، والموتى
نيام هادئون وهادئون وهادئون ] ولم
أَجد سبباً لأسأل: من هو الشخص
الغريب وما اسمه؟ [ لا برق
يلمع في اسمه ] والسائرون وراءه
عشرون شخصاً ما عداي [ أنا سواي]
وتُهْتُ في قلبي على باب الكنيسة:
ربما هو كاتبٌ أو عاملٌ أو لاجئٌ
أو سارقٌ، أو قاتلٌ ... لا فرق،
فالموتى سواسِيَةٌ أمام الموت .. لا يتكلمون
وربما لا يحلمون ...
وقد تكون جنازةُ الشخصِ الغريب جنازتي
لكنَّ أَمراً ما إلهياً يُؤَجِّلُها
لأسبابٍ عديدةْ
من بينها: خطأ كبير في القصيدة

جنــــون
08-05-2011, 06:17 PM
هكذا قالت الشجرة المهملة

::
خارج الطقس ،

أو داخل الغابة الواسعة

وطني.

هل تحسّ العصافير أنّي

لها

وطن ... أو سفر ؟

إنّني أنتظر ...

في خريف الغصون القصير

أو ربيع الجذور الطويل

زمني.

هل تحسّ الغزالة أنّي

لها

جسد ... أو ثمر ؟

إنّني أنتظر ...

في المساء الذي يتنزّه بين العيون

أزرقا ، أخضرا ، أو ذهب

بدني

هل يحسّ المحبّون أنّي

لهم

شرفة ... أو قمر ؟

إنّني أنتظر ...

في الجفاف الذي يكسر الريح

هل يعرف الفقراء

أنّني

منبع الريح ؟ هل يشعرون بأنّي

لهم

خنجر ... أو مطر ؟

أنّني أنتظر ...

خارج الطقس ،

أو داخل الغابة الواسعة

كان يهملني من أحب

و لكنّني

لن أودّع أغصاني الضائعة

في رخام الشجر

إنّني أنتظر ...

***

جنــــون
08-05-2011, 06:18 PM
قطار الساعة الواحدة

::
رجل و امرأة يفترقان

ينفضان الورد عن قلبيهما ،

ينكسران .

يخرج الظلّ من الظلّ

يصيران ثلاثة :

رجلا

و امرأة

و الوقت ...

لا يأتي القطار

فيعودان إلى المقهى

يقولان كلاما آخرا ،

ينسجمان

و يحبّان بزوغ الفجر من أوتار جيتار

و لا يفترقان ...

.. و تلفت أجيل الطرف في ساحات هذا القلب .

ناداني زقاق ورفاق يدخلون القبو و النسيان في مدريد .

لا أنسى من المرأة إلّا وجهها أو فرحي ...

أنساك أنساك و أنساك كثيرا

لو تأخّرنا قليلا

عن قطار الواحدة .

لو جلسنا ساعة في المطعم الصيني ،

لو مرّت طيور عائدة .

لو قرأنا صحف الليل

لكنّا

رجلا و امرأة يلتقيان ...

جنــــون
08-05-2011, 06:18 PM
لمساء آخر

كلّ خوخ الأرض ينمو في جسد

و تكون الكلمة

و تكون الرغبة المحتدمه

سقط الظلّ عليها

لا أحد

لا أحد ...

و تغنّي وحدها

في طريق العربات المهملة

كل شيء عندها

لقب للسنبلة

و تغنّي وحدها :

البحيرات كثيره

و هي النهر الوحيد .

قصّتي كانت قصيرة

و هي النهر الوحيد

سأراها في الشتاء

عنما تقتلني

و ستبكي

و ستضحك

عنما تقتلني

و أراها في الشتاء .

انّني أذكر

أو لا أذكر

العمر تبخّر

في محطات القطارات

و في خطوتها .

كان شيئا يشبه الحبّ

هواء يتكسّر

بين وجهين غريبين ،

و موجا يتحجّر

بين صدرين قريبين ،

و لا أذكرها ...

و تغنّي وحدها

لمساء آخر هذا المساء

و أنادي وردها

تذهب الأرض هباء

حين تبكي وحدها .

كلماتي كلمات

للشبابيك سماء

للعصافير فضاء

للخطى درب و للنهر مصبّ

و أنا للذكريات .

كلماتي كلمات

و هي الأولى . أنا الأول

كنّا . لم نكن

جاء الشتاء

دون أن تقتلني ...

دون أن تبكي و تضحك .

كلمات

كلمات .

جنــــون
08-05-2011, 06:18 PM
حالة واحدة لبحار كثيرة


إلتقينا قبل هذا الوقت في هذا المكان

ورمينا حجرا في الماء،

مرّ السمك الأزرق

عادت موجتان

و تموّجنا .

يدي تحبو على العطر الخريفيّ ،

ستمشين قليلا

و سترمين يدي للسنديان

قلت : لا يشبهك الموج .

و لا عمري ...

تمدّدت على كيس من الغيم

وشقّ السمك الأزرق صدري

و نفاني في جهات الشعر ، و الموت دعاني

لأموت الآن بين الماء و النار

و كانت لا ترني

إن عينيها تنامان تنامان ...

سأرمي عرقي للعشب ،

لن أنسى قميصي في خلاياك ،

و لن أنسى الثواني ،

و سأعطيك انطباعا عاطفيّا ...

لم تقل شيئا

سترمي إلى الأسماك و الأشواك ،

عيناها تنامان تنامان ...

سبقنا حلمنا الآتي ،

سنمشي في اتجاه الرمل صيّادين مقهورين

يا سيّدتي !

هل نستطيع الآن أن نرمي بجسمينا إلى القطّة

يا سيّدتي ! نحن صديقان .

و نام السمك الأزرق في الموج

و أعطينا الأغاني

سرّها ،

فاتّضح الليل ،

أنا شاهدت هذا السر من قبل

و لا أرغب في العودة ،

لا أرغب في العودة ،

لا أطلب من قلبك غير الخفقان .

كيف يبقى الحلم حلما

كيف

يبقى

الحلم

حلما

و قديما ، شرّدتني نظرتان

و التقينا قبل هذا اليوم في هذا المكان

جنــــون
08-05-2011, 06:19 PM
الصهيل الأخير



و أصبّ الأغنية

مثلما ينتحر النهر على ركبتها .

هذه كل خلاياي

و هذا عسلي ،

و تنام الأمنية .

في دروبي الضيقة

ساحة خالية ،

نسر مريض ،

وردة محترفة

حلمي كان بسيطا

واضحا كالمشنقه :

أن أقول الأغنية .

أين أنت الآن ؟

من أي جبل

تأخذين القمر الفضي ّ

من أيّ انتظار ؟

سيّدي الحبّ ! خطانا ابتعدت

عن بدايات الجبل

و جمال الانتحار

و عرفنا الأوديه

أسبق الموت إلى قلبي

قليلا

فتكونين السفر

و تكونين الهواء

أين أنت الآن

من أيّ مطر

تستردين السماء ؟

و أنا أذهب نحو الساحة المنزويه

هذه كل خلاياي ،

حروبي ،

سبلي .

هذه شهوتي الكبرى

و هذا عسلي ،

هذه أغنيتي الأولى

أغنّي دائما

أغنية أولى ،

و لكن

لن أقول الأغنية .

جنــــون
08-05-2011, 06:19 PM
إلى القاريء

الزنبقات السود في قلبي

و في شفتي ... اللهب

من أي غاب جئتي

يا كل صلبان الغضب ؟

بايعت أحزاني ..

و صافحت التشرد و السغب

غضب يدي ..

غضب فمي ..

و دماء أوردتي عصير من غضب !

يا قارئي !

لا ترج مني الهمس !

لا ترج الطرب

هذا عذابي ..

ضربة في الرمل طائشة

و أخرى في السحب !

حسبي بأني غاضب

و النار أولها غضب !

جنــــون
08-05-2011, 06:19 PM
و لاء


حملت صوتك في قلبي و أوردتي
...........فما عليك إذا فارقت معركتي
أطعمت للريح أبياتي وزخرفها
............... إن لم تكن كسيوف النار قافيتي
آمنت بالحرف .. إما ميتا عدما
.................أو ناصبا لعدوي حبل مشنقة
آمنت بالحرف .. نارا لا يضير
...............إذا كنت الرماد أنا أو كان طاغيتي !
فإن سقطت .. و كفى رافع علمي
.............. سيكتب الناس فوق القبر :
" لم يمت " ..........................

جنــــون
08-05-2011, 06:19 PM
نشيد ما



عسل شفاهك ، واليدان

كأسا خمور ..

للآخرين ..

***

الدوح مروحة و حرش السنديان

مشط صغير

للآخرين ..

و حرير صدرك و الندى و الأقحوان

فرش وثير

للآخرين

***

و أنا على أسوارك السوداء ساهد

عطش الرمال أنا .. وأعصاب المواقد !

من يوصد الأبواب دوني ؟

أي طاغية و مارد !!

سأحب شهدك

رغم أن الشهد يسكب في كؤوس الآخرين

يا نحلة

ما قبلت إلا شفاه الياسمين !

جنــــون
08-05-2011, 06:19 PM
أمل


ما زال في صحونكم بقية من العسل

ردوا الذباب عن صحونكم

لتحفظوا العسل !

***

ما زال في كرومكم عناقد من العنب

ردوا بنات آوى

يا حارسي الكروم

لينضج العنب ..

***

ما زال في بيوتكم حصيرة .. وباب

سدوا طريق الريح عن صغاركم

ليرقد الأطفال

الريح برد قارس .. فلتغلقوا الأبواب ..

***

ما زال في قلوبكم دماء

لا تسفحوها أيّها الآباء ..

فإن في أحشائكم جنين ..

***

مازال في موقدكم حطب

و قهوة .. وحزمة من اللهب ..

جنــــون
08-05-2011, 06:20 PM
عن إنسان
:

وضعوا على فمه السلاسل

ربطوا يديه بصخرة الموتى ،

و قالوا : أنت قاتل !

***

أخذوا طعامه و الملابس و البيارق

ورموه في زنزانة الموتى ،

وقالوا : أنت سارق !

طردوه من كل المرافيء

أخذوا حبيبته الصغيرة ،

ثم قالوا : أنت لاجيء !

***

يا دامي العينين و الكفين !

إن الليل زائل

لا غرفة التوقيف باقية

و لا زرد السلاسل !

نيرون مات ، ولم تمت روما ...

بعينيها تقاتل !

وحبوب سنبلة تجف

ستملأ الوادي سنابل ..!

جنــــون
08-05-2011, 06:20 PM
مرثيه
:

لملمت جرحك يا أبي

برموش أشعاري

فبكت عيون الناس

من حزني ... و من ناري

و غمست خبزي في التراب ...

وما التمست شهامة الجار!

وزرعت أزهاري

في تربة صماء عارية

بلا غيم... و أمطار

فترقرقت لما نذرت لها

جرحا بكى برموش أشعاري!

عفوا أبي!

قلبي موائدهم

و تمزقي... و تيتمي العاري!

ما حيلة الشعراء يا أبتي

غير الذي أورثت أقداري

إن يشرب البؤساء من قدحي

لن يسألوا

من أي كرم خمري الجاري !

جنــــون
08-05-2011, 06:20 PM
وعاد في كفن
:

يحكون في بلادنا

يحكون في شجن

عن صاحبي الذي مضى

و عاد في كفن

*

كان اسمه.. .

لا تذكروا اسمه!

خلوه في قلوبنا...

لا تدعوا الكلمة

تضيع في الهواء، كالرماد...

خلوه جرحا راعفا... لا يعرف الضماد

طريقه إليه. ..

أخاف يا أحبتي... أخاف يا أيتام ...

أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء

أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء!

أخاف أن تنام في قلوبنا

جراح نا ...

أخاف أن تنام !!

-2-

العمر... عمر برعم لا يذكر المطر...

لم يبك تحت شرفة القمر

لم يوقف الساعات بالسهر...

و ما تداعت عند حائط يداه ...

و لم تسافر خلف خيط شهوة ...عيناه!

و لم يقبل حلوة...

لم يعرف الغزل

غير أغاني مطرب ضيعه الأمل

و لم يقل : لحلوة الله !

إلا مرتين

لت تلتفت إليه ... ما أعطته إلا طرف عين

كان الفتى صغيرا ...

فغاب عن طريقها

و لم يفكر بالهوى كثيرا ...!

-3-

يحكون في بلادنا

يحكون في شجن

عن صاحبي الذي مضى

و عاد في كفن

ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب

لأمه : الوداع !

ما قال للأحباب... للأصحاب :

موعدنا غدا !

و لم يضع رسالة ...كعادة المسافرين

تقول إني عائد... و تسكت الظنون

و لم يخط كلمة...

تضيء ليل أمه التي...

تخاطب السماء و الأشياء ،

تقول : يا وسادة السرير!

يا حقيبة الثياب!

يا ليل ! يا نجوم ! يا إله! يا سحاب ! :

أما رأيتم شاردا... عيناه نجمتان ؟

يداه سلتان من ريحان

و صدره و سادة النجوم و القمر

و شعره أرجوحة للريح و الزهر !

أما رأيتم شاردا

مسافرا لا يحسن السفر!

راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى

إن جاع في طريقه ؟

من يرحم الغريب ؟

قلبي عليه من غوائل الدروب !

قلبي عليك يا فتى... يا ولداه!

قولوا لها ، يا ليل ! يا نجوم !

يا دروب ! يا سحاب !

قولوا لها : لن تحملي الجواب

فالجرح فوق الدمع ...فوق الحزن و العذاب !لن تحملي... لن تصبري كثيرا

لأنه ...

لأنه مات ، و لم يزل صغيرا !

-4-

يا أمه!

لا تقلعي الدموع من جذورها !

للدمع يا والدتي جذور ،

تخاطب المساء كل يوم...

تقول : يا قافلة المساء !

من أين تعبرين ؟

غضت دروب الموت... حين سدها المسافرون

سدت دروب الحزن... لو وقفت لحظتين

لحظتين !

لتمسحي الجبين و العينين

و تحملي من دمعنا تذكار

لمن قضوا من قبلنا ... أحبابنا المهاجرين

يا أمه !

لا تقلعي الدموع من جذورها

خلي ببئر القلب دمعتين !

فقد يموت في غد أبوه... أو أخوه

أو صديقه أنا

خلي لنا ...

للميتين في غد لو دمعتين... دمعتين !

-5-

يحكون في بلادنا عن صاحبي الكثيرا

حرائق الرصاص في وجناته

وصدره... ووجهه...

لا تشرحوا الأمور!

أنا رأيتا جرحه

حدقّت في أبعاده كثيرا...

" قلبي على أطفالنا "

و كل أم تحضن السريرا !

يا أصدقاء الراحل البعيد

لا تسألوا : متى يعود

لا تسألوا كثيرا

بل اسألوا : متى

جنــــون
08-05-2011, 06:21 PM
السجين والقمر

في آخر الليل التقينا تحت قنطرة الجبال

منذ اعتقلت، و أنت أدرى بالسبب

الآنّ أغنية تدافع عن عبير البرتقال

و عن التحدي و الغضب

دفنوا قرنفلة المغني في الرمال؟

علمان نحن، على تماثيل الغيوم الفستقية

بالحب محكومان، باللون المغني؟

كلّ الليالي السود تسقط في أغانينا ضحية

و الضوء يشرب ليل أحزاني و سجني

فتعال، ما زالت لقصتنا بقية!

سأحدث السّجان، حين يراك

جنــــون
08-05-2011, 06:21 PM
قصائد عن حب قديم
::

على الأقاض وردتنا

ووجهانا على الرمل

إذا مرّت رياح الصيف

أشرعنا المناديلا

على مهل.. على مهل

و غبنا طيّ أغنيتين، كالأسرى

نراوغ قطرة الطل

تعالي مرة في البال

يا أختاه!

إن أواخر الليل

تعرّيني من الألوان و الظلّ

جنــــون
08-05-2011, 06:21 PM
أيها المارون
::
ومن أجمل قصائده
::





ايها المارون في الكلمات العابرة
احملوا أسمائكم .. و انصرفوا
وأسحبوا ساعاتكم من وقتنا .. و انصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صور،كي تعرفوا
انكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من ارضنا سقف السماء

***
ايها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف - ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا
منكم دبابة اخرى- ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقص..و انصرفوا
وعلينا ، نحن ، ان نحرس ورد الشهداء
و علينا ، نحن ، ان نحيا كما نحن نشاء

***
ايها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مروا اينما شئتم ولكن
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
خلنا في ارضنا ما نعمل
و لنا قمح نربيه و نسقيه ندى اجسادنا
و لنا ما ليس يرضيكم هنا
حجر.. او خجل
فخذوا الماضي ... اذا شئتم الى سوق التحف
و اعيدوا الهيكل العظمي للهدهد ، ان شئتم
على صحن خزف لناما ليس يرضيكم ، لنا المستقبل ولنا في ارضنا ما نعمل

***
ايها المارون بين الكلمات العابره
كدسوا اوهامكم في حفرة مهجورة ،.. وانصرفوا
واعيدوا عقرب الوقت الى شرعية العجل المقدس
!او الى توقيت موسيقى مسدس
فلنا ما ليس يرضيكم هنا ،... فانصرفوا
ولنا ما ليس فيكم ....وطن ينزف و شعبا ينزف
وطنا يصلح للنسيان او للذاكرة
ايها المارون بين الكلمات العابرة
آن ان تنصرفوا ...
وتقيموا اينما شئتم ولكن لا تقيموا يننا
آن ان تنصرفوا ......
ولتموتوا اينما شئتم ولكن لا تموتو بيننا
فلنا في ارضنا مانعمل
ولنا الماضي هنا ..
ولنا صوت الحياة الاول
ولنا الحاضر .. والحاضر .... والمستقبل
ولنا الدنيا هنا.... و الاخرة
فاخرجوا من ارضنا
من برنا ..من بحرنا
من قمحنا ..من ملحنا ..من جرحنا
من كل شيء ......... واخرجوا
من ذكريات الذاكرة .....
ايها المارون بين الكلمات العابرة .....

جنــــون
08-05-2011, 06:21 PM
أحن إلى ...




سلام عليك وأنت تعدين نار الصباح

سلام عليك وأنت تعدين نار الصباح

سلام عليك سلام عليك

أما آن لي أن أقدم بعض الهدايا إليك

أما آن لي أن أعود إليك

لديني .. لأشرب منك حليب البلاد..

حليب البلاد ....حليب البلاد

لديني لأشرب منك حليب البلاد...

حليب البلاد... حليب البلاد

وأبقى صبيا على ساعديك

وابقي صبيا إلى أبد الآبدين..

وابقي صبيا على ساعديك

وابقي صبيا على ساعديك

إلى أبد الآبدين

أما آن لي أن أقدم بعض الهدايا إليك

أن أعود إليك

أحن إلى خبز صوتك يا أمي

أحن إليك يا أمي

أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي

ولمسة أمي

أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي

ولمسة أمي

وتكبر في الطفولة

يوما على صدر يوم

وتكبر في الطفولة

يوما على صدر يوم

وأعشق عمري لأني إذا مت

أخجل من دمع أمي

آه.....

من دمع أمي

يطير الحمام يحط الحمام

يطير الحمام ... يحط الحمام

يطير الحمام..

يحط الحمام..

أنا لحبيبي أن

وحبيبي لنجمته الشاردة

فنم يا حبيبي

عليك ظفائر شعري

عليك السلام

ونم يا حبيبي

عليك ظفائر شعري

عليك السلام

يطير الحمام

يحط الحمام
::

جنــــون
08-05-2011, 06:21 PM
::
وأخيرا
::
تقول ممرضتي : كنت تهذي طويلا وتسألني :
هل الموت ماتفعلين بي الآن
أم هو موت اللغه؟
....

تقول ممرضتي : كنت تهذي كثيرا
وتصرخ بي قائلاً:
لا أريد الرجوع إلى أحد
لا أريد الرجوع إلى بلد
بعد هذا الغياب الطويل
أريد الرجوع فقط
إلى لغتي في أقاصي الهديل

::

جنــــون
08-05-2011, 06:22 PM
آخر كلماته...


كل من استمع إلى شاعر العرب الأول في أمسيته الأخيرة،
أحس أنه يودع الجمهور والشعر، وكذلك كان حين واجه جمهوره على استحياء، في حفل إطلاق اسمه على ميدان في مدينة رام الله حيث قال:
'هذه سابقة لا أعرف كيف أستقبلها ومكاني ليس هنا،
ليس من الضروري أن أكون في هذا الحفل، لأن الموتى لا يحضرون حفل تأبينهم
وما استمعت إليه اليوم هو أفضل تأبين أود أن (أسمعه) فيما بعد'.::


محمود درويش الذي صارع الموت، وتعايش مع قلب متعب طويلا،
ككل كبار الشعراء الذين يستشعرون نهاياتهم،
تحدث عن الموت وصراعه معه قائلاً في جداريته:
'لم يعد الموت يخيفني، بل صرت أصارعه،
لأنني أحكي عن تاريخ مصارعتي معه أثناء عملية جراحية،
استعيد تاريخ مصارعتي أنا، لكن تنتهي المسألة إلى صداقة،
ووضع اتفاقيات كيف يكون شهماً وفارساً،
ولا يكون غادرا، لأنه أقوى من أن يكون جباناً، فيأتي بهذه الطريقة كاللصوص'.
::

وتحدث درويش عن اكتشافه للموت
وكأنه أمر يدعو للراحة والسعادة وحتى البهجة قائلاً :
'لم يعد الموت مسألة تخيفني بتاتا،
لأنه إذا كان الموت مثل هذا النوم، فهو ليس مشكلة،
خصوصا أنني مررت بتجربة سابقة عام 1984 عندما تعرضت لموت سريري،
وقتها كنت أرى نفسي نائما وسابحا على غيوم بيضاء'.
::

رحم الله محمود درويش
ولتبقى كلماته وقصائده شاهدةً على الألم والحزن والرحيل


::

جنــــون
08-05-2011, 06:22 PM
تـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــت
بـــــــــــــــــــــــــــــــــحـــــــــــــــ ـــمــــــــد الــــــــــــــــــــــــــلــــــــــــــــــــه

جنــــون
08-09-2011, 10:34 PM
الشاعر الفلسطيني الكبير
محمود درويش
http://dvd.pic.googlepages.com/darwich1.jpg


لم يكن محمود درويش يعبث لحظة واحدة بأدوات رسالته لفرط حساسية هذه الأدوات . فأداة الشاعر الفلسطيني واحدة بطبيعته الاستثنائية ، هذه الأداة هي الوطن المفقود الذي يصبح في الغياب فردوسا مفقودا ، هكذا صدر الحكم ـ قدريا ـ على محمود درويش الشاعر أن يولد فلسطينيا ليصبح لسانا لهذه الأرض التي أُفقدت عن عمد الكثير من ألسنتها .
والمتتبع لحياة محمود درويش يجدها قد مثّلت ـ بصورة نموذجية ـ أبعاد قضية شعبه على مدار ستين عاما هي مدتها ، وعبر توصيفات صدقت في كل وقت على كل أفراد هذا الشعب .


مع الميلاد : عندما كنت صغيرا . . كانت الوردة داري . . والعصافير إزاري
http://dvd.pic.googlepages.com/darwich3.jpg



في عام 1942 وُلد محمود درويش في قرية "البروة " بالقرب من عكا ، وهي القرية التي لا يذكر منها الكثير ، حيث بترت ذكرياته فجأة وهو في السادسة من عمره .
في إحدى الليالي حالكة السواد استيقظ فجأة على أصوات انفجارات بعيدة تقترب ، وعلى هرج في المنزل ، وخروج فجائي ، وعدوٍ استمر لأكثر من ست وثلاثين ساعة تخلله اختباء في المزارع من أولئك الذين يقتلون ويحرقون ويدمرون كل ما يجدونه أمامهم " عصابات الهاجاناة " .
ويستيقظ الطفل محمود درويش ليجد نفسه في مكان جديد اسمه "لبنان " ، وهنا يبدأ وعيه بالقضية يتشكل من وعيه ببعض الكلمات ، مثل : فلسطين ، وكالات الغوث ، الصليب الأحمر ، المخيم ، واللاجئين . . وهي الكلمات التي شكّلت مع ذلك إحساسه بهذه الأرض ، حين كان لاجئا فلسطينيا ، وسُرقت منه طفولته وأرضه .
وفي عامه السابع عشر تسلل إلى فلسطين عبر الحدود اللبنانية ، وعن هذه التجربة يقول:
" قيل لي في مساء ذات يوم . . الليلة نعود إلى فلسطين ، وفي الليل وعلى امتداد عشرات الكيلومترات في الجبال والوديان الوعرة كنا نسير أنا وأحد أعمامي ورجل آخر هو الدليل ، في الصباح وجدت نفسي أصطدم بجدار فولاذي من خيبة الأمل : أنا الآن في فلسطين الموعودة ؟! ولكن أين هي ؟ فلم أعد إلى بيتي ، فقد أدركت بصعوبة بالغة أن القرية هدمت وحرقت " .
هكذا عاد الشاب محمود درويش إلى قريته فوجدها قد صارت أرضا خلاء ، فصار يحمل اسما جديدا هو: " لاجئ فلسطيني في فلسطين " ، وهو الاسم الذي جعله مطاردًا دائما من الشرطة الإسرائيلية ، فهو لا يحمل بطاقة هوية إسرائيلية؛ لأنه "متسلل " . . وبالكاد وتنسيقًا مع وكالات الغوث بدأ الشاب اليافع في العمل السياسي داخل المجتمع الإسرائيلي ، محاولا خلق مناخ معادٍ للممارسات الإرهابية الصهيونية ، وكان من نتيجة ذلك أن صار محررا ومترجما في الصحيفة التي يصدرها الحزب الشيوعي الإسرائيلي ( راكاح ) ، وهو الحزب الذي رفع في تلك الفترة المبكرة من الستينيات شعارا يقول : " مع الشعوب العربية . . ضد الاستعمار " ، وهي الفترة ذاتها التي بدأ يقول فيها الشعر ، واشتُهر داخل المجتمع العربي في فلسطين بوصفه شاعرا للمقاومة لدرجة أنه كان قادرا بقصيدته على إرباك حمَلة السلاح الصهاينة ، فحينئذ كانت الشرطة الإسرائيلية تحاصر أي قرية تقيم أمسية شعرية لمحمود درويش .
وبعد سلسلة من المحاصرات ، اضطر الحاكم العسكري إلى تحديد إقامته في الحي الذي يعيش فيه ، فصار محظورا عليه مغادرة هذا الحي منذ غروب الشمس إلى شروقها في اليوم التالي ، ظانا أنه سيكتم صوت الشاعر عبر منعه من إقامة أمسياته .


إلى المنفى: وطني على كتفي . . بقايا الأرض في جسد العروبة


http://dvd.pic.googlepages.com/darwich4.jpg



وهنا بدأ محمود درويش الشاعر الشاب مرحلة جديدة في حياته بعد أن سُجن في معتقلات الصهيونية ثلاث مرات : 1961 – 1965 – 1967 .
ففي مطلع السبعينيات وصل محمود درويش إلى بيروت مسبوقا بشهرته كشاعر ، وعبر أعوام طويلة من التنقل كان شعره صوتا قويا يخترق أصوات انفجارات الحرب الأهلية في لبنان .
وفي عام 1977 وصلت شهرته إلى أوجها ، حيث وُزع من كتبه أكثر من مليون نسخة في الوقت الذي امتلكت فيه قصائده مساحة قوية من التأثير على كل الأوساط ، حتى إن إحدى قصائده ( عابرون في كلام عابر ) قد أثارت نقاشا حادا داخل الكنيست الإسرائيلي .
هذا التأثير الكبير أهَّله بجدارة لأن يكون عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على الرغم من عدم انتمائه لأية جماعة أو حزب سياسي منذ مطلع السبعينيات ، وقد تطورت علاقته بمنظمة التحرير حتى اختاره " عرفات " مستشارا له فيما بعد ولفترة طويلة ، وقد كان وجوده عاملا مهما في توحيد صفوف المقاومة حينما كان يشتد الاختلاف ، وما أكثر ما كان يشتد ! .
يذكر " زياد عبد الفتاح " أحد أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واقعة تؤكد هذا المعنى فيقول : "قرأ محمود درويش على المجلس الوطني الفلسطيني بكامل أعضائه ومراقبيه ومرافقيه وضيوفه وحرسه قصيدة: " مديح الظل العالي " فأثملهم وشغلهم عن النطاح السياسي الذي شب بينهم في تلك الجلسة .
وهذا ما جعل ياسر عرفات يحاول إقناع محمود درويش بُعيد إعلان قيام الدولة الفلسطينية في المنفى بتولي وزارة الثقافة الفلسطينية ، ولكن الرد كان بالرفض ، معللا هذا الرفض بأن أمله الوحيد هو العودة إلى الوطن ثم التفرغ لكتابة الشعر .
وقد عاش محمود درويش كثيرا من مآسي هذه المقاومة ، وشاهد بنفسه كثيرين من أصدقائه ورفقاء كفاحه وهم يسقطون بأيدي القتلة الصهاينة ، وكانت أكثر حوادث السقوط تأثيرا في نفسه حادث اغتيال " ماجد أبو شرار " في روما عام 1981 ، حين كانا يشاركان في مؤتمر عالمي لدعم الكتاب والصحفيين الفلسطينيين نظَّمه اتحاد الصحفيين العرب بالتعاون مع إحدى الجهات الثقافية الإيطالية . . وضع الموساد المتفجرات تحت سرير ماجد أبو شرار . . وبعد موته كتب محمود درويش في إحدى قصائده : " أصدقائي . . لا تموتوا " .
كان محمود درويش مقيما في بيروت منذ مطلع السبعينيات ، وعلى الرغم من تجواله المستمر إلا أنه قد اعتبرها محطة ارتكازه ، كما كانت حياته في بيروت زاخرة بالنشاط الأدبي والثقافي ، فقد أصدر منها في أواخر السبعينيات مجلة الكرمل التي رأس تحريرها والتي اعتبرت صوت اتحاد الكتاب الفلسطينيين .


تحت القصف : ( بيروت . . لا )


http://dvd.pic.googlepages.com/darwich2.jpg


أثناء قصف بيروت الوحشي ، كان محمود درويش يعيش حياته الطبيعية ، يخرج ويتنقل بين الناس تحت القصف ، لم يكن يقاتل بنفسه ، فهو لم يعرف يوما كيف يطلق رصاصة ، لكن وجوده ـ وهو الشاعر المعروف ـ بين المقاتلين كان يرفع من معنوياتهم ، وقد أثر قصف بيروت في درويش تأثيرا كبيرا على مستويات عديدة .
فعلى المستوى النفسي كانت المرة الأولى التي يحس فيها بالحنق الشديد ، على الرغم من إحباطاته السابقة ، وعلى المستوى الشعري أسهم هذا القصف في تخليه عن بعض غموض شعره لينزل إلى مستوى أي قارئ ، فأنتج قصيدته الطويلة الرائعة " مديح الظل العالي " ، معتبرا إياها قصيدة تسجيلية ترسم الواقع الأليم ، وتدين العالم العربي ، بل الإنسانية كلها .
وأسفر القصف عن خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت ، بينما فضّل محمود درويش البقاء في بيروت ، معولا على عدم أهميته بالنسبة للصهاينة ، لكنه وبعد عشرين يوما من بقائه علم أنه مطلوب للتصفية ، فاستطاع أن يتسلل هاربا من بيروت إلى باريس ليعود مرة أخرى إلى حقيبته وطنا متنقلا ومنفى إجباريا . وبين القاهرة وتونس وباريس عاش محمود درويش حبيس العالم المفتوح معزولا عن جنته الموعودة . . فلسطين .


لقد كان الأمل في العودة هو ما يدفعه دائما للمقاومة ، والنضال والدفع إلى النضال .


http://dvd.pic.googlepages.com/darwich5.jpg


كان محمود درويش دائما يحلُم بالعودة إلى أرضه يشرب منها تاريخها ، وينشر رحيق شعره على العالم بعد أن تختفي رائحة البارود ، لكنه حلم لم يتحقق حتى الآن ! .
اتفاقات التسوية " لماذا تطيل التفاوض يا ملك الاحتضار " ؟
في عام 1993 وأثناء تواجده في تونس مع المجلس الوطني الفلسطيني ، أُتيح لمحمود درويش أن يقرأ اتفاق أوسلو ، واختلف مع ياسر عرفات لأول مرة حول هذا الاتفاق ، فكان رفضه مدويا ، وعندما تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى قدم استقالته من المجلس الوطني الفلسطيني ، وشرح بعد ذلك أسباب استقالته قائلا: " إن هذا الاتفاق ليس عادلا ؛ لأنه لا يوفر الحد الأدنى من إحساس الفلسطيني بامتلاك هويته الفلسطينية ، ولا جغرافية هذه الهوية إنما يجعل الشعب الفلسطيني مطروحا أمام مرحلة تجريب انتقالي . . وقد أسفر الواقع والتجريب بعد ثلاث سنوات عن شيء أكثر مأساوية وأكثر سخرية ، وهو أن نص أوسلو أفضل من الواقع الذي أنتجه هذا النص " .
وعاد درويش في يونيو 1994 إلى فلسطين ، واختار الإقامة في رام الله ، وعانى مذلة الوجود في أرض تنتمي له ، ويحكمها ـ ولا يحكمه ـ فيها شرطي إسرائيلي . . واستمر يقول الشعر تحت حصار الدبابات الإسرائيلية ، إلى أن تم اجتياحها أخيرا ، ولم يسلم هو شخصيا من هذا الاجتياح ، حيث داهمت الشرطة الإسرائيلية منزله ، وعبثت بأسلحته : أوراقه وأقلامه .


رحلة الإبداع " مع الشعر مجيئي … مع الشعر رحيلي "


http://dvd.pic.googlepages.com/darwich7.bmp


" إذا كنا هامشيين إلى هذا الحد فكريا وسياسيا فكيف نكون جوهريين إبداعيا ؟ "
هكذا أجاب درويش ، وهكذا يرى نفسه وسط عالم من الإبداع الجيد والمبدعين " الجوهريين " ، رغم التقدير الذي يلقاه داخل وطننا العربي وخارجه الذي بلغ ذروته حين قام وفد من البرلمان العالمي للكتاب يضم وول سوينكا وخوسيه ساراماغو وفينثنثو كونسولو وبرايتن برايتنباك وخوان غويتيسولو إلى جانب كريستيان سالمون سكرتير البرلمان 24 مارس 2002 بزيارة درويش المحاصر في رام الله مثل ثلاثة ملايين من مواطنيه ، وهذه الخطوة ـ زيارة وفد الأدباء لفلسطين ـ التي لم تستغل جيدا رغم أنها حدث في منتهى الأهمية تنم عن المكانة التي يحتلها درويش على خريطة الإبداع العالمي .
وعلى هامش الزيارة كتب الكاتب الأسباني خوان غويتسولو مقالا نشره في عدد من الصحف الفرنسية والأسبانية اعتبر فيه محمود درويش أحد أفضل الشعراء العرب في القرن الحالي ويرمز تاريخه الشخصي إلى تاريخ قومه ، وقال عن درويش إنه استطاع : تطوير هموم شعرية جميلة ومؤثرة احتلت فيها فلسطين موقعا مركزيا ، فكان شعره التزاما بالكلمة الجوهرية الدقيقة ، وليس شعرا نضاليا أو دعويا ، هكذا تمكن درويش ، شأنه في ذلك شأن الشعراء الحقيقيين ، من ابتكار واقع لفظي يرسخ في ذهن القارئ باستقلال تام عن الموضوع أو الباعث الذي أحدثه .
وكان درويش قد شارك في الانتفاضة الأخيرة بكلماته التي لا يملك غيرها بديوان كتبه في أقل من شهر عندما كان محاصرا في رام الله ، وأعلن درويش أنه كتب هذا الديوان ـ الذي أهدى ريعه لصالح الانتفاضة ـ حين كان يرى من بيته الدبابات والجنود, ويقول: " لم تكن لدي طريقة مقاومة إلا أن أكتب, وكلما كتبت أكثر كنت أشعر أن الحصار يبتعد, وكانت اللغة وكأنها تبعد الجنود لأن قوتي الوحيدة هي قوة لغوية " .
وتابع قائلا " كتبت عن قوة الحياة واستمرارها وأبدية العلاقة بالأشياء والطبيعة . الطائرات تمر في السماء لدقائق ولكن الحمام دائم ، كنت أتشبث بقوة الحياة في الطبيعة للرد على الحصار الذي أعتبره زائلا ، لأن وجــود الدبابة في الطبيعة وجود ناشز ، وليس جزءا من المشــهد الطبيعي ".
اللافت أن درويش لم يخاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون في أي قصيدة من قصائد الديوان . وقال درويش بشأن ذلك: إن شارون " لا يستحق قصيدة فهو يفسد اللغة . . هو متعطش للدماء ولديه حقد كبير, ولكن المشكلة في الدعم الأميركي الذي يمنحه بعد كل مجزرة وساما بأنه رجل سلام " .
وما زال الشاعر ابن الستين ربيعا متفجرا يعيش تحت سماء من دخان البارود الإسرائيلي وخلف حوائط منزل صغير مهدد في كل وقت بالقصف أو الهدم ، وبجسد مهدد في كل وقت بالتحول إلى غربال . . ورغم ذلك فإن كل هذا يقوي من قلمه ، ويجعله أشد مقاومة .

جنــــون
08-09-2011, 10:35 PM
1 ـ أبي


غضّ طرفا عن القمر
وانحنى يحضن التراب
وصلّي . .
لسماء بلا مطر ،
و نهاني عن السفر !
أشعل البرق أوديه
كان فيها أبي
يربي الحجارة
من قديم . . و يخلق الأشجار
جلده ينزف الندى
يده تورق الشجر
فبكى الأفق أغنية :
ـ كان أوديس فارسا . .
كان في البيت أرغفة
و نبيذ ، و أغطية
و خيول ، و أحذية
و أبي قال مرة
حين صلّى على حجر :
غض طرقا عن القمر
واحذر البحر . . و السفر !
يوم كان الإله يجلد عبده
قلت : يا ناس ! نكفر ؟
فروى لي أبي . . و طأطأ زنده :
في حوار مع العذاب
كان أيوب يشكر
خالق الدود . . و السحاب
خلق الجرح لي أنا
لا لميت . . و لا صنم
فدع الجرح و الألم
و أعني على الندم !
مرّ في الأفق كوكب
نازلا . . نازلا
و كان قميصي
بين نار ، و بين ريح
و عيوني تفكر
برسوم على التراب
و أبي قال مرة :
الذي ما له وطن
ما له في الثرى ضريح
. . و نهاني عن السفر



http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/008.gif


2 ـ أبيات غزل


سألتك : هزّي بأجمل كف على الأرض
غصن الزمان !
لتسقط أوراق ماض وحاضر
ويولد في لمحة توأمان :
ملاك . . وشاعر !
ونعرف كيف يعود الرماد لهيبا
إذا اعترف العاشقان !
أتفاحتي ! يا أحبّ حرام يباح
إذا فهمت مقلتاك شرودي وصمتي
أنا ، عجبا ، كيف تشكو الرياح
بقائي لديك ؟ و أنت
خلود النبيذ بصوتي
و طعم الأساطير و الأرض . . أنت !
لماذا يسافر نجم على برتقاله
و يشرب يشرب حتى الثمالة
إذا كنت بين يديّ
تفتّت لحن ، وصوت ابتهاله
لماذا أحبك ؟
كيف تخر بروقى لديك ؟
و تتعب ريحي على شفتيك
فأعرف في لحظة
بأن الليل مخدة
و أن القمر
جميل كطلعة وردة
و أني وسيم . . لأني لديك !
أتبقين فوق ذراعي حمامة
تغمّس منقارها في فمي ؟
و كفّك فوق جبيني شامه
تخلّد وعد الهوى في دمي ؟
أتبقين فوق ذراعي حمامه
تجنّحني . . كي أطير
تهدهدني . . كي أنام
و تجعل لاسمي نبض العبير
و تجعل بيتي برج حمام ؟
أريدك عندي
خيالا يسير على قدمين
و صخر حقيقة
يطير بغمزة عين
http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/008.gif



3 ـ أجمل حب


كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة
وجدنا غريبين يوما
و كانت سماء الربيع تؤلف نجما . . و نجما
و كنت أؤلف فقرة حب . .
لعينيك . . غنيتها !
أتعلم عيناك أني انتظرت طويلا
كما انتظر الصيف طائر
و نمت . . كنوم المهاجر
فعين تنام لتصحو عين . . طويلا
و تبكي على أختها ،
حبيبان نحن ، إلي أن ينام القمر
و نعلم أن العناق ، و أن القبل
طعام ليالي الغزل
و أن الصباح ينادي خطاي لكي تستمرّ
على الدرب يوما جديداً !
صديقان نحن ، فسيري بقربي كفا بكف
معا نصنع الخبز و الأغنيات
لماذا نساءل هذا الطريق . . لأي مصير
يسير بنا ؟
و من أين لملم أقدامنا ؟
فحسبي ، و حسبك أنا نسير . .
معا ، للأبد
لماذا نفتش عن أغنيات البكاء
بديوان شعر قديم ؟
و نسأل يا حبنا ! هل تدوم ؟
أحبك حب القوافل واحة عشب و ماء
و حب الفقير الرغيف !
كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة
وجدنا غريبين يوما
و نبقى رفيقين دوما

جنــــون
08-09-2011, 10:35 PM
6 ـ اعتذار
حلمت بعرس الطفولة
بعينين واسعتين حلمت
حلمت بذات الجديلة
حلمت بزيتونة لا تباع
ببعض قروش قليلة
حلمت بأسوار تاريخك المستحيلة
حلمت برائحة اللوز
تشعل حزن الليالي الطويلة
بأهلي حلمت . .
بساعد أختي
سيلتفّ حولي وشاح بطولة
حلمت بليلة صيف
بسلّة تين
حلمت كثيرا
كثيرا حلمت . .
إذن سامحيني ! !
http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/008.gif

7 ـ أعراس
عاشق يأتي من الحرب إلي يوم الزفاف
يرتدي بدلته الأولى
ويدخل
حلبة الرقص حصانا
من حماس وقرنفل
وعلى حبل الزغاريد يلاقى فاطمة
وتغنّي لهما
كل أشجار المنافي
ومناديل الحداد الناعمة
ذبّل العاشق عينيه
وأعطى يده السمراء للحنّاء
والقطن النسائي المقدس
وعلى سقف الزغاريد تجيء الطائرات
طائرات
طائرات
تخطف العاشق من حضن الفراشة
ومناديل الحداد
وتغّني الفتيات :
قد تزوّجت
تزوّجت جميع الفتيات
يا محمّد ! !*
وقضيت الليلة الأولى
على قرميد حيفا
يا محمّد !
يا أمير العاشقين
يا محمّد !
وتزوجت الدوالي
وسياج الياسمين
يا محمّد !
وتزوّجت السلالم
يا محمّد !
وتقاوم
يا محمّد !
وتزوّجت البلاد
يا محمّد !
يا محمّد !
http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/008.gif

8 ـ أغني الأسير
ملوّحة ، يا مناديل حبّي
عليك السلام !
تقولين أكثر مما يقول
هديل الحمام
و أكثر من دمعة
خلف جفن . . ينام
على حلم هارب !
مفتّحة ، يا شبابيك حبيّ
تمرّ المدينة
أمامك ، عرس طغاة
ومرثاة أمّ حزينة
و خلف الستائر ، أقمارنا
بقايا عفونة .
و زنزانتي . . موصدة !
ملوّثة ، يا كؤوس الطفولة
بطعم الكهولة
شربنا ، شربنا
على غفلة من شفاه الظمأ
و قلنا :
نخاف على شفتينا
نخاف الندى . . و الصدأ !
و جلستنا ، كالزمان ، بخيله
و بيني و بينك نهر الدم
معلّقه ، يا عيون الحبيبة
على حبل نور
تكسّر من مقلتين
ألا تعلمين بأني
أسير اثنتين ؟
جناحاي : أنت و حريتّي
تنامان خلف الضفاف الغريبة
أحبّكما ، هكذا ، توأمين !
http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/008.gif

9 ـ أغنيات حب إلي إفريقيا
هل يأذن الحرّاس لي بالانحناء
فوق القبور البيض يا إفريقيا ؟
ألقت بنا ريح الشمال إليك
واختصر المساء
أسماءنا الأولى
وكنّا عائدين من النهار
بكآبة التنقيب عن تاريخنا الآتي
وكنّا متعبين .
ضاع المغنّي والمحارب والطريق إلي النهار
ـ من أنت ؟
"عصفور يجفّف ريشه الدامي"
ـ وكيف دخلت ؟
"كان الأفق مفتوحا ؟
وكان الأكسجين
ملء الفضاء
ـ وما تريد الآن ؟
"ريشة كبرياء
وأريد أن أرث الحشائش والغناء
فوق القبور البيض . . يا إفريقيا !
هل يأذن الحراس لي بالاقتراب
من جثة الأبنوس . . يا إفريقيا ؟
ألقت بنا ريح الشمال إليك ،
واختبأ السحاب
في صدرك العاري ،
ولم تعلن صواعقنا حدود الاغتراب
والشمس بالمجّان مثل الرمل والدم ،
والطريق إلي النهار
يمحو ملامحنا ، ويتركنا نعيد الانتظار
صفا من الأشجار والموتى
تحّبك . .
نشتهي الموت المؤقت
نشتهيه ويشتهينا
نلتف بالمدن البعيدة والبحار
لنفسر الأمل المفاجئ
والرجوع إلي المرايا
ـ من أنت ؟
"جندي يعود من التراب
بهزيمة أخرى وصورة قائد
ـ ماذا تريد ؟
"بيتا لأمعائي وطفلا من حديد
وأريد صك براءتي
"وأريد يا إفريقيا
ماذا تريد
أريد أن أرث السحاب
من جثة الأبنوس . . يا إفريقيا
ألقت بنا ريح الشمال إليك
يا إفريقيا . .
ألقت بنا ريح الشمال
لنكون عشاقا وقتلى .
وبدون ذاكرة ذكرنا كل شيء عن ملامحنا
ووجهك فوق خارطة الظلال
مرّ المغني تحت نافذة
وخبّأ صوته في راحتيه
سرا يحبّك ، أو علانية يمرّ
وينحني كالقوس ، يا إفريقيا
وحشيّتان
عيناك ـ يا إفريقيا ـ وحزينتان
عيناك كالحبّ المفاجئ
كالبراءة حين تفترع البراءة
مرّ المغني تحت نافذة
وأعلن يأسه
ـ من أنت ؟
" عاشق "
ـ من أين جئت ؟
أنا من سلالات الزنابق والمشانق
والريح تحبل . . ثم تنجبني
وترميني على كل الجهات
ـ ماذا تريد ؟
"أريد ميلادا جديد
وأريد نافذة جديدة
لأحبّها سرّا وتقتلني علانية
وأرحل عنك . . يا إفريقيا !
http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/008.gif

10 ـ أغنية
و حين أعود للبيت
و حيدا فارغا ، إلّا من الوحدة
يداي بغير أمتعة ، و قلبي دونما ورده
فقد وزعت ورداتي
على البؤساء منذ الصبح . . ورداتي
و صارعت الذئاب
وعدت للبيت
بلا رنّات ضحكة حلوة البيت
بغير حفيف قبلهتا
بغير رفيف لمستها
بغير سؤالها عني ،
و عن أخباري مأساتي
وحيدا أصنع القهوة
و حيدا أشرب القهوة
فأخسر من حياتي . .
أخسر النشوة
رفاقي ها هنا المصباح و الأشعار ، و الوحدة
و بعض سجائر . . و جرائد كالليل مسودّة
و حين أعود للبيت
أحسن بوحشة البيت
و أخسر من حياتي كل ورداتي
وسرّ النبع . . نبع الضوء في أعماق مأساتي
و أختزن العذاب لأنني وحدي
بدون حنان كفيك
بدون ربيع عينيك ! . .

جنــــون
08-09-2011, 10:36 PM
11 ـ أغنية إلي الريح الشمالية


قبلّ مجففة على المنديل
من دار بعيد
ونوافذ في الريح ،
تكتشف المدينة في القصيدة .
كان الحديث سدى عن الماضي
وكسرني الرحيل
وتقاسمتني زرقة البحر البعيد
وخضرة الأرض البعيدة
أماه ! . . وانتحرت بلا سبب
عصافير الجليل .
يا أيّها القمر القريب من الطفولة والحدود
لا تسرق الحلم الجميل
من غرفة الطفل الوحيد
ولا تسجل فوق أحذية الجنود
اسمي وتاريخي ـ
سألتك أيّها القمر الجميل .
هربت حقول القمح من تاريخها
هرب النخيل .
كان الحديث سدى عن الماضي
وكان الأصدقاء
في مدخل البيت القديم يسجلون
أسماء موتاهم
وينتظرون بوليسا
وطوق الياسمين
قبلّ مجففة على المنديل
من دار بعيده .
ونوافذ في الريح تكسر جبهتي
قرب المساء
كان البريد يعيد ذاكرتي من المنفى
ويبعثني الشتاء
غصنا على أشجار موتانا
وكان الأصدقاء
في السجن .
كانوا يشترون الضوء
والأمل المهرّب
والسجائر
من كل سجّان وشاعر
كانوا يبيعون العذاب لأي عصفور مهاجر
ما دام خلف السور حقل من ذره
وسنابل تنمو . .
بلادي خلف نافذة القطار
تفاحة مهجورة .
ويدان يا بستان كالدفلى . .
كأسماء الشوارع . .
كالحصار .
بالقيد أحلم ،
كي أفسّر صرختي للعابرين
بالقيد أحلم ،
كي أرى حريّتي ، وأعدّ أعمار السنين
بالقيد أحلم ،
كيف يدخل وجه يافا في حقيبة
بيني وبينك برهة في زى مشنقة
ولم أشنق . . فعدت بلا جبين
بيني وبين البرهة امتدّت عصور
بالقيد أحلم ،
كيف يدخل وجه يافا في حقيبة ! . .
قبلّ مجفّفة على المنديل
من دار بعيده .
ونوافذ في الريح ، يا ريح الشمال
ردّي إلي الأحباب قبلتهم
ولا تأتي إلي !
من يشتري صدر المسيح
ويشتري جلد الغزال
ومعسكرات الاعتقال
ديكور أغنية عن الوطن المفتت في يديّ ! . .
كان الحديث سدى عن الماضي ،
وكان الأصدقاء
يضعون تاريخ الولادة بين ألياف الشجر
ودّعتهم . .
فنسيت خاصرتي وحنجرتي وميعاد المطر
وتركت حول زنودهم قيدي
فصرت بدون زند ، واختصمت مع الشجر
والأصدقاء هناك ينتظرون بوليسا
وطوق الياسمين
وأنا أحاول أن أكون
ولا أكون . .
http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/008.gif
12 ـ أغنية حب علي الصليب
مدينة كل الجروح الصغيرة
ألا تخمدين يدي ؟
ألا تبعثين غزالا إليّ ؟
وعن جبهتي تنفضين الدخان . . وعن رئتيّ ؟ !
حنيني أليك . . اغتراب
ولقياك . . منفى
أدقّ على كل باب . .
أنادي ، وأسأل ، كيف
تصير النجوم تراب ؟
أحبك ، كوني صليبي
وكوني ، كما شئت ، برج حمام
أذا ذوبتني يدلك
ملأت الصحارى غمام
لحبك يا كلّ حبي ، مذاق الزبيب
وطعم الدم
على جبهتي قمر لا يغيب
ونار وقيثارة في فمي !
إذا متّ حبا فلا تدفنيني
و خلي ضريحي رموش الرياح
لأزرع صوتك في كل طين
و أشهر سيفك كل ساح
أحبك ، كوني صليبي
و ما شئت كوني
و كالشمس ذوبي
بقلبي . . و لا ترحميني
http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/008.gif
13 ـ الأغنية والسلطان
لم تكن أكثر من وصف . . لميلاد المطر
و مناديل من البزق الذي يشعل أسرار الشجر
فلماذا أقاموها ؟
حين قالت إن شيئا غير هذا الماء
يجري في النّهر ؟
و حصى الوادي تماثيل ، و أشياء أخر
و لماذا عذبوها
حين قالت إن في الغابة أسرارا .
و سكينا على صدر القمر
ودم البلبل مهدور على ذاك الحجر ؟
و لماذا حبسوها
حين قالت : و طني حبل عرق
و على قنطرة الميدان إنسان يموت
و ظلام يحترق ؟
غضب السلطان
و السلطان مخلوق خيالي
قال : إن العيب في المرآة ،
فليخلد إلي الصمت مغنيكم ، و عرشي
سوف يمتد
من النيل إلي نهر الفرات !
أسجنوا هذي القصيدة
غرفة التوقيف
خير من نشيد . . و جريدة
أخبروا السلطان ،
أن الريح لا تجرحها ضربة سيف
و غيوم الصيف لا تسقي
على جدرانه أعشاب صيف
و ملايين من الأشجار
تخضر على راحة حرف !
غضب السلطان ، و السلطان في كل الصور
و على ظهر بطاقات البريد
كالمزامير نقيّ و على جبهته وشم للعبيد ،
ثم نادي . . و أمر :
أقتلوا هذي القصيدة
ساحة الإعدام ديوان الأناشيد العنيدة !
أخبروا السلطان ،
أن البرق لا يحبس في عود ذره
للأغاني منطق الشمس ، و تاريخ الجداول
و لها طبع الزلازل
و الأغاني كجذور الشجرة
فإذا ماتت بأرض ،
أزهرت في كل أرض
كانت الأغنية الزرقاء فكره
حاول السلطان أن يطمسها
فغدت ميلاد جمره !
كانت الأغنية الحمراء جمره
حاول السلطان أن يحبسها
فإذا بالنار ثوره !
كان صوت الدم مغموسا بلون العاصفة
و حصى الميدان أفواه جروح راعفة
و أنا أضحك مفتونا بميلاد الرياح
عندما قاومني السلطان
أمسكت بمفتاح الصباح
و تلمست طريقي بقناديل الجراح
آه كم كنت مصيبا
عندما كرست قلبي
لنداء العاصفة
فلتهبّ العاصفة !
و لتهبّ العاصفة !

جنــــون
08-09-2011, 10:36 PM
14 ـ إلي أمي


أحنّ إلي خبز أمي
و قهوة أمي
و لمسة أمي
و تكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
و أعشق عمري لأني
إذا متّ ،
أخجل من دمع أمي !
خذيني ، إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
و غطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
و شدّي وثاقي . .
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك . .
عساي أصير إلها
إلها أصير . .
إذا ما لمست قرارة قلبك !
ضعيني ، إذا ما رجعت
وقودا بتنور نارك . .
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت ، فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع . .
لعشّ انتظارك
http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/008.gif
15 ـ إلي ضائعة
إذا مرت على وجهي
أنامل شعرك المبتل بالرمل
سأنهي لعبتي . . أنهي
و أمضي نحو منزلنا القديم
على خطى أهلي
و أهتف يا حجارة بيتنا صلّى !
إذا سقطت على عيني
سحابة دمعة كانت تلف عيونك السوداء
سأحمل كل ما في الأرض من حزن
صليبا يكبر الشهداء
عليه و تصغر الدنيا
و يسقي دمع عينيك
رمال قصائد الأطفال و الشعراء !
إذا دقّت على بابي
يد الذكرى
سأحلم ليلة أخرى
بشاعرنا القديم و عودة الأسرى
و أشرب مرة أخرى
بقايا ظلك الممتد في بدني
و أومن أن شباكا
صغيرا كان في وطني
يناديني و يعرفني
و يحميني من الأمطار و الزمن

جروح العمر
08-09-2011, 10:51 PM
مكرر


http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=42693

جنــــون
08-09-2011, 11:00 PM
مو نفس القصايد يا جروح

يرجع
وشاكره لك اهتمامك

جنــــون
08-13-2011, 03:33 AM
صدر الديوان الأخير للشاعر محمود درويش وعنوانه
«لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»

عن دار رياض الريس التي تملك حقوق نشر أعمال الشاعر الراحل. والديوان في 154 صفحة،
وقد قسم الى ثلاثة أبواب:
«لاعب النرد»،
«لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي» و
«ليس هذا الورق الذابل إلا كلمات».

أما القصائد الموزّعة في هذه الأبواب فهي إحدى وثلاثون.وأرفق الديوان بكراس خاص للروائي الياس خوري عنوانه «محمود درويش وحكاية الديوان الأخير» وفيه يروي قصة هذا الديوان وكيف وجده وأعدّه وبوّب قصائده.



http://elouarari.elaphblog.com/Blog/elouarari/Album/addarwish.jpg

حكاية الديوان الأخير
إلياس خوري
كان لقائي بمحمود درويش، ظهر ذلك اليوم من شهر أيلول ملتبساً وغريباً. ذهبت الى عمان للاشتراك في اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤسسة محمود درويش. مساء اليوم الذي سبقه التقيت بأحمد درويش والمحامي جواد بولس، الآتيين من الجليل، وبعلي حليلة ومارسيل خليفة، في باحة الفندق. علي الذي رافق، مع أكرم هنية، الشاعر في رحلته الأخيرة الى هيوستن تكساس، حيث أجريت له جراحة الشريان الأبهر التي أودت به، روى لنا الأيام الأخيرة من حياة الشاعر، وتطور الانهيار الجسدي الشامل الذي أصابه بعد الجراحة.
كانت ليلة حزينة، لا أدري كيف أصفها الآن، لكنني أراها مثل منام مغطى بالبياض. لم يجعلني كلام علي حليلة أقتنع بأن محمود درويش مات، حتى عندما أضاف أكرم هنية في اليوم التالي بعض التفاصيل الصغيرة، وروى لنا أن درويش رأى في منام ليلته ما قبل الأخيرة معين بسيسو، وتساءل ماذا جاء معين يفعل هنا؟ لم أقتنع. فالموت حين يأتي يتشكل كحجاب سميك يفصل عالم الأحياء عن عالم الموتى. نتحدث عن الميت بصيغة الغائب، وننسى صوته. لكن مع درويش بدا لي الموت بعيداً. كنت أستمع الى الحكايات التي تروى، وأنا أتلفت يميناً وشمالاً، كأنني أنتظر وقع دعسات درويش في أي لحظة.
لكنه لم يأتِ، تركنا نحكي عنه كما تشاء لنا الذاكرة أن نحكي، ولم يكسر دائرة كلامنا بمزاحه وملاحظاته اللامعة.
في صبيحة اليوم التالي، عقدت اللجنة اجتماعها الأول بعدما انضم الينا ياسر عبد ربه وأكرم هنية وغانم زريقات وخالد الكركي وأحمد عبدالرحمن وصبيح المصري. ناقشنا مطولاً مسألة تشكيل المؤسسة، وتكلمنا عن الضريح، والحديقة التي ستقوم حوله، ومتحف الشاعر الذي سيبنى في المكان. تكلمنا في كل شيء، لكنني في الواقع كنت أنتظر نهاية الاجتماع بلهفة، كي نذهب مع علي حليلة الى بيت الشاعر في عبدون.
لم يدخل أحد الى المكان منذ أن غادره درويش في رحلة موته الى أميركا. وكان على مجموعة منا أن تدخل الى البيت بحثاً عن قصائده الأخيرة. قال محمود لعدد من أصدقائه انه يملك ديواناً جديداً جاهزاً في غرفة مكتبه في منزله في عمان، وأكد ذلك ناشره رياض نجيب الريّس.
فتح علي حليلة الباب ودخلنا. كان كل شيء على حاله. البيت يشبهه، أناقة من دون بذخ، وإيقاع هادئ تصنعه اللوحات المنتشرة، ومكتبة تضم كتاب العرب والعالم أمواتاً وأحياء. «لسان العرب» الى جانب ديوان التنبي، مجموعات شعرية وروايات في كل مكان، مرتبة تشير الى أنها قُرئت أو في طريقها الى ذلك. لا أدري لماذا عجزنا عن النطق، وحي تكلمنا لم تصدر عنا سوى أصوات هامسة. أحمد درويش، شقيق الشاعر جلس على الكنبة في الصالون وانفجر بكاء. مارسيل خليفة جلس الى جانبه مواسياً. دخلت مع جواد بولس الى المكتب، حيث من المفترض أن نجد الديوان. كنت أنتظر أن أجد المخطوط على سطح المكتب، لكنني لم أجد شيئاً. كنت أنتظر أن أجد رسالة تشرح لنا ماذا يجب أن نفعل بالديوان، لكن الرسالة لم تُكتب.
لم يكتب محمود درويش وصية. ليلة الجراحة طلب من علي حليلة وأكرم هنية أن يبقيا معه، لأنه يريد أن يتكلم، لكنهما نصحاه بالراحة، لأن وقت الكلام سيأتي بعد نجاح العملية الجراحية!
لم يكتب درويش وصية ولم يتكلم، رغم كل الأخطار التي كان يعرف أنها في انتظاره. عندما استمعت الى علي وأكرم يرويان الوحدة التي كان يشعر بها الشاعر المستلقي على سرير المستشفى الأميركي، أصبت بالقشعريرة، وشعرت بالخوف. في هذه المجموعة من القصائد، سنقرأ قصيدة عن الخوف، وندخل مع الشاعر لحظات النهاية التي يرسمها الخوف من النوم الأبدي على وجوهنا وأجسادنا.
وقفنا أمام المكتب الفارغ حائرين، كنت متأكداً من وجود الديوان، لأن درويش نشر منه ثلاث قصائد في الصحف هي: «على محطة قطار سقط عن الخريطة» و «لاعب النرد» و «سيناريو جاهز»، وقرأ ثلاث قصائد غير منشورة في الأمسية الأخيرة التي أقامها في رام الله، هي: «ههنا، الآن، وههنا والآن» و «عينان» و «بالزنبق امتلأ الهواء».(...)
خطر في بالي أن الديوان في الدُرج، حاولت فتحه، لكن اضطرابي أوحى لي بأن الدرج مقفل بالمفتاح، أين المفتاح، سألت؟ بحثنا عن المفتاح فلم نجده. قلت يجب أن نخلع الجارور، حين امتدت يد أحد الأصدقاء وفتحت الدرج، فانفتح بسلاسة.
أكوام من الأوراق. وقعت عيناي في البداية على قصيدة «طباق»، المهداة الى ادوارد سعيد، المنشورة في ديوان «كزهر اللوز أو أبعد» مكتوبة بخط اليد. من المؤكد أن درويش وضعها هنا، كي يقرأها في محاضرة إدوارد سعيد التذكارية التي تنظمها جامعة كولومبيا في نيويورك في نهاية شهر أيلول، لكن الموت جاء، معلناً الوداع النهائي «لشعر الألم». بحثنا أنا والمحامي جواد بولس شبه يائسين، وفجأة رأيت دفتر بلوك نوت ذا غطاء أزرق وضعت فيه القصائد. أولى القصائد كانت «لاعب النرد». قلبت الصفحات فعثرت على قصيدتي «عينان»، و «بالزنبق امتلأ الهواء». بحثنا في الدرج عن قصائد أخرى، فعثرنا على مسودات قصائد قديمة منشورة، لكننا لم نعثر على قصائد جديدة.
رقمنا المخطوط، وصورنا منه صورتين. أعدنا الأصل الى الدرج في مكانه، وأخذ أحمد شقيق الشاعر نسخة، بينما احتفظت أنا بالنسخة الثانية. وقرّ رأي الجميع أن يُعهد لي بالقصائد، كي أعدّها للنشر، وأكتب حكايتها، على أن تصدر في 13 آذار 2009، أي في يوم عيد ميلاد الشاعر، فتكون قصائده الأخيرة هديتنا الى من أهدى العرب والفلسطينيين أجمل القصائد.
أخذت القصائد الى غرفتي في الفندق، أقفلت الباب وقرأت، وشعرت بالحزن الممزوج بالعجز عن القراءة. في المساء سهرنا في حديقة منزل علي حليلة، وكانت القصائد معي، طلبوا مني أن أقرأ، فقرأت متلعثماً. كانت تلك القراءة سيئة وعاجزة، كيف أقرأ وأنا متيقن من أن درويش سيفاجئنا في أي لحظة ويسخر من وجوهنا الحزينة. لم ينقذ الليلة سوى مارسيل خليفة، أمسك بعوده وغنى الشعر الذي صار أشبه بالدموع. كانت كلمات درويش وموسيقى الروح في قصائده، تلفنا وتأخذنا اليها. كان الحزن، ولا شيء آخر. بدل أن نفرح بالديوان احتلنا شبح الغياب. الحقيقة أن المشاعر اختلطت، إذ كنا، ونحن نعمل في المنزل نشعر بالحضور السري والغريب للشاعر. في غرفتي في الفندق شعرت ان عليّ أن أعيد القصائد الى مكانها في الدّرج، غداً يأتي محمود ويقرر كيف يرتب قصائده، ويتعامل مع التعديلات التي يقترحها. قلت في نفسي إن عليّ التخلي عن هذه المهمة. نمت نوماً متقطعاً، والتبست عليّ الأمور في شكل كامل. قرأت القصائد كلها أكثر من مرة، وتأكد لي أننا لم نعثر على كلّ المجموعة الأخيرة من القصائد. لا شك في أن هناك قصيدة كبرى في مكان ما، وان اضطرابنا منعنا من اكتشاف مكان وجودها.
في صباح اليوم التالي، وبينما أشرب قهوتي رن الهاتف، وسمعت صوت مارسيل خليفة يطلب مني المجيء الى منزل درويش لأن غانم زريقات عثر على القصيدة. في المنزل أخذت قصيدة طويلة بلا عنوان، مكـــتوبة بخط يد درويش في خمس وعشرين صفحة. وعلى عكس الكثـــير من القصائد التي وجدناها، فإنها ناجزة، ولا أثر فيها للتشطيب أو اقتراحات التعديل.
قرأت القصيدة التي قفز عنوانها من بين السطور من دون أي جهد: «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، ووجدتني أمام عمل شعري كبير، قصيدة تصل بالمقترب الملحمي – الغنائي الذي صاغه درويش الى الذروة. ومعها عثرنا على خمس قصائد جديدة.
في تلك اللحظة اقتنعا أننا أمام عمل شعري كبير يشكل إضافة حقيقية على الديوان الذي تركه الشاعر.

تـــــــــابع

جنــــون
08-13-2011, 03:33 AM
قصائد لم يلق عليها نظرة الوداع ... المكان الذي أصبح طللاً في ديوان محمود درويش الأخير
ديمة الشكر
ديوان محمود درويش «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، يصحّ فيه وصف الديوان الأخير، فالشاعر «طوى الجزيرة وجاءنا الخبر» في الصيف المنصرم قبل الصدور. في الديوان احدى وثلاثون قصيدة، تجمعها موهبة قلّ نظيرها في الشعر العربي، وتنفرد كلّ منها بخاصّة منقطعة القرين، فدرويش هو الشاعر الذي لا يستكين إلى منجزٍ مهما كان جميلاً وأصيلاً، ولا يرتاح إلى «شهرة» فيتكئ عليها، ولا يكرّر السير في دربٍ عبدّها وإن أضمرت نجاحاً وانتشاراً. فهذا الديوان لا يتصل بما سبقه إلا بقدر ما ينفصل عنه، ويستطيع القارئ الشغوف بشعر درويش أن يجد بنفسه بعض خيوط الاتصال مع دواوين سابقة، فـ الجدارية، ولا تعتذر عمّا فعلت، وكزهر اللوز أو أبعد، وأثر الفراشة، حاضرة من خلال الخيارات الفنيّة الخاصّة بدرويش، التي أتاحت له أن يطوّر شبه منفرد تيار التفعيلة برّمته، من خلالِ ابتداعه لأشكال شعريّة جديدة، فضلاً عن زيارته للقصيد في ثلاث قصائد، تخصّ أولاها الشاعر وثانيتها الشعر أمّا ثالثتها فتضمّن بيتاً شهيراً للمتنبي، وليس في هذا الأمر مفاجأة، بل صلة وثيقة مع أثر الفراشة الذي تنقّل فيه درويش بين المعقود والمنثور، وكتب فيه القصيد أيضاً (على قلبي مشيتُ، في صحبة الأشياء، ربيعٌ سريع).



لكنّ حضور الأعمال السابقة على هذا النحو، لا يشغل المتن الأساس للديوان الجديد، الذي يظهرُ مفارقاً لها في غير ما أمرٍ. فمن أهمّها، أن معانيه تدور حول الغياب، لا باعتباره نتيجةً ملموسةً للموت الجسدي، بل من خلالِ توسيع معناه ليصبح موضوعاً شعرياً كبيراً، ينفذّ الشاعر منه إلى ما قبل الغياب أي الحياة، التي تعطيه معنىً شعريّاً يبدّد عبره نقيضها أي الموت، فيصحّ القول إن في غياب الشاعر حضوراً، من دون أن يقتصر الأمرُ عليه، ذلك أنّ درويش لم يكن صاحب أوهام شخصيّة تقول بالخلود أو أخته الشهرة، وهو لا يرى فيهما ما يميّزه، بل ما يسجنه في صورة رمزٍ أتعبته في الحياة، لذا جاءت قصيدته «لاعب النّرد» لكسر هذه الصورة النمطية، عبر سؤالٍ «من أنا لأقول لكم؟» لن يتأخر جوابه «أنا مثلكم أو أقلُّ قليلاً»، ويتبعه سردٌ لحياة شخصيّة، من الولادة الفردية التي ليست إلا مجموعةً من الحوادث الشخصيّة (الهرب من الذئاب، محاولة انتحار) والمصادفات، مروراً بشغفين : الحبّ «أدرّب قلبي/ على الحبّ كي يسعَ الورد والشوك»، والشّعر «لولا وقوفي على جبلٍ/ لفرحتُ بصومعة النسر: لا ضوء أعلى!»، وصولاً إلى سؤال ما قبل النهاية «من أنا لأخيّب ظنّ العدم؟»، حيثُ تتكفّل المصادفات بإعطاء «أنا الشاعر» بعداً شخصيّاً نافيّاً عنها بذلك صفةً أَسَرَته، الأنا الناطقة باسم الجماعة، بينما يؤدّي تجاور ضميري أنا ونحن في جملة واحدة، إلى توسيع حدودها لتغدو الأنا التي تحمل الجماعة في وجدانها :«من سوء حظّي أن الصليب/ هو السلّم الأزلي إلى غدنا»، وتتقنُ إصابة الشخصّي والمشترك: «كان يمكنُ ألا أكون مُصاباً/ بجنّ المعلقة الجاهليّة/... لو أن دورية الجيش لم ترَ نار القرى/ تخبز الليل/ لو أن خمسة عشر شهيداً/ أعادوا بناء المتاريس/ لو أن ذاك المكان الزراعي لم ينكسر» أو «شمألتُ شرّقتُ غرّبتُ/ أما الجنوب فكان قصيّاً عصيّاً عليّ/ لأن الجنوب بلادي».
الاستعارة البعيدة
للغياب مراتبه الخاصّة في الديوان، فهو الاستعارة البعيدة، إذ يغدو قريناً للمكان في قصيدتين تستلهمان الوقوف على الأطلال «على محطة قطار سقط عن الخريطة» و «طلليّة البروة»، فالأولى تخصّ فلسطين كلّها، إذ إن القطار الذي كانَ يمرّ بين بلاد الشام ومصر، واقعٌ بين المجاز والحقيقة، فالأرض التي يسيرُ فيها خاليةٌ من البشر، فيها عناصر حيّاديّة «عشبٌ، هواءٌ يابسٌ شوكٌ وصبّارٌ»، تشيرُ إلى مكانٍ محدّد ما أن تجاور مفردات أخرى تُبطن انكسار المكان عبر المجاز تارةً :«عدمٌ هناك موثّقٌ... ومطوّقٌ بنقيضه»، وعبر الحقيقة تارةً أخرى: «وقفتُ على المحطة لا لأنتظر القطار... بل لأعرف كيفَ جُنّ البحر وانكسر المكان» أو«قلنا البلاد بلادُنا/ قلبُ الخريطة لن تصاب بأيّ داءٍ خارجي...فلم نرَ الغد يسرقُ الماضي - طريدته ويرحل». وليس القبول بانكسار المكان ذريعةً للوقوف في أطلاله، بل العكس هو الصحيح، فالأرضُ التي تُعرّف بالغياب ترسم طريق استعارة كبرى للمكان: «أهذا كلّ هذا للغياب؟ وما تبقى من فتات الغيب لي؟»، وليس الغياب كاملاً سوى قرين المكان الكامل غير المكسور:«أرى مكاني كله حولي... الجمال الكامل المتكامل الكلّي في أبدِ التلال ولا أرى قناصتي»، فمن خلالِ مزجٍ متقنٍ للضعف (الغياب) بالقوة (المكان) يتعطل القبول بالانكسار. فالكلام عن الغياب هو الكلام عن المكان، يقول في القصيدة الثانية الخاصّة بقريته «طلليّة البروة»: «أختار من هذا المكان الريح/ أختار الغياب لوصفه»، إذ من خلال هذه الاستعارة الكبرى، يغدو الغياب أقوى حضوراً وأكثرَ ثباتاً، مُبطناً في الآن نفسه زوال الموقت الطارئ على المكان: «هل ترى خلف الصنوبرة القوية مصنع الألبان ذاك؟ أقول كلا لا أرى إلا الغزالة في الشباك. يقول: والطرق الحديثة هل تراها فوق أنقاض البيوت؟ أقول: كلا لا أراها لا أرى إلا الحديقة تحتها». وإن كان الوقوف على الأطلال يفتحُ باباً للغياب، ويعطّل الحاضر الذي لا يمحو الحديقة أو الغزالة من الذاكرة، فإن هذه الأخيرة لا تطوي تحت جناحها الأمسَ البعيد الذي يبُطن استعارة الغياب/ المكان فحسب، بل تطوي كذلك الأمس القريب، الذي يبطن الاستعارة ذاتها، فقصيدة «في رام الله» هي أخت قصيدة «رجل وخشف في الحديقة» من ديوان لا تعتذر عمّا فعلت، وفيها يدّقق درويش قوله عن العودة الناقصة التي لم تكن إلا لجزءٍ من المكان، من خلال سؤالٍ جارحٍ عن الخشف: «هل صارَ يألفُ بيتك؟»، إذ احتاج غالبية الفلسطينيين القاطنين اليوم في رام الله، إلى وقتٍ للألفة معها، فقلّة منهم تملك ذكريات فيها، وكأنّها صورة الفرق بين الذكرى والذاكرة أو بين المنزل والبيت، لذا يهدي درويش، سليمان النجاب قصيدة ثانيةً تشيرُ إلى الأمسِ القصير «الذكرى»: «لا أمس لي فيها سواك/ فما خرجتُ وما دخلتُ، وإنّما/ تتشابه الأوصاف كالصفصاف»، لكن هذه الإشارة اللماحة ستحملُ في طياتها صورة المكان: لي أمس فيها/ لي غيابُ!».
للحبّ والشعر نصيبٌ وافرٌ في الديوان، يفترقان في قصائد ويلتئمان في أكثر من واحدة، كصنوين متلازمين كما في القصيدة الجميلة «بالزنبق امتلأ الهواء»، التي تجمع بين لحظتين تُفضيان إلى الفرح: لحظة الإلهام «بالزنبق امتلأ الهواء كأنّ موسيقى ستصدح» وانتظار موعد عاطفي «وكرسيّ يرحّب بالتي تختار إيقاعاً خصوصياً/ لساقيها. ومرآةً أمام الباب تعرفني وتألف/ وجه زائرها»، وتضمران الحياة كولادة ثانية: «أنا المعافى الآن، سيد فرصتي/ في الحبّ. لا أنسى ولا أتذّكر الماضي،/ لأني الآن أولد، هكذا من كل شيء»، فـ «كل شيء يصطفي معنى لحادثة الحياة» التي تبعدُ الموت إذ تمزج أوّل الحب بأوّل الإلهام: «بلا سبب يفيض النهر بي، وأفيض حول عواطفي: بالزنبق امتلأ الهواء كأنّ/ موسيقى ستصدح!».
وإذ يتجاور الحبّ والشعر، يحضر شاعر الحبّ الشهير نزار قباني، «في بيت نزار قبّاني» الذي أنشأ لدمشق استعارة الياسمين وأدخل البيت الدمشقي جنّة الخلود الشعري: «بيتٌ من الشّعر - بيتُ الدمشقيّ/ من جرسِ الباب حتّى غطاء السرير/ كأن القصيدة سُكنى وهندسةٌ للغمام»، وإن كان درويش سيصف بيت نزار من خلال لون عينيه، فلكي نراه من خلالهما :« ليلهُ/ أزرقٌ مثل عينيه. آنية الزهور زرقاء... دمعه حين يبكي رحيل ابنه في الممرات أزرق... لم تعد الأرض في حاجة لسماء، فإن قليلاً/ من البحر في الشعر يكفي لينتشر الأزرق/ الأبدّي على الأبجديّة»، فالعينُ مرآة القلب وباب الروح كما قالت العربُ، ولعلّ هذا ما ألهم درويش إحدى أجمل غزلياته «عينان»: «عينان تائهتان في الألوان، خضراوان قبل/ العشب، زرقاوان قبل الفجر. تقتبسان/ لون الماء، ثم تصّوبان إلى البحيرة نظرةً/ عسليّة، فيصيرُ لون الماء الأخضر». وإن كانَ ظاهرُ القصيدة يصفُ تبدّل لون عيني الحبيبة بين تدرّجات الأخضر والأزرق، فإن باطنها يصفُ المزاج المرافق لكل درجةٍ لونيّة، على نحوٍ يتحدّ فيه جمال عينيها بروحها، لذا يبدو السؤال الذي يختتتم القصيدة: «عينان صافيتان، غائمتان/ صادقتان، كاذبتان عيناها. ولكن من هي؟» كمفتاحها لا قفلها. فهو سؤال فخّ، يجرّ القارئ إلى القراءة ثانيةً أو أكثر، ليكتشف أن الشاعر يعرفها بدّقة، لأن العين مرآة القلب. وتحيلُ إعادة القراءة على إطالة المتعة في قصيدة «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، التي تخصّ اللقاء بين حبيبين يعاندان الفراق، ويتذكران قصّتهما، ويتحاوران في سرديّةٍ غنائيةٍ، فكلّما طال الحوار/ القصيدة طال اللقاء، وطال الاحتفاء بالحبّ صنو الحياة. لذا جاء مطلع القصيدة طارداً للموت تارةً على لسان الحبيب: «اقترب الموتُ مني قليلاً/ فقلت له: كان ليلي طويلاً/ فلا تحجب الشمس عنّي!»، وتارةً أخرى على لسان الحبيبة: «وقالت: أفي مثل هذا النهار الفتّي الوسيم/ تفكّر في تبعات القيامة؟». فالحبّ احتفاء بالحياة على صورة نهرٍ :« قالت: سيأتي إلى ليلك النهر/ حين أضمّك/ يأتي إلى ليلك النهر»، والحبّ يوّسعُ المدى، ويجعل المحبين أمراء عند اللقاء: «وأنا في ضيافة هذا النهار، أميرٌ على حصّتي/ من رصيف الخريف. وأنسى من المتكلم / فينا لفرط التشابه بين الغياب وبين/ الإياب إذا اجتمعا في نواحي الكمنجات». تتجاور في القصيدة ثلاثة معانٍ كبرى: الحبّ والحياة والشعر، وتتداخل في ما بينها: «لو لم أرَ الشمس/ شمسين بين يديك، لصدّقتُ/ أنك إحدى صفات الخيّال المروّض»، أو «ههنا يولد الحب/ والرغبة التوأمان، ونولد» أو «تقول: كأنك تكتبُ شعراً/ يقول: أتابع دورتي الدموية في لغة الشعراء»، وتستعير من الأجواء الإغريقية مشهداً هومرياً للانتظار فاللقاء بين صورتيّ أوليس وبينيلوب: «أنام وتستيقظين، فلا أنت ملتفّةٌ/ بذراعي، ولا أنا زنّار خصرك/ لن تعرفيني/ لأن الزّمان يُشيخ الصدى/ ومازلت أمشي... وأمشي/ وما زلت تنتظرين بريد المدى»، إذ يوّسع درويش من فضاء قصيدته السردية - الغنائية، عبر سرد الذكريات المشتركة لحبيبين يطول اللقاء بينهما كلّما امتدّت القصيدة، وتكون خاتمتها نفيّاً للفراق: «لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي/ لا أريد لهذا النهار الخريفي أن ينتهي»، ودافعاً لإعادة القراءة.
وبعد، فهذا الديوان وإن أعطى الغياب مكانةً شعريّة رفيعةً من خلال بهاء القصائد فيه وجمالها ورفعتها، فقد أعطى درويش مكانةً أعلى من الغياب الذي «طوى الجزيرة»، فهو الشاعر الذي يصحّ فيه القول: غابَ عن العيون وبقي محصّلاً في القلوب.

تــــــــــــابع

جنــــون
08-13-2011, 03:33 AM
محمود درويش: القصيدة من دون صاحبها
الَّلهوُ الغريب مستمرّ بين الشاعر وظلاله
حسين بن حمزة
ليس سهلاً على قارئ محمود درويش أن يتلقَّى ديوانه الأخير «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» (شركة رياض الريس للكتب والنشر). هيهات أن ننجو من فكرة أنّنا بصحبة القصيدة من دون صاحبها. لطالما كانت القراءة مسألة فردية ومزاجية بالطبع، لكنها هذه المرة ذات مذاق مختلف ومصحوب بألم الغياب. سوى ذلك، لا نجد تغيُّراً مباغتاً أو فارقاً حاسماً عما كنّا نقرأه للشاعر في أعماله الأخيرة. «الديوان الأخير» ـــــ بحسب ما جاء على الغلاف ـــــ هو استمرار للعالم الدرويشي الذي تكيَّف القارئ معه بإيعازٍ من الشاعر نفسه. انعطف صاحب «ورد أقل» أكثر من مرة. سلك دروباً جانبية. راق شعره وتصفَّى، تخفّف من الدرامية العالية، استثمر علاقات النثر، حضرت ركاكة الحياة اليومية ومهملاتها إلى جوار المجاز المعجمي العالي... لكنّه، وقرّاءه، لم يفلتوا خيط الشعر المتين الذي جمع الطرفين. نجح الشاعر في إغواء شرائح واسعة من جمهوره، القدامى منهم والجدد، على مواكبة قصيدته التي راحت تتخفَّف من حمولات سابقة وتثقل بحمولات جديدة. جدّد الشاعر شبابه الشعري وجدد ذائقة جمهوره أيضاً، إلى حد يمكن وصف ما حدث بنوع من تربية مبتكرة تلقاها هذا الجمهور، إذْ يندر أن نجد علاقة كهذه جمعت بين شاعر وجمهوره.
ليس بوسعنا تجنُّب كل هذا ونحن نقرأ آخر ما كتب درويش. لا يتبدد إحساسنا بالمرارة. إذْ نعلم أن لا قصائد جديدة سوف تتلو ديوانه الأخير. نقرأ فنستعيد صداقتنا الفاتنة مع مهاراتٍ وتقنياتٍ ومعانٍ واستعاراتٍ واظب الشاعر على إشباع نهمنا لها. الموت الذي لم يتغيَّب عن أعماله الأخيرة حاضرٌ هنا. الَّلهوُ الغريب الذي جمع الشاعر مع أَجَلِهِ مستمر. الفارق أنّه مؤلم أكثر حين نقرأ ذلك بعد رحيل الطرف الأكثر هشاشةً في اللعبة.

لنقرأ هذا المطلع الآسر في القصيدة التي حمل الديوان عنوانها:

«يقول لها، وهما ينظران إلى وردةٍ/ تجرحُ الحائطَ: اقتربَ الموتُ مني قليلاً/ فقلتُ له: كان ليلي طويلاً/ فلا تحجب الشمس عني/ وأهديته وردةً مثل تلك/ فأدَّى تحيَّته العسكرية للغيبِ/ ثم استدار وقال:/ إذا ما أردتُكِ يوماً وجدتُك/ فاذهبْ/ ذهبتُ». في قصيدة «في بيت نزار قباني»، يتكرّر المعنى ذاته: «قلتُ له حين متنا معاً/ وعلى حدة: أنت في حاجةٍ لهواء دمشق/ فقال: سأقفز، بعد قليلٍ، لأرقد في/ حفرةٍ من سماء دمشق. فقلتُ له: انتظر/ ريثما أتعافى، لأحمل عنك الكلامَ/ الأخيرَ، انتظرني ولا تذهب الآن، لا/ تمتحنِّي ولا تَشْكُلِ الآسَ وحدك/ قال: انتظر أنت، عشْ أنت بعدي، فلا بدّ من/ شاعرٍ ينتظر/ فانتظرتُ وأرجأتُ موتي». في الحالتين، نعاين ذاك اللعب، المجازي والحقيقي، مع الموت. اللعب الذي مدَّ الشعر العربي المعاصر باحتياطيٍّ لا يُنسى من الكتابة التي خلطت الخلود الشخصي مع الخلود الشعري. أمهل الموتُ الشاعرَ أكثر من مرة. تبادل معه اللعبة ذاتها. كتَّبَهُ بعض أفضل أعماله. الخلود الحقيقي ماكثٌ في تلك الأعمال وليس في الجسد الغائب الذي ـــــ بعد كل تلك المواجهات القريبة والخطرة مع الموت ـــــ قال صاحبه: «من أنا لأخيِّب ظنَّ العدم؟» لكنه قال أيضاً: «أنا القويّ وموتي لا أكرره/ إلا مجازاً، كأنّ الموت تسليتي».
في المقابل، ننتبه إلى نزعة أخرى رافقت النصّ الدرويشي في العقدين الأخيرين وهي منح القارئ فرصة التجوال في الفناء الخلفي لقصيدته. إنّها لعبة أخرى يُشركُ بها صاحب «لا تعتذر عما فعلت» القارئ في أسرار «فنّه» الشعري. «لا دور لي في القصيدة/ غير امتثالي لإيقاعها/ (...)/ لا دور لي في القصيدة إلا/ إذا انقطع الوحي/ والوحي حظُّ المهارة إذْ تجتهد». يقول في «لاعب النرد» ثم يخصص قصيدة «إلى شاعر شاب» بكاملها ليستعيد سماتٍ حقيقية، وأخرى مشتهاة، في ممارسته الشعرية مكتوبة على شكل نصائح لشاعر مستجد: «قد تسمي نضوب الفتوة نضج المهارة/ أو حكمةً/ إنها حكمةٌ، دون ريب،/ ولكنها حكمة اللاغنائية الباردة». ثمة لذة مضاعفة في كتابةٍ كهذه تسعى إلى إنجاز قصيدة، وإلى تضمين «وصفة» كتابتها فيها. الاستعارة السابقة تقودنا إلى حجم ونوعية التطوير الذي أحدثه درويش في قصيدته التي خفت صوتها العالي، وصارت أقصر وأكثف، وقلَّ فيها التنامي الدرامي والغنائي والعاطفي الذي يحدث على حساب المعنى... حتى إنّ بعض القصائد القصيرة في دواوينه الأخيرة صارت تستدرج ما راج لدى شبان قصيدة النثر في طبعتها اليومية والشفوية.
من جهة أخرى، ينبغي ألا ننسى أن درويش ورِث أفضل تقاليد القصيدة العربية الكلاسيكية، وكان أبرز كتَّاب قصيدة التفعيلة. القصد أنّ مثابرة الشاعر على تطويع ما بدا عصيّاً على قصيدته لم تُخرج نبرته من صورة الشاعر كما هي في التراث العربي. إذا كان الشاعر نبيَّ جماعته ولسان حالها، فإن محمود درويش كان نبياً مماثلاً لكن من نوع معاصر. إنّه «الشاعر» بأل التعريف، وبالمعنى الذي خلَّدته الذائقة العربية في تعاطيها مع فنّ الشعر على امتداد قرون. ولهذا، لا نستغرب أن نقرأ قصائد عدّة مكتوبة بإيعازٍ من العمود الشعري العربي، كما هي الحال في قصيدة «ههنا» و«إذا كان لا بد» و«يأتي ويذهب» و«من كان يحلم».. حيث يمرِّغ الشاعر عبارته الحديثة في تفعيلات الفراهيدي المعتَّقة، تلك التي تصنع له قرابة مع أقران سبقوه في الزمن، لكنه حاول مجايلتهم في المجاز. أسماء مثل امرئ القيس وطرفة والمتنبي وأبي تمام ... ليست بعيدة في هذا السياق. ويمكن أن نُلحق قصيدة «طللية البروة» كتفصيل آخر في تَرِكة درويش الشخصية من الإرث الشعري العربي. بل إنه يقف على ما يتخيّله من مسقط رأسه المدفون تحت منشآت بناها الاحتلال الإسرائيلي على أرضها: «أقول لصاحبيَّ: قفا لكي أزن المكانَ/ وقفره بمعلقات الجاهليين الغنية بالخيول وبالرحيل/ (...)/ ويُقاطع الصحفيُّ أغنيتي الخفيّة: هل/ ترى خلف الصنوبرة القوية مصنع/ الألبان ذاك؟ أقول كلا. لا/ أرى إلا الغزالة في الشِّباكْ/ يقول: والطرق الحديثة هل تراها فوق/ أنقاض البيوت؟ أقول: كلا. لا/ أراها، لا أرى إلا الحديقة تحتها/ وأرى خيوط العنكبوت».
«لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» كتب درويش. والأرجح أنّها لن تخيِّب رجاءه.

في حفظ الله ورعايته