جليلة رضا
ولدت جليلة رضا في الإسكندرية في الحادي والثلاثين من ديسمبر سنة 1915 لأب مصري وأم تركية، وكانت أصغر أخواتها . وكان والدها يعمل في سلك المحاكم الأهلية وينتقل بحكم عمله بين المدن والقرى في صعيد مصر ، فبدأت تعليمها الأولي في مدرسة الفشن الأولية. وعندما رجعت الأسرة إلى الإسكندرية لحقت بمدرسة العروة الوثقى الابتدائية ، ثم انتقلت إلى القاهرة فلحقت بالقسم الداخلي بمدرسة الراعي الصالح الفرنسية بشبرا . ومن هنا كانت فرصتها لإتقان اللغة الفرنسية إلى جانب اللغة العربية ، وتوغلت في قراءة الأدب والشعر الفرنسيين فظهرت ميولها الأدبية .
وتزوجت رجلاً يعمل في سلك القضاء وأنجبت منه ابنة وابناً أصيب بمرض عقلي لازمه طول حياته فأضفى ذلك على شعرها الحزن والأسى . وبعد أن انفصلت عنه تزوجت محمد السوادي صاحب مجلة « السوادي » ولكن المنية عاجلته مما عمق حزنَها ، وقالت في المناسبتين شعراً .
توجهت بكل مشاعرها إلى إنتاج الشعر العربي وكانت قد بدأت بنظم مجموعة من الأغاني ، وحدث أن جمعتها الصدف في مرضها سنة 1951 بطبيبها الشاعر د. إبراهيم ناجي واطلع على شيء من أشعارها فتهلل وقال وهو يكاد يقفز فرحاً : هذا شعر ناجي الصغير ! ومن هنا كانت بدايتها ورحلتها في عالم الشعر . وساعد على ذيوع شهرتها التقاؤها بالشاعر محمد الأسمر فنشر لها عدداً من قصائدها في صحيفة « الزمان » .
وفي سنة 1952 رحل د. إبراهيم ناجي عن الحياة فطلب منها شقيقه الأكبر محمد ناجي أن تلقي قصيدة في رثائه في رابطة الأدب الحديث ..
وهكذا غشيت المحافل الأدبية لتسهم فيها بأشعارها مما لفت إليها أنظار كبار النقاد ، فقال عنها مصطفى السحرتي : " إنها مفخرة بين لداتها من شاعرات المشرق العربي "، وقال الأستاذ علي الجندي " إنها أشعر شواعر الإقليم الجنوبي ، ويقصد بالإقليم الجنوبي مصر حيث إن هذا الحكم صدر أيام أن كانت الوحدة قائمة بين مصر وسوريا " كما قرر الأستاذ كمال النجمي: " إن الشعر المصري المعاصر كانت بدايته عائشة التيمورية وقد بلغ غايته عند جليلة رضا " وقال الأستاذ أنيس منصور " لقد تأخرت جليلة في نشر اعترافاتها كما تأخرت كثيراً في تقديرها حق قدرها فهي بكل المقاييس كبرى شاعرات العرب . هذا وقد تأثرت جليلة بالثقافة الفرنسية خاصة ، ومن أهم من تأثرت بهم : فكتور هوجو- لامارتين- رامبو- بودلير. وقد ترجمت كثيراً من القصائد الفرنسية إلى العربية .
ومن أهم الجمعيات التي اشتركت فيها : ندوة شعراء العروبة التي أسسها خالد الجرنوسي- رابطة الأدب الحديث - اتحاد الكتاب- لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للفنون والآداب - لجنة الشعر بالمجلس القومي التخصصي .
دواوينها الشعرية هي :
- اللحن الباكي - 1954
- اللحن الثائر - 1956
- الأجنحة البيضاء - 1959
- أنا والليل - 1961
- صلاة إلى الكلمة - 1975
- العودة إلى المحارة – 1982
- لمن أغني -
ولها مسرحية شعرية بعنوان "خدش في الجرة " - 1969.
ولها رواية بعنوان " تحت شجرة الجميز " - 1975.
ولها دراسة بعنوان " وقفة مع الشعر والشعراء " تقع في جزأين .
كما سجلت سيرتها الذاتية في كتاب " صفحات من حياتي " صدر عام 1996.
حصلت على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1983، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عن ديوانها " العودة إلى المحارة " في عام 1983.
ممن كتبوا عنها : عبد المنعم خفاجى ، ومصطفى السحرتي ، وأنيس منصور ، وعبد العزيز شرف .
جنــــون
07-10-2011, 06:06 AM
الشاعر والفكرة - لجليلة رضا
الشاعر والفكرة
تعالي إنني يقظى أجوبُ البيتَ في حَيْرَةْ
ونامَ الناسُ لكني سأطوي الليلَ مُنْتَظِرَةْ
تركتُكِ منذ أيّامٍ لتكتشفي رُؤَى الكَوْنِ
وأطلقت الجناحَ الحرَّ نَحْوَ عَرَائِسِ الفَنِّ
تعالي .. والْمَسي كَتِفِي وَعُودِي الآنَ ... يا فِكْرَةْ .
تركتكِ تعبرين البحرَ نحو الضفةِ الأخرى
تُرَى أعرفتِ سرَّ الغابِ ، سرَّ النجمةِ الحيرى
تُرَى أضممتِ - سيدتي - ضياءً قَبَّلَ الوردة
وهل حُمِّلتِ أعماقاً وظِلاً يؤنسُ الوحدة
وهل هبطَ الجناحُ على جبالِ عوالمي الكبرى ..
يوميات قاهري
وَهَمَّ ليعبرَ الشارعْ ..
وأفواجٌ من العَرَبَاتِ تُدنيهِ وتُقصيهِ
وآلافٌ من الأقدامِ تنشرهُ وتطويهِ
ولم يقرب من الإفريز رغم طريقِهِ المفزعْ
وأينَ لهُ ؟ ولم يُصنع سوى لمهمةٍ أنفعْ
ففوق وسادِهِ تَمتدّ كلّ قمامةِ الدنيا
وأهراماتُ أحجارٍ كأهراماتِنا العُليا
وأطنانٌ من الأوحالِ تقبعُ في مهاويهِ
ويَهْمي الرملُ من فيِه
وسار يَشُدُّ خُطْوتِهِ وتثنيه المطبّاتُ
يضمُّ مشاكلَ الدنيا وتغمرهُ الخِلافاتُ
وعند (محطةِ الركَّابِ) راحَ يُصارعُ الزَّحْمَة
وقرص الشَّمْسِ- كالأحياءِ- جانَبَ قلبُهُ.. الرحمة !
عَبَّر عن كوامنهِ وفي أعماقه ليلُ
" أقاهرةَ المُعِزِّ أَرَى ..؟ وقد أودى بها الذُّلُّ؟ "
وحين ثوى بمنزله تذكَّر كلَّ ما عانى
وصاحَ وقلبه يغلي : وكيف؟ ألستُ إنسانا؟!
وأسرع يخلعُ الجورب ، ويمسح نعلَه الأجربْ
ويغسلُ وجهَهُ الأغبر
ويَنفض عنه أتربةَ الشوارعِ والميادينِ
وساءل نفسَه الحيرى : " أتلك مدينة الأقزام أم وَكْرُ الشياطين؟! "
وصاح: اللهُ يخسِفها .. وصاح: الله يخُفيها..
وقال .. وقال أشياءً .. إذا قيلت فلا تُكتب
ونام وجسمه مُتعَب ، ونام وقلبه مُتْعب ، ونام وفكره مُتْعَب
وعند الصبح لم يشعر سوى بدمائه الحية
وأسرع يرتدي زيَّه
وعبر السُّلَّمِ استَهدى ، تذكَّرَ ما سيلقاهُ
وما بالأمسِ عاناهُ .
ويومياتِه الأخرى .
ونَزَّ جبينُهُ عَرَقاً ولكن .. هَزَّ كتفيه
وقال :" ألفْتُ ما ألقَى .. "
وعند البابِ قبّلها ..
أحسَّ بحبه المُفعم .. وبالأحضانِ عانقها
وبالعينين ناجاها
ومن أعماقه تمتمْ :
وقال: الله يحفظهِا
وقال : الله يحميها
وقال : الله يرعاها
وَهَمَّ ليعبر الشارع
جنــــون
07-10-2011, 06:06 AM
ساعة مولدي - لجليلة رضا
ساعة مولدي
في ظلمةِ الكونِ لا ضوءٌ بهِ سَـاري
ولا صَـدَى آدميٍّ عَابـرٍ جَاري
فالأفقُ مكتَئِبٌ والنجمُ مُحْتجبٌ
والسُّحب هاطلةٌ تَهْمِي بِمـدرارِ
في ليلةٍ من ليَالـي الدَّهْـر ِحاملـةٍ
ثوبَ البسيطةِ من هَـمٍّ وأكدارِ
جِئْتُ الحياةَ وفي عَينيّ ظُلمَتُهـا
جِئتُ الحياةَ وخلفي طَيْفُ أقداري
وخَيَّمَ الصَّمْتُ فوقَ الدارَ مُنعقـداً
وفي جوانِبِهـا في شِبـهِ أستـارِ
كأنَّما الدارُ مِمَّا حَـلّ في خَجَـلٍ
تَوَدُّ لو تَختفي عن كُلِّ أنْظَـارِ
كَذا النِّسَاءُ تَهَاوَتْ في مَقَاعِـدِها
ورُحْنَ يِهْمِسْنَ في رَيْبٍ وإنكـارِ
ما السِّرُّ ؟ ما خَطْبُها؟ هلْ كُنْتِ مَيِّتَةً
لا لَمْ أَكُنْ غير "بِنْتٍ" تلك أسراري
وهَلَّ طَيْـفُ أبِي في الدارِ مُنْفَعِـلاً
وفي جَوانِحِـهِ جَمْـرٌ عَلَى نَـارِ
حَتَّى إذَا ما انْحَنَى فَوْقِي يُدَاعِبُنِي
رَأَى الحَقِيقَةَ في رُعْبٍ وَإنْكَـارِ
فَرَاحَ يَهْذي لِمَنْ شَبّ الرمادَ لَظَىً
وأيقَظَ الميتَ في آياتِ إنْشَارِ
"بِنْتٌ ؟ إلهي وما أرجو سِوَى وَلَدٍ
يَا وَصْمَةً في دَمِي يا ذلـةَ العَارِ !
وهَلَّ في إثر ذاكَ الليلِ مُنْسرحـاً
فَجْرٌ جديدٌ زَهَا من غيرِ إنذارِ
ورُحْتُ في صحراءِ العُمْرِ ضَارِبَةً
تَحْنُو عليَّ بِصَدْرٍ ثائـرٍ ناري
في مِعْصَمَيَّ قيودُ البؤسِ خالـدة
والطوقُ في عُنقي أشدو بأشعاري