مشاهدة النسخة كاملة : ديوان الشاعر سليمان العيسى


a7med
03-12-2009, 10:40 AM
رسالة إلى خطيبها في الجبهة



الصبح لَمْلَمَ عن ذُرى "قسيون"* أهدابَ الظلامِ
والربوةُ الخضراءُ أغنيةٌ تهزّ .. بلا كلامِ
والشام .. ساقيةُ الربيع ، ولو عرفتَ بأيِّ جامِ
بَردى ، وأمواجُ الضياءِ ، وعطرُها بعضُ المُدامِ
والعيدُ في نيسان سكرةُ أمةٍ ، وشبابُ عامِ
والطالعون على الحياة ، كأنهم عبَقُ السلامِ
جيلُ البطولةِ كله والدربُ يهدرُ – في الزحامِ
بُعِثَتْ بلادي ، فالربيعُ شموخُ ناصيةٍ وهامِ
ألصبحُ ينفضُ عن ذُرى "قسيون" أهدابَ الظلامِ
والشام .. غارُ الوحدةِ الكبرى أكاليلُ الشآمِ
...

وضّاح .. أين يداكَ ، أشبِكُ في لهيبها يديّا ؟
وأضيعُ في حُلُم صباح العيدِ يُرْعِشُ جانحيّا
ويمر موكبُ أمتي نشوانَ ، هدّاراً ، أبيّا
وخُطاه خَفْقٌ في ضلو عي ، أو سناً في مقلتيا
وملاحمُ الثوار تَزْحَم مسمع الدنيا دويا
ما زلتُ في عينيكَ أبـ ـصرُ شعبيَ العربيّ حيا
تظْمَا ميادينُ الكفاحِ ، فتستقي دمه الزكيّا
ما زلتُ في قَسَماتِكَ السمراء ألمحه جليا
كالموج ، كالشلال ، يَهْـ ـدِرُ ، صامداً أبداً ، عتيا
ما زاد زَرْعُ السدودِ بوجهه إلا مُضيّا
جَدلْتُ من خصل الربيع ، ومن ذُؤاباتِ الأقاحي
أضمومةً خضراء. تَعْبَقُ بالإباءِ ، وبالسماحِ
للموكب الهدّارِ ، مَرّ بشرفتي عند الصباحِ
لقوافلِ الأبطالِ .. سُمْرُ زنودِهم حُلُمُ السلاح
لرفاقك المتعطشينَ إلى الفداء بكل ساحِ
للجيش ، تقفو خَطْوَه قِصصُ البطولةِ والأضاحي
نحمي زنابقَ أرضِنا من بَطشةِ الغدرِ الوَقاحِ
ونردّ نابَ الوحش منحطماً على صخر الكفاحِ
ضفّرتُ أطواقي لموكبِ أمتي مِلءَ البطاحِ
يتعجّلُ الثأرَ القريبَ ، وعودةَ الوطن المُبَاحِ
...

وضّاح .. حدِّثني عن الميدان ، عن ظَمأ الحدودِ
للموعد المضروبِ بينكمُ وبين ثرى الجدودِ
أللص .. أفقده الصوابَ تفتُّحُ الفجرِ الوليد
وتألّقُ التاريخ، تا رخِ العروبةِ من جديدِ
أللص .. يُنْذِرُ باللظى والحقّ جبّارُ الصمودِ
إني أخافُ .. فلستَ ممن يصبرون على وعيدِ
إني أخافُ .. فلستَ ممن يصبرون على وعيدِ
إني أكاد أراكَ تهزأ بالزوابعِ ، والرعود
وتَشُدّ رايتَك الخضيبة فوق ناصيةِ الخلودِ
آمنتُ بالوطن الكبير ، يُطِلّ خفّاقَ البنود
بطريقنا الدامي ، بأمتنا ، بصخرةِ "بورسعيدِ"
...

أيغيبُ عن عينيّ طيفُكَ خلفَ "حفرتكَ" الرهيبه ؟
كفّ على ضلعِ الزناد ، ونظرةٌ ثَبَتَتْ ، مَهيبه
وعلى يمينكَ ، أو يَسَارِكَ ، أرضُنا الثكلى ، الحبيبه
وأراكَ تهمسُ : لن تظَلّ ديارُ آبائي سليبه
لا .. لن أعودَ ، فساعةُ الإعصار قد باتت قريبه
العيد ، والأفراح ، والحبُ العمق رُؤىً كئيبه
العيد نَغّصَه الذئابُ ، نيوبُها أبداً خضيبه
لا .. لن أعودَ ، لأسرق اللحظاتِ مُرْهِقَةً ، عصيبه
لي موعدٌ معَ من يُريدُكِ فوق تربتنا غريبه
سنرى .. لِقُطّاعِ الطريق النصرُ ، أم لضحى العُرُوبة !
...

أملي إليك ، وحوليَ الضحكاتُ تطفرُ ، والأغاني
والمهرجانُ .. وعبقريةُ أمتي في المهرجانِ
تثِبُ السطورُ هوىً ، ويَرْ عَشُ فوق أحرفها كياني
لِمَ يحرمون بلادنا من نُعْمى الأمانِ ؟
لِمَ يحملون لنا الدمار ، بألف فَحّةِ افعوانِ ؟
ألأننا قلنا : لنا هذي المَرابعُ ، والمغاني !
ألأنّ أرضي .. لم يعد للص فيها من مكان !
أشدد يديكَ على السلاحِ ، أحسّ عزمَكَ في جَنَاني
يتعرفُ "القرصان" حَقّكَ حين يلمع في السنانِ
قدَرٌ تحرُّرنا ، ودعهم يوقفوا سَيْرَ الزمان !
...

وضاح .. حدّثني متى تصفو لنا نعمى الجلاءِ !
أنظلّ نستهدي الجراحَ ، ونقتفي ألقَ الدماء !
ستقول – اعرف ما بصد رك من سعير الكبرياء –
ستقول .. أمتنا بخط النار ، والهَيْ إن تشائيّ
يحلو نشيدُ الحب حيثُ أكون حراً في غنائي
شعبي بخطِّ النار يَقْـ ـتنِص الحياةَ من الفناء
تلك الحقيقةُ كالضحى يجتاحُ مقلةَ كل رائي
وضّاح ، أبصرتُ الطريق ، وقد توَشّحَ بالضياءِ
سأكونُ في الميدانِ قربَكَ ، عند جلجلةِ النداء
هذي الرفيقة في السلاح ، وتلكَ معركةُ البقاءِ
________________

* الجبل المطل على دمشق

a7med
03-12-2009, 10:43 AM
أهلا.. بعبد الناصر


أهلاً .. بعبد الناصرِ أهلاً .. بحلم الشاعرِ
أهلاً .. بماضينا العظيم ، يُطلّ بسمةَ ثائرِ
ويجسِّد الحلم الكبير ، على شفاه الحاضر
أهلاً .. بزمجرة النسور كواسراً ، بكواسر
أهلاً .. بأغنية الصبايا ، في الكفاح الظافر
أهلاً .. صغاري يرقصون على جناحَيْ طائر
ويقبِّلونك .. فاتحين قلوبهم .. للزائرِ
أهلاًَ .. دموعي في السطور قصيدتي ، وخواطري
أهلاً .. مدينتيَ الكبيرةُ زغرداتُ بشائرِ
وحناجرٌ .. هَدرت لتَغرقَ في هديرِ حناجرِ
أنا ضائع بين الجموع ، تموجُ نارَ مَشاعرِ
الدرب .. غطاه الصغار ، كوشي روضٍ ناضرِ
والأرض تزخر بالحشود ، كأنّ رُقيْةَ ساحر
عقدت لسانَهمُ على اسم جمال عبد الناصرِ !
أهلاً .. مدينتيّ الطّروب جنونُ حب غامرِ
زحفت على النبأ الحبيب.. مع الغمام الهادرِ
سَيْلان هدّاران .. جُنّا في الصباح الباكر
سيلان .. من شعب يموج ، ومن سحابٍ ماطرِ
زحفت مدينتيَ الطروب مع الغمام الهادر
زحفت بأجمعها .. تريد عناق عبد الناصرِ !
...

يا مارد العرب الحبيبِ ، أأنت؟ أم حلمٌ أطلا !
جُمعت على الشفة الخواطرُ كلها: أهلا وسهلا !
ألعرس .. عرس المجد ، لم تر أمتي أشهى ، وأحلى
عبثاً .. أفتش عن خيالٍ ، حسبيَ العبراتُ تمْلي
حسبي هتاف : يا جمال ! ترده الآلاف جّذلى
حسبي دويّ الشعب : أهلاً قائد الأحرار أهلا !
أنا من عرينك في الشمال ، تمرُّ بي الأعراسُ عجلى
من قلعة الأبطال ، من حلبٍ ، أعُلّ البِشْرَ عَلا
هي بانتظارك يا جمال ، لتستحيلَ الأرض فُلا
وبنفسجاً ، وزنابقاً عربيةً ، وندىً وظلا
ومواكباً كالرعد ، تهزج للرئيس ، وقد أطلا
النافضِ الأجيال عن أعناقِنا رهَقاً وذلاً
الصانع التاريخ مَلْحَمةً بساح المجد تُتْلى
الشعب ظامٍ يا جمال ، فَبُلّ نار الشوق بُلا !
ألقلعة الشمّاء يقتلها الحنين إليكَ قتلا
وحسامُ سيف الدولة الجبار مَلّ الغمد مَلا
إني لألمح نصله في القبضة السمراء سُلا
...

أهلا .. فتى العرب الحبيب ، وحلمَهم .. أهلا وسهلا !

a7med
03-12-2009, 10:44 AM
نجوى


عذراء.. هذي أنت فوق قصيدتي .. جارٌ ، وجارَهْ !
هذا محياك الجميل ... عليك من روحي أماره !
هذا جنون الأمس في "النقاد" .. أغنية مُثارَه !
حملتكِ أجنحةُ الجريدة فوق أبياتي شراره
سبع من السنوات .. تنفضها على عيني إشاره
هي من حياتَيْنا اللهيبُ ، ومن شبابَيْنا العُصاره
سبع من السنوات.. تنفضها على عيني إشاره
هي من حياتَيْنا اللهيبُ ، ومن شبابَيْنا العُصاره
سبع من السنوات .. تفصل بيننا .. يا للمَراره !!
ها أنت .. يا عذراء أمسي .. لا أريد - هنا - اذّكاره
ها أنت .. لا ، لا ، لن أعكر للضحى الحلو افترارَهْ
تحيّيْن .. فوق قصيدتي ذكرى ، وأغنيةً مُثاره
لكِ من بياني - أحسنَ "النقادُ" موقعك - الصداره
خلقتكِ ريشةُ شاعر سكران فجراً من نضاره !
وجهاً .. أرقّ من الخيال البِكْر أشرَقَ في عباره !
ثغراً .. أحبّ من النعيم ، ومن سلافته المُدَاره !
عينان .. بين السحر - لم تبرح - وبينهما سفَاره !
شفتان .. تختصران تا _ ريخ السعادة في افتراره
خلقتكِ ريشةُ شاعر سكران .. دفقاً من نضاره
ورمتكِ في ثغر الزمان على المدى .. أرَجَ استعاره

a7med
03-12-2009, 10:45 AM
بين الجدران


ها أنتِ .. لو تدرين أين الآن شاعركِ المجيدُ ؟!
من أين يُرسل همسَهُ شعراً ، ليحضنَه الخلودُ !
من أين يخترق الظلام مزغرداً .. هذا النشيدُ !
تُصغي له الجُدُر الثخانُ بجانبيَّ .. وتستزيدُ
ويكاد ينشده معي السجّان ، والبابُ الحديدُ !
ها أنتِ .. فوق قصيدتي ، وأنا ، وأنت هنا قصيدُ
صمتُ "النظّارة" ، والرطوبةُ ، والدُنى حولي همودُ
والليلُ .. كالشبَح المسمّر ، ليس ينقُصُ ، أو يزيدُ
وخيال شاعركِ القديم جوانحٌ - أبداً - ترودُ !
خفاقةٌ .. ودّت - لتهدأ - لو يكون لها حدودُ
مجنونةُ النّزوَات .. تُسكرها المهاوي .. والنجودُ
والسهلُ ، والقِمم المخيفةُ والتردّي ، والصعودُ
مجنونةُ النّزوات .. أجهلُ مثلَ غيري .. ما تريدُ
تنهدّ أبياتاً بواقيَ ، حينَ تصدمها القيودُ
وتصكّها الجُدُر الثخانُ .. فلا تموت ، ولا تبيدُ

a7med
03-12-2009, 10:46 AM
في حرم الوحي


يا شعلةَ الوحي المقدّس ، أيها السر الدفينُ !
يا جذوةَ الإبداع .. تركع عند ومضتها المنونُ
يا نفحةَ الإلهام .. تعبقُ كلما خَبَت السنينُ
يا فن .. يا رَعْشَ الألو - هةِ في دمانا ، يا جنونُ
هذي يدي .. تتحسس السر العصي ، وتستبينُ !
وتدق معبدك الرهيب يروعها الصمت الحزينُ
ما أنتَ ؟ .. كلّ عسيرةٍ لرضاك في الدنيا تهونُ
ما أنت ؟ .. تُحرقنا ، وتخشع عند طلعتك العيونُ
ما أنتَ ؟ .. يَفْنى في اختلا جتكَ التأملُ ، والظنونُ !
ولغير مِطْرقة العذاب ، ونارها .. لِمَ لا تلينُ ؟!
أتظل في الأعماق لغزاً .. لا يُحَل ولا يبين ؟!
أنا عند سرك في الوجود - ولست في قيدي - سجينُ
يا فن .. يا رَعْش الألوهيةِ في دمانا . يا جنونُ !
كيف استطبت بك الظلام .. وهزني هذا السكون ؟!
كيف استحال القيد لحناً .. في النجوم له رنين ؟!
وظمئتُ .. فانفجرت بأعما - قي .. على الظمأ العيون
وضجرتُ .. فانطلق النشيد العذبُ .. سامرَ الأمينُ !
وأرقتُ .. فانسابت رؤاكَ ، ورفةٌ منها الفتونُ !
...

يا نفحة الوحي المقدّس.. أنتِ سامريَ الأمينُ !
وعلى الرطوبة ، والظلام ، ووحشتي بكِ أستعينُ
عودي إلى "قبري" الصغير.. فان قبريَ بي ضنينُ !
للموت ، في وطني ، السنا للدمنة .. الأرجُ الثمينُ

a7med
03-12-2009, 10:46 AM
وحشة!..


ها أنتِ تبتسمين يا عذراء أمسي .. في مراحِ !
وأنا ، وشعري في الجريدة ، ساهران إلى الصباحِ
ألوحشة السوداء .. لستُ إخالها سمعت صُدَاحي !
ألوحشة السوداء .. ورة أمتي .. عبر الكفاحِ
هي في زوايا الأرض أشلاء تمزّق ، أو أضاحي
هي في "النظارة" ألفٌ أغنيةٍ .. تَعَثّرُ بالجراح !
ليست حياتي غير بيتٍ من ملاحمها الفصاحِ !
ليست أغانيّ السماح .. سوى أمانيها السماحِ
...

ها أنتِ تبتسمين .. في خجل الزنابق والأقاحي !
أرأيتِ "مقبرتي" الصغيرة شُدّ داخلها جناحي ؟!
ثقبت "نويفذةٌ" بأعلا ها .. "لنَرْفزة* الرياحِ
وتشاجرت قطع الحديد بها .. كأسنان الرماحِ
جدرانها .. ستٌ من الأشبار .. أشباري الصحاحِ
زَخَرت بأسماء .. هنا وهناكَ .. في كل النواحي
قِصص الذين "تشرفوا" قبلي .. يسوقهمُ "جُناحي"
لو تنطق الجدران .. أيّ "مجلّدٍ" هي للكفاحِ !!

a7med
03-12-2009, 10:47 AM
شاعر ولاجئ


لو تنطق الجُدُر الثخان لحدثتكِ حديث شاعرْ
مُلْقىً على خَشب "النظَاره" ، في عباب الحُلْم سادرْ
هو في دمشق .. وتارةً في الرافدين .. وفي الجزائرْ
يطوي الغيوب بلمحة ما بين خاطرةٍ .. وخاطرْ
مثل الشعاع .. أظله جفن ، ففرّ من المحاجرْ
ويعيش "مأساة" ببسمة لاعبٍ ، وَدُعَاب ساخرْ
ويضيق حيناً بالسكون ، وراعبٌ صمت المقابر !
أنا بين جدراني الثخان .. مشاعرٌ .. تتلو مشاعرْ
فيها القريض المستجادُ ، وبعضها نَفَحاتُ صافرْ
وإلى جواري قد تمدد "لاجئ" مثلي مهاجرْ
قذفت به "حيفا" مصيراً مفجعاً بين المصائر !
متلفع "بالحوقلات" ، على قضاء الله صابرْ
وتُلم بي حيناً - زيارةَ عابرٍ - بعضُ الكواسرْ*
بعضُ الصقور الناثرات على الأذى .. مِزَقَ المرائرْ
وتُقاد .. طي الصمت .. لا أدري إلى أي "الحفائر" !
...

لا .. لن أقطٍّب حاجبيّ .. ولا أنا بالفجر كافر !
إن الغد العربي يا حوراء .. مثل الصبح .. سافرْ
غدُ أمتي - رغم "النظَارة" - واسع كالكون .. ساحرْ
ويقال: وهمٌ أن نعود .. وأن تُدَقّ لنا البشائرْ
وهمٌ أجلْ ! .. ومتى سألنا غيره .. كرمَ المقادر ؟!
وهمٌ .. تميد له الحقيقةُ ، في دماء الجيل فائرْ
وهمٌ .. يُقِضّ مضاجعاً وتُغِصّ ومضتُه حناجرْ
وهمٌ.. سلي التاريخ يهدِرْ : إنني أوهام ثائر !

a7med
03-12-2009, 10:48 AM
في بيت الشاعر


ما زلت تبتسمين .. أنت الآن مثلي .. في الاسارِ
أنّى رنوتِ .. صصدمتِ بعد الشبر طرفكِ بالجدارِ
أصغي إلى شعري ، يقص عليكِ كيف تركت داري !
كيف استُثِير هزارُكِ الممراحُ .. في وكن الهزار !
كيف ارتموا عشرين .. فوق الباب .. حتى ارتاع جاري !
وأحيط "مأوايَ" الصغير بمن تبقّى .. كالسوار
وتناثروا في البيت .. يلتهمونه مثلَ الشرار
يذْرون مكتبتي ، بديواني ، بأوراقي الصغارِ !
ويفتشون .. وينكتون .. ويرمقوني بازورارِ !
أيّ "القلاع" الطائرات تحصّنت .. خلف الستارِ !
أيّ (المعدّات) الثقال .. تُراه في عش الكناري !
وأدار "معنٌ"* وجهَ غضبانٍ لعزته .. مُثَارِ
لِمَ لا يشاطره (الضيوف) .. مراحه شأن الكبارِ ؟!
يرنو إلينا .. لا وقَارَهمُ أحبَّ .. ولا وقاري
ووقفتُ أنظر .. لم يشأ شعري ليفتَحَ خط نارِ !
وأبت قوافيّ الشوارد أن تهمّ .. لأي ثارِ !
لو شئتُ .. لانفجر القريضُ مدمدماً .. أيّ انفجارِ
حاشا .. فسقفي لن يُظل سوى المروءة .. والنِجارِ
في بيته يعنو الكريم لكل رزءٍ ، أو خسارِ

a7med
03-12-2009, 10:49 AM
الطريقَ والمعري


أنا في الطريق إلى دمشق ، وما سئلتُ لكي أجيبا
وورائيَ "الشهباء" يحمل صدرها صمتاً رهيبا
وحسبتها ترمي إلى صدّاحها .. نظراً غريبا
ومضت بنا "أرسان*" تنتهب المسالك والدروبا
وتركّز "الحرَسي*" جنبي كالحاً أبداً .. قطوبا
يا للحياة .. تعود بسـ متنا بها عملاً مُريبا !!
ورميتُ طرفي للنجوم .. نسيبةٌ لاقت نسيبا !
والدرب يوقظ في الظلام بخاطري لحناً حبيبا
والطل يعبث بالزجاج .. أمام أوجهنا ضروبا ..
وملابسي .. في "صُرة*" بيضاء .. كنت بها مصيبا
أنى ارتميتُ .. وسادتي ! وائذن لنومك أن يطيبا !
هذي "المعرة" .. أيّ حلم هز إحساسي مهيبا !
هذا خيال "أبي العلاء" يكاد يصدمني قريبا !
هذا تمرده على الأجيال .. لم يبرح صخوبا
...

شيخَ الخلود .. تحيةً عجلى ، وأنداءً ، وطيبا !
هذي جراحك .. لم تزل وطناً ، وتاريخاً سليبا
هذا الثرى العربي .. لم يبرح - وسل دمنا - خصيبا !
زمجرتَ في وجه الفساد .. ولم ترَ الخطب العصيبا !
لم تعرف "المستعمر" السفاح في وطني* نيوبا
ومخالباً .. تدع الجلود بنا .. لتحتل القلوبا
و"ظلاله" المتزاحفين وراء أرجله .. دبيبا
ما كنت تُصدم "بالحواجز" حيث أزمعت الركوبا
كنتَ الشروق ، متى أردت ، وكنت في وطني الغروبا
والنيل ، مثل الرافدين ، فلا حدودَ ، ولا شعوبا !
زمجرتَ .. لم تشهد "شمالا*" يستباح ، ولا "جنوبا*"
شعباً برمته يباد .. ويستغيث ، ولا مجيبا !
زمجرتَ .. دعني هادئاً أوجِزْ لك النبأ العجيبا !
شيخ الخلود .. يكاد طيفك عن جفوني أن يغيبا !
عُذراً إذاً .. وتحيةً عجلى .. وأنداءً .. وطيبا

a7med
03-12-2009, 10:49 AM
في الشام


حسناء .. شط بي الخيال .. وكدتُ ألهو عنك حينا
سأصب في سمع الزمان "حكايتي" .. شعراً مبينا
لحناً .. تعلّين العذوبة .. من يديه .. وتنهلينا
أنا في الشآم .. وما أرقّ الشام.. أهبطها سجينا !
هذا الشتاء .. أحسه فيها ربيعَ الحالمينا
"ألغوطة" الخضراء .. لم تك قبلُ مُترعَةً فتونا
والعطر .. لم يك مُسكِراً كاليوم .. للمتنسِّمينا !
والشارع المغمور في "القصّاع*" لم يك يستبينا
وأطل .. حيث رنوتُ .. ضمّ طريقنا حوراً ، وعينا
وفتوةً .. وكهولةً غادين حولي .. رائحينا
حتى الجذوع العاريات بدوت تَشُوق الناظرينا
حتى الطريق - وهل يحس؟ - حسبته .. يهتزّ لينا !
وأشحتُ وجهي .. ما الطبيعةُ ؟ ما الحياة ؟ .. لخانعينا !
يا من تحت على الرصيف خطاك .. أو تمشي رصينا !
لا فرق .. فيما بيننا لو تعلم الخبر اليقينا
لا فرق .. صدّقني .. فإنّا في "النظارة" أجمعينا !
ما دام في أرض العروبة حربةٌ .. "للغاضبينا"
لا فرق .. معتقلين كنا يا أخي .. أو مُطْلقينا !
تتراكم الأغلال حتى تشملُ الشعبَ الأمينا

a7med
03-12-2009, 10:50 AM
مع المحقق


من أنت؟ .. دحرجه "المحقق"، عَبْرَ همهمةٍ ، سؤالا !
وعلى "مكدّسة" من الأو- راق بين يديه .. مالا
وحسبته .. لم يُلقِ لي "ولصرتي" البيضاء بالا
ووقفتُ .. ناحيةَ الجدار .. ألوح من تعبي خيالا !
من أنت ؟ .. ما العمل الكريم ؟ وغاص في الورق انشغالا
وبلفظتين أجبتُ .. لم يترك لثالثة .. مجالا !
أنا شاعر ، ومدرّسٌ يُرضي البلاغةَ حيث صالا
وقريع كأس في المسا وقصيدةٍ .. وكفى جلالا !
أما الوِهاد .. فانها أدنى - لمن يهوى - منالا
وأشاح عني لم يتح لي أن أسوق له مثالا
ولمحتُ .. خلف عبوسه شيئاً يهمُّ بأن يُقالا !
وإذا المراد : عقيدتي ! يا للضحى .. نسَخَ الظلالا !!
خذها إذاً .. أرجوعةً سحراً ، على وتري ، حلالا !
أنا للعروبة .. مذ رأيت النور .. كنتُ ولن أزالا
أنا للحياة .. لأمتي رَشَداً تراني .. أم ضلالا !
أفَيُجرم الوردُ النضير .. إذا اكتسى الوردُ الجمالا ؟!
أيُدان بالألَق الصباحُ إذا تموّج .. أو تَلالا ؟!
أنا وحدةٌ .. يا سيدي عربية .. تأبى انفصالا !
في الشوك عشناها وفوق الصخر ، أعواماً طوالا
وعلى الحصير .. حصير آبائي .. تلقنتُ النضالا
بغداد .. في صدري كتونس خفقةٌ حرّى .. تَوالى !
كالشام .. يقطر في "الجنوب*" دمي .. وقد خضَبَ "الشمالا*"
أنا شهقة المتضورين طوىً .. وأناتُ الثّكالى
ودموع قومي الضائعين .. على الدروب غدوا عيالا !
ما كنتُ إلا زفرةً تُستَلّ من وطني استلالا
ما كنتُ إلا صيحةً للثأر .. تشتعل اشتعالا !
أعرفتَ من أنا ؟ .. واقفاً أبدو بزاويتي خيالا !

a7med
03-12-2009, 10:51 AM
في غرافة الجناياتِ


حجرة أدخل إليها الشاعر لتؤخذ صورته.. وبصمات أصابعه، على طريقة المجرمين.

_____________

وصَمتُّ .. وانطلقت "محاضرتي" ..دخاناً في الفضاءِ !
ما حرّكت سقفاً ، ولا اختلج الجدار لها إزائي
حتى أخونا "الطابع*" الجاري بأحرفه ورائي
ضرب السطورَ .. كما ترقِّم بالحصا .. موجاتِ ماءِ
أين انتفاضُ حميتي ؟ وبلاغتي .. عند الأداءِ !
أين انطلاقة فكرتي كالنور .. في كبد السماءِ !
والشعر .. أين الشعر؟ سلني عنه في "القسم الجنائي"!
...

هي غرفة .. ساد الظلام بها على نُتف الضياءِ
تنساب رائحة الجريمة من مقاعدها الوِِطاءِ
ويدبّ من "شباكها" نور .. كمخنوق الرجاءِ
نُثرت بها قِطَعٌ ، وأشياءٌ تدق على ذكائي
أدخلت فيها "كالذبيح".. وفي دمي رعشُ استياءِ
وجمدتُ ثمّةَ .. لا أحسّ سوى اللزوجة في الهواءِ
أمعَ الجُناة ، المجرمين ، يُزَجّ روح "أبي العلاءِ"؟!
و "ابن الحسين*" ، ومن اليه ، وسيبويهٍ ، والكسائي !
وتراثُ أمتي التعيسةِ من أغانيها الوِضاءِ !!
يا للظلام .. إذا استبدّ .. ويالجرحِ الكبرياءِ !!
...

وأشار "قائديَ" الكريم ، ومنْ لِكُرهي ، أو رضائي ؟!
أمدُد يديك "لبصمةٍ" ، ولأخذ "رسم" كهربائي !
وأمالني فوق الزجاج ، كمن تمرّغ في الدماءِ
وبصمتُ .. عشرَ أصابعٍ ، واسوّدّ كميَ بالطلاءِ !
وشُنِقت فوق "مُقيعدٍ" ورُسِمتُ "نصفاً" باعتناءِ
وخرجتُ .. أشعر بالوجود وقد أحيلَ إلى غُثاءِ !
______________

a7med
03-12-2009, 10:51 AM
بين الجدران من جديد


يا حلوةَ الرنَوات .. يا حُلُماً أطاف بمقلتيا !
أنا من جديدٍ عند وحيكِ يرتمي سحراً علِيّا !
ها أنتِ .. والغزَل المجنّح ! والجريدةُ .. في يديّا
ووجومُ جدراني الغلاظ ، ومعطفي الساجي عليّا
وسحابةٌ في الليل .. تهوي فوق "نافذتي" .. هويا
غضبى .. أحست كل شيء حولنا زُوراً وغيا !
وخطىً .. تمر على الطريق ، أرى لها وقعاً شهيا !
ومقاطعٌ من عابرين .. يظل مُعظَمها خفيا

ودبيبُ صرصورٍ على رجلي .. يداعبني حييا !
وطيوف آلهةِ العذاب .. تُصِمُّ أسماعي دويا !
وخيالُ "معنٍ" في السرير، وثورةُ الأجيال فيّا !
ورؤى (ملاكٍ) ساهرٍ نَبراته في مسمعيا
ألقى الملالة للكتاب .. فهل أطاق به مضيّا ؟!
ما كان أدناه إلى روحي غَضوباً ، أو رضيا !
ما كان أعذَبه ، وقد لجّ (الجدالُ) بنا عتيا !!
سأراه يوماً .. عاصفاً من نشوةٍ .. في ساعديا !
...

ها نحن يا حوراء .. والصمتُ المَقيتُ .. بجانبيا !!
ما أمتعَ الأحلام .. تُطلق في الكواكب جانحيا !
وتشد آفاق السماء .. بهمسةٍ نشوى إليا !
وتدوِّم الساعات فوقي ، بكرةٌ تحكي عشيا
وأفيق ( مقبرةٌ) وموقوفون .. آخِرُ ما لديا
وطنٌ تجسده (النظارةُ ) مشهداً للبؤس حيا !
أتُرى أزور السجن وحدي .. لا أرى فيه شقيا ؟!
...

يا حلوةَ الرنَوات ، والبسماتِ زُهراً .. والمحيّا !
أنا لستُ من يخشى الظلام ، ولو أناخ بنا مليا !
سيزول .. وثبةُ أمتي أقوى .. هبيه بدا قويا !
سنعيش ، رغمَ الموت ، روضاً ضاحكا ، وشذىً نديا !
بَشّرتُ بالفجر القريب على الذرى غِدقاً ، سخيا
ولمحتُ ماردنا الرهيب وقد أفاق .. يريد شيا
هيا .. إلى غدنا الرحيب ، نُعِدّه للنور .. هيا ،

a7med
03-12-2009, 10:52 AM
سجن المزّة العسكري




المهجع السادس والثلاثون

_________

وطويت زمجرتي على ألم يجلجل كالعبابِ
وانداح باب "القبر" خلفي عن "زبانية غضابِ
خنقوا نشيدي الحلو ، خفاقاً بأحلامي العِذابِ
وبنظرةٍ .. ضمرَ الحياءُ بها ، أشير إلى جنابي :
إنهض ! .. ولذتُ بصرتي البيضاء .. أودِعها ثيابي !
ونهضتُ .. أعلم أن دربي دربُ إخوتي الشبابِ
درب الشعاع ، الصامد ، اللمّاح في حلَك الضبابِ
دربُ الحياة .. تُغَلّ ، ثم تُزَج في أحد "الجِبَابِ"
دربُ العقيدة .. ترتمي مِزَقاً على سوط العذابِ
ومضيتُ .. بين ثلاثةٍ لحراستي .. أبداً غِضابِ
أبداً .. بوجه كالح أبداً بحملقة ارتيابِ
للبغي تاريخ يعيش على التربص ، والخلاب
...

هذي طريق "المزة" السوداء ، واجمةَ الرحابِ !
هذي سلاسل أمتي نُثرت على تلك الشعابِ
هذا هو السجن .. الملفّع بالحديد ، وبالحرابِ
في هذه الظلمات يرقد من تركتُ من الصحابِ
في هذه الظلمات .. كم جسدٍ تمزّقَ ، كم إهابِ !
كم جبهةٍ .. روّت هنا بنجيعها ظمأ التراب !
لم تختلج تحت السياط ، ولا شكت هول المصابِ
جيلٌ من الأحرار ، خلف القيد ، ينهدُ للغلابِ
...

هذا هو السجن الرهيب ، فهل تُراه أحسّ ما بي ؟!
أتُراه أبصرَ سَوْرةً حمراء تومئ بالحسابِ
إني لأُنذره - وسوطُ الموت فوقي
إني لأنذره .. وأجهل كم يطول به غيابي !
للموت .. ما رفع الطغاة من السدود .. وللتبابِ !
...

وأدرتُ طرفي .. تاركاً في مسمع الريح اصطخابي
وإذا الرفاق يصفقون .. وقد أحاطوا "بالركابِ"
ودخلت "مهجعيَ" الجديد بمهرجان من دُعابِ
هذا ينط ، وذا يصيح ، وذا يرحّب .. بالسبابِ
ودلفت بينهمُ .. أرى ضوضاءهم عين الصوابِ
ونسيتُ بين القهقهات سماجةَ الجُدر الرطابِ
وتجهُّمَ الجنديّ .. يُو عدنا بتحطيم الرقابِ !
والبردَ ، والضجر المَقيت ، ووحشتي ، وحديدَ بابي !
...

هيهات .. تنطفئ الحياة ، ونبضها بدم الشبابِ

a7med
03-12-2009, 10:53 AM
نحن الطريق


يا مهبط الأحرار .. زان جباههم لقبُ العصاةِ !
يا قلعةَ المتمردين .. على العصور البالياتِ
يا منزل الصم ، الصلاب ، من الصخور المؤمنات !
يا معقل الصمت الأبي ، يهد أعصاب الطغاةِ
يا سجنُ .. يا دار العقيدة تستخفُ بكل عاتِ !
هيهات .. يهدأ فوق رأس البغي زأرُ العاصفاتِ !
هيهات .. تنطفئ الحياة ، ونحن أنفاس الحياةِ !
هيهات! .. إن الفجر - ولتهزأ بنا الظلماتُ - آتِ
...

قل "للرقيب*" ، وقد تقنّع وجه سادته العتاةِ
ومضى يوزع في الرواق شتائماً .. متلاحقاتِ !
ويدقه بحذائه دقاً يهز النافذاتِ
مهلاً أبا السطَوات .. بعضَ الكبر ، وأذن بالتفاتِ !
بعضَ العبوس .. فلستَ إلا من أقاربنا العُفاةِ
من هذه الفِلذ الطحينة بين أشداق البغاةِ !
من شعبنا المتمزق ، المسحوق تحت النائباتِ
بعضَ التجهم ، يا رقيب ، لتفهمنّ غداً شكاتي !
نحن الطريق .. ولو وعَيت - إذاً لكنت مع المشاةِ
نحن الطريق .. ولو نأت ، وتراكمت بالأضحياتِ !
هذا ثرانا يا رقيب ، ومنبت الصيدِ ، الأباةِ
هذي ملاعبنا .. تتيه بما تضم من الرفاتِ
بأريجنا ، بدم الضحايا ، ما تزال معطّراتِ !
إنا لنهواها .. ونعرفها مَواتاً ، في مَواتِ
إنا سنبعثها .. مسا - رجَ للهداية ، والهداةِ
إكليل غار للحياة على جبين الكائناتِ
إنا سنبعثها .. ملاحمَ للبطولة .. خالداتِ !
تاريخي العربي في صدري ي يَدُقّ ، وفي لهاتي
أنا لستُ زفرةَ شاعرٍ أنا لستُ ثورةَ أغنياتِ
نحن الطريق .. وألفَ أهلاً بالخطوب الحالكات

a7med
03-12-2009, 10:56 AM
يا روابي عمّان


لم يَرُعني الدجى على أسواري منذراً دفقة السنا بالدمارِ
لم يرعني ، أقوى من الموت شعبي ونهاري ملءَ العيونِ نهاري
زَحَفت أمتي ، فمعركةُ المجد غبارٌ نشقّه بغبارِ
من عثَارٍ يُفَجِّرُ الشعب نمضي - والجراحاتُ زادُنا – لعثارِ
بيدينا ، وليصبغوا بدم الأحرارِ منا ملاعبَ الأحرارِ
بيدينا مَصيرُنا ، ولنا الشوطُ ، وأرضي مصارعُ الفُجّارِ
...

لم تَرُعني يا ليلُ قبضَتُكَ السو داء تهوي خضيبةَ الأطفارِ
تعْرِفُ الأرض ان بطشتك الكُبْـ ـرى وداعٌ ، وحشرجاتُ احتضارِ
لم ترعني انقضاضةُ البغي قربي ودمائي مسفوكةً بجواري
قصفاتٍ ، فالعرش ، والحاضن العر ش غُثَاءٌ في زحمة التيارِ
الطواغيتُ للجحيم ، وتبقى لي شموسي ، غداً ، وعرس انتصاري
بيدينا مصيرنا ، ولنا الشوط ، فدقِّي يا عاصفات جداري !
...

يا روابي عمّان ، هل نَقَل الجزّارُ سكِّينه إلى الجزّارِ ؟!
ضحكةُ العرس اطفَأوها بعَيْنيكـ ـكِ ، ولما ننهَلْ وميضَ افترارِ
ضُحكةُ العرس .. كم هزجتُ عليها أمسِ حتى تونحت قيثاري
قصف الحقدُ وردَها ، فأغاني العيد في لمحةٍ فحيحُ ضواري
وربيع الجلاءَ لسعُ صقيعٍ ورؤى المهرجان لَفْح اوَارِ
يا روابي عمّان ، محنةُ فجرٍ لم يجيء مولدٌ بلا إعسارِ
امهليهم يا أرضنا يُترعون الكأس من أحمر الدم الفوارِ
ويصبّون حقدهم فوق رأسي ويكمُّون صيحتي بالنار
رَوّعتْ قبلهم أساطيلُ شطآ ني ، وضاعت بين الحرائق داري
وصمدنا ، وقطّع اللصّ رجليه على درب ذِلةٍ واندحارِ
امهليهم يلملمون بقايا العار ، فالمُلكُ في بقايا العارِ
لَبسَ المسْخُ لبدة الأسد الوَرْ دِ ، وتاه الرقيعُ كالجبّارِ
محنةُ الفجرِ ، لم يُفاجأ بها الفجرُ ، ولا استغلقتْ على الابصار
في دمشقٍ من عارها أثرٌ با قٍ ، وذكرى لمجرمين كبارِ
نَفضَتْهم عنها كما انتفَض الجسم وألقى بعالقٍ الأوضارِ
يا روابي عمان ، للعرب الشو طُ ، وهم صامدون في المضمارِ
...

أنا في الشام ، أي عبءٍ على الشا م ليحلو المساءُ للسمّارِ !
أي عبءٍ ، لنحمي الدوحة الخضـ ـراءَ من شر حاقد الأوكارِ
أي عبءٍ ، ليفتحَ الشعب عينيهِ على أرضه بلا استعمار
أنا في الشام .. موجةٌ من جباهٍ أقسمتْ لا تراجعت عن غمارِ
أقسمت ، لا مشت لغير عظيمٍ عَصّبتها ساحاتُهُ بالغار
أيها الناضحون خلفَ خُطانا بعض ما في نفوسهم من صَغارِ
ما رمينا إلى "الممثل" طَرْفاً هَمّنا مجرمون خلف الستارِ
إسمعوها تدقُ أفئدةً غُلْـ ـفاً ، وزَيفاً ألقى بكل خمارِ :
أنا من كافرين بالسالبي أرضي ، أهذي علامةُ الكفّارِ ؟!
أنا من كافرين بالذابحي قو مي ، وبالناثريهم في القفار
أنا في الهادمين ما دام حولي كبدٌ جائعٌ ، وجسم عاري
أنا في الهادمين ما دام "صهيون" بناء البانين فوق دياري
أنا من كافرين "باللص" يشري ويبيع الإله "بالدولارِ"
أنا من "مارقين" آلَوْا يموتو ن .. لينجوَ شعبٌ من الأخطار
...

أنا في الشام ، أستقي من جراح الضاد لحناً مضرّج الأوتارِ
تركته عمانُ هَدرةَ بركان بصدري ، وغمغماتِ انفجار
وثبتي وثبةُ العروبة لا رو ضي يطيق الدجى ولا أطياري
ودمائي على شواطئ مصرٍ في الميادين ما تزالُ شعاري
لي على النيل ماردٌ عربيّ وحياةٌ تمور كالإعصارِ
وميامينُ من بقايا سيوف الله مسلولةً على الادهار
ساعدٌ لاقتلاع أعمدة الذل ، وزند لشامخات الفخار
لي على الشام قلعةٌ من صمودٍ تتحدى مطامح الأشرارِ
يلطم الغدرُ عن يمينٍ جناحيها فيهوي مغفّراً عن يسار
لي على القدس صامدون ، ولو جُنّ جنونُ المستعمر الغدار
لي غدي .. مثلما تبلّج وجه الصبح عن ألف روضةٍ معطار
لي جمالٌ ، وبور سعيد ، ولي شعـ ـبي ، ودقّي يا عاصفات جداري
...

مصرُ ، يا مصر ، يا حنيني إذا رجَّعتُ يوماً قصيدة الثوار !
يا كفاح الضياء يزرعُ في الأرض شموساً عبر الدجى ودراري !
يا عرين النسور ترتد عنه أضلعُ المعتدي زَرِيّ نثارِ
يا سرايا عمروٍ حداها صباح البعث "عمروٌ"* لمطمح جبّارِ
هذه أمتي ، جناحاك يا مصرُ ، فشدِّيهما على الأخطارِ
يقصرُ الحاقدون عنك فيرمون حواليك باللظى والشرارِ
أنتِ ، أنت الطعين في الشام ، في عمان ، في كل موكبٍ هدّارِ
قهقهي للدجى ، ولُمِّي على النسر فراخ الصقور ، والأثمار
هذه أمتي ، جناحاك للثأر ، وقومي: متى يدمدم ثاري ؟

a7med
03-12-2009, 10:57 AM
الليل في بكين


الليلُ .. أعماق تناديني ، وصمتٌ يحلمُ

وشرفةٌ يلفني فيها سكون ملهم

وخطواتٌ في الطريق حلوةٌ ، تتمتم

صمتٌ ، كأعماق الحضارات ، وشيء مبهم

يذوب سحراً في دمي ، قصيدةً لا تُنتظَم

يا ليل .. اندى لغةٍ أنت هنا ، وارخم

بكين .. كونٌ حالم وشاعرٌ مستسلمُ

...

أحب هذا العَبَق الساري كعطر الأبد

يهمس في سمعي حكايات الهوى في بلدي

الشارعُ الساجي أمامي، والفضاءُ العسجدي

والصمتُ في "بكين" وشوشات لحن غردِ

يذوبُ في رقته امسي ، ويومي ، وغدي

يا وطنَ الصفاءِ ، يا حلم السماوات الندي

أيّ العيون يَرِدُ الشاعرُ والشعر الصدي !

...

بيني وبين الأهل والديار ليلٌ يزخرُ

ونجمةٌ تضيع في الأفق ، وأخرى تزهرُ

وموجة من الحنين في السكون تهدر

ويرتمي حولي جناحٌ وادع معَطّرُ

يضمني ، فالشرفة السمراء لحن مسكر

بكين .. هذا الصمت ، هذا الليل ، هذا القمرُ

أنت التي سكبته دفقةَ وحْيِ تسحَرُ

...

لُمّي جناحيكِ على السرّ الكبير الوادعِ

للفتنة البكر جناحاك ، وللروائع

إني على الشرفة رفّاتُ خيالٍ ضائع

وأنت يا بكين ملءُ القلب ، ملءُ السامع

يا حلوة المساء ، يا ساحرة المطالع

نحن أليفان هنا .. وهذه مراتعي ،

وللنفوس المظلمات كل بعدٍ شاسعِ

...

إنا أليفان ، تلاقينا ، فكان شاعرُ

وعالمٌ حلوُ الرؤى يعب منه الخاطرُ

وأومأ الحبّ ، فذاب ناظرٌ وناظر

وضمنا في نشوةٍ ركبُ الحياة الظافر

بكين .. هل تنسين ؟ إني أبداً لذاكرُ !

الشرفةُ السمراء ، والليل العميق الساحر

غداً ، إذا لجّ بنا البينُ ، وغاب السامر

قولي : هنا طاف الهوى ومرّ يوماً شاعر

a7med
03-12-2009, 10:57 AM
نعمة الصبح


إلى الأخوة العرب .. رسل الثورة والوحدة .. من مصر..

....

ألينابيع ، فانعمي بالضياءِ واستقي يا مدارج الشهداءِ !
موجتي .. ألقت الشراع على الشام ، ورفّت على العيون الظماءِ
نعمةُ الصبح أن تلمّ بأرضي خطواتُ الحرية الحمراءِ
والمنى الخضْرُ .. أن أُمدّ جبيني للضحى من عروبةٍ وإخاءِ
ظمئتْ كل حفقةٍ من ضُلوعي وشكت كلّ قطرةٍ من دمائي
وتململتُ .. ألفُ جرحٍ بصدري وتحفّزت .. رحبةٌ أجوائي
بين جنبيّ أمتي ، تزرعُ الدرب جراحاً هدّارة الأصداءِ
وعلى كل مطلعٍ عربيٍ مزقٌ من ضحيةٍ ، ونداءِ
ألسؤال الظمآن .. يحترق الشو قُ حنيناً لرجعه الوضاءِ
والدويّ العنيد .. في فم شعبٍ إسمعيه يا مصرُ دامي الرجاء
أتعودين ؟ والعروبة ترنو قبل إرساءِ وحدتي وبنائي !
...

بالضحايا يا مصر ، بالمزَقِ الحمرِ على كل ساحةٍ للفداءِ !
بدماء الثوار تنزفُ ناراً وضياءً ، بشهقة الأبرياء
بالألوف المنشَّرين على الدرب جُزازات خيمةٍ سوداءِ
بنجيعٍ ، ما زال في بور سعيدٍ أَلقٌ منه عابقٌ في الفضاء
بالصناديد في الجزائر يَلقون دمارَ الجحيم باستهزاء
ببقايا من شِلْوِ حيفا ويافا مدّها المجرمون للأعداء
بعُمانٍ يا مصرُ ، بالجبل الأخضر يُبلي في النار مرّ البلاءِ
لا تعودي .. إلا على الوحدة الكبرى .. مللنا السرى على الأشلاء
...

الينابيع .. هدرة المغرب الدامي تهز العروق في الزوراءِ
موجةٌ ، كل خائنٍ زبَدٌ فيها ، وكل انتكاسةٍ رعناءِ
موجة الثورة المضيئة يا مصر ، وأنتِ الحداء تلو الحداء
يتحدى سناكِ غمغمة الليل ، مجيداً هزيمة الظلماء
إسفحيه ، فالنبع غير ضنين واغمري كلّ جبهةٍ سمراءِ
الكسيح الجبان .. باقٍ على الدرب ، فمرِّي بنا على الجبناء
وعروشُ العبيد .. في حمأة العار دعيها تلْعقْ خُطى الدخلاء
قدرٌ .. أن نطل كالشمس شعباً عربياً موحّد الأرجاء
قَدَرٌ .. أن نَمُرّ فوق الأعاصير ونمشي بالنصر فوق الفناء
...

أيها الوافدون ، والنشوة البِكرُ تهز الدروب قبل اللقاء
نفحةٌ ، في ظلالها ألمح الأجيال رفافةً من الصحراءِ
ألمح النيل .. ماج في كل صدر عربيٍّ دنيا من الكبرياء
ألمح الفارس الذي يصنع التا ريخ نوراً في زحمة الأنواء
بسوادِ العيون طيف جمال والميامين من سيوف السماءِ
زرعوا النصر في شفاه الملايين نشيداً مخضّباً بالإباء
يستبد الدجى ، فتبسم مصرٌ بسمة البعض خالد الألاءِ
...

يا رفاق الكفاح .. والأرض حولي خفقةٌ من محبةٍ ووفاء
التراب الذي يَلُمّ خطانا صرخةٌ تستجير بالأنبياءِ
من فلسطينَ ، من عمان ، من الاهـ راس ، من كل شهقةٍ خرساء
من ضمير التاريخ ، تاريخنا الفذ ، معينِ الأبطال والأنبياء
من غدٍ مشرقٍ كأنّ يمينَ الله تسقيه وحده بالرّواء
صرخةٌ أن نعود ، نعطي رحابَ الأرض ، حنّت رحابها للعطاء
صرخةٌ أن نعود .. فالكون ظامٍ من جديدٍ .. لدفقةٍ سمحاءِ
...

ما لرعد الطغاة يهزم حولي وحشود العبيد تنزو إزائي !
فقدَ اللص رشده حين مَزّقنا قناع الجريمةِ النكراءِ
وتركناه عارياً يتلقّى من شفاه الدنيا سياط ازْدِراءِ
كيف نرضى .. ونحن نجتث جّذْراً إثرَ جّذْرٍ منا بقايا الداءِ !
كيف نرضى ، وقد تفجرت الأر ض حواليه بالشموس الوضاءِ
ليس يؤوي اللصوص إلا ظلامٌ حالك اللون ، أغبر الأجواء
ألضحى للشعوب ينطلق الأحرار فيها كدفقةِ الأضواء
ألضحى .. للمواكب السمر من شعـ ـبي تشقُّ الطريق للعلياء
ألضحى .. للممزقين على الصخر بأرضي مخالب الرقطاءِ
نحن في ساحة النضال صمودٌ عربيّ ، مصمِمٌ كالقضاء
نحن ماضون .. فانعقي يا أعاصير ولمّي العبيد للإصغاء
وطني ، مدرج العبير ، سليه ألف غازٍ طوى ، وألف اعتداء
أللواء الخفّاق في بور سعيدٍ يتحدى على ذرى الشهباءِ

a7med
03-12-2009, 10:58 AM
ذكرى اللواء


عشرون ، دامية الخطى مخضوبة بلظى الكفاحِ
مرّت كحالكة السواد على أكاليل الأضاحي
عشرون ، من عمُر النضا لِ معَصّباتٌ بالجراحِ
من ساحةٍ عطشى ، ولا شكوى ، إلى جَمرات ساحِ
عشرون يا بلدي الصغير ، دَرَجْنَ في هوج الرياح
غنّيت ملْحَمةَ اللهيبِ ، وأنت تلهمني صدَاحي
عشرون ، اوقظها فأو قظ قصة الوطن المباحِ
أيّ الجراحِ أَمسّه لأعودَ محترق الجناح !
...

عشرون ، يا وطني الصغيرِ ، أحسّها ضَرَبات قلبي
درب العروبة والكفاحِ ، وزقزقات الفجر دربي
لم أنسَ يا بلدي ، ففيكَ على الرصاص فتحتُ هدبي
أطفالكَ الثوار هم شعري كما كانوا ، وحبّي
حملوا العقيدةَ ، والسلا ح بكفّ دون العشر ، زغْبِ
الهادرون على طريقِ البعث ، أترابي وصحبي
لو شئت ناديت الصقور -فدمدمَ الإعصارُ قربي

العائدون غداً ، وهبّي يا رياح البغي ، هبّي !
...

قالوا : غداً ذكرى اللواء ، ترابكَ العَطِرِ الشهيد
قالوا ، فتمتمتِ الجراح على فم الطفل الشريدِ
وتزاحمت عشرون عاماً كي تجلجلَ في نشيدي
ورميت داميةَ الطريق بنظرة الإلف الودودِ
أهوى الصخور الحاملاتِ حطامِ أجنحة الفهود
أهوى طريق السائرين ، وخلفهم مزَق القيودِ
أهواكَ يا بلدي الصغير ، يضيق كبْركَ بالسجودِ
وتعيش تحت النيرِ ، صلدَ العودِ ، جبّارَ الصمودِ
...

قالوا : فداً ، وفتحت أجفاني على مأساةِ جيلِ
ولمحت أتراب الطفولةِ ينزحونَ مع الأصيل
الصبية المتمردون على الهوان ، على الدخيل
حملوا قلوبهم الصغيرةَ في الجبالِ ، وفي السهول
وتمزّقوا ، لم تسمعِ الصدمات شكوى من كليل
بعيونهم خَلْج الحياة بمهجةِ الوطنِ القتيلِ
وعلى الشفاه رسالةٌ تلوي عنادَ المستحيلِ
عربيه الإشراق ، من شعبي ، من النبع الأصيلِ
...

أأهزّ جرحك يا ترابَ المهدِ ، يا بلدي السليبَا !
أعرفت شاعركَ الصغير ، تصوغه أبداً لهيبا !
لولاكَ لم تعرفْ شفاه الشعر قافيةً خضيبا
لم تحترق منها العيون ، لتنهل الفجرَ القريبا
فَجَّرْتَ نبعَ الوحدة الكبرى ، أترمُقُها غريبا ؟
وضّاءَةَ الخُطوات تَزْ حَم في انطلاقتِها الغيوبا
وتطلّ كالعملاقِ تحـ شُد حيث أومأت القلوبا
سنعود ، نعقد في مرو جِك عرسها خمراً وطيبا
...

أأهزّ جرحَكَ ، والعروبة في دمي جرحٌ يصيح !
أطفالك المتمردون عقيدةٌ ، ومدىً فسيح
ميداننا هذي الصحارى والمَعَاقِل ، والسفوح
ميداننا الوطن الكبير ، معاركٌ حمْرٌ ، وسوح
ميلاد تاريخٍ على هَدَرات ثورتنا يلوح
غيري المشرّد فوق هذي الأرضِ أرضي ، والجريح
غيري الذي سيموت ، حَطّمَ شفرةَ الموت الذبيح
أنا للحياة .. وفاغِرٌ فمه لجلادي الضريح
لن يَهْزِلَ التاريخ بعد اليوم ، لن تَدْمَى خطانا
في الشوكِ ، لن نَظْمَا لترتوي الجريمة من دمانا
لن يطردوا طفلي ، سنَهْرج فوق قبرهم كلانا
كانت شموسٌ للطغاةِ ، ولن تَذِرّ على حمانا
حسبي ، وحسبُكَ أننا في القيدِ مزّقنا صبانا
حسبي ، وحسبُكَ أننا كنا اليتامى في ثرانا
عدنا ، لتحترقَ العنا كب والظلام على سنانا
عدنا .. لنشرقَ أمةً ألقى الخلود لها العنانا
...

أنا ما أزال أردّ عن عينيّ أغشية الضباب
وأراك يا مهدَ الصبا ضحكاتِ جنّاتِ رطابِ
رتّلْت أولى الغمغماتِ على سواقيك العِذابِ
وحملت ثورتكَ المضيئةَ في ضلوعي كالشهاب
نَذْرٌ لفكرتها دمي حَطَبٌ لشعلتها شبابي
كَبِرَ البراعم يا ترابَ المهدِ في حَلَكِ الصعاب
كبِروا ، فثورتهم دَوِيّ في النجودِ ، وفي الشعابِ
تَطْغَى الرياح ، فتَزْحم الطاغي ، وتمْعِن في الغلاب
...

إنّا على شفة الوجود قصيدةٌ نشوى ، وشاعِرْ
ورصاصةٌ تلِد الضياءَ بأرضنا ، وزئير ثائِرْ
إنا على قمم "العرائس" ألف فجرٍ في الجزائرْ
وعلى الخليج جباهنا السمراء تَعْبَق بالبشائرْ
إنا على شَفَتيْ جمال موكبٌ للخلد هادرْ
خلّى على الدرب العبيدَ ، وغطّت الأفُقَ الكواسر
وتفِرّ أشباح الطغاةِ ، لتحتمي خلف المجازِرْ
الثورة الحمراء تختصر الطريق إلى المقابرْ
...

الصامدون ، وليس أرْوَعَ من صمودكِ يا بلادي !
الثائرون على الهوان ، الباسمون على الشدادِ
جبلٌ تعَطّشَ للحياةِ ، فهزّها بيدِ الجهاد
وتفجّر الينبوع ، فانْتَشَتَ الحواضر ، والبوادي
في النصر ، في عرس العرو بةِ ينطوي ليل الحدادِ
بلدي ، ستَعْذب في الضفا فِ غداً حكاياتُ المَعَادِ
يافا ، لنا في الشط موعدنا ، ولو جُنّ الأعادي
في العيد ، عيدِ الوحدةِ الكبرى ، اضمّكِ يا بلادي !
...

a7med
03-12-2009, 10:59 AM
من ملحمة الجزائر


روعةُ الجرح فوق ما يحملُ اللفظ ، ويقوى عليه إعصارُ شاعرْ
أأغنّي هديرَها ، والسماواتُ صلاةٌ لجرحها ، ومجامرْ ؟
أأناجي ثوارَها ، ودويُّ النار أبياتهم ، وعصفُ المخاطرْ ؟
بين جنبيَّ عبقةٌ من ثراها ونداءٌ – انّى تَلفّتّ – صاهر
ما عساني أقول ؟ والشاعرُ الرشاشُ ، والمدفع الخطيبُ الهادر
والضحايا الممزّقون ، وشعبٌ صامدٌ كلإله يَلوي المقادرْ
فوق شعري ، وفوق مُعجِزة الألحان هذا الذي تخطُّ الجزائر
يا بلادي ، يا قصةَ الألم الجبار لم يَحْنِ رأسه للمجازرْ
ما عساني أقول ؟ والنارُ لم تلفح جبيني هناك ، والثأر دائر
ودويّ الرشاش لم يخترقْ سمعي ، ويسكبْ ، في جانحيَّ المشاعر
لم أذق نشوةَ الكمين يدوي فاذا السفح للصوص مقابرْ
لم أعصِّبْ جرحي ، وكفّي على النار ، وعيناي في العدوّ الغادرْ
ألف عذرٍ ، يا ساحة المجد ، يا أرضي التي لم أضمّها ، يا جزائر
ألف عذرٍ ، إذا غمستُ جناحي من بعيدٍ بماحقاتِ الزماجرْ
بيديكِ المصيرُ ، فاقتلعي الليلَ ، وصوغيه دافقَ النور ، باهرْ
لك في الشرق جانحٌ عربيٌ يتمطّى عن معجزاتِ البشائر
لكِ هذا الجدار ينسحقُ الغدرُ على سفحه وتُمْلَى المصائر
رفعته الأكبادُ في مصرَ والشام مضيئاً ، كطلعة الله ، ظافرْ
وحدةٌ ، مثلما أشرأبّ بقلب الموج طود نائي الشماريخ قاهر
وحدةٌ .. ديْدبانُها لهبُ الشعب ورُبّانها إلى الشطِّ ناصرْ
...

إنه مولد الضحى

فتخطّيْ به القَدرْ

قصفةً بعد قصفةٍ

وسلي موكبَ الظّفرْ

عن حكايات غاصبٍ

فوق كثبانكِ انتحر

ما فرنسا و "مجدها"

مجدها الكالح الصوْر

غير ذكرى غداً على

شطِّ "وهران" أو خبرْ

...

يا قلاعَ الطغاة ، قد نفَضَ العملاق عن جفنه عصور الضبابِ
والتقينا من غير وعدٍ على الثأر ، شهابٌ يضيء دربَ شهاب
سفحتنا الصحراء فجراً سخيّاً بالبطولاتِ ، بالعتاقِ العرابِ
أمةٌ ظنّها الغزاةُ اضمحلّت وتلاشت وراء ألف حجابِ
في افترار الربيع لا يسأل السروُ شموخاً عن حاقد الأعشابِ
والعتيقُ الأصيل لا يخطئ الشوطَ ! وضجِّي يا حانقات الذئابِ !
المروءات قد تنام عن الخلد ، وتكبو في رحلةِ الأحقابِ
ويعيث اللصوص في حرم التا ريخ .. ظفرٌ دامٍ وشرعةُ غابِ
فجأةً ، يستفيق في جانب البيد نبيٌّ ، وسورةٌ من كتاب
ويدوِّي على الرمال نفيرٌ عربيّ ، فالأرضُ رجْعُ جوابِ
وإذا الدهر من جديدٍ نشيدٌ صاغه أسمرٌ لحُلْمِ ربَابِ
...

مَنْ سقى الرملَ في الجزائر رعْشاً وحياةً تمور مَوْرَ العبابِ !
من أحال الجبال زأرَ براكينَ ، وجدرانَ معقلٍ غَلابِ
يتحدّى قوى الجريمة في الأرض ، فتبدو كسيحةَ الأنيابِ
إنها أمتي .. تَشُدّ جناحيها ، فوجهُ التاريخ فجرُ انقلابِ
حادثُ الجيل عودةُ الفارسِ الأسمرِ حَلّ الميدانَ بعد الغياب
لا تسلني عنه ، تَلفّتْ تَرَ الأنجم وشياً على جناح عُقابِ
لا تسلني ..طلائعي تَمْلأ الأفقَ ، كأنّ السماء بعضُ الرحاب
لا تسلني .. جزائري تخضب التاريخ عطراً بحفنةٍ من ترابِ
إنها أمتي .. تعود إلى الساحِ نبيّاً ، وآيةً من كتابِ
...

معكم في صراعكم

يا صقورَ الجزائرِ

معكم كلّ خافقٍ

ولكم كل ناظر

معكم ، والضحى لنا

عربي الغدائرِ

لي بوهرانَ سكرةٌ

يوم أروي محاجري

من ترابي محرراً

عابقاً بالمفاخرِ

...

أين مني عينان ، خلفَ جدارِ السجنِ ، مكحولتانِ بالكبرياء !
وجبينْ ، وألفُ نجمة صبحِ لألأت فوقَ جرحه الوضّاءِ
وفمٌ ، ويعْجزُ العذابُ ويعيا فيه عن محو بسمةٍ زهراءِ
بسمة .. لخّصتْ بها شرفَ التاريخ صديقةٌ من الصحراء
يلعَقُ الوحشُ جرحها ، فتردّ الطرف كبْراً في صامت من إباء
وهي مذهولةٌ : اتبلُغُ يوماً مثل هذا نذالةُ الأحياء !
أين مني جميلة* ؟ تزأرُ السا حاتُ من صمتها بألفِ حُداءِ
أي سرٍّ في الصمت يُرسلُهُ الأبطالُ ناراً ، وصاعقاتِ فداءِ !
أي سرٍّ هزّت به الشفقة السمراء قلب الدنيا بغير نداء !
أتراها في السجن قدّيسةُ الصحـ ـراء تطوي جراحها في حياء !
عَظُمتْ صيحة الفداء ، وعزّتْ انْ تُوارى في دامسِ الظلماءِ
هي فينا سحْرُ القصيد إذا غنّى ، ووهْجُ الناريةِ البتراءِ
هي في غضبة الملايين تهوي فوق جلادها سياطَ ازدراءِ
في بلادي ، في الصين ، في شفتيْ راعٍ يغني على الذرى الخضراء
وهِمَ المجرمون ، لن يطفئوا الشمس بارهاب غيمةٍ سوداءِ
تتحداهم جميلةُ بالصمتِ رهيبا ، والبسمة الزهراءِ
تتحداهُمُ صخورك يا (أوراس) أن يوقفوا زئيرَ القضاءِ
موجةٌ .. تحملُ العروبة فيها من جديدٍ مقَدّساتِ السماءِ

a7med
03-12-2009, 11:00 AM
ثوّار الجبل الأخضر


أنا لا أعرفهم .. لكنه نبأ يَرْعش منهم في عروقي
اقفِلِ المذياع .. قبرٌ باردٌ راح يروي لي انفجاراتِ الشروق
اقفل المذياع .. أنباؤهمُ بدمي تسري ، بنبضي ، بشهيقي
أنا لا أعرفهم .. لكنهم قبَسي في كل خطوٍ وطريقي
ليس فيهم – والصحارى بيننا - غير هدّارٍ بصوتي ، ورفيقِ
الربيع الحلو في مَعقلهِم يتحدى كلّ نارٍ وحريقِ
صخرة عطشى ، وفهدٌ ثائر قصة البركان ، والشعب الطليق
حملةٌ رُدَّتْ ، ووحشٌ مزقوا نابه ، فالصخر ريّان السّموقِ
امطري ما شئا ناراً فوقنا واسفحي عطراً دمانا وأريقي !
يا قوي البغي .. صخوري ، جبلي بسمةٌ تهزأ "باللص" الغريقِ !
أخضرٌ موطئ أقدامهم أخضرٌ ، يضحك للنصر الوريقِ
أقفل المذياع .. إني معهم في الذرى ، في كل هضبٍ مستفيق
بالوضيئين : الضحى في رأدِهِ وانتصار الحق والشعب وثوقي
مُزِّق الإخوة حيناً ، والتقى في لظى الثأر شقيقٌ بشقيقِ
أيها الأخضر .. يا معقلهم أيها الشامخ كالنسر العتيق
ليس ثوّارك .. إلا أمتي زحفَتْ من كل أخدودٍ عميق
في عمانٍ جذوةٌ من فجرها وعلى المغرب تزأر بروقِ
أنا لا أعرفهم .. لكنهم في دمي أحرار شعبي ، في عروقي
كلما جلجل عنهم نبَأ سكر النصر بعُلْويِّ الرحيق
لن تطيقي يا قوى البغي سوى أن تزولي من ثرانا .. لن تطيقي !

a7med
03-13-2009, 11:22 AM
تحية إلى أصدقاء الشمس


مهداة إلى الصين الشعبية، وشعبها العظيم

....

يا أصدقاء الشمس ، يا صانعي براعم التاريخ .. منذ أثَّغَرْ !
عُذراً ، إذا غنيتُ في موطنٍ كلّ ارتعاشٍ فيه لحن عطرْ
تفتّح الفكرُ على دربكم فالأرض غرقى بشهيِّ الثمرْ
والفن ، هل يَقرعُ محرابه شعري ، وحولي مُعجزات السور ؟
فرائدُ الإبداع .. ما يشتهي القلبُ ، وتستحلي الرؤى والفكَرْ
حلَّيتمُ الدهر .. فكم روعةٍ على خطى الدهر ، وكم من أثر !
يا صين ، يا أعرقَ أنشودةٍ باح بها ثغرٌ ، وغنى وتَرْ !
تحيةً ظمأى .. ولن نرتوي وفي الثرى عن أي قيدٍ خبَر
قد كنتِ أحلامي ، وفجر الصبا يَغْذُو خيالي بأحبّ الصور
بالروح أبناؤكِ ، هل صُغتهم جميعهم من نَفحات الزّهرْ
يكاد يندى اللفظ في ثغرهم أهوى على الثغر نسيمَ السحَرْ
الناعماتُ الدّل .. جاراتنا تقدس الدل ، وعاش الخفر !
وأصدقاءُ الشمس جيراننا والمبدعو عالمنا المنتظرْ
...

يا مَطلِع النور ، هوى شاعرٍ يحلو الهوى في أرضه والسمرْ
سأغمس الأوتارَ في عبقرٍ قد يبلغُ الظمآنُ بعض الوطرْ
جئناكِ نستلهم حُمر الخطى والدربُ مزروعٌ بدامي العِبَرْ
تباركَ النّبْعُ ، ولو شابَهُ في غفلة التاريخ بعضُ الكدرْ
فجّرْتِهِ الآن ، ولن ينثني أو ترتوي أنت ، وتُروي البشر
الثورة الكبرى ، وفي أضلعي يا أختُ منها عربيّ الشررْ
يُضيئها عبر الدجى شاعر* من لي بخيطٍ من ضياء القمر !
ألثورة العطشى ، خذي مهجتي واسقي بها البركان أنّى هدَرْ
لن تحملي وحدكِ أعباءها تأبى المروءاتُ وتأبى الذِكَرْ
تعرفكِ الصحراءُ يا أختها والشعر ، والحب ، وأشيا أخر
كنا ، وما زلنا ، جناحَيْ ضحىً حُجُولنا ملءَ الدنى والغرَرْ
على الرمال السمرِ إعصارُنا يزلزل الطغيانَ أنّى زَأرْ
لنا غدٌ ، نَصنعُهُ مثلما تهوى السواقي ، والندى ، والزهر
غدٌ كدفق الفجرِ لا يلتقي فيه سوى الأحرار رَغْم القدر
في كل أرض هيأتْ أمةٌ له ، كما هيأتِ ، عُرْس الظَفرْ

a7med
03-13-2009, 11:23 AM
أبيات شعري


أريدها هفّافةً كالصَبا ناعمةً مثل رفيف الأقاحْ
يلهو بها غيلان* أنشودةً بين صغار الحي عند الصباحْ
يفك باللثغة أسرارها وتلتقي فيها رؤانا السِمَاح
ساذجةٌ مثل ابتساماته وادعةً كالفرخ لمّ الجناحْ
أريدها .. لو لم يضِجّ الأسى حولي ، وتستصرخ لهاتي الجراح
...

أريدها أغنيةً للهوى تضمها في الصدر عذراءُ
تطوف بالكأس رقيق الخطى .. وينتشي فيها الأحبّاءُ
في كل لفظٍ وردةٌ حلوةٌ حياتها عطْرٌ وأفياءُ
يرتاح في واحتها متْعَبٌ فالظلّ بعد الجهد والماءُ
أريدها .. لو لم تهُزّ الدجى حولي استغاثاتٌ وأصداءُ
...

أريد أبياتي مروجاً على دربكَ أحلى من بساط الربيعْ
تفرش روضاً أخضراً أينما سارت ـ فثوبُ الأرض بيتٌ بديعْ
لكنني لم أخْطُ إلا على حرائقٍ في وطني أو صقيعْ
لم يتركوا قطرةَ ماءٍ ، بلى ضجّت طريقي فسقوها النجيع
لا كان لي قلبي إذا لم تعشْ في خفقةٍ منه قلوبُ الجميعْ
...

أللفظةُ الحلوةُ يلهو بها مستغرقٌ في حلمٍ دافئِ
لم يستطعها زورقٌ مُجهَدٌ يصارعُ الموت إلى الشاطئِ
لم أستطعها .. بيننا أمةٌ تضجّ بالمأساة يا قارئي !
أبياتُ شعري صَرخاتٌ على شفاهِ هذا الموكب الظامئِ
لا فَرْقَ .. والموكب في زحفه لا فرق .. بين المَيْتِ والهادِئ
...

أللفظةُ اللمساءُ مثل الدّمَى تصُبّ في الآذان شكوى الترف
أمقتها .. أمقُتُ تزييفَها أصالة الحب ، وعطر الشرفْ
أمقتُها .. تحمل لي قصةً عن سُهْدِ جفنٍ بالأسى ما انطرفْ
لي هَدَف من كل حرفٍ ، بلى وأضلعي المحترقات الهدَفْ
الشعر في معركتي قطرةٌ تبلّ في الساحة جرحاً رعف
...

الشعر .. لا ، لم يكُ أغرودةً يوماً ، ولا قيثارةً تحلمُ
هو الحياةُ انطلقتْ نغمةً تبني كما تختار أو تهدمُ
الشعر أن أخلقَ في ثورتي من كل قاعٍ ذروةً تلهِمُ
أن أبنيَ الكونَ كما أشتهي غدي الجميلُ المشرق الأكرمُ
الشعرُ بعض الله .. في وهجهِ يُضاء هذا العالم المُظلِمُ
دعني لأبياتي التي حطّمت جناحها وهي ترودُ القِممْ
لن أبلغَ الذروة ، حسبي إذا رنوتُ إني بالأعالي حُلُمْ
حسبي شعوري إنني نبضةٌ يُحسُّها الماضون في المزدحَمْ
يا رائدي الذروة .. إني لكم يا زارعي البِشْرِ بقلب الألم
أحبكم .. يا من تمزّقْتَمُ لكي تضيئوا كوّة في العدمْ

a7med
03-13-2009, 11:24 AM
نشيد للدولة العربية




منَ المحيطْ إلى الخليجْ

من المحيطِ الهادرِ

إلى الخليجِ الثائرِ

لبيكَ .. عبد الناصر

.

تفَجّري يا أرضُ باللّهَبْ

وأشرقي يا دولة العرب !

مواكباً مواكباً نسير كالرعودُ

للشعب، للقوافل السمر ، لنا الخلودُ

إلى الجحيم هذه الأسوارُ والحدود

.

يا وطني الكبيرْ ..

هل تسمعُ النفير ؟

.

من المحيط الهادرِ

إلى الخليجِ الثائرِ

راياتُ عبد الناصرِ

.

تمَوّجي يا أرضُ باللّهَبْ

وأشرقي يا وحدةَ العرّب

.

عُدنا إلى التاريخ عدنا .. ضمّنا لواءْ ..

نفديه – إنْ عَزّ الفدَا – نحميه بالدماءْ

لنا السماءُ والثرى ، والماءُ والفضاءْ

.

والموكب الأخضرْ

والفارس الأسمَرْ

.

من المحيطِ الهادرِ

إلى الخليج الثائرِ

لبيّك .. عبد الناصر

.

تفجّري يا أرضُ باللهبْ

وأشرقي يا دولة العرَبْ !

.

إلى تخوم الوحدة الكبرى ، إلى الغدِ

لبّيكِ كل بقعةِ من وطني المهدّدِ

لبيك .. أقوى من طغاةِ الأرض

زندي ويدي ..

.

الأرض للأحرارْ

والنصر للثوارْ

.

من المحيط الهادرِ

إلى الخليج الثائرِ

رايات عبد الناصرِ

.

تدفّقي يا أرض باللّهبْ

وأشرقي يا أمةَ العربْ

a7med
03-13-2009, 11:25 AM
في عيد الوحدة


أنا في هدرة الحناجر ، أنسابُ هتافاً ملءَ الدجى ، ودويا
أنا في زحمة الجماهير ، لا أملكُ إلا الدموع في مقلتيّا
الأهازيج تُرعش الأفق حولي وتصبّ الحياة في مسعميا
أنا في زحمة الطريق ، وغابٌ من زنودٍ سُمْرٍ يرِفّ عليا
الأغاريد .. أي كأسٍ أديرت في حنايا الدجى ، وأي حميّا !
فرحةُ الضائعين عادوا مع الفجر يصوغونه ضحىً أبديا
فرحةُ الشعب ، شعبنا وهو يطوي ظلمات العصر والذل طيّا
وعنانُ التاريخ في قبضتيْه يا عناني انطلقْ ، ودعْ فبضتيّا
أنا في سكرةٍ مع الشارع النشوان ، ازجي ، مرنّحاً ، قدميا
أنا في سكرة دفنت بها الليل ، وصنت الصباح في جانحيا
أطفأوا النور ألف عام بعينيّ ، ولموا الأفراح عن شفتيا
لا تلمني ، فلن أعدّ حياتي في دورب الضياعِ والذلِ شيّا
منذ يومين قد وُجدت ، فعمري يوم أعلنتُ مولدي العربيا
...

أنا في زحمة الحناجر أنسابُ جنوناً حينا ، وحيناً ذهولا
لحظاتٌ .. والليل يرقص ، والأضواء تعلو مدينتي إكليلا
وعلى الأفق نجمةٌ هزّها العيدُ فروّت جاراتها تقبيلا
لحظاتٌ .. غنَّيتُ في حلمها شعري وصارعتُ ليلَها مغلولا
يا ليالي الضياع ، والقيد ، زولي نحن باقون وحدةً لن تزولا
وحدة .. تلهم الكواكبَ مسراها وتمشي في القفر ظلاً ظليلا
وحدة .. في السماء والأرض منها لهبٌ يغسل الأذى والدخيلا
وحدة .. تَفْجُرُ الينابيع في الكون فراتاً يسقي العطاش ونيلا
وحدة .. تجمع المشرّد بالأهلِ ، عناقاً بعد الفراق طويلا
وتلمّ المعذبين بأرضي موجةً لن تضلّ بعدُ السبيلا
يا ليالي الضّياع والذل غوري تحت أقدامنا رعيلا رعيلا
عربيّ الشعاع هذا الضحى المتلعُ جيداً إلى الخلود أصيلا
سلبتنا الدنيا قناديلنا الزهرَ ، فعدنا .. نُحيلها قنديلا
...

أين أهلي ؟ أضمُهم وأدقّ الكأس نخبَ انطلاقهِ العملاق
منذ يومين قد وُلدتُ ، فصبِّيني نشيداً يا روعةَ الإشراقِ
أين أهلي على الذرى الشمّ في لبنان ؟.. تحلو في العيد كأس التلاقي
أينَ أهلي.. في القدس، فوق الضفاف الخضر، ضجّت في صدرهم أشواقي
أين بغداد معقلُ الصيِّد من قومي تدكّ الأسوارَ بين العناقِ
لكأني أجرّ خلفي حطاماً من عقال في زندها ووثاقِ
العراقُ الحبيبُ .. طال دجاه أنا أدرى بصاعقات العراقِ
أين أهلي فالعيد في كل صدرٍ زغرداتٌ تضيء في الآفاق
خذ جناحي في الشرق واترك جناحاً لي على الأطلسي .. لفّ رفاقي
يا صقورَ الجزائر السمر ، عيدي وقصيدي لكم ، ووهج احتراقي
يا دويّ الرصاص زغرد على "الأ هراس"..باقٍ عرسُ العروبة باقِ
لن نردّ السيوف في الغمد حتى نلتقي تحت بندنا الخفاقِ
...

وأزيحُ العصورَ عني ضباباً في ضباب ، وغمةً كالجبالِ
ويلوحُ التاريخ تاريخ قومي شعلاً من حضارةٍ وجلالِ
همدت ، ريثما نعدّ لها الخلد ، ونُلقي قيادها لجمالِ
فاشهديه يا أرضُ ميلادَ شعبي وتملّيْ مواكب الأبطالِ
ينسجون الحياة عزاً ، ويمضون ، فمن ريشهم شموخُ الأعالي
قد طلعنا يا أرض.. وحدتنا الكبرى مصيرٌ في قبضة الأشبال
قدَرٌ عودةُ الربيع إلى الدنيا ، فدقِّي السدود للشلالِ
قد طلعنا ، فاي سدّ كسيح سيعوق انتفاضةَ الأجيال !
...

اسمرَ النيل .. في حنايا بلادي ظمأ ، والمعينُ دفقُ زُلالِ
إسقنا النصرَ ساحةً بعد أخرى من نضال مظفَّرٍ لنضالِ
لك منا العيون تنزل فيها بسمات يُشرقن بالآمالِ
لك منا الزنود يا حاطم الأغلال ، فاضرب بقيةَ الأغلالِ
الملايين في ثرى الضاد حُلْمٌ يتحدى بالأسمر الرئبالِ
هات لي اخوتي .. فروعةَ عيدي فوق شعري غداً وفوق خيالي
يوم أمشي .. في الأطلسيّ يميني دون حدٍّ ، وفي الخليج شمالي

a7med
03-13-2009, 11:25 AM
عبد الناصر في حلب


ناجاك شعري دفقةً من ضياءْ وثورةً .. فجّرها الأنبياءْ
جمال .. يا أغنيةً حلوةً شق بها شعبي عنان الفضاءْ
يُقَطِّع الإعياءُ أنفاسه ولا يَملّ اسمك حلوة الحداءْ
جمال .. يا أسطورةً من هوىً تموج في أرضي ، ومن كبرياء
ما أنتَ ؟ تاريخٌ غفا حقبةً ثم تمطّى عن جوابِ السماءْ
ما أنت؟ ميلادٌ سفحنا على دروبه الدمعَ ، وخضنا الدماء
ميلادُ شعبٍ ملّ قتلَ الدجى يبحث عن معجزةٍ ، عن رجاءْ
عن بطلٍ .. يصهر تاريخنا في بسمة ثائرة ، في نداءْ ..
عن أسمرٍ .. من قلب صحرائنا يفجّر الصحراء ظلا وماء
ألفٌ من الأعوام غُبْرُ الخطى سودٌ ، أناخت فوق رأسي ، ظماءْ
نفضتُها عني ، وعن أمتي في طلّة الأسمر .. هذا المساءُ
أأحبس الدمعة في مقلتي ؟ للفرح الطاغي دموعُ الإباء
...

يا أملَ الأجيال .. حوِّم على تخوم هذا الوطن الثائرِ !
حَوِّمْ .. فهذا الموج – أنّى تسِر- تعانق الزاخر بالزاخر
أنى تَسِرْ .. فالشعب يا أسمري إعصارُ حبٍّ كاسحٍ هادر
لَوِّحْ له.. في كل إيماءةٍ مستقبلٌ أكثر من زاهر
إبسم له.. في كل إطلالة حضارةٌ في فجرها الظافر
عدنا إلى التاريخ .. يا أسمري عدنا .. كصوت القدَر القاهر
بين المحيطين .. لنا طلعةٌ بألف فجر عَبِقٍ ناصرِ
بين المحيطين .. لنا أمةٌ مدت إلى الخلد يديْ قادرِ
بين المحيطين .. لنا دولةٌ رايتها في قبضَتيْ ناصرِ
يا روعة البركان .. فوق الرؤى وفوق خَلْج الشعرِ والشاعر
لن يهدأ الزحفُ .. وفي أمتي ظلٌ "لعلجٍ" غاصبٍ غادر
لن يقفَ الزحفُ ، وفي أمتي عرش "لعبد" قَزَمٍ فاجرِ
...

يا أملَ الأجيال.. إنّا هنا نضمّ بالروح جناح البَطَلْ !
نحرس بالأكباد أحلامه نوقظها في كل صدرٍ شُعلْ
إنّا هنا.. فاملأ رحاب المدى بنا ، ونَضِّرْ شامخات القُلل
إخوتنا خلف سدود الدجى يرنون ، والفجرُ وأنتَ الأمَلْ
إخواتُنا الثوار .. يا اسمري بها درات النيل شدّوا المُقَلْ
بالشام ، بالوحدة ، عملاقها مدّ إلى الشمس يداً واكتحلْ
إخوتنا الثوار .. باسم الضحى باسم جمالٍ ، يصفعون الأجلْ
دماؤهم في الساح أنشودةُ السفح إذا غنّى ، وعطرُ الجبَل
إخوتنا في القدس ، في دجلةٍ ينازلون البغي ، انّى مَثَلْ
يصارعون الغدْرَ مستشرياً يرنون ، والنصر وأنت الأملْ
ويلفظ الثائرُ أنفاسه وزادُهُ في النزع طيفُ البطل
بين المحيطين.. لنا وقفةٌ ودولةٌ جبارةٌ .. لا دُوَلْ

a7med
03-13-2009, 11:26 AM
لبنان الثائر


وقفةٌ في مدارج الفجر تنفضْ سحبَ الليل عن جبين الضادِ
ونلُمّ الخيوط فوق الذرى السمرِ ينابيعَ ثورةٍ وجهادِ
وقفةً يا هدير نَدْرُجْ مع النور توشّي أولى خطاه بلادي
لمحةً يا جراح لبنان نخْطَف قصة المجد من فم الروّادِ
العصور العمياء تكتسح التاريخ ملءَ الذرى وملءَ الوهادِ
وبلادي ، أمّ الينابيع ، تذوي فوق أرجائها شفاه العوادي
والبقايا من روعة الألق الما ضي تشدّ السواد فوق السوادِ
العصور العمياء ، ألفٌ من الاعـ ـوام جفّ السنا ، وضلّ الحادي
وأفاقت أولى الخطى تزحم المو تَ على رعشة الشعاع الهادي
أين ماجت دنيا العروبة بالفجر ، وغنّت طلائع الأمجاد ؟
أين جسّدتُ أمتي لهباً بكراً ، وأبصرتُ دفقة الميلادِ ؟
لا تسلني ، وادرج معي في الذرى السمر ، على كل مَشْرَفٍ أو وادي
هدأةً ، يا دويّ لبنان ، فألامس قصيدٌ مُجَنَّحُ الأبعادِ
لمحة ، استعرْ من الوثبة الأولى وميضاً أحدو به إنشادي
من سقى دوحةَ العروبة ، والآ فاق غبْرٌ ، إلى الضياء صوادِ !
من رمى النور في عيون الحيارى فأفاقت على الحياة بلادي !
حملت كل أرزة جمرةَ البعث ، وشقّت بالنار صمت الرمادِ
وحدانا لبنان ، فانطلق الركبُ ، وماجت حواضرٌ وبوادي
كلّ صخرٍ لنا عليه نشيدٌ عربيّ يهز دنيا جمادِ
قبل شمعون ، كنتِ يا شامخاتِ الأرز نبعي ، وفجريَ المتهادي
قبل شمعون ، كنت الصيحةُ السمـ ـراء تجلو مفاخرَ الأجدادِ
قبل شمعون ، قبل قافلة العبدان ، كان اسمه عرينَ الضادِ
كان لبنان معقلي ، وسيبقى ملتقى إخوتي ، ومهوى فؤادي
...

يا سفوحَ العبير ، يا هَضبات الورد ، ماذا على سفوح العبيرِ !
أيحيلون جنة الله وكراً لدخيلٍ ، ومرتعا لاجيرِ !
أيكمّون بالرصاص فم الورد ، إذا قال : لم أكن للنيرِ !
فاذا موطن الاغاريد مأوى كل لص ، وشائه موتورِ
لفحيح الاحقاد ، للشوك يا لبنان ، لا للندى ولا للزهورِ
قسما ، ما استطبتُ كأسي على النبع ، ونبعي مخضّبٌ بالشرور
أيّ حريةٍ يغني بها "ألعبدُ" ، على باب غاصبٍ مسعورِ !
أي حرية، سلوا طلقاتِ النار عنها غدراً وراء الظهورِ
وانسحاب الخُطى على العتماتِ السود خوفا من عاصفات النور
في دماء المتنيّ* قصةُ لبنان، خذوها عن الدم المهدورِ
إروها ، لا تُشحْ بوجهك يا سفّاح ، جرح الشهيد لحن العصور
إروها ، واستمعْ صداها جموعا هادرات ، وثورة كالسعير
إستمعْ غضبة الجماهير تمْلي بدماها قصيدةَ التحريرِ
في حنايا الهضاب ، في الشاطئ الرجـ ـراج بركان وثبتي ونشوري
هو منا ، ونحن منه الدم المسـ ـفوك فوق الثرى ، ثرانا الطهور
الاباةُ المصممون اباتي والصقور المزمجرون صقوري
وجراحي على عمانٍ جراحي في حنايا صيدا ، وجبهة صور
دمنا تصرخ الملايين فيه يا عصور الضياع والذل ثوري !
يا حماة الدجى ، تشققتِ الأرض ، ومادت عن ألف فجرٍ منيرِ
عربي الهدير.. لن تحجبوه بركامٍ من ناصلاتِ الستور
يتحدى الصباح مهزّلةَ التزوير ، إن الصباح فوق الزورِ
وطني للزنابق البيض ، فألقوه جحيماً ، ودمدماتِ نسور
يصمتُ الشعبُ كالجبال ، وتبقى بيد الشعب حاسماتُ المصير
...

يا دماءً تكاد تلفَحُ وجهي بلهيب الصمود والعنفوانِ
يا دم الشعب ، فات أعداءَ شعبي إذا اراقوكَ قصةُ البركانِ
جرحُ عدنان* ما يزال على الشام انطلاق التاريخ من عدنانِ
جدّدته على شوارع بيروت ، كهوف الاحقاد والاضغانِ
يهزم الصبحُ كل وكرٍ بنته في الدياجير غُلةُ الثعبانِ
ويطلّ الضحى على اثنين في الميدان : شعبي والنصر في الميدان
قُدماً يا بنودنا في الهضابِ الشمِّ ، إنا في الصدر خافقتانِ
قُدما لن تكون يا أسمر الارز وحيداً في زحمة الطوفانِ
الثرى والسماء حولك اهلٌ وقلوبٌ على الجراح حَوَانِ
وسيوف الصقور إخوتك الاحـ ـرار عطشى إلى النزل ، روانِ
الثرى والسماء أهلك ، فاسخَرْ من حراب هممنَ بالعدوانِ
عرفتها الدنيا على بور سعيدٍ كيف باءت بالعار عار الزمان
كيف رُدّت كسيحةً وثبةُ الغدر ، ودُقّت مخالبُ القُرْصانِ
تنشق الكبرياءُ عطركَ يا لبنان ، فاشمخ به على نيسانِ
للهوى باسقاتُكَ الخضر للمجد ، ولن تنحني لسوط جبانِ
والاشمّ الراسي على قدميه - قَدَرٌ ذاك – مصرعُ الطغيان
قَدرٌ ان تهلّ في جَنبات البيد دنيا جديدةُ الألوانِ
أرزُ لبنان نفحةٌ في سماها ينسج الحبَ نولُها والاغاني
قدرٌ أن يموج في أرضنا الخضراء فجرٌ للضاد ، لا فجرانِ
في عُمانٍ ، وفي الجزائر منه عاصفاتٌ يزأرن في لبنانِ
أمة تصنع الحياة، ويخشى رعشة النور صانع الاكفانِ
بيديك المصير يا هدرة الشارع ، فامضي في الساح ملءَ العنان
يصمت الشعب كالجبال ، ويبقى بيد الشعب مصرع الطغيانِ

a7med
03-13-2009, 11:28 AM
على هامش رسالة من بغداد


وختم الصديق الثائر كتابه بهذه الحاشية: "انني أجهل عنوانك..ليت شعري!.. أتصلك هذه الرسالة أم لا"؟

...

بَلى ، هذه قهقهات الرفاق ، وعطْرُ الزغاريد في مسمعي
بَلَى ، هذهِ خطوات الفهود ، تجُرُّ الصباحَ إلى المَطْلعِ
بَلَى ، يا رفيق الهوى والسلاح ، معي ، في دمي أنت تحيا ، معي
أتخشى إذاً أن تضل الطريق ، أتخشى ، وقلبك في أضلعي !
وهل همست جمرةٌ في نشيدي لو أني لِبَلواكَ لم أجزعِ
لو أني بنارك لم أحترقْ لو أني بكأسكَ لم أكرعِ
كتابُكَ يا ثائري في يدي سطورٌ تُسابقها أدمعي
أضُمّ بها أرج الثائرين بغُلّة عطشان لم تُنْقَعِ
أقَبّل فيها تُرابَ العراقِ ، وأحنو على جيده المُتْلَع
وأغرق في موجةٍ من ضياءٍ ، على الشط ، في سكرةٍ لا تعي
بَلَى ، فهذه قهقهات الرفاقِ ، وعطر الزغاريد في مسمعي
...

بَلَى ، يا رفيق الهوى والسلاح ، تهاوت سدود الدجى بيننا
فَشُدّ الجناحَ على لفظةٍ هناك ، تزقزق وتمرح هنا
سدى حرّموا همسات الشفاه ، سدى عَقلوا بالدم الالسنا
سدىً ، صبغوا بالنجيع العراق ، فما شمخ النخل الا لنا
ولا غمغم الشطّ إلا بما يجلجل في صدرنا من منى
تلين الضفاف لأقدامنا فهل وجدوا مَسّها ليِّنا ؟
سلوا نسمَات المساءِ الكُسالى وقد زلزلت في الصباح الدنى
ألم تَنْتَفضْ زعزعاً كاسحاً ألم تنطلق قدراً مؤمنا ؟
لعينيكِ يا صيحة الخالدين ، تفجر قبل الشروق السنا
لعينيك يا أمةً باسمها بها ، لم أزل أتحدّى الفنا
تمطّيْ على عتبات المحيط ، وَ لُمِّيه في وحدةٍ موطنَا
أخا الفجر ، يسكرنا وهْجُه ونقرأ فيه كتابَ الغدِ
كتاب العروبةِ للظامئين خطىً تستريح على مورد
خطى تحمل العبءَ لا تشتكي وبالدم في دربها تهتدي
عقدنا ببغداد أبصارنا تباركت بغداد من مَقْعدِ !
هدمت عصوراً على اهلها وكنت مع النصر في الموعدِ
فيا للطّغاةِ ، وتاريخهم كأنّ الطواغيتَ لم تولَدِ
ودِدْتُ لو أني حشرت العبيد بحبلٍ من اللهَبِ الاسودِ
وفتحْت بالنار أجفانهم بساح الرشيد على مَشْهَدِ
بقايا العروش على أرضنا بقايا من العار لم تحصد
لنا جولةٌ في الضحى ، لم تنم أعاصير بغداد ، لم تخْمَدِ
لنا جولةٌ يا قلاع العبيد ، فهزي الخيانة واستنجدي !

a7med
03-13-2009, 11:33 AM
للمأساة آخر


من أين نحن ؟ تلعثمت بحروفها شفتا صغيري
وتعلّقت عينان وا دعتان بالصمت المرير
تستنطقان شروديَ القتّال عن سرٍّ كبيرِ
من أين نحن؟ وغام في عينيّ جرحٌ كالسعير
وضممتُ طفلي ، والسؤال ، وبسمةً عصرت شعوري
كفّنْتُ خلف بريقها عشرين مفجعةَ السطور
عشرين من عُمُر القتيل ، بلى ، ومن دامي المصير
من أين ؟ قصة ثورةٍ طاشت على ثغرٍ غريرِ
أتريدها ؟ مأساة تر بتكٍ الشهيدة يا صغيري !
...

مَنْْ أشعلَ الصدر البريءَ ، وهزّ في دمك السؤالا !
أتريد قصتك الخضيبة ، لا رُوَاءَ ولا خيالا ؟
في كل عامٍ وقفةٌ نتحسس الذكرى ظلالا
نتفقد الجرح الدفين ، ونستقي منه النضالا
لا ترهقِ الصدر البريء ، وخلِّها غصصاً طوالا
مزقاً مفجَّعةً على نَبَرات قافيةٍ تَوالى
من أين نحن ؟ أأستعيرُ البسمةَ الثكلى مقالا !
وأجيبُ تمتمةَ الصغير ، وأنفض الجمر اشتعالا !
سيظل جرحى في الشمال ، يصوغ في لهَبي الشمالا
...

إنّا من البلد القتيل ، من الجراح ، من الرعودِ
من صخرةٍ عثر الشهيدُ وراءها بدم الشهيد
من ربوةٍ خضراءَ رَقْـ ـرقتِ الألوهةَ في نشيدِ
من ضلْع شلالٍ يقصّ على الدنى قصص الخلودِ
من ألف ساقيةٍ توشوشُ وهي سكرى في قصيدي
إنا ترابٌ يا صغيري ظامئ خلف الحدودِ
داري هناكَ وخيمتي تتمردان على السجودِ
عربيتان أكاد أنشَقُ فيهما عبقَ الصمودِ
موّارتان بأغنيات البعث ، والفجر الوليد
...

إنا خيوطُ الدفقةِ الأولى إذا شمَخ النهارُ
وانداح في أرض العرو بة عاصفٌ ، وزها انتصار
من ضفة العاصي ، من الشلال غيّضَه الدمارُ
من "دفنةٍ" وهضابُها صمتٌ وشوق ، وانتظارُ
من شاطئٍ أمواجه مُضَرٌ وصخرتُهُ نزار
ولدت رؤى الوطن الكبير ، وأرضعَ الحُلُمَ الصغارُ
من أين ؟ لا تسأل أباك ، طريقنا شوكٌ ونارُ
تدري غداً ، لم ينته الشوط المرير ولا السفار
عند المحيط ، على الخليج ، يقرّ للركب القرارُ
...

تدري غداً يا معن كيف تمزّقت هذي البلادُ !
كيف استبحُ مهادكَ العربي ، واغتصب المهاد
كيف ارتمى عَلَم العروبة* كي يجلّله الحدادُ
كم لفّه جسدٌ بخلجته وفدّاهُ سوادُ
وتناثرت مزَقُ الرصاص وشق زحمتها عناد
وحنا الشهيد عليه ، وانتصر "الذئاب" كما أرادوا
واستلم البلد القتيلُ ، ولملم الجرحَ الجهاد
ومشى على نعش "اللواء" عصابةٌ حكموا وسادوا
تدري غداً ، كم "ناضلَ" الأجراءُ في وطني و "ذادوا"!
...

قدري ، ويعرف جيلُكَ الوضّاء أي دجىً رهيبِ !
نُحرت بعتمته الضحيةُ فهي شدْوٌ في النيوب
والثائرون براعم ، زُغْبٌ تتيه على الدوربِ
يا للجريمة في الشمالِ ، وللفجيعة في الجنوبِ !
لم ننطفئْ .. يا معن .. شعلةُ أمتي فوق الخطوبِ
لم ننطفئ .. كذبَ الغروبُ ، ومن يَعَضّ على الغروب
إسمعْ هديرَ العائدين يهزُّ أضلاعَ الغيوب
ويفجّر التاريخ ملحمةً ، ودفْقَ سناً وطيبِ
عدنا.. لنمحوَ من حياةِ الشمس كارثة المغيبِ
...

إسمَعْ على قمم الكفاحِ ، يهزُّها نجداً فنجدا
صوتٌ كعطشان اللهيبِ على الهشيم انداح وقدا
تحنو الملايين العطاشَ ، فترتوي بأساً ومجداً
ويُحيلها لندائه قلباً وحنجرةً وزندا
عملاقُكَ العربي .. آمنّا بماردنا المفدّى
بالأسمر الحادي .. وودّ الصبحُ قافلةً لِتُحْدى
بمجسّدِ التاريخ أغنيةً ، بشعبٍ ذاب فردا
إنا لهَاتُكَ يا جمال ، فأترعِ الصحراء رعدا
واهدم بنا سدّاً على رأس الطغاةِ ومُدّ سدا
عند المحيط ، على الخليج ، تَقَرّ صيحتنا وتهدا
...

إنّا يمينكَ في اللواءِ ، وفي عُمَانَ ، وفي الجزائرْ
في كل مَيْدانٍ تنفّسَ فيه ثائرةٌ وثائرْ
في كل رابيةٍ تُكَحّلُ بالغَد العطرِ المحاجرْ
تُغْفي الرمال على رؤاكَ ، وتستفيق على البشائرْ
وتعيش في دمنا .. وخلّ الليل يبتدعُ الستائرْ
دنيا العروبة محْجُرٌ بك شدَّه قدرٌ ، وناظرْ
بغداد قلعتُنا .. وطيفٌ موكبُ الهجناءِ عابرْ
والأطلسيّ قصيدةٌ عربية بلَهَاةِ شاعرْ
من أين ؟ رُدّ على صغيري ، فالسؤالُ الحلو قاهرْ
ألموعد الجبار وحدتُنا ، وللمأساةِ آخرْ !

a7med
03-13-2009, 11:34 AM
بغداد تمزّق القيد


شدِّي على قُبَلِ العناقِ شُدِّي ، فلن يَرويَ اشتياقي
ظَمَئي كغُلَّتك الرهيبةِ ، واحتراقكِ كاحتراقي
شدِّي على شفتيَّ يا بغداد ، زلزلني التلاقي
غيبي معي في قبلةٍ نصْهَرْ بها أبد الفراقِ
بغداد ، هذي أنتِ ، بعد الصمت ، والحُجُبِ الصفاق
واليأسِ ، والعَتماتِ ، مرٌ ذكرها .. مرّ المذَاقِ
أنا لست في حُلُم ، فهذا الزند محلول الوثاقِ
الراعد الجبّار صوتك ، والمذيع من الرفاق
بغداد تقتلع السدودَ ، وألف فجرٍ في انطلاقِ
الفارس العربيُّ .. موجي يا ميادين السباقِ
ضمِّي حوافرَ مهرهِ وتَنشّقي ارجَ العتاقِ
عاد العراق .. ليسحقَ الاغلال إعصارُ العراقِ
عاد العراق .. لِيَمْلأ الميدان ، محطومَ الوثاقِ
...

ألرعدُ الجبّار من بغداد ، والفجرُ الحبيبُ
نفض النيام ليرقصوا ، ليعانقوه ، ليستجيبوا
الثورةُ انطلقت ، وهزّ الدار مذياعي القريبُ
وتعلقت بالنبرة السمراء ، بالنبأِ القلوبُ
لا سجن بعد اليوم ، دُكّ ، تحطّمَ السجنُ الرهيب
لا قيدَ ، لا اغلالَ ، قهقه أيها الفجر الخضيب
المجرمون على النعال ، يجرُّهم موجٌ غضوبُ
تحت النعال .. كذاكَ تُنهي قصةَ الغدر الشعوبُ
للموت مملكةُ العنيد ، وعهدها الدامي الكئيبُ
للموتِ يا بغداد ، قاعُ جهنّمٍ عَطِشٌ رحيبُ
الظلمة العمياء يَرقُص فوقها صُبْحٌ طَروب
والغصّة السوداء عرسٌ ، ما لسكرته غُروب
شُدِّي على قُبَلِ العناقِ فكل جارحةٍ وجيبُ
عاد العراق .. وهذه نَبَراته بدمي لهيب
...

يا صيحة الصباغ* ، يا دمهُ الزكيّ على الصعيدِ
يا ثأرَ يونسَ* ، والدّمُ العربي مَبْخرةُ الخلود
يا شهقةَ الشهداء ، بين النار تزأر ، والحديدِ
يا موكبَ الأبطالِ في بغداد ، يا سُمرَ الفهودِ
يا صافعين على المشانقِ زهْوَ تيجان "العبيدِ"
شقّوا القبور، تطَلّعوا! بغداد تُبْعثُ من جديد
كحّلْ جفونك يا صلاحَ الدين بالفجر الوليدِ
وانظرْ ، دماؤك في نشيد الثأر عنوانُ النشيدِ
انظُرْ .. هنا صُلِب الشهيدُ فمن ترى بعد الشهيد؟
ماذا على مبنى الدفاع ، وعَبْرَ ساحاتِ الرشيدِ ؟
موجٌ ، كقاصفة الرعود ، بَلَى ، كقاصفةِ الرعودِ
ونثأرُ أشلاءِ الخيا نة تحت أقدام الحشود
والعرشُ ، عَرشُ العار ، أنقاضٌ على جَنباتِ عيدِ
يا ثأر يونُسَ ، يا دمَ الصبّاغ ، يا أرضَ الجدود !
عودي ، تمزّقتِ السدودُ ، وطُهِّرت بغداد ، عودي !
...

زغرِدْ : هنا بغداد ، واصدَحْ أيها الفجرُ المندّى !
واحمل على رَعْشِ القلوب دويَّ ثورتنا المُفَدّى
نامت أعاصيرُ العراقِ ، وطالَ ليلُكَ واستبدا
وتنَمّرَ السفّاحُ ، يوسعُ بارقاتِ النور وأْدَا
صحراؤنا أدْرَى متى تنْفَضّ عاصفةً ، وتهدا
يا روعة الأحرار .. هَدّوا قلعةَ الإرهابِ هَدّا
ومضوا يُضيئون الدروبَ ، ويمْهَرونَ الساحَ مَجْدا
زمْجر : هنا بغداد فالـْ بُرْكانُ بالبركان يُحدَى
الفرحة الكبرى .. أتعرف في غمارِ النصر حدّا ؟
الشام أغنيةٌ تضجّ ، وتلتقي حشداً فحشدا
والنيل .. يا للخُلْدِ ، عانَقَ في ذرى التاريخ خلدا !
عرسُ العروبة، مُدّ سَكْـ ـرَتَهُ وراءَ البيدِ مُدّا !
لُمّ الجزيرةَ يا نداءَ البعثِ ، غائرةً ، ونجدا !
واركُزْ على قمم "العرائس" من بنود النصر بَنْدا
زغردْ : هنا بغداد ، واشـْ ـدُدْنَا على النبرات شدا
الفرحة الكبرى .. وموتي يا ذئابَ الأرضِ حقدا !
ماذا على الشط الجميلِ ، وأين مني الضفتانِ ؟
أأغيب عن هزَج الجموع وعن هديرِ المهرَجانِ !
للشعب سكرتُه ، ولي في عرس دجلة سكرتانِ
ما زلتِ يا بغداد أبْيَاتاً تعربد في لساني
ما زال سحرُ الضفتين ، لهيبَ شوقٍ في كياني
ويكادُ يحضُنُني الشراع ، لو التقينا .. لو رآني
رجّعْتُ ملحمة الشباب على شواطئكِ الحسان
وقبَسْتُ من إعصاركِ العربي جَمْرَ العنفوانِ
وحملت نارك في دمي فوق الحواجزِ والزمان
فوق الحدود .. أحسّها نصْلاً تسَمّرَ في جناني
مدِّي يديك ، تقوّضتْ دنيا الجريمة في ثوانِ
مدِّي يديك .. يَلُفّنا عبقُ البشائر والاغاني
عاد العراقُ .. فللرشيدِ مع الغمائم همستانِ
ولخيلِ "عُقبةَ" وقفةٌ عند المحيط .. بلا عنانِ
مهلاً حماةَ الليل ، إنّا في غدٍ متلاقيانِ
لن تُرْهِبَ القدَر المصممَ غضبةُ اللص الجبانِ
...

أي الجرائم في شواطئنا تفحّ على الطريقِ ؟
ماذا تريد رواعد الإجرام ، والبَغيِ العتيقِ
ماذا يريد الحاقدون على انتفاضات الشروقِ
السافكو دمنا ، حمَاةِ الغدر ، تجّار الرقيقِ
ماذا برأس المجرمين ؟ وخلف لعلعةِ البروق
الحرب ؟ هيّأنا القبور لكل نخّاسٍ صفيق
قسَماً لتنفجرنَّ هذي الأرض بالحقد العريقِ
ولنَجْعَلَنْ جثث اللصوص بظهرها حطبَ الحريقِ
ليجُسّ عودَ "الضاد" بعد اليوم قطّاعُ الطريق !
...

ذوقي رحيقَ النصر يا بغداد ، ملءَ الكأس ، ذوقي
إنّا كما شاء الهوى لهبٌ على العهد الوثيقِ
رقدت صعاليك العروشِ بظلمة المهوى السحيق
وتهيأ الزحف العظيم ، فيا ملاعبنا أفيقي !
رايات اسمرنا على الفيحاء ماردة الخفوق

a7med
03-13-2009, 04:08 PM
الديوان السجين


كانت مجموعةَ أشعارِ

عطشى للحب ، وللثارِ

فيها زفرات الاحرار

وطلائع فجرٍ من نارِ

كانت مجموعةَ أشعار

...

كلماتٌ .. لا تؤذي أحدا

كتبت بجراحات الشهدا

وأماني إخوتنا بَدَدَا

تمضي .. فتكون لهن صدى

كلمات .. لا تؤذي أحدا

...

ماذا تعرف في الحرف المسطور

كي يُرهب أعداءَ النور ؟

عجباً .. للذئب المسعور

والغاب رهيب الديجور

ماذا في الحرف المسطور !

...

الرعب الأسودُ ، والقَتْلُ

والسيفُ المُصْلَت ، والنصل

والجند الشاكي ، والغُلُّ

في قلب الظلمة ينْسَلُّ

عبثاً ، فالفجر سينهلّ

...

عبثاً يتمطّى الإرهابُ

ويُحَدّ النبع المنساب

ويُكَفّ الموجُ الوثاب

للبلبل والنسر الغابُ

والعاصف ماضٍ غلاب

...

وتخطى الديوانُ البيدا

ليصافح إخوته الصيدا

والشطّ ، ولحناً عربيدا

وشراعاً حُلْواً ممدودا

يتحدّى الأغلال السودا

...

وعلى كلماتٍ تتّقدُ

أهوت في ظل الصمت يَدُ

وتزلّقَ طرفٌ يرتعدُ

ماذا ؟ العاصف يحتشد

وغدٌ .. ملْكُ الأحرار غدُ

...

وأشاحَ أجيرُ الطغيانِ

للموت أغاني الديوانَ

للموتِ حديث البركانِ

والفجر الملتهب الداني

ونذيرُ الافق بطوفان

...

وتوارت في الكهف الاغْبَرْ

مجموعةُ الحانٍ تَزْأرْ

وتململَ في الوجه الاصفر

شبَحٌ من رعبٍ لا يُقهر

لا يخفيه الكهف الأغبر

...

أعرفت سجينك بغدادُ ؟

تنهال عليه الاصفادُ

ويهزّ السوطَ الجلاد

فعلى الارجوحة أوصادُ

ولكل وميضٍ مرصادُ

...

وتَشُقُ الدربَ أغانينا

وتهزّ السجن كما شينا

الثورة تزحم وادينا

الشعب يموج براكينا

واللفظُ الثائر حادينا

...

بغداد ، صباح الثوارِ

فوق النجوى والاوتارِ

تتخطى حُلْمَ القيثار

دفقاتُ سناكِ الهدّار

آمنتُ بزحف الإعصارِ

...

آمنتُ بغضبتك الحرّه

وينابيع الفجر الثره

وعناد الآلام المره

يطوي البركان بها سره

آمنت بأرضي ، بالثوره

...

ضمِّي في الموكب ديواني

تسكَرْ في عرسك الحاني

النخلة ، والشط الواني

وشعاعُ غروبٍ نشوان

والجسر الحلو ، أينساني ؟

...

ضمِّيني ابياتاً سكرى

الموجة حطّمَت الأسْرا

لترفّ على الدنيا نَصْرَا

غنّاها ديواني شِعْرا

وأذابَ لعينيها العُمْرَا

...

ها أنت على شفة العيد

يا أحلامي ، وأناشيدي

يا ذَوْبَ الأنّاتِ السود

ووميضَ الفجرِ الموعود

يا أشعاري ، وأناشيدي

...

قولي لرفاقِ الحريّه

لسياج الأرض العربيه

في القيد بقايا أغنيِّه

فَلْتَهدِرْ صرختنا الحيه

تجتاحُ الأرض العربيه

a7med
03-13-2009, 04:09 PM
في جزيرة السندباد


دُنْيا تَتنفّسُ عن عَبَقِ

عن صَمْتِ يصدَحُ، عن ألقِ

لا تَقطَعْ أُغنيةَ الجِسْرِ

وَلْتَنْسَ رُؤاك

أُتركْ للغَيمةِ ... للنَّهْرِ

أُتْرُكْ لإلهاتِ الشِعرِ

وتَرَ القيثارْ

دَعْهُنَّ ، وما يحلو للشطِّ وما يختارْ

يُنشِدْنَ، يُهَيِّئنَ الاكوابْ

وَادْعُ الأصحابْ

أُدْعُ الأصحابْ!

لِلخَمرِ اليومُ ...

تقولُ الليلُ،

ولِلسُّكْرِ

***

الشطُ الحالمُ أسطورَةْ

الشطُ قصائدُ مَسحُورَة

ما زَالت في شَفةِ الزمَنِ

التخلةُ ميلادُ الزمَنِ

من هذا الغابْ

والأرضُ يَبابْ

منْ هذا الغابِ السابحِ في صدرِ

الأُفقِ

والماءُ حكاياتُ العِطْرِ المسفوح،

حكاياتُ الألق

من تُرْبَتِنا بَدأ الفجْرُ

وتَنَفّسَ في الأرضِ الشعرُ

مِنّا ولِدا

ناراً ونَدَى

الشطُ مَرايا الأبديّةْ

والنخلُ ضفائرُ جنيّةْ

هَرَبتْ من قَلْبِ الصحراءِ

وانداحَ ربيعٌ في الماءِ

الشطُّ سَوَاقٍ من نورِ

تتغلغلُ .. لا أدري أينا؟

تتلاقَى.. لا يدري أحدٌ

لا يَعْرِفُ جِنّيٌّ أينا؟

ما لِلْمَجهولِ الحُلْوِ .. ولي؟

سأضيعُ على زَنْدِ الأَزَلِ

وكمخمورِ..

بنشيدٍ مجنونِ النبرة

ألقيتُ على هُدْبِ البَصرة

ألقيتُ رَحيلي وعَذَابي..

يا ليلُ.. عَطاشَى أكوابي

يا ليلُ! وَيغْمُرني الألَقُ

وينامُ بعَيْنَيَّ الأُفُقُ.

a7med
03-13-2009, 04:11 PM
الأريج القديم



أآنَا في الثَّغْرِ موجةٌ وشِراعٌ

يَرْويانِ التاريخَ لحناً شجيا

يَسْكُبانِ السحْرَ القديمَ جلالاً

وجمالاً على الفَناءِ عَصِيّا

أنا في الثغْرِ.. من هُنا سندبادي

نَسَجَ الريحَ، وامتَطَى الأبديَّا

مِنْ هُنَا رفَّتِ المجاديفُ يوماً

وحمَلْنا الدنيا هوىً عربيا

الأريجُ القديمُ.. ما زالَ حولي

في دمي، مِلءَ جَبهتي، في يديا

يُظْلِمُ الأمسُ عند غيري، ويبقى

جَسداً أستمرُّ فيهِ سويا

أنا نَبْضٌ يَسقيهِ نبضٌ من الما-

ضي يَصُبُّ الغِناءَ في شَفَتيا

ما تَحجَّرْتُ.. كلُّ ما انهال فوقي

من قبورٍ لا ينتمينَ إليا

كلُّ ما هدَّني، وَشوَّهَ روحي

كانَ في كبوتي دخيلاً عَليا

أنا في الثَّغْرِ موجةٌ تمضَغُ اليُتْم

وتَبكي الحديدَ في قَدَميّا

لو تحرَّكْتُ من ضَريحي سقيتُ

الأرضَ كوباً لم ترتشِفْه شهيا

لو تحرَّكْتُ .. لن أقاتلَ بالوَهْمِ

سأمضي في حُرْقَةِ الصيفِ رِيّا

يا أريجي القديمَ، يا سندبادي

ياشِراعي يَطْوِي السماواتِ طَيا

أخيالٌ أنْ أَسْتَرِدَّ شَهيقي؟

أن أُزيحَ الصخورَ عن رِئَتيا؟

سَخِرَ الموتُ من بَريقِ مَعادي

خاتماً بالدجى على مقلتيا

سَخِرَ الموتُ من رَمَادي، ومنهُ

-يَعرفُ القاتلون- أُبْعَثُ حَيا

a7med
03-13-2009, 04:12 PM
أنا آتٍ


أنا آتٍ من المرارةِ يا نخلُ،

من الغُصّةِ التي في صميمي

حاملاً جُرْحَ أُمتي في ضُلُوعي

زارِعاً كُلّ خُطْوَةٍ بِهمُومي

أنا آتٍ من الأَسى أَكَلتني

نارهُ، نارُ ثورتي، من قديمِ

سَبَقتني إليكِ يا نخلُ أشعاري

رَواني الطريقُ قبلَ قدومي

سِندبَادَ الرمالِ كنتُ، فتاريخي

يتيمٌ يَدقُّ بابَ يتيمِ

رِحْلَتي رِحلَةُ الشَّرارةِ في لَيـ

ـلٍ طويلٍ لِلمُدْلِجينَ بَهيمِ

أتحدَّاهُ مُنْذُ حَدَّقْتُ في النورِ

وأَرْتَدُّ بالصَّدَى الملكومِ

أنا آتٍ.. أأنفُضُ الحُلْمَ عن عَيـ

ـني وأَهْوِي قتيلَ صَحْوٍ عَقيمِ؟

حُلُمي أن أكونَ .. أن تُولَدَ الشمـ

ـسُ بِبابي، وأن أَشُقَّ سَديمي

رِحْلَتي رِحلةُ البِشارةِ في الجَدْبِ،

أجفَّتْ حقاً جميعُ غيومي؟

...

أيبِسْنَا، فما تَبِضُّ الصَّحَارى

بنداءٍ للخالدينَ عظيمِ؟

من هَشيمِ العُصورِ سُوري، فأين

النارُ أرمي بها رُكامَ الهشيم؟

...

من هَشيمِ التخلُّفِ المُرِّ أَغلا

لي، ورِقي، وجنتي، وجحيمي

أنا آتٍ من كلّ حَبَّةِ رملٍ

حَمَلتْ ظِلَّ ضاشعٍ محرومِ

أنا آتٍ من البَراءةِ طِفلاً

غابَ عني خيالُ أُمّي الرَّؤُومِ

وَسِّدِيني تُرابَ أهلي، وشُدِّيني

شُعَاعاً في ليلهِ المهزومِ

مَزَّقتني على الدروبِ أناشيـ

تدي، وأحرقْتُ في الضبابِ نجومي

رِحْلَتي رِحْلَةُ الغَمامةِ في القَحْـ

ـطِ، وكلاَّ .. لن تيأَسي يا كرومي!

عالَمٌ في دمي أَفاقَ، وأرضٌ

هِيَ أَرْضي تملمَلَتْ في الرَّميمِ

a7med
03-13-2009, 04:14 PM
ليل الجزيرَة


وَلمَّنِي مِنْ زَفرتي سُكونْ

على يديهِ نَامتِ السماءْ

كأنَّما نُجومُها عيونْ

تُملي عَلَيَّ الشعْرَ والغِنَاءْ

*

تَهْبِطُ من ذَوائبِ الشجرْ

على طريقي الأخضرِ البليلْ

مَواكبُ الماضي.. كما انهمَرْ

طَلٌّ على أجْنحةِ النخيلْ

أَمْشي، وتَمْشي حوليَ الظلالْ

كأنها أذْرِعةٌ تَمورْ

في شَفَتَيْها أبداً سُؤالْ

تذُوبُ في لَهفتهِ العصورْ

*

الليلُ والأجدادُ يَرقُدانْ

في خيمةٍ واحدةٍ.. هُنا

بخُطوةٍ.. أختَصر الزمان

بهمسةٍ.. تستيقظُ الدُّنى

*

لي هذه السّماءُ والنجومْ

لي هذهِ المياهُ والشجَرْ

لي أزلٌ يُغْنِي بلا تُخومْ

لي أبَدٌ يَهُزُّهُ السَّحَرْ

وسِنْدَبَادي.. هائمٌ طريدْ

تُثْخِنُهُ أنّى مضَى الجِراحْ

يقاتلُ الليلَ الذي يُريدُ

في أرضنا أنْ يَذْبَحَ الصباح

*

يا ليلُ ، يا أضواءُ، يا خليجْ

يا غابةَ السَّوادِ، يا سَعَفْ

الضَمتُ في جواني ضجيجْ

من زَفَراتي عَبَّ واغتَرفْ

*

طَوّفْتُ في الدنيا فما رأيتْ

يا وَطَني.. أجملَ من ثَراكْ

أكرمَ من كَفَّيْكَ ما رأَيتْ

أروعَ من شمسِكَ، من سماكْ

يا وطن البُؤْسِ الذي ينامْ

على أساطيرَ منَ التَّرَفْ

على بِحارِ ذَهَبٍ نَنامْ

يا وطني.. ونَمضَغُ السَّعَفْ

*

كيفَ يثورُ الموتُ.. يا قُبورْ؟

وكيفَ، كيفَ تُولَدُ الحياةْ؟

كانَ غِنائي قصةَ النشُورْ

وكنتُ في مِحْرابه صَلاةْ

كانَ غنائي..

*

أَسْدِلِ الستارْ

وأَوْصِدِ الشُبَّاكَ.. يا قمرْ!

غداً غداً.. نُجدِدُ الحِوَارْ

نعانِقُ الهجيرَ والسَّفَرْ

*

أريدُ أن أُسْلِمَ للرُّقادْ

يا ليلُ أجفاني.. بلا أَرَقْ

آليتُ من مَواكبِ الحِدادْ

أصنعُ وحدي عُرُسَ الشَّفَقْ

a7med
03-13-2009, 04:16 PM
إلى قُمْريَّة الشط


يا جارةَ النَّخْلِ، يا قيثارةَ الأَزَلِ

هاتي نَشيدَكٍ من عِطْرٍ ومن غَزَلِ

هاتي نشيدَكِ مِلءَ الفجرِ غمغمةً

وأَيقِظي الشاطئَ المخمورَ بالقبلِ

بالضوءِ يَرقُصُ عُرْياناً على أَبَدٍ

منَ النخيلِ غريبٍ، ساحرٍ، خَضِلِ

أَمْلي على شَفتي لحناً، على قَلَمي

قصيدةً من بَناتِ الشطِ لم تُقَلِ

لم تجرِ في وَتَرٍ، لم تَسْرِ في عَصَبٍ

لم يُسٌَها الليلُ في أكوابهِ الأُولِ

يا جارةَ النَخّلِ، خيطُ الغجرِ يَسْرِقُني

من سَكْرَتي، وبقايا الحُلْمِ في المُقَلِ

رُدّي إليّ رُؤايَ الخُضْرَ.. لا تَدَعي

يَدَ النهارِ تَرُوعُ الليلَ، لا تَسلي!

الخيمةُ البِكْرُ، هذا الصمتُ، رائعةٌ

قصيدةُ اللهِ.. هذا الصمتُ يَهتِفُ لي

مُدّي عليّ غِطاءَ السحرِ.. واتّكئي

في خاطري نشوةً تنداحُ كالأملِ

كغَابةٍ خلفَ غاباتٍ، يَضِلُّ بها

شِعْري، يَتيهُ على لألائِها الثّمِلِ

هَدَّ الرحيلُ شبابي، فاتركي ظَمَئي

فوق الجزيرة أسقيهِ على مَهَلِ

أنامُ بضعَ هُنَيْهَاتٍ، أغِيبُ على

مشارِفِ الجنةِ العَذراء عن مَلَلي

أغيبُ عن صَحْوتي، والدربُ يَسْحَقُني

دَرْبُ التحدّي سَلَكْناهُ، ولم نَزَلِ

الشطُّ أمسِ تلقّاني.. وَهيّأ لي

ما لا يُقالُ، صديقي الشطُّ هَيّأ لي

لا تُوقِظيني.. سأنسَى لحظةً سَهَري

أقولُ للحُزْنِ: عَنْ أجفانيَ ارْتَحِلِ؟

السندبادُ شِرَاعٌ يَسترِيحُ على

وِسَادتي، ويَلُمُّ البَحْرَ في كَسَلِ

a7med
03-13-2009, 04:17 PM
أتيتكَ يوماً أتيتكَ يوماً


أتيتُكَ.. يا مَرْفأ الخالدين..

أتَذْكُرني جيداً يا عِراقْ؟

أتيتكَ أُنشودةً في الغُبارِ

أشُدُّ على الجوع حُلْمَ البُرَاقْ

صَغيراً صغيراً طويتُ الطريقَ

إليكَ.. إلى مَرْفَأِ الخالدينْ

على كَتِفي كلُّ تاريخِنا

وثورةِ أطفالهِ الضائعينْ

أتيتُكَ يوماً دَماً يَقْطُرُ

ومَهْداً بلا ألمٍ يُبْتَرُ*

شريداً شريداً وداري هنا

وداري هناكْ..

وتَتْرُكُني غُرْبَتي مُثْخَنا

ويخضّرُّ في لَهْفَةٍ ساعداكْ

اتيتُك يوماً رُؤَى شاعرِ

يفتِّشُ عن مَطَرٍ ثائرِ

ومن أرضِنا يَتقَرَّى المَطَرْ

ويبدأُ منها، ويُنْهي السفرْ

والقيتُ في المَرْفأِ الخالدِ

على عَتَماتِ الغدِ الواعدِ

طُفولةَ أُغنيةٍ في الضبابْ

تُبشِّرُ بالبَعْثِ هذا التُّرابْ

تقولُ لكلّ القبُورِ الصِّفاقْ:

سَنَنْفُضُ أكفانَنا يا عِراقْ!

سيَخْضَرُّ يَخضَرُّ هذا اليَبابْ

سنَسْقِي الجُذّورَ جنونَ الشبابْ

أَتذْكُرني نخلْةُ "العاليةْ"*؟

لها كنتُ يوماً، وكانَتْ ليَهْ

تُخبِّئُ للسنديادِ الصغيرْ

شِراعَ الرحيلِ الكبيرِ الكبيرْ

وبينَ حَدِيثِ الصَّبايا

عن الحُبِ والشعرِ كانت خُطايا

تَجُسُّ الطريقَ لميلادِ أمَّةْ

لصحوَةِ أمَّةْ

لِثورةِ أمَّةْ

وأَعْرِفُ أنَّ عِراقي المُكبَّلَ

يَحْمِلُ هَمّي، وأحمِلُ هَمَّهْ

*

أتيتُكَ.. دَعْني من الذكرياتِ،

فقد كَبِرَ الجُرحُ والخَنْجَرُ

يُقالُ: لقد سَبقَتْنا الدروبُ

فَصَيحتُنا خَبَرٌ يُؤْثَرُ

يُقالُ: سُدىً تَلْعَقُون السرابَ

فلن تَرِدُوا، لا، ولن تَصْدُروا

يُقالُ: حديثُ المخاضِ العظيمِ

خَيالٌ بأجفانِكم يُنْحَرُ

يُقالُ.. سأعْصِرُ مما يُقَالُ

بَريقي.. وأمضي

أُُعمِّدُ أرضي

بميلادِ أُمّةْ

بوَحدةِ أُمّةْ

وبينَ حديثِ الصَّبايا

عن الحُبِ والشعرِ أُزْجِي خُطايا

واكتُبُ اكتبُ للمُتْعَبينْ

وأُطْعِمُ عينيَّ للقادمينْ

لأطفالنا.. للعيونِ الجميلةْ

تُفَتِّشُ عن واحةٍ مُستحيلةْ

إذَا لم نجِدْ كُلَّ واحاتِنا

وكُلَّ أحبَّائِنا الضائعينْ

*

يُقالُ.. سأعْصِرُ مما يُقَالُ

بريقي.. وأمضي

حريقاً بأرضي

أجلْ.. كَبِرَ الجُرْحُ والخَنْجرُ

وإني بوَهْجِهما أَكْبَرُ

a7med
03-13-2009, 04:18 PM
واغرف في يديَّ الرملَ


وتَشْرُدُ بي خُطَايَ على بِساطٍ من أساطيرِ

وأَغْرِفُ في يَدَيَّ الرمْلَ.. مَنظومي ومنثوري

وأذروهُ مع الريحِ

واسأَلُ عن مصابيحي

أَضاءَتْ ذاتَ يومٍ هذهِ الصحراءْ

ومَرَّتْ من هُنَا..

مِنْ وَهْجِ هذي التُّرْبةِ العذراءْ

وأسمَعُ في السكونِ المُرِّ وَقْعَ حوافرِ الخيلِ

تدُقُّ الليلَ، تُؤْنِسُ بالبطولةِ غُرْبةَ الليل

أَتنطَفِئُ القناديلُ التي حَمَلتْ سَنَا الأَزَلِ؟

سؤالٌ مُحْرِقٌ أطْعمْتُهُ عُمْرِي بلا مَلَلِ

سُؤَالٌ مُحْرِقٌ كالجمرْ

له غنّيتُ، قلتُ الشعرْ

له، لو عشْتُ ألفاً مثلَ هذا العمرْ،

له، لجوابهِ المُضْنِي

أقاتلُ، أضربُ الصحراءَ من رُكْنٍ إلى رُكْنِ

وأحمِلُ غُصَّتي بدمي، وأنتظرُ

ويَسحَقُ جفنيَ السَّهَرُ

وقافلتي وراءَ الليلْ

مُمَزَّقةٌ وَراءَ الليلْ

تُناديني.. ويَنْتَحِبُ الصّدى،

يَبْكي وراءَ الليلْ

خُذِي يا ريحُ هذا الرَّمْلَ، سِرُّ المُعجزاتِ هُنا

خُذيهِ.. يَضْحَكُ الأحياءُ حين أُمَجِّدُ الكَفَنا

خُذي يا ريحُ .. لستُ الآنْ

سوى مُتَشرّدٍ عطشانْ

يجوبُ قبورَنا المتَسكعاتِ على شَفَا الزَّمنِ

يَدُقُّ بقيضتَيْهِ البابْ

ويُنْذِرُ ، يُنْذِرُ الأنصابْ

ويَهْدِمُهُنَّ،

يَهْدِمُهُنَّ.. ثًمَّ يعودُ لَمْعَ سَرابْ

وتَزْحَمُني الحقيقةُ: نحنُ مُنْطَفِئونَ يا وَطني!

*

متَى، يا غُرْبَتي في أَرضِ أَجدادي؟

متى، يا بَدْءَ مِيلادي؟

تَبيعُ، يا هذهِ البَيداءْ

تَبيعُ نُضارهَا وتموتُ جائعة، تموتُ عَيَاءْ

متى يَتحرَّكُ القَدَرُ؟

مَتى يتَفجَّرُ اليَنْبوعُ فيكِ، ويَنْتهِي السَّفرُ؟

a7med
03-13-2009, 04:18 PM
واغرف في يديَّ الرملَ


وتَشْرُدُ بي خُطَايَ على بِساطٍ من أساطيرِ

وأَغْرِفُ في يَدَيَّ الرمْلَ.. مَنظومي ومنثوري

وأذروهُ مع الريحِ

واسأَلُ عن مصابيحي

أَضاءَتْ ذاتَ يومٍ هذهِ الصحراءْ

ومَرَّتْ من هُنَا..

مِنْ وَهْجِ هذي التُّرْبةِ العذراءْ

وأسمَعُ في السكونِ المُرِّ وَقْعَ حوافرِ الخيلِ

تدُقُّ الليلَ، تُؤْنِسُ بالبطولةِ غُرْبةَ الليل

أَتنطَفِئُ القناديلُ التي حَمَلتْ سَنَا الأَزَلِ؟

سؤالٌ مُحْرِقٌ أطْعمْتُهُ عُمْرِي بلا مَلَلِ

سُؤَالٌ مُحْرِقٌ كالجمرْ

له غنّيتُ، قلتُ الشعرْ

له، لو عشْتُ ألفاً مثلَ هذا العمرْ،

له، لجوابهِ المُضْنِي

أقاتلُ، أضربُ الصحراءَ من رُكْنٍ إلى رُكْنِ

وأحمِلُ غُصَّتي بدمي، وأنتظرُ

ويَسحَقُ جفنيَ السَّهَرُ

وقافلتي وراءَ الليلْ

مُمَزَّقةٌ وَراءَ الليلْ

تُناديني.. ويَنْتَحِبُ الصّدى،

يَبْكي وراءَ الليلْ

خُذِي يا ريحُ هذا الرَّمْلَ، سِرُّ المُعجزاتِ هُنا

خُذيهِ.. يَضْحَكُ الأحياءُ حين أُمَجِّدُ الكَفَنا

خُذي يا ريحُ .. لستُ الآنْ

سوى مُتَشرّدٍ عطشانْ

يجوبُ قبورَنا المتَسكعاتِ على شَفَا الزَّمنِ

يَدُقُّ بقيضتَيْهِ البابْ

ويُنْذِرُ ، يُنْذِرُ الأنصابْ

ويَهْدِمُهُنَّ،

يَهْدِمُهُنَّ.. ثًمَّ يعودُ لَمْعَ سَرابْ

وتَزْحَمُني الحقيقةُ: نحنُ مُنْطَفِئونَ يا وَطني!

*

متَى، يا غُرْبَتي في أَرضِ أَجدادي؟

متى، يا بَدْءَ مِيلادي؟

تَبيعُ، يا هذهِ البَيداءْ

تَبيعُ نُضارهَا وتموتُ جائعة، تموتُ عَيَاءْ

متى يَتحرَّكُ القَدَرُ؟

مَتى يتَفجَّرُ اليَنْبوعُ فيكِ، ويَنْتهِي السَّفرُ؟

a7med
03-13-2009, 04:19 PM
تعَالَ يَا بدر


النهرُ مَلْحَمَةٌ خَضْراءُ تنتَظِرُ

فانشُرْ جَناحَيْكَ واصدَحْ أيها الوتَرُ

تَعالَ من وَحْشةِ الصحراءِ من ظَمَأٍ

ما زالَ في الجَسَدِ المسحوقِ يَسْتَعِرُ

تَعالَ يا بَدْرُ، شارِكْنا عَشِيَّتَنا

عنكَ الحديثُ، ومن ديوانِكَ الخَبرُ

تعالَ منْ عذَباتِ النَّخْلِ وَشْوَشةً

من شُرْفةٍ راحَ عنها يَرْحَلُ القَمَرُ

إنَّا ضُيوفُكَ فانْزِلْ.. غابتَاك هنا

عَيْنانِ يُورِقُ في غَوْريهما السَّحَرُ*

تَعالَ، فالنهْرُ أصْداءٌ مُعَطّرةٌ

ونحنُ عن كل حرفٍ قلتَه سَمَرُ

نجوبُ غاباتِكَ العذراءَ، نَسْألُها

وتُنْصِتُ الغيمةُ الزرقاءُ والنّهرُ

لم يَذبُلِ الوَرْدُ.. ما زالَتْ تُنضرُهُ

كأسٌ من الشَّهَقاتِ الحُمْرِ تُعتَصَرُ

ما زِلْتَ في "مَنْزِلِ الأقنانِ"* قافيةً

تَنْدى - اذا غمغَمتْ - تَنْدَى بها سَفَرُ

*

مَررْتُ يا بَدْرُ بالسمراءِ ساهمةً

و"بالشناشيلِ"* خَجْلَى منكَ، تعتذِرُ

سقَيْتَها عَبَراتِ الخُلْدِ صافيةً

فما أَحسَّتْكَ حتى آذَنَ السَّفَرُ

عذراءُ شِعْركَ في الذكرى، أتُبْصِرُها؟

أيُّ الطيوفِ على الأهْدابِ ينكسِرُ؟

أيُّ الأغاريد مما كنتَ تسكُبُهُ

في سَمْعِها تستعيدُ الآنَ، تَذَكّرُ؟

يا عاصر الكرمِ يَسقي الناسَ خمرتَهُ

وفي جحيمٍ من الحِرْمانِ ينتَحِرُ

إِنَّا ضُيوفُكَ.. فانْزِلْ بيننا نَغَماً

ما زالَ يحلُمُ فيه الدِّفْء والمَطَرُ

تَحجَّرَ الدّفْقُ تمثالاً نطوفُ به*

وحدي يُشاطِرُني أَسرارَه الحَجَرُ

أكادُ أسمعُها زَهْراءَ غاضِبةً*

تملْمَلَ الجوعُ فيهان واشْتَكَى السَّهَرُ

تَبُثُّني حُبَّك المطعونَ: غادرةٌ

هذي، وتلكَ، وأَشْياءٌ لها أُخَرُ

"إلَهةٌ" صُغْتُ منها، وَهْيَ غافلةٌ

يا "لَلْإِلَهِ".. تَشَهَّى لَمْسَه البَشَرُ!

أحببتُها، لَهثَتْ روحي بقافيةٍ

في شَعْرِها، دَفْتري من شَعْرِها عَطِرُ

وما ظَفِرْتُ بُهدْبٍ يَستريحُ على

جوعٍ أُهَشَّمُ في فكّيهِ، أنصَهِرُ

تَعاسةُ الشعرِ في قِيثارتي قَدَرٌ

حَسْبي، شَبِعتُ شَقاءً أيها القدَرُ!

ونقتُلُ الليلَ أَسْماراً مُجَرّحةً

يا لَلطُّفولةِ.. كم يحلو بها الهّذَرُ!

*

قيثارةَ الدارِ* ، جِئْنا من مآتِمِنا

من المَجازرِ لا تُبْقِي ولا تَذَرُ

جِئْنا نَلمُّكَ أَلْحاناً مُبَعْثَرةً

في كلِّ حَنْجَرةٍ من نَبْضِها أَثرُ

إِنْزِلْ إلينا.. فقد تَلْقَى العَزاءَ بنا

ألم يُمزَّقْكَ في صحرائِكَ الضجَرُ؟

a7med
03-13-2009, 04:20 PM
أمام خيمة الخليل


الجاهِليةُ في عَبَاءتِهِ، وأَسْرارُ الحَناجِرْ

وجميعُ ما عَزَفُوا، وغَنَّوْا، شاعِراً في إثْرِ شاعرْ

عينانِ يَنْبوعانِ للإبداعْ

عينانِ تَأتلِقانِ.. ألْفُ شُعاعْ

يَلِدُ الجديدَ، ويُمْطِرُ الدُّنيا ربيعاً منْ خَواطِرْ

يا لَلْمنارةِ.. بَكَّرَتْ تُهْدِي إلى البيدِ المنائرْ!

*

في بابِ خَيمتِه القوافي.. كُلُّ شاردةٍ وشاردْ

وَعصَاهُ تَلْقَفُ ما تَشاءُ، تُروِّضُ القِممَ الخوالدْ

لا بُدَّ أنْ تَنصاعَ مَلْحَمةُ العروبةْ

لِلقَيْدِ يُعْطِيها البقاءَ، يَرُدُّها أبداً قَشيبةْ

لا بُدَّ أنْ تَنصاعْ

وتجوزَ ليلَ ضَياعْ

وتُعانِدُ القِمَمُ

ويًصارعُ النَّغَمُ

والمبدِعُ العملاقُ فِكرٌ دافِقُ الوَمَضَاتِ ساهدْ

*

سأَشُدُّ الحانَ العصورِ الغابراتِ عَلى ربابي

سَأَشُدُّها في خَيْمتي السمراءْ

وتَظَلُّ نَهرَ ضِياءْ

أسقي بها الأجيالَ، أخلعُ فوقها بُرْدَ الشبابِ

*

وتحتشِدُ السواقي.. كُلُّ ساجعةٍ وغِرِّيدةْ

وتَسْكُبُ في "العَرُوضِ" غِناءَها فالدَّهرُ أنشودَةْ

ويَمضِي المُبْدعُ العملاقْ

يَراعٌ قادِرٌ خَلاَّقْ

يَلُمُّ شوارِدَ الفُصْحَى..*

ويَطْوِي في عَبَاءتِهِ المَدَى، يَطْوِي بها الآفاقْ

سَلاماً، سيّدَ النَّغَمِ الذي يَنْهَلُّ في عودي!

سلاماً.. عبقريَّ الأمسْ

سلاماً.. يا رفيقَ الشمسْ

سلاماً.. يا أَبا قِيثارتي، يا كَرْمَ عُنقودي!

أنا العربيُّ في البصرةْ..

بلا كوبٍ، ولا خَمرَةْ

أَدُقُّ خِباءَكَ الأسمَرْ

أُريدكَ.. في يَديَّ سُؤالْ

حديثٌ، سَمِّهِ ما شِئْتَ، وَمْضُ خَيالْ

أُريدُكَ.. يا أَبا الألحانِ، يا عَرَّافَها الأكبرْ!

*

وتَحمِلٌني إلى خضراءَ سامقةٍ من القِممِ

ذِراعا سيدِ النَّغَمِ..

ويَحضُنني يتيماً من يَتاماهُ

وألقاهُ..

كما أوْفَى أخو الرمْضاءِ* مكدوداً على الظلِّ

كما انغَرسَتْ بصدرِ الرملِ بعد ضَياعِها في الريحِ

يوماً حبَّةُ الرمْل..

وافتَحُ دفتري.. وتَمزُّقيَ..

سأخُطُّ ما يُمْلي..

وسوفَ أبُثُّه همّي

وهَمَّ الشعْرِ.. لن يحنو على يُتْمي، على ثُكْلي

على صوتي المُمزَّقِ في مقابرِنا سوى أهلي

a7med
03-13-2009, 04:23 PM
عند الجاحظ




الجاحظ:

"يبدو في وسط الحجرة شيخاً متهدماً مقعداً،

لا تفارقه روح البشاشة والمرح. يشير بيده إلى

رفوف الكتب التي تملأ الحجرة من حوله.."

...

زَحَمتْني.. فما أُطِيقُ حَرَاكاً

في مكاني.. ولا أُسيغُ قُعودا

أثقلَتْ كاهلَ الجدارِ، فَبيتي

يتَشكّى رُكامَها مكدودا

الرفُوفُ الحُبْلَى، وأخشَى اذا ما -

لتْ - وُقيتَ الأذى - أكونُ الشهيدا

وَرَقٌ قِصَّتي هنا.. ومِدَادٌ

وَرَقٌ يَأْكُلُ الحياةَ نضيدا

كُتُبي.. لو أَبِيعُها بنشيدٍ

قِمَّةُ الحُلْمِ أَنْ تكونَ نشيدا

بحديثٍ حُلْوٍ تُقهقِهُ فيهِ

طُرْفَةٌ لا أَمَلُّها ترديدا

الرفوفُ الحُبْلَى.. تَجنَّب أَذاها

والتمِسْ إن وجَدْتَ رُكْناً بعيدا

هذهِ حُجْرتي.. وأَهلاً وسَهلاً

قَتَلَ الحرفُ عُمْرَنا تَفنيدا

...

الشاعر: أنا ضَيفُ التاريخ..

الجاحظ: دَعْكَ من التاريخِ،

لا تَقتَحِمْ سُكونَ الظلامِ

أنا تَوْقٌ إليكمُ وحنينٌ

وانتظارٌ مُرٌّ وراءَ الرُّكامِ

أنا تَوْقٌ أَمُدُّ طَرْفي إلى الآ -

تي، وحَسْبي مما أَراه أَمامي

إِدْفِن النُّوقَ في الفَلاةِ وخُذْني

مرةً في الأثيرِ.. فوقَ الغَمامِ

أنتَ آتٍ على قوادمِ "عِفرْيتٍ"

يَجُوزُ الفضاءَ كالأَحلامِ

بجميعِ الذي كتَبْتُ نهارٌ

أمتطي الريحَ فيه من أيامي

آهِ.. ما أَرْوَعَ السحائبَ يَشمَخْنَ

ليلحَقْنَ ظِلَّكَ المُترامي

سبَقَ الفِكرُ يا صديقي رُؤَانا

طارَ خَلْفَ الظُّنونِ والأوهامِ

أَنْبأُوني أنَّ المراكبَ في الحوِّ

تَشُقُّ السماءَ مثْلَ السهامِ

تَصِلُ الأرضَ مِثْلما تَصِلُ الهُدْ -

بينِ نجوى أو خَطْرةٌ في منامِ

...

أَنْبَأُوني أَنَّ السماواتِ صارت

- قُدِّسَ الربُّ- مَوْطِئَ الأَقدامِ

واذا الكوكَبُ المنيرُ ظلامٌ

وفَراغٌ كالموتِ، كالإعْدامِ

سَرقَتْ عمرَنا الأساطيرُ ما جَدْ

وى قُعودي في كَهْفِها وقيامي؟

لو تحرَّرْتُ ساعةً من قيودي

بالتحدِّي صرَخْتُ: هاكَ زِمامي!

مَرْحَباً أيها الصديقُ.. وقلْ لي

كيفَ أنجو من هذه الأصنامِ؟

...

الشاعر: "في صوت هادئ واجلال"

أيُّها الكوكَبُ المُشِعُّ على أَرضي،

يُضيءُ الأقلامَ جيلاً فجيلا

ما نزَلْتُ التاريخَ إلا لأَلقا-

كَ عِناداً يُروِّضُ المستحيلا

أنتَ بَوَّابةُ العصورِ تقحَّمْتَ

على العقلِ بُرْجَهُ المجهولا

عالَمٌ أنتَ من مِدادٍ وضَوْءٍ

عالَمٌ لا يموتُ، فاهدَأْ قليلا

أنا آتٍ على قوادمِ "عِفْريتٍ"

اجُرُّ الدَّمارَ والتنكيلا

ليسَ لي من روائع العصر إلا

ما تراهُ ضَراعةً وخُمولا

القناديلُ في يديْكَ، فَعلّمْ

جيلنا كيفَ يُشْعِلُ القِنديلا

القناديلُ نحنُ تَذْكارُها المُرُّ

لو أنَّ التَّذْكارَ يُجْدِي فتيلا

قد حَملْتُم عِبْءَ، الحَضارة يوماً

وحَملْنا ضَرِيحَها إكليلا

...

الجاحظ: "يرسل زفرة عميقة"

هَدَّني الليلُ، هَدَّني فوقَ أوراقيَ السَّهَرْ
أنَا جِذْعٌ مُهَشَّمٌ في فَمِ الداءِ يُحْتَضَرْ
كلُّ شيءٍ إلى البلى إنّها دورةُ الفَلَكْ
ليتَني عدْتُ سيرَتي بائعَ الخُبْزِ والسَّمكْ*
...

الشاعر: مِنْ هنَا يَبْدَأُ السُّرَى كُلُّ صادٍ إلى الشَّفَقْ
من غَياباتِ شارعٍ وحَوانيتَ لِلْوَرَقْ
سُنَّةُ المُبْدِعينَ في كُلِّ آنٍ

وَمكانٍ ما بَدَّلَتْ تبديلا

يَنْسُجُونَ الغُبارَ تاجاً على الدهـ

رِ وظِلاً للقادِمين ظليلا

سُنَّةُ المُبْدِعين.. نَأْخُذُ ما أَعْطَوا،

ويَنْسَى المُقَلّدون الأَصيلا

نتَمَطَّى، نَشُدُّ قاماتِنا الكَسْلَى

وَنبْقَى في السَّفْحِ شيئاً ضئيلا

أَنْتَ أَقْوى مُهَشَّماً في فَمِ الداءِ

وأعتَى مُهَدَّماً مشلولا

...

الجاحظ: "يبتسم كأنما يريد أن يغير الحديث"

بُخَلائي في عَصرِكُمْ كيفَ أمْسَوْا!

الشاعر: "بعد لحظة صمت"

ضَخُموا جُثَّةً، وزادوا ثَراءَ

وَلَغتْ في دمِ الملايينِ أَيديهمْ

فما يَحْصدُونَ إلا الدماءَ*

مَلَكُوا الأَرضَ غاضِبينَ وكانُوا

ثُلّةً تُشْبِعُونَها اسْتِهْزاءَ

...

الجاحظ: مُفْزِعٌ ما تقولُ..

كيفَ سَكَتُّم؟

الشاعر: ما سَكَتْنا..

الجاحظ: أتَرْهَبونَ اللقاءَ؟

الشاعر: بَعْضُنا آثَرَ السلامةَ والصمْتَ؟

الجاحظ: وبَعْضٌ؟

الشاعر: تَكَلَّموا شُهَداءَ

الصِّراعُ العنيدُ.. في كُلِّ ركْنٍ

ساحةٌ فُجَِرَتْ، وصُبحٌ أَضاءَ

عَرَفَتْ لُعْبةَ السلاحِ الملايينُ

وثارَتْ.. لو تَسْمعُ الأنباءَ!

الجاحظ: عَجَبٌ ما أَرى.. تَبدَّلتِ الدنيا،

الشاعر: ولَبِّى فيها سِوانا النداءَ

a7med
03-13-2009, 04:24 PM
نشيد الحوريات


بقايا رحلة نهرية

في شط العرب.

***

الحوريات: من أجنحةِ الغيم الأزرقْ

من أحداقِ الزهرِ

من ألفِ شراعٍ يتألقْ

من أحضان النهرِ

نتحدّرُ نحنُ نجيءْ

نغماً في الشطّ يُضيء

من أجنحةِ الغيمِ الأزرقْ

*

سَمّوْنَا: حُورَ الماء

كنا حلم الشعراء

غنوا.. سبحوا بجدائلنا

سرقوا كلماتِ رسائلنا

ونروحُ هنا ونجيءْ

نغماً في الشطّ يُضيءْ

والأفقُ لنَزْوتِنا زَوْرَقْ

*

الشاعر: يا إلاهاتِ الهوى.. هذا ربابي!

وبقايا من لهيبٍ وترابِ

قطرةً من رَوْعةٍ في وَتَري

يا إلاهاتُ.. ونَضَّرْنَ يبابي!

...

الحوريات: سَمّونا حور الماءْ

وندامانا الشعراءْ

مَرَّ "الملكُ الضِلّيلُ"* بنا

وجميل بثينة.. كان هنا

ومجانينُ الفَلَواتْ*

وقوافلُ من زَفَراتْ

ما زالت في نَهْدٍ تشْهَقْ

*

أبدَعناكُمْ وتراً وترا

أعطينا الأجفانَ السّهرا

لم نبخلْ بالجسدِ البضِّ

من قُبلتِنا عطر الأرضِ

قطّرنَا اللذة في الحبِّ

وأعرْنا النّبضةَ للقلْبِ

وبقيتُمْ شوقاً يتحرّقْ

...

الشاعر: قُدِّسَ السرُّ الذي تَحْمِلْنَهُ!

قُدِّسَتْ فتنتُهُ أمُّ العذابِ!

يا إلاهاتِ الهوى.. هذي يدي

لهفةٌ ضارعةٌ، هذا سَرَابي!

...

حورية أولى: لا تلمسْ بالفاني جسدي

خُذني همساً خلف الأبدِ

تعطَى شفتي وتُباحْ

من يملِكُ ظِلَّ جَناحْ

تَتَلوَّى كالأَفعى الرّغبَةْ

فافتح لي جنّتكَ الرحبَهْ

وتعالَ بأغنيةٍ نَغْرَقْ

...

حورية ثانية: أترنّحُ مثلَ شِراعْ

أتعرّى مِثْلَ شُعاعْ

لا أُومِنُ بالحُلُمِ الأخضرْ

الأرضُ لنا.. هيا نَسْكَرْ

الأرضُ تمدُّ ذِراعيها

أشواقي منها وإليها

في صدري لَيْلُكَ.. لا تأرَقْ

...

الشاعر: يابْنَةَ الماءِ.. تعرّيْ فِتنةً

اوفرِ في هاجساً خلفَ الضبابِ

أنتِ ينبوعي.. وطاغٍ عطشي

وأنا وحدي أختارُ شرابي

...

حورية ثالثة: في فجرِ الحبّ.. غريراتُ

تتفجّرُ، تغلي الصّبَواتُ

الشطُّ الصامتُ وشوشني:

ما جدوى النسمةِ تلمِسُني..

وتطيرُ بلا أصداء

يملأُنَ حياة الماء

يسقينَ من الظّمأِ الأعمقْ؟

...

الحوريات: أين "الملكُ الضلّيلْ"؟

جُوعٌ في الرملِ قتيلْ

أين الآتونَ على الدربِ؟

للنشوةِ نحنُ، وللحُبِ

لا تنطفئُ الزّفراتْ

وضفائرُنا عطِراتْ

الموجةُ تهتِفُ.. فَلْنَغرقْ!

***

"تنسحب عرائس الماء..

الواحدة بعد الأخرى..

ثم تتوارى بين النخيل."

***

الشاعر: قُدّسَ الُحسنُ.. تعالى عَرْشُهُ

جسداً بَضّاً وريعانَ شبابِ

يا بناتِ الماء.. طاغٍ عطشي

وأنا وحدي سأختارُ شرابي

___________

a7med
03-13-2009, 04:24 PM
شهرزاد الجزيرة


"تبدو في ضوء القمر فتاة رائعة الجمال"

***

شهرزاد: غابة الضوءِ خلفنا غابةُ الماء والشجرْ
وعلى شاطئ الرمال

أنت ظلٌّ من الظلال

أيها الزائر الذي جاء يستنطقُ القمرْ
يتقرّى طيوفنا يسأل الصمتَ عن خبرْ
هل تشفّيتَ بالصدى وتبلّغتَ بالأثرْ؟
الشاعر: أنتِ يا موجةَ عطرٍ غامضٍ

طَلَعَتْ من كُوّةِ الليلِ عَلَيّا

مَرّ أترابُكِ.. عَمّا لحظةٍ

وتوارينَ نشيداً عبقريا

ساحراتُ الشطِّ.. ما زلتُ على

شفةٍ لمياء كأساً وحُمَيَّا

شهرزاد: لستُ مِنهُنَّ.. صورةً

كُنّ من عابرِ الصُّورْ

إقتربْ.. هذه يدي

أنا منكمْ.. من البشرْ

لي على الشطِ دارَةٌ

للحكاياتِ والسّمَرْ

إقتربْ..

الشاعر: "لنفسه" يا لَفِتْنةٍ

تملكُ السمعَ والبصرْ!

شهرزادُ التي...

شهرزاد: نعمْ.. شهرزادُ التي تنامْ

في أراجيحَ من غمامْ

..

في دمِ الشرقِ مخدعي

في أساطيره أنامْ..

في ثَنِيّاتِ قِصَّةٍ

عُمرُها ألفُ ألفِ عامْ

الشاعر: حُلْمٌ أنتِ

شهرزاد: بل صِباً وشبابٌ مٌجسّدٌ

بيننا موعدٌ على

شُرفةِ الليلِ..

الشاعر: موعد؟

شهرزاد: أخضرٌ في رحابه

كلُّ شيء يجدَّدُ

فجأة.. تنفُضُ العصو

رُ رَدَاها.. وتولدُ

هاكَ يا شاعري يدي

أيّ دنيا سنَشهَدُ!

...

عبق الأمسِ دربُنا وعلى كفنا الغَدُ
***

"تأخذ بيد الشاعر وتنطلق رشيقةً كالنسمة،

لينةً كالحرير."

***

الشاعر: أين تمضين؟

شهرزاد: أناةَ.. هذه

سُجُفُ الغيبِ تهاوى في يَديّا

نسجونا من رُؤاهُمْ.. أَيّهُمْ

تتمنّى أن ترى..

الشاعر: لم أرَ شيئاً..

من تُريدينَ؟

شهرزاد: سُؤالٌ عَجَبٌ

همسةٌ من إصبعي تُدني القَصِيّا

تصهرُ الأبعادَ، تجلو عالماً

لم يزل مفتاحُهُ الغالي لديّا

"تشير بيدها ناحية الصحراء"

القناديلُ التي عاشتْ هُنا

إرثُنا الماضي يعودُ الآن حيّا

إرثُنا .. أيّ سِراجٍ غابرٍ

أُشْعِلُ الساعةَ.. أدعوهُ إليا؟

أنا كلُّ الرّغباتِ .. اتّقدَتْ

فيكَ خُلْماً يَسَعُ الليلَ شَهيّا

أيقظِ الأجدادَ من غُربتهمْ

حلَّ بالأُغرودَةِ اللغزَ العصيّا

شاعِرٌ أنتَ..

الشاعر: "كمن يستيقظ فجأة من حلم عميق"

وفي هذا المدى

غَزَلتْني الريحُ شعراً عربيا

لَمّني "الأزْدِيُّ"* في أوتاره

شدّني بالبيد.. لحناً أبديا

ليتني ألقاهُ .. يا ساحرتي

شهرزاد: خطوة أخرى

ودُقَّ البابَ .. هَيّا!

a7med
03-13-2009, 04:25 PM
حوار مع الخليل


الخليل بن أحمد

"يبدو في صدر المكان، مهيباً، أليفاً، تنتشر

حوله أكداس من الرسائل والصحف يرفع بصره

عن جريدة في يده..."

***

قَرأْتُ الجريدةْ..*

قرأتُ الكلامَ الذي تنشُرونْ

وشِعراً تُسَمُّونَ ما تكتبونْ

عمودانِ.. لا سَجْعَةَ الكاهنِ

لمحتُ.. ولا خِفّةَ الماجنِ

ولم أتبيّنْ تُخُومَ القصيدةْ

*

أُزحْزِحُ عن ناظِريّ السُجُفْ

أُطِلُّ على عَصْرِكم يا بُنَيّ

أُطِلُّ وأسألُ عن كل شيءْ

وأقرأُ.. أقرَأُ كلّ الصُحفْ

*

بُلِينا قديماً بِمَدِّ النَظَرْ

نُفَتِّشُ حتى حفيفَ الشجرْ

نُقَلّبُ كلّ رمال الفلاةْ

نَمُرُّ عليها حصاةً.. حَصَاةْ

نُسائِلٌها أبداً عن خَبَرْ

ونَرْجِعُ حيناً بلَفْحِ الهجيرْ

وحَرِّ السعيرْ..

ونَزْرٍ من الزادِ، نَزْرٍ يسيرْ

ولكننا لا نَمَلُّ السفَرْ

*

أشِعراً تقولون؟

هذي الجريدة

رُموزٌ عنيدةْ

أَغُوصُ على السرّ مُنذُ الصباحْ

فلا النورُ ذَرّ، ولا السرُّ باحْ

مُعقّدةٌ أُحْجِيَاتُ الشبابْ

أماءٌ وراءَ الدُّجى أم سرابْ؟

أرَوْضٌ تمنّعَ لا يُستَباحُ

لِذي بَصَرٍ؟ أم يَبابٌ يَبابْ؟

سأُعِمِلُ فكري

سأجتازُ عصري

أُغلغِلُ في هذه الأغنيةْ

أسافِرُ في تِلكُمُ الأُحجيةْ

لعلّي أُمزّقُ هذا الضبابْ

أُحبُّ الطُّموحَ، أُحِبُّ الشبابْ

...

الشاعر: أبا المنشدينَ.. وميزانهمْ

اذا هزّتِ الريحُ ألحانهُمْ

وضاعتْ .. وضاعوا

فأنتَ الشراعُ

وأنتَ السفينةْ

وبابُ المدينةْ

نَحومُ على كلّ دربٍ جديدةْ

ونبقى ضُيوفَ الخِباءِ العتيقْ

قوافلُ عطْشَى.. وأنتَ الطريقْ

وفي الخيمةِ الأمّ تبقى القصيدةْ

*

عفاريتُكَ الطامحونَ الشبابْ

يُريدونَ هذا الدُّجى والضبابْ

يريدونه ألفَ لونِ ولونْ

وليس يَهُمُّهُمْ ما يَرَونْ

يقولون في فَوْرةٍ من غَضَبْ

يقولون: مَلّتْ يدانا الخَشَبْ

نُسمّيهِ ورداً وعِطراً ونضرةْ

لِيَمْشِ على اليابسينَ اللهبْ

ليمشِ اللهبْ..

لعلّ ربيعاً جديداً يمورُ..

وراء القبورِ..

بأرضِ العربْ..

*

أبا المُنشدينَ العِطاشِ الصغارْ

سَئِمْنا النهارْ

سئِمنا: "تعلّمْ يا فتى فالجهلُ عار."

سئمنا سُكونَ الضحى والهجيرْ..

ومات الغدير

لألفٍ خلونَ - يقول الصغارْ -

تَيبّسَ في القَفْرِ، ماتَ الغديرْ

فدَعْهُمْ يلوبونَ خلفَ الصقيع

وخلفَ جريرٍ، وخلف الفرزدقْ

وألفِ جدارٍ أنيق مُزَوَّقْ

هَوى، وانطوى، رُبّ حلمٍ تحققْ

وعادوا بزنبقةٍ من ربيعْ

...

الخليل: "ماتزال الجريدة في يده

يلقي عليها نظرة من حين

إلى حين.."

قرأتُ الجريدةْ.

وما زِلتُ أسألُ: أين القصيدةْ؟

وما زالَ ظِلّ الجدارِ العتيقْ

على شُرُفاتِ الزمانِ السحيقْ

أرقّ وأندى

وأكرم وِرْدا

يَهُزُّ النيامَ، يُنادي العطاشَ،

يديرُ على الشاربينَ الرحيقْ

*

خذوا يا بُنَيّ شِعابَ الظلامْ

ودُقّوا خطاكم بأرضِ الغرابةْ

لعلَ سحابةْ

من الغيبِ تُمْطِرْ

فتخْضَرّ هذي الصحارَى وتُزْهِرْ

ولكنَ في الشعرِ سِراً ينامْ

يُفيقُ اذا أومأتْ إصْبَعُ

يُفيقُ اذا مَسّهُ مُبْدِعُ

وكُنا لنَبْرتِهِ يا بني.. نصلي

لبيتٍ اذا هزّنا نركعُ

...

الشاعر: بيانٌ مُوَشّى..

يقولُ الشبابْ..

بيانٌ موشّى

بأعصابنا ألفَ جيلٍ تمشّى

ودقّ البيارِقْ

على كلّ خافقْ

وعِشْنا، ومِتنا، أَسارَى النَّغَمْ

عبيدَ "إلهٍ" يُسمي: القِدَمْ

فهلا أذِنتم لريشِ التحدي

يطيرُ.. ويحطم هذا "الصنمْ"

...

الخليل: "يرمي الصحيفة من يده، يعلو صوته قليلاً ولكنه يظل

هادئاً وقوراً:"

أحبُّ الطُّموحَ، أحبُّ الشبابْ

أخشى على اللاهثينَ السرابْ

خلعتمْ من العودِ أوتارَهُ

فيا حَطَباً .. قيلَ عنه: ربابْ!

"إلهُ" التراثِ.. "إلهُ" القِدَمْ

عدوّ الهُزالِ، عدوُّ السقمْ

عدوّ الفراغِ الذي يُغِرِبُ

عدوُّ الغمامِ الذي يكذبُ

وكنا لهدرتهِ.. يا بنيْ

نُصلّي.. ونمنحُهُ كل شيْ

أُحِبُّ المُعافى

من الشعرِ والنثرِ،

أهوى المُعافى

قرأتُ الكلام الذي تنشرونْ

تملّيتُ هذا الذي تُنْشِئُونْ

هياكلُ .. ألمسها مشفقاً

هياكلُ يرزحنَ جوفاً عجافا

دعوا الليلَ يأكلُ أجفانكم

على الحرفِ أبيضَ أو أصفرا

على النبرةِ البكرِ شُدُّوا العيونَ

وجوسوا على الصعبِ قلبَ الثرى

جُذوركُمُ عندنا، والربيعُ

سيولدُ من قبرنا أخضرا

لبيتٍ سجدنا.. فهل بينكمْ

جبينٌ على نغمةِ عُفِّرا؟

...

الشاعر: أبا الشعرِ.. سُقْتُ إليكَ الظّما

حواراً، وما أنا بالشاعر

سناناً أقاتلُ موتي به

أغيرُ على القدرِ القاهر

حملتُ النشيدَ.. وفجّرتُهُ

أهازيج في الموكب الهادر

أُعِيرُ به قدماً للكسيح،

أصبُّ به الضوءَ في الناظر

أفتشُ عن أهليَ الضائعينَ

بكل الذي مرّ في الخاطر

بكل القوافي، بكل البحورِ،

بماضي "التفاعيل" والحاضر

بأحدَثِ ما يستطيعُ الأداءُ،

بأعتقِ لحنٍ من الغابرِ

...

أفتّشُ عن طفلةٍ في الظلامِ

واكتبُ عن جوعها الكافر

عن الطين في قريتي، عن شريدِ

ينازع في الملجأِ العاشر

ملايين لم نعطهم في العراء

سوى الذلّ والضجةِ العاقر

ملايين يزدردون البيانَ

على قلمي بالفم الساخر

ملايين ترشحُ أسمالٌهم

تفاعيلَ ليلٍ بلا آخر

ملايينُ.. من بؤسهم ريشتي

ومنهم صدى صوتي الثائرِ

هُمُ الشعرُ في عصبي، في دمي

هُمُ الهمُّ، هُمْ زَفْرةُ الزافرِ

لميلادِهمْ قلتُ ما قلتُهُ

وبشّرتُ بالألمِ الظافرِ

وعنهمْ حملتُ إليكَ الشَكَاةَ،

فهل أنت يا سيدي عاذري؟

سِنَانٌ.. أُقاتلُ موتي به

سِنَانٌ .. وما أنا بالشاعرِ

a7med
03-13-2009, 04:27 PM
عودة شهرزاد


شهرزاد

"تظهر فجأة أمام الشاعر وهي تضحك"

كان الحديثُ مُضيئاً..

كنتُ أسمعُهُ..

الشاعر: وأينَ كنتِ؟

شهرزاد: على أرجوعةِ القصبِ

تموّجتْ في شِعابِ النّخْلِ أُغنيةٌ

فغِبْتُ فيها..

الشاعر: خُذيني..

شهرزاد: "في جد":

لستَ للهرب

مسمّرٌ أنتَ في الصحراء، متّحِد

بالأرضِ، ممتزجٌ بالكأسِ والعِنَبِ

بالحزنِ يحمل تاريخاً برُمّتهِ

في منكبيهِ.. وحلماً في جفونِ نبي

مُعَذّبٌ أنتَ..

مصلوبٌ على حُلُمٍ

...

الشاعر: أنا الذي اخترتُ..

شهرزاد: واصِلْ رحلةَ السَّغَبِ*

لا تنشدِ الظلّ، لا تحلمْ بِزَنبقةٍ

على الطريقِ..

تَشرّدْ وحدكَ.. اغتربِ!

إقبضْ على الريحِ واسقِ الظامئينَ بها

وأطعمِ الجوعَ والجوعى دم الحِقَبِ

دمَ الظلامِ عميقَ الموتِ تَجلدهُ

ولا حراكَ..

تمزّقْ وحدكَ!

اغتربِ!

لا.. لستَ للهربِ

لا.. لستَ يا شاعِرَ الأصفادِ للهربِ

..

الشاعر: "في شبه توسل"

ياروعة الليل، يا أسرار فتنتهِ

ويا أساطيرهُ النشوى ورياه

على جمالِكِ فتّحنا محاجرنا

ومن حكاياتكِ السُّمْرِ ارتشفناهُ

كبِرتُ يا حُلوةَ العينينِ في رَهَقي

كَبِرتُ في حملِ تابوتي وموتاهُ

في صدركِ الحبُّ مِلءُ الليلِ نِعمَتُهُ

وفي ذراعيكِ يَنْسَى الشعرُ بلواهُ

أقاتِلُ الدربَ كي تَخْضَرّ نرجِسةٌ

على جناحيكِ.. يا أحلى عطاياهُ

أليس للمُجْهَدِ المكدودِ زاويةٌ

على بساطكِ.. والدنيا زواياهُ؟

أنت التي نسجتْ لليلِ أجنحةٌ

وأعطتِ الجسدَ الجوعانَ معناهُ

وبَرْعَمَ الشعرُ في نهدَيْكِ أُغنيةً

يقالُ: عَتَّقَها في عُودِهِ الله

وتُشرقينَ على صحْرائِه غزلاً

حلواً فتغرقُ في عينيكِ صحراهُ

خُذي حِوَاري..

خُذي صَمْتي..

خُذي سَفَري..

شهرزاد: "تأخذ بيده مرة أخرى"

هيهاتَ!

هَيّا.. نُتَمِّمْ ما بَدَأْناهُ!

a7med
03-13-2009, 04:28 PM
الرفيقة شهرزاد


شهرزاد: "مرة أخرى.. تقفز من موجة على الشاطئ. وهي

تقهقه.. تقترب من الشاعر وهي تربط غدائر شعرها

المبتل بمنديل أزرق."

***

ألم تتعبْ؟

الشاعر: خيالكِ رِقّةٌ وندى

وشِعْرٌ يزرعُ الصحراء أشجاراً وريِّ صدَى

خيالُكِ..

شهرزاد: لا تضِعْ في الحُلْمِ كالأطفالْ

تعالَ.. تعالْ

هُنا في هذه الخيمة..

"تشير بيدها إلى خيمة قريبة"

سنسمع بلبلاً لم تعرفِ البيداءْ

أحبّ، ولا أرقّ غناءْ

هنا المطر الذي تشدو به الغيمةْ..

الشاعر: لقاءٌ آخرٌ؟

شهرزاد: لم لا؟

ألم تقرع علينا الباب؟

ألستَ الظامئَ الآتي إلى العنقود

يريد رحيقنا المرصود

ويحملُ في يديه الليل، والأشواق، والأكواب؟

الشاعر: من المطر الذي تشدو به البيداءُ؟

سعيدٌ من تُغني شهرزاد به

وتحمله بخاطرها أريج ثناءْ

شهرزاد: أَغِرْتَ؟

الشاعر: "ضاحكاً"

نعم!

شهرزاد: "جادة"

أُحبُّ حديثه الصافي

أحبُّ كلامه.. بعض الكلامِ غِناءْ

الشاعر: "يتذكر فجأة قصة ألف ليلة وليلة"

تمنّى الصبحُ يوماً لو يسافرُ دونما أوبةْ

ليبقى الحبُّ والغُربَةْ

ليبقى الليلُ في شَفتيْكِ أنتِ حكايةً عذْبةْ

"إلهاً" عندما أومأتِ صار الطينْ

"إله" حنينْ..

وإنساناً سوياً صارتِ الرّغبة

شهرزاد: "في شيء من العبث"

تعالَ.. تعالْ

شبابٌ أنتم الشعراءُ لا يهرمْ

وبحثٌ عن ربيعِ الحبِّ لا يسْأَمْ

وصادِيةٌ من الشكوى

تَلُوبُ العمرَ.. لا تَرْوَى

تعالَ.. تعالْ!

أحبُّ الشعرَ والأطفالْ

الشاعر: ألا ما أضيعَ العُمْرا

بغيرِ طفولةٍ يا شهرزادُ..

طفولةٍ سَكْرى!

ألا ما أفقر الدنيا!

ألا ما أحزنَ العُمْرا!

شهرزاد: "على عبثها"

حسبي لياليَّ الطِوالُ الطِّوالْ

لن أفتحَ الآنَ لأخرى الكُوىَ

لن أدخُل الليلةَ سجنَ الهوى

الشعرُ باقٍ بعدنا والجمالْ

الشاعر: "مذعناً"

إني وما تهوينَ..

شهرزاد: "في شرود"

أهوىَ - على

كثرة ما قلتُ - الذي لا يقالْ

أهوى ليالي الصمتِ، أهوى الأسى

لن أرفعَ السترَ.. مُحالٌ، محالْ!

لا تُوقظِ الأيامَ في خاطري

لا توقظِ الأشباحَ..

هيا.. تعال!

"تنطلق بالشاعر نحو الخيمة القريبة"

إلى زميلي.. في حديث المساءْ

وفي ينابيعِ الهوى والضّياءْ

يروي.. كأنّ العودَ في صوتهِ

يستيقظُ التاريخُ أيان شاءْ

إلى زميلي.. كلُّ أيامكمْ*

وشعركمْ قيثارةٌ في خِباءْ

تعرفُهُ.. ترشُفُ من كوبهِ

منذُ تعلّمتَ حروف الهجاءْ

إلى زميلي..

الشاعر: شاعرٌ؟ أيهمْ

تعنينَ؟

شهرزاد: لا، لا، لم نكنْ أدعياءْ

نحنُ سُقاةُ الخمرِ يا شاعري

نحن رُواةُ الفنّ، نحن الأداءْ

الآنَ أمضي..

"تتوارى مسرعة"

هاتِفٌ عابِرٌ

عندَ صديقي الأصمعيّ اللقاءْ

a7med
03-13-2009, 04:32 PM
في خيمة الأصمعي


الأصمعي في صدر الخيمة، ينشد من شعر جرير،

وإلى جواره الشاعران الأمويان جرير والفرزدق."

***

"حيِّ المنازلَ إِذْ لا نبتغي بدلاً"

"بالدارِ داراً، ولا الجيرانِ جيرانا"

"كيف التلاقي؟ ولا بالقيظِ محضَركُمْ"

"منا قَريبٌ، ولا مَبْدَاكِ مبدانا"

"إنّ العيون التي في طرفها حَوَرٌ"

"قتلننا، ثم لم يُحيينَ قتلانا"

"يصرعن ذا اللُبَّ حتى لا حراكَ به"

"وهنَّ أضعفُ خلق الله أركانا"

جرير: "في زهو ونشوة"

أنا نسمة الليلِ التي بردتْ

فتمرّغتْ بأريجها البيدُ

أنا شاعرُ الأحلامِ والغَزَلِ

أنا سكرةُ القُبَلِ..

الساجعاتُ بناتُ حنجرتي

والكرم عندي والعناقيد

الاصمعي: "يواصل الانشاد من شعر جرير"

"يا حبذا جبل الريان من جبلٍ"

"وحبذا ساكن الريان من كانا!"

"وحبذا نفحاتٌ من يمانيةٍ"

"تأتيكَ من قِبَلِ الريّانِ أحيانا"

"هل يرجِعَنَّ، وليس الدهرَ مُرتجعاً"

"عيشٌ بها طالما احلَولَى وما لانا؟"

"أزمانَ يدعونني الشيطان من غَزَلي"

وكنَّ يهوينني إذ كنتُ شيطانا"

جرير: "في شيء من الأسى"

سرق الكلابُ* روائعي ، سرقوا

عمري، ولامتني الأغاريدُ

لولا مُهارَشَةٌ شُغِلْتُ بها

رقصتْ على نغمي الأماليدُ

أسكرتُ صحراء الهوى غزلاً

ذابتْ على نفحاتيَ الغيدُ

الفرزدق: "إلى الأصمعي.. في غضب"

تروي له.. وتشيحُ عني

أنا بدعةُ الوترِ المُرِنّ

مني قوافيه الحِسَانُ

وهذه الخطراتُ مني*

جرير: "محتداً"

أُنفُخ بكيرِكَ لاهِثاً*

واتركهُ في روضي يُغَنّي

الأصمعي: "ينشد من شعر الفرزدق، وهو يبتسم للعراك

الذي كان ينشب بين الشاعرين"

وركبٍ كأنّ الريحَ تطلبُ عندهم"

"لها تِرةً* من جذبها بالعصائبِ"

"سروا يخبطونَ الليل وهي تَلُفُّهُم"

"على شُعبِ الأكوارِ* من كل جانبِ"

"إذا ما رأوا ناراً يقولونَ: ليتها"

- وقد خصرتْ* أيديهم - نار غالبِ*".

الفرزدق: "متشامخاً"

هذا شراعي لاعباً

بالريح يرتجل المناقبْ

جدي زرارهُ، والمجرّة

بيت صعصعةٍ وغالِبْ

إلى جرير: من أنتَ؟ لا أصلٌ رسا

بين الأصولِ ولا ذوائبْ

"إنّ الذي سمكَ السماء"*

بنى السماء لنا مضارِبْ

"يزداد انتفاخاً وزهواً"

أنا سيد الكلماتِ تشـ

ـرُدُ في المشارقِ والمغاربْ

أعتى شياطين القريضِ

على بنانيَ..

جرير: "مقاطعاً"

أنت كاذبْ..

الموبقاتُ جميع زادكَ..

الأصمعي: "متضايقاً"

لا شجار، ولا شتائمْ

أوَ ما انتهينا؟

الشاعر: دعهما يتهارشانْ!

يحيا بصوتهما المكانْ

يمتدُّ في الأبدِ الزمانْ

ما العمرُ؟

ما التاريخُ؟

ما الدنيا؟

بلا قيثار حالمْ

الأصمعي: مرّ الزمانُ على زُرَارةَ ساخراً

ومضى به الحدثانْ

ماذا أضافَ إلى الحياةِ سبابُنا

ماذا أضاءَ وَزَانْ؟

العبقريةُ.. لم تهبنا ريشها

لنطير في الأدْران..

إلى الشاعر: من أنت؟

لم ألمحك في الندواتِ..

لم أعرفك قبلُ

الشاعر: "مبتسماً"

لا بأسَ.. نحن على الزمانِ

عشيرةٌ أبداً.. وأهلُ

الأصمعي: "مواصلاً حديثه السابق"

السابقانِ المُلْهمانْ

قد أطعما للّغْوِ أروَعَ ما يجودُ به البيان

تركا ينابيعَ الجمال إلى نُفَاياتِ اللسان

جرير والفرزدق: "بصوت واحد"

عِشْتُم على أشعارنا وبياننا

عشتم على كلماتنا العطِراتِ

تتسابقون إلى ضفافِ كُؤُوسنا

كي تنغَبوا من فضْلِنا نَغَباتِ

أنتمْ رواةَ الشعرِ بعضُ نتاجِنا

بعضُ الذيولِ عَلِقْنَ بالحِبَرَاتِ*

شهرزاد: "تدخل فجأة"

طبتم مساءً!

الجميع: "يتجهون بأنظارهم إليها"

وطابتْ زهرةُ النادي!

شهرزاد" "في لهجة تأنيب"

ضاعتْ قوافِلُنا .. واستسلم الحادي

ماتت قصائدنا في ألفِ عاصفةٍ

هبّتْ على أرضِنا، في ألفِ ميلادِ

جرير والفرزدق: ماذا تُريدين؟

شهرزاد: قوما من سباتكما

وحدِّقا في جبين الشمس، في الأُفقِ

العائدون من الأفلاكِ في شُغُلٍ

عنا.. عن القفصِ المهجور في نَفَقِ

الأصمعي: "متهلل الوجه"

هذا الذي طافَ في رأسي..

شهرزاد: مصيبتنا

أنَّا رقدنا على حُلْمٍ.. ولم نُفِقِ

الشاعر: "هامساً"

أقبلتِ في الموعدِ يا شهرزاد

يا موسم العطر إلى الزهر عاد

تحجّر الأجدادُ في كهفهمْ

نحن ضحايا الكهف، نحن الرُّقادْ

الأصمعي: "للشاعر"

على لساني أنتَ..

الشاعر: لم نختلفْ

إليكَ نادتني السنون البعادْ

الأصمعي: آمنتُ بالفنِّ .. مصابيحُهُ

في كلّ فجرٍ ثورةٌ واتّقادْ

غَنّيْتُ ما يبقى.. وما هزّني

من كل ما استظهرْتُ إلا الجيادْ

شهرزاد: لولا ليالينا.. انطوى ذكرهم

نحن حفظنا الكنزَ من كلِّ عادْ

الأصمعي: "لشهرزاد"

صديقتي.. عنكِ أخذنا الرُّؤى

منكِ تعلّمنا عطاءَ السُّهَادْ

ندوتُنا ظِلُّكِ.. أنَّى ارتمى

ونحنُ أبناءُ الصَّدى المُستَعادْ

جرير: "للفرزدق"

رائعةٌ كالصُّبْحِ..

الفرزدق: "لزميله"

لا خَوْلَةٌ.. ولا نَوَارٌ

جرير: تستثيرُ الجمادْ

يا أمَّ عُثمان*. لهذا الصبا

لهذه الفتنةِ يُلقى القِيَادْ

يعتصرُ لاشاعر الحانهُ

يذوبُ إثر الظاعنينَ الفؤادْ

الفرزدق: "متمتماً"

يا جسداً لو ملكتهُ يدي

نقعتُ منه غُلَّ حَرَّانَ صادْ

الشاعر: "لنفسه"

يا شرثنا المسكينْ..

على مدى الدهر وكرِّ السنينْ

يعيشُ في لحمِ امرأةْ

يموتُ في لحمِ امرأةْ

خيالُهُ، وعقلُهُ الحزينْ

قد صُلِبَا في جسدِ امرأةْ

في لحمِ أُنثى صُلِبَ الحنينْ

والشعرُ والتَّفَجُّرُ الدفينْ

على مدى الدهرِ، وكَرِّ السنينْ

يا شرقنا المُكّبَّلَ المسكينْ؟

شهرزاد: "لاصمعي"

ماذا يقول الليل؟ ماذا تقول

أيامك الغرّ.. ذوات الحجول*؟

الأصمعي: لم يبقَ في الكوبِ سوى قطرةٍ

أقمارنا الخضر طواها الأفولْ

الشاعر: "مقاطعا"

شرارةً من عصرنا جئتُكم

لِنُشْعِلَ التاريخَ..

الأصمعي: دربٌ يطولْ

حُلْمٌ يهونُ العمرُ من أجلهِ

أن يُشعلَ التاريخُ.. حُلْمٌ يهولْ

عِظامُنا بارِدةٌ في الثّرى

فلا تُطيلوا المُكْثَ فوق الطُّلولْ

شهرزاد: لا تيأسوا..

الأصمعي: لا تُرْهِقُوا ظهركم

بنا.. دعوا الموتى.. دعونا نزولْ

الشاعر: "في تصميم"

سَنُشْعِلُ التاريخَ..

شهرزاد: لا تيأسوا!

الأصمعي: ولا تُطِيلُوا المُكْثَ فوق الطلُّولْ

a7med
03-13-2009, 04:33 PM
أبو نُواس



"الشاعر وشهرزاد على الشط..

يتمشيان في ضوء القمر.."

***

شهرزاد: الليلُ بَردٌ وندى وقصّةٌ تُقَالْ

أَمَا تَعِبْنا؟

الشاعر: واحتي.. تَمُورُ بالظلالْ

تَلفُّني بِنَشْوةٍ

أخصبَ من خيالْ

أعمقَ من هذي النجومِ..

شهرزاد: "وهي تبتسم"

عُدْ إلى السُّؤالْ

أما تعِبْنا؟

الشاعر: مُتْعِبٌ كالعطشِ الجَمَالْ

كالجُوِعِ، كالضّياعِ في مجاهل الرمالْ

التّعبُ الحلو الذي

نبحث عن أسفارهِ

نَلَذُّ وهجَ نارِهِ

نُنْشِئُ من أخبارهِ

أشعارنا، وعمرنا..

شهرزاد: أجب عن السؤالْ

أما تعِبْتَ؟ ليتنا

نأوي إلى رصيفْ

إلى جناحيْ موجةٍ

أو غُصُنٍ وريفْ

الشاعر: نحن ضيوفُ الشطِّ..

شهرزاد: يا لروعةِ المُضِيفْ!

الشاعر: أُحِسُّ يا صديقَتِي

أَنِّي هنا أبدْ

معلّقٌ بنخْلةٍ

طافٍ على الزّبَدْ

مُنْغَرِسٌ في قاعِ هذا النّهْرِ،

مصلوبٌ على الجَلَدْ*

الأرضُ أرضي..

شهرزاد: "في شرود"

أرضُنَا للحُزْنِ والسَّهَدْ

منكوبةٌ بناسِها

بالأهلِ والوَلَدْ

الشاعر: لا بُدّ أن يذوبَ في الهجير ما جَمَدْ

لا بُدّ أن يستيقظَ القبرُ الذي رَقَدْ

لا بُدَّ..

شهرزاد: هَيّا نعبُرِ الحزنَ إلى أمدْ

نتركُهُ لمن يجيءُ.. ليلُنا بَرَدْ

الشاعر: "كأنما يناجي نفسه"

خُذيني على هذا الرصيفِ غمامَةً

من الهمّ، أو برقاً من الشِّْرِ أخضرا

سأتركُ ريشي في السفوحِ ومِزْقَةً

على الصّخْرِ من روحي وعيناي في الذُّرَى

أُحِبُّكِ ينبوعاً بعيداً.. أَعُبُّهُ

لأعطشَ.. حتى ينزِفَ الليلُ أحمرا

شهرزاد: أتراهُ؟

الشاعر: من تقصدين؟

شهرزاد: على الشطّ.. بياضٌ مُجَلَّلٌ بِبَياضِ

غَسَلَ الإثْمُ روحهُ

الشاعر: يا لأثمْ يغسلُ الروحَ!

شهرزاد: أنت جَوَّابُ ماضِ

لا تَسَلْني.. في جعْبَتي طُرَفُ الدنيا..

وملأى بالنادراتِ وِفاضي*

إنه قادمٌ إلينا..

الشاعر: من القادم؟

شهرزاد: روحٌ عادَتْ من الأنقَاضِ

هَدَأَتْ في مَرافئِ النّدَمِ المُرِّ

فِراراً من ذَنْبِها المَضّاضِ

أبو نواسَ: "يقترب من شهرزاد كأنه يعرفها منذ أمد بعيد.."

مرحباً مرحباً بغاليةِ الطِّيبِ

بأحلى أشعارِنا الغابراتِ

مرحباً شهرزاد!

شهرزاد: أنت على الشطِّ؟

أبو نواس: شبابي، طفولتي، صبواتي

كلّها في محاجِرِ الشطّ حُلْمٌ

أتملّى نُعْمَاهُ في سَبَحاتي

عدتُ يا شهرزادُ، عُدْتُ إلى أهـ

ـلي، إلى نخلتي، إلى ذكرياتي*

هارباً من جحيمِ بغدادَ.. منْ مَا -

ضِيَّ - عفوَ السماءِ - من عثراتي

شهرزاد: مرحباً يا أبا نُوَاسٍ.. لِقاءٌ

دونما موعدِ بشيخِ العُصاةِ

أبو نواس: في مهاوي النسيانِ طوّحْتُ بالأَمْـ

ـسِ فلِمْ تلعبينَ بالجمراتِ؟

"يلتفت إلى رفيقها"

من رفيقُ الجمالِ؟

شهرزاد: طيفٌ شريدٌ..

الشاعر: زائرٌ من مفاوزِ الليلِ آتِ

أبو نواس: مرحباً بالصديق..

الشاعر: موسمُ شِعرٍ

وجنونٍ..

أبو نواس: "بعد لحظة صمت"

أتيتَ بعد الفواتِ..

النُّواسيُّ زورقٌ من ذُنُوبٍ

يا صديقي أرسى على الزَّفَراتِ

كان من صُنْعِنا الجَحيمُ، فواغَو -

ناهْ.. أين الفرارُ من مهواتي؟

الشاعر: "ينشد من شعر أبي نواس"

"حامِلُ الهوى تَعِبُ.. يستَخِفُّهُ الطّرَبُ"

"تعجبينَ من سقمي.. صحّتي هي العَجَبُ"

أبو نواس: "هازاً رأسه"

لكلِّ غصنِ ربيعٌ، ثُمَّ تُسْلِمُهُ

ريحُ الأسى لسياطِ الثلجِ والبَرَدِ

الشاعر: "يعاود الانشاد من شعر أبي نواس"

"عاجَ الشَّقيُّ على رسمٍ يُسائِلُهُ"

"وعُجْتُ أسألُ عن خمّارةِ البلدِ"

أبو نواس: ماذا تريدُ؟

شهرزاد: رفيقي في ضيافتنا

يُزَحْزِحُ الثلْجَ عن قِيثارنا الغرِدِ

أبو نواس: "كأنما يتذكر ماضياً بعيداً"

ثورةٌ كنتُ على الرسمِ البليد

ثورةً كنتُ على ليلِ الجمودِ

أتحدّاهُ بما في بُرْدتي

من شبابٍ تاركاً خلفي قيودي

ثورةً كنتُ..

شهرزاد: وعصفوراً غَوى

فليالينا أريجٌ وهوى

أبو نواس: "ضاحكاً"

مِنْ حكاياتكِ لي واحدةٌ

شهرزاد: عبّ منها الليل لكن ما ارتوى

أبو نواس: "في جد حزين"

لمسَ الناسُ تُخُومي وحدها

من دروبي عرفوا بعض الصُّوى*

لم أكنْ سكرة ليلٍ، طُرْفةً

في بلاطٍ ضّمّني فيما احتوى

لم أكنْ..

الشاعر: يروون شيئاً عجباً

كوكبٌ في حمأةِ الطّينِ هوَى

أبو نواس: كوكبٌ؟ لا، يا صديقي، إنني

نقْمةُ الضوءِ على سُودِ الكُوَى

عاصِفٌ من ألمٍ.. فجّرتُهُ

في حنايا الكأسِ مهدودَ القُوَى

"بعد لحظة صمت"

مِلْءُ روحي.. مِلْؤُها حُفَرٌ

فَدعِ المَهْزُومَ في حُفرِهْ

" لا أذُودُ الطّيرَ عن شَجَرٍ"

"قد بلوتُ المُرَّ من ثمرِه*"

شهرزاد: "في دعابة"

الماجنُ الكبيرْ

أرهقه السّفَرْ

في الخمرِ، في السّعيرْ

في الوحْلِ، في الحُفَرْ

أبو نواس: طُفولتي تَحَرُّقٌّ مُثيرْ

إلى سماءٍ تسرِقُ البصرْ

صنعتُ يا أختاهْ من أجيرْ

مُحَدّثاً يمتلِكُ الأثرْ*

ضربتُ في الصحراء، في الهجيرْ

الهثُ خلفَ البدوِ والحضرْ

ألوبُ حول المورد النميرْ

أسائلُ الرمضاءَ عن خبرْ

عن لفظةٍ شاردةٍ تطيرْ

في ظمئي.. عن مقطعٍ نَفَرْ

كان أجيراً شيخُكِ الكبيرْ

مَرّغَهُ بالفاقةِ القَدَرْ

وثمني دينارْ

لِنُزهةٍ دينارْ

لطالما استأجرني الكبارْ

حمّال أثقال لهمْ.. للسادةِ الكِبَارْ*

وكان للحمَالِ عينانِ على القمَرْ

الشاعر: إذاً قد انتقمتَ..

أبو نواس: بالآثام، بالذُّنوبِ، بالشرورْ

بأصلَبِ الصُّخورْ

أمضَغُها، أمُجُّها في الكأسِ،

أهوِي فوقها

مُهدِّماً مُهَدَّما

مُنْطفِئاً حتى العمى

في سكرةٍ.. حتى العمى

ممزّقاً بظُفُرِ العَتَّالِ ما يَدْعُونَهُ فَضَائِلَ البَشَر

شهرزاد: دفنتَ بلواكَ إذاً في الخَمْرِ، في الدماء

أبو نواس: "في صوت هادئء عميق"

كانتْ "إلهي" الخمرُ يا صديقتي،

وصلواتي كانتِ الأشعارْ

لا بُدّ للإنسانِ من إلهْ

يُزْجي له الصلاهْ..

لا بدّ يا صديقتي للروحِ من سماءْ

لا بُدّ من سماءْ..

تنْهَلُ منها الحُبّ، والربيعَ، والصفاءْ

لا بُد من سماءُ..

تنهل منها الحبَّ، والربيعَ، والصفاءْ

لا بدَّ من سماءْ

الشاعر: لم يلمِسُوا منكَ سوى الكدَرْ

لم يعرفوا الشواطئ الأُخَرْ

يا رائعَ السَّفَرْ

لم يَسألوا الحُفَرْ

عن طِفْلِها.. عَنْ رائد القَمَرْ

محمّلاً بكلّ ما في الأرضِ من وَضَرْ

لم يسألوا..

لم يسألوا..

الأغبياءُ الفاضلونَ السادةُ البَشَرْ

أبو نواس: "وهو يواصل طريقه منفرداً"

مالي وللدُّنيا وللبشرْ!

هدأتُ في مرافئِ الصّفاءْ

ولُذْتُ بالسماءْ

كبيرةٌ، رائعةُ الصَّفْحِ

كقلبِ الطّفْلةِ السّماءْ

كبيرةٌ.. مالي وللبَشَرْ!

"يتوراى أصداءَ بعيدةً بين النخيل"

شهرزاد: قِصّةُ النارِ التي سُرقتْ..مُنْذُ أن كنا من الأزلِ

قِصّةُ الإلهامِ .. تجعلكمْ .. قوتَ ما تُذْكُونَ من شُعَلِ

"تلتفت إلى صديقها"

عنكَ لمّا تروِ لي خبراً.. سوف أُصغي مرّةً فقُلِ

a7med
03-13-2009, 04:36 PM
السندباد يروي حكايته الثامنة


"معروف أن للسندباد سبع حكايات لسبع رحلات.."

***

هيّأتُ للرحيلْ

طفولتي وبيتي القرميدْ

وقُلتُ للجليد

في حلمِ الطفولةِ العنيدْ

مسافرٌ أنا غدا

مُجلْجِلٌ صدى

في وطنِ الأموات والعبيدْ

مسافرٌ أنا غدا

كالرّعدِ، كالنّدى

بكل ما أملكُ من غليلْ

من عطَشٍ إلى الحياة رائعٍ نبيلْ

أدُقُّ بابَ البعثِ في مخيّمِ الرّدى

أهُزّ هذي الجُثّةَ القتيلْ

***

هيّأتُ للرحيلْ

عينينِ تحلُمانِ بالشموسْ

تُفَجِّرُ الأضواءْ

وتفتحُ السماءْ

لموكبي الزاحفِ بالوعودْ

وكانتِ الرُّعودْ

تضجُّ في رأسي بلا أصواتْ

وتنشرُ الأمواتْ

تنشرهم من وَْشةِ الرُّموسْ*

في قريتي..

في الجُثّةِ القتيلْ..

***

سافرتُ تحت التينِ والرّمانِ والزيتون

على جوادِ عنترةْ

والملكِ الظاهر، والكتائبِ المُظَفّرةْ

مررتُ بالمُعلّقاتِ العشرِ،

بالنّفائسِ المُدّخرةْ

حفظتُ من أبياتها الآلافْ

أضفتُ من خيالي الآلافْ

أحسستُ أنّ رأسي الصغيرْ

يخترقُ الغيومْ

يدقُ بالنجومْ

يبني بجذعِ التينةِ الصغراءِ،

يبني الوطنَ الكبيرْ

***

سهرتُ حتى تعبَ السّهَرْ

على جفوني واشتكى القمرْ

سهرتُ في مناجمِ العِظامْ

في المتنبي، في أبي تمامْ

رأيتُ كيف تنحني الشّفاهْ

وتسجُدُ الجباهْ

على حِذاءِ "صَنَمِ"

على خيالِ درهَمِ

تسألُ، تستعطي بلا حياءْ

تُمرّغُ السماءْ

في العَتَباتِ السُّودِ والبيض على السّواءْ

وعُدْتُ أبكي روعة النّغَمْ

يذوبُ في "صنمْ"

يُعملقُ القزمْ

وفي يديهِ أبداً سُؤالْ

ومِدْحَةٌ.. تستمْطِرُ النوالْ

***

وذات يومٍ راعَني بِناءْ

يغيبُ في الفضاءْ

يُطاولُ السماءْ

كان بلا رفارفٍ حسانْ

بلا نُقُوشٍ تزحَمُ الجُدرانْ

كان البناءُ الفَذُّ من حصيرْ

وظامئينَ ازدَحموا

وفي العيونِ نَهَمُ

يُصغونَ في صمتٍ إلى ضريرْ

يشمخُ كالتاريخِ، كالمنارْ

يُوَزّعُ الأبصارْ

وأبداً يُضيء

لكلّ من جاءَ، ومن يجيءْ..

ينداحُ في الزمانِ والمكانْ

ينداحُ من معَرّةِ النُّعمانْ

***

وعُدتُ من منجمِ الخُلُودْ

مُشرّداً عن بيتي القرميدْ

في بلدي طريدْ..

كيفَ يكونُ المرءُ في منزلهِ طريدْ؟

كيف تدُقُّ رأسهُ الأسوارُ والحدودْ

أنّى مَشى.. الأسوارُ والحدود

في وطن الآباءِ والجدودْ؟

كيفَ ؟ سُؤالٌ لم يزلْ يرودْ

أعماقَ أعماقي بلا جوابْ

أعرفُهُ.. لأنه أوضحُ من نهارْ

أعرفُهُ ما دَقّتِ الأسوارْ

رأسي الذي يرفعه إعصارْ

من ألمٍ، من نِقمةٍ، من نارْ

لكي أقولَ: لا،

لهذا الحاضرِ الذليلْ

لكي أهُزَّ الجُثّةَ القتيلْ

***

رأيتُ ألواناً من "الدُّمى"

يرفعها "الحواةُ" حتى تنطحَ السما

يرفعها "الحواةُ" فوق الحُكْم والعروش

ما أكثر الأربابَ والعُروشْ

فوقَ ثرانا الطيّبِ الحزينْ!

يسارُها المحمومُ كاليمينْ

قطيعٌ جائعينْ

لمقعدِ أذلّ من وتدْ

عل حطامِ الوطنِ اقْتُعِدْ

ولم تُثِرني "دميةٌ" بتاجْ

تعُبُّ من دمي

لكي لا يُخْرَقَ السياجْ

ويستفيقَ اعاصِفُ العظيمْ

ويرحلَ التاجُ إلى الجحيمْ

أثارني...

مالي وللجِراحْ..

أغرِزُ فيها صرخَتي

منذُ بدأتُ رحلتي

لتسمعَ الرياح

يا دربنا الدامي الذي كان اسمُهُ الكفاح

لتسمَعَ الرياحْ!

***

رجعتُ من حكايتي..

من غُرْبَةِ السنينْ

بحلُمٍ طعينْ..

أعطيتُه أثمنَ ما في العُمْرِ من ثمينْ

ولم أزل أعطيهُ

الحلم الضّخمُ الذي أحيا له، وفيهْ

يمُرُّ في عينيّ حيناً أسوداً كفحمةِ الدُّجى

كغَرْغَراتِ النَّزْعِ.. لا نبضةَ تُرْتَجى

ومرّةً.. يسطعُ كالشهابْ

يُمَزِّقُ الضبابْ

ويملأُ اليبابْ

حدائقاً خُضراً..

وأطفالاً..

وأنبياءْ

وتضحكُ السماءْ

في كلماتي.. تضحكُ السماءْ

وينبتُ الربيع في عينيَّ

ملءَ السهلِ والجَبَلْ

وأكتُبُ الغزلْ

لطفلةٍ في خاطري سمراءْ

أحببتُها..

فوقَ صفاءِ الحُبّ..

فوقَ الشعرِ والغِنَاءْ